{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان، فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشَّيخ}.
أهلًا وسهلًا، حيَّاكَ الله.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِنًا أَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ شَارَكَ فِيْهِ، َوْ فِيْ
إِسْقَاطِ جَنِيْنٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، أَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ
شَارَكَ فِيْهِ أَوْ فِيْ إِسْقَاطِ جَنِيْنٍ، وَهِيَ تَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً
مِنَ اللهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، حُرًّا أَوْ
عَبْدً)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله
وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعد؛ فأسألُ الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا وإيَّاكم من عباده المتَّقين،
الذين إذا أُعطوا شكروا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا نسوا تذكَّروا، وأن يغفر لنا
ولوالدينا ولأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين، وأن يحفظ العباد والبلاد، وأن
يحفظ الولاية والجماعة، وأن يكفينا شرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطن.
كنَّا في الدَّرس الماضي قد استهللنا أوَّلَ الكلام على باب كفارة القتل، وذكرنا ما
تدخل فيه كفارة القتل وما لا تدخل فيه.
وقبل أن نذكر خصال الكفارة التي قرأها علينا الشيخ عبد الرحمن في هذه الحلقة؛ ننبه
أنَّ كفارة القتل إنَّما تكون في القتل الخطأ وما ألحق به أو أُجرِيَ مجراهُ، فبناء
على ذلك لا تدخل في العمدِ.
فإن قال قائلٌ: إذا وجبت في الخطأ -وهو أقل- فلماذا لم تجب في العمد وهو أعظم؟
يقول أهل العلم: إنَّ أمر القتل عظيم وشديد، ولَمَّا كان القتل الخطأ بغير قصدٍ من
الإنسان شُرَعت فيه الكفارة على ما جاءت به الآية، وأمَّا القتل العمد فإنَّه شيءٌ
لا يُقابله التَّكفير، وليس محلًّا للصفح والعفو والمغفرة، ولذلك قال الله -جَلَّ
وَعَلَا: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا
فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾
[النساء: 93]، وتقدَّمَ معنا في أول الكلام على الجنايات هل القتل له توبة أو لا
توبة له، وذكرنا قول ابن عباس وإن كان خلاف قول عامَّة أهل العلم، فالإجماع منعقدٌ
على خلافه، أنَّ صاحبه مخلَّدٌ في النار، وبناء على ذلك قال أهل العلم: إنَّ شأنَ
قتلَ العمد أعظم من أن تبلغه الكفارة أو أن تؤثر فيه، فلأجل ذلك أوجب الشَّارع
التَّكفير في القتل الخطأ وما أُجريَ مجراه، وبقي العمدُ على الوعيد والوبال
الشَّديد لمَن تجرَّأ عليه، ولمن أزهق نفسًا مؤمنةً أو معصومةً على ما جاء في الآية
من الوعيد.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَهِيَ تَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ،
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ)،
وهذا نصُّ الآية.
والشَّهران المتتابعان لأهل العلم فيهما تفصيلٌ ما الذي يقطعهما وما الذي لا
يقطعهما، فعادة الحيض للمرأة لا تمنع من صحتهما، ومجيء يوم العيد فإنه يحرم صومه
ويجب فطره، ولأهل العلم فيه تفصيل، وذكروا ذلك في كفارة الظِّهار، وقد مرَّ بنا
الكلام على ذلك، وما يحصل به انقطاع التَّتابع وما لا يكون به انقطاعه.
ويُلحَظ أنَّ جملةً من الكفَّارات ككفَّارة الجماع في نهار رمضان وكفارة الظِّهار
أنها عتقٌ ثمَّ صيامٌ ثم إطعام، ومع ذلك في كفارة القتل عتق ثم صيام ولم يرد فيها
إطعام؛ فهل نقول: إنَّها مقيسةٌ على ذلك؛ فنقول مَن لم يستطع الصِّيام فعليه
الإطعام أو لا؟
لأهل العلم في هذا خلافٌ، والظَّاهر عندهم أنَّه لا يُنتقَلُ إلى الإطعام لشناعة
القتل ولخصوصيَّته، ولأجل ذلك فإنَّ باب الكفارات -كما يقول أهل العلم- ليس بابها
باب القياس، وبناء على ذلك لا نقول أنَّ ما ذُكرَ في كفارة الظهار يُذكر في كفارة
القتل.
ولأجل ذلك قلنا: إنَّه لا يُمكن أن تُنقَل كفارة القتل إلى الجنايات فيما دون
القتل، فلا نقول هذا فيه ربع كفارة أو هذا فيه ثلث كفارة أو هذا فيه نصف كفارة،
لعدمِ القياس في هذا.
قال المؤلف: (وَسَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ)، يعني: سواء كان
المقتول صغيرًا أو كبيرًا، عاقلًا أو غيرَ عاقلٍ، أو مجنونًا أو معتوهًا، أو
مشلولًا أو معاقًا؛ فما دامت نفسًا مؤمنةً فقُتِلَت ففيها الكفارة.
قال: (حُرًّا أَوْ عَبْدً)، حتَّى لو كان عبدًا، فمع أنَّ العبد يُقوَّم بقيمته
ويأخذ حكم غيره، لكنَّ نفسه معصومة، ولأجل ذلك حرَّم الله -جَلَّ وَعَلَا- الاعتداء
على الأنفس المعصومة، وأوجبَ فيها أعظم ما يكون من الزَّجرِ والتَّحذيرِ؛ فوجبت
الكفارة.
وبناء على هذا نقول: إنَّ الكفارة مختصَّة بالأنفس المعصومة من الآدميين، أمَّا لو
اعتدى شخصٌ على ما ليس بآدمي، سواء في نفسٍ أو ما دونه -كبهيمة وغيرها- فإنَّه لا
تجب في ذلك كفَّارة، ولو كان قتلها ممنوعًا أو مُحرَّمًا.
قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَلَوْ تَصَادَمَ نَفْسَانِ فَمَاتَا، فَعَلى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ، وَدِيَةُ صَاحِبِهِ عَلى عَاقِلَتِهِ)}.
إذا تصادما فكلُّ واحدٍ منهما مخطئ على صاحبه، وبناء على ذلك يكون على كلِّ واحدٍ
منهما كفَّارةٌ.
ويُتصوَّر هذا ما لو كانا تصادما ثم بقيا وقتًا يُمكن له أن يُمضيَ عتقًا لعبدٍ أو
نحوه، أو تتعلق الكفارة بصيامه، فيكون ممَّن يدخله النيابة على قول بعض العلماء،
المهم أنَّ الكفارة تجب على كل واحدٍ منهما، لأنَّ هذا داخلٌ في القتل الخطأ،
لأنَّه لا يجوز للإنسان أن يتسبَّب في قتل غيره.
قوله: (وَدِيَةُ صَاحِبِهِ عَلى عَاقِلَتِهِ)؛ لأنَّ هذا داخلٌ في القتل الخطأ،
وقلنا: إنَّ القتل الخطأ تكون الدية فيه على العاقلة.
إذن؛ هؤلاء سيدفعون لهؤلاء الدية، وهؤلاء سيدفعون إلى هؤلاء دية. فما الفائدة؟
نقول: نعم، العاقلة هنا سيدفعون، والعاقلة هنا سيدفعون، لكن هنا تعود إلى الورثة،
وهنا تعود إلى الورثة، وقد لا يكون من الورثة عاقلًا يعقل كالنساء ونحوهم، وقد تجب
على العاقلة وهم غيرُ ورثة، كابن العم مع وجود الابن، أو العم مع وجود الأخ،
وهكذا..
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَا فَارِسَيْنِ، فَمَاتَ فَرَسَاهُمَا
فَعَلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمَانُ فَرَسِ اْلآخَرِ)}.
إذا كانا فارسين فاصطدما فماتت الفرسان بالاصطدام، وفي هذا يقولون: إن الأفراس فيها
شجاعة وإقدام حتَّى وإن رأت الموت فإنَّها لا تُحجم، بخلاف سائر البهائم، ولذلك
امتُدحت وتعلَّق بها فضل كثير، ومن ذلك قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ:
«الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» .
فإذا ماتت الفرسان فعلى كل واحدٍ منهما ضمان فرس الآخر، وهذا باعتبار الأصل، وهو أن
يكون اصطدامهما على وجهٍ فيه نوع اعتداء أو خطأ، أمَّا لو كان أحدهما هو المخطئ
والثاني لم يكن منه خطأ؛ فلا يتعلق الضَّمان إلَّا بالمُخطئ، مثل أن يُجعل طريقًا
للذَّاهب، فأتى منه منحدرًا وهو إنَّما هو للمُصعد، فإذا اصطدما في هذه الحال
فالمخطئ هو المنحدر الذي سلك غير طريقه، فيكون عليه الضَّمان.
ومسائل كثيرة ذكرها الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- في تصادم السَّفينتين
ونحوها؛ هي أصلٌ للأحكام الفقهيَّة المتعلقة بالمرور والسيَّارات وإتلاف بعضها
لبعضٍ، وما يتعلق بذلك.
وذكر الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- من ذلك صورًا، وثَمَّ صور أكثر من هذا في
متعلقات الناس تجد أنَّ منزعها قد نصَّ عليه الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى.
على سبيل المثال: جاء في الأثر عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أنَّ ما
جرحت البهيمة بمقدمها ففيه الضمان، وبمؤخرها فلا ضمان فيه؛ لأنَّه لا سيطرة لصاحبها
على مؤخرتها، وهذا يُسنِدُ أنَّه إذا اصطدمت سيارتان إحداهما من المقدمة والأخرى في
مؤخرتها؛ فالضَّمان على الذي صدمها بمقدمته؛ لأنَّه هو الذي يستطيع التَّحكم أكثر
من الذي صُدم في مؤخرته، ولكن قلنا: ثَمَّ فرقُ بينَ مؤخرة البهيمة، ومؤخرة السيارة
باعتبار أنَّه يُمكن التَّصرُّف في السيارة في بعض الأحوال.
على كل حال فأنا لا أذكر هذا تقعيدًا وتقريرًا مستقرًّا في كل المسائل، ولكن إشارة
إلى أمرٍ لطيفٍ جدًّا غاية في الأهمِّية، وهو ما نصَّ عليه الفقهاء -رَحِمَهُم
اللهُ تَعَالَى- من أحكام المرور في ذلك، وتعرفون أنَّ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى- ربَّما أدخلَ مسائل أبواب في أبوابٍ أخرى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَاقِفًا وَاْلآخَرُ
سَائِرًا، فَعَلى السَّائِرِ ضَمَانُ دَابَّةِ اْلوَاقِفِ)}.
لأنَّ السَّائر هنا هو المعتدي، إلَّا أن يكون الواقف كان مُعتديًا في وقوفه، كأن
يقف في مكان ضيق حقه أن يمشي فيه؛ فيكون الضَّمان عليه، وهكذا..
إذن؛ هذا ليس على إطلاقه، ولكنه من حيث الأصل، أنَّ واحدًا متوقف والآخر يمشي وكان
بإمكانه أن يمشي في جهة الطريق الأخرى أو في وسط الطريق، حتى يأتي على هذا فيصدمه؛
فمعنى ذلك أنَّه مُعتدٍ عليه؛ فوجبَ عليه ضمان ما مات فيها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَعَلى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ، إِلاَّ أَنْ
يَكُوْنَ اْلوَاقِفُ مُتَعَدِّياًّ بِوُقُوْفِهِ، كَاْلقَاعِدِ فِيْ طَرِيْقٍ
ضَيِّقٍ، أَوْ مِلْكِ السَّائِرِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَضَمَانُ السَّائِرِ
وَدَابَّتِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلى السَّائِرِ وَلاَ عَلى عَاقِلَتِهِ)}.
إذا كان معتديًا كما قلنا قبل قليل، أو كان الواقف في مِلْكِ السَّائر، فأنت إذا
دخلتَ في ملك غيرك فمعنى ذلك أنَّك معتدٍ بهذا الدخول وبهذا الوقوف، فإذا اصطدم فيك
فحصل له موتٌ فكأنَّك عرَّضته للهلكةِ بالدخول في مِلكه والاعتداء عليه؛ فتعلَّقَ
بذلك الضَّمان، وضمان دابَّته أو سيارته ونحو ذلك، ولا كفارة ولا شيءَ على
السَّائر؛ لأنه لم يكن من اعتداء.
ومثل ذلك في مسائل موت الآن بالسيارات -نسأل الله السلامة والعافية- فلو أنَّ شخصًا
صدمَ آخر فماتَ، فإذا كان المخطئ هو الصَّادمُ فعليه الكفارة والدية، وإذا كان عليه
جزء من الخطأ وعلى ذلك جزء من الخطأ فالدية -كما قلنا- تتجزَّأ؛ فيكون عليه بقدر
خطئـــه من ديتــه، فإذا كانت نسبـــة الخطـــأ عليــــه 40 % فعليه من الدية 40 %
كذلك، ولكن الكفارة لا تتجزَّأ، حتَّى لو كان الخطأ عليه 1 % فعليه كفارة كاملة.
أمَّا إذا لم يكن منه خطأ مثلما قلنا في مسألة الواقف والسائر في مِلْكه؛ فلو مات
السائر بذلك الواقف، فالمعتدي هو الواقف، فبناء على ذلك فليس على السائر شيء، وليس
منه خطأ، وبناء على ذلك نقول ليس عليه كفارة كذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا رَمَى ثَلاَثَةٌ بِالْمَنْجَنِيْقِ،
فَقَتَلَ اْلحَجَرُ مَعْصُوْمًا، فَعَلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ، وَعَلى
عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ)}.
المنجنيق: آلةٌ من آلات الحرب، أشبه ما تكون بالمدفع، ولكنها كانت مما يُجعل فيه
حجرًا ويسحبوه بقوَّة حتَّى يندفع ذلك الحجر، فيسقط على العدو فيقتلهم، ولكنها ما
كانت تذهب إلى أماكن بعيدة، وغالبًا ما يستعملونها في الأماكن المرتفعة كرأس الجبل،
فتكون هوَّتها قويَّة مثل هوَّة الجبل فتؤثر في العدو، وفي الجملة هي كالمدفع،
ولكنه حصل عليه تعديل بتطور الصناعات ونحوها.
فلو أرادوا أن يقتلوا العدو بالمنجنيق فمالَ الحجرُ حتَّى قتل واحدًا من المسلمين،
أو واحدًا ممَّا لا يجوز قتله، ولا مدخلَ له فيما أريد تصويبُ الحجر عليه؛ فالدية
هنا على الثلاثة؛ لأنَّهم هم الذين اشتركوا في رمي الحجر، والكفارة على كل واحدٍ؛
لأنَّ الكفارة لا تتجزَّأ.
قال: (وَعَلى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ)، باعتبار أنهم ثلاثة، وما كان ثلث الدية
فأعظم فعلى العاقلة -مثلما قلنا سابقًا- وما كان دونها فيكون على الجاني.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ فَكَذلِكَ، إِلاَّ
أَنَّهُ يَسْقُطُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فِيْ مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ)}.
لو كان هذا الحجر الذي أرادوا أن يرموه ارتدَّ عليهم، أو سقطَ فتلقَّاه أحدهم فمات،
فالثلاثة هم الذين تسبَّبوا، فهنا يكون على الاثنين ثلث الدية، ويسقط ثلث الدية في
مقابل فعل الإنسان على نفسه، والكفارة على كل واحدٍ منهما كاملة؛ لأنَّ الكفارة لا
تتجزَّأ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانُوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ،
سَقَطَتْ حِصَّةُ اْلقَتِيْلِ وَبَاقِيْ الدِّيَةِ فِيْ أَمْوَالِ اْلبَاقِيْنَ)}.
إن كانوا أكثر من ثلاثة سقطت حصَّة القتيل، يعني حصَّة القتيل من الدية، فإن كانوا
أربعة مثلًا فسيجب على الثلاثة الآخرين كل واحد ربع الدية، وربُع الدية سقط؛ لأنَّ
القتيل تسبَّبَ على قتل نفسه.
قال: (وَبَاقِيْ الدِّيَةِ فِيْ أَمْوَالِ اْلبَاقِيْنَ)، ولم يقل في أموال
العاقلة؛ لأنَّنا نرجع إلى الأصل المتقدِّم، أنَّ ما دون ثلث الدية يتحمله الإنسان
في نفسه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باَبُ اْلقَسَامَةِ)}.
بعدَ أن أنهى المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- باب كفارة القتل، شرعَ في باب
القسامة.
القسامة: مأخوذة من القَسَمِ، لكثرة القَسَم فيها.
وهي حالٌ خاصَّة أوجب الشَّارع فيها الأيمان لمَن قتِلَ له قتيلٌ مع وجود اللوث
-وهي العداوة الظَّاهرة- ليستحقوا بذلك القتل، أو ما يجب من الضَّمان في تلك الحال،
وستأتي صورة ذلك، وأصله حديث سَهْلُ بْنُ أَبِيْ حَثْمَةَ، وَرَافِعُ بْنُ
خَدِيْجٍ، وهي قصَّةٌ مشهورةٌ عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وبينَ يدي الكلام في هذا أنبِّه أنَّ قاعدة الشَّرع أنَّ "البيِّنة على المدَّعي،
واليمينُ على مَن أنكرَ"، فإذا ادَّعى شخصٌ أنَّ فلانًا قد قتل له قريبًا ونحوه؛
فيُثبت ذلك بالشَّهود -البيِّنة- فإذا ثبتت حُكِمَ، وإذا لم يثبت لم يُحكَم فيه
بشيءٍ.
وهنا في القسامة الصُّورة مختلفة، وذلك أنَّ الأيمان تجب في جهةِ المدَّعينَ، وهذا
إذا لم يكن لهم بيِّنَةٌ.
وسببُ ذلك: هو قوَّة الظَّن بحصول القتل من المُدَّعَى عليه، ولذلك اشترطَ
الشَّارعُ وجود ما يُقوِّي هذا الظَّن وهو اللَّوث -العداوة الظَّاهرة- فبينهم
عداوة معروفة، حتَّى إذا قيل قُتِلَ فلان لظنَّ الناس أنَّ من قتله هم آلُ فلان
لِمَا بينهم من العداوة، سواء كانت لعصبيَّة جاهلية، أو لثأرٍ سابقٍ، أو لغير ذلك
من أسباب العداوات والحقد الضَّغينة الذي يُوصل إلى القتل، ففيه عداوات بينَ الناس
ولكنها لا يُتصوَّر أنَّ هذه العداوة تُوصل إلى القتل، فكل واحد من المشاهدين
والحاضرين يكون بينه وبين شخصٍ شيء من النفرة أو الاختلاف، وأحيانا من العداوة،
وكلٌّ يتربَّص بصاحبه بأشياء يسيرة، ولكن ما يُتصوَّر أنَّه يصل إلى القتل، فهذا
ليس محل بحثنا، فمحل بحثنا هو ما يصل إلى القتل.
وَلَمَّا كان هذا اللَّوثُ في مسائل القَسَامة والاعتقاد ظاهرٌ من كل واجه أنَّ
هؤلاء هم القَتَلَة؛ فلو لم يتدخَّل الشَّارع بحسمها لأفضى ذلك إلى دورانها، يعني
وُجد في بيت هؤلاء قتيل، وهم أشد ما يكونوا عداوة لآلِ فلان، وهذا القتيل من آل
فلان؛ فالغالب أنَّهم هم الذين قتلوه.
فلو قلنا لأهل القتيل: ما لكم شيء؛ فهذا سيُفضي أنهم سيتسلَّطونَ على هؤلاء، ثم نجد
دليلًا، ثم يسري القتل، فقطعًا لدابر ذلك أوجبَ الشَّارعُ ما يكونُ به منع مثل هذا
الأمر والتَّثبُّت في القتل، فلأجل ذلك وجبت القَسَامة على ما سيذكر المؤلف
-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
إذن؛ القسامة: هي أيمانٌ في إثبات القتل تُوزَّع على المدَّعين ليستحقوا بذلك دم
القاتل، أو يلحق من الضَّمان.
هل القسامة متعلقة بالقتل العمد فقط؟ أو متعلقة أيضًا بالقتل الخطأ؟
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِيْ حَثْمَةَ، وَرَافِعُ
بْنُ خَدِيْجٍ أَنَّ مُحَيِّصَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قَبْلَ
خَيْبَرَ فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، فَاتُّهِمَ اْليَهُوْدُ بِهِ، فَقَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «يُقْسِمُ خَمْسُوْنَ مِنْكُمْ
عَلى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» فَقَالُوْا: أَمْرٌ لَمْ
نَشْهَدْهُ، فَكَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُوْدٌ بِأَيْمَانِ
خَمْسِيْنَ مِنْهُمْ» قَالُوْا: قُوْمٌ كُفَّارٌ، فَوَدَاهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- مِنْ قِبَلِهِ)}.
إذا وُجدت عداوة بينَ أقوام ظاهرةٌ، ثمَّ وجدوا عندهم قتيلٌ لأعدائهم؛ فمعنى ذلك
أنَّ أولياء الدم إذا لم يجدوا بينة في الثبوت فإنَّهم يُقسمون خمسين يمينًا، فإذا
أقسموا فإنَّهم في الغالب لا يجتمعون على القسم واليمين إلَّا أنَّهم تيقَّنوا أنَّ
هذا هو القاتل، فيُقسمون خمسينَ يمينًا، ويقسمونها بينهم بحسب إرثهم للدم، فهذا إذا
كان يرث الثلث فعليه ثلث الأيمان، وهذا إذا كان يرث 10 % فيكون عليه خمسة أيمان،
وهذا إذا كان يرث النصف فعليه نصف الأيمان فيحلف خمسة وعشرين يمينًا؛ ولا يتجرَّأ
الناس على مثل هذه الأيمان إلَّا أن يكونوا متيقِّنين.
وفي قصَّة حويصة ومحيِّصة لَمَّا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ:
«يُقْسِمُ خَمْسُوْنَ مِنْكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ»، ومع
علمهم أنَّ اليهود قَتَلةٌ وخونةٌ وأكثر ما يكونون عداوة وذلك ظاهر، وليس من السهل
أن يرضوا أن يذهب دم قتيلهم ولا أن يلحقهم العار بأن هؤلاء تجرَّؤا عليهم؛ ولكن
لَمَّا كانت الأيمان خمسين فإنَّهم لا يُقبلون إلا أن يقطعوا، فلمَّا لم يقطعوا
قالوا: (أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، فَكَيْفَ نَحْلِفُ؟). فقال النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ: «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُوْدٌ بِأَيْمَانِ خَمْسِيْنَ مِنْهُمْ»،
يعني: أنَّهم ما قتلوه، فلا تنتقل اليمين إلى المدَّعى عليهم إلَّا إذا نكلوا
وطلبوا، ولذلك قال المسلمون: (قُوْمٌ كُفَّارٌ)، ولم يقبلوا بأيمانهم، فلم ينقل
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- القسامة إلى اليهود، ولم يُرد ضياع دمه،
فواده النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- من بيت المال.
{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَمَتىَ وُجِدَ قَتِيْلٌ، فَادَّعَى
أَوْلِيَاؤُهُ عَلى رَجُلٍ قَتْلَهُ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ وَلَوْثٌ،
كَمَا كَانَ بَيْنَ اْلأَنْصَارِ، وَأَهْلِ خَيْبَرَ، أَقْسَمَ اْلأَوْلِيَاءُ عَلى
وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِيْنَ يَمِيْنًا، وَاسْتَحَقُّوْا دَمَهُ)}.
قوله: (فَمَتىَ وُجِدَ قَتِيْلٌ، فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلى رَجُلٍ قَتْلَهُ)،
يعني: أن يدَّعي المدَّعونَ على رجلٍ مُعيَّنٍ، فلا يقولون: هؤلاء هم قتلوه!
فيُقال: أيُّ واحد منهم؟ قالوا: لا ندري! أو قال عشرة منهم: فلانٌ. وقال عشرة: لا؛
فلانٌ!
فهذه الأحوال لا تكون قسامة، ولكن إذا اتَّفقَ المدَّعون وكلهم قالوا: ما قتله
إلَّا فلان ابن فلان، ورضوا أن يحلفوا على ذلك؛ فيُؤخذ منهم خمسين يمينًا؛ فإذا
حلفوا استحقُّوا دمَ القاتل، وهذا بشرط أن يكون بينهم عداوةٌ ولوْث -بإسكان الواو-
وإن كان يشتهر عند الناس بفتحها، ولكن الضبط الصحيح بتسكين الواو لا بتحريكها، وهي
العداوة الظاهرة، ويخرج بذلك العداوة الباطنة التي هي الضغائن والأحقاد البسيطة،
وأيضًا تخرج العداوة التي لا تبلغ بالإنسان القتل، فهذه كلها لا تدخل في باب
القسامة، ولكن لو وُجدت عداوةٌ ظاهرةٌ يُعلم من خلالها أنَّ كل واحدٍ من الفريقين
يتربَّصُ بصاحبه أو أنَّ أحدهما يتربَّص بالآخر قتلًا، فوُجدَت دعوى قتل بينهم
وادَّعى المدَّعون بذلك، وحلفوا الأيمان؛ فنقول: هذا صحيح وتُقبَل فيها الأيمان
وتُسمَّى "قسَامة"، وكما قلنا إنَّ الأصل أنَّ الأيمان على المدَّعَى عليهم، ولكن
هنا بدأنا بالمدَّعين.
لقائل أن يقول: ما فائدة أن يحلف المدَّعى عليهم إذا نكل المدَّعون الحلف؟
المدَّعَى عليهم إذا طُلبَت يمينهم فلا يخلو:
إمَّا أن يحلفوا: فيبرؤون.
وإمَّا أن لا يحلفوا: فهنا لا نُوجب القصاص، لِمَا تقدَّمَ فيما مضى أنَّ النكول
حجَّة ضعيفة، والقتل يُدرَأ بالشُّبهة، فلا نقول بجوب القصاص، بل أكثر ما يجب عليهم
إذا لم يحلفوا الدِّيَة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوْا حَلَفَ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ خَمْسِيْنَ يَمِيْنًا وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلُوْا فَعَلَيْهِمُ
الدِّيَةُ)}.
فلا يبلغ في مثل تلك الحال أن يُؤخَذ بالقتل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعُوْنَ، وَلَمْ
يَرْضَوْا بِيَمِيْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَدَاهُ اْلإِمَامُ مِنْ بَيْتِ
الْمَالِ)}.
هذا لئلا يضيع دمه، وقد عُلِمَ أنَّ له قاتل، فكما فعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- أنَّه ودى عبد الله بن سهل من بيت المال.
وهنا نقول: القسامة هي حكمٌ خاصٌّ جاء به الدليل، فحكم به أهل العلم على نحوِ ما
جاء، ولا يُقاسُ عليه، فبناء على ذلك لو حصل بين أناسٍ وآخرين عداوة ظاهرة، فجرى
أنَّ أحدهم وُجدَ مكسورًا أو مقطوعة يده أو نحو ذلك عند هؤلاء في بيتهم أو في
بستانهم أو قريبًا من أرضهم أو قريتهم؛ فلا نقول إن هذا اعتداء مع لوثٌ فتكون فيه
القسامة كما تكون في القتل؛ بل نقول: القسامة في القتل وردت في حالٍ خاصَّة فحُكِمَ
بها على ما جاء به الدليل، ولا يُقاس عليها غيرها، فهذا ينبغي أن يُتنبَّه له وأن
يُعرَف، فهذا ليس محلًّا للقياس ولا للاعتبار.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُقْسِمُوْنَ عَلى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ)}.
لا يقولون: آلُ فلانٍ قتلوه، ولا يقولون على شخص غير مُعيَّنٍ، ولا على نختلف؛
إمَّا أن يتَّفقوا على أنه فلانٌ بعينه قد قتلَ فيتعلق بذلك حكم القسامة، وإلَّا
فلا.
وذكرنا أنَّ حاجة الشَّرع إلى ذلك: أنَّ مثل هذا يُفضي إلى تحرُّك العداوات، وتسلسل
الثَّأر والقتل، ويشيع بذلك شرٌّ كثيرٌ؛ قطعَ الشَّرع دابره بالأيمان المكرَّرة،
ولا يجرؤ على ذلك إلَّا ما تيقَّن ولم يكن عنده شك أنَّ هذا قاتلٌ؛ فقُبِلَت
القسامة قطعًا لذلك الدَّابر، وإن لم يحلف فتنتهي الخصومة والدعوى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، حَلَفَ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِيْنًا وَاحِدَةً وَبَرِئَ)}.
إذا انتفى شرط اللوث فلا قسامة، وبناء على ذلك ترجع إلى كونها مسألة من سائر
المسائل، البيِّنة على المدَّعي، واليمين على مَن أنكرَ، فإذا قُطِعَ أصبعه، أو
ضُربَت يده، أو فُقِأت عينه أو قُتِلَ، ولكن لم يكن بينهم وبينَ مَن يُشكُّ فيه
عدواة ظاهرة ولا لوث ونحوه، فلا قسامة في مثل تلك الأحوال، إمَّا أن يُثبَت
بالبيِّنَة أنَّ هذا هو القاتل فيستحقُّوه، وإمَّا أن لا يثبت ذلك، فإذا ادَّعوا
عليه طُلِبَت اليمين، إن أدَّها وحلف برئ، وإن لم يحلف وحصل النُّكول تعلَّق به ما
يتعلق بالنُّكول -على ما تقدَّم- ولا يكون في ذلك ما يكون في القسامةِ على ما
بيَّنَّا.
أظنُّ أنَّنا بهذا وصلنا إلى نهاية المقرر في هذا الفصل، أسأل الله -جَلَّ وَعَلَا-
أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يزيدكم من العلم والفقه والتُّقى، وأن يبلغكم الخير
والهُدَى، وأن يرفعكم في منازل العلم، وأن يزيدكم من العمل، وأن يُعقبكم التَّعليم،
وأن يجعلكم في هذا الميدان سائرين، تلقوا به ربَّكم، وترتفعوا به عند مولاكم،
وتُؤجروا به -بإذن الله جلَّ وَعَلَا- في جنَّاتِ عدنٍ عند مليكٍ مقتدر، أسأل الله
أن يغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وذريَّاتنا وأحبابنا والمسلمين، وأن يجعلنا من أهل
العلم الذي يُحشرون في لوائه ويُؤجرون عليه، مخلصين فيه، لم يُريدوا بذلك شيئًا من
الدنيا ولا حطامها، وأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يُتمَّ علينا نِعمه الظَّاهرة
والباطنة، وأن يصرف عنَّا الفتن ما ظهر منها وما بطنَ، وأن يجمعنا بكم في أحوالٍ
طيِّبةٍ في فصولٍ قادمةٍ، في خيرٍ وهدًى وبرٍّ وتُقًى وسعادة، إنَّ ربَّنا جوادٌ
كريمٌ.
وشكر الله -جَلَّ وَعَلَا- للقائمين على هذا الصَّرح، هذا البناء العلمي الذي قامَ
على الخير والهُدَى، ينشر العلم، ويُقرِّبه إلى الناس، ويدعوهم إليه، ويُظهره فيهم،
جعلكم الله -جَلَّ وَعَلَا- في خيرٍ، وجعلنا وإيَّاكم وإيَّاهم في سلامةٍ وصلاحٍ في
الدنيا والأخرى، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
{وفي ختام هذا الفصل المبارك نشكركم فضيلة الشيخ على ما أجدتم به وأفدتم، أسأل الله
أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم}.
نعتذر عن الإخوة، ربَّما كان في هذا الفصل من العوارض التي كانت تمنع الإنسان عن أن
يُعطيَ هذا الفصل حقَّه والدروس قدرها من المراجعة والتحضير اللازم، لكن لعلَّ ما
ذكرناه منشِّطًا للإخوة إلى أن يتحقَّقوا العلم ويزدادوا فيه، وإذا وجدوا في ذلك
ثغرةً أو عثرةً أو نقيصةً، فليس بينهم وبين الإخبار بها أو إيصالها ما يكون به
الخير لنا ولإخواننا وللمشاركين في هذا البناء، والله الموفق.
{أسأل الله أن يُثيبكم في الدنيا والآخرة}.
آمين وإيَّاكم.
{وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرة من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.