الدرس السابع

فضيلة الشيخ د. سهل بن رفاع العتيبي

إحصائية السلسلة

2008 22
الدرس السابع

العقيدة التدمرية

{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أرحب بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات "البناء العلمي" وأرحب بفضيلة الشيخ الدكتور/ سهل بن رفاع العتيبي، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات، والأبناء الطلاب والطالبات في برنامج "البناء العلمي" وفي الدرس السابع من دروس العقيدة التدمرية المسماة بتحقيق الإثبات للأسماء والصفات، وبيان حقيقة الجمع بين الشرع والقدر، وأسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- عند قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا: اتِّفَاقُ الْمُسَمَّيَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: لَيْسَ هُوَ التَّشْبِيه وَالتَّمْثِيل الَّذِي نَفَتْهُ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّاتُ وَالْعَقْلِيَّاتُ وَإِنَّمَا نَفَتْ مَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاكَهُمَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْخَالِقُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِوُجُوبِهِ أَوْ جَوَازِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَكَهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ وَلَا يَشْرَكَهُ مَخْلُوقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى كل من صلى وسلم عليه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا حي يا قيوم، أمَّا بعد.
فلا يزال الحديث موصولًا في ردِّ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على اعتراض الباطنية وهم الطائفة الرابعة الذين ناقشهم في هذا الأصل، وهو القول في بعض الصفات كالقول في البعض، فناقش الطائفة الأولى الذين أثبتوا بعض الصفات ونفوا بقية الصفات، ثم الطائفة الثانية الذين أثبتوا الأسماء ونفوا جميع الصفات، ثم الطائفة الثالثة الذين وصفوا الخالق بالسلب، ثم الطائفة الرابعة وهم الذين قالوا ننفي النفي والإثبات، وهؤلاء هم الباطنية.
فبين في الجواب أن النفي والإثبات يلزم منه تشبيه الخالق بالممتنعات؛ لأن هذا جمع بين نقيضين، والجمع بين النقيضين ممتنع كارتفاع النقيضين، اعترضوا هُم على هذا الجواب، وقالوا: الجمع بين النقيضين إنما ينتفي في حق من يكون قابلاً لهم، وقالوا: إن الخالق لا يقبل النقيضين في هذا الباب وهما الوجود والعدم والحياة والموت والعلم والجهل، فأجاب على هذا الاعتراض من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: قال على فرض المنع وعدم التسليم، أن هذا لا يصح في الوجود والعدم، يعني: أن تقول أن الخالق لا يقبل هذه الأشياء إنما هذه الأشياء يقبلها من يكون مالكاً لها، وقالوا: إن الصفات تتقابل تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب، وبالتالي نفوا هذه الصفات بناءً على هذه الشبهات، فقال إن هذا لا يصح في مثل هذه الصفات، يعني: تقابل العدم والملَكة لا يصح في الوجود والعدم والحياة والموت والعلم والجهل، هذا هو الوجه الأول، فهو المنع وعدم التسليم بأن الصفات لا تكون من باب الملكة وعدمها وإنما من باب السَّلبِ والإيجاب.
الجواب الثاني أيضًا: قال لهم: إنَّ الذي لا يقبل هذه الصفات أشد امتناعاً من الذي يقبل هذه الصفات، فأنتم فررتم من تشبيهه بالجمادات التي لا تقبل هذه الصفات وشبهتموه بما هو أسوء بالممتنعات.
أمَّا الوجه الثالث وهو الذي ذكره هنا وذكرناه في الدرس السابق:
 قال في الجواب الثالث على اعتراضهم: إنَّ اتفاق المسميين في بعض الأسماء والصفات ليس هو التشبيه والتمثيل الذي نفته الأدلة السمعية والأدلة العقلية.
إذاً يقال ما الذي نفته الأدلة السمعية والعقلية؟
الذي نفته هو التماثل عند التقييد والإضافة والتخصيص، وأما الاسم المشترك ليس هذا هو الذي نفته النصوص، بل النصوص أثبتت هذا القدر المشترك عند الإطلاق، وأما التمثيل الذي نفته النصوص هو عند التقييد والإضافة والتخصيص، ولهذا قال: (اتِّفَاقُ الْمُسَمَّيَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ) الذي هو عند الإطلاق، يقول الخالق موجود والمخلوق موجود، الخالق متصفٌ بصفة العلم والمخلوق متصف بصفة العلم، هذا هو قدر ومشترك عند الإطلاق، فاتفاق المسميين في بعض الأسماء والصفات كما دلت عليه النصوص ليس هو التمثيل الذي نفته النصوص.
إذاً ما هو التمثيل الذي نفته النصوص؟ هو التماثل حال التقييد والإضافة والتخصيص، قال: (لَيْسَ هُوَ التَّشْبِيهَ وَالتَّمْثِيلَ الَّذِي نَفَتْهُ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّاتُ وَالْعَقْلِيَّاتُ) وتلاحظ أنه كرر هذا ونوع في الأدلة وسيأتي أيضًا بمزيد من الأدلة والأمثلة التي تكشف هذه الشبهة، التي هي شبهة معطلة الصفات عموماً.
قال: (الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّاتُ وَالْعَقْلِيَّاتُ وَإِنَّمَا نَفَتْ مَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاكَهُمَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْخَالِقُ) يعني: كحال التقييد والتخصيص والإضافة، (مِمَّا يَخْتَصُّ بِوُجُوبِهِ) كالحياة الأزلية والقدرة المطلقة والعلم المحيط بكل شيء، وهذا مما يختص بوجوبه أو ما يختص بجوازه كالكلام والنزول والمجيء أو امتناعه كصفات النقص الممتنعة عن الخالق -عز وجل-.
قال فعليه: (فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَكَهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ) فيما اختص به، وهذا الذي نفته النصوص، هذا هو التمثيل الذي نفته النصوص، (وَلَا يَشْرَكَهُ مَخْلُوقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى)، فهذا هو المنفي، فلاحظ أنهم جعلوا المنفي منسحب على الاسم المشترك عند الإطلاق الذي أثبتته النصوص، فجعلوا ما نفته النصوص هو الذي أثبتته النصوص الأخرى، فوقعوا في التناقض الذي تنفيه الأدلة السمعية والأدلة العقلية، ثم وضع قاعدة مُهمة لطالب العلم ومُفيدة ونحن توقفنا عندها في المجلس العلمي السابق.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا مَا نَفَيْته فَهُوَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَتَسْمِيَتُك ذَلِكَ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا تَمْوِيهٌ عَلَى الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى سَمَّاهُ مُسَمٍّ بِهَذَا الِاسْمِ يَجِبُ نَفْيُهُ؛ وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَكَانَ كُلُّ مُبْطِلٍ يُسَمِّي الْحَقَّ بِأَسْمَاءِ يَنْفِرُ عَنْهَا بَعْضُ النَّاسِ لِيُكَذِّبَ النَّاسُ بِالْحَقِّ الْمَعْلُومِ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: أَفْسَدَتْ الْمَلَاحِدَةُ عَلَى طَوَائِفِ النَّاسِ عَقْلَهُمْ وَدِينَهُمْ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ إلَى أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالْجَهَالَةِ وَأَبْلَغِ الْغَيِّ وَالضَّلَالَةِ)}.
هذا الجزء من الرسالة مُهم جدًّا وهو يعتبر منهج لطالب العلم وهو منهج لكل مسلم في كشف تلبيسات أهل الباطل وتمويهاتهم وخداعهم، يقول في هذا الكلام النفيس المهم وأمل التنبه له، قال: (وَأَمَّا مَا نَفَيْته) وهو الصفات الثابتة للخالق -عز وجل- بدرجاتهم، منهم من نفى بعض الصفات ومنهم من نفى جميع الصفات ومنهم من نفى الأسماء والصفات، (وَأَمَّا مَا نَفَيْته) من الأسماء والصفات (فَهُوَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ) الأدلة الشرعية والأدلة العقلية تدل على ثبوت الأسماء لله -تبارك وتعالى- وكذا الصفات التي تليق به -عز وجل-، كذلك الأدلة العقلية، وهم نفوا هذه الصفات.
قال: (وَأَمَّا مَا نَفَيْته) أي: من الأسماء والصفات (فَهُوَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ) بأدلة الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وكذلك بالأدلة العقلية، هم ماذا يسمون هذا الإثبات؟ ماذا يسمون إثبات النصوص؟ وماذا يسمون الذين يثبتون الصفات للخالق؟ يسمونهم مُجسمة مُشبهة مُعطلة وربما لمزوهم بألقاب السوء، وقالوا حنابلة، إلى غير ذلك من الألقاب التي يستخدمها أهل الأهواء والباطل لأجل تزيين باطلهم وتشويه الحقائق.
قال: (وَتَسْمِيَتُك ذَلِكَ تَشْبِيهً) ادعوا أن من يثبت الصفات ويثبت المجيء للرب ويثبت النزول ويثبت الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة، يسمون المثبت مجسم (وَتَسْمِيَتُك ذَلِكَ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا تَمْوِيهٌ عَلَى الْجُهَّالِ) يعني أن هذا الخداع لا ينطوي إلا على أهل الجهل، أما أهل العلم فيعرفون ذلك، (تَمْوِيهٌ عَلَى الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى سَمَّاهُ مُسَمٍّ بِهَذَا الِاسْمِ يَجِبُ نَفْيُهُ) فينفون الأسماء والصفات التي أثبتها الله -تبارك وتعالى- لنفسه وهو أعلم بنفسه وأصدق قيل وأحسن حديث، وهكذا رسله.
ثم قال: (وَلَوْ سَاغَ هَذَ) لو ساغ هذا الباب وعطلت الأسماء والصفات ولمز من أثبتها بأنه مشبه ومجسم لبطلت الشريعة بأكملها؛ ولهذا لاحظ لما تسلط المعطلة على آيات الصفات وأحاديث الصفات بأن ظاهرها يستلزم التشبيه، جاء الفلاسفة وتسلطوا على نصوص المعاد، وجاء الباطنية وتسلطوا على نصوص الأحكام، فهم فتحوا الباب لكل جاهل وكل متلاعب، ولو ساغ هذا التأويل والتحريف وتسمية الحقائق بغير أسمائها لساغ لكل مبطل من أي مذهب، ليس معطل الصفات فقط بل منكر المعاد ومنكر الشرائع.
 (وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَكَانَ كُلُّ مُبْطِلٍ يُسَمِّي الْحَقَّ بِأَسْمَاءِ يَنْفِرُ عَنْهَا بَعْضُ النَّاسِ) أو ينفر عنها بعض الناس (لِيُكَذِّبَ النَّاسُ بِالْحَقِّ الْمَعْلُومِ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ)، وهذا الأسلوب، أسلوب المكر والخداع والتلبيس الذي يستخدم أهل الأهواء في تشويه الحقائق موجود في كل زمان ومكان، ولاحظ هؤلاء المعطلة يلمزون مثبتة الصفات بأنهم مجسمة مشبهة، ولذلك تجدهم إذا قرروا في آيات الصفات وأحاديث الصفات قرروا إما بردها إذا كان المصدر حديث آحاد وتكذيب الرواة، بل ربما تجرأوا على تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان المصدر آيات وأحاديث قالوا تحتاج إلى تأويل، وهو القول بالمجاز، أي: ليست على ظواهرها، إذا أعياهم ذلك لكثرة الإيرادات التي يوردها عليهم من يوردها، قالوا بالتفويض، بمعنى: أنها غير مفهومة المعنى.
ولهذا لَمَّا وقعوا في هذه الإشكالات زعموا كذبًا وبهتاناً أنَّ مذهب السلف هو التفويض، بمعنى أن السلف لا يفهمون معاني القرآن ولا معاني السنة، مساكين، أما هم أصحاب الخلف ففهموا المعاني، فجعلوا أنفسهم أفضل، جعلوا الحيارى التائهين أفضلَ من طريقة السلف، قالوا: إنهم فهموا ولهذا لجئوا للتأويل بأشكاله المختلفة وأعياهم ذلك فقالوا: إن هذه النصوص غير مفهومة المعنى، وهذا لا شك أنه إبطال لكلام الله وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام.
فتجد أهل الباطل يُسمون ما خَلَفَهُم من الحق بالأسماء التي تشوه الحق وتنفر الناس، المعطلة سموا مثبتة الصفات مُشبهة مُجسمة، لاحظ أيضًا في المقابل ماذا سموا مذهبهم الباطل؟ سموه التنزيه، فجعلوا التحريف والتعطيل تنزيهاً كما فعل المعتزلة، سموا تعطيل الصفات توحيدًا وسموا إنكار القدر عدلاً، وسموا الخروج على الولاة بالسيف وتكفير المسلمين، سموه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسمون باطلهم بأسماء لأجل تزيينه وخداع الناس به، ويسمون الحق بأسماء لأجل تنفير الناس عنه، وهكذا، تلاحظ في عصرنا استخدام مصطلحات فيها نوع من التمويه والخداع، مثل مصطلح الحرية، الحرية بلا حدود، الحرية تعني مثلاً إبطال الشرع، تجاوز حدود الله، أو المساواة، ومعلوم أنَّ المساواة بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات هذا ليس بعدل وليس من الشريعة، فعندما يطلق مصطلح المساواة ومصطلح الحرية، ثم يزين به الباطل ويشوه به الحق، فهذا مما يستخدمه أهل الأهواء.
وهكذا في هذا الباب يجعلون المثبت للصفات مجسم مشبه ويجعلون المعطل المحرف المكذب لله ورسوله، يسمونه منزه.
فلهذا هذا الكلام النفيس نعيد العبارة، يقول: (وَأَمَّا مَا نَفَيْته) وهو التعطيل (مَا نَفَيْته فَهُوَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَتَسْمِيَتُك ذَلِكَ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا تَمْوِيهٌ عَلَى الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى سَمَّاهُ مُسَمٍّ بِهَذَا الِاسْمِ يَجِبُ نَفْيُهُ؛ وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَكَانَ كُلُّ مُبْطِلٍ يُسَمِّي الْحَقَّ بِأَسْمَاءِ يَنْفِرُ عَنْهَا بَعْضُ النَّاسِ لِيُكَذِّبَ النَّاسُ بِالْحَقِّ الْمَعْلُومِ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ) وهو إثبات النصوص التي دلت عليها أدلة الكتاب والسنة الصحيحة ودلت عليها العقول السليمة، ثم عقب على هذا المنهج بقوله: (وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ) أي بهذا التلبيس والتمويه والخداع وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية (أَفْسَدَتْ الْمَلَاحِدَةُ عَلَى طَوَائِفِ النَّاسِ عَقْلَهُمْ وَدِينَهُمْ) أفسدت عليهم عقولهم من جهة منهج التعلم والتعامل مع أدلة الكتاب وأدلة السنة وأقوال السلف وطرائق أهل العلم، فأفسدوا عقولهم بهذا الكذب والتمويه والخداع وهو ما يُسمى في عصرنا بحرب المصطلحات واللعب بالمصطلحات، فأفسدوا على طوائف من الناس عقلهم ودينهم أيضًا، جعلوهم ينفون الصفات ومنهم من تجرأ فنفى المعاد، ومنهم من تجرأ فنفى الشرائع (حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ) بهذا الكذب والتمويه (إلَى أَعْظَمِ الْكُفْرِ) وهو الذي وقع فيه الباطنية وأصحاب وحدة الوجود، ومن الذي فتح الباب لهم؟
المؤولة هم فُتحوا الباب وجرءوهم على هذا، (حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ وَالْجَهَالَةِ وَأَبْلَغِ الْغَيِّ وَالضَّلَالَةِ).
{قال -رحمه الله-: (وَإِنْ قَالَ نفاة الصِّفَاتِ: إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مُسْتَلْزِمٌ تَعَدُّدَ الصِّفَاتِ وَهَذَا تَرْكِيبٌ مُمْتَنِعٌ قِيلَ: وَإِذَا قُلْتُمْ: هُوَ مَوْجُودٌ وَاجِبٌ وَعَقْلٌ وَعَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ وَلَذَّةٌ. أَفَلَيْسَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا؟ فَهَذِهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَغَايِرَةٌ فِي الْعَقْلِ وَهَذَا تَرْكِيبٌ عِنْدَكُمْ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ وَتُسَمُّونَهُ تَوْحِيدً)}.
هذه الطائفة الخامسة التي ناقشها ابن تيمية تحت هذه القاعدة، وهي القول في بعض الصفات كالقول في بعض، والطائفة الخامسة: هؤلاء هُم الفلاسفة وأتباع الفلاسفة الذين قالوا بشبهة التركيب، قالوا: إن إثبات الصفات يستلزم منه التركيب، وهذا ممتنع، وكما يلاحظ الأبناء الطلاب والطالبات أن جميع الطوائف السابقة تستدل على باطلها بالباطل، عندما تتأمل في شُبه هؤلاء واستدلالاتهم التي لا يقبلها عقل ولا تدل عليها أدلة شرعية، تلاحظون أنهم يستدلون على الباطل بالباطل، ولهذا يقعون في هذا التناقض.
الطائفة الخامسة من نفاة الصفات: (وَإِنْ قَالَ نفاة الصِّفَاتِ) أي: المعطلة وهم الفلاسفة ومن قال بقولهم: (إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مُسْتَلْزِمٌ تَعَدُّدَ الصِّفَاتِ)، وهذا حق، فهي معاني مختلفة، لكن عندهم أن تعدد الصفات يلزم منه تعدد الذات، ولهذا يقولون هذه أعراف فينفونه، ويقولون إن تعدد الصفات يلزم منه التركيب، وهذا ممتنع، هذه شبهتهم.
الجواب: أجاب عن هذه الشبهة من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول قال: على فرض التسليم بأن تعدد الصفات يستلزم منه التركيب، فابتدئ بفرض التسليم، سلمنا لكم أن تعدد الصفات يستلزم منه التركيب، قال لهم من باب قلب الدليل عليهم، وأنتم إذا قلتم هو موجود واجب الوجود، وهذا مما يقر به هؤلاء، وقلتم هو عقل وعاقل ومعقول وعاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ، أليس هذا تركيب؟! وهذا ما قرره ابن سينا، وهو من هؤلاء.
ابن سيناء في كتابه "النجاة"، انظروا ماذا قال في فصول هذا الكتاب؟
قال: فصل في بساطة الواجب.
وقال: فصل في أن واجب الوجود بذاته عقل وعاقل ومعقول، واجب الوجود هو الخالق.
وقال أيضًا: فصل في أنه بذاته معشوق وعاشق ولذيذ وملتذ، وأن اللذة هي إدراك الخير الملائم.
قال: فصل في تحقيق وحدانية الأول بأن عِلمه لا يخالف قُدرته وإرادته وحياته فالمفهوم في ذلك كله واحد.
لاحظ هذا التناقض، هم يَنفون الصفات الثابتة للرب بدعوى أن تعدد الصفات يلزم منه التركيب، ولهذا قالوا: إن هذه الصفات بمعنى واحد، وبالمقابل يثبتون صفات لم يدل عليها الدليل، فيقال لهم: ما قلتموه فيما نفيتموه يلزمكم فيما أثبتموه، ولهذا أجابهم بهذا الجواب الذي هو على فرض التسليم بأن تعدد الصفات يلزم منه الترغيب، يقال: أنتم وقعتم في هذا فيما أثبتموه من هذه الصفات التي ليس عليها دليل.
قال: (أَفَلَيْسَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَ) فيما أثبتموه (هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا؟) فيما نفيتموه، هنا طبق القاعدة أو لا؟ القول في بعض الصفات كالقول في البعض، القول فيما أثبتموه هو نفس القول فيما نفيتموه، القول فيما نفيتموه هو نفس القول فيما أثبتموه، (فَهَذِهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَغَايِرَةٌ فِي الْعَقْلِ وَهَذَا تَرْكِيبٌ عِنْدَكُمْ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ وَتُسَمُّونَهُ تَوْحِيدً)، لاحظ الاحتجاج على الباطل بباطل وتناقض.
قالوا في الجواب: (هَذَا تَوْحِيدٌ فِي الْحَقِيقَةِ) يزعمون أنهم أرباب عقول، لكن العاقل يدرك التناقض، يدرك هذه السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات، قالوا هذه الأوصاف التي ذكروها: واجب وموجود وعقل وعاقل ومعقول، قالوا: (هَذَا تَوْحِيدٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَيْسَ هَذَا تَرْكِيبًا مُمْتَنِعًا قِيلَ لَهُمْ: وَاتِّصَافُ الذَّاتِ) الإلهية بالصفات الثابتة له على ألسنة رسله اللازم له (تَوْحِيدٌ فِي الْحَقِيقَةِ؛ وَلَيْسَ هُوَ تَرْكِيبًا مُمْتَنِعً)، فما الذي جعلكم تثبتون هذا وتنفون هذا؟ هذا هو الجواب الأول.
{أحسن الله إليك يا شيخ، ما يقصده بمعقول وعاقل ولذيذ وملتذ؟}
هي مصطلحات فلسفية عندهم فيما يتعلق بالعقل والعقول، هي أشياء تكون في الذهن لا في خارج الذهن، ولهذا نحن لا نقف عندها؛ لأنه ليس هذا هو المقصود الوقوف عند هذه المصطلحات الفلسفية المحدثة المبتدعة، وعند التمحيص فيها تجد أنها أشياء في الذهن لا وقوع لها خارج الذهن.
{المقصود يا شيخ أنه بقصده بموجود وبمعقول وعاقل، هذه صفات متعددة في أذهانهم طبعًا للرب -عز وجل-}.
في أذهانهم لشيء واحد.
{قال -رحمه الله-: (وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ فِي صَرِيحِ الْعُقُولِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ عَالِمًا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَادِرًا وَلَا نَفْسُ ذَاتِهِ هُوَ نَفْسُ كَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا؛ فَمَنْ جَوَّزَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأُخْرَى وأَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ سَفْسَطَةً)}.
هذا هو الجواب الثاني، وهو على فرض المنع، نمنع أن تعدد الصفات يلزم منه التركيب وهي شبهتهم، يقول: (وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ فِي صَرِيحِ الْعُقُولِ) أي بالأدلة العقلية، ولاحظ بدأ بالأدلة العقلية من باب الاحتجاج عليهم بأدلتهم التي هم يقدمونها، (أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ عَالِمًا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَادِرً)، فالعقلاء يدركون أن معنى العلم غير معنى القدرة، (وَلَا نَفْسُ ذَاتِهِ هُوَ نَفْسُ كَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرً) لأنهم يجعلون الصفة هي عين الموصوف، والعقلاء يفرقون بين الصفة والموصوف، ويفرقون بين الصفة والأخرى.
قال: (فَمَنْ جَوَّزَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأُخْرَى وأَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ هِيَ عين الْمَوْصُوفَ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ سَفْسَطَةً)، والسفسطة هي التمويه والخداع والكذب، فمن جعل العلم هو القدرة، هو الإرادة، نقول هذا لا يقوله عاقل، ومن جعل الصفات هي عين الذات أيضًا نقول هذا لا يقوله عاقل، فمن جوَّز أن الصفة هي عين الصفة الأخرى، وأن الصفة هي عين الموصوف، فيقول: (فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ سَفْسَطَةً).
الجواب الذي يليه قال:
{قال -رحمه الله-: (ثُمَّ إنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَإِنَّهُ إنْ جَوَّزَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذَا هُوَ وُجُودَ هَذَا فَيَكُونُ الْوُجُودُ وَاحِدًا بِالْعَيْنِ لَا بِالنَّوْعِ)}.
هذا هو الوجه الثالث في الجواب، يقول أيضًا: إنك إذا جوزت الصفات التي أحدثتها وابتدعتها، ونفيت الصفات الثابتة وزعمت أن الصفات الثابتة هي بمعنى واحد، وأنه لا فرق بين الصفة والموصوف، بهذا أنت تقع بالتناقض، يعني هنا لاحظ قلب عليه الدليل وألزمه.
أين التناقض؟
يقول: (فَإِنَّهُ إنْ جَوَّزَ ذَلِكَ) أن الصفة هي عين الموصوف، وهذه الصفة هي عين الصفة الأخرى (جَازَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذَا هُوَ وُجُودَ هَذَ)، فهل سَيُفَرِّق هذا بين وجود الخالق ووجود المخلوق بناءً على قاعدته؟ الوجود يكون واحدًا، وبالتالي سيؤدي به إلى القول بوحدة الوجود؛ لأنه جعل وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، قال: (ثُمَّ إنَّهُ مُتَنَاقِضٌ) يعني: يلزمه هذا اللازم ولا بدَّ، (فَإِنَّهُ إنْ جَوَّزَ ذَلِكَ جَازَ) بناءً على قاعدته أن يكون وجود هذا هو عين وجود هذا، فيكون عين وجود الخالق هو عين وجود المخلوق -تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً -، فيكون الوجود بناءً على مذهبه هذا الباطل أو من لوازم مذهبه (وَاحِدًا بِالْعَيْنِ لَا بِالنَّوْعِ) وهذا الذي يقول به أصحاب وحدة الوجود.
فألزمهم بهذا الإلزام، بأن دعوة التركيب في تعدد الصفات سيلزم منه القول بوحدة الوجود، فتبين بطلان هذه الدعوى، وهي دعوى أن تعدد الصفات يلزم منه التركيب، ودعوة أن الصفة هي عين الصفة الأخرى.
هذه الأجوبة الثلاثة في نقض شبهة هؤلاء الفلاسفة الذين أنكروا الصفات بدعوى التركيب.
{قال -رحمه الله-: (وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ هُوَ وُجُودَ الْوَاجِبِ كَانَ وُجُودُ كُلِّ مَخْلُوقٍ يُعْدَمُ بِعَدَمِ وُجُودِهِ وَيُوجَدُ بَعْدَ عَدَمِهِ: هُوَ نَفْسُ وُجُودِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الدَّائِمِ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ)}.
أيضًا هذا مزيد جواب وكشف للشبهة، وهو الإلزام، قال بناءً على مذهبكم هذا أن تعدد الصفات يلزم منه التركيب، قال: (وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ)، من هو الممكن؟ المخلوق، لأنه الوجود نوعان: وجود ممكن وجائز وهو وجود المخلوق، ووجود واجب وهو وجود الخالق بناءً على المصطلح الذي يتعاملون به.
قال: (وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ) وهو المخلوق (هُوَ وُجُودَ الْوَاجِبِ) لأنكم جعلتم الوجود واحد، لا فرق بين الصفات عندكم بناءً على مذهبكم، فإذا كان وجود الممكن هو وجود الواجب ( كَانَ وُجُودُ كُلِّ مَخْلُوقٍ يُعْدَمُ بِعَدَمِ وُجُودِهِ) لأن المخلوق جائز الوجود ممكن الوجود كان عدماً فوجد ثم يكون عدم، يعدم بعد وجوده ويوجد بعد عدمه، وهذا هو ممكن الوجود الذي هو وجود المخلوق، (هُوَ نَفْسُ وُجُودِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الدَّائِمِ الْبَاقِي) لاحظ استخدم المصطلحات في باب الرد عليهم التي هم يستخدمونها- (الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ)، وهذا ممتنع حتى عندهم، لكن هو يلزمهم بناءً على هذا اللازم، قال: حينئذ يلزمكم هذا ولا بدَّ وبالتالي سيقعون في القول بوحدة الوجود، وأنه لا فرق بين وجود الخالق ووجود المخلوق -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيراً.
لاحظ هذه من الردود العقلية في الرد على هؤلاء، ولهذا لو زعم هؤلاء أنهم أهل عقل أو أولي العقل، نقول: إن ما تقولونه هو سفسطة، والعقول السليمة تبطل هذه الدعوى، ولهذا الآن الذي يسمى بالتيار العقلاني وأهل العقل وأبواب العقل عندما تنظر في حججهم العقلية ستجد أنها سفسطة وتمويه يدرك العقلاء بطلانه، كل أصحاب الاتجاهات العقلانية اليوم وما يستخدمونه من مصطلحات يدرك العقلاء بأنها سفسطة وتمويه وخداع للناس حتى العقول السليم لا تقبل هذا، ولهذا إذا وصفوا بالتيار العقلاني والعقلانيين ليس مدحاً، والواقع أن الحجج التي يقولونها ليست بحجج عقلية بل العقلاء يدركون بطلانها، كما هو واقعٌ في أسلافهم هؤلاء من هذا التناقض العجيب.
{قال -رحمه الله-: (وَإِذَا قُدِّرَ هَذَا كَانَ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ مَوْصُوفًا بِكُلِّ تَشْبِيهٍ وَتَجْسِيمٍ وَكُلِّ نَقْصٍ وَكُلِّ عَيْبٍ؛ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَهْلُ وَحْدَةِ الْوُجُودِ الَّذِينَ طَرَدُوا هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ أَقْوَالُ نفاة الصِّفَاتِ بَاطِلَةً عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ)}.
قال: (وَإِذَا قُدِّرَ هَذَ) يعني على فرض التسليم عندكم أيها الفلاسفة أن الصفات مترادفة، فعلى فرض التسليم أنه لا فرق بين وجود الخالق وبين وجود المخلوق، قال: (وَإِذَا قُدِّرَ هَذَ) أي على فرض التسليم، ماذا يلزم على هذا المذهب من لوازم باطلة؟ قال: ( كَانَ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ) الذي هو وجود الخالق (مَوْصُوفًا بِكُلِّ تَشْبِيهٍ وَتَجْسِيمٍ وَكُلِّ نَقْصٍ وَكُلِّ عَيْبٍ)، هذه من لوازم هذا المذهب الباطل، (كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَهْلُ وَحْدَةِ الْوُجُودِ)، نعم لما آل بهم الأمر إلى ذلك صرحوا بهذا -عياذاً بالله-، (الَّذِينَ طَرَدُوا هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ) ما الأصل الفاسد؟ أنه الوجود واحد وأنه لا فرق بين صفات الخالق وبين صفات المخلوق، لماذا؟ لأنه موصوف بصفات المخلوقات والممكنات، وحينئذٍ النتيجة، نتيجة هذا المذهب الباطل ولوازم هذا المذهب الباطل (فَتَكُونُ أَقْوَالُ نفاة الصِّفَاتِ) عموماً بدرجاتهم (بَاطِلَةً عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ)، لماذا؟ لأنه يلزم عليها لوازم باطلة، ولوازم الباطل باطل، والباطل لجلج متناقض والحق أبلج، فهو جواب عقلي في نقض شبه هؤلاء.
ولاحظ كيف الشيخ تدرج في نقض شبه هؤلاء المعطلة بالدليل العقلي، ونوع في الأدلة، ثم ختم هذا الأصل بقوله.
{قال -رحمه الله-: (وَهَذَا بَابٌ مُطَّرِدٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النفاة لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الصِّفَاتِ: لَا يَنْفِي شَيْئًا فِرَارًا مِمَّا هُوَ مَحْذُورٌ إلَّا وَقَدْ أَثْبَتَ مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ نَظِيرُ مَا فَرَّ مِنْهُ فَلَا بُدَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنْ أَنْ يُثْبِتَ مَوْجُودًا وَاجِبًا قَدِيمًا مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ فِيهَا مُمَاثِلًا لِخَلْقِهِ)}.
هذه نتيجة هذا الأصل، الذي هو القول في بعض الصفات كالقول في بعض، ورد على الطوائف الخمس المعطلة تعطيل جزئي، المعطلة لجميع الصفات، المعطلة للأسماء والصفات، من يصفون الخالق بالسلوب ومن ينفون النقيضين، ثم قال في ختام هذا الفصل وهذه القاعدة: (وَهَذَا بَابٌ مُطَّرِدٌ) يعني يلزم جميع معطلة الصفات تعطيلاً كلياً أو جزئيا ولا مفر.
قال: (وَهَذَا بَابٌ مُطَّرِدٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ) من هؤلاء الطوائف من أصنافهم المختلفة، (فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النفاة لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الصِّفَاتِ) بأنواعها لا فرق بين صفة وصفة، (لَا يَنْفِي شَيْئًا فِرَارًا مِمَّا هُوَ مَحْذُورٌ) بزعم، لأنه يلزم منه التشبيه والتجسيم، (إلَّا وَقَدْ أَثْبَتَ مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ نَظِيرُ مَا فَرَّ مِنْهُ)، ولهذا تجد الذين فروا من تشبيهه بالمخلوقات شبهوه بالجمادات ومنهم من شبهه بالمعدومات، ومنهم من شبهه بالممتنعات، فما من فر من شيء إلا وقع فيما هو أسوء، والذي جعله يفر هو تشبيهه ابتداءً، ودعوى أن ظاهر النصوص يلزم منه التشبيه، فلما انطلق من فهم خاطئ ترتب عليه النتائج الخاطئة.
قال: (لَا يَنْفِي شَيْئً) وهو النصوص الثابتة في الصفات (فِرَارًا مِمَّا هُوَ مَحْذُورٌ) بزعمه (إلَّا وَقَدْ أَثْبَتَ مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ نَظِيرُ مَا فَرَّ مِنْهُ)، فحينئذٍ ما النتيجة؟ قال: (فَلَا بُدَّ) إذا قُدر هذا في إلزام نفاة الصفات خاصة فيما يتعلق بالوجود، لاحظ هو كلما حصل نزاع ردهم على قضية الوجود وإثبات الذات للخالق وإثبات الخالق -عز وجل-.
قال فالنتيجة: (فَلَا بُدَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنْ أَنْ يُثْبِتَ مَوْجُودًا وَاجِبًا قَدِيمًا مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ)، لأن هذا هو الأمر المتفق عليه وهي قضية الوجود وإثبات الذات اللائقة بالرب -تبارك وتعالى-، (وَلَا يَكُونُ فِيهَا مُمَاثِلًا لِخَلْقِهِ) هذه النتيجة التي أراد المصنف أن يصل إليها.
ثم قال: {قال -رحمه الله-: (فَيُقَالُ لَهُ: هَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمْعِ الصِّفَاتِ وَكُلُّ مَا تُثْبِتُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى قَدْرٍ تَتَوَاطَأُ فِيهِ الْمُسَمَّيَاتُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا فُهِمَ الْخِطَابُ؛ وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّ مَا اخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ وَامْتَازَ عَنْ خَلْقِهِ: أَعْظَمُ مِمَّا يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَوْ يَدُورُ فِي الْخَيَالِ)}.
قال هنا: (فَيُقَالُ لَهُ) الضمير يعود على من؟ على كل معطل، (فَيُقَالُ لَهُ) بناءً على هذه القاعدة، (وهَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمْعِ الصِّفَاتِ) دون استثناء، فالباب واحد لا تثبت بعض وتنفي بعض، (فَيُقَالُ لَهُ) بناءً على هذا الأصل المضطرد، وهذه القاعدة، (فَيُقَالُ لَهُ: وهَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمْعِ الصِّفَاتِ)، فالقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، قال: (وَكُلُّ مَا تُثْبِتُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى قَدْرٍ مشترك تَتَوَاطَأُ فِيهِ الْمُسَمَّيَاتُ)، وهذه هي الإشكالية التي حصلت لهم، ظنوا أن هذا القدر المشترك وهو الاسم المشترك أنه يلزم منه التشبيه والتمثيل، فأرادوا الفرار، فنقول بأن هذا القدر المشترك الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه التمثيل.
قد يقول قائل: ما الفائدة من وجود هذا القدر المشترك؟ ما الفائدة من أنَّ الله -عز وجل- سمى نفسه بأسماء وسمى بعض خلقه بنفس الأسماء؟ ووصف نفسه وبعض خلقه بهذه الصفات؟ ما الفائدة من هذا؟
قال في الجواب عن وجود هذا القدر المشترك الذي ليس هو التمثيل الذي نفته النصوص، بل هو إثبات حقائق الأسماء والصفات، قال: (وَلَوْلَا ذَلِكَ) أي: لولا وجود هذا القدر المشترك ما فهم الناس معنى النزول ومعنى المجيء وهكذا بقية الصفات، قال: (وَلَوْلَ) يعني هذا القدر المشترك (لَمَا فُهِمَ الْخِطَابُ)، ولهذا أهل اللغة العرب فهموا معنى المجيء ومعنى النزول وهكذا بقية الصفات، لكن نعلم أن ما اختص الله به، يعني في حال التقييد والإضافة والتخصيص الحقائق مختلفة، (وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّ مَا اخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ وَامْتَازَ عَنْ خَلْقِهِ: أَعْظَمُ مِمَّا يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَوْ يَدُورُ فِي الْخَيَالِ)، بمعنى أن التمثيل ممنوع سواءً باللفظ أو بمخيلات العقول، وهذا سبق أيضًا بيانه لكن المصنف يؤكد عليه بأن التمثيل والتشبيه بأنه محرم وممنوع ولو في خيالات العقول، فالله ليس كمثله شيء، والشيء لا يمكن للإنسان أن يصفه أو يُعرف كيفيته إلا إذا شاهده أو شاهد نظيره، وهذا ممتنع في حق الخالق -عز وجل-.
بهذا انتهى هذا الأصل، ثم قال: (وَهَذَ) يعني هذا الأصل الذي هو القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر (يَتَبَيَّنُ بِالْأَصْلِ الثَّانِي) وهو القول في الصفات كالقول في الذات، قد يقول قائل: من العلاقة بين هذين الأصلين؟ فيقال: بأن الأصل الثاني هو فرع عن الأصل الأول، لماذا؟ لأن معطلة الصفات يتفقون في إثبات الوجود وفي إثبات الذات، ويتفقون على أن وجود الخالق ليس كوجود المخلوق، وأن ذات الخالق ليست كذات المخلوق، فهو انطلق معهم مع هذا القدر المشترك وهو إثبات وجود يليق بالخالق وإثبات ذات تليق بالخالق -عز وجل-، تختلف عن وجود المخلوق وعن ذوات المخلوق، فانطلق من الأمر المتفق عليه ليعيد المختلف فيه إلى الأمر المتفق عليه؛ ولهذا قال: (وَهَذَا يَتَبَيَّنُ) أي مزيد إيضاح ومزيد كشف لهذه الشبهات، بأن هذا الأصل يتبين بالأصل الثاني الذي هو القول في الصفات كالقول في الذات، ثم شرح هذا الأصل.
{قال -رحمه الله-: (وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْأَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ فِي الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي الذَّاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ ذَاتٌ حَقِيقَةً لَا تُمَاثِلُ الذَّوَاتَ. فَالذَّاتُ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَاتِ حَقِيقَةً لَا تُمَاثِلُ سَائِرَ الصِّفَاتِ)}.
يقول لهؤلاء المعطلة: إذا كنتم تقرون بوجود الخالق وأنه واجب الوجود والمخلوق جائز الوجود، وتقرون بوجود ذات إلهية حقيقية تليق بالخالق لا تماثل ذوات المخلوقين ولا تعلمون كيف هي، فيلزمكم القول في الصفات كالقول في الذات، فإذا أثبتم وجوداً يليق به وذات تليق به، يلزمكم إثبات صفات تليق به -عز وجل-.
(وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ فِي الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي الذَّاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ) فحينئذٍ لا فرق بين الذات وبين الصفات، فما يقال في الذات يقال في الذات، وما يقال في الصفات يقال في الذات، هذا هو مفهوم هذه القاعدة.
(وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ ذَاتٌ حَقِيقَةً لَا تُمَاثِلُ الذَّوَاتَ. فَالذَّاتُ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَاتِ حَقِيقَةً لَا تُمَاثِلُ سَائِرَ الصِّفَاتِ)، طبعًا هذا في بعض النسخ (سائر الذوات) وفي بعضها (سَائِرَ الصِّفَاتِ)، ولعل (سَائِرَ الصِّفَاتِ) أدق؛ لأنها أدق في العبارة.
هذه القاعدة الحقيقة ذكرها قبل شيخ الإسلام جمع من أهل العلم وشيخ الإسلام استفادها ممن قبله، ذكرها أبو سليمان الخطابي في رسالته الغنية عن الكلام وأهله، ونقلها عنه ابن تيمية في الفتوى الحموية، قال الخطابي: والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.
إذاً هذه القواعد لم يأت بها شيخ الإسلام من قِبل نفسه، بل إنه استفاد ممن قبله من السلف، وأيضًا ذكرها الخطيب البغدادي في الرد على نفاة الصفات، وذكر ذلك عنه الذهبي في كتاب العلو، فممن ذكرها قبل شيخ الإسلام جمع من أهل العلم، قالوا: بأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.
ثم طبق على هذه القاعدة تطبيقات، تطبيقات على فهم هذه القاعدة لأن القول في الصفات كالقول في الذات ولا خلاف في مسألة الذات ولا خلاف في مسألة الوجود، وإنما الخلاف في مسألة الصفات، فالتطبيق ماذا قال؟
{(فَإِذَا قَالَ السَّائِلُ: كَيْفَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ؟ قِيلَ لَهُ كَمَا قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ بِدْعَةٌ)}.
قد يقول قائل: ما وجه دلالة هذا الأصل على إثبات الصفات بلا تكييف ولا تمثيل؟
أجاب بجواب نقلي وجواب عقلي، أما الجواب النقلي: فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟ يعني يسأل عن الكيفية، قيل له في الجواب الأول وهو جواب الإمام مالك ونقل عن غير مالك أيضًا: الاستواء معلوم من جهة المعنى، ولهذا الذين يدعون أنَّ السلف يفوضون المعاني، كذبوا عن السلف، بل السلف يعرفون المعنى، إذاً السلف يفوضون الكيف وليس المعنى كما يزعم المتأخرون.
فقال: (الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ) معلوم المعنى (وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ) لأن النصوص دلت عليه وذكر الله الاستواء في كتابه في سبع مواضع، (وَالسُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ بِدْعَةٌ)، لماذا بدعة؟ لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه، هذا هو الجواب الأول عمن يسأل عن كيفية السؤال وهو جواب نقلي مما هو مأثور عن السلف عن الإمام مالك وعن غيره من علماء السلف، بل مأثور عن أم سلمة وعن ربيعة وعن غيرهم من علماء السلف، في الجواب عمن يسأل عن كيفية الصفات، فيقال: بأن الصفات معلومة المعنى، السلف يدركون المعاني ولكن الكيف مجهول، فهم يعرفون المعنى ويفوضون الكيفيات، هذا الجواب النقلي.
الجواب العقلي قال: {قال -رحمه الله-: (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: كَيْفَ يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ هُوَ؟ فَإِذَا قَالَ: لَا أَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهُ قِيلَ لَهُ: وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ نُزُولِهِ إذْ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ فَرْعٌ لَهُ وَتَابِعٌ لَهُ؛ فَكَيْفَ تُطَالِبُنِي بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَتَكْلِيمِهِ وَاسْتِوَائِهِ وَنُزُولِهِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ)}.
هذا جواب عقلي لمن يسأل عن الكيفية، (إذَا قَالَ: كَيْفَ هُوَ؟) يسأل عن كيفية الخالق، فيقال له: (فَإِذَا قَالَ: لَا أَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهُ) وهذا الأمر المتفق عليه، فيقال: (وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ نُزُولِهِ) إذا كنت لا تعرف كيفية الذات، فكذلك لا نعلم كيفية الصفات، فالقول في الصفات كالقول في الذات، فقيل له جواب عقلي، كيف هو؟ سيقول ماذا؟ لا أعلم الكيفية، قيل له: وكذلك نحن لا نعلم كيفية نزوله ومجيئه، إذا كنت لا تعلم كيفية ذاته كذلك لا نعلم كيفية الصفات، قيل له في الجواب العقلي فيمن يسأل عن كيفية الصفات، إذا كنت لا تعلم كيفية الذات، كذلك لا نعلم كيفية الصفات.
قيل: (وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ نُزُولِهِ إذْ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ) وهذا ممتنع (وَهُوَ فَرْعٌ لَهُ وَتَابِعٌ لَهُ) وهذه قاعدة: القول في الصفات فرع عن القول في الذات، (فَكَيْفَ تُطَالِبُنِي بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَتَكْلِيمِهِ وَاسْتِوَائِهِ وَنُزُولِهِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ)، ولاحظوا هذا يقلب على جميع المعطلة، فإذا قالوا: يلزم من إثبات الصفات التشبيه، نقول: أنت تثبت الوجود وتثبت الذات، فيلزمك التشبيه، فيقال: لا، أنا أثبت ذاتًا تليق به، ووجودًا يليق به، وعلمًا يليق به، فيقال: وكذلك بقية الصفات، فلاحظ هذا الإلزام العقلي.
هذا هو التطبيق الأول على القاعدة، وأجاب عليه بجواب نقلي عن السلف وجواب عقلي في كل من يسأل عن الكيفية، فنقول الكيف مجهول.
{قال -رحمه الله-: (وَإِذَا كُنْت تُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةً ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسْتَوْجِبَةً لِصِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يُمَاثِلُهَا شَيْءٌ فَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ وَنُزُولُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُشَابِهُهُ فِيهَا سَمْعُ الْمَخْلُوقِينَ وَبَصَرُهُمْ وَكَلَامُهُمْ وَنُزُولُهُمْ وَاسْتِوَاؤُهُمْ)}.
هذا هو التطبيق الثاني على القاعدة، التطبيق الأول في نفي الكيفية، التطبيق الثاني على القاعدة في نفي التمثيل، وأمل من الأبناء الطلاب والطالبات التنبه إلى هذا، وضع القاعدة ثم طبق عليها، التطبيق الأول في نفي الكيفيات، وأن السائل عن الكيفية يجاب بجواب نقلي أو بجواب عقلي، إذا كنت لا تعرف كيف ذاته، كذلك لا نعرف كيف الصفات.
التطبيق الثاني يقول: (وَإِذَا كُنْت تُقِرُّ) أيها المخالف (بِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةً ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسْتَوْجِبَةً لِصِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يُمَاثِلُهَا شَيْءٌ) وهو يقر، وهذا هو الأمر المتفق عليه، يقال له كذلك جميع الصفات، (فَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ وَنُزُولُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُشَابِهُهُ فِيهَا سَمْعُ الْمَخْلُوقِينَ وَبَصَرُهُمْ وَكَلَامُهُمْ وَنُزُولُهُمْ وَاسْتِوَاؤُهُمْ )، يعني أن القول في الصفات كالقول في الذات، فإذا أثبت ذاتًا وقات إنها تليق به ولا تماثل ذوات المخلوقين، سيقال وكذلك القول في الصفات.
فالتطبيق الأول في السؤال عن الكيفية، أنت لا تعرف الكيف، كذلك لا تعرف الصفات، التطبيق الثاني: أنت تثبت ذات تليق بالخالق وتنفي التمثيل، يقال: وكذلك تثبت الصفات وتنفي التمثيل، أنت تثبت السبع صفات وتقول لا تماثل صفات المخلوقين، نقول وكذلك بقية الصفات تثبتها ولا تماثل صفات المخلوقين، فالقول في الصفات كالقول في الذات.
لعل الوقت انتهى، وبقي جزء من القاعدة لعلنا نستكمله -إن شاء الله- في الدرس القادم -بإذن الله تبارك وتعالى-، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل وسيلتنا إليه التوحيد والإخلاص، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في جميع حسناتكم}.
وإياكم والإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
{وفي الختام هذه تحية عطرة من فريق البرنامج، ومني أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك