الدرس السادس عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

17103 27
الدرس السادس عشر

أخصر المختصرات 3

{الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتاب والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان.
مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم)، والذي نشرح فيه كتاب (أخصر المختصرات)، للإمام ابن بلبان -رحمه الله تبارك وتعالى-، يصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الحكيم بن محمد العجلان، باسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا المفضال، حياكم الله شيخ عبد الحكيم}.
أهلًا وسهلًا، حياكم الله، وأسعد الله أيامكم بالبركات والخيرات.
{الله يحفظكم شيخنا المفضال، توقفنا في اللقاء الماضي عند قوله المصنف: (وَخِيَارُ تَدْلِيسٍ) لكن نريد أن نستفتح بفرق من الفروق الفقهية، نريد أن نتناقش فيه، وهو ما الفرق إذا اختل شرط من شروط البيع؟ أو أخلف أحد المتبايعين شرطًا من الشروط في البيع}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا يوم الدين. أما بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يجنبنا بليات الدنيا ومصائبها، وأن يحفظنا من مُضلات الفتن، وأن يجعلنا وإياكم هُداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين، أما بعد، فيا أيها الإخوة، أيها الطلاب، من المهم جدًا أن يعلم الطالب أن هذه الدراسة هي دراسة تأسيس وبناء، وأن دراسة الطالب في التأسيس والبناء لا تنفك من كثرة الأسئلة وورود الإشكالات، والأسئلة وتواردها على الإنسان لا يعني عدم فهمه، ولا نقص إدراكه، ولا قلة تعلمه، بل هذا العلم يولد بعضه بعضًا، ويُبنى بعضه على بعض، وإذا علم الإنسان شيئًا احتاج إلى أن يعلم ما وراءه، وقد يكون ما وراءه أكثر بكثير مما أمامه، ولذلك على سبيل المثال في الأبنية، فالإنسان يجهل أمر البناء، ولكن إذا عرف أن البناء يقوم مثلًا على التسليح، فينبني على ذلك: القدر، وأين يوضع، والموازنة بين ذلك، وما يخلط معه، وما يُبنى عليه فكل هذا فرع عن علمه بمسألة واحدة، ولكنه احتاج بعدها إلى مسائل كثيرة.
وكذلك مسائل العلم، بمعنى أن وجود الإشكالات على الطالب لا يعني أنه يعود على نفسه بالشك أنه لم يحصل، أو أنه لم يفهم، أو أنه لم يدرس، فإن هذا من أكثر ما يدخل به الشيطان على الإنسان، فيحجم به عن العلم، ويمنعه من المواصلة. هذه واحدة.
الثاني: أن أبواب المعاملات لا حد لها، وبحر ساحل ممتد، لا يمكن أن نأتي على جميعه، ولم تزل المسائل يتوالى إشكالها، وتتجدد صورها، ويحتاج فيها إلى الاجتهاد والنظر، وإعادتها وإنزالها في منزلتها.
ما ذكرته من السؤال في الفرق بين اختلال شرط من شروط البيع، وإخلال أحد من المتبايعين بشرط من الشروط في البيع، ربما مر عرضًا في حديثنا، ولكن من الأهمية بمكان العلم به، فشروط البيع سبعة، لابد في كل بيع أن توجد، وما في معنى البيع كذلك، فإذا اختل شرط من هذه الشروط فسد البيع، ولم يصح، ولم تترتب عليه أثاره، واحتيج إلى تصحيحه وإعادة عقده، فهذا ينبغي أن يكون مستقرًا عند كل طالب.
أمَّا ما يتعلق بالشروط في البيع، فإنها شيء زائد على البيع أصالة، وليس من صلبه ولا من حقيقته، ولا مرده أصالة إلى الشرع، وإنما هو ما جعل الشارع لهما من اشتراط ما أرادا، وذلك لقول النبي r: «المسلِمون على شُروطِهم» فما دام أنَّ الحق لهم؛ فإنه إذا أخلَّ أحد منهما بشرط للآخر؛ فللآخر إمَّا إمضاء البيع أو الفسخ.
لكن هل يلزم من اشترط عليه الوفاء بذلك؟ ما معنى يلزمه؟
يعني: أنه لو لم يلتزم بهذا هل يلحقه إثم من جهة التكليف، أم أنه يتعلق بحكم وضعي وهو صحة البيع من عدمه؟
الحنابلة -رحمهم الله تعالى- يقولون: ما دام أن للعاقد الآخر الخيار بين الإمضاء والفسخ، فإن ذاك لا يلزمه التوفية، ولكن ذهب ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وذكر ذلك في الشروط في النكاح ونحوها، أنه يلزم التوفية، وأن ما يُلجأ إليه من الفسخ أو عدمه، إنما هو عند عدم وفاء العاقد بما التزمه من هذه الشروط وتسليمها إلى الآخر، وهذا ليس ببعيد، ولكن أيضًا تبقى هذه المسألة من المسائل المتأرجحة، ودأبنا في هذا أن نعرف أصل المسألة، وأما وقائع الحال فيحتاج الإنسان إلى شيء من الوقت، حتى يأخذ فيها دُربة، ويزداد فيها علمًا، حتى ينزلها في حكمها، ويستفيد من ذلك في واقعه.
{أحسن الله إليكم.
إذا اتفقا وتوافق الإيجاب من ناحية شرط من الشروط، أصبح ملزمًا للجانبين، أليس كذلك؟}
كيف؟
{بمعنى: إذا اشترطوا الشروط في البيع، مثلًا قالوا: مع التركيب مع التوصيل، يعني: توافقت إرادة البائع}.
نعم، لو افترضنا أنه قال -هذا هو محل الكلام- لو اشترى مثلًا خزانة للملابس واشترط عليه تركيبها، أو اشترط إيصالها، وتوافقا على ذلك، ثم بعد أن أبرم الصفقة وأعطاه الثمن ونحوه، قال: لا أستطيع أن أوصل لك. هذا هو محل الكلام، وهنا لم يحصل الوفاء، هل نقول: يفسد البيع؟ لا، نقول: البيع تام وهو على ما هو، ولكن لك الخيار أيها المشتري؛ لأنه قد فات شرط من الشروط التي اشترطتها عليه.
ولكن هل هو آثم هنا كونه لم يلتزم لك أو لا؟
الفقهاء يقولون: ما دام أن الأمر لك الخيار فيه، فهو ليس آثم، لأنه ربما بان له أنه لا يستطيع، أو بان له أنه سيلحقه بذلك شيء أو نحو ذلك، فله أن يتنصل.
لكن من أهل العلم من قال: إن التوفية لازمة، وأنه لو أخل بها فهو آثم، مع بقاء حق المشتري إذا كان ذلك شرط للمشتري في التوفية، في إمضاء البيع أو فسخه.
{أحسن الله إليكم.
شيخنا نريد أن نتداول مسألة من المسائل المعاصرة، وهي مسألة الإيجار المنتهي بالتمليك}.
بداية نقول: من المهم أن نعرف أنَّ هذا الدرس من الدروس التأسيسية للطالب، ما معنى دروس تأسيسية؟ الكثير من الطلاب يظن أن العلم شيء واحد، يأخذه وينتهي، وهذا خطأ.
ما معنى تأسيس؟ معنى تأسيس أنك الآن لا زلت في البناء، فإذا كنت في البناء، فالبناء له ابتداء وله انتهاء، وبينهما بون شاسع، فليس معنى أنك ابتدأت البناء أن تسكن في البيت.
أنت الآن أنشأت وعملت وتقدمت، ولكن البيت لا يصلح للسكنى بعد، وكذلك العلم، فأحيانا تكون المسألة عندك كذا، ولكن لم تبلغ المبلغ الكامل عندك لأن تكون جاهزة عندك كي تكون مثلا من أهل الإفتاء فيها، أو أن تقطع بالحكم فيما يتعلق بها، لأنه لا تزال تضم إليها دليلًا، أو تورد عليها إشكالاً، أو تحل لها شبهة، أو تزيد فيها قيدًا، أو تفرع عليها أخرى، ونحو ذلك، حتى تكبر وتكتمل وتتم.
ولذلك قال بعض مشايخنا -وهي كلمة لطيفة للغاية في التوضيح لمثل هذا الأمر- يقول: نحن في التعليم كمن يلقي النطفة في الرحم، تبدأ صغيرة ثم لا تزال تتخلق حتى تكبر وتتم، وتنزل سامعة مبصرة متحدثة، فهكذا المسائل تبدأ صغيرة، ولا يزال الإنسان يدرسها مرة ثانية، ثم يعرض لها في باب آخر، ثم يعود عليها مراجعة، ثم يسمعها مع شيخه في درس أوسع من الدرس الذي سبقه، وذلك على طريقة الفقهاء في التدرج ونحوه، إلى أن تبلغ مبلغًا يكون صالحًا في الإفادة منها على نطاق أوسع.
لكن يجب أن تعرف أن مبنى التعليم هو مبنى البناء، والبناء -كما قلنا- لا يعني أن ابتداءك حتى ولو وصلت إلى مراحل متقدمة، لا يعني أن البيت صالح للسكنى، ولكنك أنتجت وبلغت واجتهدت ووفقت، وأنت في الطريق، ونسأل الله التمام والغاية.
هذه المسألة -مسألة الإجار المنتهية بالتمليك- إن أردتم أن نتكلم فيها عن الواقع، فهذا ليس محل بحثنا، لماذا؟ لأن محلها في مجالس الإفتاء، وبيان وقائع الناس وحاجاتهم.
ولكن ما الذي نحتاجه هنا؟
نحتاج هنا إلى أن نعرف بناءها، وهذا هو سر الفقيه، أن تنتمي عنده الملكة الفقهية، الفرق بين عرض المسائل الواقعية في دراستنا هنا أن تعرف استمدادها، أن تعرف من أين أخذت؟ أن تعرف ما الذي يشبهها من الصور التي ذكرها الفقهاء؟! فعند ذلك تقوى ملكة الطالب، ويستطيع التفريق بين المختلفات، وبيان الفروق ولو دقت، والتوفيق بين المتماثلات وإلحاق هذه بتلك.
فهذه من الأمور المهمة، لعلنا أن ننجر قليلًا، وإن كان ما ودنا الحقيقة أن نستطرد، ولكن الشيء بالشيء يذكر، ففي البيع لَمَّا ذكروا في شروط البيع مثلًا: وإن قال كل قفيز بدرهم، يعني: كل قدر معين من الكيل بدرهم، فاتفقا على ذلك، هل يصح البيع أو لا يصح البيع؟
يقولون: إن البيع لا يصح، لماذا؟
لأنه إذا اتفقا على ذلك لا يدري كم المبيع، هل سيأخذ عشرين قفيزًا أم عشرة؟! ما حصل العلم بذلك.
لماذا قلنا ها المسألة؟ لأنه يحتاج إليها، وبعضهم ثال: إنها تصح، وتؤول إلى العلم، وينتهي النزاع، ويحتاج إليها؛ فصححوا ذلك، وهذه على سبيل المثال دارجة عندنا في مسائل كثيرة لا ينفك الناس من الحاجة إلى هذه الصورة والعمل بها.
على سبيل المثال الكهرباء، والناس لا تدري كم ستستهلك في الشهر؟ وبناء على ذلك أنت تتفق مع الشركة أن كل قدر معين من هذه الطاقة يقابله مبلغ من النقود. وفي نهاية الشهر يحسبون لك كم استهلكت ويلزمونك السداد، ومثل ذلك المياه، ومثل ذلك دقائق الهاتف والاتصالات، مع أن الاتصالات في المسألة الواحدة يكون فيها ثلاثة أحكام، بعضها ربما يكون بيعًا، وبعضها ربما يكون إجارة، وبعضها يتأرجح.
يعني على سبيل المثال: الخط يأخذون منك مثلًا ستين ريال كل شهر، ثم كل دقيقة مثلًا بكذا وكذا من الهللة، طيب إذا الستين ريال تقابل ماذا؟ أنت اشتريتها بناء على ماذا؟ الكارت أحيانا تأخذه مقابل عين تدخله في الهاتف فَيُمَكنك من الخدمة والانتفاع.
ولكن أيضًا فيه إشكال؛ لأنه لا يتأتى لهم الثاني إلا بالأول، فقد يكونوا ملزمين به، فيمكن أن تدخل فيها شيء أنها داخلة في الثاني، ولكن لا يزال فيها شيء من الإشكال.
المبلغ الذي يُؤخذ كل شهر، هذا قد يقال: إنه مقابل التمكين من الخدمة باستقبال المكالمات أو غيرها؛ لأنك لا تدفع عليها شيئًا، فكون هذا مفتوحًا وهذه المنفعة متاحة لك خلال هذا الشهر فكأنها تقابله، وتكون الدقائق مثلًا مقابل ما تنتفع وما تتصل به.
ولكن مع ذلك كانت هذه الصورة واحدة، والآن عندنا في شركات الاتصالات مائة صورة، كل صورة من هذه الصور تحتاج إلى حكم، وكل حكم يتأرجح أحيانًا بين الإجارة وبين البيع، وقد يكون فيه بعض الصور غير المنطبقة على الشروط الشرعية، سواء كان في باب البيع أو في باب الإجارة.
والإجارة المنتهية بالتمليك هي أيضًا نوع من هذا، ونحن عرضنا لها في الشروط في البيع، وقلنا: إنها ليست بيعًا وليست إجارة.
وبناء على ذلك هو شيء ملفق، فكونه اشترط عليه مثلًا في نهاية العقد أن السيارة له، وهو عقد إيجار؛ فهذا ما يصح في الشروط في البيع، ولأجل ذلك: في المجامع الفقهية احتاجوا إلى أن يجعلوها وعدًا، والوعد بابه أوسع، وليس مما يلزم الوفاء به، وحتى ما يحصل للناس إشكالات، انتقلوا إلى قول عند المالكية، أن الوعد ملزم، وبناء على ذلك أمكن أن يتداول هذا العقد بهذه الصورة، ولكن كما قلنا لكم: إن الإجارة المنتهية بالتمليك مع كونها عقدًا ملفقًا، إلا أنه يحتوي على كثير من الإشكالات، ومن بينها ما ذكرناه سابقًا، أن عقود الإجارة مع عقود البيع مختلفة، لأنَّ عقد البيع ينقل العين، وتكون في ملك المشتري، وعقد الإجارة تبقى العين في يد صاحبها، أي: ملكًا لصاحبها، والمنفعة في يد المستأجر ينتفع بها.
فمعنى ذلك: أن الضمان سيكون على البائع، ولكن إذا قلنا هي منتهية بالتمليك، وجعلنا العين منتقلة كما يفعلون الآن، يلزمون المستأجر بضمان ما يكون فيه من التلف، وهذا خلاف الأصل، إذا لم يكن تفريطا منه، كما لو خربت السيارة من نفسها، فلا يضمن، والأصل أن يسلمها للبائع، والبائع إن شاء أن يسلم بديلا لها أو ينفسخ العقد، فلا يحتسب له إلا ما انتفع القدر الذي انتفع منه.
فعند ذلك ترد هذه الإشكالات، فأنا أريد أن أقول لكم: هذا أصل صورة المسألة، وأنبه على أنه أصل صورة المسألة الذي تبني عليه فهمك لهذه المسألة، ولو أتيت للواقع لوجدت كل شركة لها مسار، يتفاوت ظهور الحكم بالإشكالات والمخالفة التي قد تفسد هذا العقد، بعضها أكثر من بعض، وهي لا تنفك الحقيقة من إشكال، والتصحيح فيها إنما هو تصحيح متكلف، ولأجل ذلك لحق بالناس من الإشكالات فيها شيئًا كثيرًا، وكان بالإمكان الإبقاء على ما ألفه الناس من بيوعات التقسيط، وهي بيوعات صحيحة ولا إشكال فيها، ويحصل بها الاتفاق، وينتفي معها الإشكال، ولكن لا يزال هذا العالم مُتقارب الآن في عصر التواصل، وما يحصل هناك ينقل إلى هنا، كما أنه العكس بالعكس.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَخِيَارُ تَدْلِيسٍ بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ كَتَصْرِيَةٍ وَتَسْوِيدِ شَعْرِ جَارِيَةٍ)}.
(وَخِيَارُ تَدْلِيسٍ) نوع من أنواع الخيار، والمقصود أن المشتري أو البائع الذي حصل عليه تدليس وهو التغرير، أو الكتم، أو إظهار السلعة على غير صورتها، فما هو رديء يظهر بصورة الحسن والجيد، والكبير يظهر على أنه لا يزال متجددًا قويًا مثل: بهيمة الأنعام أو الأعبد أو غيرها ونحو ذلك، فكل ذلك يسمى خيار تدليس.
والتدليس من الدلسة وهي الظلمة، لأنه يحصل شيء من التضليل، كما أن الأمور لا تُرى في حال الظلمة فكذلك اقتبس منها خيار التدليس الذي لا يراه أحد المتعاقدين.
وهو في حق البائع كما هو في حق المشتري، والناس الآن يظنون أن الخيار يكون في حق المشتري، لأن أكثرها شراء بهذه الأوراق، وهذه الأوراق ما فيها غش، لكن لو افترضنا أن الشراء بأعيان، أو بدراهم ودنانير، والدراهم والدنانير منها ما هو صحيح جيد، ومنها ما هو مغشوش داخل عليه النحاس ونحو ذلك.
المهم: في الكلام أنَّ هذا الخيار يستحقه المتعاقدان جميعًا من بائع ومشتر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ) سواء كان في عين السلعة، يعني: إظهارها بأنها فيها سمن مثلا وهي قد نفخت بالهواء، خاصة مع وجود هذه الآلات، أو أرويت بالماء الكثير حتى بان بطنها كبيرًا، أو مثل ما ذكر حتى يقال: هذه بهيمة فيها در، أي: لبنها كثير، وتعطي وتدر، وتنعم على أهلها، على حين أنها إنما كان ذلك نتيجة منع حلبها ليومين أو أكثر، فاجتمع حليبها في ذلك، فأظهرت بغير صورتها، فكل ذلك نوع من أنواع التدليس.
(وَتَسْوِيدِ شَعْرِ جَارِيَةٍ) الجارية الكبيرة التي شابت ضعيفة لا تحتمل خدمة كثيرًا، تتعب من أول النهار، لا تستطيع حمل الأشياء الثقيلة، بخلاف الصغيرة، فإذا سُوِّدَ شعرها ظُنَّ أنها شابة وقوية وهكذا.
ومثل ذلك أيضًا يقولون: تجعيد شعرها، أي الذي لا يكون مسترسلا، أو ليس فيه نعومة، وهذا يدل على قوة ونشاط وقدرة، فيلجؤون إلى ذلك حتى يظهر قوتها، فكل ذلك مما يستحق به خيار التدليس.
طيب لقائل أن يقول: قد يحتاج الإنسان إلى بيع سيارته، فيزينها ويغسلها وينظفها، فهل يدخل في خيار التدليس؟
أحيانًا بعض الناس يريد أن يبيع بيتًا مثلا، فيطلي جدرانه ويذهب بعض ما فيها من أتربة علقت بها أو نحو ذلك، هل يكون هذا من التدليس والتغرير أو لا؟
الحقيقة هذا لا يعد تغييرًا لحقيقتها، بل هذا إظهار لحسنها، ما دام أن ذلك ليس مجلوبًا من الخارج، وإنما هي أظهرت بالصورة التي هي عليها، ولهذا لا يعد هذا داخلا في التدليس.
ومثل ذلك طلاء البيت، إلا أن يكون الطلاء مثلًا لإخفاء تصدع أو تشققات فيها، فعند ذلك تنتقل إلى كونه تدليسًا.
إذًا بعض هذه الصور قد لا تكون داخلة في التدليس، وإنما هي إظهار المبيع بصورته، وتسويقه بما يليق به، وربما كان داخلا في الآخر.
على سبيل المثال، عند الناس لو جيء بالسيارة في أحسن ترتيبها، وأخرى مماثلة لها في كل شيء، ولكنها بغبرة، وفيها بعض أشياء من ثياب خلقة ونحوها، ينفر الناس من أن تعطى قيمتها، ويخشون أنها ليست كذلك.
ولكنها لو نظفت لصارت مثل هذا، وبناء على هذا بان أنه ليس فيه تدليس، وليس فيه إظهار لها بما غير ما تستحقه من الثمن.
وأصل خيار التدليس جاء في الحديث أن النبي r قال: «لَا تُصَرُّوا الإبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذلكَ فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فإنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِن تَمْرٍ»، فهذا أصل في أنَّ كل من غش في السلعة، أو أظهرها بغير ما هي عليه، فإن للآخر الخيار في ذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَخِيَارُ غَبْنٍ، وَعَيْبٍ، وَتَدْلِيسٍ عَلَى التَّرَاخِي، مَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا إِلَّا فِي تَصْرِيَةٍ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ)}
قال: (وَخِيَارُ غَبْنٍ، وَعَيْبٍ، وَتَدْلِيسٍ عَلَى التَّرَاخِي)، يعني: ليس على الفور، وليس على الاستعجال، ومعنى ذلك أنه لو وجد عيبًا فيها عيب، ولم يذهب إليه في نفس اليوم بل ذهب إليه من الغد أو بعد الغد، فيقولون: هو مستحق له؛ لأن هذا نقص فيها ولا يفوت، وبناء على ذلك هو مستحق بكل حال.
مع أنه في قول آخر عند أحمد وغيره يقولون: لابد من الفور؛ لئلا يضر بالمتعاقدين جميعًا، ومنعًا للإشكال أيضًا بتفويت السلعة أو بالانتفاع بها في هذا الوقت أو غير ذلك.
قال: (مَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا)، فإذا وجد دليل على الرضا، فهذا قاطع للخيار، أي: يُسقطُ حقه. مثال: يقول سأردها بعد أن أسافر بها لمكة مثلا. نقول: هذا دليل أنه استعملها استعمال مالك، أو استعمال راض بما فيها، وبناء على ذلك نقول: هذا لا يصح.
ولكن لو كان الاستعمال كما قالوا بقدر التجربة من أجل التحقق من العيب، وهل هو عيب بالفعل أو ليس بعيب، كأن يسمع صوتًا في محركها، فأراد تجربتها وقادها بسرعة مرة وبهدوء مرة، ونحو ذلك حتى ينظر هل الصوت مستقر فيها أو هو شيء عارض أو نحو ذلك؟
فهذا لا يمنع، ولكن إذا وجد منه دليل على الرضا، فهذا مسقط لحقه في الخيار.
قال: (إِلَّا فِي تَصْرِيَةٍ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ)، ذهب الحنابلة -رحمهم الله تعالى- إلى أنه قد جاء في الإبل والغنم دليل خاص، وبناء على ذلك يُقتصر على ظاهر الدليل في أن النبي r جعل فيها أيام ثلاثة.
ومن هذا الحديث أخذ بعض الفقهاء أن فيها فرجة في العيوب، ولكن الإبل والغنم جعل لها هذا الحد، فالمرد فيها إلى ما جاء عن النبي r دون زيادة ولا نقصان.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَخِيَارُ عَيْبٍ يُنْقِصُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، كَمَرَضٍ وَفَقْدِ عُضْوٍ وَزِيَادَتِهِ)}.
خيار العيوب هو مما يستحق به الخيار، فلو أنَّ شخصًا على سبيل المثال، اشترى سلعة فوجدها معيبة فقد استحق بذلك الخيار، كما جاء في قول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وَخِيَارُ عَيْبٍ يُنْقِصُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، كَمَرَضٍ)، فلو أنَّ شخصًا اشترى بهيمة مثلا فوجدها مريضة عليلة، فهذا يذهب عليه منفعتها، وبناء على ذلك قالوا: له حق الخيار.
قال: (وَفَقْدِ عُضْوٍ) كما لو وجدها مخصية، فهذا يفوت عليه تكاثرها والانتفاع منها، ولو كان ذلك يزيدها لحمًا أو نحو ذلك من جهة، ولكن حقيقته أنه عيب يُنقص القيمة.
كذلك لو وجد تشققًا في البيت مثلا، أو وجد أصبعًا زائدة، أو وجدها عوراء، ولكنها قد جعلت على هيئة أتم، ففي كل هذه الأحوال يستحق خيار العيب.
فسواء كان في عينها، أو في بعض ما ينقصها مما يكون في عرف التجار يضر بها، فإنها كذلك تكون خيار عيب.
لو افترضنا مثلًا: الدار لا يصل إليها من الكهرباء إلا قدر ضعيف مثلًا، لا يقيم مثلًا أدوات التكييف أو التبريد في البيت، أو الثلاجات أو نحوها، فهذا عيب، وإذا كانت العادة معروفة في هذا.
حتى إنهم جعلوا من العيوب جار السوء، ويقولون: إنه من مقتضيات الدار، فلو كان البيت مثلا بجوار مكان فيه أذية مثلًا، كمكان تقام فيه المناسبات، وترتفع فيه الأصوات سواء في الليل أو في أوقات مختلفة أو نحوها، فكل ذلك يدخل.
فأي عيب ينقصها ويتعارف الناس عليه، فهذا يكون سببًا لاستحقاق الخيار.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (فَإِذَا عَلِمَ الْعَيْبَ خُيِّرَ بَيْنَ إِمْسَاكٍ مَعَ أَرْشٍ أَوْ رَدٍّ وَأَخْذِ ثَمَنٍ)}.
إذا وُجِدَ العيب فلا يختلف أحد من أهل العلم أنه إمَّا أن يمضي البيع أو يمسكه، ولكن إن أمسكه هل يمسكه مجانًا، أو يمسكه ويقابل هذا الإمساك قيمة ما نقص؟
هذا خلاف بين أهل العلم، والمشهور من المذهب عند الحنابلة أنَّ له الإمساك وأخذ قيمة ما فاته من المبيع؛ لأنهم يقولون: إن هذا الثمن الذي دفعه، كل جزء منه يقابل جزءًا من المبيع، فإذا فات بعضه فات بعض المبيع، وبناء على ذلك يعود إليه ثمنه، وبناء على هذا قالوا: له الأرش في مثل هذه الصور ويستحقها.
الأرش ما هو؟
قسط ما بين قيمة المبيع صحيحًا وقيمته مَعيبًا. ما معنى هذا؟
هذه لها حساب دقيق -وأتمنى من الطلاب والمشاهدين التدقيق فيه- الآن هذه السيارة أنا اشتريتها بمائة ألف ريال، ولَمَّا اشتريتها وجدت فيها عيبًا، كيف نحسب هذا العيب؟
نقول: السيارة الآن كم تساوي؟ قالوا: ثمانين ألف نقول: شرائي لها بمائة ألف أو أقل أو أكثر يعتمد على جودة البائع أحيانًا، أو جودة المشتري، وهذه تتفاوت.
نقول: كم قيمتها في السوق عند أهل الاختصاص؟ يقولون: قيمتها في السوق مائة وعشرين ألف، هذه قيمتها الأصلية؛ لأن من في السوق يعرف كم قيمتها الفعلية، وكونك أنت جيد وشريتها بأقل فهذا لك، أو كونك شريتها بأعلى، فهذا لا ليس هو مناط الموضوع.
نقول خل هذا على جهة.
قالوا: إنها تساوي مائة وعشرين ألف، طيب كيف شراها بمائة ألف؟ إما أنه جيد في الشراء، أو كان الاخر في عجلة ويريد أن يبيع وينتهي، أو غير ذلك.
فبناء على هذا نقول: هي تساوي مائة وعشرين ألف صحيحة ما فيها عيب، طيب وإذا قلنا فيها هذا العيب -مثلًا خزان الوقود فيه تسريب- قالوا: هذا العيب يضر بها، وهي مع العيب تساوي مائة ألف، وهو قد اشتراها بمائة ألف فقط، فهل يأخذ شيئًا أو لا؟
نقول: يأخذ.
قد يقال كيف ذاك؟
نقول: هي صحيحة سليمة تساوى مائة وعشرين ألف، ومعيبة تساوي مائة ألف، معنى ذلك أنها نقصت السدس.
فنأتي إلى الذي شرى بمائة ألف ونقول: أَنْقِص السدس، كم سدس المائة ألف؟
نقول: حوالي ستة أو سبعة عشر، يعني: بين هذا وذاك.
وهذا من أعظم ما يكون من العدل، يعني أحيانا يكون قد اشتراها بمائة ألف وهي معيبة بمائة ألف، يعني ما يصير إلا الشيء؟ لا، فيكون فات عليه حسن بيعه وشرائه.
ولعلكم تلحظون أنهم قالوا: "قيمة" يعني: القيمة المعتبرة في الأسواق، وأما الثمن فهذا ما تم بين المتبايعين، وهذا يحصل فيه أحيانًا زيادة ونقص، يحصل فيه أحيانًا محاباة، وقد يقول: أنا أعرف أنها تساوي أقل، ولكن أنا ودي أن أنفع هذا، أو العكس.
هو يعرف إنها تساوي أكثر لكن هو مستعجل، أو يعرف بعض حاجته هذا المشتري، فيتنازل بالسعر، أو عنده سلع كثيرة يريد أن يتخلص منها في أسرع وقت أو غير ذلك.
فإذًا، مسار الحركة في أعيان الأشياء لها اعتبار، وقيمتها لها اعتبار، وطريقة حسابها بأن ننظر إلى قسط ما بين قيمته صحيحًا إلى قيمة معيبًا، ثم يُقسم على الثمن الذي اشتراه به.
فهذه هي طريقة تحصيل الأرش.
{قال -رحمه الله-: (وَإِنْ تَلِفَ مَبِيعٌ، أَوْ أُعْتِقَ وَنَحْوُهُ تَعَيَّنَ أَرْشٌ)}.
يعني لو أن هذا الشخص اشترى هذه السيارة المعيبة، وقبل أن يردها -نسأل الله السلامة والعافية- جاء سيل مثلا وذهب بها، أو سرقت، أو اشتعلت نار في دار مجاورة وامتدت النار فأحرقتها، (تَلِفَ مَبِيعٌ)، فيقولون: إنه يتعين الأرش في مثل هذا، ينظرون إلى قيمتها لو كانت صحيحة بأوصافها عند أهل الاختصاص، وقيمتها معيبة ثم يحكمون في ذلك.
إذًا هنا كونه تعذر الرد لا يعني كونه فات الحق في العيب، بل له أرش عيبه في مثل هذه المسألة.
{قال -رحمه الله- (وَإِنْ تَعَيَّبَ أَيْضًا خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشٍ وَرَدٍّ مَعَ دَفْعِ أَرْشٍ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ)}.
ما هي صورة هذه المسألة؟ يعني: أنا الآن اشتريت هذه السيارة، وبان فيها عيب، ثم كعادة الناس إذا اشتروا سيارة وفرح بها أركب أطفاله وصغاره، فأحدهم ضرب الزجاج فانكسر، فالآن حدث عيب، فيقول المؤلف -رحمه الله-: (وَإِنْ تَعَيَّبَ أَيْضًا خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشٍ وَرَدٍّ مَعَ دَفْعِ أَرْشٍ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ).
فإذًا هو إما أن يقول: تقيمون العيب الذي في السيارة علي، أو تردها ثم ترى العيب الذي حصل عندك فيقيم وترد ما يقابله على نحو ما قلنا في المسألة السابقة.
{قال -رحمه الله-: (وَإِنِ اخْتَلَفَا عِنْدَ مَنْ حَدَثَ فَقَوْلُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ)}. 
(وَإِنِ اخْتَلَفَا عِنْدَ مَنْ حَدَثَ) يعني: من حدث العيب، يقول البائع: والله أنا بايعها ما فيها شي، يقول المشتري: أنا اشتريت السيارة ووجدتها معيبه، وأنا ما تحركت بها، فكلاهما ينفي.
وقد اختلف أهل العلم في مثل هذه الصورة، ومشهور المذهب عند الحنابلة يقولون: القول قول المشتري، لماذا؟
يقولون: لأن الأصل أن هذا القدر الفائت لم يُستلم، أنا ما استلمت إلا هذه الأشياء وهذا قدر الفائت. طبعًا هم يقيدون ذلك بأنها لم تغب عن عينه؛ لأنه قد يأتي من يفسدها.
ولكن الرواية الثانية عند الحنابلة، وهو قول أكثر الفقهاء، يقولون: إذا اختلفوا عند من حدث العيب، فالأصل أنَّ العيب حادث، وإنها استلمت سليمة، والقول قول من ينفي العيب، والبائع هو من ينفي العيب، فالقول قوله.
وبناء على ذلك يقولون: القول قول البائع، ولا عيب فيها، ويحلف على ذلك، ولا يستحق المشتري في هذه الصورة شيء، وأظن أنَّ عمل الناس على ذلك، والحكم ونحوه على ما جرى عليه أكثر الفقهاء.
 {قال -رحمه الله-: (وَخِيَارُ تَخْبِيرِ ثَمَنٍ، فَمَتَى بَانَ أَكْثَرَ، أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلًا، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُةُ لَهُ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً، أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِقِسْطِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ، فَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ)}.
البيوعات على طريقين، إما واحد يعرضها في السوق، بكم اشتريتها، اشتريتها بما كتب الله.
أنت شوف كم تناسبك واشتري، هذا سبيل، وهو أكثر طرائق الناس.
الطريقة الثانية: هي طريقة تخبير الثمن، أقول: هذا الجوال اشتريته أنا بألف ريال، تأخذه مني بألف، لا أريد مكسبًا فيه، فأنا اشتريته وكنت في حاجة له، ولكن جاءني مثله هدية، وبالتالي لا حاجة لي فيه، أو نحو ذلك، فهذا تخبير بالثمن.
يقولون: التخبير بالثمن إما على سبيل التولية، أو يبين رأس المال ويبيع برأس ماله، أو المرابحة، يقول: أنا شريتها بألف، هل تأخذها مني بألف ومائة؟
أو الوضيعة، حيث يقول: أنا أخذتها بألف، هل تأخذها بتسعمائة.
أو الشركة، كأن يقول: أنا اشتريت مزرعة بمائة ألف، فهل تشاركني فيها بالثلث؟
يقول: طيب بكم اشتريتها؟ يقول اشتريتها بمائة ألف، فادفع الثلث.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: إذا أخبر بالثمن، ثم بان الأمر بخلاف ما أخبر فإنه يلحقه الخيار، أو يستحق الآخر الخيار؛ لأن هذا أقرب ما يكون إلى التضليل والتدليس، وبناء على ذلك يقولون: إنه يستحق في مثل هذه الصورة الخيار، وهذا هو مشهور المذهب، وإن كان بعضهم يقول: لا، ليس فيها خيار، وإذا بان بأقل، نلزمه بالأقل وننتهي، ولا يكون فيها بعد ذلك أي إشكال.
هنا ذكر المؤلف –رحمه الله- صورًا قال: (فَمَتَى بَانَ أَكْثَرَ، أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلًا)، اشتراه بمائة ألف لكن مؤجل الثمن، ومن المعلوم أنه إذا كان فيه تأجيل فالناس يزيدون في الثمن، فإذا لم يبين فمعنى ذلك أنه يستحق الخيار.
لو أنه اشتراها بمائة ألف، قال: الخيار لي خمسة أيام، ثم قال بعد يومين: والله السلعة ما ناسبت زوجتي، فقال البائع: أنا أنقصها لك خمسة ألاف ولا تتردد -هذا كان في زمن الخيار- فإذا جاء وقال: أنا اشريتها بمائة ألف، نقول: لا، لأنه أنقص عليك، وما اشتراها حقيقة، وما تم العقد ولزم بالمائة ألف، بل لزم بخمسة وتسعين ألف.
والعكس بالعكس، فلما جاء البائع وقال: أنا بعتها لأني كنت سأسافر، وأما الآن فلا، وأريد إعادة السيارة، فيقول المشتري: والله أنا في حاجة لها شديدة، فخذ عشرة آلاف زيادة على ما اتفق عليه، فصارت مائة وعشرة.
فإذا جاء يخبر بالثمن يقول: أنا شريتها بمائة وعشرة، فما كان في زمن الخيارين قبل لزوم البيع يلحق بالثمن، بخلاف ما كان بعد ذلك، لأن ما بعد ذلك لا يلحقه شيء من هذا.
قال: (أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُةُ لَهُ) إذا اشتراها الإنسان من ولده، أحيانًا يريد الإنسان أن يُكسب ولده فيشتريه بأكثر. فولده على سبيل المثال عرض البيت بمليون ريال، وأرد أن يفيد ولده. فإذا قال: أنا اشتريته بمليون، وتبين للناس أنه شاريه من ولده، فسيعرفونه أنه ربما حاباه، وربما أعطاه في البيت أكثر مما يستحق، وبناء على ذلك يقولون: إنه لا يجوز له، ويستحق بذلك تخبير الثمن، أو بأكثر من ثمن الحيلة.
هذه لها صور ولهم كلام طويل في تصويرها، لكن أنا بقولها بصورة موجودة في الواقع، كثير من الأشخاص مثلًا له كيانات تجارية مختلفة، له شركتين، فيبيع من هذه الشركة على هذه الشركة، ويأتي لشركة أخرى ويقول: هذه داخلة علينا بكذا، هو صحيح داخلة عليك بكذا لكن ممن؟ من الشركة الأولى التي أنت تملكها، فهذه حيلة بلا شك، وكأنه أراد أن يخبر بالثمن على أنه ثمن حقيقي وليس ثمنًا حقيقيًا.
الثمن هو ما يتعلق بقيمتها، لا يدخل في ذلك أجرة تحميل، ولا كذا أو كذا، لا يأتي ويقول: دفعت عليها سعي، إذًا هي مائة وخمسة أو مائة وكذا، ما علينا بهذا، لأن الثمن هو الذي توجه إلى العين، فما كان من أجرة لحمل، أو سمسرة ووساطة، أو نحوها، فلا تدخل في الثمن.
لو قال: إلا أن يبين، فإذا كان يبين ويقول: أنا شريتها بمائة ألف، ودفعت عليها كذا وكذا، فكل ما دفع خارج الثمن، ولكن الثمن هو ثمن السلعة في عينها، لا ما لحقها من تبعات.
قال: (أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِقِسْطِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ) يعني واحد اشترى جوالا وكتابًا بألف ريال مثلاً، هو حاط في باله حسبة، إن الجوال يساوي تسعمائة والكتاب -عشر مجلدات- مثلا يساوي مائة ريال، قال: هل تشتري مني الكتاب؟ أنا اشتريته بمائة ريال، هذا غير صحيح، لأنه كونك اشتريتهما بألف، لا يعني أن ثمن الكتاب مائة فعلًا، ولو أنك اعتقدت أن هذا هو الثمن الذي تظنه، فهذا قد يكون فيه شيء من التضليل أو نحوه، ولا يصدق عليه أنك أخبرت بالثمن على وجه الحقيقة.
وبناء على ذلك إذا تبين للمشتري هذا؛ فإنه يستحق الخيار ويدخل في خيار تقرير الثمن.
ولعل فيما ذكرناه كفاية، أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
{شكر الله لكم شيخنا المفضال، ورضي الله عنكم، وفتح لكم، وزادكم من فضله.
والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب وحسن المتابعة، نلتقي -بكم بعون الله تبارك وتعالى- في اللقاءات القادمة، نستودعكم الله، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك