الدرس الرابع عشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سعد المقرن

إحصائية السلسلة

1398 22
الدرس الرابع عشر

الفصول في سيرة الرسول (2)

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم أعزائنا المشاهدين في حلقة جديدة من برنامجكم "البناء العلمي"، نحن وإياكم في شرح كتاب "الفصول من سيرة الرسول" -صلى الله عليه وسلم- للإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-، يشرحه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ فهد بن سعد المقرن، باسمي وباسمكم جميعًا أرحب بفضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله فضيلة الشيخ، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، ونسأل الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح.
{أحسن الله إليكم}.
مر معنا في الحلقة السابقة الحديث في سنده مقال وفي متنه نكارة، وهو أن لهم شافع، لأنه ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق أبيه أنه لما سُئل عنه، لما سأل ذلك الرجل عن أبيه، قال: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»، هذا هو الثابت في الحديث الصحيح، وفي حق أمه -صلى الله عليه وسلم- أنه استأذن بالدعاء لها، فلم يؤذن له واستأذن ربه في زيارتها فأذن له، هذا من دلالات النصوص، وهذا الذي ثبت في الأحاديث الصحاح، أما ما ذكر ففي سنده مقال وفي متنه نكارة.
{(ثم قال المنهال: حدثني عبد الله بن الحارث أيضًا أن نبي الله -صلّى الله عليه وعلى وسلّم- قال: «أمرّ بقوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار، قال: فيقولون: يا محمّد ننشدك الشّفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق فأستأذن على الربّ عزّ وجلّ فيأذن لي فأسجد وأقول: يا ربّ قوم من أمّتي قد أمرت بهم إلى النّار. قال: فيقول: انطلقْ فأخرجْ منهم. فأنطلق فأخرج من شاء الله أن أخرج، ثمّ ينادي الباقون: يا محمّد ننشدك الشّفاعة فأرجع إلى الرّبّ -عز وجل- فأستأذن. فيؤذن لي فأسجد، فيقال لي: ارفع رأسك سلْ تعطه واشفعْ تشفّعْ. فأقول: قوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار. قال: فيقول: انطلق فأخرجْ منهم، قال: فانطلق فأخرج ما شاء الله أن أخرج، ثم ينادي الباقون قال: يا محمّد ننشدك الشّفاعة فأرجع إلى الرّبّ -عز وجل- فأستأذن. فيؤذن لي فأسجد، فيقال لي: ارفع رأسك سلْ تعطه واشفعْ تشفّعْ، فأقوم فأثني على الله بثناء لم يثن عليه أحد، ثم أقول: قوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار، فيقول: انطلق فأخرج منهم، قال: فأقول: ربي أخرج منهم من قال لا إله إلا الله، فأقول: ومن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان. قال: فيقول: يا محمد ليست تلك لك، تلك لي، قال: فأنطلق فأخرج من شاء الله أن أخرج قال: ويبقى قوم فيدخلون النار، فيعيرهم أهل النار، فيقولون: أنتم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به، وقد أدخلكم إلى النار قال: فيحزنون لذلك، قال: فيبعث الله -عز وجل- ملكًا بكف من ماء، فينضح بها في النار، فلا يبقى أحد من أهل لا إله إلا الله، إلا وقعت في وجهه منها قطرة قال: فيعرفون بها، ويغبطهم أهل النّار، ثم يخرجون، فيدخلون الجنّة، فيقال لهم: انطلقوا، فتضيّفوا النّاس، فلو أن جميعهم نزلوا برجل واحد، كان لهم عنده سعة، ويسمّون المحرّرين»" .
ففي هذا الحديث والذي قبله ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- يشفع في قومه)
}.
طبعًا هذه الأحاديث فيها ضعف لكن ابن كثير -رحمه الله- أوردها للدلالة على شفاعته -صلى الله عليه وسلم-، أمَّا كون النبي -صلى الله عليه وسلم- يشفع فهذا ثابت، وأما هذا التفصيل الذي ساقه، فهذا لا يثبت وفي سنده مقال.
{(وفي هذا الحديث والذي قبله ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- يشفع في قوم قد أمر بهم إلى النار لكيلا يدخلوا إلى النار، وفي هذا الحديث أنه كرر فيهم الشفاعة فيشفع في طائفة منهم، ثم في آخرين، ثم في آخرين بعد آخرين، كل هذا قبل دخولهم النار، ولهذا قال في آخر الحديث: «ويبقى قوم فيدخلون النار» وهذا الحديث مرسل.
وقوله في الحديث الأول: «فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي» دليل على المقام الثالث، وهو الشفاعة لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم يستحقوا دخول الجنة ولم يستوجبوا الدخول إلى النار، فيشفع في أن يدخل الجنة)
}.
هؤلاء جاء ذكرهم في القرآن ﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الأعراف: 46]، هؤلاء الصحيح من تعريف الأعراف: أنهم قوم تساوت سيئاتهم وحسناتهم، فتكون لهم الشفاعة، مصيرهم إلى الجنة.
{(وأما المقام الرابع من مقامات الشفاعة: دليل على المقام الثالث وهو الشفاعة لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم يستحقوا دخول الجنة ولم يستوجب الدخول إلى النار، فيشفع في أن يدخل الجنة.
وأما المقام الرابع من مقامات الشفاعة: فهو الشفاعة لأهل الكبائر الذين أدخلوا النار ليخرجوا من النار، وقد تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحاح والمسانيد وغيرها من كتاب الإسلام، وقد أجمع على قبولها أئمة الإسلام في قديم الدهر وحديثه، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج ومن تبعهم في بدعتهم)
}.
الخوارج؛ لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، ويشاركهم في هذا الاعتقاد المخالف للنصوص المعتزلة؛ لأنهم يرون أن الفاسق الملي وهو الذي يرتكب الكبيرة مخلد في النار، أما حكمه في الدنيا فالخوارج يرون أنه حلال الدم والمال، وأما المعتزلة فيرونه في منزلة بين المنزلتين، يعني: لا هو مؤمن ولا هو كافر، وأهل السنة يرون حكمه في الدنيا أنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأنه يجتمع الإيمان والمعصية في العبد، وهؤلاء يرون أنه لا يمكن أن يجتمعا، وبالتالي رتبوا على هذه الأحكام، وهم مخالفون للنصوص ومتبعون المتشابه من النصوص، وأعرضوا عن المحكم من النصوص التي تدل على أن أهل الكبائر تحت رحمة الله -عز وجل- وتحت المشيئة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيع﴾ [الزمر: 53]، قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، هم داخلون تحت هذه المشيئة إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وقد تكون لهم الشفاعة فلا يدخلون النار، لأجل هذا أنكروا الشفاعة كما قال ابن كثير -رحمه الله- وهم مخالفون لأمة الإسلام في هذه المسألة.
{(قال: ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج ومن تبعهم في بدعتهم من المعتزلة وغيرهم، وهم محججون بالحديث المتواتر الذي يتلزمون القول به، ولكن لم يحيط علمهم بتواتره فقد كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، فلا عذر لهم، ولكن من كذَّب بكرامته لم ينلها، بلى والله له في ذلك)}.
يعني: من الخذلان لهم أنهم كذبوا بشفاعته -صلى الله عليه وسلم- لأهل الكبائر، ومن التكذيب لشفاعته -صلى الله عليه وسلم- أنهم لا ينالونها.
{قال: (بلى والله له في ذلك المقام الأعظم، ويشفع في خروج أصحاب الكبائر مرة بعد مرة حتى تبلغ أربع مرات، كما جاء بذلك الأحاديث، ويشفع النبيون في أممهم والمؤمنون في أهاليهم وأصحابهم من العصاة، ويشفع الملائكة أيضً)}، يعني هذه الشفاعة تقع لغير النبي -صلى الله عليه وسلم.
{قال: (ويشفع النبيون في أممهم والمؤمنون في أهاليهم وأصحابهم من العصاة ويشفع الملائكة أيضًا، ثم بعد ذلك كله يخرج الله من النار من لم يعمل خيرًا قط وكان في قلبه من الإيمان ما يزن مثقال ذرة، ومن قال يوماً من الدهر لا إله إلا الله مخلص)}.
هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء، وكما أن الإنسان يستبشر بأحاديث الرجاء فعليه أن يخشى من نصوص الوعيد وأحاديث الوعيد، والله -عز وجل- جمع بين الأمرين في محكم كتابه وقال: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ﴾[الحجر: 49-50]، والمؤمن يكون بين الخوف والرجاء في حال صحته وسلامته، وإن كان كما قال الإمام أحمد يغلب في جانب الصحة جانب الخوف، وأمَّا في حال المرض وحال حضور الأجل فإنه يغلب جانب الرجاء، ويُستحب لمن حضره الأجل أو نزل به الموت أن يُحَدَّثَ بأحاديث الرجاء؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ» ، فالمؤمن بين الخوف والرجاء، لكن في حالة الصحة يغلب جانب الخوف؛ لأن طبيعة الخوف في حال الصحة طغيان فتحتاج هذه النصوص حتى لا تتجرأ على المعاصي، وتحجم عنها، هذا هو منهج أهل السنة، وهذه تقريرات أئمة أهل السنة -رحمه الله.
هذه الأحاديث أحاديث الرجاء، لا ينبغي أن تكون ذريعة للاستهانة بالطاعة، والتكاسل عنها أو التجرؤ على معاصي الله -عز وجل- لأجل هذا الحديث، فإن مذهب أهل السنة منهج وسطي بين أهل الوعيد وهم الخوارج وبين أهل الإرجاء وهم المرجئة، الذين يستدلون بهذه الأحاديث ويحدثون بها وينسون نصوص الوعيد وأحاديث الوعيد، منهجهم منهج وسط، الخوارج كما سمعت يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، وهم من أهل الغلو وهم من أهل الوعيد، مثل ما قال: الوعيدية، وأمَّا المرجئة فإنهم يُعملون أحاديث الوعد ونصوص الوعد دون النظر إلى نصوص الوعيد، فيزعم غلاتهم أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، وهذا لا شك أنه مصادم للنصوص، وهذا المنهج الإرجائي منهج خطير على الأمة الإسلامية، وبسببهم يحصل هتك أستار الدين وثوابت الدين وقواعد الدين، ولهذا ففرقتي المرجئة والخوارج لهما خطورة، وهما تياران يتجاذبان، بمعنى أن كلهم من أهل الغلو، وهذان التياران مازالت الأمة تعاني منهما، أعني الخوارج بغلوهم والمرجئة الذين يهتكون أستار الدين ويتجرءون على معاصي الله -عز وجل-، هؤلاء يُضعفون الدين وأولئك كذلك، فكلا الطائفتين مذمومة، وكلا الطائفتين لا تمثل الحق وهما على طرفي نقيض، ولهذا ظهرت هذه الطوائف بسبب ردود أفعال، وما زالت إلى يومنا هذا.
فالمسلم الموحد يحذر من طائفة الخوارج وكذلك من طائفة المرجئة؛ لأن كلا الطائفتين خطر، والمنهج الإرجائي كما أنه يشاع كذلك منهج الخوارج، فهما يتقابلان وقد هدى الله أهل السنة، فكما أنك تحذر من منهج أهل الغلو وهم الخوارج فعليك أن تحذر من منهج أهل الإرجاء؛ لأنه يسوق له ويزين له ويحاول بعض الناس أن يتبنى هذا المشروع بين الناس ويسيقه للناس، لا النصوص جاءت بالوعد والوعيد ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ﴾، وهكذا ينبغي أن يكون الوعظ والتوجيه على هذا المنهج الشديد، بين منهج التحذير من منهج الخوارج والتحذير من منهج المرجئة والخطاب الدعوي والخطاب الديني يكون قائم على هذا الأساس، لأنه كون الخطاب الديني يختطف من قبل الخوارج، لا يعني ذلك أنه يختطف ويكون في أيدي المرجئة، كلا الطائفتين لا تحقق الوسطية الإسلامية التي جاءت في الكتاب والسنة.
{قال: (المقام الخامس: شفاعته للمؤمنين بعد ما يجوزون الصراط في أن يؤذن لهم في دخول الجنة، فذكر أنهم يأتون آدم، ثم نوح وإبراهيم وموسى ثم عيسى ثم يأتون محمد -صلى الله عليه وسلم- فيشفع لهم، فيشفع -صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين-)}.
لهذا الإتيان إدخال من بعض الأحاديث ببعض، الثابت إنه الإتيان إنما يكون في وقت المقام المحمود، أما ما عداه فمن إدخال بعض الأحاديث على بعض، لكن لا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من شفاعته أنه يؤذن لأهل الجنة أو به تفتح الجنة، ويقول خازن الجنة: "بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ" .
{(ويشهد له حديث أنس في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا أول شفيع في الجنة».
المقام السادس من مقامات الشفاعة: شفاعته -عليه الصلاة والسلام- في رفع درجات بعض المؤمنين في الجنة: وهذا مما وافق عليه المعتزلة وغيرهم، ودليله حديث أم سلمة الذي في صحيح مسلم، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما مات أبو سلمة قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ له في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ له فِيهِ»، وهذا الحديث الآخر عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه لما أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن أبا عامر قتل بأوطاس توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم رفع يديه وقال: «اللهم اغفر»)
}، هذا في حنين مر معنا {(قال: «اللهم اغفر لعبيد بن أبي عامر وأجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك» رواه الشيخان في الصحيحين)}.
طبعًا هذه ثابتة وصريحة وواضحة في شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في منازل الجنة، ولا شك أن هذه الأحاديث تدل على رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته في حال الدنيا، في أنه بلغ البلاغ المبين وكاد أن يهلك نفسه حسرات على عدم إيمان قومه، وكان -صلى الله عليه وسلم- نعم المبلغ ونعم الشهيد، فلم يترك هذه الأمة إلا على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولم يمت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد إكمال الدين، قال الله -عز وجل-: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ﴾[المائدة: 3]، ورحمته -صلى الله عليه وسلم- قد صرحت بها النصوص، ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ يعني يشق عليه أو يعز عليه مشقتكم، ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ حريص على هديتنا، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[التوبة: 128]، -صلى الله عليه وسلم- على نبينا محمد، وكان يتوج ذلك بأخلاقه الحسنة، أثنى الله عليه -عز وجل- فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4].
قالت عائشة: "كان خلقه القرآن -صلى الله عليه وسلم-"، ومع هذا فهو رحيم، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ كان ليناً لهم ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
فوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الأوصاف في كتاب الله وما جاء عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ما جاء في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- من وصفه، الصحابة وصفوه وأنس خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين ما رأى منه إلا كل خير، لم يرى منه النهر ولا الأذى، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالنساء خيرًا، قال: «واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرً» ، وكان يقول: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» ، كان خيرًا -صلى الله عليه وسلم- وحسن الخلق، حسن الخلق -صلى الله عليه وسلم- مع أهله -صلوات ربي وسلامه عليه-، فكانت أخلاقه فاضلة ومع من جانب من جانب الرحمة والعطف متعلق بالإنسانية إلا وقد كان التوجيه النبوي -صلى الله عليه وسلم- فيه، حتى في مسألة الخدم والمستخدمين الذين جعلهم الله تحت أيديكم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ» ، إلى غير ذلك من النصوص، حتى أن هذه الرحمة وصلت إلى الحيوان، الإحسان إلى الحيوان وتحديث الصحابة -رضوان الله عليهم- بأهمية الرفق بالحيوان، حدثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن بغيًا من بغايا بني إسرائيل سقت كلبًا بموقها فغفر الله لها، وجاء في الحديث وإن كان في سنده مقال لكن له شواهد، "أن حمرة أخذ صغارها منها، فرآها النبي -صلى الله عليه وسلم- تفرش فقدًا عليها، فقال: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَ» ، والسنة حافلة بمثل هذه التوجيهات الكريمة من النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، هذا في الدنيا.
وهذا الإحسان من النبي -صلى الله عليه وسلم، والرحمة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تنقطع بموته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يوم القيامة تكون منه الرحمة والإحسان بمقام الشفاعة، وهذه الرحمة التي أرسله الله بها وهو رحمة للعالمين، تحققت ببعثته -صلى الله عليه وسلم-، وستحقق يوم القيامة بالمقام المحمود، فمن رحمته من آثار رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالناس، بجنس الخلق أنه يسأل ربه الشفاعة في أن يقضي بين الخلائق، وهذا هو المقام المحمود الذي يحمده الخلائق عليه -صلوات ربي وسلامه عليه- حين يمتنع الأنبياء ويعتذرون، يأتي نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيسجد عند العرش فيفتح الله عليه بمحامد، يفتحها له يومئذ، يعني لا يذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يوفق إليها في ذلك الوقت، فيقال: «يا مُحَمَّد، ارْفَعْ رَأْسَك، وقُلْ: يُسْمَعْ لك، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ»، فيشفع، هذه رحمة الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو رحمة للعالمين في الدنيا وفي الآخرة، ثم هذه الرحمة لا تنقطع، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الأحاديث يشفع في أهل الكبائر ويشفع في قوم النار أن يخرجوا منها، ثم يشفع للخلائق كلهم في أن يدخلوا الجنة وتفتح لهم أبواب الجنان، فيدخلونها، ثم إذا دخلوا الجنة يشفع لهم في الدرجات، فإذاً رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة غير منقطعة -صلوات ربي وسلامه عليه.
هذا يبعث الإنسان على ماذا؟ على أمرين: على أن يحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يقدمه على نفسه وعلى ولده وعلى الناس أجمعين، ويحمله كذلك على أمر آخر، على التأسي به -صلى الله عليه وسلم- ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾[الأحزاب: 21]، فالأسوة التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، تحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتتأسى به لما هو عليه -صلى الله عليه وسلم- من الرحمة ومن الخلق الفاضل ومن الإحسان العظيم لهذه الأمة ولغيرها من الأمم، فكذلك من الأمور التي هي من أسباب شفاعته -صلى الله عليه وسلم- أن تكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، «الْبخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَم يُصَلِّ علَيَّ» -فصلوات ربي وسلامه عليه-، لا ينبغي لمسلم أن يسمع ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وقد صلى عليه، ثم يجعل له من ورده ومن أذكاره الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من أسباب شفاعته -صلى الله عليه وسلم- ومن أسباب محبته -صلى الله عليه وسلم-، أن تحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن تصلي عليه كثيرًا وأن تجعل له جزءً من صلاتك فتصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- المبعوث رحمة للعالمين، حتى تنال شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تتحقق إلا بأمرين، كما أن شفاعة غيره لا تتحقق إلا بأمرين، لأن الله قد قضى قضاءً كونيًا قدرياً أنه لا يقبل الله الشفاعة إلا بأمرين، والله -عز وجل- نفى الشفاعة يوم القيامة، ونفى أن يؤخذ من أحد عدل، وأن يقبل منه شفاعة إلا بشرطين، قال الله -عز وجل: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾[النجم: 26].
قال أهل العلم: شرطا الشفاعة، إذن الله للشافع، أن يأذن الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفاعة، وهذا متحقق، فقد أذن الله -عز وجل- للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفاعة، وسيأذن لمن هو دونه من الأنبياء والشهداء والصالحين والصديقين، يشفعون وحملة القرآن، حفاظ كتاب الله -عز وجل- الذين يحفظون كلام الله -عز وجل- فإنهم يشفعون، والشهداء، الشهيد يشفع في سبعين من أهله، إلى غير ذلك من النصوص.
فإذاً إذن الله -عز وجل- بالشفاعة، وهذا الإذن مرتبط بحال الإنسان في الدنيا، فلا يأذن الله -عز وجل- إلا من كان له الكرامة والمقام عند الله الذي يأذن به، وهذا لا يكون إلا بالعمل الصالح، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللَّعّانِينَ» وهم الذين يكثرون اللعن «لا يَكونُونَ شُهَداءَ، ولا شُفَعاءَ يَومَ القِيامَةِ»، فمن إطلاق اللسان باللعن من أسباب الحرمان من الشفاعة، فدل على أن إذن الله -عز وجل- قد يحول بينه وبينك في حال الحياة مانع، بأن تكون من اللعانين الذين يكثرون السباب واللعان على الناس، وهذا وعيد شديد، إذاً لا بدَّ أن يأذن الله للشافع.
ثم وهو الشرط الآخر وهو مهم جدًّا، قال: ﴿مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ أن يرضى الله عن ماذا؟ عن المشفوع له، هذا بإجماع المسلمين، كيف يرضى الله عن المشفوع له؟ رضا الله -عز وجل- عن المشفوع له بأن يكون من أهل التوحيد، كيف يكون من أهل التوحيد؟ بأن يكون مخلصاً لله -عز وجل- الدين، يعبد الله -عز وجل- موحداً له، لم يتلبس بالشرك الأكبر، فمن كان متلبساً بالشرك الأكبر لا يرضى الله عنه، والله -عز وجل- أخبر وقد حكم وقضى كوناً وقدراً أن الله لا يغفر الشرك الأكبر، قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، فالله -عز وجل- لا يغفر الشرك، كيف لا يغفر الشرك؟ من مات وهو مشرك، من مات وهو يدعو غير الله -عز وجل- ويستغيث بغير الله ويطلب من الأموات الحاجات وتفريج الكربات، هؤلاء إن ماتوا وهم على هذا الأمر فإن الله -عز وجل- لا يغفر لهم الذنوب، ويخلدهم في النار بسبب ذلك، لأن أعظم الظلم هو الشرك بالله -عز وجل-.
ولهذا أقام الله الحجة على العباد جميعًا بهذا التوحيد العظيم، ولهذا أخذ الله عليهم الميثاق وهم في عالم الضر أن لا يشركوا بالله شيء، ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172- 173].
أخذ الله الميثاق على الناس أن لا يشركوا بالله -عز وجل- وأن لا يدعو إلا الله -عز وجل-، ثم فطرهم على قبول التوحيد، قال الله -عز وجل-: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[الروم: 30]، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» ، وهذا من الحجة على العباد، الميثاق الأول، ثم الفطرة، ثم لم يتركهم الله -عز وجل- دون أمر ولا نهي، بل أرسل الله إليهم رسل مبشرين ومنذرين، مبشرين بالتوحيد، مبشرين بالجنة لأهل التوحيد، ومنذرين بالنار لأهل الشرك، قال الله -عز وجل-: ﴿رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء: 165]؛ لأجل هذا القضية، قضية التوحيد التي هي القضية الكبرى.
ولهذا كانت الأنبياء ترسل بهذه الكلمة، بتوحيد الله -عز وجل- في عبادته، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: 36]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 25]، كل الأنبياء لو تقرأ في القرآن تجد أنهم جاءوا بهذه القضية، ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾[الأعراف: 65]، إذاً كل الأنبياء جاءوا بـ لا إله إلا الله، جاءوا بهذا التوحيد، وهذا من الحجة على العباد، ثم قامت الحجة ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبتحذيره من الشرك وبإنذارهم لمن كان مشركاً أنه يدخل النار.
قال الله -عز وجل- كما في الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «مَن مَاتَ وهْوَ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ»، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مكث لتقرير هذه القضية -قضية التوحيد- عشر سنين في مكة قبل أن تفرض الفرائض وهو يدعوهم إلى هذه الكلمة العظيمة، فقال: «يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ»، قالوا: ما هي؟ "كَلِمَةً وَاحِدَةً نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا" على عادتهم في حلفهم بآبائهم، فقال: «قولوا لا إله إلا الله تفلحو»، فامتنعوا، فقال أبو لهب: تبًا لك لهذا جمعتنا، وقال أبو جهل: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾، وقال: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَ﴾ يعني: التوحيد ﴿فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ يعني: ملة النصارى ﴿إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾؛ لأن النصارى يشركون ويدعون عيسى، فعلموا أن التوحيد مناقض لِمَا هم عليه من الشرك.
كما قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "فقبح الله من كان أبو جهل أعلم منه بـ (لا إله إلا الله)"، لأن أبا جهل وأبا لهب امتنعا عن الإقرار بهذه الكلمة، ولهذا فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بلغ البلاغ المبين وبيَّن البيان الواضح في هذه القضية، أعني قضية التوحيد، والقرآن قبل ذلك نهى عن دعاء غير الله -عز وجل-، قال الله -عز وجل-: ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَد﴾[الجن: 18]، لا تدعو مع الله أحدًا، النكرة في سياق النفي من ألفاظ العموم، كل أحد لا تدعوه من دون الله -عز وجل-، وبيَّن الله -عز وجل- حال المشركين في دعائهم غير الله -عز وجل-، وأنهم يستغيثون بأموات ويطلبون من الأموات، ويعتقلون بمعبوداتهم، ويستعيذون بغير الله -عز وجل- كما في سورة "الجن" ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ﴾[الجن: 6]، كان إذا نزل الوادي قال: أعوذ بعظيم هذا القوم من سفهاء قومه، يستعيذ بالجني، وهذا من الشرك بالله -عز وجل-، قال: ﴿فَزَادُوَهُمْ رَهَق﴾ كما أخبر الله -عز وجل.
فإذاً لا بدَّ من رضا الله عن المشفوع، فحريًا بكل مسلم يريد شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسأل ربه أن يشفعه أو أن يشفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه، فحريًا به أن يقيم على التوحيد حتى ينال هذه الشفاعة، فدعوة محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تكون فقط أنك تحب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط، فتنال به الشفاعة، كان أبو طالب يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدافع عنه، فما ينفعه، لم تنفعه ذلك، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حضرته الوفاة، قال: «يا عَمِّ، قُلْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّه»، فما زال به حتى قال له صناديد قريش وهو قد حضره الأجل: أتترك دين عبد المطلب، فكان من آخر كلامه أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لاستغفرن لك ما لم أنهى عن ذلك»، حتى أنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ﴾[التوبة: 113]، ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾[التوبة: 114] إلى آخر الآيات.
وأنزل الله -عز وجل- تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]، في قول جمع من المفسرين أنها نزلت في حق أبي طالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكرامة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله يجعله في ضحضاح من النار تغلي منه أو يغلي دماغه منها -نسأل الله السلامة والعافية-، ومع ذلك لم يكن هذا.
فإذاً لا بدَّ من رضا الله عن المشفوع، وهذا الرضا لا يتحقق بمحبتك للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تحقق هذا التوحيد، من قرأ هذه السيرة من أولها إلى آخرها سيجد فيها هذا التقرير، أعني: تقرير التوحيد والحث عليه، فلهذا نصيحتي لنفسي المقصرة أولاً وللمسلمين جميعًا: أن يقرءوا القرآن بتدبر وتمعن، فينظر القضية التي في القرآن التي من أوله إلى آخره، سيجد أن القضية الكبرى هي توحيد الله -عز وجل- بالعبادة، وأن يعبد الله وحده وأن يدعى الله وحده، وأن يستعان به وأن يستغاث به، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهذا حقيقة القضية الكبرى التي عالجها القرآن وعالجها النبي -صلى الله عليه وسلم- في سيرته، لما تقرأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾[الفاتحة: 2] توحيد الربوبية، تحمد الله -عز وجل- على أنه رباك بنعمه، لأنه هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ أسماء وصفات لله -عز وجل- ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توحيد العبادة لله -عز وجل-، يعني: لا نعبد إلا إياك، "إياك" من أدوات الحصر، يعني: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- التفت إلى ابن عباس قال: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» ، يعني: أنت لا تسأل إلا ربك، وليس بينك وبينه وسائط -سبحانه وتعالى-، فهؤلاء شياطين الإنس الذين يزينون للناس الوسائط بينهم وبين الله -عز وجل- هؤلاء طواغيت يصرفون الناس عن حقيقة التوحيد، ولهذا لو قرءوا القرآن من أوله وآخره وأبطلوا طاغوت التقليد للآباء والأجداد الذي يردك عن الحق، هذا التقليد للبيئة التي تعيش فيها هو من أسباب حرمانك من الهداية الحق وهو الذي حرم أبو طالب من أن يقول هذه الكلمة وما زال.
تتخلص من هذا الطاغوت الذي يحول بينك وبين الحق، حتى تهدى إلى الحق، واقرأ كلام الله -عز وجل-، واقرأ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمعن لتعرف القضية الكبرى التي بعث بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل بعث الأنبياء بها، وهو أن يعبد الله وحده، حتى تنال شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحتى تكون ممن رضي الله عنه، لأن الله -عز وجل- يستثني من هذه الشفاعة أهل الشرك، فلا شك أن هذا العمل الخطير ينبغي أن يبذل الإنسان نفسه ووقته في الحذر منه، وأن يعرفه حتى يحذر منه، ونحن لا نقول هذا الكلام إلا لأن واقع المسلمين يخالف ما جاء عن الله وما جاء عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، للأسف بنيت أو بني على القبور بل جعل عليها مساجد مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه في البخاري ومسلم وهذان الكتابان تلقتهم الأمة بالقبول، كل ما فيها صحيح.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يحذروا مما صنعوا، يحذر الأمة مما صنعوا، ومع ذلك وقعت الأمة فيما وقعت فيه، ولهذا يزينون للناس بالمتشابه لبيان أن هذا الأمر سائغ، وأن البناء على القبور سائغ، وأن البناء على القبور مقبول، ثم يتعدى الأمر مع أنهم بنوا عليها المساجد هذه القبور، فيجعلون لها صحن للطواف، أي: يُطاف بها كما يُطاف بالكعبة، وقد أجمع المسلمون إجماعاً قطعيًّا أنه لا يجوز الطواف بغير بيت الله -عز وجل- الكعبة، ثم يجعلون عليها الستور ويسرجون عليها السرج ويكسونها كما يكسون الكعبة، ويجعلون لها صناديق النذور ويذبحون عندها، يمارسون الطقوس الشركية ويزعمون أنهم على الطريقة المحمدية، وهم في الحقيقة على الطريقة الإبليسية، على طريقة كفار قريش وعلى طريقة أبي جهل وأبي لهب، وليسوا على الطريقة الإبراهيمية، ولا على ملة إبراهيم الحنيفية، ولا على ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم يزعمون أن ذلك لا يخالف شريعة الله -عز وجل-، ثم يرجون شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحاولون أن يزينوا ذلك بالاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم- وبإنشاد القصائد، هؤلاء كاذبون ومفترون على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
هذه القضية التي ينبغي أن يعرفها المسلمون، لأن خلاصة كلامنا هو في التوحيد، وهذا هو الذي ينبغي أن يقرؤه أهل الإسلام، وأن يزيلوا عنهم هذه التقاليد والعادات البالية، وأن يعبدوا الله وحده، لأن التوحيد متوافقة مع الفطرة، فلو رجع الإنسان لفطرته لعلم أنه ليس بينه وبين الله ستر، الموحد يقول لك أدعوا الله -عز وجل- لا تدعوا مع الله غيره، والمشرك والمشبه عليك يقول إن فلان صاحب القبر الفلاني هو الترياق المجرد، وأنه إذا نزلت بك حاجة فاذهب إلى أصحاب القبور، وأن فلان فيه سر، وأن القبر الفلاني لعلاج المرض الفلاني، وأن الولي الفلاني لكذا، والموحد يقول ادعوا الله -عز وجل-، ارفع يديك لله -عز وجل-، أيهما موافق للفطرة، هذا أم ذاك؟ لا شك أن الموافق للفطرة هو الذي لم يجعل بينك وبين الله وسائط، هذا ما يريد منك شيء الموحد، حينما ندعو الناس للتوحيد لا نريد منهم شيئًا، نحن ندعو بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، لأنه يؤذينا ويؤذي كل مسلم أن يرى مظاهر الشرك في هذه الأمة، ولهذا لا يكون لهذه الأمة التمكين ولا النصر إلا بتحقيق التوحيد، لأن الله قد جعل ذلك شرط للنصر والتمكين، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْن﴾ بشرط ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ﴾[النور: 55].
فإذاً قضية التوحيد قضية كبرى، إذا أردنا أن نرفع الهوان والذلة عن الأمة المحمدية فعلينا أن نعيدها إلى الطريقة المحمدية، إلى التوحيد الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- وبه جاءت الأنبياء، فكل مسلم يريد ما عند الله -عز وجل- والدار الآخرة عليه أن يقف وقفة تأمل مع حاله، حتى ينال شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن أمامنا أهوال عظام، جاءنا الخبر عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أهوال عظام يوم القيامة ولن ينجيك ولن ينفعك إلا التوحيد، أعمل ما شئت فإن الله لا يقبل من العمل إلا من كان خالصاً لوجه صوابًا على سنته -صلى الله عليه وسلم-، لو عمل المشرك ما عمل فإنه لا تنفعه أعماله في الآخرة، قد يثاب عليها في الدنيا لكنه في الآخرة لن ينال من ذلك شيء، لأن الله -عز وجل- يقول: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُور﴾[الفرقان: 23]، لماذا يجعله الله هباءً منثوراً وهو حكم عدل -سبحانه وتعالى-؟ لأن هذا العمل لم يتحقق فيه التوحيد، وإرادة ما عند الله -عز وجل- في الآخرة، وهذه الأعمال باطلة لأنها لم تأتي إلى مكان صالح، ولهذا أعمال النصارى وأعمال اليهود لا تنفعهم، قد يطعمون بها كما جاء في الخبر شيئًا من الدنيا فلن تنفعهم، لأنهم لم يحققوا التوحيد.
فإذاً قضية تحقيق التوحيد قضية كبرى ينبغي للمسلم أن يعرفها وأن يتعلمها وأن يفهمها فهمًا جيداً، وأن يبذل الغالي والنفيس في تحقيقها وفي المعرفة بها حتى ينال شفاعة الله -عز وجل-، قبل ذلك حتى يدخل الجنة، لأن أعظم سبب لدخول الجنة هذه الكلمة العظيمة، من قال كما في حديث عتبان بن مالك «إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»، هذه الكلمة قد يقولها كل أحد، فما تنفعه، لا بدَّ أن يكون المقول والقول موافق لما في القلب ويتبعه العمل، هذا هو الإيمان، الإيمان تصديق بالقلب أو قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، فهذه آثار الإيمان، أن تقول هذه الكلمة وأن يكون ذلك واقع في حياتك وإلا مجرد القول كل يقول هذا، فهي لا تنفع بمجرد مرورها على اللسان حتى توافق الأعمال، إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه، لا إله إلا الله تحمل دلالة التوحيد، نفي وإثبات، نفي للإلهية عن غير الله وإثبات الإلهية له -عز وجل-، لا إله إلا الله تعني أن تعبد الله وحده، ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ﴾ [الزمر: 2- 3].
حذر الله -عز وجل- الأنبياء من الوقوع في الشرك تحذيرًا لأمتهم، كما قال الله: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾[الزمر: 65]، فإذاً تحقيق التوحيد بمعرفة هذه الكلمة، لا معبود بحق إلا الله، لأن لا ندعو إلا الله -عز وجل-، ولا نستغيث إلا بالله -عز وجل-، ولا نسأل إلا الله -عز وجل-، وسبحان الله من يحول بينك وبين ربك إذا نزلت بك حاجة؟ الله -عز وجل- في محكم كتابه، اقرأ القرآن اقرأ هذه الآية بتمعن، أنت أيها المسلم اقرأها بتمعن حتى تعرف أن ما يزين لك هؤلاء الطواغيت ويصرفونك عن التوحيد إنما هو أوهام، الله -عز وجل- يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ﴾[البقرة: 186]، من الذي جعل بينك وبينه وسائط إلا هؤلاء المضلين الذين يضلونك عن الصراط المستقي.
فوصيتي لنفسي، لغير المسلمين أن لا تدعو إلا الله -سبحانه وتعالى-، وأن لا تنزل حاجتك إلا بمن يملك قضاء الحاجات، أما هؤلاء الأموات من الأنبياء والملائكة فهم، الأنبياء أموات والملائكة غائبين، فلا تدعوا الأموات ولا الغائبين، هؤلاء لا يملكون شيئًا، ولهذا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نزل بالصحابة ما نزل ما ذهبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أنهم كانوا في حال حياته يأتون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسألونه الدعاء ويسألونه أن يستغفر لهم، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيم﴾[النساء: 64]، إذ للمضي وليست للمستقبل، ولهذا لم يثبت ولو بإسناد ضعيف أن الصحابة كانوا ينتابون قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسألونه قضاء الحاجات، والله -عز وجل- أنزل هذا القرآن بلسان عربي مبين، والله -عز وجل- قال: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُو﴾ ولم يقول: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم، دل أن هذا في حال حياته -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد وفاته مع مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحابة، مقام عظيم مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لا يُسأل، لأن سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته سؤال لغير الله -عز وجل-، والذي أمرك بأن تسأله هو الله -سبحانه وتعالى- وهذا مناقضة لـ لا إله إلا الله.
إذاً فالدعاء عبادة وأنت حينما ترفع يديك إلى ربك وتقول يا الله تتعبد الله -عز وجل- بهذا الدعاء، إن أجبت وإن لم تجب، فهذه عبادة لا تصرفها إلا لله -عز وجل-، دعاء الغائبين والأموات ودعاء الجن كل ذلك مناقض لهذه الكلمة العظيمة، ومن قرأ القرآن وقرأ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- سيجد هذا واضحاً وبينًا وهذا ولله الحمد قد قامت فيه الحجة كما قدمنا وبانت فيه المحجة ولا يزيغ عن هذا التوحيد إلا هالك، مما لم يريد الله -عز وجل- لهم الخير، نسأل الله السلامة والعافية، وأسأل الله أن يثبتنا على التوحيد حتى نلقاه.
إذاً لا بدَّ من إذن الله -عز وجل- للشافع ورضا الله عن المشفوع، فكل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يريد شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فعليه أن يحقق هذا الأمر، أن يحقق التوحيد في قلبه ويرجو شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- لي وللإخوة المشاهدين والمشاهدات أن ننال شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يثبتنا الله -عز وجل- على هذا الدين القويم حتى نلقاه، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
قال عبد الله بن مسعود: "الحي لا تؤمن عليه الفتنة"، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن لا يفتنا عن هذا التوحيد، وأن يثبتنا عليه، وأن يجعل آخر كلامنا من هذه الدنيا لا إله إلا الله، وهذا لا ينال إلا بالإلحاح على الله -عز وجل- والدعاء آناء الليل وأطراف النهار حتى يثبتنا الله -عز وجل- على هذا الدين القويم، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يهدينا إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- في ختام قراءة هذا الكتاب للجميع العلم والعمل الصالح، وأن يجعل ما قرأناه حجة لنا لا حجة علينا، وأن يرزقنا فيه الإخلاص وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه لا رياء فيها ولا سمعة، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
{بحمد الله يا فضيلة الشيخ انتهينا من هذا الكتاب، فنستأذنكم أن تكون الحلقات القادمة في أخذ الدروس والعبر من الحياة النبوية، بحيث يستفيد الإنسان من الأحداث النبوية دروسًا في حياته اليومية}.
صحيح -إن شاء الله- سنخصص فيما بقي من حلقات بعض الأحداث للسيرة النبوية التي يعني أوجزها ابن كثير -رحمه الله- ونأخذها بشيء من التفصيل في ترتيب زمني -إن شاء الله- ونبدأ -إن شاء الله- في الحلقة القادمة في ذلك -إن شاء الله.
{أحسن الله إليكم.
في ختام هذه الحلقة نشكركم أيها المشاهدون على طيب المتابعة، ونلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك