الدرس التاسع عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

1888 24
الدرس التاسع عشر

عمدة الفقه (7)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
أهلًا وسهلًا، أرحبُ بك، وأرحب بمشاهدينا والمتابعين والمنتمين إلى هذا الصَّرح العلمي -البناء العلمي- أسأل الله أن ينفع به.
{اللهم آمين.
نشرع من قول الموفق ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ: (كِتاَبُ الدِّياَتِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ؛ فأسأل الله -جلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم والفضل والدِّيانة والتُّقى، وأن يحملنا على البرِّ والتَّقوى، وأن يجعلنا من أهل طاعته ومن أهل فضله ومحبَّته، وأن يُفيض علينا من الرَّحمات والخيرات، وأن يدفع عنَّا الشُّرور والمعاصي والآفات، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
لايزال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا الكتاب المبارك وفي هذا المتن المختصر يتنقَّل بينَ أبواب الفقه يُتمِّمُ بعضُها بعضًا، فبعدَ أن أنهى المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- ما يتعلق بالجنايات، وتقسيم الجناية إلى جناية عمدٍ أو خطأ أو شبه عمدٍ؛ على ما تقرَّرَ الكلام فيه فيما مضى، وكلام الفقهاء في ذلك؛ انتقل بعدَ هذا إلى الدِّيات؛ لأنَّ موجب الجناية إمَّا قصاصٌ -على ما تقدم ومرَّ بنا- وإمَّا ديةٌ، فلمَّا أنهى الكلام عن القصاص وموجب القتل العمد وما يتعلق به؛ بدأ في نظير ذلك سواء كان في الجناية العمد قد اختار أهلها الدِّية، أو كان ذلك فيما لا يُوجبُ قصاصًا أصالةً وتجب فيه الدية، فقال: (كِتاَبُ الدِّياَتِ).
الدِّيات: جمعُ دِيَة، والدِّيَة: من وَدَى يَدِي دِيَةً؛ فهي دياتٌ على سبيل الجمع باعتبار أنواعها، ديةُ الحرِّ، ديةُ المرأة، دية الرَّجل، ديةُ المسلم، ديةُ الكتابي، ديةُ المجوسي، وهكذا..
وحقيقة الدِّياتُ في الاصطلاح: هو ما يُدفَعُ للمجنيِّ عليه في عمدٍ أو خطأ، أو يُدفَعُ إلى ورثته، أو ولي الجناية -كما يقول الفقهاء -رحمهم الله تعالى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (دِيَةُ اْلحُرِّ اْلمُسْلِمِ أَلفُ مِثقَالِ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِئَةٌ مِنَ اْلإِبِلِ)}.
بدأ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- بدية الحرِّ المسلم، فأوَّلُ القيود هو: أن يكون حرًّا، فلو كان عبدًا فله حُكمٌ آخر يتعلق في الجناية عليه وإتلاف نفسه، سيذكره المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- في فصلٍ خاصٍّ يأتينا بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا.
الثاني: أن يكون مُسلمًا، فغيرُ المسلم تتفاوت ديته على ما يأتي بيانه بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا.
قال: ( أَلفُ مِثقَالِ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِئَةٌ مِنَ اْلإِبِلِ).
هل أصول الدية واحد وغيرها بدلٌ عنها؟ أو أن أصول الدية متنوع؟
لأهل العلم في ذلك كلامٌ:
- منهم من يقول: إن أصل الدية خمسة:
• ألف مثقال من الذهب.
• مائة من الإبل.
• مائتا من البقر.
• ألفا شاة.
• اثنا عشر ألف درهم.
إذن؛ هي من الذهب والوَرِق والإبل والبقرة والغنم؛ فهي خمسة أشياء.
- ومنهم من يقول: إن الأصل في الديات الإبل، وأنَّ غيرها بدلٌ عنها.
وعلى كلِّ حال هذا يترتب عليه بعض الفروق والآثار الفقهيَّة، ولا نريد أن نستفيض على ما قلنا فيما مضى من حاجتنا إلى شيءٍ من الاختصار.
لَمَّا قال المؤلف: (دِيَةُ اْلحُرِّ اْلمُسْلِمِ أَلفُ مِثقَالِ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِئَةٌ مِنَ اْلإِبِلِ)؛ كأنَّه يُشير إلى تنوُّع أصول الدية، فذكر الذهب، وذكر الوَرِق، وذكر بهيمة الأنعام، يُشير بالإبل إلى البقر والغنم.
{وهذا يُوافق المشهور من المذهب أو يُخالفه؟}.
المذهب يقول: أصول الدية خمسة، فإن كان المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- قصدَ الإشارة بالإبل إلى بهيمة الأنعام كلها وقصد بذلك الاختصار؛ وإلَّا كأنَّه قولٌ متأرجحٌ بينَ القولين، إمَّا أن تكونَ أصلًا واحدًا أو أصولًا خمسة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ كَانَتْ دِيَةَ عَمْدٍ، فَهِيَ ثَلاَثُوْنَ حِقَّةً، وَثَلاَثُوْنَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُوْنَ خَلِفَةً، وَهِيَ اْلحَوَامِلُ)}.
شرعَ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- الآن في دية العَمد العُدوان.
التَّغليظ في الدية، أو التَّفاوت بينَ دية العمد ودية الخطأ هذا محلُّ كلامٍ لأهل العلم:
- فمنهم من يقول: إنَّ الدِّيَة في بعض الأحوال تُغلَّظ، واختلفوا فيما يحصل به التَّغليظ، بعضهم يقول بالعمد إذا آل الأمر إلى الدِّية، وبشبه العمدِ، وإذا كان فعلها في الحرَم، أو على قريبٍ ذا رحمٍ، ونحو ذلك.
- ومنهم مَن قال: لا تُغلَّظ البتَّة كالحنفية.
- ومنهم مَن رأى التَّغليظ في أحوالٍ أخص.
على كل حال؛ جرى المؤلف على التَّغليظ كما هو مذهب الشافعية -رَحِمَهُم اللهُ- وهو مشهور المذهب عند الحنابلة.
إذا قيل بالتَّغليظ؛ فكيفَ يكون التَّغليظ؟
يكون التَّغليظ في النَّوع، وفي شيءٍ آخر سيذكره المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- بعدَ ذلك.
يقول المؤلف: (فَإِنْ كَانَتْ دِيَةَ عَمْدٍ، فَهِيَ ثَلاَثُوْنَ حِقَّةً، وَثَلاَثُوْنَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُوْنَ خَلِفَةً، وَهِيَ اْلحَوَامِلُ).
الخَلِفَة تسمى: "الحامل"؛ لأنَّها تلد بعدَ حملها، مِن يَخلف الشيءُ بعضه بعضًا، فأُطلقَ عليها بأنها: "خَلِفَة".
وما ذكره المؤلف من كونها ثَلاَثُوْنَ حِقَّةً، وَثَلاَثُوْنَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُوْنَ خَلِفَةً؛ قد جاء في بعض الآثار، وبعضهم يقول: إنَّ التَّغليظ هو أن تكون أرباعًا "خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة".
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- جرى على خلاف مشهور المذهب، فمشهور المذهب أن يكون التغليظ بجعلها أرباعًا؛ لأنها لو كانت غير مُغلظةٍ عند الحنابلة فإنها تكون أخماسًا، بأن تكون "عشرون بنت مخاضٍ، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة"، فتكون مائة من الإبل.
وكما قلنا: إنَّ هذه مسائل قليلة الوقوع، حسبُ الطالب أن يعرف أصل هذا الباب، وكيف نظر الفقهاء إليه، أما تحرير الأقوال والدِّقة فيما يتعلق بهذه المسائل فإنَّما يحتاج إليها مَن يلي أمر القضاء ويُوكَل إليه الفصل في مثل هذه الخصومات والأحكام، فيحتاج إلى التَّبيُّن والتَّبيين، وزيادة التَّوضيح والتَّدقيق.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتَكُوْنُ حَالَّةً فِيْ مَالِ اْلقَاتِلِ)}.
حالَّة: يُقابلها المؤجَّلة.
ومعنى ذلك: أنَّ الدَّية التي تجب في العَمد العدوان أنَّها تكون في الحال، فلمَّا كان القاتل عمل أمرًا عظيمًا وتقصَّدَ شيئًا شديدًا؛ فإنَّه لا يُناسب أن يُخفَّف فيه، ولا أن يُتساهل معه، ولأجل ذلك وجبَت عليه ووجب أن تكون حالَّةً -كما قال المؤلف رحمه الله تعالى- وسيأتينا أنَّ ما سواها تكون مُؤجَّلة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ فَكَذلِكَ فِيْ أَسْنَانِهَ)}.
يعني أنَّ شِبه العمدِ بينَ بينٍ، فلا هي مثل الخطأ، ولا هي مثل العمد؛ بل تأخذ أحكامَ العمدِ في بعض أحكام كالتغليظ، وتأخذ أحكام الخطأ في بعضها.
فمن جهة ما يجب فيها من الإبل فهي مُغلَّظة، وعلى قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- تكون "ثلاثون حقَّة، وثلاثون جذعة، وأربعون خليفة"، كما جاء في الحديث «في بطونها أولاده» .
وشِبهُ العمد يُشبه الخطأ في كونه على العاقلة وكونه مؤجَّلًا.
إذن؛ عندنا:
العمد: الدِّية فيه حالَّةٌ، وتكون على القاتل، وتكون مُغلَّظة في أسنانها، هل هي أرباعًا أو أخماسًا، على ما ذكره المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- هنا.
والخطأ: يُقابل العمد في أنَّه مخفَّف، والدية فيه على العاقلة، وهي مؤجَّلةٌ، فتكون خمسةُ أخماسٍ، كل منها عشرون.
وشبه العمد: تُعتَبر فيه الدِّية على العاقلة، وتكون مؤجَّلةٌ، ومعتبرٌ فيها أنَّها مُغلَّظةٌ في الأسنان، فتجب ثلاثون وثلاثون وأربعون.
فشبه العمد بينَ العمدِ وبينَ الخطأ، وسيأتي مزيدُ كلامٍ على ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهِيَ عَلى اْلعَاقِلَةِ، فِيْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فِيْ رَأْسِ كُلُّ سَنَةٍ ثُلُثُهَ)}.
خصَّصَ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- بابًا فيما يتعلق بالعاقلة.
والعاقلة: من العَقلِ؛ لأنَّهم يعقلون عن الجاني، إمَّا يعقلون كناية عن أنهم هم الذين يسوقون الإبل ويعقلونها في مكان المجني عليه، وإمَّا كنايةً عن أنَّهم يعقلون الجاني ويحفظونه من الاعتداء والإتلاف والجناية، فتحتمل الأمرين جميعًا، ولكن من المتقرر أنَّ العاقلة هم الذين يعقلون عن الجاني وهم عصاباته على ما سيأتي بيانه بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا.
وبدأ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- أن يُبيِّن ما تشبه فيه دية شبه العمد الخطأَ، فذكر أنها تشبه العمدَ في أسنان الإبل، وتشبه الخطأ في كونها على العاقلة.
ثم قال: (فِيْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ)، يعني: تؤجَّل ثلاث سنين، حتَّى يكون ذلك أيسرَ عليهم، وحتَّى لا يحصل عليهم مشقَّةٌ بالغةٌ، فيُؤدُّون في كل سنةٍ ثلث الدِّيَة.
قال: (فِيْ رَأْسِ كُلُّ سَنَةٍ ثُلُثُهَ)، فتُؤجَّل وتُسهَّل عليهم؛ لأنَّ الشَّرع مبناه على التَّيسير وعدم التَّكليف، إلَّا ما يُحتاج فيه إلى الرَّدعِ والزَّجرِ، فلمَّا كان القتل العمد العدوان من الأمور العظيمة والتي يُراد زجر النفوس عنها فإنَّ الشَّارع يميلُ وينحو منحى الزَّجر فيُغلَّظ عليه في الدية، فلا تُؤجَّل حتى لا يتساهل ولا يتوانى الناس في ذلك.
أما شبه العمد والخطأ فإنه مما لا يحصل قصدًا، والنفوس قد تفور فتقصد شيئًا من الإيذاء، لكن لا يبلغ بها الجنوح والظُّلم والعدوان إرادة القتل وإراقة الدَّم.
والدليل على هذا: قصَّة المرأتين من هذيل اللتين اقتتلتا، فحصل بينهما ما حصل، فأخذت امرأةٌ حجرًا فضربت به الأخرى فقتلتها وما في بطنها، وكما قلنا فيما مضى: إنَّه يظهر أنَّ الحجر صغيرٌ، للتفريق بينَ ما يحصل به الموت وما لا يحصل به الموت عادة، فقضَى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ ديتها على عاقلتها، مع أنها شبه عمدٍ، ولكنها قاصدةٌ للجناية وإن لم تقصد قتلها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ كَانَتْ دِيَةَ خَطَأٍ، فَهِيَ عَلى اْلعَاقِلَةِ كَذلِكَ، إِلاَّ أَنَّهَا عِشْرُوْنَ بَنُوْ مَخَاضٍ، وَعِشْرُوْنَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُوْنَ بَنَاتِ لَبُوْنٍ، وَعِشْرُوْنِ حِقَّةً، وَعِشْرُوْنَ جَذَعَةً)}.
قوله: (وَإِنْ كَانَتْ دِيَةَ خَطَأٍ، فَهِيَ عَلى اْلعَاقِلَةِ كَذلِكَ)، هذا ما يلتقي فيه دية الخطأ ودية شبه العمد، وإذا كانت دية شبه العمد على العاقلة كما في حديث المرأتين الهذليتين؛ فمن باب أولى أن تكون دية الخطأ كذلك؛ لأنَّه لا قصدَ له ولا إرادة له في حصول هذه الجناية، لولا ما كتب الله -جَلَّ وَعَلَا- ولكن لئلَّا يُراقَ دم المسلم ويذهب؛ فأوجِبَت الدِّية وعُلِّقَت بالعاقلة، وقضى الشَّارع فيها بالتخفيف والتيسير حتى لا يُحملوا على ما لا يطيقون.
ثم قال: (إِلاَّ أَنَّهَا عِشْرُوْنَ بَنُوْ مَخَاضٍ، وَعِشْرُوْنَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُوْنَ بَنَاتِ لَبُوْنٍ، وَعِشْرُوْنِ حِقَّةً، وَعِشْرُوْنَ جَذَعَةً)، وهذه الأسنان قد مرَّت بنا في الزَّكاة، وبيان تدرُّجها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَدِيَةُ اْلحُرَّةِ اْلمُسْلِمَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ)}.
يدلُّ كلام الفقهاء على أنَّ دية المرأة على النصف من دية الرجل إذا كانت حرَّة؛ لأنَّ الإماء والعبيد سيأتينا الكلام عليهم في باب مختصٍّ بذلك.
وبناء على هذا تكون دية الحرَّة المسلمة: خمسون من الإبل، وستَّة آلاف من الفضة، وخمسمائة مثقال من الذَّهب باعتبار أنَّنا قلنا: إنها ألف مثقال من الذهب للرجل، ومائة بقرة باعتبار أنَّ الرجل مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة باعتبار أنَّها ألفي شاة للرجل، ولذلك قال المؤلف: (وَدِيَةُ اْلحُرَّةِ اْلمُسْلِمَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ)، وهذا محلُّ إجماعٍ بينَ أهل العلم لا يختلفون في ذلك، فهو أمرٌ مقطوعٌ فيه، وجاء هذا في الأثر في حديث ابن عكيم وغيره ((وَدِيَةُ اْلحُرَّةِ اْلمُسْلِمَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ))، وهو محل اتفاق وإجماع.
فإن قال قائل: مــا بال المرأة كذلك؟
فنقول: ما حالنا إلَّا كما قال الله -جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينً﴾ [الأحزاب:36]، وقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:65]؛ ولأنَّ مبنى الإيمان على الاستسلام لأمر الله -جَلَّ وَعَلَا- قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ﴾ [النور:51]، فلا تشغيب ولا اعتراض، فإن استبانت للمسلم الحكمةُ فهذا مما يزداد به خيرًا، ويزداد به إيمانًا وهدى، وإن فاتَ عليه فإنَّ العبد أقصرُ من أن يكون له حكمٌ أو قضاء، أو يردَّ حكمَ الله، أو يعترض على قضائه، أو يكون في ذلك غير مسلِّمٍ لله -جَلَّ وَعَلَا- ولرسوله؛ ولأنَّ العبدَ مهما أوتيَ من حسنِ النَّظرِ وكمال القوَّة فإنَّه يفوت عليه من دقائق الأمور ما يفوت، فالله -جَلَّ وَعَلَا- يبتلي العباد بأشياء يظهر لهم خلافُ ما ألفوه، وحقيقةُ الأمرِ أنَّ فيه ما يدلُّ على الاختصاص، والله -جَلَّ وَعَلَا- يقول: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:54]، فالأمر أمر الله، والقضاء قضاء الله، والكتاب كتاب الله، والسُّنَّة سنَّة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولا نرضى في مثل هذا أن يُسوَّقَ قول أهل الظُّلم والبغي والعدوان ما يسوِّغونه وما يديرونه ويريدونه من التَّشغيبِ على أهل الإيمان أو الاعتراض أو عدم التسليم أو عدم الانقياد، فإنَّا قطعًا نعلم أنَّ البشريَّة جمعاء تقرُّ بأنَّ ثَمَّ اختلاف بين المرأة والرجل في أحوالِ كلٍّ منهما، فكما أنَّ المرأة تحيض والرجل لا يحيض، وأن المرأة تحمل والرجل لا يحمل، ولها من أحوالها ما يليق بها من الرقَّة، وفيها من العطفِ والحنان وحسنِ الأمومة والتَّربية والقيام على الولد ما لا يكون في الرجل، وفي الرجل من القوَّة والعملِ والتَّعرُّضِ للأخطار ونحو ذلك ما ليس في المرأة؛ فلأجل ذلك قال الله -جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 32]، فهذا حال أهل الإيمان، أنَّه يُسلِّمونَ، وما من شيءٍ في الدُّنيا إلَّا وفيه اختلاف.
ونقول لهؤلاء: ماذا تقولون فيمَن كتبَ الله عليهم شيئًا من الضعفِ إمَّا في بدنٍ أو نقصٍ في بعض الأعضاء، أو ذهابٍ للعقلِ، أو لغير ذلك من الأمور؟
فهذه فوارق، اختصَّ الله بها هذا عن هذا، وكله ابتلاء وامتحان من الله -جَلَّ وَعَلَا- وكلٌّ يُبتَلى بقدر ما آتاه الله، فالذي أوتي نعمة فهو محاسب عليها، والذي حصلَ له بلاءٌ هو مأجورٌ عليه، متَى ما سلَّم لله حكمه واستقام لأمر الله -جَلَّ وَعَلَا- فيما أُمِرَ به.
ولذلك أمثلةٌ كثيرة، ولا يُمكن للعبد أن يستحضر فيها ميزانًا أقومَ من ميزان الله -جَلَّ وَعَلَا- ولذلك كلُّ مَن نحا منحا القوانين البشريَّة والوضعيَّة وغيرها؛ فلابدَّ أن يقع في بلاء، ولابدَّ أن تنزلق به القدم، ولابدَّ أن يصل به الأمر إلى مهلكةٍ عظيمةٍ، ولأجل ذلك لمَّا ظنُّوا أنَّهم أفلحوا في بعض الأشياء حتَّى إذا جاؤوا إلى حقيقة الأُسَرِ والبيوت واستقرارها زلُّوا، فانخرمت بيوتهم، وذهبَ استقرارهم، وعاشوا كالأنعام، ينزو على هذه يومًا، ويتمتَّع بهذه يومًا آخر، وهكذا حتى فات عليهم الفرح بالولد والحرص عليه والتربية، وما يتبع ذلك من أشياء ذكثيرة.
إذن؛ نحن مؤمنون مستسلمون، منقادون لأمر الله -جَلَّ وَعَلَا- فديةُ المسلمة نصف دية الرجل كما قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- وهو مُستقرٌّ بينَ الفقهاء والعلماء إجماعٍ لا اختلاف فيه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتُسَاوِيْ جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إِلى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذاَ زَادَتْ، صَارَتْ عَلى النِّصْفِ)}.
لو جُنيَ على المرأة بجُرحٍ، سواء كان ذلك في الشِّجاج التي في الرأس، أو ما كان في سائر البدن من الجراح التي تقدَّم بيانُ وتفاصيلُ الكلام عليها في القصاص فيما دون النَّفس أو الجروح فيما دون النَّفس.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتُسَاوِيْ جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إِلى ثُلُثِ الدِّيَةِ)، سيأتينا في دية الأعضاء، أو دية ما دون النفس؛ أنَّ لكلِّ عضوٍ ديته، فهنا يقول المؤلف: أيُّ ديةٍ لم تبلغ ثلث الدِّيَة فهي مثل الرجل.
على سبيل المثال:
- في الأصبع عشر من الإبل، فلو قطع شخصٌ أصبع رجلٍ فعليه عشرٌ من الإبل، ولو قطعَ رجلٌ أصبع امرأة فعليه عشرٌ من الإبل.
- لو أنَّ شخصًا قطعَ جفنَ رجلٍ -والبدن فيه أربعة أجفان- فقد قطع الرُّبع، وفيه ربع الدِّيَةِ كاملة، خمس وعشرون من الإبل، وإذا كان قد قطعه من امرأة ففيه خمسٌ وعشرون من الإبل.
قول المؤلف (إِلى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذاَ زَادَتْ، صَارَتْ عَلى النِّصْفِ).
على سبيل المثال:
- لو أنَّ رجلًا فقأ عينَ رجلٍ ففيه نصف الدية خمسون من الإبل، ولو أنَّ شخصًا فقأ عينَ امرأةٍ ففيها خمسٌ وعشرون من الإبل؛ لأنَّها فيما زاد على الثلث نصف الدية.
ولَمَّا سأل ربيعةُ ابنَ المسيب: ما بال المرأة لو قُطِعَ منها أصبع؟
فقال ابنُ المسيب: فيه عشر من الإبل:
قال: فأصبعان؟
قال: فيه عشرون من الإبل.
قال: فثلاثة؟
قال: ثلاثون.
قال: فأربعة؟
قال: عشرون.
قال: ما بالها؛ لما عظُمَت مصيبتها قلَّت ديتها؟
قال: تلك السُّنَّة يا ابن أخي.
وهذا يُعيدنا إلى ما تقدَّم قبل قليل، وهو أنَّه ليس لنا إلَّا الانقياد والتسليم، ومَن حكَّم عقله فقد ضاعَ، ومَن حكَّمَ عقله فقد هلكَ؛ لأنَّه ما يستقيم عند عقلك لا يستقيم عند عقل الآخر، فأيُّ عقلٍ سنرجع إليه؟ أهو عقلي أو عقل فلانٍ أو عقل الثالث أو الرابع؟ أو أهل هذه البلد أو تلك؟ أو مَن في هذا القرن أو من يليه؟
فعقول الناس متفاوتة، وأنظارهم متباينة، فلم يبقَ إلا حكم الله -جَلَّ وَعَلَا- والتَّسليم له، ولذلك قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتُسَاوِيْ جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إِلى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذاَ زَادَتْ،صَارَتْ عَلى النِّصْفِ).
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَدِيَةُ اْلكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ اْلمُسْلِمِ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ)}.
الكتابي الْمُعاهَد، وقُيِّدَ بالمعاهَد لأنَّ الحربي لا دية فيه، فهو مُستباحٌ دمه، ليس بيننا وبينهم عهدٌ، وهو ممن يُطلَبُ قتله، إلَّا أن يوجد بيننا وبينهم عَهدٌ وميثاقٌ.
قول المؤلف: (وَدِيَةُ اْلكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ اْلمُسْلِمِ)، فهذا مُقيَّدٌ بأن يكون معاهدًا، وهذا هو مشهور المذهب عند الحنابلة، وهو قول جماهير أهل العلم، وحَكَمَ به الصَّحابة -رضوان الله تعالى عليهم- فكان هو المعتبر عند فقهائنا، وعليه المُعوَّل في هذا.
قال: (وَنِسَاؤُهُمْ عَلى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ)، كما أنَّ الحرَّة المسلمة على النصف من الرجل المسلم؛ فمن باب أولى أن تكون الكتابيَّة على النصفِ من ديةِ الكتابي.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَدِيَةُ الْمَجُوْسِيِّ ثَمَانُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ)}.
ديةُ المجوسي جاء فيها بعض الآثار عن بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّها ثمانمائة درهم، وكما قلنا: إننا نختصر في هذا ولا ندخل مداخل الخلاف والكلام، وإلَّا فمن أهل العلم مَن خالف في تنصيف دية الكتابي ونحوها، وهل يُلحق المجوسي بالكتابي أو أن اليهوديَّة تخصُّه، وبعض ما يتعلق بذلك، فهل يُلحق بقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ، أو أنَّ لهم حكمٌ خاص؟
فالمشهور من المذهب عند الحنابلة: أنَّ دية المجوسي جاء فيها حُكمٌ من صحابيٍّ من أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان مُقدَّمًا على ما جاء من إلحاق المجوسي بأهل الكتاب؛ لأنَّهم وإن أُلحِقُوا في بعض الأحكام لا يعني أن يكونوا قد أُلحقوا بهم في جميع الأحكام؛ لأنَّهم ما جاء في حقِّهم في حكمٍ بعينه مخصوصًا أولى بالعملِ والتَّقديم من اعتبارِ عموم القياس والمعنى، فلأجل ذلك ذهب الحنابلة إلى أن دية المجوسي ثمانمائة درهمٍ على ما جاء بذلك الأثر.
قال: (وَنِسَاؤُهُمْ عَلى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ)، اعتبارًا بما ذكرناه من تنصيف دية الحرَّة المسلمة، فمن باب أولى أن يكون غيرها كذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَدِيَةُ اْلعَبْدِ وَاْلأَمَةِ قِيْمَتُهُمَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ)}.
يعني أنَّ دية العبد هي قيمته، فلو كان حيًّا وبيع في السوق يساوي ثلاثمائة وعشرين ألف، فديته ثلاثمائة وعشرين ألفًا، ولو أنَّ هذا العبد لحسنِ أدبه مع سيِّده ولكمال عمله ورجاحة عقله ووفائه مع أسياده ونحو ذلك يبلغ ثمانمائة ألف فديته لو جنى عليه شخص ثمانمائة ألف، ولو كان هذا العبد ماهرًا في التجارة حسن تصريف الأموال وإدارة الثَّروة وتحقيق الأرباح للسَّيد؛ فلو بيع فإنه يساوي خمسة ملايين ريال، فديته لو جُنيَ عليه خمسة ملايين ريال، وهكذا...
والأمةُ كذلك، فديتها ما بلغت قيمتها، حتَّى ولو كانت أكثر من دية الرجل؛ لأنَّنا نعتبر العبيد والإماء من هذا الجانب كالأموال، فهم ليسوا أموالًا من كل جهةٍ، فلهم اعتبار التكليف، وما لهم من الحقوق والإنسانيَّة ونحوها، وهذا قد جاء اشرع باعتباره، وقد أشرنا إلى ذلك في موضعه، أنَّ نفقةَ العبدِ والأمةِ مقدَّمة على نفقة الولد، فيجب على الرجل لعبده وأمته أن ينفق عليهما قبل أن ينفق على ولده.
لو أنَّ عندنا أمةٌ لحسنِ طلعتها ولكونها خدومة في بيت سيدها تساوي أربعمائة وثلاثين، فديتها كذلك، ولو أنَّ أمةً بلغت في الجمال مبلغًا كثيرًا حتَّى لا يكاد يساويها أحد، فلو بيعت لبلغت قيمتها مليون وخمسمائة ألف، فديتها كذلك لو جُني عليها.
وهذا كما قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَدِيَةُ اْلعَبْدِ وَاْلأَمَةِ قِيْمَتُهُمَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ)، فهذا هو المعتبر في العبيد والإماء
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَفِيْهِ بِاْلحِسَابِ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ وَقِيْمَةِ عَبْدٍ)}.
هذا هو المبعَّض، وتقدَّم معنا كيف يكون الإنسان مُبعَّضًا، بأن يكون المالك له اثنان، فيُعتقه أحدهما، والقاعدة: أنَّه إذا أعتق أحد المالكين، فإنه يسري على الجميع، فيعتق العبد، ويكون حق هؤلاء الأسياد في هذا العبد متعلق بذمَّة هذا الذي أعتق، فيلزمه لهم قسط قيمته، لأنَّه هو الذي فوَّته عليهم، ولئلَّا يجتمع في الشخص الواحد عبوديَّة ورق.
ولو كان الذي أعتق نصيبه معسر، فلو أنَّنا أعتقنا جميع العبد لفوَّتنا حقوق هؤلاء المُلَّاك، ولو فوَّتناه لَمَا أمكنَ تعويضهم لأنَّ هذا معسر، وبناء على فلا نفوِّت حق العبد فيما حصل له من الحريَّة بمَن تبرَّعَ بإعتاق نصيبه وقسه، ولا نفوِّت حق المشاركين في الملك الآخرين بأن نجعله جميعه حرٌّ فنفوِّت حقَّهم لأنَّ من أعتقه لا يستطيع أن يعطيهم ما فاتَ عليهم؛ ففهي هذه الحالة يكون مبعَّضًا، وفي هذه الحالة يكون بقدر ما فيه من الحريَّة ومن العبوديَّة.
هل يُعامَل معاملة الأحرار أو يُعامل معاملة العبيد؟
ذكر الفقهاء -رحمهم الله- كل أحكام المبعَّضين في الفقه كله، ونقول: هم يعتبرون بعضه حر وبعضه عبد، فلو كان ثلثه حر وثلثيه عبدٌ؛ فهذا يعني أنَّه يكون يومٌ حرٌّ ينطلق ليس لأحدٍ عليه سلطان، ويومان يوفِّي المالك الآخر.
وكذلك أيضًا إذا كان بعضه حرٌّ وبعضه عبد وقُتِلَ وجُني عليه؛ فننظر كم فيه من الحريَّة:
فإذا كان فيه من الحرية مثلًا الثلث، فيكون فيه ثلث دية الحر ثلاثين من الإبل، وكان ثلثاه عبد، فلو بيع هذا العبد كاملًا لساوى ستمائة ألف، فيكون الثلثان أربعمائة ألف.
فتكون ديته: ثلث دية حر -ثلاثون من الإبل- وأربعمائة ألف -ثلثا دية العبد- وهكذا..
وكذلك الخنثَى المُشكِل؛ لأنَّ بعض الناس لا يُفرِّقون بينَ الخنثى والخنثَى المشكل:
فالخنثى: ما له آلتان، ولكن يستبين أمره فيأخذ مأخذ الرجال أو مأخذ النساء، وفي هذه الأوقات تعرفون أنَّه وُجدت من الآلات التي تستطيع الوصول إلى حقيقة هذا الجسم هل هو رجل أو امرأة بسهولة، لكن لو تعسَّر ذلك أو كان في بعض الأماكن النائية التي لا يُمكنهم الوصول إلى هذا؛ فننظر ما فيه من ذكورةٍ وما فيه من أنوثة، فنعتبر أنَّ نصفه رجل ونصفه أنثى، وبناء على ذلك تكون ديته ثلاث أرباع الدية، خمسين من الإبل -نصف دية الرجل- وخمسة وعشرين من الإبل -نصف دية المرأة.
لو كانت الجناية عليه في أصبعه فلا تختلف الدية، ولو كانت عليه جناية في أربعةٍ من أصابعه؛ ففيه ثلاثة أرباع الدية، فهي مثل ما ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- في دية المبعَّض.
لعلنا نكتفي بهذا القدر، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسَّداد، وإلى لقاء آخر، نلتقيكم بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا- على خيرٍ وبرٍّ وهدى، شكر الله لك، وشكر الله للإخوة المتابعين معي في استمرار هذه المجالس واللقاءات، وشكر الله للقائمين على هذا البناء العلمي، وشكر الله لكم أيها المشاهدون والمشاهدات ولطلاب العلم، والمنتمين إلى هذا البناء العلمي، جعلكم الله -جَلَّ وَعَلَا- من أهل العلم، وجعله لكم ذخرًا في الدنيا وفوزًا يوم لقاء الله -جَلَّ وَعَلَا- في الآخرة، وجعلنا وإياكم من عباده المخلصين.
{شكرَ الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك