الدرس الرابع عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

10863 27
الدرس الرابع عشر

أخصر المختصرات 3

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتاب والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، نرحب بكم في حلقة جديدة، من برنامج (جادة المتعلم)، والذي نشرح فيه كتاب (أخصر المختصرات)، للإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي -رحمه الله تبارك وتعالى-، ويصحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ د. عبد الحكيم بن محمد العجلان، باسمكم جميعًا نرحب بشيخنا المبارك.
حياكم الله شيخ عبد الحكيم}.
أهلًا وسهلًا، حياك الله والمشاهدين والمشاهدات، طلبة العلم جميعًا
{آمين، آمين، جزاكم الله خير الجزاء.
شيخنا المفضال، كنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند بداية كتاب (البيع)، عند قول المؤلف: (وَكَوْنُهُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ).
قال -رحمه الله-: (وَكَوْنُهُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا لَهُمَا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ تَكْفِي فِي السَّلَمِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يتم علينا وعليكم نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يُبلغنا طاعته، والاستقامة على أمره، والاستنان بسنة نبيه ، وأن يَعصمنا من الفتن ما بقينا، وأن يحفظنا على الإسلام والسنة، وأن يحفظ بنا الإسلام والسنة، وأن يُميتنا على ذلك غير مُبدلين ولا مُغيرين، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولأزواجنا، وذرياتنا، وأحبابنا، والمسلمين.
أيُّها الإخوة المشاهدون: لا يزال الحديث موصولا في شروط البيع، وهي من أهم ما يجب على الطالب أن يدركه ويضبطه؛ لأنها تنبني عليها مسائل كثيرة في كثير من مسائل المعاملات.
وكنا ذكرنا الشرط الرابع، وهو أن يكون مملوكًا له أو مأذونا له فيه، ونسينا أن نُنبه على أنَّ بعض الأشياء لا تُباع، وذكروا منها: ما فُتِحَ عَنوة كأرض العراق وغيرها، باعتبار أنها عند الفقهاء وقف من الأوقاف، فلا يجوز التصرف فيها.
وكذلك أيضًا ذكر الحنابلة أن رباع مكة، أي: بيوتات مكة لا تباع، ثم ما سبب ذلك؟
بعضهم ردها إلى كونها فتحت عَنوه، وبعضهم قال: ما جاء فيها من خصوص الآثر، وبعضهم قال: إنها متعلقة بالبيت وحرم له، فلأجل ذلك لم تبع، وهذا فيه لا شك حرج كبير، وتضييق على الناس، وعمل الناس على خلاف ذلك، ولذا كانت الرواية الثانية عند الحنابلة -رحمهم الله تعالى- بجواز البيع وعليه العمل، وبدٌ من ذلك لمسيس الحاجة إليه.
الأوقاف أيضًا لا تباع إلا لحاجة أو لضرورة، على ما سيأتي -بإذن الله جل وعلا- في ذلك، وما يشترك فيه الناس وهو الماء والكلأ والعشب؛ فإنها لا تباع إلا أن تُحاز، فعلى سبيل المثال: إذا كان نهرًا جاريًا فليس لأحد أن يختص بشيء منه فيقول: من يشتري هذا وهو في محله، وكذلك من جاء وقال: من يأتي إلى هذه البئر فيأخذ منها دلوًا بريال أو بعشرة ريالات.
لكن إذا حازه في جالون، أو حازه في سيارة، أو حازه في قارورة أو أنبوبة أو نحو ذلك مما يباع مثلًا في أماكن التموين ويشربه الناس أو غير ذلك، فهذا بيع لحيازته.
ومثل ذلك أيضًا: المعادن الجارية، فإنها لا تملك بملك ما عليها من الأرض؛ لأنها مُنتقلة كالطيور التي تقف في البستان ثم تطير، فليس مجيئها في هذا البستان بسبب مِلكِ صاحبها لها، وكذلك المعادن الجارية.
إذًا هذا كالتنبيه أو كالمكمل لِمَا مَرَّ بنا في المجلس الماضي.
قوله: (وَكَوْنُهُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ) يعني: لابد أن يقدر على التسليم، وقلنا: إنَّ ذلك مبناه على أن عدم التسليم يُفضي إلى المنازعة، والشرع جاء في العقود بقطع المنازعات، ورفع الخصومات، وأداء الحقوق إلى أهلها من غير ما غبن، أو جهالة، أو قمار، أو ربا، على ما مر الإشارة إليه.
فلأجل ذلك قلنا: السمك في الماء مثلًا لا يُباع، والبعير الشارد، والعبد الآبق، والطير في الهواء، قالوا: حتى ولو كان له مكان يأوي إليه، إلا أن يكون مُغلقًا، فإذا كان مغلقًا فصحيح، وأما إذا لم يكن مُغلقًا فقد يأتي وقد لا يأتي، ولا يُحمل الناس على أمر قد يقع منه جهالة، فيقع منه الخلاف.
ومثل ذلك: السمك في الماء، فلو أنَّ شخصًا مثلًا جاء إلى قطعة من البحر فشبكها، ولو كان فيها كبر، فيجوز البيع هنا، لأنه مهما طال أو حصل من الإشكال، أو طول المدة، لكنه يصلون إليه، فلأجل ذلك يقولون: ولو طالت، مع أنه إذا كانت تطول المدة فقد ينشأ الخلاف، فلأجل ذلك ربما منع بعضهم، وإن كان هذا خلاف المشهور عند الفقهاء -رحمهم الله تعالى-.
إذًا هذا معنى: (وَكَوْنُهُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ) وذكرنا أنَّ المغصوب لا يُباع إلا على غاصبة أو قادرٍ على ذلك، فالغاصب لو قال: خلاص ما دام أنك غصبته وأنت محتاج إليه، فأنا أبيعك إياه، فتبايعا على ذلك فيجوز، وإلا فأصل أنَّ المالك لا يستطيع أن يُسلمه؛ لأنه ليس بيده، والغاصب له قوة وقهر وجبروت.
وقالوا: "أو قادر على ذلك: لو جاء شخص وقال: أنا قادر على أني أخذه من الغاصب.
كحال من غُصِبَ منه الجوال فقال له آخر: أنا أشتري منك الجوال المغصوب عند فلان، قال له: هو مغصوب، فرد عليه قائلاً: أنا أستطيع أن آتي به. فهنا يقولون: يجوز، ولكنهم يقولون: إذا اشتراه ثم لم يستطع أن يتحصل عليه فله أن يفسخ في تلك الحال.
قول المؤلف –رحمه الله تعالى- في الشرط السادس: (وكونُهُ مَعْلومًا لَهُما برؤيةٍ أو صِفَةٍ تكفي في السَّلَمِ) هذا من الشروط المهمة، وهو العلم بالْمُثْمَنْ، العلم بالمبيع، لابد أن يكون معلومًا؛ لأن الجهالة تُفضي إلى المقامرة، فقد يشتري الإنسان ظانًا أو متوقعًا أنَّ هذا يساوي مبالغ كبيرة، فإذا هو بخس الثمن لا يساوي، فما دفعت فيه من الثمن يكون فيه غَبن وجهالة كبيرة؛ فلأجل ذلك قالوا: لابد أن يكون معلومًا.
وتحصيل العلم إمَّا بالرؤية وهذا ظاهر، أو الصفة؛ لئلا يُضيق على الناس، وجاء في الشرع أن ما يُستجمع من صفات المبيع يكون كرؤيتها، ولذلك جاز في السلم، فيقولون: الذي أجازه الفقهاء في السلم في البيع بالصفة، هو الذي يمكن ضبطه، وبناء على ذلك أجازوا ما ينضبط بصفته مما ذكروه في بابه، الذي هو باب السلم، وسيأتي معنا ما يتعلق بباب السلم، والصفات التي ذكرها الفقهاء، وما آل إليه الأمر في هذه الأوقات، التي ربما يتوسع في ذلك لدقة الصناعة وتماثل المصنوعات.
إذًا (وكونُهُ مَعْلومًا لَهُما برؤيةٍ أو صِفَةٍ تكفي في السَّلَمِ).
وهنا نحتاج إلى شيء من التوضيح، وهي أن هذه الرؤيا قالوا: أولًا لابد أن تكون مقارنة للعقد؛ لأنك لو رأيته لكن بعد سنة ربما تكون السيارة صار عليها حادث، ربما السيارة شحب لونها، تقطعت أماكن الجلوس فيها، إلى غير ذلك من الأشياء، فلأجل ذلك قالوا: لابد أن تكون مقارنة أو قريبة من ذلك بحيث لا تتغير ظاهرًا، يعني: الظاهر أنها لا يحصل فيها تغير، فإذا رآها فحصل.
ثم هذه الرؤيا إمَّا أن تكون لمجموع الشيء، يعني: أن يراه كله، أو يرى جزءًا منه يدل عليه، فعلى سبيل المثال: ما يشتريه الناس من المنسوج، أحيانًا تكون مطوية، لكنها مصنوعة على هيئة واحدة، فإذا أراك شيئًا منها فإنه يكفي لجميعها.
لكن لو كان بعضها أمتن من بعض مثلًا، أو كان بعضها فيه نقش أو لون آخر، فإن رؤية البعض لا تكفي عن رؤية الآخر، فلأجل ذلك قالوا في المنقوش: لابد أن يرى من الجهتين وهكذا.
إذًا المهم أنَّ فيه الرؤية، والرؤية الدالة على هذا تتفاوت بحسب ذلك المرئي، فيجوز في مثل هذه الحال، أو يلزم في كل شيء ما يتأتى به العلم، وتنتفي به الجهالة، ويمتنع تبعًا لذلك المنازعات.
{شيخنا أحسن الله إليك. الآن من ضمن الصور المعاصرة، بعض الناس يشتري أشياء عن طريق المواقع الإلكترونية، هل يكفي هذا؟ إذا كانت سيارات أو غيرها}.
طيب هذه صارت جزءًا من حياة الناس، مهما كان فيها من بعض الإشكالات إلا أنَّ الحاجة تدعوا إلى أن لا نضيق على الناس، لأنها من الأشياء التي لا يجدها الناس إلا عبر المواقع، أو يجدها الناس لكن بأسعار مُتفاوتة جدًا، وبينها بون شاسع، وبناء على ذلك: ما تكون رؤيته كافية بتصوير ونحوه، ودقة بالغة، ومذكور تبعًا لذلك ما فيه من الصفات، فهذا واضح لا إشكال فيه.
أو حتى الوصف البين الجلي؛ لأنه الآن وخاصة مع الصناعات صارت الأشياء متصورة، لها أمثلة كثيرة، فبناء على ذلك يمكن التوسيع فيها، ولكن يوجد بعض الإشكالات خاصة في الألبسة، نعومتها أو خشونتها، وهذا مما لا يدرك بالرؤيا، وإنما تدرك باللمس، ولكن هذه لها معالجة، وهو أن يذكر النوع فيقال مثلاً: سلك صناعي، سلك طبيعي، أي: حرير أو نحو ذلك، إلى غير هذا، وهذا طبعًا باعتباره أنه لباس للنساء؛ لكونهن يجوز لهن لبس الحرير، وبناء على ذلك: إذا تأتى بها العلم فيكفي في ذلك.
إذًا قال الفقهاء: إذا رآه على وجه لم تحصل به نفي الجهالة، فإن له الفسخ، وبناء على ذلك يمكن أن نقول: لا غضاضة على الناس أن يتعاطوا هذه البيوعات، وإذا بان فيها شيء، فإنَّ لهم الفسخ فيها.
ومن تيسير الله -جل وعلا- أن كثيرًا من التسويق عبر هذه المواقع، يوسع في الرد ونحو ذلك، وهم ربما يكون لهم هدف تسويقي أكثر وتجاري، لكنه يتحصل به المقصود الشرعي من نفي الجهالة وفوات العلم به.
هنا مسألة مهمة: لَمَّا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الرؤية، قلنا: تصح الرؤية لبعضه، ولكن هناك صورة كثيرة منتشرة، والحنابلة وجملة من الفقهاء ينصون على منعها، وهي ما يسمى ببيع الأنموذج، وهو أن يجعل له واحدة مفتوحة يراها الناس، ثم إذا أراد الشراء أتى لهم من المستودع، وبعض الأشياء لا يفتح، بل يكتفون بما فتح والموجود أمامهم، وقد قال الفقهاء عن هذا: لا يصح.
{ما وجه الإشكال؟}
ما ذكره الفقهاء صحيح؛ لأنَّ الصناعات كانت يدوية، ويكون بينها تفاوت كثير، فما جُعِلَ باليد ففي الغالب لا يكون مماثلاً، وهذا خلاف في رؤية البعض، رؤية البعض تدل على رؤية الكل، ولكن هذا يختلف عن هذا.
وأمَّا الآن فمع وجود الصناعة والتماثل الكامل أو التام، بحيث لا يختلف في نسبة مئة بالمئة، وصارت إلى حد ما متطابقة، إلا بعض الأشياء وهذا نادر لا حكم له.
فبناء على ذلك: إما أن نقول: إنَّ بيع الأنموذج جائز، وهو رواية ثانية عند الحنابلة، وهو قول لجمع من الفقهاء، وإن كان ابن حزم -رحمه الله- كان موقفه حادًا، وهو كعادته في قوته في الرد والمناقشة ونحوه، فيقول: "على شريعة فيها بيع الأنموذج العفا وصفع القفا" وكلام شديد منه -رحمه الله تعالى-، وهذا كالتنبيه للطلاب إلى أنه -كما ذكر أهل العلم- لا ينبغي للطالب النظر في المحلى؛ لأنَّ ابن حزم عُرِفَ بقوته وشدته، وربما يفسد على الطالب فهمه، ويفسد على الطالب أيضًا موقفه من المخالف، والنظر إلى أهل العلم حال حصول التباين في الأقوال، والاختلاف في المسائل.
إذًا هذا منهج، والذي عندي أنه يمكن أن يقال: إن الصور الحالية ليست داخلة في بيع الأنموذج، وأنَّ رؤية الشيء كرؤية الآخر مئة بالمئة، أو داخلة في عبارة: من رؤية بعضهم، وهو رؤية له حقيقة، ولأجل ذلك ليس فيه إشكال، لا من وجه بعيد ولا من وجه قريب.
لماذا احتجنا إلى مثل هذا الكلام؟
لأننا لو قلنا للطالب إنَّ بيع الأنموذج جائز ولم نُبين، ثم قرأ الطالب فوجد كلامًا لأهل العلم فيستشكل عليه الفرق بين الصورتين، ولذا احتجنا إلى التوضيح.
ذكر الفقهاء هنا مسائل، أنَّ الأعمى يجوز بيعه وشراؤه مما يستطيع معرفته بالتحسس واللمس والذوق ونحوه، ومن المعلوم أنَّ للأعمى من الدقة والحذق في ذلك أكثر ممن سواه.
توجد معاملات كثيرة ممتدة من الجاهلية إلى وقتنا هذا، مبناها على المقامرة، وهي بيوعات الجهالة، فيغطي ساعته ويقول: هذه بهذه، وهو الذي عند الفقهاء يعرف: بيع الملامسة، أو المنابذة، أي واحد لمسته فهو عليك بمائة، فقد يلمس ما يساوي خمسة آلاف، وقد يلمس ما يساوي خمس ريالات، وهذا موجود أيضًا في الأسواق الغربية وغيرها، ولها أسواق ومجالات كثيرة.
والشارع قد جاء بالنهي عنها، وهذا الشرط أيضًا يدل على ذلك، فلما نهى النبي عن بيع الملامسة والمنابذة ونحوه؛ دلَّ على أنه لابد من العلم، وبالرؤية أو الصفة النافية للجهالة؛ لئلا يدخل الإنسان على ما يكون فيه عليه غَبن، أو جهالة تُفضي إلى النزاع.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَكَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلومًا، فلا يَصِحُّ البَيْعُ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السّعْرُ)}.
قال: (وَكَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلومًا)، أي أنه أيضًا لابد من العلم بالثمن، وبناء على ذلك لا يجوز للإنسان أن يشتري ما لم يعلم ثمنه، مثال: اشتريت كتابًا، فقال البائع: أعطني عشرين ريالا، فقلت له: هذا لا يساوي عشرين ريالًا، فقال: لقد تم البيع.
نقول: لا يجوز ذلك؛ لأن هذا مما يحصل به الجهالة أيضًا، وقد ذكرنا أنَّ قاعدة الجهالة منفية في الشرع-، ولأجل هذا يقول الفقهاء: لا يجوز بيع الشيء برقمه، يعني إذا كان مكتوب عليه شيء.
والآن تجد أن كثيرًا من المحلات وأماكن الاتجار ونحوها مكتوب عليها بالرقم، وهذا سبب التنبيه غير الصورة الواقعة، الصور الواقعة أن يشتريا برقم والرقم مغطى، يعني: دخلا على عقد يجهلان السعر فيه، وأمَّا إذا رأيت السعر فلا إشكال، أو أحيانًا بعض المحلات ليس فيها سعر، وتأخذها وتعطيها المحاسب، فيمرر عليها الماسح، ثم تعطيه الحساب.
فنقول: إذا علمت سعر هو وقت العقد، فإذا علمت أنها كذا خلاص فانتهى، ولكن لو اشتريت بدون هذا، ثم تبينت وجود غبن أو غيره؛ جاز لك أن ترده، لأن شروط لم تكتمل، ومن شروط البيع أن يكون الثمن معلومًا.
{طيب يا شيخ، أحسن الله إليكم، في بعض المسائل المعاصرة، بعض المحلات تكون قابلة للتصفية، فيأتي ويقول: ادفع مئة ريال واختر أي بضاعة موجودة، ربما هذه البضاعة تساوي ألفًا أو خمسمائة، وهو دفع مائة ريال، هل هذا يدخل في حكمها؟}.
 إذا كان يأخذ المئة ريال ويقول: خذ ما شئت، فلا يجوز له أن يرجع، يعني لو جاء وأراد الخروج قال: والله ما جاز شي أعطني المياه قال: لا، لابد أن تأخذها. هذا بيع مجهول.
وأما إذا قال: خذ أي شيء بمئة ريال وأعطني ما يدل على أنك عازم على الشراء، لئلا يكثر عليَّ الناس بدون فائدة أو ينفروا، فإذا نظر وأخذ ثم اتفقا، فالعقد هذا وقته، فاتفقا على معلوم، وأمَّا إذا كان يلزمه كيفما كان بأن يأخذ أي قطعة، فهذا يدخل في بيع المجهول ولا يجوز.
هنا قول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (فلا يَصِحُّ البَيْعُ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السّعْرُ)، ما معنى ما ينقطع به السعر؟ يعني قال: تبيع سيارتك؟ قال: نعم، قال كم تأخذها؟ قال: انظر كم تساوي في السوق واشتريت. فذهب بها إلى السوق ووصلت سبعة وأربعين ألف.
فقال: لا والله سبعة وأربعين كثير، قال: له أنت اشتريت. نقول: إذا كان العقد على أي شيء وقفت عليه، والعقد سابق للعلم بهذا، فلا يجوز، وأمَّا إذا قال: اذهب وانظر كم تساوي! قال: إن قيمتها سبعة وأربعين ألف، فالعقد بعد أن علم بالثمن فلا إشكال فيه، ولكن الإشكال أن يعقد قبل أن يتفقا.
هذه الصورة ربما أجازها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بما ينقطع به السعر، قال: لأن الأسواق في العادة تعطي السعر المعتاد أو المعلوم، فأجازوها على شيء، ونحن لا نوسع في هذا الحقيقة؛ لأنها مدعاة للجهالة؛ ولأنَّ هذه الصورة بعينها صارت سببًا لتعلق بعض الصور المعاصرة التي لا وجه لإجازتها، فيذهبون إلى مذهب ابن تيمية في هذه المسألة، ثم يفرعون على ذلك مسائل كثيرة من المسائل المعاصرة التي فيها إشكالات فيجيزونها.
فيما يعلم بالرؤية في الشرح الذي قبله، هناك أشياء كثيرة يحصل فيها إشكال، وهي مثل البطيخ والأشياء التي لا يمكن العلم بما فيها، فيقولون: يصح مع كونها مغلقة، لأنها على هذا النحو؛ ولأنه يمكن أن يستدل ببعض ظاهرها على باطنها.
قال -رحمه الله-: {(وَإِنْ بَاعَ مُشَاعًا بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيرِهِ، أَوْ عبدَهُ وعبدَ غَيرِهِ بِغَيرِ إِذنِهِ، أَوْ عبدًا وحُرًّا، أو خَلًّا وخَمْرًا صفقةً واحدةً، صَحَّ في نصيبهِ وفي عَبْده، وفي الخَلِّ في كُلِّ بقسطِهِ من الثَّمَنِ، ولِمُشْتَرٍ الخِيارُ)}.
إذا هذا من المؤلف -رحمه الله تعالى- أنه لَمَّا ذكر الشروط السبعة للبيع أعقب ذلك بمسائل يشترك فيها بيع ما يجوز، وبيع ما لا يجوز، وهذه عند الفقهاء تسمى بمسائل تفريق الصفقة، يعني: أن يجمع بين شيئين أحدهما جائز والآخر غير جائز بسعر واحد أو بثمن واحد، وبناء على ذلك يحصل إشكال، هل تصح أو لا تصح؟!
فالفقهاء -رحمهم الله تعالى- يسعون إلى تصحيح العقود بما لا يحصل به الجهالة أو الغرر على واحد منهما قدر الاستطاعة، فما أمكن تصحيحه صححوه، وهذه الصور هي ثلاث عند الفقهاء، ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- صفتين، ولعله ذكر الصفتين التي يجوز فيهما تفريق الصفقة، وترك الصورة التي لا يجوز، فعمومًا نذكر هاتين الصورتين، ونكمل الصورة الثالثة المشهورة عند الفقهاء.
فيقول: (وإن باعَ مُشاعًا بينَهُ وبَيْنَ غيره) المشاع ما المقصود به؟
الْمِلكُ المشتركُ غير المعين، وهو معلوم القدر مجهول العين، فبيني وبينك مثلًا هذه المزرعة، ولكن لا يمكن أن تقول: هذا الركن لي، وهذا الركن لك، أو موضع هذه الشجرة لي، لأنَّ كل ذرة من المزرعة وكل موضع من مواضعها هو ملك مشترك.
فبناء على ذلك، لو باع هذه المزرعة التي يملكها مع آخر، فباع له المزرعة بـ 500 ألف وهو يملك ربعها، وثلاثة أرباعها لأخيه، فهو باعا مُشاعًا بينه وبين غيره. طبعًا إن باع الشريك بعد ذلك فهو له، ولكن لا يمكن أن نقول: الصفقة ببيع الأول تمت فتكون صحيحة، ويلزم الآخر ... لا.
بل الحقيقة بالنسبة لعقد هذا أن نقول: أنت بعت نصيبك، فالذي يصح لك أيها المشتري من هذه المزرعة إنما هو ربعها، فكم الربع؟ 125 ألف من سائر القيمة، فتعطي 125 ألف ويبقى الآخر في نصيبه، وأنت تحل محل البائع في ذلك.
قد يقول أنا متضرر، إما المزرعة كاملة وإلا فلا، فلأجل ذلك قال المؤلف: (ولِمُشْتَرٍ الخِيارُ)، ما دام أنه ضمن أن البيع وقع على جميع المزرعة، فنقول: لك أن تمضيها فتبقى بربعك، ولك أن تعود فتقول: إذًا لا أريد، وردوا عليَّ مالي، وترجع إليك مزرعتك، لئلا يحصل عليه إضرار؛ لأن الشراكة قد يكون فيها ضرر، لاختلاف الناس في تصرفاتهم، وفي رغباتهم، وغير ذلك.
الصورة الثانية، قال: (أو عبدًا وحُرًّا، أو خَلًّا وخَمْرًا) العبد يجوز بيعه، بينما الحر لا يجوز بيعه، كما جاء في حديث الثلاثة الذين توعدهم الله -جل وعلا- «ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه»[1]، فبين أنَّ من هؤلاء الثلاثة «ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ».
(أو خَلًّا) والخل، مما يستفيد الناس به، والنبي يقول: «نِعْمَ الإِدامُ الخَلُّ»[2].
(وخَمْرًا) الخمر محرم فلا يجوز بيعه، وبناء على ذلك لو باعهما أي: "الخل والخمر" صفقة واحدة -هو خلال-، ومن المعلوم أنَّ بعض ما يتخلل قد يتخمر، قال: أنا أبيعها كلها، قال: لا أنا لا أريد إلا هذا، فقال: لا، إما أن تأخذها كلها أو لا، ثم قال: كلها بمائة ريال، وهو محتاج إلى الخل فاشتراه، فهنا نقول: ما اشتريته يصح بقسطه. كيف نحسب؟
يقولون: نحسب كما لو كان الخمر خلًا، ثم ننظر كم قيمة هذا، وكم قيمة هذا، ثم ننظر إلى القيمتين. فقيمة الخمر مثلا ستون، والخل عشرون، صار المجموع ثمانين، والإجمالي مائة، فالعشرون بالنسبة للثمانين كم؟ تقريبًا الربع، فبناء على ذلك نقول: إنك إنما عليك الربع الذي هو ما يساوي الخل بالنسبة لِمَا دفعته، خمسة وعشرين.
ما ننظر إلى القيمة؛ لأنَّ بيوعات الناس قد يكون فيها زيادة أو نقصًا وكذا، والتحاكم إلى القيم الفعلية التي عند أهل السوق، فننسبها إلى ما اشترياه به، فيكون ذلك أعدل لهما.
هذه الصورة الثانية، وكما قلنا: إن له الخيار إذا أراد ذلك أو إذا تضرر بهذا، ولم يرد إلا الصفقة جملة أو تركها جملة.
الصورة الثالثة: قالوا ما يتعذر علمه، كما لو اشترى هذه الدابة وَحَمْل الأخرى، حمل الأخرى لا يمكن معرفته، فلا يمكن تفريق الصفقة، وبناء على ذلك يقولون: تبطل البيعة كلها.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (ولا يَصِحُّ بلا حاجَةٍ البَيْعُ ولا الشِّراءُ مِمن تلزمُهُ الجُمُعَةُ بعد ندائِها الثَّاني الذي بين يَدَي الخطيب، وتَصِحُّ سَائرُ العقودِ)}.
قال: (ولا يَصِحُّ بلا حاجَةٍ البَيْعُ ولا الشِّراءُ مِمن تلزمُهُ الجُمُعَةُ)، الصحة هو حكم وضعي، والحرمة حكم تكليفي، وبناء على ذلك، أولًا: لا يجوز لمن تلزمه الجمعة أن يبيع ويشتري بعد النداء الثاني الذي تعقبه الخطبة؛ لقول الله -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة:9]، فلا يجوز للإنسان أن يبيع ويشتري، إذا كان ممن تلزمه الجمعة.
والفقهاء يقولون: إذا شُرِعَ في الأذان، هذا هو المقصود من الشروع في الأذان، ويدخلون في ذلك أيضًا من كان منزله بعيدًا بحيث لا يدركها أو لا يَصِلُ إليها، إلا حال دخول الخطيب أو الشروع في الأذان، فإنه يتعلق به الحكم.
طيب لو حصل بيع أو شراء ممن تلزمه الجمعة، فيقولون: لا يصح، لماذا؟ لأنَّ المشهور عند الفقهاء الحنابلة أن النهي يقتضي الفساد، وقد خالف الحنابلة في المسألة الأصولية جمهور أهل العلم، فهم يقولون: يتعلق الحكم التكليفي معه، ولكن الصحة منفكة عن ذلك؛ لأنها بيع ومعاوضة صحيحة اكتملت شروطها فتصح.
لكن الحنابلة يقولون: النهي يقتضي الفساد، وما دام أنه نهي عنه فلا يجوز، وهذا على سبيل الاحتياط وهو أولى.
{لكن هل ممكن أن يصحح العقد إذا كان فاسدًا؟}
نعم، يمكن أن يصحح العقد بعد الجمعة، ولو أعاداه بعد الجمعة فالحمد لله، ولكن ذلك مشروط بأن لا يكون مضطرًا إليه، لو كان مضطرًا كحاجة الإنسان إلى طعام وهو يخاف على نفسه الهلكة، أو حاجة الإنسان إلى دواء ولا يستطيع تأخيره أو نحو ذلك، أو مضطرًا إلى سترة يحتاجها في الصلاة ونحو ذلك، فيقولون: لا بأس.
"أو لم يكن تلزمه الجمعة"، هم يقولون: الذي تلزمه الجمعة سواء بنفسه أو بغيره، الذي تلزمه بنفسه المستوطن، والذي تلزمه بغيره المسافر الذي أقام أكثر من أربعة أيام، فتعلقت به أحكام الإقامة، فهؤلاء هم الذين لا تلزمهم، ولكن المسافر لا تجب الجمعة عليه، وليس عليه شيء، ولا تلزمه حتى بغيره.
أو ممن من الصبيان أو المأذون لهم في البيع والشراء، عبد، امرأة ممن لم تلزمهم، فيجوز لهم البيع والشراء.
ثم يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: (وتَصِحُّ سَائرُ العقودِ)
لو أن إنسان أمضى إجارة بعد أذان الجمعة الثاني، أو أنشأ عقد نكاح، أو نحو ذلك من الأمور، وأما الصلح إذا كان بمعنى البيع فلا، وأما الآخر فنعم، فيقولون: إنَّ هذه عقود تصح، لماذا؟ قالوا: لأنها لا تتكرر كثيرًا، أي: قليل حصولها، ولكن من جهة الحكم التكليفي لا يجوز للإنسان أن ينشغل عن الجمعة لا بهذا ولا بهذا.
فهذا من الحنابلة –رحمهم الله تعالى- في سائر العقود.
قال –رحمه الله-: {(ولا يَصِحُّ بَيْعُ عصيرٍ أو عِنَبٍ لمن يتخذُه خَمْرًا، ولا بَيْعُ سِلاحٍ في فتنةٍ)}.
قال: (ولا يَصِحُّ بَيْعُ عصيرٍ أو عِنَبٍ لمن يتخذُه خَمْرًا)، الأصل في البيع التمليك، وليس على الإنسان أن يسأل أحدًا عن استخدامه لما يحتاج إليه؛ لأن حاجات الناس تتعدد، والأصل أنه يفعل بها ما يشاء، ولكن إذا عَلِمَ الإنسان يقينًا أنَّ فلانا هذا يفعل بها محرم، لم يجز له أن يعينه؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2].
وبعضهم قال: وحتى إذا علم ذلك ظنًا؛ لأنَّ الظن الغالب في معنى اليقين، وبناء على ذلك: يمتنع عليه.
فإذا غلب على ظن الإنسان أنه يستعمله لشيء محرم لم يجز له، مثل ذلك: السلاح في الفتنة، نسأل الله السلامة، فإذا تقاتل المسلمون، أو تنازع الجيران، فأراد أحدهما أن يفتك بصاحبه، أو نحو ذلك، فلا يجوز أن يُعان أحد على شر أو على معصية أو على سوء.
وهذا نفسه ينطبق على بيع العصير أو العنب لمتخذيه خمرًا، وكذلك السلاح في الفتنة. وهذا عند العلم.
هنا مسألة مهمة، وهي أنه في باب الإجارة اشترطوا أن يكون النفع مُباحًا، بينما لم يشترطوا ذلك في البيع، لكن نبهوا على هذا، لماذا؟ لأن الإجارة بابها أن العين لا زالت في ذمة المالك، فله تعلق بها، وهو مسؤول عن أي تصرف، فلأجل ذلك اشترطوا.
وأمَّا في البيع فتنتقل العين وكل متعلقاتها إلى المشتري، فالأصل أنه لا يُسأل؛ لأن الأصل استعمال الناس في المباحات وهي متعددة.
فأحدهم يشتري أرضًا ليجعلها مزرعة، أو ليبني عليها بيتًا، أو ليجعلها مقبرة، أو لغير ذلك من الأمور، فليس لي علاقة أن أقول له ماذا ستفعل بها؟ والأصل أنَّ لها استعمالات متعددة مُباحة، لكن متى ما علم الإنسان يقينًا أنه يؤول إلى ذا إثم، فنحن أمرنا بعدم التعاون على الإثم العدوان.
{أحسن الله إليكم.
قال: (ولا بَيْعُ سِلاحٍ في فتنةٍ، ولا بَيْعُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكافِرٍ لا يُعْتَقُ عليه)}.
هنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (ولا بَيْعُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكافِرٍ)، العبد المسلم إذا بيع إلى كافر، فإنَّ هذا تسليط للكافر على المسلم، لأنَّ العبد تحت مِلك سيده، يأمره وينهاه، وليس للعبد تصرف في نفسه إلا بإذن سيده، والكافر ليس له سلطان على المسلم؛ لأنَّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، ولذلك قال الفقهاء: إنه لا يقهر، لا يباع له إذا كان الأمر كذلك؛ لئلا يفضي هذا إلى تسلط الكافر على المسلم، ولا يُقر حتى لو كان عند الكافر في بلادنا عبد وأسلم، لابد أن يُخلي سبيله، إمَّا أن يبيعه وإما أن يعتقه.
والمؤلف -رحمه الله- قيد ذلك بمنع بيع العبد المسلم للكافر إلا إذا كان يعتق عليه، ما معنى يعتق عليه؟
عند الحنابلة وعند الفقهاء أنَّ الإنسان إذا اشترى قريبه، مثل: أبيه، أو أمه، أو أخيه، أو أخته، أو ابنه، أو بنته، فإنه يَعتق عليه، فيقولون: يصح البيع لماذا؟ لأنه لن يكون له سلطان، فبمجرد أن يملكه سيعتقه عليه.
كيف نعرف أنه يعتق عليه؟ ما الضابط في ذلك؟ قالوا: بالنسبة للأنثى ما لا يجوز للإنسان أن ينكحها من النسب، مثل: الأخت، العمة، الخالة، الأخت، البنت، الأم، الجدة، وهكذا، ويقولون: إذا كان ذكرًا لو كان أُنثى هل يجوز له أن ينكحها أو لا؟ فإذا كان أنثى لا يجوز له أن ينكحه؛ فإنه يعتق عليه، مثل: العمة، الخالة، ونحو ذلك.
{قال -رحمه الله-: (وَحَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَشِرَاؤُهُ عَلَى شِرَائِهِ، وَسَوْمُهُ عَلَى سَوْمِهِ)}.
قال: (وَحَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) يعني المسلم؛ لقوله : «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ»[3]، وصورة هذه المسألة: لو أنَّ إنسانًا اشترى شيئًا -ساعة أو كتابًا- بعشرة ريالات، فقال صاحب المحل الذي بجواره: أنا أعطيك إياها بتسعة. فهذا باع على بيع أخيه، وهذا يُفضي إلى المنازعة أولاً، وفساد القلوب ثانيًا، وأيضًا فسخ البيع وتفويت الصفقة على أخيه، وبالتالي لا يجوز.
فيقولون: إن هذا ممنوع لما يحدث به من الضغينة، ولما يكون به من الشر والفساد.
هل هذا على الإطلاق أو هو مقيد؟
مشهور المذهب عند الحنابلة، وهو قول لجمع من أهل العلم، أنه مُقيد بأن يكون في زمن الخيار؛ لأنه هو الذي يحصل فيه الفسخ، وبناء على ذلك سيُفضي به إلى أن يرجع ويرد السلعة، ويذهب ويشتري الأخرى، لكن إذا انتهى زمن الخيار سيقولون: لا.
ولكن ابن تيمية وبعض أهل العلم قالوا: حتى ولو بعد زمن، لأنه أولًا: إمَّا أن يتكلف في سبب يحصل به الفسخ، وإذا لم يحصل له الفسخ، فإنَّ هذا سيُفضي إلى الضغينة وفساد الأسواق، وهذا يكون به شر كثير، هذا إذًا قول المؤلف: (وَحَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ).
إذًا عندنا من جهة الحكم التكليفي أنَّ من فعل ذلك فهو آثم، ويجب عليه الاستغفار والتوبة إلى الله -جل وعلا-، وأنه لو حصل شيء من ذلك لم يصح بيعه.
فهذا الكتاب الذي بعته على بيع أخيك لا يجوز.
ومثل ذلك: الشراء على شرائه، ما هي صورة الشراء على شرائه؟
الصورة مماثلة لكنه بدلا ما يكون أنقص يكون أكثر، يعني مثلًا: لو أنَّ شخصًا اشترى جوالًا بخمسمائة ريال، يعني: الشراء الآن في هذه الحالة بمبلغ معين، فقال الآخر: أنا أشتريه منك بخمسمائة وخمسين، وزاد على الأول، فاشترى على شرائه. وهذا سيفضي إلى أنَّ البائع يندم، ويفسخ البيع بينهما ليذهب بأكثر من ذلك، فهنا يقولون: إنه شراء على شراء، وبالتالي يدخل فيه الحكمان السابقان، وهما: الحرمة، وعدم الصحة.
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وَسَوْمُهُ عَلَى سَوْمِهِ) هذا له صورتان:
الأولى: الصورة التي تسمى: بيوع المزايدات، أو يسنى باللفظة التي يستعملها كثير من الناس: الحراج، يرفع صوته وينادي ويزايدون عليه، فهذا يزيد وهذا يزيد وهذا يزيد، حتى يستقر عند أكثرهم ثمنًا.
فهنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: لو كان الشخص في المزايدة فاستقر الثمن عند شخص، قال: أنا آخذه بثلاثمائة وعشرين، فرضي وقال: هل فلوسك جاهزة؟ فقال آخر: ثلاثمائة وثلاثين، فيقولون: بعد الرضا الصريح، يعد هذا سومًا على سوم أخيه، وبالتالي لا يجوز.
أو أصلًا ما عرض السلعة، هم جالسين فقال: سآخذ منك هذا الجوال بألف ريال، قال: حسن، فلما ذا قال: لا أنا أريده بألف ومائة. فالمهم أنه باع متى ما كان ذلك بعد رضا صريح.
وأمَّا إذا كان في سوق المزايدة ولم يستقر عند أحد برضا أو رد، قال: لا أبيع بهذا، قال الثاني: أنا أزيد، أنا آخذه بكذا، فهذا لا إشكال فيه.
إذًا صورة السوم على سوم أخيه، هي أن تكون الزيادة بسوم السلعة بعد حصول الرضا من البائع بالثمن الذي عرضه من سبقه.
هنا ذكر الفقهاء -رحمهم الله تعالى- أنَّ بين هذه المسألة والمسألتين السابقتين فرقًا، ما هو الفرق؟ يقولون: لو سام على سوم أخيه، ثم باع الثاني، فيقولون: إن البيع صحيح، إذًا تعلق به حكم الحرمة والإثم من جهة الحكم التكليفي، ولكن البيع صحيح لماذا؟
قالوا: لأنَّ السوم خارج عن حقيقة البيع، فلم يتطرق النَّهي إلى شيءٍ متعلق بحقيقة البيع، وبناء على ذلك: هو آثم والبيع صحيح.
ما معنى خارج عن حقيقة البيع؟
لو أن شخصًا مثلًا في أثناء البيع سبَّ البائع، فالسب حرام وهو آثم، وهذا ربما يكون باع لأجل مثلًا ما حصل من ارتفاع صوته، لكن نقول هذا السباب محرم، ولكنه خارج عن حقيقة  البيع، وبناء على ذلك: ينصح مع أن العادة أن الأمثلة لا ينبغي أن يتوسع فيها إلا أن تكون مقررة، ولذلك ما أحسن أن يُؤتى بالأمثلة التي حررها الفقهاء، لأنها تكون منطبقة بكل وجه، وأما الأمثلة المرتجلة أحيانا يكون فيها شيء من النقص أو عدم الانطباق التام، فليتنبه الطلاب لذلك.
إذًا هذا ما يتعلق بالسوم على سوم أخيه.
{قال -رحمه الله-: (فَصْل.  وَالشُّرُوطُ فِي الْبَيْعِ ضَرْبَانِ)}.
هذه إشارة إلى الشروط التي تكون من المتبايعين، فشروط البيع هي الشروط التي عقدها الشارع كما جاءت في الكتاب والسنة، وقرر ذلك الفقهاء -رحمهم الله تعالى- لا ينفك بيع من اعتبارها، وهي سبعة، ولذلك قال أهل العلم: إن الفروق بين الشروط في البيع، وشروط البيع، أنَّ هذه من الشارع وهذه من المتعاقدين، يعني:
أنَّ شروط البيع لابد منها في كل بيع، بينما شروط في البيع قد توجد وقد لا توجد.
أنَّ شروط البيع كلها صحيحة ومعتبرة ولازمة، والشروط في البيع منها ما هو صحيح، ومنها ما هو فاسد، ومنها ما يُفسد العقد، ومنها ما يَفسد بدون فساد العقد، فلأجل ذلك قالوا: إنها تكون عند العقد وفي أثناء الخيار، وأما شروط العقد فلابد أن تكون موجودة.
فهذه الفروقات بين الشروط في البيع وشروط البيع، والشروط في البيع معتبرة من حيث الأصل؛ لأنَّ النبي قال: «والمسلمونَ على شروطِهم إلَّا شرطًا حرَّم حلالًا أو أحلَّ حرامًا»[4].
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (والشُّروطُ في البَيع ضَرْبانِ: 
أَحَدَهُما: صحيحٌ، كشرطِ رَهْنٍ وضامِنٍ وتأجيل ثَمَنٍ، وَكَشَرْطِ البَائِعِ نَفْعًا معلومًا في المبيعِ كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا، وكشرطِ المُشْتَرِي نفعَ البائِع كحمل الحَطَبِ أو تكسيرِهِ، وكتفْصيلِ الثَّوْبِ أو خياطتِهِ، وإن تجمَعَ بين شرطينِ كَحَمْلِ الحَطَبِ وتكسيره بَطَلَ البيعُ)
}.
 الشروط في البيع ضربان صحيح، يعني: معتبر لا غبار عليه، وفاسد، والصحيح ينقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول: لم يذكره المؤلف -رحمه الله تعالى ولعل ذلك لأنه ظاهر ولا يحتاج إليه، وهو كما قالوا: إذا اشترط شيئًا من شروط البيع، كأن يشترط مثلًا رؤية المبيع، أو أن يشترط ما شابه ذلك من الأشياء التي دل عليها، أن يكون الثمن معلوما، أن يتصرف في المبيع كيفما شاء.
هذه من مقتضى البيع فلا يحتاج إليها، ولذلك لم يذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا.
الثاني: أنها لمصلحة العقد، وهذا مثل شرط: الرهن، أو هذا حاصل إذا كان البيع مُؤجلًا، ومثل ذلك: الضمان، والتأجيل، ونحوه.
تأجيل الثمن، هنا إذا اشترط وقال: أنا آخذه منك بخمسين، ولكن بثمن مؤجل إلى شهر، فيجوز ذلك ويكون صحيحًا. هذا ما يتعلق بالنوع الثاني، وهو ما كان لمصلحة العقد.
ونكتفي بهذا القدر، أسأل الله -جل وعلا- أن يُتم علينا وعليكم نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يبلغنا وإياكم الخير والهدى، وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين.
{أحسن الله إليكم شيخنا، ونفع الله بكم، كان حديثًا ممتعًا، وفصلًا شيقًا، أسأل الله أن يفتح لكم، وأن يزيدكم من فضله.
والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام، على طيب وحسن المتابعة، ونلتقي بكم -بعون الله تبارك وتعالى- في لقاءات قادمة.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
---------------------------
[1] رواه البخاري (2227).
[2] رواه مسلم (2051).
[3] رواه البخاري (2139) ومسلم (1412).
[4] أخرجه الترمذي (1352) واللفظ له، وابن ماجه (2353).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك