الدرس السابع عشر

فضيلة الشيخ د. سهل بن رفاع العتيبي

إحصائية السلسلة

2009 22
الدرس السابع عشر

العقيدة التدمرية

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحب بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات "البناء العلمي" وأرحب بفضيلة الشيخ الدكتور/ سهل بن رفاع العتيبي، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، والأبناء الطلاب والطالبات في برنامج البناء العلمي، وفي الدرس السابع عشر من دروس شرح العقيدة التدمرية، في تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وبيان حقيقة الجمع بين القدر والشرع، أسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح والتوفيق لما يحب ويرضى.
{اللهم أمين.
نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله عند قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرسالة التدمرية: (فَصْلٌ: وَأَفْسَدُ مِنْ ذَلِكَ: مَا يَسْلُكُهُ نفاة الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَا إذَا أَرَادُوا أَنْ يُنَزِّهُوهُ عَمَّا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ مِمَّا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ مِثْلَ أَنْ يُرِيدُوا تَنْزِيهَهُ عَنْ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُرِيدُونَ الرَّدَّ عَلَى الْيَهُودِ: الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ بَكَى عَلَى الطُّوفَانِ حَتَّى رَمِدَ وَعَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِإِلَهِيَّةِ بَعْضِ الْبَشَرِ وَأَنَّهُ اللَّهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَحْتَجُّ عَلَى هَؤُلَاءِ بِنَفْيِ التَّجْسِيمِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَوْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ لَكَانَ جِسْمًا أَوْ مُتَحَيِّزًا وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَبِسُلُوكِهِمْ مِثْلَ هَذِهِ الطَّرِيقِ اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِمْ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ نفاة الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا حي يا قيوم، أما بعد.
فهذا الفصل هو تابع للقاعدة السادسة والتي عنون لها شيخ الإسلام بقوله: (لَا بُدَّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ ضَابِطٍ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ)، ثم ذكر ضابطين من الضوابط الفاسدة لدى المتكلمين:
الضابط الأول: هو نفي التشبيه هكذا بإطلاق، وبيَّن أن هذا الضابط غير سديد وغير مفيد لوجوه، منها أنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مُشترك، وقدر مميز، فيشتركان من وجه دون وجه، ومنها أيضًا من الردود على ضابط المتكلمين: أن هذا الضابط لا يرجع إلى أصل مسلم بين الفِرَق، بل هم متناقضون فيه، ثم أيضًا أنَّ النصوص لم ترد بنفي التشبيه وإنما وردت بنفي التمثيل والكفر والند ...
ثم الأمر الرابع: أن الذين ينفون التشبيه يعتمدون على النفي المحض الذي لا يتضمن إثبات ضده من صفات الكمال، بخلاف طريقة القرآن وطريقة الرسل وطريقة سلف الأمة وأئمتها، ثم إن هذا الضابط أدى بأهله إلى الوقوع في شر مما فروا منه، فلما أرادوا تنزيهه عن مشابهة الحيوانات المخلوقة شبهوه بالجمادات، ومنهم من شبهه بالمعدومات، ومنهم من شبهه بالممتنعات.
أيضًا أمر سادس: أن إطلاق التشبيه عند المتكلمين ومن وافقهم مبنيًّا على أصل باطل، وهو دعوى تماثل الأجسام، رد عليهم في بيان بطلان هذا الضابط وأنه غير سديد وغير مفيد.
هنا انتقل أيضًا إلى ضابط آخر عند المتكلمين: وهو الاعتماد بالتنزيه على نفي التجسيم والتحيز، ورد عليهم فيه بما رد عليهم في الضابط الأول، بأنه أيضًا ضابط غير سديد وغير مفيد، لاحظ أيضًا أن شيخ الإسلام هنا يناقشهم من جهة هذا الضابط وهذا الدليل الذي استدلوا به على دعوى تنزيه الرب -تبارك وتعالى.
فإذاً النقاش منصب على أصل الدليل وليس على أصل المسألة، فإنَّ تنزيه الرب -تبارك وتعالى- عن النقائص هذا أمر حسن وأمر متفق عليه ولا إشكال فيه، إذاً النقاش في الدليل الذي استدلوا به على تنزيه الرب عن النقائص وليس على أصل المسألة التي هي تنزيه الرب -تبارك وتعالى- عمَّا يليق به، الطرق التي سلكوها في دعوى التنزيه ودعوى نفي النقائص عن الرب هي طرق غير سديدة وغير مفيدة، هذا مما ينبغي أن يتنبه له، ولهذا ماذا قال هنا في الضابط الثاني أيضًا عند المتكلمين؟
قال: (وَأَفْسَدُ مِنْ ذَلِكَ) يعني: هذا الضابط أفسد من السابق، فنفي التجسيم أفسد من نفي التشبيه، قال: (وَأَفْسَدُ مِنْ ذَلِكَ: مَا يَسْلُكُهُ نفاة الصِّفَاتِ أَوْ بَعْضِهَ) يعني: المعطلة تعطيلاً كلياً أو المعطلة تعطيلًا جزئيًا، فيدخل فيه جميع المعطلة إما للأسماء والصفات أو للصفات دون الأسماء أو لبعض الصفات دون بعض، جميع هؤلاء يسلكون هذا المسلك، ولذلك تلاحظ أن من يثبت بعض الصفات وينفي البعض الآخر يسمي من أثبت ما نفاه يُسميه مجسم، فيقع في شر مما فر منه.
(إذَا أَرَادُوا أَنْ يُنَزِّهُوهُ عَمَّا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ مِمَّا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ)، ما المسلك الذي سلكوه؟ نفي التجسيم والتحيز كما فعلوا سابقًا في نفي التشبيه، مثل إذا أرادوا أن يردوا على اليهود الذين يصفون الرب -تبارك وتعالى- بالنقائص، فأراد هؤلاء أن يردوا على اليهود وأن ينزهوا الرب عن الحزن والبكاء ونحو ذلك، (وَيُرِيدُونَ الرَّدَّ عَلَى الْيَهُودِ: الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ بَكَى عَلَى الطُّوفَانِ حَتَّى رَمِدَ وَعَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِإِلَهِيَّةِ بَعْضِ الْبَشَرِ وَأَنَّهُ اللَّهُ) تعالى الله عما يقولون علوًا كبيراً.
ما الطريقة التي يسلكونها في الرد على هؤلاء؟
يقول: (فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ) ويقصد بهم المتكلمين، لَمَّا أرادوا الرد على هؤلاء الملاحدة، (يَحْتَجُّ عَلَى هَؤُلَاءِ بِنَفْيِ التَّجْسِيمِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ)، فهل هذا الطريق الذي استخدموه في تنزيه الرب عن هذه النقائص، هل هو مفيد؟ وهل هو سديد؟ ماذا يقولون؟
يقولون في الرد عليهم: (لَوْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ لَكَانَ جِسْمًا أَوْ مُتَحَيِّزًا وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ) شيخ الإسلام يناقش هذا الدليل الذي استدلوا به على تنزيه الرب عن النقائص، فيقول: (وَبِسُلُوكِهِمْ مِثْلَ هَذِهِ الطَّرِيقِ) وهي نفي التجسيم والتحييز (اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِمْ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ) الملاحدة قلبوا عليهم الدليل، ولهذا مر معنا أن المتكلمين لما قالوا إن نصوص الصفات ليس على ظاهرها، اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِمْ الْمَلَاحِدَةُ نفاة المعاد، وقالوا: إذا قلتم إن نصوص الصفات ليست على ظاهرها تحتاج إلى تأويل، ما الذي يمنع أن تكون نصوص المعاد ليست على ظاهرها؟
ثم جاء الباطنية وتجرءوا وقالوا: إذا قلتم أيها المتكلمون إن نصوص الصفات ليست على ظاهرها والفلاسفة يقولون إن نصوص المعاد ليست على ظاهرها، ما المانع أن تكون نصوص الأحكام والأوامر ليست على ظاهرها، فماذا كان موقف المتكلمين؟ موقف ضعيف، لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة والباطنية كسروا، ولهذا يقول ابن تيمية: إن هؤلاء لَمَّا أرادوا تنزيه الرب عن هذه النقائص بهذه الطريقة وهي نفي التشبيه ونفي التجسيم ونفي التحيز، استظهر عليهم الملاحدة نفاة الأسماء والصفات كلياً.
قال: (فَإِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ) بمعنى أن هذا الدليل غير سديد وغير مفيد وضابط غير منضبط لا يحصل به المقصود، وما المقصود؟ هو تنزيه الرب عن مشابهة المخلوقات وتنزيه الرب عن النقائص، لماذا هو غير سديد؟ كما تقدم في الرد على ضابط التشبيه سواءً بسواء.
لماذا ذكر أن هذا الضابط عند المتكلمين غير سديد؟ من وجوه، هو ذكر هنا أربعة وجوه ممكن على جهة التفصيل أن تصل إلى ستة وجوه.
{قال -رحمه الله-: (فَإِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ لِوُجُوهِ:
أَحَدُهَا أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ أَظْهَرُ فَسَادًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَنْ نَفْيِ التَّحَيُّزِ وَالتَّجْسِيمِ؛ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّزَاعِ وَالْخَفَاءِ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ وَكُفْرُ صَاحِبِ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَالدَّلِيلُ مُعَرِّفٌ لِلْمَدْلُولِ وَمُبَيِّنٌ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى الْأَظْهَرِ الْأَبْيَنِ بِالْأَخْفَى كَمَا لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ)
}.
إذًا هذا هو الجواب الأول عن هذا الضابط: يقال: إن هذا الضابط غير سديد، لماذا؟ لأنه استدلال بالأخفى على الأظهر، وهذا لا يقبل في الطرائق والاستدلال، كما لو أراد شخص أن يستدل على وجود الشمس بأدلة عقلية مُعقدة، نقول الذي تريد الاستدلال عليه أظهر من أدلتك، أدلتك معقدة وما تريد أن تستدل عليه هو أمر ظاهر جدي، فالدليل ينبغي أن يكون أظهر من المدلول عليه حتى يقبل، ولهذا يقول: إن وصف الله بهذه النقائص التي وصفه اليهود بها -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيراً.
(وَالْآفَاتِ أَظْهَرُ فَسَادًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَنْ نَفْيِ التَّحَيُّزِ وَالتَّجْسِيمِ) يعني: لَمَّا تقول للإنسان على فطرة الإنسان العادي بأن الرب -تبارك وتعالى- منزه عن هذه النقائص أو أن تقول بأن الرب منزه عن التجسيم والتحيز، أيهما أظهر له؟ النقائص سيفهما، لكن التحيز والتجسيم لا يفهمها، فيقول: (فَإِنَّ هَذَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّزَاعِ وَالْخَفَاءِ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ) وهو التحيز والتجسيم لأنها مصطلحات حادثة وفيها إيهام، (وَكُفْرُ صَاحِبِ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ) وهو من يصف الرب بالنقائص كاليهود، قال: (وَالدَّلِيلُ مُعَرِّفٌ لِلْمَدْلُولِ) فلا بدَّ أن يكون أظهر منه وأبين منه، (وَمُبَيِّنٌ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى الْأَظْهَرِ الْأَبْيَنِ) هذه النقائص (بِالْأَخْفَى) الذي هو هذا الدليل، فاتضح أن هذا الدليل غير سديد وغير مُفيد، (كَمَا لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ) يعني: الشخص إذا أراد أن يُعرِّف الشيء، هل يُعَرِّفه بالشيء الواضح الذي يفهمه المخاطب أو يُعَرِّفهُ بالشيء الخفي؟
يعرفه بالشي الذي يفهمه المخاطب؛ لأنه إذا عَرَّفَهُ بالشيء الذي لا يفهمه فهو لا يعرفه، ولهذا في كتب اللغة أحيانًا ماذا يقولون؟ وهو معروف، ما تحتاج أن تأتي بعبارات تزيد غموض أكثر وضوحًا منه.
فهذا هو الجواب الأول عن استدلال المتكلمين على نفي النقائص بنفي التجسيم والتحيز هو استدلالٌ بأمرٍ خفيٍ على أمرٍ جلي، فيكون هذا غير سديد.
{قال -رحمه الله-: (الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصِفُونَهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ: يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ لَا نَقُولُ بِالتَّجْسِيمِ وَالتَّحَيُّزِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يُثْبِتُ الصِّفَاتِ وَيَنْفِي التَّجْسِيمَ فَيَصِيرُ نِزَاعُهُمْ مِثْلَ نِزَاعِ مُثْبِتَةِ الْكَلَامِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَصِيرُ كَلَامُ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَصِفَاتِ النَّقْصِ وَاحِدًا وَيَبْقَى رَدُّ النفاة عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِطَرِيقِ وَاحِدٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ)}.
إذًا الوجه الثاني أن هذا الضابط في غاية الفساد، لماذا؟ لأنهم سووا بين معطلات الصفات وبين مثبتة الصفات، لم يفرقوا بين من وصف الرب بالنقائص ومن وصف الرب بصفات الكمال، ثم هؤلاء الذين أرادوا الرد عليهم وهم اليهود مثلاً قد يقلبوا عليهم الدليل، فيقولون: نحن نثبتها ولكن من غير تجسيم، فقد يقلب عليهم الدليل، فقد يقول: نحن نثبت هذه الأشياء ولكن من غير تجسيم ولا تحيز كما تقولون أنتم في الصفات التي تثبتونها.
إن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الآفات وهم اليهود ومن قال بقولهم، يمكنهم أن يردوا على المتكلمين فيقولون: (نَحْنُ لَا نَقُولُ بِالتَّجْسِيمِ وَالتَّحَيُّزِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يُثْبِتُ الصِّفَاتِ وَيَنْفِي التَّجْسِيمَ)؛ لأنهم هم يثبتون الصفات المعنوية وينفون التجسيم، فقد يقولون: نحن نقول في هذه الصفات كما تقولون في الصفات المعنوية، (فَيَصِيرُ نِزَاعُهُمْ مِثْلَ نِزَاعِ مُثْبِتَةِ الْكَلَامِ)؛ لأنهم يلزمون مثبتة صفات الكمال كالمجيء والنزول والاستواء يلزمونهم بهذا اللازم، يقولون: يلزم إذا أثبتم المجيء والنزول يلزم منه التجسيم والتحيز، (فَيَصِيرُ كَلَامُ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ) وهم أهل الحق وأهل السنة، (وَصِفَاتِ النَّقْصِ) عند المتكلمين (وَاحِدًا وَيَبْقَى رَدُّ النفاة) وهم المتكلمون المعطلة (عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِطَرِيقِ وَاحِدٍ)، وقال: (وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ)، مما يدل على أنَّ هذا الضابط غير سديد وغير مفيد؛ لأنَّ المخالف قَلَبَهُ عليك وأيضًا لم تفرقوا فيه بين الحق والباطل، هذا الوجه الثاني.
الوجه الثالث:
{قال -رحمه الله-: (الثَّالِثُ: أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَاتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ)}.
وهذا الوجه أخص من الوجه السابق، كما ردوا به على اليهود ردوا به على مثبتة الصفات، ولهذا يقولون فيمن يثبت المجيء الذي جاء في الكتاب والاستواء الذي جاء في الكتاب، والنزول الذي جاء في السنة وسائر الصفات الخبرية والسمعية يصفون المثبت لها بأنه مجسم، فيقول: (أَنَّ هَؤُلَاءِ) وهم المتكلمون (يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ) التي جاءت في الكتاب والسنة وأثبتها سلف الأمة، (بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) وهي دعوى نفي التجسيم، يقولون: إذا أثبت المجيء يلزمك التجسيم، إذا أثبت الاستواء يلزمك التجسيم والتحيز، إذا أثبت النزول يلزمك التجسيم والتحيز، (أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ) بهذا الضابط، بهذه الدعوى، (وَاتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ) ، ولهذا ماذا قال الإمام مالك؟ الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب، (ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ)، وأدلة العقل مع أدلة السمع ستأتي في القاعدة السابعة، (فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) وهي نفي التجسيم واستخدموه في إبطال صفات الكمال، هذا الوجه الثالث.
الوجه الرابع قال:{قال -رحمه الله-:(الرَّابِعُ: أَنَّ سَالِكِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مُتَنَاقِضُونَ)}، لماذا؟ لماذا المتكلمون لما سلكوا هذه الطريقة متناقضون؟ كما قيل في التشبيه، فبعضهم سيرد على بعض، الجهمي سيرد على المعتزلي، والمعتزلي سيرد على الأشعري والماتريدي، سيقع في هذه المدرسة -التي استُخدم فيها هذا الضابط- التناقض فيما بينهم.
{قال -رحمه الله-: (فَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا مِنْهُمْ أَلْزَمَهُ الْآخَرُ بِمَا يُوَافِقُهُ فِيهِ مِنْ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِنْهُمْ أَلْزَمَهُ الْآخَرُ بِمَا يُوَافِقُهُ فِيهِ مِنْ النَّفْيِ)}.
هذه كقاعدة؛ لأن الأشاعرة والماتريدية يثبتون الصفات المعنوية السبع وينفون ما عداها، المعتزلة ينفون جميع الصفات ويثبتون الأسماء، الجهمية ينفون جميع الأسماء والصفات، الفلاسفة والباطنية ينفون النفي والإثبات، فكل واحد منهم سيلزم الآخر بهذا الضابط.
{قال -رحمه الله-: (فَمُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ - كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ)}، كم صفة؟ سبع صفات، وهؤلاء من هم؟ الأشاعرة والماتريدية ومن قال بقولهم، يسمونها الصفات المعنوية أو الصفات العقلية.
{(إذَا قَالَتْ لَهُمْ النفاة كَالْمُعْتَزِلَةِ: هَذَا تَجْسِيمٌ)} هذا جواب المعتزلة على الأشاعرة، فيقول المعتزلة للأشاعرة: إذا أثبتم الصفات السبع يلزمكم أن تقولوا بالتجسيم، هل سيلتزم الأشاعرة بهذا اللازم؟ لا يلتزمون، لكن إذا أرادوا الرد على أهل السنة تناقضوا، المعتزلة يقولون للأشاعرة والماتريدية يلزمكم التجسيم، ماذا سيجيب؟ لماذا المعتزلة ألزموا الأشاعرة والماتريدية بأن هذا تجسيم؟ قالوا:
{(لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ إلَّا بِالْجِسْمِ أَوْ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ إلَّا جِسْمًا. قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ: وَأَنْتُمْ قَدْ قُلْتُمْ: إنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)}، من يقصد بالمثبتة؟
الصفاتية، الأشاعرة والماتريدية في ردهم على المعتزلة الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات.
{(وَقُلْتُمْ: لَيْسَ بِجِسْمِ؛ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَوْجُودًا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إلَّا جِسْمًا فَقَدْ أَثْبَتُّمُوهُ عَلَى خِلَافِ مَا عَلِمْتُمْ فَكَذَلِكَ نَحْنُ)}.
يعني يقولون: إننا نقول في الصفات السبع كما تقولوا أنتم في الأسماء.
{(وَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا؛ بِلَا حَيَاةٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا قُدْرَةٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ)}.
وهذا التناقض الذي يعلم بضرورة العقل، يقال في إثبات سبع صفات ونفي الباقي، أو يقال في إثبات الأسماء ونفي الصفات، فيدل على أن هذا المسلك فيه تناقض ظاهر لدى جميع العقلاء، طبعًا هذا الوجه الرابع.
ممكن أن يضاف وجه خامس ويقال: إن هذا الضابط وهو نفي التجسيم فيه مخالفة للغة، ومر معنا أن الجسم يحتاج فيه إلى بيان المراد، ماذا تقصد بالجسم؟ ثم أيضًا أدلة الشرع لم ترد بنفي الجسم ولا التحيز، وبالتالي فهي من المصطلحات الحادثة التي لم يرد بها كتاب ولا سنة ولم يقل بها أحد من سلف الأمة، فهو ضابط غير سديد وغير مفيد، ولهذا لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل هو أمر أحدثه المتكلمون ولم يقل به أحد من سلف الأمة.
{قال -رحمه الله-: (ثُمَّ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتُونَ إذَا قَالُوا لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ بِالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ أَوْ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا قَالُوا: هَذَا يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ)}.
يعني: هؤلاء الصفاتية الأشاعرة والماتريدية يقولون لأهل السنة ما قاله المعتزلة لهم، لاحظ التناقض، فهم إذا ناقشوا المعتزلة بوجه وإذا ناقشوا أهل السنة بوجه آخر، هذا ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، المعتزلي لَمَّا ألزموه باللازم وهم أرادوا التنكر له والفرار منه ذهبوا إلى السُّنة وألزموه بنفس كلام المعتزلة الذي ألزموهم به.
(قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ) وهم المثبتة لجميع الصفات.
{(قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ: فَأَنْتُمْ قَدْ وَصَفْتُمُوهُ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَهَذَا هَكَذَا؛ فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ إلَّا الْجِسْمُ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوصَفَ بِأَحَدِهِمَا مَا لَيْسَ بِجِسْمِ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ؛ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ)}.
وهذا مر معنا في أي أصل؟ في الأصل الأول: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، لا فرق بين ما أثبت وبين ما نفيت.
{قال -رحمه الله-: (وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ طَرِيقًا فَاسِدًا: لَمْ يَسْلُكْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ)}، وهذا هو الوجه السادس الذي قلنا إن هذا ضابط محدث، طريقة محدثة لم يرد فيها كتاب ولا سنة ولم يسلكها أحد من سلف الأمة.
{(فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ بِالْجِسْمِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَا بِالْجَوْهَرِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَارَاتٌ مُجْمَلَةٌ)}، وهذه للأسف تكثر في كتب المتكلمين، المصطلحات الحادثة تكثر في كتب المتكلمين وهي عبارات مجملة محدثة.
{(وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَارَاتٌ مُجْمَلَةٌ لَا تُحِقُّ حَقًّا وَلَا تُبْطِلُ بَاطِلًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ عَلَى الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ: مَا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ بَلْ هَذَا هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ)}.
إذاً هذا الضابط الذي ذكره المتكلمون في تنزيه الرب عن النقائص بنفي التجسيم والتحيز ضابط غير صحيح وغير سديد وغير مفيد، كما قيل في نفي التشبيه، أيضًا ضابط غير صحيح وغير سديد وغير مفيد.
بعد أن تحدث في ضوابط النفي انتقل في ضوابط الإثبات، وهم أيضًا طبقوا هذه الضوابط في الإثبات ويقال فيها ما يقال في النفي.
{قال: (فَصْلٌ: فَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ الْمُثْبَتَ لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ إذْ لَوْ كَفَى فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ لَجَازَ أَنْ يُوصَفَ سُبْحَانَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَالْأَفْعَالِ بِمَا لَا يَكَادُ يُحْصَى مِمَّا هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ - مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَأَنْ يُوصَفَ بِالنَّقَائِصِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ كَمَا لَوْ وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيه)}.
بمعنى قد يقول قائل: إذا قلتم إنه لا يجوز في النفي الاعتماد على مجرد نفي التشبيه وعلى مجرد نفي التجسيم والتحيز، هل يعتمد في الإثبات على نفي التشبيه والتجسيم والتحيز؟ فيقال: لا يعتمد، ولذلك اليهود لما اعترض عليهم هؤلاء، قالوا: ما الذي يمنع؟ أن نثبتها وننفي التجسيم والتشبيه، فقد يدعي مدعٍ في صفات الرب -تبارك وتعالى- ثم يزعم أنه يثبتها من غير تشيبه ولا تجسيم، أيضًا يقول هذا الضابط غير سديد وغير مفيد، لماذا؟
يقول: (وَأَمَّا فِي طُرُقِ الْإِثْبَاتِ) بعد أن انتهى من طرق النفي، (طُرُقِ الْإِثْبَاتِ) أي: إثبات الصفات للرب، (فَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ الْمُثْبَتَ لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ) بل يحتاج في إثبات الدليل الشرعي لتثبت به هذه الصفة، (إذْ لَوْ كَفَى فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ لَجَازَ أَنْ يُوصَفَ الرب -تبارك وتعالى- مِنْ الْأَعْضَاءِ وَالْأَفْعَالِ بِمَا لَا يَكَادُ يُحْصَى مِمَّا هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ - مَعَ) دعوى (نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَأَنْ يُوصَفَ بِالنَّقَائِصِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ)، كما مر معنا في اعتراض اليهود على جواب المتكلمين، (كَمَا لَوْ وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ)، ثم يزعم أنه يثبتها (مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيه).
فإذًا نقول: هذا الضابط أيضًا غير سديد، لأنه سيفتح الباب لوصف الرب -تبارك وتعالى- بالنقائص.
{قال -رحمه الله-: (وَكَمَا لَوْ قَالَ الْمُفْتَرِي: يَأْكُلُ لَا كَأَكْلِ الْعِبَادِ وَيَشْرَبُ لَا كَشُرْبِهِمْ وَيَبْكِي وَيَحْزَنُ لَا كَبُكَائِهِمْ وَلَا حُزْنِهِمْ؛ كَمَا يُقَالُ يَضْحَكُ لَا كَضَحِكِهِمْ وَيَفْرَحُ لَا كَفَرَحِهِمْ وَيَتَكَلَّمُ لَا كَكَلَامِهِمْ. وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ: لَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ لَا كَأَعْضَائِهِمْ كَمَا قِيلَ: لَهُ وَجْهٌ لَا كَوُجُوهِهِمْ وَيَدَانِ لَا كَأَيْدِيهِمْ. حَتَّى يَذْكُرَ الْمَعِدَةَ وَالْأَمْعَاءَ وَالذَّكَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرً)}.
وهذه اللوازم لازمة لمن يقول بهذا الضابط، وهذه اللوازم الباطلة والفاسدة تدل على فساد ذلكم الضابط، وهو دعواهم أنه ممكن أن تثبت الصفات للرب وأنه يصفه بما يشاء مع دعوى نفي التشبيه، ونقول أيضًا: هذا الضابط غير سديد وغير صحيح؛ لأنه سيوصف الرب -تبارك وتعالى- بالنقائص.
{قال -رحمه الله-: (فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا أَثْبَتَّهُ إذَا نَفَيْت التَّشْبِيهَ وَجَعَلْت مُجَرَّدَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ كَافِيًا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا بُدُّ مِنْ إثْبَاتِ فَرْقٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ)}.
هذا من باب الإلزام للمخالف، (فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ) أي: نفي التجسيم مع إثبات هذه النقائص، (فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا أَثْبَتَّهُ إذَا نَفَيْت التَّشْبِيهَ وَجَعَلْت مُجَرَّدَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ كَافِيً) فقط، بمعنى ذلك أنك تصف الرب بما تشاء مع دعوى نفي التشبيه، هذا ضابط لا ينضبط، فلا بدَّ من إثبات الفرق في نفس الأمر.
{(فَإِنْ قَالَ: الْعُمْدَةُ فِي الْفَرْقِ هُوَ السَّمْعُ فَمَا جَاءَ بِهِ السَّمْعُ أَثْبَتَهُ دُونَ مَا لَمْ يَجِئْ بِهِ السَّمْعُ)}.
لاحظ هنا حتى يفهم، لو قيل له ما الفرق بين ما تثبته وما تنفيه؟ فيقول: العمدة في الفرق يكون في السمع فما جاء السمع بنفيه ينفيه، وما لم يرد السمع بنفيه فهو يثبته، وتقدم لنا في ضوابط أهل السنة والجماعة أنهم يثبتون لله ما أثبته وينفون عن الله ما نفاه، وما لم يرد فيه نفي ولا إثبات فالباب باب توقف، هو يقول لا، يقول: ما ورد السمع بنفيه فلا إشكال فيه، وما لم يرد السمع فيه بنفيه فهو يثبته مع دعوى التشبيه.
يعني مثال: يقول لك: السمع لم يرد بنفي الكبد والطحال، فما دام السمع لم يرد بنفيها فهو يثبتها، ويقول: من غير تشبيه ولا تجسيم، الشيخ يجيب على هذا الضابط فيقول.
{(قِيلَ لَهُ أَوَّلًا: السَّمْعُ هُوَ خَبَرُ الصَّادِقِ عَمَّا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ فَهُوَ حَقٌّ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ)}.
الصفات الثبوتية والصفات المنفية، لكن الكلام فيما لم يرد به نفي ولا إثبات، هذا واحد. وثانيا، وهذا تقدم لنا.
{(وَالْخَبَرُ دَلِيلٌ عَلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ لَا يَنْعَكِسُ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ؛ إذَا لَمْ يَكُنْ نَفَاهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّمْعَ لَمْ يَنْفِ هَذِهِ الْأُمُورَ بِأَسْمَائِهَا الْخَاصَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يَنْفِيهَا مِنْ السَّمْعِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ نَفْيُهَا كَمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَ)}.
وهذا سؤال مهم: كما أن المثبت يطالب بالدليل، فالنافي يطالب بالدليل، ولذلك يقال: هل كل وصف لم يرد به دليل سمعي بنفيه فالله منزه عنه؟ هذا السؤال وارد، أو يقال: هل من الطرق الصحيحة الاعتماد في التنزيه على مجرد عدم وجود الدليل السمعي؟ لا شك أن الرب -تبارك وتعالى- له صفات استأثر بعلمها، فهذا مما استأثر بعلمه ليس لنا أن نتجاسر على إثباته أو نتجاسر على نفيه، هم يقولون: في النفي ما دام الدليل الشرعي لم يرد بنفيه فيمكن إثباته مع ضابط نفي التشبيه، هذا هو موضع البحث.
فيقول: المثبت عليه الدليل، فالنافي عليه الدليل، (وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّمْعَ لَمْ يَنْفِ هَذِهِ الْأُمُورَ بِأَسْمَائِهَ) التي ذكرتموها، (فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يَنْفِيهَا مِنْ السَّمْعِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ نَفْيُهَا كَمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَ)، وهذه قاعدة مهمة: ما ورد به الدليل في النفي ننفيه، وما ورد به الدليل في الإثبات نثبته، وما لم يرد به دليل في نفي ولا إثبات هو التوقف.
ثم قال أيضًا قاعدة مهمة في هذا الباب.
{قال -رحمه الله-: (وَأَيْضًا: فَلَا بُدَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ مَا يُثْبَتُ لَهُ وَيُنْفَى فَإِنَّ الْأُمُورَ الْمُتَمَاثِلَةَ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ: يَمْتَنِعُ اخْتِصَاصُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُثْبِتِ بِمَا يَخُصُّهُ بِالنَّفْيِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الثَّابِتِ عَنْ الْمَنْفِيِّ بِمَا يَخُصُّهُ بِالثُّبُوتِ)}.
وهذه قاعدة مهمة في هذا الباب وهي تعتبر أيضًا من الضوابط الصحيحة، : (فَلَا بُدَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ مَا يُثْبَتُ لَهُ وَيُنْفَى عنه فَإِنَّ الْأُمُورَ الْمُتَمَاثِلَةَ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ: يَمْتَنِعُ اخْتِصَاصُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فِي الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُثْبِتِ بِمَا يَخُصُّهُ بِالنَّفْيِ وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِ الثَّابِتِ عَنْ الْمَنْفِيِّ بِمَا يَخُصُّهُ بِالثُّبُوتِ).
هو الآن سيذكر الضوابط الصحيحة، وضح ذلك بما قبله، قال: (وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ) من باب إيضاح القاعدة.
{قال -رحمه الله-: (وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُوجِبُ نَفْيَ مَا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُثْبِتُ لَهُ مَا هُوَ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَ السَّمْعُ كَافِيًا كَانَ مُخْبِرًا عَمَّا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فَمَا الْفَرْقُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ؟)}.
الجواب، قال.
{قال -رحمه الله-: (فَيُقَالُ: كُلَّمَا نُفِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ فَإِنَّ ثُبُوتَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْقِدَمِ: عُلِمَ امْتِنَاعُ الْعَدَمِ وَالْحُدُوثِ عَلَيْهِ وَعُلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ فَالْمُفْتَقِرُ إلَى مَا سِوَاهُ فِي بَعْضِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ: لَيْسَ هُوَ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ بَلْ بِنَفَسِهِ وَبِذَلِكَ الْآخَرِ الَّذِي أَعْطَاهُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ نَفْسُهُ فَلَا يُوجَدُ إلَّا بِهِ)}.
وهذا من الضوابط المهمة: وهو أن الصفات الثبوتية تتضمن نفي ضدها من الصفات، يعني تتضمن الكمال المطلق ونفي ضدها، الصفات المنفية تتضمن ضدها إثبات صفات الكمال.
مثال: نفي (السِنة والنوم) يلزم منه ماذا؟ إثبات القيومية.
إثبات صفة (الحياة) يلزم منه نفي صفة الموت، وهو يقول: (كُلَّمَا نُفِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ)، وهذا ضابط مُهم، ويعطيك اللوازم؛ لأن دلالة الأسماء على ذات الرب وصفاته لها ثلاثة أنواع: دلالة تطابق، ودلالة تضمن، ودلالة التزام، بمعنى أنه لوازم، اللوازم التي تلزم من إثبات هذه الصفات سواءً في النفي أو في الإثبات، فهو يضع أن هذه اللوازم للصفات المثبتة والصفات المنفية ضابط معتبر وضابط سديد، فيقال: (كُلَّمَا نُفِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ) قطعاً، لأن هذا من لوازم إثبات الصفة وإثبات الاسم.
(فَإِنَّ ثُبُوتَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ قَدِيمٌ) على مصطلح المتكلمين (وَاجِبُ الْقِدَمِ)، ماذا يلزم منه؟ (عُلِمَ امْتِنَاعُ الْعَدَمِ وَالْحُدُوثِ عَلَيْهِ) وإن لم ينص على ذلك، لكنه لازم هذه الصفات، (وَعُلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ) لاحظ أيضًا أن هذه الضوابط صحيحة، (فَالْمُفْتَقِرُ إلَى مَا سِوَاهُ فِي بَعْضِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ: لَيْسَ هُوَ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ) .. إلى آخر الكلام مما يدل على صحة هذا الضابط، وهو لوازم الصفات المثبتة ولوازم الصفات المنفية.
أيضًا قال من الضوابط وبه يختم هذا الفصل.
{قال -رحمه الله-: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ فَكُلُّ مَا نَافَى غِنَاهُ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدِيرٌ قَوِيٌّ فَكُلُّ مَا نَافَى قُدْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ حَيٌّ قَيُّومٌ فَكُلُّ مَا نَافَى حَيَاتَهُ وقيوميته فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ)}.
وهذه الضوابط الصحيحة وخلافًا لضابط المتكلم.
{(وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّمْعُ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِ الْكَمَالِ مَا قَدْ وَرَدَ فَكُلُّ مَا ضَادَّ ذَلِكَ فَالسَّمْعُ يَنْفِيه كَمَا يَنْفِي عَنْهُ الْمِثْلَ وَالْكُفُؤَ فَإِنَّ إثْبَاتَ الشَّيْءِ نَفْيٌ لِضِدِّهِ وَلِمَا يَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُ وَالْعَقْلُ يَعْرِفُ نَفْيَ ذَلِكَ كَمَا يَعْرِفُ إثْبَاتَ ضِدِّهِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ نَفْيٌ لِلْآخَرِ وَلِمَا يَسْتَلْزِمُهُ)}.
وهذه تقدمت في ضوابط الإثبات وضوابط النفي عند أهل السنة وعند السلف والأئمة؛ لأن النفي له ضوابط والإثبات له ضوابط ومنها اللوازم وهي ضوابط صحيحة.
{(فَطُرُقُ الْعِلْمِ بِنَفْيِ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ مُتَّسِعَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ كَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ: الَّذِينَ تَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا احْتَجَّ عَلَيْهِ مَنْ نَفَاهُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ)}.
هذا خلاصة ما سبق، يعني: يقول إن الطرق التي ينزه عنها الرب مما جاءت في الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة متسعة، ليست منحصرة في نفي التشبيه أو بنفي التجسيم أو نفي التحيز، بل ينظر في صفات الكمال وما يضادها وفي الصفات المنفية وما يضادها، (فَطُرُقُ الْعِلْمِ بِنَفْيِ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ مُتَّسِعَةٌ) ليست منحصرة بما ادعاه المتكلمون في هذه الضوابط الفاسدة غير السديدة وغير المفيدة، (لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ) كما يدعي المتكلمون، (كَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ)، أهل القصور يعني الذين قصورهم في منهج طرائق الاستدلال، وهو صفة لازمة لهم، والتقصير عدم استقصاء الأدلة التي جاءت والأقوال التي جاءت عن سلف الأمة، فالقصور وصف لازم، منهج، وأما التقصير فهو يمكنه أن يصل للحق لو بحث ولكنه قصر في البحث عنه.
(الَّذِينَ تَنَاقَضُو) -كما تقدم- (فِي ذَلِكَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ)، ولهذا اضطربوا، يثبتون صفات وينفون صفات، يثبتون الأسماء وينفون الصفات، (حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا احْتَجَّ عَلَيْهِ مَنْ نَفَاهُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ) كما تقدم في التناقض بين المتكلمين في هذه الضوابط.
{قال -رحمه الله-: (وَكَذَلِكَ احْتَجَّ الْقَرَامِطَةُ عَلَى نَفْيِ جَمِيعِ الْأُمُورِ حَتَّى نَفَوْا النَّفْيَ فَقَالُوا: لَا يُقَالُ لَا مَوْجُودَ وَلَا لَيْسَ بِمَوْجُودِ وَلَا حَيَّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِالْمَوْجُودِ أَوْ الْمَعْدُومِ فَلَزِمَ نَفْيُ النَّقِيضَيْنِ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَشْيَاءِ امْتِنَاعً)}.
يعني: تسلط عليهم القرامطة والباطنية على المتكلمين بنفس دليلهم، بنفس نفي التشبيه ونفي التجسيم مما يدل على بطلان هذا الضابط.
{قال: (ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ يَلْزَمُهُمْ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْتَنِعَاتِ وَالْجَمَادَاتِ: أَعْظَمُ مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْأَحْيَاءِ الْكَامِلِينَ فَطُرُقُ تَنْزِيهِهِ وَتَقْدِيسِهِ عَمَّا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ مُتَّسِعَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى هَذَ)}.
بمعنى أنه مما يُبَيِّنُ فساد هذا الضابط، وهو أنهم أرادوا تنزيه الرب عن النقائص بنفي التشبيه والتجسيم والتحيز، فوقعوا فيما هو أشر من ذلك وأكثر فساداً.
{(وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا يُنْفَى عَنْهُ - سُبْحَانَهُ - النَّفْيُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِثْبَاتِ إذْ مُجَرَّدُ النَّفْيِ لَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا كَمَالَ)}.
هذه هي الضوابط الصحيحة، ضوابط النفي وضوابط الإثبات التي مرت وأكد عليها كثيرًا، هذه الضوابط الصحيحة.
{(فَإِنَّ الْمَعْدُومَ يُوصَفُ بِالنَّفْيِ وَالْمَعْدُومَ لَا يُشْبِهُ الْمَوْجُودَاتِ وَلَيْسَ هَذَا مَدْحًا لَهُ لِأَنَّ مُشَابَهَةَ النَّاقِصِ فِي صِفَاتِ النَّقْصِ نَقْصٌ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ مُمَاثَلَةَ الْمَخْلُوقِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ تَمْثِيلٌ وَتَشْبِيهٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)}.
ولهذا أهل السنة يثبتون إثباتًا من غير تمثيل وينزهون تنزيهًا من غير تعطيل، كما قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11].
{قال: (وَالنَّقْصُ ضِدُّ الْكَمَالِ؛ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ وَالْمَوْتُ ضِدُّ ذَلِكَ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ؛ وَكَذَلِكَ النَّوْمُ وَالسِّنَةُ ضِدَّ كَمَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ اللُّغُوبُ نَقْصٌ فِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ فِيهِ افْتِقَارٌ إلَى مَوْجُودٍ غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْغَيْرِ وَالِاعْتِضَادَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ تَتَضَمَّنُ الِافْتِقَارَ إلَيْهِ وَالِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ)}.
بمعنى أنه لوازم النفي وأنه يتضمن إثبات صفات الكمال وغنى الرب -تبارك وتعالى-، وهذا من الضوابط الصحيحة.
{(وَكُلُّ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْمِلُهُ أَوْ يُعِينُهُ عَلَى قِيَامِ ذَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ لَيْسَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ مَنْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَالْآكِلُ وَالشَّارِبُ أَجْوَفُ وَالْمُصْمَتُ الصَّمَدُ أَكْمَلُ مِنْ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ صمدا لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِمَخْلُوقِ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ وَكُلُّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ)}.
وهذا ضابط صحيح وقد تقدم، هذا ضابط صحيح من الضوابط الصحيحة في هذا الباب، وهو قياس الأولى، (أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ) للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه (فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ)، ﴿وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى﴾ [النحل: 60]، (وَكُلُّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ)، أيضًا هذا من الضوابط الصحيحة خلافًا لطريقة المتكلمين.
{قال -رحمه الله-: (وَالسَّمْعُ قَدْ نَفَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ وَالصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَهَذِهِ السُّورَةُ هِيَ نَسَبُ الرَّحْمَنِ أَوْ هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ)}.
هذا الباب في ضوابط الإثبات، تنزيه الرب -تبارك وتعالى-.
{(وَقَالَ فِي حَقِّ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ فَجَعَلَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى)}.
يسميها طريقة الأولى والأحرى التي هي قياس الأولى.
{قال: (وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ: هِيَ أَعْضَاءُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَالْغَنِيُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ: مُنَزَّهٌ عَنْ آلَاتِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِنَّهَا لِلْعَمَلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِالْعَمَلِ وَالْفِعْلِ؛ إذْ ذَاكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ)}.
يعني هنا قد يقال: ما الفرق بين ما ينزه عنه الرب وبين ما يثبت له؟ وهذه المسائل ذكرها هنا إجمالاً وقد فصلها في الرسالة الأكملية بأوسع منها.
{قال: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَعَنْ آلَاتِ ذَلِكَ وَأَسْبَابِهِ وَكَذَلِكَ الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ: هُوَ مُسْتَلْزِمٌ الضَّعْفَ وَالْعَجْزَ الَّذِي يُنَزَّهُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ؛ بِخِلَافِ الْفَرَحِ وَالْغَضَبِ: فَإِنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَكَمَا يُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ دُونَ الْعَجْزِ وَبِالْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَبِالْحَيَاةِ دُونَ الْمَوْتِ وَبِالسَّمْعِ دُونَ الصَّمَمِ وَبِالْبَصَرِ دُونَ الْعَمَى وَبِالْكَلَامِ دُونَ الْبُكْمِ: فَكَذَلِكَ يُوصَفُ بِالْفَرَحِ دُونَ الْحُزْنِ وَبِالضَّحِكِ دُونَ الْبُكَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ)}.
يعني هذه من الضوابط، كل صفة الكمال فالخالق أولى.
{(وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ مَا أَثْبَتَهُ السَّمْعُ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا كُفُؤَ لَهُ وَلَا سَمِيَّ لَهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَتُهُ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ)}.
وهذه من الضوابط الصحيحة، نفي المماثلة كما قال -عز وجل-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ، فنقول هذا هو الضابط الصحيح الذي وردت فيه النصوص الشرعية، نفي المماثلة.
{(فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ لَا الْمَلَائِكَةِ وَلَا السَّمَوَاتِ وَلَا الْكَوَاكِبِ وَلَا الْهَوَاءِ وَلَا الْمَاءِ وَلَا الْأَرْضِ وَلَا الْآدَمِيِّينَ وَلَا أَبْدَانِهِمْ وَلَا أَنْفُسِهِمْ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ عَنْ مُمَاثَلَاتِ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ أَبْعَدُ مِنْ سَائِرِ الْحَقَائِقِ وَأَنَّ مُمَاثَلَتَهُ لِشَيْءِ مِنْهَا أَبْعَدُ مِنْ مُمَاثَلَةِ حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لِحَقِيقَةِ مَخْلُوقٍ آخَرَ)}.
وهذه لاحظ لَمَّا ذكر الضوابط الفاسدة ذكر الضوابط الصحيحة التي دلت عليها الأدلة من الكتاب والسنة.
{قال: (فَإِنَّ الْحَقِيقَتَيْنِ إذَا تَمَاثَلَتَا: جَازَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَجُوزُ عَلَى الْأُخْرَى وَوَجَبَ لَهَا مَا وَجَبَ لَهَا. فَيَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى الْخَالِقِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْعَدَمِ وَالْحَاجَةِ وَأَنْ يُثْبَتَ لِهَذَا مَا يُثْبَتُ لِذَلِكَ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْفَنَاءِ فَيَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنُ النَّقِيضَيْنِ)}.
ولهذا نفت النصوص المماثلة؛ لأن ذلك منزه عنه الرب -تبارك وتعالى-.
{(وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ بُطْلَانُ قَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: بَصَرٌ كَبَصَرِي أَوْ يَدٌ كَيَدِي وَنَحْوِ ذَلِكَ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرً)}.
لاحظ مناقشة ابن تيمية للمشبهة قبل قليل عدم انتشارهم وضعف شبههم، لكن هنا أشار بأن هذا مما يعلم به بطلان قول المشبهة، قد يقول قائل: هل هؤلاء المعطلة مشبهة؟ هل هؤلاء المعطلة للصفات كالأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والجهمية، هل هم مشبهة؟
هم مشبهة في الفهم الأول، فهم فهموا من ظواهر النصوص التشبيه؛ لأنهم فهموا من إثبات المجيء وإثبات الاستواء وإثبات النزول أنه مثل المخلوق، فهو مشبه من هذا الوجه، في الفهم ابتداءً، ثم أرادوا الفرار من هذا الفهم فوقعوا في تشبيه آخر، فروا من تشبيهه بالمخلوقات الحية فشبهوه بالجمادات، هم مشبهة أو لا؟ مشبهة شبهوه بالجمادات، ومنهم من أراد الفرار من تشبيهه بالجمادات فنفى الصفات فشبهه بالمعدومات، ومنهم من أراد الفرار من تشبيهه بالمعدومات فشبهه بالممتنعات المستحيلات.
الواقع أن هؤلاء المعطلة هم مشبهة أيضًا؛ لأنهم شبهوا أولاً، ثم عطلوا ثانيًا، ثم شبهوا ثالثًا، ولا بدَّ لهم من هذا وإلا وقعوا في التناقض.
{قال -رحمه الله-: (وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا اسْتِيفَاءَ مَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ وَاسْتِيفَاءَ طُرُقِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ)}.
يعني: ليس المقصود هنا أن يبن الضوابط الصحيحة للإثبات والضوابط الصحيحة للنفي، وأيضًا نشير إلى الضوابط الفاسدة عند المتكلمين في الإثبات والضوابط الفاسدة عند النفي، (وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ) بهذه القاعدة المختصرة (اسْتِيفَاءَ مَا يَثْبُتُ لَهُ) أي ضوابط ذلك، (وَلَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ) أي ضوابط ذلك سواءً كانت صحيحة وفاسدة، (وَاسْتِيفَاءَ طُرُقِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ)، بسطه في الرسالة الأكملية وهذا بسطه في درء تعارض العقل والنقل، بسطه في نقض تأسيس الجهمية إلى غير ذلك.
إنما المقصود بهذه القاعدة وهي الحقيقة من أعمق القواعد وأدق القواعد هذه القاعدة الثالثة وفيها طول ولهذا استغرقت معنا ثلاثة دروس، قال: (وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ ) بهذه القاعدة.
(وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى جَوَامِعِ ذَلِكَ وَطُرُقِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ السَّمْعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا يَنْفِيه سَكَتْنَا عَنْهُ فَلَا نُثْبِتُهُ وَلَا نَنْفِيه. فَنُثْبِتُ مَا عَلِمْنَا ثُبُوتَهُ وَنَنْفِي مَا عَلِمْنَا نَفْيَهُ وَنَسْكُتُ عَمَّا لَا نَعْلَمُ نَفْيَهُ وَلَا إثْبَاتَهُ وَاَللَّهُ -سبحانه وتعالى- أَعْلَمُ)}.
إذًا وهذا ملخص لهذه القاعدة وأيضًا تأكيد لما ذكره في أول الأصل، بأن طرائق أهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه، وينفون لله ما نفاه عن نفسه، وما لم يرد فيه نفي ولا إثبات فهو السكوت، لماذا؟ لأن الله -عز وجل- له أسماء وصفات استأثر بعلمها.
هذا ما يقال في خلاصة هذه القاعدة والتي عنون لها بقوله: (لَا بُدَّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ ضَابِطٍ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ)، ثم ذكر ضابطين فاسدين عند المتكلمين ونفي التشبيه مجرد نفي التشبيه، ودعوى مجرد نفي التجسيم والتحيز، ثم أشار إلى الضوابط الصحيحة عند أهل السنة والجماعة مما دل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة.
بهذا تنتهي هذه القاعدة، يبقى معنا القاعدة الثالثة والأخيرة في هذا الباب، أسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح والتوفيق لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم}.
وإياكم والإخوة والأخوات، المستمعين والمستمعات.
{وفي الختام هذه تحية عطرة من فريق البرنامج، ومني أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد بن عمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك