{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان، فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشيخ}.
أهلًا وسهلًا، وحيَّاك الله، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، وطلاب العلم
والطَّالبات، أسأل الله أن يعليَهم في العلم، وأن يُظهرهم فيه، وأن يزيدهم منه، وأن
يجعلهم في الخير دائمًا وأبدًا إلى يوم الدين.
{نشرع في هذه الحلقة من عند ما توقفنا عنه في الحلقة الماضية.
قال الموفق ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُوْنَ اْلجَارِحُ
الصَّائِدُ مُعَلَّمًا، وَهُوَ: مَا يَسْتَرْسِلُ إِذَا أُرْسِلَ، وَيُجِيْبُ إِذَا
دُعِيَ، وَيُعْتَبَرُ فِيْ اْلكَلْبِ وَاْلفَهْدِ خَاصَّةً، أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ
لَمْ يَأْكُلْ، وَلاَ يُعْتَبَرُ ذ?لِكَ فِيْ الطَّائِرِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله
وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا وإيَّاكم من أهلِ الخيرِ والبرِّ
والرَّشادِ، وأن يُعيذنا من طرقِ الغيِّ والبلاءِ والشرِّ والشَّيطانِ والفسادِ،
وأن يحفظنا ويحفظَ العبادَ والبلادَ، وأن يُعقبنا الخير في الدِّين والدنيا، إنَّ
ربَّنا جوادٌ كريمٌ.
أيُّها الإخوة -طلبة العلم المتابعون لنا في هذا البرنامج المبارك بإذن الله جلَّ
وعلا- كنَّا في المجلس الماضي استهللنا ما يتعلَّق بالكلام على أوَّلِ كتابِ
الصَّيدِ، وهو مُتعلقٌ برمَّته وجملته بالبابِ الذي قبله -باب التَّذكية- وإنَّما
ذكر المؤلِّف -رَحِمَهُ اللهُ- في كتاب الصِّيد المسائل التي يختصُّ بها دونَ ما
تقدَّم من تذكيةِ بهيمةِ الأنعام وما تجبُ له التَّذكية.
ذكرنا أنَّ من شروط الصَّيد المعتبرة: أن يكونَ الجارحُ الصَّائدُ مُعلَّمًا، وهذا
التَّعليمُ قد جاء في دلالة الكتاب والسُّنَّةِ كما قال النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ» ، فوصفه
بالتَّعليم، فدلَّ على أنَّه إنَّما يحلُّ بذلك الوصف وتلك الخصيصة، قال تعالى:
﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا
عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 4]، فاشترط
في الكلاب والفهود والأسود أن تكون معلَّمةً.
ما هو ضابط التَّعليم؟
ضابط التَّعليم كما قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (مَا يَسْتَرْسِلُ إِذَا
أُرْسِلَ)، فإذا أطلقته انطلق وما يعصي، وأن يرجِعَ إذا زُجِرَ، فإذا أوقِفَ وقفَ،
وهذا يعرفه أهل هذه الجوارح بأصوات مخصوصة أو بأشياء محدَّدة، وأحيانًا ببعضِ
العلامات إذا رأى صاحبه قد تعاطاها وقفَ، وسواء كان هذا في الطيور أو كان في الفهود
والكلاب والأسود، فإذا أرسلَتْ استرسلَ وذهبَ، وإذا زُجِرتْ انزجرت.
قال أهل العلم: إنَّ التَّعليم يتأتَّى بشيئين يشترك فيهما جميعُ الجوارح الصَّائدة
التي تقبل التَّعليم، وهما:
- إذا استُرسل استرسل.
- وإذا زُجر انزجر.
قال المؤلف: (وَيُعْتَبَرُ فِيْ اْلكَلْبِ وَاْلفَهْدِ خَاصَّةً، أَنَّهُ إِذَا
أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُلْ)، يعني: أنَّ الفهودَ والأسودَ والكلابَ كلَّها تُوصف بأنها
كلاب لأنَّها مكلَّبة، وبناءً على ذلك يقولون: إنَّه لابدَّ أن تكون ممَّا لا يأكل
إذا صادَ، ويُفهَم من هذا أنَّه لو كان هذا الكلب يُزجَرُ فينزجر، ويُرسَل فيسترسل
لكنَّه إذا صادَ أكلَ فلا يكون كَلبًا مُعلَّمًا، ولا يكون صيده مُباحًا، ولا يجوز
تعاطي ذلك الصيد.
لِمَ فَرَقَ أهلُ العلم بيَن الكِلابِ والفهودِ وبينَ الطُّيورِ كالصقورِ والجوارح
كالبازيِّ ونحوه في هذا الأمر؟
يقولون: إنَّ الطُّيورَ لا تقبل التَّعليم في مثل هذا، فلابدَّ أن تأكلَ، فلمَّا
كانَ كذلك كانَ تعليمها بأن تسترسل إذا أُرسلت وتنزجر إذا زُجرت، ولكن الكلابَ
والفهود والأسود إذا عُلمَت ألا تأكل من الطَّريدة والمصيدة فإنَّها لا تأكل، وهذا
غالبٌ معلومٌ معروفٌ عندَ مَن يتعَاطى ذلك من البدو وأهلِ الصَّيدِ ونحوهم، وهم
يَعرفون خصائص كثيرة تتعلق بذلك، ولأجل هذا قال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الحديث الذي ذكره المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: «فَإِنَّ أَخْذَ اْلكَلْبِ
لَهُ ذَكَاةٌ، فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنِّيْ أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ
إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ»، فهذا هو المعتمَد والمعتبَر وهذا هو حديث عدي بن
حاتم الذي في الصحيحين.
وجاء في بعض الأحاديث أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِنْ
كَانَ لَكَ كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ ذَكِيًّا
أَوْ غَيْرَ ذَكِيٍّ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ
مِنْهُ» ، ولكن تُكُلِّمَ في هذه الزِّيادة، ولذلك كان القول المشتهر والمعتبر وهو
مذهب الحنابلة وهو قول جمع من أهل التَّحقيق أنَّه يشترط ألَّا يأكل مِن ذبيحته،
لأنَّ هذا هو حديث عدي، ولأنَّ هذا له حظٌّ من المعنى، ولأنَّ ما يُعارضه محل
كلامٍ، وهذا هو الأحوط والأورع، فلذلك كان المصير إليه والقول به.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (اْلخَامِسُ: أَنْ يُرْسَلَ الصَّائِدُ لِلصَّيْدِ، فَإِنِ
اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ)}.
يُرسَل الصَّائدُ للمصيد، أمَّا إذا استرسل بنفسه فلا يكون صيدًا؛ لأنَّ في مثل هذه
الصُّور لا تدري أكان استرسل لنفسِه أو صادَ لك، فلمَّا كان الأمر في هذه الصورة
دائرٌ بين أن يكون صادَ لنفسه أو صادَ لغيره فتكون كالصُّورة الأولى ما إذا أكلَ؛
فإنَّ الصَّيد لا يحل، وإنَّا لا ندري هل صادَ لنفسِه أو لا، وبناءً على ذلك لم يكن
مِن الصَّيد المتحقِّق ولم يكن ممَّا يحل، ولم تنطبق فيه الشُّروط، فبناءً على ذلك
لا يصح، ولأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إذَا أرْسَلْتَ
كَلْبَكَ»، فتعلُّق الحكم بحصول الإرسال.
ففي بعضِ الأحوال يصيد ويذهب ويجيء، حتَّى إذا بقي إمَّا أن يرتاح ويشرب الماء فقد
يرى الكلب طريدةً فيفزعُ إليها مباشرَة؛ فنقول: في مثل هذه الصُّورة لا يصح، حتى لو
رأيته يسترسل وسمَّيتَ فلا يصح؛ فلابدَّ أن تزجره فينزجر ثم تُعيد الإرسال وتسمي،
ويتعلق الحكم في مثل هذه الصُّورَة.
أما لو استرسل بنفسه ولم تشعر إلَّا وقد قارب صيدها أو طرحها سواء كان صقرًا أو
بازيًّا أو كان كلبًا؛ فنقول
في مثل هذه الحال: هذا استرسل بنفسه ولم يسترسل بك، فلم تدرِ هل صاد لك أو أو صاد
لنفسه، فلا يكون المصيد مباحٌ في مثل هذه الحال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (السَّادِسُ: أَنْ يَقْصِدَ الصَّيْدَ، فَإِنْ أَرْسَلَ
سَهْمَهُ، لِيُصِيْبَ بِهِ غَرَضًا أَوْ كَلْبَهُ وَلاَ يَرَى صَيْدًا، فَأَصَابَ
صَيْدًا لَمْ يُبَحْ)}.
لابدَّ أن يكون الصَّائدُ قد قصدَ الصَّيدَ؛ لأنَّ التَّذكية بين يديك هي مقصودة لا
محالة، ولا يحصل في ذلك اشتباه، لكن إرسال الجوارح ونحوها يشتبه، فأحيانًا يكون
للتَّعليم، فيرسله ويعود، فأرسله مرَّة فإذا أمامه صيدًا، فاسترسل الصَّيد وترك
الغرض الذي يُعلم عليه؛ ففي مثل هذه الحال نقول: لم يحل الصَّيد لو صَاده في مثل
هذه الصُّورة، وذلك لاختلال شرطٍ من الشُّروطِ وهو قصدُ الصَّائد، فلم يحصل قصدٌ من
الصَّائد فلا يحصل صحَّة للصَّيد، لأنَّ من الشُّروط أن يكون صادَ لك، أي تقصِدَ
إرساله، لأنه هو سيسترسل إذا أرسلته، وإرسالك له بقصدِ الصَّيد؛ فإذا لم يكن منك
قصدٌ فإنَّه لا يكون منه صيدٌ لك، وإنَّما يكون كأنه صادَ لنفسه.
إذن يظهر معنا قوله (أَنْ يَقْصِدَ الصَّيْدَ)، وسيأتي في الحديث «وَإِنْ
خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا، فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ
عَلى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلى غَيْرِهِ»، مع أنَّك قد حصلَ منك قصد، لكن لا
تدري أكلبُّكَ المعلَّم هو الذي صادَ أو لا.
قال المؤلف: (فَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ، لِيُصِيْبَ بِهِ غَرَضًا أَوْ كَلْبَهُ
وَلاَ يَرَى صَيْدًا، فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُبَحْ).
كما قلنا في مسألة التَّعليمِ: إذا انطلقَ فصادَ صيدًا أو رجعَ بحمامةٍ، أو أصابَ
أرنبًا أو غزالًا؛ فلا نقولُ من أنها حلالٌ لأنَّك لم تقصِد الصَّيد في مثل تلك
الصورة، حتى ولو سمَّيتَ لأنَّك قصدتَّ التَّسمية على الغرضِ أو الكلبِ، وإنما
الكلام أن يكون لك قصدٌ لهذا الطَّير أو هذا الغزال.
في بعض الأحوال يقصد الإنسان الطَّير، ويرسل كلبَه ويُسمِّي، لكن إذا رأيتَ غزالًا
واحدًا، فلما أرسلته نفَجَت ثم برَزَت غزالٌ أخرى. فما الحكم؟
يقولون: إذ قصدتَّ الصَّيدَ وسمَّيتَ على الجارحِ فلا إشكالَ فيحل، لأن هذا مما
يُبتلى به كثيرًا، فليس بالضَّرورة ذات الغزال، لكن بالضَّرورة أن تكون قاصدًا وأن
تسمي، وأن يكون كلبك الذي أرسلته عليه.
{المقصود هو قصد الصيد أو قصد المصيد؟}.
قصدُ الصَّيد لا قصدُ المصيدِ، فلو قصدتَّ أن يُصيب هذا الغزال فأصاب وَعِلًا أو
أصاب جَاموسًا بعدَه؛ فنقول: أنتَ قد أرسلته للصَّيد وسمَّيت، فأيُّها صادَ حلَّ
ذلك ولا شيء فيه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَتَى شَارَكَ فِيْ الصَّيْدِ مَا لاَ يُبَاحُ قَتْلُهُ،
مِثْلَ أَنْ يُشَارِكَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ كَلْبٌ أَوْ سَهْمٌ لاَ يَعْلَمُ
مُرْسِلَهُ، أَوْ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سُمِّيَ عَلَيْهِ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ
مَسْمُوْمٍ يُعِيْنُ عَلى قَتْلِهِ، أَوْ غَرِقَ فِيْ الْمَاءِ، أَوْ وَجَدَ بِهِ
أَثَرًا غَيْرَ أَثَرِ السَّهْمِ أَوِ اْلكَلْبِ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِهِ،
لَمْ يَحِلَّ، لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ،
وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ حَياًّ
فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ
اْلكَلْبِ لَهُ ذَكَاةٌ، فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنِّيْ أَخَافُ أَنْ
يَكُوْنَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ
غَيْرِهَا، فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلى كَلْبِكَ وَلَمْ
تُسَمِّ عَلى غَيْرِهِ، وَإِذاَ أَرْسَلْتَ سَهْمَكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ
عَلَيْهِ، وَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَمْ تَجِدْ فِيْهِ
إِلاَّ أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْهُ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيْقًا فِيْ
الْمَاءِ، فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِيْ الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ
سَهْمُكَ»)}.
هذه صورٌ بعدَ الصُّور الأولى، والمؤلِّف -رَحِمَهُ اللهُ- قرَّر الأصل وهو الشَّرط
السَّادس ( أَنْ يَقْصِدَ الصَّيْدَ)، ثم ذكر صورة أخرى، وهي ألا يقصد صيدًا
البتَّة، بمعنى أنَّه قصد تعليمه أو إصابة غرض فأصاب صيدًا؛ فلا يحل في هذه الصورة.
وهنا ذكر المؤلِّف صُورة فيها تجاذبٌ؛ وهي متى شاركَ في الصيد ما لا يُباح قتله،
مثل أن يُشارك كلبه كلبًا آخر، فهنا وُجد سببٌ صحيحٌ وقصدٌ صحيحٌ ووُجد سببٌ غيرُ
صحيحٍ ولا قصد؛ لأنَّ الكلب الآخر لم يقصد عليه، وبناءً على ذلك فإنَّ هذا تجاذبه
أمران:
الأوَّل: أن يكون ماتَ بآلِتكَ التي ذكرتَ اسم الله عليها.
الثَّاني: أن يكون ماتَ بسببٍ آخر.
فلمَّا كان الأمر مُترددًا بينَ ذلك فإنَّه لا يحل، وهذه صورها كثيره، منها:
أن يشارك كلبَكَ كلبٌ آخر، فلا تدري هذه العضَّة مِن كلبكَ أو من كلبٍ آخر، لأنَّه
ليس في كلِّ الأحوالِ أن تبقى مطاردة الصَّيد أمام ناظريكَ، أو ألَّا يغيبَ عنك،
فأحيانًا يُظلِم عليها ليلٌ، وفي بعض الأحوال تختفي وراء شجرٍ أو جبلٍ صغيرٍ أو
أَكَمٍ وحَجَرٍ، أو يعرضُ لك ما يعرضُ، أو تكون في منخفضٍ من الأرضِ فلا تراها،
وجرت العادةُ أيضًا أنَّه إذا استرسل كلبٌ أنَّ ما جاوره من كلبٍ ونحوه يدخل معه
إما معينًا أو منافسًا، وهذا مما اعتادت عليه البهائم، فبناء على ذلك هذا ليس
بقليل؛ بل هو كثيرٌ، حتى في السِّهام والرَّمي والبنادق، وهذا يعرفه الذين يحرصون
على الصَّيدِ ويتبعونه، أنَّهم ربما بقوا في مكانٍ متقاربين لا يرى أحدهم الآخر،
فيرمي هذا ويرمي هذا ولا يدري الذي أصاب المرمي، فهنا يحل أو لا يحل؟
قال المؤلف: (أَنْ يُشَارِكَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ كَلْبٌ أَوْ سَهْمٌ لاَ
يَعْلَمُ مُرْسِلَهُ)، فبناءً على ذلك لا تدري أصابَ سهمُكَ أو أصابَ سهمُهُ، فلا
يحلُّ لك، لأنَّك لا تدري أذكر اسم الله أو لم يذكر اسم الله -جَلَّ وَعَلَا-
وشدَّدَ الحنابلة في باب الصُّيود على التَّسمية، فلا يُعذَرُ فيها بالنِّسيان،
فلابدَّ أن تتيقَّنَ أنَّكَ ذكرتَ اسم الله -جَلَّ وَعَلَا-، وحتى ولو كان قد سمَّى
الله عليه فيكون حقٌّ لصاحب السَّهم.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: ( أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مَسْمُوْمٍ يُعِيْنُ عَلى
قَتْلِهِ)، فإذا أصابه بسهمٍ مسمومٍ فإنَّ هذا الصَّيد قُتِل، ولكن هل قُتل بدخولِ
السَّهم ِفي البدنِ أم بامتزاجِ الدَّم والبدن بهذا السُّم؟
الموتُ بالسُّمِّ هو موتٌ بسببٍ غير محِلٍّ للصَّيدِ، فلو تركتَ سُمًّا فأكلَ منه
صيدٌ -غزال ونحوه- لم يجُزْ لكَ أن تأكلَه، فبناء على ذلك لا نقطعُ في هذه الحالِ
أنَّ هذا السَّهم هو الذي حصل به القتل بدخوله في بدنِ هذا الصَّيد، فقد يكون الذي
قتله هو السُّم؛ فكان الحُكْمُ متأرجحٌ بينَ مُبيحٍ وبين حاظرٍ، بين حلالٍ وبينَ
حرامٍ؛ فغُلِّبَ جانب الحرام وأُخذَ جانبُ الحيطِ.
قال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيْقً»،
يعني إن ضربته بالسَّهم ثم سقط في الماء، فإنَّك لا تدري أموته كان بالماء أو كان
بالسَّهم الذي ذكرتَ اسم الله عليه، فبناء على ذلك أيضًا لا يحل الصَّيد في مثل هذه
الصُّورة.
ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- حديث عدي بن حاتم، وقصدَ أن يأتيَ بأجمع ما في هذا
الباب من أحاديث، فكان حديث عدي بن حاتم هذا الذي في الصَّحيحين، وهو من تمام
التَّوضيح والاستدلال، وفيه إشارةٌ إلى صورِ هذه المسائل كلها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (باَبُ الْمُضْطَرِّ
وَمَنِ اضْطُرَّ فِيْ مَخْمَصَةٍ، فَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ مُحَرَّمًا، فَلَهُ أَنْ
يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ)}.
لمَّا قرَّرَ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- الأطعمة المباحة والمحرَّمة؛ وذكر ما يتعلَّق
به حكم التَّذكية وما لا تنفع فيه ذكاة، فَثَمَّ أشياءٌ حلالٌ وثَمَّ أشياءٌ حرامٌ،
وأيضًا ذكر في الصَّيد شروطًا، منها ما تكتمل فيه الشُّروط فيصيرُ حلالًا، ومنها ما
لا تكتملُ فيكونُ حرامًا؛ فهذا المحرَّم لا يجوز للإنسان تعاطيه إلَّا في حالٍ
واحدة وهي حال المضطر.
وذكر الفقهاء بعض القيود في الصَّيد، منها:
- ألَّا يكون الصَّائدُ مُحرِمًا.
- ألَّا يكونَ في حرمٍ، لأنَّ صيدَ الحرمِ لا يجوز ولا يحل.
ولمَّا بيَّن الشَّارع ما يكون حلالًا وما يكون حرامًا من هذه الأطعِمَةِ، وما
يحلُّ بالتَّذكية وما لا تنفع فيه التَّذكية فيكون حرامًا، وبيَّن الصُّيود
المحرَّمة؛ أرادَ أن يُبيِّنَ متى تحلُّ للإنسان، فإنَّها لا تحلُّ للإنسان بحالٍ
من الأحوال، فمَن تعاطها فهو آثمٌ، ومَن أكلَها فقد أكلَ حرامًا وغذَّى نفسه
بالحرام ودخل في الوعيد عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تعاطي هذه
الآثام.
ويُستثنَى من ذلك حالٌ واحدة وهي حال المضطر، قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173]، فدلَّ ذلك على أنَّ
المضطر مرفوعٌ عنه الحرج، وهذا كما أنَّه مأخوذٌ من هذا الدَّليل بخصوصه فإنَّه
مأخوذٌ من عمومات الشَّريعة في أنَّ الضَّرورة تُبيحُ المحظور، وإجماعُ أهلِ العلم
مُنعقدٌ على ذلك؛ ولأنَّ هذا راجعٌ إلى قاعدةٍ شرعيةٍ شريفةٍ وهي أنَّ حفظَ
النُّفوسِ مُقدَّمٌ على الوقوعِ في الحرام، فالأنفس المعصومة واستنقاذها وحفظها
وعدمِ إهلاكها وتخليتها للهلاك هذا مِن أعظم ما يجب على الإنسان، ولذلك لم يَجُزْ
للإنسان أن يقتلَ نفسَه، فقاتل نفسه في النَّار، ومَن قتلَ مسلمًا فهو متوَعَّدٌ
بالوعيدِ العظيمِ؛ فكذلك أيضًا الذي يجوع فيجدُ حرامًا فإنَّ تعاطيه لهذا الحرام
أخفُّ من إتلافِ نفسه والتَّخلية بينه وبين الموت والهلاك. وهذا محلُّ إجماعٍ.
وإذا تقرَّرَ هذا الإجماع فنأتي إلى تفاصيل هذه المسائل، فيقول المؤلف -رَحِمَهُ
اللهُ: (وَمَنِ اضْطُرَّ فِيْ مَخْمَصَةٍ).
المخمصة هي المجاعة، سواء كانت هذه المجاعة للشخص في خصوصه كأن يسير في أرضٍ فلاةٍ
فلا يجدُ شيئًا حتى يُشفِيَ على الهلاكِ، وهذا كثيرٌ في بُلداننا لأنَّها صحراءٌ
وقاحلةٌ ولا يجد فيها شيء، بخلاف كثيرٍ من بلدانِ المسلمين التي يوجد فيها الغابات
ولا ينقطع الإنسان عن أن يجدَ شيئًا يأكلَه، لكنَّه قد يتأتَّى في هذه الحال بكثرةِ
في مثل هذه البقاع وقد يتأتَّى في غيرها في بعض الأحوال؛ سواء كانت هذه المجاعة
خاصَّةٌ بالإنسانِ أو كانت عامَّة، وذلك أن تنزلَ بالمسلمين مجاعة في هذا البلد، أو
يحلَّ بهم الفقرُ والفاقةُ؛ وهذا أمرٌ مرَّ على العصورِ كثيرًا، واليوم مع كثرة
النِّعم ومع ما أوتيه النَّاس من الخيرات وأُغدقَ عليهم من الرَّحمات يجب ألَّا
يتناسوا ما كانوا عليه وما جرى على غيرنا وما مرَّ على أسلافنا الأقربين
والأقدمين،.
وعلى سبيل المثال: كانت الفاقةُ في بلداننا ظاهرةً، وكان الفقرُ فيها مُدقعًا، وكان
النَّاس يُشرفون على الهلكَةِ، وكانوا يقتتلونَ على التَّمرةِ، وكان الأمرُ شديدًا
والبلاءُ في ذلك عريضًا، وكان الإنسان يتغرَّبُ عن وطنهِ لا يدري أيرجع إليه أم لا
يرجع، ويبقى السَّنوات الطِّوال لا يلوي إلا على ما يملأ به جوعته ويسدُّ به رمقه،
ويترك ضوعةً أهلًا وعيالًا لا يدري ما الله فاعلٌ فيهم؛ فهذا أمرٌ موجود، وإذا
تذكَّره الإنسان تذكَّر فضلَ الله عليه بما انقلبَ إليه حالُ النَّاس وبما آلَ إليه
أمرهم، وهذه نعمةُ الله علينا يجبُ أن نراعاه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]، والله -جَلَّ وَعَلَا- يقول في كتابه: ﴿فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا
فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[الأنعام: 44] ؛ فأحيانًا يكون انفتاح النَّعم نوعٌ من الاستدراج، فنخشَى أن نكونَ
ممَّن انطبقَت عليهم هذه الآية! نسيانٌ للذِّكر والخيرِ والهُدَى، وعدمُ الحرصِ على
الطَّاعاِت والمحافظةِ على الواجباتِ، وانفتاحٌ للشَّهوات؛ فنخشَى أن يتحقَّقَ
الوعيد وأن يلحقنا البلاء، نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ المسلمين.
وكلٌّ في بلاده يعرفُ مِن أحوالهم السَّالفةِ أو بعضَ ما يحتفُّ بهم مِن الأمورِ
المعاصرة ما يعرف فيه حالِ الجوعةِ والمجاعةِ والمخمصةِ وغيرها، وقد ذُكر في
التَّاريخ أشياء عظيمة تهول لها العقول، حتى ذكَرَ بعضهم أنَّه ربَّما في الوقتِ
الواحد على أكثر من ثلاثمائة جنازة، وحتى عطبت المدن كبغداد وغيرها من كثرةِ
الموتَى فيها، وهذا ذكره كثيرٌ مِن المؤرِّخين، مع أنَّ بلاد العراق وبغداد من أكثر
البلاد خصوبةً وماءً وعمارةً وحضارةً وخيرًا على مرِّ التأريخ، وهذه بلادُ أفريقيا
وهي معروفةٌ بكثرةِ خيراتها وبهائمها ونعمها وصيدِها ومائها وخضرتها، ومع ذلك تحلُّ
فيها الآن المجاعة، والذي حلَّ هنا وهنا يُمكن أن يحل في بلاد غيرها، ويُمكن أن
يحلَّ علينا؛ فيجب أن نحفظ ذلك.
والفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تعالى- نبَّهوا على المسائل كلِّها، حتى ما لا يحصل
إلَّا في أحوالٍ خاصَّة، فلذلك قال المؤلف (وَمَنِ اضْطُرَّ فِيْ مَخْمَصَةٍ،
فَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ مُحَرَّمًا، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَسُدُّ
رَمَقَهُ)؛ إذن أكل المحرَّم جائزٌ في حالِ المخمصةِ للآية ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173]، وهنا القيد في قوله
﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾، ولأهل العلم فيه كلام كثير:
- منهم مَن يقول: هو الخروج على السُّلطان، فالبغاة الذين خرجوا حتى احتاجوا
واشتدَّت بهم الفاقة؛ فلا يجوز لهم أكل المحرم.
- ومنهم من يقول: هم مَن كانَ فيهم عدوانٌ وظلمٌ كقطَّاع الطَّريق وغيرهم.
- ومن من يقول: أنَّ قوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ يعني: لهذه المحرَّمات، وقوله: ﴿وَلَا
عَادٍ﴾، يعني: بالزِّيادة في أكلها؛ وكلُّ هذه المعاني صحيحة وجرى عليها كثيرٌ من
أهل التَّحقيق في التفسير.
إذن؛ إذا حلَّ له أن يأكل، فما القدر الذي يحل له؟
الفقهاء كلامهم في ذلك دقيقٌ؛ هل إذا حلَّ له أكلُ الميتة فهل له حدٌّ لذلك أو لا؟
يقولون: عندنا أمران فيهما الإجماع، وأمرٌ محلُّ تردُّدٍ.
- أكلُ ما يسدُّ رمقَه ويدفعُ عنه الهلكَة: هذا جائزٌ بالإجماعِ ولا يجوز له أن
يترك نفسه ويخلِّها حتى تهلك.
- ما زادَ عن الشِّبعِ: لا إشكالَ أنَّه محرَّم، لأنَّ مَا زادَ عن الشِّبع في
الحلال يُمنَع منه لأنَّه يضر بالإنسان؛ فكيف بما يكون محرَّمًا.
إذا أكلَ وسدَّ رمقَه؛ فهل له أن يأكلَ حتى يشبع َأو لا؟
فهذا هو محل التَّردُّدِ والكلام؛ فالحنابلة يقولون: لا يأكل إلَّا ما يسدُّ
رمَقَه؛ لأنَّ هذا هو ما يندفع به الاضطرار، وما زاد على ذلك فلا، فيعود الأمر إلى
ما كان من أنَّ هذا أكلٌ محرَّمٌ، وهذا هو قولُ جمعٍ من أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد جاء عن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال في قوله
﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ يعني: غير آكلٍ حتى الشِّبَع، فاستدل بهذا الحنابلة؛ ولأنَّ هذا
القول أحوط.
فإن قال قائل: الذي حلَّ به من الاضطرار الآن يُمكن أن يحل به في آخر النَّهار أو
من الغد!
نقول: يُمكن أن يحمل معه تحسُّبًا لدفعِ هلكتِه أو ما قد يجدُّ له.
وإذا تحقَّقَ أنَّه لا يجد شيئًا فإنَّ هذا يدخل فيما يسدُّ الرَّمَق وما يحفظُه من
الهلكة فيكون مباحٌ؛ لكنَّ الأصل أنَّه لا يأكل إلَّا ما يسدُّ رمَقَه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ وَجَدَ مُتَّفَقًا عَلى تَحْرِيْمِهِ وُمُخْتَلَفًا
فِيْهِ، أَكَلَ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيْهِ)}.
هذا من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لاجتناب أعلاهما.
قوله: (وَإِنْ وَجَدَ مُتَّفَقًا عَلى تَحْرِيْمِهِ وُمُخْتَلَفًا فِيْهِ) على سبيل
المثال: التِّمساح، فعند الحنابلة أنَّه محرَّم، وعند الشَّافعيَّة وجمعٌ من
الفقهاء مُباح؛ فأن تأكل هذا التِّمساح خيرٌ من أن تأكل جيفة ميتة، وهي التي بإجماع
أهل العلم محرَّمة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ [البقرة: 173] .
وعلى سبيلِ المثال: أن يأكل نيصًا -وهو حيوان فيه قبحٌ ويأكل الأشجار ونحوها-
فبعضهم أحلَّه، أو يأكل ثعلبًا، ومرَّ بنا أنَّ الحنابلة يختلفون في أكل الثَّعلب؛
فأن يأكل نيصًا أو ثعلبًا خيرٌ من أن يأكل خنزيرًا.
إذن؛ ما هو مختلفٌ فيه خيرٌ مما هو متفقٌ على تحريمه، وبناء على ذلك فما قويَ فيه
الخلافُ من القول بإباحته أكثر ممَّا قلَّ فيه الخلاف، فهذا فرعٌ عن هذه القاعدة
ومندرجٌ في معناها ومشتملٌ عليه كلام المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
والتَّفاوت في المتفق عليه والمختلف فيه ظاهرٌ؛ لكن درجات الاختلاف إنَّما يعرفها
خاصَّة النَّاس من الفقهاء وممَّن يُدقِّقون هذه المسائل؛ فلأجلِ ذلك قد تفوت على
عوامِّ النَّاس ودهمائهم، ومن تأتَّى له العلم بذلك تعلَّق به الحكم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ طَعَامًا لِغَيْرِهِ، بِهِ
مِثْلُ ضَرُوْرَتِهِ لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ)}.
إذا لم يجد هذا المضطر إلَّا طعام الغير؛ وهذا في الغالب في المجاعة العامَّة أو
فيمن كانا مصطحبين بعضًا في طريقٍ أحدهما معه متاعه والآخر ضاعَ متاعه أو فنيَ؛ فهل
له أن يأخذ طعام غيره؟
يقول المؤلف: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ طَعَامًا لِغَيْرِهِ، بِهِ مِثْلُ
ضَرُوْرَتِهِ)، إذن هذا الذي معه في هذه المجاعة -سواء كانت المجاعة عامَّة أو كانا
صاحبين في فلاة- فننظر إلى هذا الذي معه طعام؛ إن كان مثل حالته فليس هذا بأولى مِن
نفسه، فما معه مِن طعامٍ هو أحق به، وحفظه لنفسِهِ أولى مِن حفظه لغيره، ولم يجُزْ
لهذا الغيرِ أن يتسلَّطَ عليه فيأخذه منه؛ لأنَّه إن كان يأخذ لأجل الضَّرورةِ فما
بهذا من الضَّرورةِ مثل ما بك، وإن كان ذلك للملكِ فهو مالكٌ وأنتَ لستَ بمالكٍ،
فكان المالكُ أحقُّ.
والحال التي يُقابلها وهي المفهومة من كلام المؤلف: أنَّه إذا لم تكن به مثل تلك
الضَّرورة، كأن يكون هو قد أكلَ عن قُربٍ، أو هذا فيه قوَّة وشباب وذاك فيه ضعفٌ
وشيبة، فسرعة حاجته وقُرب هلكته أسرع؛ فنقول يجب أن يأخذ منه في هذه الحال، ويجب
على هذا أن يُعطي، ولا يجوز له أن يتركه، وستأتي المسألة التي يذكرها المؤلف بعدها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ، أَخَذَهُ مِنْهُ
بِثَمَنِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ أَخَذَهُ قَهْرًا، وَضَمِنَهُ لَهُ مَتَى
قَدِرَ)}.
هذه حالٌ مقابلةٌ للحالِ الأولى التي بدأنا فيها، وهي إذا كان مستغنيًا عنه، فيأخذه
ولا شك ولكن يدفعه مقابله، فإن كانَ هذا المقابل معه بذلِه، وإن لم يكن معه لزم
ذمَّته، فمتى ما قدرتَ على ردِّ هذا الأمر أو ما يُقابله من ثمنٍ فإنَّه يلزمكَ،
لأنَّكَ أخذتَّ حقَّه بغيرِ رضًى منه لخصوصِ الاضطرار، فإذا أخذته فحقُّه لم يذهب
إذا ذهبَ الاضطرار، فحيثما وجدتَّ مالًا أو وجدتَّ ما تردُّ به ما يُقابل ما أخذت
فإنه واجبٌ عليه.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ أَخَذَهُ قَهْرًا، وَضَمِنَهُ
لَهُ مَتَى قَدِرَ)، يعني إذا قال له لا أبيعك، ولا أعطيك!
فنقول في مثل هذه الحال: الأمرُ دائرٌ بينَ أن يأخذَ هذا المالَ مِن صاحبه وبينَ أن
يتركَ نفسَه حتى تهلكَ، وحفظُ النَّفسِ أوجبَ وأولى مِن الاستيلاء على مالِ الغير،
وهذا المالك يجب عليه أن يُعينَ غيره وأن يُنقذَ المعصوم، فكانَت مغالبته على هذا
الطَّعام صحيحة، ولذلك قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ
أَخَذَهُ قَهْرً)، حتى ولو أفضى ذلك إلى المغالبة والممانعة، ولكن حقُّه في العوض
ثابتٌ، فمتى ما قدر عليه أعطاه إيَّاه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ قُتِلَ الْمَضْطَرُّ، فَهُوَ شَهِيْدٌ، وَعَلى
قَاتِلِهِ ضَمَانُهُ)}.
يعني لمَّا منعه قلنا يأخذه قهرًا، فصار بينهما حراكٌ وحرابٌ ومقالتةٌ ومدافعةٌ،
والغالب أنَّ مَن كانت هذه حاله أن يكون في حال ضعفٍ، فأسرع ما تسرع إليهم الهلكةُ
والموتُ؛ فلو قُتل هذا المضطر فهو شهيد، لأنَّه قُتل دون نفسه، فهو صدق عليه قول
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ
شَهِيدٌ» .
قال المؤلف: (وَعَلى قَاتِلِهِ ضَمَانُهُ)، هذا الذي تسبَّبَ في قتله لحقه ضمان
ذلك.
والعكسُ بالعكسِ؛ وهو مفهومٌ من كلام المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- وهو: (وَإِنْ قُتِلَ
الْمَانِعُ، فَلاَ ضَمَانَ فِيْهِ)، المانع الذي منع الطَّعام أن يبذله لو قُتِلَ
لا ضمان فيه، لأنَّه فعلَ ما لا يسوغ له فعله، والقتال في مثل هذه الحالة مثل دفع
الصَّائل، فإنَّ الصَّائلَ -المجرام أو الحرامي- لو اندفعَ إليكَ فدفعته حتَّى مات
فلا شيءَ عليك، فكذلك مدافعة هذا المانع مدافعةٌ صحيحةٌ لأنَّه مخطئٌ، وبناء عليه
لو آلَ أمره إلى جناية فسببُ الجنايةِ صحيحٌ ومباحٌ؛ فلا تكون الجناية مضمومنةً ولا
على الجاني شيء في ذلك.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلاَ يُبَاحُ التَّدَاوِيْ بِمُحَرَّمٍ، وَلاَ شُرْبُ
اْلخَمْرِ مِنْ عَطَشٍ)}.
التَّداوي له أنحاءُ يذكرها الفقهاء في كتاب الجنائز، فيذكرون أحكام المريض ومقدمات
الموت، ويذكرون منها أحكام التَّداوي ويُطيلون في ذلك، هذا من حيث أصل التَّداوي
ومشروعيَّته واستحبابه، وهل يجب أو لا يجب؛ فلهم في هذا كلام:
- فمنهم مَن يجعله على الإباحةِ وقد ينتقلُ إلى الاستحبابِ.
- ومنهم مَن يجعله أصالةً على الاستحبابِ.
والكلام هنا في التَّداوي بالمحرَّم هل يجوز أو لا يجوز؟
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلاَ يُبَاحُ التَّدَاوِيْ بِمُحَرَّمٍ)، قال النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» ،
ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ
أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَ» .
فإن قال قائل: قد يُجرَّب الشِّفاء ويُعرَف الأثر، ونرى في ذلك مثلًا إذا تعاطَى
هذه السُّموم فيُشفَى.
فنقول: سواءٌ كان المنفيُّ هنا أنه الشِّفاء الشَّرعي الصَّحيح، أو ظهرَ أنَّه
شفاء؛ فإنَّه داءٌ وإنَّه بلاءٌ.
وعلى كلِّ حالٍ في كلا الحالين لا يجوز للإنسان أن يتعَاطى حرامًا في التَّداوي،
وكل ما كان من التَّداوي بالمحرَّمات ليس بجائز.
أمثلة:
- الذين يتداووا بسموم الحيَّات ونحوها لا يجوز لهم ذلك؛ لأنَّها حرام باعتبارِ
أنَّ هذه السُّموم نجسة -كما تقدَّم معنا.
- ممَّا يحصل في هذه الأوقات من التَّداوي بشحومِ الميتاتِ أو الخنزيرِ ونحوه؛ فهذا
تداوٍ بحرام، ولا يكون جائز في مثل هذا الحال.
والكلامُ في شيءٍ واحدٍ وهو أن يشربَه أو يطعمَه، لكن لو انكسرَت رجلَه -مثلًا-
فربطها بجلدٍ نجسٍ فلا شيء فيه، لكن محلَّ الكلامِ في التَّداوي الذي هو طعامٌ أو
شرابٌ.
وينبغي التَّنبُّه لذلك، ويوجَد مِن الأخلاط المعاصرِة والترَّكيبات مَا أصلها
محرَّمٌ؛ فينبغي أن يُتنبَّه لذلك، وأن يحفظ الإنسان نفسِه من تَعاطي التَّداوي
بالحرام لِمَا سمعناه من النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولِمَا قرَّره
الفُقهاء مِن منع ذلك وبيانِ حرمته.
والكلام في مثل هذا يطول، وفيه تفاصيل وتشعُّبات، وفيه عسرٌ، وتدخل فيه مسائل كثيرة
يتعاطاها النَّاس اليوم، ولكن هذا ليس محل الكلام، فهذا الدَّرس هو درسٌ تأصيليٌّ،
ودرسٌ يُبينُ لك عن أصول المسائل، وتفاريع هذه المسائل تنبني على فهمك للأصل، فإذا
تقرَّرَ عندكَ الأصل فمع الزَّمان وإعادة هذا الكتاب وما هو أوسع منه والدُّخول في
التَّفاصيل فيكون مناسبًا على مَن أصَّلَ الأصلَ الأوَّل، وفهم مبنى الأسئلة،
فيتعلَّقُ بذلك ظهور هذه المسائل ووضوحها.
{أحسن الله إليكم يا شيخ.
مِن المسائل التي قد تكون مُنتشرة ولها علاقة بالتَّداوي بمحرَّم: حلِّ السِّحر
بالسِّحر. هل فيه إشكال؟}.
حلُّ السِّحر بالسِّحرِ له جانبان:
الجانب الأوَّل: الحكم مِن حيثُ الشَّرع.
الجانب الثَّاني: النَّفع مِن حيثُ الوقوع والحال.
فمن حيث الشَّرع: فقد جاء الشَّرع بمنع ذلك، ومنعُ ذلك جاء في الأحاديث التي
ذكرناها «فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»، والسِّحرُ أشدُّ الحرام،
فإنَّه شِركٌ بالله -جَلَّ وَعَلَا- قال تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ
حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: 102]، فدلَّ
ذلك على حرمته.
وقول السَّلف: "لا يحلُّ السِّحرَ إلَّا ساحرٌ"، يعني أنَّ فعل هذا السِّحر غيرُ
جائزٍ ولا مشروعٍ، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «مَنْ أَتَى
كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ
عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وهؤلاء السَّحرة لا يتأتَّى
لهم السِّحر والوصول لهذه المنزلة إلَّا بفعل أشياء مُكفِّرة؛ فإتيانهم على هذه
الحال هو إقرارٌ لهم على ذلك، ناهيك أنَّهم يأمرونهم أيضًا بما هو محرَّمٌ وبما هو
شركٌ، وبما هو ضلالٌ وبلاءٌ.
ولأجل ذلك قال جماهيرُ أهلِ العلم، وهو القول المعتبَر وعليه التَّحقيق: أنَّ ذلك
ليس بجائزٍ ولا صحيح.
حتى وإن نُقلَ عن بعض الحنابلة، ولكن في هذه المسألة من الاستدراك والقول ما هو
مُستقرٌّ عندهم في محلِّه، وقول أهل التَّحقيقِ عندهم فيه.
أمَّا من جهة الواقع: أنَّ السَّحرةَ لا يزيدون النَّاسَ إلَّا بلاءً، ولا يُفتَح
عليهم إلَّا باب الوهم، ولا يُخلِّصوهم إلَّا من الخير، ولا يزيدوهم إلَّا من
الشَّرِّ.
وينبغي أن يُعلَم أنَّ إصابة الإنسان بالسِّحرِ هو كإصابته بأي مرضٍ من الأمراضِ،
فهذه الأمراض منها ما هو يسيرٌ ومنها ما هو عظيمٌ، والسِّحر كذلك، فكون الإنسان
مصابٌ بمرضٍ يبقَى معه طيلة حياته كأنَّه مصابٌ بالسُّكري، أو مصابٌ بالسَّرطان،
وليس إصابة الإنسان بالسَّرطان بأقل من إصابته بالسِّحر، فإصابةُ السَّرطانِ أعظم
في كثيرٍ من الأحوالِ، فكما أنَّ الناس يصبرون على مثل هذه الأمراضِ، ويتداووا
بأسبابٍ قد تمنع المرض وترفعه، وقد تؤجِّله، وقد تجعله على حالٍ يبقَى لا يزيد ولا
ينقُص، فكذلك العلالجات التي يُدفَع بها السِّحر من الرُّقَى ونحوها قد تدفع وترفع،
وقد تمنع زيادته، وقد لا تُجدي عليه.
وكثيرٌ ممَّن ذهبوا إلى هؤلاء لا يزدهم إلا بلاء ووهمًا، فلا ناحية الشَّرع تُجدي
على ذلك، وجهة الواقع تفيد في ذلك.
تبقى مسألة: في بعض أحوال المسحورين تصلُ بهم إلى أمورٍ معيَّنةٍ، فهل يُمكن أن
يأخذوا بقولِ مَن قال بصحَّة حلِّ السِّحر بالسِّحر ونحوه؟
نقول:
أولًا: يجب أن يُعلَم أنَّ الدُّخول في هذه المسائل هو قولٌ وإفتاءٌ في العلمِ،
وأنَّ هذه المسائل من أعظمِ المسائل مِن جهةِ أنَّها شركٌ وإيمان؛ لأنَّ أصلَ
السِّحر لا يتأتَّى إلَّا بالشِّركِ بالله -جَلَّ وَعَلَا.
ثانيًا: القول في هذه المسائل هو افتياتٌ على أهل العلم وعلى قول الله وقول رسوله،
قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 169].
ثالثًا: القول في هذه المسائل هو تغريرٌ بالنَّاس، ربَّما يتيحُ له أن يدخل على هذه
الكهوف المظلمة التي تزيد الإنسان في التَّخبُّط والأوهام والجهالات ونحوها.
فلو افترضنا شيئًا من ذلك فهذه مسائل خاصَّة يُرجَع فيها إلى أهل العلم الرَّاسخين،
وقد يروا فيها بخصوصِهَا ما يليق بها مِن ذا أو ذاك، فلا يجوزُ تداول القول بجواز
حلِّ السِّحر بالسِّحر، أو التَّسهيل فيه والتَّهوين منه، فالذين قالوا به على وجهٍ
ولهم في ذلك تفسيرات، وفيه إشكالات وعليه إيرادات، فلا ينبغي الاسترسال والتَّسويغ
لمثل هذه الأمور، وما أكثر انجراف النَّاس إلى الشُّرور وإسراعهم إليه، وما أقل مَن
يحفظ دينه ويخاف على نفسه، ويصبر على بلائه، ويرجو رحمة ربِّه.
لعلَّ الحديث ينتهي عند هذا، وإن كان الحديث في مثل هذا يطول، ولكن في هذه الإشارة
ما يُغني عن كثيرٍ من العبارة، أسأل الله لي ولكم دوام التَّوفيق والسَّداد،
وللحديث بقيَّة وإن كانت مسألة يسيرة، لكن لا نريد أن نزيد على الوقت المسموح لنا،
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسَّداد.
شكر الله لكم أيُّها الإخوة والأخوات من طلاب والطَّالبات، وشكر الله لهذه المؤسسة
العامرة البناء العلمي، أسأل الله أن يجزيهم خيرًا، وأن يجزيهم جزاء ما أتاحوا لنا
من اللقاء بالطَّلبةِ والإفضاء إليهم، وهي بمثابة المدارسةِ والمشاركة، وإن كنتُ
لستُ من أهل العلم المحققين، ولا من أهل العلم المفتين، وإنَّما هي مراجعة، أسأل
الله أن يجنِّبنا الخلل، وأن يُعيننا على الحق والصَّواب، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريمٌ،
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.