الدرس الرابع

فضيلة الشيخ د. سهل بن رفاع العتيبي

إحصائية السلسلة

2014 22
الدرس الرابع

العقيدة التدمرية

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحب بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات "البناء العلمي" وأرحب بفضيلة الشيخ الدكتور/ سهل بن رفاع العتيبي، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله الشيخ عبد الرحمن، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، أسأل الله لنا ولهم العلم النافع والعمل الصالح.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- عند آخر ما توقفنا فيه في الحلقة الماضية، حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الرسالة التدمرية": (وَهَؤُلَاءِ جَمِيعُهُمْ يَفِرُّونَ مِنْ شَيْءٍ فَيَقَعُونَ فِي نَظِيرِهِ وَفِي شَرٍّ مِنْهُ مَعَ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّحْرِيفِات وَالتَّعْطِيلاتِ وَلَوْ أَمْعَنُوا النَّظَرَ لَسَوَّوْا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَعْقُولَاتُ؛ وَلَكَانُوا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّمَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِ وَيَهْدِي إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. وَلَكِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَجْهُولَاتِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْمَعْقُولَاتِ يُسَفْسِطُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَيُقَرْمِطُونَ فِي السَّمْعِيَّاتِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، واصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى كل من صلى وسلم عليه، أما بعد، فأرحب الإخوة والأخوات من الطلاب والطالبات في برنامج "البناء العلمي"، وفي هذا المجلس العلمي الرابع في التعليق على "الرسالة التدمرية" التي هي في تحقيق الإثبات للأسماء والصفات، وبيان حقيقة الجمع بين الشرع والقدر، لا يزال الحديث موصولًا في رد ابن تيمية -رحمه الله- على طوائف الزائغين والحائدين عن طرائق الرسل، ذكر الطوائف إجمالًا، ثم رد على ثلاث طوائف، الباطنية، ثم من قاربهم من الفلاسفة، ثم من قاربهم من أهل الكلام من المعتزلة، بيَّن هنا منشأ الضلال والانحراف عند هؤلاء جميعًا، ولهذا قال: (وَهَؤُلَاءِ جَمِيعُهُمْ) أي: الطوائف الذين ذكرهم فيما سبق، ما سبب انحرافهم في باب الأسماء والصفات؟
قال: (يَفِرُّونَ مِنْ شَيْءٍ فَيَقَعُونَ فِي نَظِيرِهِ وَفِي شَرٍّ مِنْهُ)، ما الشيء الذي فروا منه؟ فروا من تشبيه الخالق بالموجودات في المخلوقات، فمنهم من شبهه بالجمادات كما فعل المعتزلة، ومنهم من شبهه بالمعدومات كما فعل بعض الفلاسفة، ومنهم شبهه بالممتنعات، كما فعل الباطنية، فهم أرادوا الفرار من تشبيه بالمخلوقات، فشبهوه بالجمادات والمعدومات والممتنعات.
قال: (وَفِي شَرٍّ مِنْهُ) هذا يدل على أن التعطيل دركات، وأن التمثيل دركات بعضه شر من بعض وإن كان هو شر، فهذا هو منشأ الضلال ومنشأ الانحراف عند هؤلاء، أنهم فروا في شيء، فوقعوا فيما هو أسوء منه.
قال: (وَهَؤُلَاءِ جَمِيعُهُمْ يَفِرُّونَ مِنْ شَيْءٍ فَيَقَعُونَ فِي نَظِيرِهِ) في تعطيل مماثل، ولهذا يقال: إن المعطل مُشبه والمشبه مُعطل، (وَفِي شَرٍّ مِنْهُ مَعَ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّحْرِيفِات وَالتَّعْطِيلاتِ) في الحلقة الماضية ألزمهم ابن تيمية بلازمين، ولعل الإخوة والأخوات يذكرون ذلك.
قال في اللازم الأول: (فَقَوْلُهُمْ يَسْتَلْزِمُ غَايَةَ التَّعْطِيلِ وَغَايَةَ التَّمْثِيلِ) وبيَّنا وجه ذلك، كيف أن سلب الصفات عن الخالق يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، قد يقول قائل: هل سمة لوازم أخرى لهذا المذهب، فيقال: إنَّ المصنف هنا ذكر إضافة اللازمين السابقين، ذكر هنا أيضًا ستة لوازم، فيكون مجموع اللوازم ثمانية، وآمل من الإخوة والأخوات طلاب البناء العلمي أن يتنبهوا إلى هذا، وأن يستنبطوا هذه اللوازم الثمانية، ذكر غاية التعطيل وغاية التمثيل هنا أيضًا، ذكر من اللوازم التحريف ومن اللوازم التعطيل، ومن اللوازم التفريق بين المتماثلات ومن اللوازم المساواة بين المختلفات ومن اللوازم السفسطة في العقليات، ومن اللوازم القرمطة في السمعيات.
فأصبحت اللوازم ثمانية، وهذا مهم في الرد، ولهذا كانت هذه العقيدة -أيها الإخوة والأخوات- مُهمة جدًّا في تزويد طالب العلم في مهارات المناظرة والجدل على المخالفين.
وقلنا: إنَّ الرد على هذه البدع وهذه الانحرافات هو من الجهاد في سبيل الله في إبطال هذه الشبه التي تصد الناس عن دين الله -تبارك وتعالى-، وتصدهم عن العقيدة الصحيحة في ذات الرب -تبارك وتعالى-، وإثبات الأسماء والصفات له على الوجه الذي يليق به.
 قال: (مَعَ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّحْرِيفِات) تحريف لأي شيء؟ لنصوص الكتاب والسنة، ولاحظ التحريف درجات، منه تحريف الباطنية الذين يقولون: إن هذه النصوص هي رموز وإشارات لا يفهمها إلا خاصتهم، ومن التحريف أيضًا تحريف المتكلمين الذين يقولون: إن هذه النصوص مجازات تحتاج إلى التأويل أو أنها غير مفهومة المعنى فتحتاج إلى التأويل، فكل هذا تحريف، فإذًا التحريف أنواع، التحريف للنصوص، ولهذا يكثر في كتبهم مقولة هل ظاهر النصوص مراد أو غير مراد، هو بناءً على هذا الأصل الفاسد الذي فهموه أن ظواهر النصوص تستلزم التشبيه، فقالوا: إن ظواهر النصوص غير مراد، فهي تحتاج إما إلى تحريف أو تفويض أو إلى تفسير بالرموز والإشارات كما يفعل الباطنية.
قال: (وَالتَّعْطِيلاتِ) لأنهم عطلوا الخالق عن صفات الكمال وعطلوا أيضًا النصوص عن مدلولاتها، هذا هو اللازم الرابع عن التعطيل، إما تعطيل الخالق عن الصفات التي تليق به، أو تعطيل النصوص عن معانيها، وتعطيل الأسماء والصفات أيضًا عن معانيها.
ثم قال في الجواب: (وَلَوْ أَمْعَنُوا النَّظَرَ لَسَوَّوْا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ)، هم بالعكس، هُم فرقوا بين المتماثلات مثل: الأسماء والصفات، فرقوا بين أو لا، فرقوا، فهم فرقوا بين المتماثلات وهي أسماء الرب، وفرقوا بين الصفات، فقالوا: هذه الصفات تُثبت وهذه تُنفى، نقول: ما الذي جعلكم تثبتون هذه الصفات وتلغون الصفات الأخرى وهي من باب واحد؟ ما الذي جعلكم تثبتون الأسماء وتنفون الصفات؟ فهم فرقوا بين المتماثلات في أسماء الرب وصفاته بدرجاتهم، منهم من أثبت الأسماء ونفى الصفات، نقول: لا فرق بين ما نفيتم وما أثبتم، لأنكم فرقتم بين متماثلات، أو أَثْبَتَ صفات سبع ونفى الباقي.
فنقول: أنت فرقت بين المتماثلات، ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات، بين الأسماء والصفات وبين صفات الرب -تبارك وتعالى-، وفرقوا بين المختلفات، وجود الخالق يختلف عن وجود المخلوق، لكن جعلوها من باب واحد، وجعلوا صفات الخالق نفس صفات المخلوق، فهم عكسوا طريقة المرسلين، فسووا بين المختلفات وفرقوا بين المتماثلات، ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات، لكنهم عكسوا، فسووا بين وجود الخالق ووجود المخلوق، ووجود الخالق يختلف عن وجود المخلوق، وفرقوا بين صفات الخالق والعدل -كما يعرف الإخوة والأخوات- العدل ما هو؟ العدل هو المساواة بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، لو عكس إنسان، ففرق بين المتماثلات وساوى بين المختلفات، هذا عدل أو ظلم؟ هذا ظلم، هم وقعوا في العكس، فسووا بين المختلفات وفرقوا بين المتماثلات، ولو أمنعوا النظر لسووا بين المتماثلات وهي صفات الخالق وأسماء الخالق، وفرقوا بين المختلفات التي هي صفات الخالق تختلف عن صفات المخلوق.
كما أنهم يقولون: إن وجود الخالق يختلف عن وجود المخلوق، فنقول: يلزم في بقية الأسماء والصفات، إذا قلتم: إن الخالق واجب الوجود والمخلوق جائز الوجود، يلزمكم في بقية الأسماء والصفات.
قال: (كَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَعْقُولَاتُ) أي أدلة العقل، لاحظ أدلة الشرع أدلة عقلية وابن تيمية يدل عليهم بأدلة العقل، أهل السنة هم أولى الناس بالأدلة العقلية، لكن هؤلاء الذين يزعمون بأنهم عقلانيين، الحقيقة أنها سفسطة في العقول، بل هي مجهولات، والآن تجدهم يفتخرون بأنهم يُعنون بالأدلة العقلية وهم أهل العقل، ويسمون العقلانية والتيار العقلاني، ولما تمعن النظر في هذه الحجج العقلية تجدها سفسطة ومجهولات تخالف مقتضيات العقل ودلائل العقل وضرورات العقل.
 (كَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَعْقُولَاتُ؛ وَلَكَانُوا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة، (الَّذِينَ يَرَوْنَ) هم أهل العلم حقيقة (الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّمَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِ وَيَهْدِي إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وهذه طرائق الرسل وطرائق أتباع الرسل، (وَلَكِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَجْهُولَاتِ) جهل بالشرع وجهل بالدلائل العقلية، (الْمُشَبَّهَةِ بِالْمَعْقُولَاتِ) ما حالهم؟ وهذا هو اللازم السابع والثامن، (يُسَفْسِطُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ) يسفسطون في العقليات، السفسطة هي الخداع والتمويه والكذب، هي دفع العلم اليقيني بالشُبه.
مثال: نفي العلو، هل يقول بهذا عقل وهو أمر معلوم بفطر الناس ودلائل العقل ودلائل الشرع، فالذي ينفي العلو هو يسفسط في العقليات، يكابر، الذي يقول لا خارج العالم ولا داخل العالم سفسطة، العقلاء لا يقبلون هذا، وأصحاب الفطر السليمة لا يقبلون هذا، الذي يقرره هؤلاء في كتبهم ويسمونه دلائل عقلية هي مجهولات وسفسطة.
(يُسَفْسِطُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ)، وكما تقدم قول ابن تيمية إنَّ هؤلاء يقررون أشياء العقل لا يقبلها، ويقررون في منطقهم اليوناني أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج، فهذا تناقض في قواعدهم المنطقية، (يُسَفْسِطُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ) يعني: يموهون، يخادعون، يكذبون، يخادعون لكن لا يخادعون إلا الجهال، (وَيُقَرْمِطُونَ فِي السَّمْعِيَّاتِ) وطريقة القرامطة الباطنية، والسمعيات التي هي أدلة الشرع، أدلة الكتاب والسنة يزعمون أن لها باطن يخالف ظاهرها، من يفسر هذا الباطن الذي عندهم هو رموز؟ هم يفسرونه وهذا عبث، وهذه يسمونها القرمطة التي يدعون فيها طريقة القرامطة، حيث يدعون أن للنصوص باطن يخالف ظاهرها.
مثال من طرائق القرمطة عندهم: يقولون إن العرش هو الفلك التاسع، لا يقبله لغة ولا دلائل الشرع ولا تقبله العقول السليمة، فهذه طرائق، النتيجة عند هؤلاء المتكلمين والباطنية واحدة، وهي تعطيل صفات الخالق -تبارك وتعالى-، بل كما يقول ابن تيمية: (يَسْتَلْزِمُهم نَفْيَ الذَّاتِ)، هذا التقرير الذي لا يقبله عقل ولا تدل عليه دلائل الشرع، لازمه نفي الذات الإلهية (يُسَفْسِطُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَيُقَرْمِطُونَ فِي السَّمْعِيَّاتِ).
ثم ماذا قال؟
{قال -رحمه الله-: (وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَوْجُودٍ قَدِيمٍ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ إذْ نَحْنُ نُشَاهِدُ حُدُوثَ الْمُحْدَثَاتِ: كَالْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَادِثُ مُمْكِنٌ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُمْتَنِعٍ وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ وَالْمُمْكِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35] فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ وَلَا هُمْ الْخَالِقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا خَلَقَهُمْ)}.
بعد أن أبطل مذهبهم بالإلزامات، وذكرنا أن اللوازم عددها ثمانية، انتقل إلى جواب آخر مجمل، وهو الرد عليهم بالدليل العقلي، وابتدأ ذلك بتحرير وتحديد مصطلح مفهوم التشبيه، مع ذكر الأدلة التي تدل على أن الاشتراك في الأسماء لا يلزم منه التماثل.
وأيضًا انطلق من الأمر المتفق عليه، وهو إثبات الوجود، ورد الأمر المختلف فيه إلى المتفق عليه، وهذه من الأدلة التي يستخدمها ابن تيمية في الرد على المخالفين.
أيضًا ابتدأ بأدلة العقل، وأدلة الفطرة، فضلًا عن أدلة الشرع.
شبهة هؤلاء -كما تقدم- أن الاشتراك في الاسم يستلزم منه التماثل في الحقائق، خاصة عند الإضافة والتخصيص، وظنوا أن ظاهر النصوص يلزم منه التمثيل.
ابن تيمية -رحمة الله عليه- ردَّ عليهم من وجوه:
أولًا: أن هؤلاء الذين زعموا أن إثبات الأسماء والصفات يلزم منه التمثيل، بيَّن أن هذا الزعم باطل من وجوه:
أولًا: الوجه الأول أن هذا القدر المشترك إنما هو اشتراك لفظي، وأما الحقائق فإنها تختلف، سيبين لهم بدلالة العقل، ودلالة الشرع، بأنه وإن اشترك المسمى الوجود أو في بقية الصفات، إنما هو اشتراك في اللفظ، وأما الحقائق، فإنها مختلفة، فإن الأشياء تشترك في الأسماء، ولكن تختلف، لكنهم زعموا أن هذا الاشتراك يلزم منه التمثيل والتشبيه، وهذا تمويه منه -كما يقول- على الجهال والعامة.
ثانيًا: أن يقال:
إن التشبيه ليس هو اتفاق الشيئين في المسمى، كما يتوهم هؤلاء، إنما التشبيه هو مشاركة المخلوق للخالق فيما يختص به الخالق، هذا الذي تنفيه النصوص، أن يشترك المخلوق مع الخالق فيما هو من خصائص الخالق -عز وجل-، أما الاشتراك في قدر في الاسم مثل العلم والرحمة، فإنه ليس هو التمثيل الذي نفته النصوص.
الوجه الثالث: أن يقال: إن الزعم أن ظواهر النصوص يلزم منها التمثيل، هذا زعم باطل، بل إنَّ النصوص أثبتت الصفات للخالق -عز وجل-، على الوجه الذي يليق به، وأثبتت الصفات للمخلوق على الوجه الذي يليق به، ونفت التمثيل، فيقال: إن ظواهر النصوص لا يلزم منه التمثيل كما يدعي هؤلاء، فمنهم من يقول بالرموز، ومنهم من يقول إن النصوص بحاجة إلى التأويل، ومنهم من يقول: بأنها حاجة للتفويض، ونقول: هذا بناءً على الفهم الخاطئ الذي ظننتم أن الاشتراك في الاسم يلزم منه التماثل.
الجواب الرابع: أن يقال:
 إن هذه الأسماء والصفات التي تطلق على الخالق، وتطلق على المخلوق، مما سيذكره، مثل: العلم والرحمة والحياة، فإن صفات الخالق تليق به، وهي حقيقة، وصفات المخلوق تليق به، وهي حقيقة في حق المخلوق، فصفة العلم حقيقة في حق الخالق، ولكنها تليق بالخالق سبحانه، وصفة العلم حقيقة في حق المخلوق، ولكنها تليق بالمخلوق، لا يلزم أننا إذا أثبتنا صفة العلم للخالق شبهناه بالمخلوق، هذه القواعد مهمة جدًّا لفهم الجواب بالتفصيل.
فيقال: إنَّ النصوص التي أثبتت الصفات للخالق على الوجه الذي يليق به، والنصوص التي أثبتت الصفات للمخلوق وإن اشتركت في الاسم، فهي على الوجه الذي يليق به.
إذن، صفات الخالق حقيقية، وصفات المخلوق حقيقية، ولا يلزم منها التماثل.
ثم رد عليهم بوجوه:
ابتدأ بالوجه الأول: أنه التواطؤ اللفظي، وهو اللفظ الذي يشترك مثلًا في الوجود، لا يلزم منه التماثل، فقد يقال: إن هذه الألفاظ المشتركة هي من باب التواطؤ اللفظي، أو أنه يقال: إنها من باب اللفظ المشكك الذي هو على درجة تختلف، يعني درجة العلم تختلف، وإن اشترك في جزء في المسمى.
المقصود أن هذه المصطلحات مُهمة في الرد على هؤلاء، وشبهة هؤلاء الذين ظنوا أن وجود الاسم مشترك يلزم منه التماثل، فأرادوا نفي هذه الصفات.
قال: (وَذَلِكَ) هذا هو الجواب العقلي.
(وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ) إذن هي أدلة عقلية، (أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَوْجُودٍ قَدِيمٍ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ) وهو مَن؟ الخالق، الذي هو عندهم، عند العقلاء، وهو واجد الوجود، موجد، أي: خالق.
ما الدليل العقلي؟
(إذْ نَحْنُ نُشَاهِدُ حُدُوثَ الْمُحْدَثَاتِ: كَالْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَالنَّبَاتِ) وهذا الحادث عقلًا لا بدَّ له من مُحدث، مُمْكِنٌ، عفوًا، هذا الحادث مُمْكِنٌ؛ لأنه كان عدمًا، ولهذا يُقال: إنه جائز الوجود، ليس واجب الوجود، مُمْكِنٌ؛ لأنه كان عدمًا، وَالْحَادِثُ الذي هو المخلوق مُمْكِنٌ، أو لا؟ لأنه كان عدمًا فوجد، بينما الخالق واجب الوجود، لم يسبقه عدم، (وَالْحَادِثُ مُمْكِنٌ) ليس بواجب كالخالق، وليس بممتنع، لماذا ليس بممتنع؟ لأنه وُجد، الممتنع لا يوجد، الممتنع مستحيل لا يوجد، فهذا المخلوق حادث ممكن؛ لأنه وُجد، ولم يكن موجود قبل.
(لَيْسَ بِوَاجِبِ) لأنه كان عدمًا، وليس بممتنع؛ لأنه وُجد، لاحظوا هذه مصطلحات مهمة.
(وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمُحْدَثَ) الذي هو المخلوق الموجود (لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ)؛ لأنه لا يمكن أن يوجد صدفة، ولا يمكن أن يوجد نفسه؛ لأن الموجود بهذا النظام لا يقول عاقل إنه صدفة، ولا يمكن أن يخلق نفسه؛ لأنه كان عدمًا، هذا الموجود المخلوق لا بدَّ له من خالق، هذا الحادث لا بدَّ له من مُحدث، إذ َقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمُحْدَثَ الموجود المخلوق، لا بدَّ له من مُحدِث، وهو الخالق.
(وَالْمُمْكِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ) الذي هو كان عدمًا فوجد، ممكن الوجود، لا بدَّ له من واجد، الواجد الذي هو الخالق، كَمَا قَالَ تَعَالَى) لاحظ أدلة الشرع أدلة عقلية ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ هذه المقدمة الأولى ﴿أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ﴾ المقدمة الثانية، إذا بطلت المقدمة الأولى، والمقدمة الثانية، نقول: النتيجة باطلة، ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ النتيجة: أنه إذا لم يكونوا شيء خلقوا من غير شيء، ولم يكونوا هم الذين خلقوا أنفسهم، النتيجة: لا بدَّ لهم من خالق، فليس هم الذين خلقوا أنفسهم، ولم يُخلقوا عبثًا وصدفةً، فلا بدَّ لهم من خالق، وهذا هو الدليل العقلي في القرآن، فأدلة الشرع أدلة عقلية.
علق على وجه الدلالة العقلية في هذه الآية، ولهذا الآية لما سمعها جبير بن مطعم، وكان من أسرى بدر، يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، فلما وصل هذه الآية، قال: كاد قلبي أن ينخلع، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه؛ لأن هذه الآية جاء فيها دليل عقلي، (﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ﴾ ، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك، لا بدَّ لهم من خالق.
بيَّن وجه الدلالة العقلية في الآية، قال: (فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ) صدفة، هذا باطل عقلًا، ما يقول به عاقل، لو قال لك عاقل أن هذا الجهاز وجد صدفة، ما أحد يقبل، لا بدَّ هناك من صانع له، (فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ وَلَا هُمْ الْخَالِقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ) وهي المقدمة الثانية، يقول: كيف يخلق نفسه وكان عدمًا، النتيجة: (تَعَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا خَلَقَهُمْ)، وخالق حكيم وعليم؛ لأنه بهذه العظمة تدل على عظمة الخالق، فخالق العظيم عظيم.
فهذه المقدمات هي من ضرورات الشرع والعقل والفطرة، وجميع العقلاء يقرون بهذا.
{قال -رحمه الله-: (وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ قَدِيمٌ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُحْدَثٌ مُمْكِنٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ وَهَذَا مَوْجُودٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذَا مِثْلَ وُجُودِ هَذَا بَلْ وُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ وَوُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ)}.
لاحظ ابن تيمية هنا انطلق من القدر المشترك عند هؤلاء، هؤلاء ينتسبون للإسلام، فيقال: هل تؤمنون بوجود خالق؟ سيقولون نعم أو لا، فنقول لهم: هل هذا الخالق ذاته مثل ذوات المخلوقين، نقول: لا، له ذات تليق به، هل وجوده كوجود المخلوق؟ سيقولون: لا، الخالق واجب الوجود والمخلوق عندهم جائز الوجود، لماذا الخالق واجب الوجود، لم يسبقه عدم ولا يلحقه زوال، ولم يحتاج إلى غيره، والمخلوق جائز الوجود لأنه كان عدمًا، فأحتاج إلى الخالق واضطر إلى غيره وهو مفتقر إلى غيره.
قال: (وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِي الْوُجُودِ) ولاحظ الوجود هنا قدر مشترك أو لا؟ قدر مشترك، فيطلق على الخالق ويطلق على المخلوق، كلاهما موجود.
(وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ قَدِيمٌ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ) وهو من؟ الخالق، استخدم أيضًا المصطلحات من باب الرد، الأول الذي ليس قبله شيء، وهو عندهم واجب بنفسه، وهو واجب الوجود لم يحتاج إلى غيره، (وَمَا هُوَ مُحْدَثٌ مُمْكِنٌ)، وهو المخلوق (يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ) كان عدمًا فوجد، وكذلك هو عرضة للموت، هذا هو الوجود الثاني، (فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ وَهَذَا مَوْجُودٌ) وهذا قدر مشترك، فالخالق موجود والمخلوق موجود، (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذَا مِثْلَ وُجُودِ هَذَ) هذا انطلق من القاعدة المتفق عليها، فقال: إذا اتفقنا وإياكم على هذا، سينطلق بعد ذلك إلى بقية الأسماء والصفات، فيقال: يلزمكم في بقية الأسماء والصفات كما يلزمكم في صفة الوجود، (بَلْ وُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ وَوُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ)، وهم يقرون بهذا، ويقررون بأن الخالق واجب الوجود والمخلوق جائز وممكن الوجود.
ثم قال: (وَاتِّفَاقُهُمَا فِي اسْمٍ عَامٍّ) وهو الوجود الذي هو قدر مشترك في الذهن، لا تستطيع أن تميزه إلا إذا قيدت، إذا قيدت تميز وجود الخالق عن وجود المخلوق، لكن إذا قلت مصطلح وجود مثل مصطلح الشيء فهو مطلق عام، هذا القدر يشترك فيه الخالق والمخلوق في الاسم العام.
قال: (وَاتِّفَاقُهُمَا فِي اسْمٍ عَامٍّ) وهو مسمى الوجود وهكذا يقال في مسمى العلم، في مسمى الرحمة، وهكذا بقية الصفات، (لَا يَقْتَضِي تَمَاثُلَهُمَا فِي مُسَمَّى ذَلِكَ الِاسْمِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ)، فإذا قلت وجود الخالق، كرم الخالق، علم الخالق، هذا مخصص مقيد، هو نوع العبارات بمعنى أنه الصفات إذا أضافها للخالق أو قيدها أو خصصها، فحينئذٍ لا يكون هناك قدر مشترك، لكن إذا أطلقت هناك قدر مشترك.
(وَلَا فِي غَيْرِهِ. فَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ)، ثم ضرب مثال تقريبي، لا يقول عاقل،
 (إذَا قِيلَ أَنَّ الْعَرْشَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ وَأَنَّ الْبَعُوضَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ: إنَّ هَذَا مِثْلَ هَذَا؛ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي مُسَمَّى الشَّيْءِ وَالْوُجُودِ)، يعني مُسمى الشيء والوجود يُطلق على العرش وهو مخلوق ويطلق على البعوض وهو مخلوق، لكن هل وجود هذا كوجود هذا؟ لا، التباين بينهما في الحقائق.
مثال آخر تقريبي: لو قيل: إن الفيل له يد، حقيقة أو ليس بحقيقة؟ حقيقة، والنملة لها يد حقيقة أو لا؟ هل يقول قائل: أنكم إذا سميتم الفيل بأن له يد وسميتم النملة لها يد، يقتضي أن يد النملة كيد الفيل؟ يقال: لا، فإذا كان هذا التباين بين مخلوق ومخلوق فُصل، يوصف هذا المخلوق شيء وهذا شيء وهذا موجود وهذا موجود، وهذا له صفة وهذا له صفة، التباين بين مخلوق ومخلوق، فكيف بالتباين بين الخالق والمخلوق؟ وإن كان هناك قدر مشترك، فضربه من باب التمثيل والتقريب، إن كان هذا التباين بين مخلوق ومخلوق، فكيف بالتباين بين الخالق والمخلوق من باب أولى وإن كان هناك قدر مشترك.
فاتفق العرش والبعوض في مسمى الشيء والوجود، ثم علل فقال:
{قال -رحمه الله-: (فَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إذَا قِيلَ أَنَّ الْعَرْشَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ وَأَنَّ الْبَعُوضَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ: إنَّ هَذَا مِثْلَ هَذَا؛ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي مُسَمَّى الشَّيْءِ وَالْوُجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ غَيْرُهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بَلْ الذِّهْنُ يَأْخُذُ مَعْنًى مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا هُوَ مُسَمَّى الِاسْمِ الْمُطْلَقِ وَإِذَا قِيلَ هَذَا مَوْجُودٌ وَهَذَا مَوْجُودٌ: فَوُجُودُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَخُصُّهُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ؛ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَ)}.
هذا من باب المثال بتقريب الجواب، (فَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إذَا قِيلَ أَنَّ الْعَرْشَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ) موصوف بهذا الصفة، (وَأَنَّ الْبَعُوضَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ) موصوف أيضًا بهذا الصفة، لا يقول عاقل إن هذا مثل هذا.
لماذا الشبهة؟ لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود، نعم هناك قدر مشترك، هذا موجود وهذا موجود، هذا شيء وهذا شيء، لكن لا يقول عاقل بالتماثل، (لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ) أي خارج الذهن (شَيْءٌ مَوْجُودٌ  غَيْرُهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ)، بل إن الذهن قد يتصور أشياء، يتصور قدر مشترك لكنه في خارج الذهن يميز بين الصفات، (بَلْ الذِّهْنُ يَأْخُذُ مَعْنًى مُشْتَرَكًا كُلِّيًّ) وهو ماذا؟ مسمى الوجود، مسمى الشيء، مسمى العلم، مسمى الكرم، فالذهن يأخذ هذا القدر المشترك، أما في الواقع فالحقائق تختلف.
 (وَإِذَا قِيلَ هَذَا مَوْجُودٌ وَهَذَا مَوْجُودٌ: فَوُجُودُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَخُصُّهُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ؛ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَ)، طبعًا هذا المثال يستخدمه في الرد عليهم، بمعنى أن صفات الخالق حقيقية تليق به، وصفات المخلوق حقيقية تليق به وإن كان هناك قدر مشترك، لا يقال: إن هذا القدر المشترك يلزمه التماثل، يقال لهم: أنتم اثبتم وجود الخالق ووجود المخلوق، وأثبتم أن العرش شيء وأن البعوض شيء ولم تقولوا بالتماثل، هكذا يقال في صفات الخالق وصفات المخلوق، فصفات الخالق أن الاسم حقيقة في كل منهما، فصفات الخالق حقيقية تليق به، وصفات المخلوق حقيقية تليق به وإن كان هناك قدر مشترك عند الإطلاق، أي عند الإطلاق الكلي في الذهن.
{قال -رحمه الله-: (وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ بِأَسْمَاءِ وَسَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءِ؛ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ مُخْتَصَّةً بِهِ إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَسَمَّى بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ بِأَسْمَاءِ مُخْتَصَّةٍ بِهِمْ مُضَافَةٍ إلَيْهِمْ تُوَافِقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ إذَا قُطِعَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ)، هذا ممكن أن نقول هو الجواب الخامس المتفرع عن القاعدة الكلية على وجه التفصيل، ابتدأ من قوله: بأن التواطؤ في اللفظ المشترك لا يلزم منه التماثل، مسمى وجود، مسمى الشيء، وهكذا بقية الصفات، ثم استدل بالدليل العقلي في أن الموجود لا بدَّ له من خالق، المحدثات الممكنات أن لا بدَّ لها من خالق، ومع ذلك تشترك في الوجود والحقائق مشتركة، ثم مثل بمثال حسي وهو وجود العرش ووجود البعوض، ثم انتقل إلى الدليل الفرعي الخامس وهو الدليل الشرعي: في أن الله -تبارك وتعالى- سمى نفسه بأسماء وسمى بعض خلقه بنفس الاسم، ووصف نفسه بصفات ووصف بعض خلقه بنفس الصفات، ولا يقال بالتماثل بينهما.
قال: (وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ بِأَسْمَاءِ وَسَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءِ) كيف سمى الصفات؟ لأن أسماء الرب أعلام وأوصاف، فإذا أطلقت على الذات فهي أعلام، وإذا نظر فيها للمعاني فهي أوصاف، ولهذا مثلًا لو قيل: "أعرب بسم الله الرحمن الرحيم"، كيف يعرب الرحمن الرحيم؟
"بسم": الباء حرف جر، اسم مجرور بحرف الباء، لفظ الجلالة الخالق مضاف إليه، الرحمن صفة، قد يقول قائل: كيف تقولون: الرحمن صفة والرحيم صفة، ونحن نعرف أنها أسماء؟ فيقال: إنَّ أسماء الرب هي أعلام وأوصاف، ولهذا قال: (سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ بِأَسْمَاءِ وَسَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءِ؛ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ مُخْتَصَّةً بِهِ إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ) حقيقة، وأيضًا سمى بعض خلقه بنفس الأسماء وهي بالنسبة للمخلوق مختصة بهم.
 (مُضَافَةٍ إلَيْهِمْ تُوَافِقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ) في المعنى الكلي (إذَا قُطِعَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ) يعني لاحظوا ثمة إطلاقان: إطلاق كلي وإطلاق مقيد، الإطلاق الكلي نعم يحصل فيه قدر مشترك في الاسم، أما الإطلاق المقيد فصفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به، يقول: (إذَا قُطِعَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ) وهو الإطلاق العام، (وَلَا يَلْزَمْ مِنْ اتِّفَاقِ الِاسْمَيْنِ) في الإطلاق العام (وَتَمَاثُلِ مُسَمَّاهُمَ) لاحظ في النسخة الصحيح وجود الواو بحيث تكون العبارة صحيحة، (وَلَا يَلْزَمْ مِنْ اتِّفَاقِ الِاسْمَيْنِ) يعني مثلًا في العلم، في الرحمة، في الكرم، وتماثل مسماهما عند الإطلاق الكلي.
(وَلَا يَلْزَمْ مِنْ اتِّفَاقِ الِاسْمَيْنِ وَتَمَاثُلِ مُسَمَّاهُمَا وَاتِّحَادِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجْرِيدِ عَنْ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ) لاحظ الاتحاد هو أن يكون الشيئين شيء واحدًا، والاتفاق هو كون الشيئين متفقين في الأصل والمعنى الكلي دون الحقيقة، فيتفقان في العلم، يتفقان في الكرم عند الإطلاق، أما الحقائق فكرم الخالق يختلف عن كرم المخلوق.
(وَلَا يَلْزَمْ مِنْ اتِّفَاقِ الِاسْمَيْنِ وَتَمَاثُلِ مُسَمَّاهُمَا وَاتِّحَادِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) دون تقييد (وَالتَّجْرِيدِ عَنْ الْإِضَافَةِ) الإطلاق ضد التخصيص، والتجريد هو ضد الإضافة، (وَالتَّخْصِيصِ: اتِّفَاقُهُمَ) في الحقيقة أو عند التقييد والإضافة، (وَلَا تَمَاثُلَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ) فإذا قيدت الصفة وأضيفت للخالق فهي تختلف عن صفة المخلوق، (فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَّحِدَ مُسَمَّاهُمَا عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ) وعند الإضافة والتخصيص كل واحد له حقيقة تخصه، طبعًا هنا مصطلحات لا بدَّ من التفريق بينها، وهي الاتفاق والتماثل والاتحاد.
التماثل هو كون الشيئين متساويين من كل وجه، وهذا هو الممنوع، والاتحاد كون الشيئين شيئًا واحد، أما الاتفاق فهما يتفقان في قدر مشترك في اللفظ دون الحقائق الكثيرة.
ثم ذكر الشواهد، إذا اتسع الوقت نذكر هذه الشواهد، وهي تدل لهذه القاعدة.
{قال -رحمه الله-: (فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ حَيًّا فَقَالَ: ﴿اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ حَيًّا؛ فَقَالَ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ وَلَيْسَ هَذَا الْحَيُّ مِثْلَ هَذَا الْحَيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْحَيَّ اسْمٌ لِلَّهِ مُخْتَصٌّ بِهِ وَقَوْلَهُ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ اسْمٌ لِلْحَيِّ الْمَخْلُوقِ مُخْتَصٌّ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ إذَا أُطْلِقَا وَجُرِّدَا عَنْ التَّخْصِيصِ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْمُطْلَقِ مُسَمًّى مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَلَكِنَّ الْعَقْلَ يَفْهَمُ مِنْ الْمُطْلَقِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسَمَّيَيْنِ وَعِنْدَ الِاخْتِصَاصِ يُقَيِّدُ ذَلِكَ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْخَالِقُ عَنْ الْمَخْلُوقِ وَالْمَخْلُوقُ عَنْ الْخَالِقِ)}.
نعم، وهو مثال للقاعدة، ثمة قدر مشترك في اسم الحي، قدر مشترك عند الإطلاق الكلي، لكن عند التخصيص حياة الخالق تختلف عن حياة المخلوق، حياة الخالق -عز وجل- لا يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال، أما حياة المخلوق سبقها عدم، ويلحقها زوال، ولهذا الله -تبارك وتعالى- وصف نفسه بالحي في آية الكرسي، وسمى بعض عباده بالحي ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ .
قال: (وَلَيْسَ هَذَا الْحَيُّ مِثْلَ هَذَا الْحَيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْحَيَّ) أي في آية الكرسي (اسْمٌ لِلَّهِ مُخْتَصٌّ بِهِ وَقَوْلَهُ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ اسْمٌ لِلْحَيِّ الْمَخْلُوقِ مُخْتَصٌّ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ إذَا أُطْلِقَا وَجُرِّدَا عَنْ التَّخْصِيصِ) فيقال: الحي هكذا، (وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْمُطْلَقِ مُسَمًّى مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ) في خارج الذهن؛ لأن الذهن يتصور هكذا القدر المشترك الحي، لكن حقيقته؟ كيفيته؟ هذا لا تكون إلا عند التقييد والتخصص.
(وَلَكِنَّ الْعَقْلَ يَفْهَمُ مِنْ الْمُطْلَقِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسَمَّيَيْنِ) الحي، هذا موجود، (وَعِنْدَ الِاخْتِصَاصِ) والتقييد (يُقَيِّدُ ذَلِكَ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْخَالِقُ) إذا قيل في وصف الخالق -عز وجل-: ﴿اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ الذهن يفهم أن هذه الحياة تليق بالخالق -عز وجل-.
(وَعِنْدَ الِاخْتِصَاصِ يُقَيِّدُ ذَلِكَ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْخَالِقُ عَنْ الْمَخْلُوقِ)، فإذن الحياة في حق الخالق حقيقية، وفي حق المخلوق حقيقية، ولكن لا تماثل بينهما، كما دلت عليه أدلة الشرع، وهكذا بقية الصفات.
{قال -رحمه الله-: (وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا فِي جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِالْمُوَاطَأَةِ وَالِاتِّفَاقِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ وَالِاخْتِصَاصِ: الْمَانِعَةُ مِنْ مُشَارَكَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْخَالِقِ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-)}.
المواطأة هي: الاتفاق في اللفظ والمعنى عند الإطلاق، ويمنع الاشتراك بينهما عند التخصيص والتقييد، فكل واحد له حقيقة تليق به، فهذا التواطؤ تواطؤ كلي في الذهن، لكن لا يوجد خارج الذهن، من قال إنَّ هذا التواطؤ الموجود في الذهن يلزم منه التماثل، يقال هذا ليس بصحيح، ولا تدل عليه النصوص.
إذن، التواطؤ نوعان: تواطؤ كلي مطلق، وهذا هو القدر المشترك، وتواطؤ إضافي، وهو عند التقييد والاختصاص.
قال -رحمه الله-: (وَكَذَلِكَ سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ عَلِيمًا حَلِيمًا وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ عَلِيمًا فَقَالَ: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ يَعْنِي إسْحَاقَ وَسَمَّى آخَرَ حَلِيمًا فَقَالَ: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ يَعْنِي إسْمَاعِيلَ وَلَيْسَ الْعَلِيمُ كَالْعَلِيمِ وَلَا الْحَلِيمُ كَالْحَلِيمِ.
وَسَمَّى نَفْسَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا فَقَالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً﴾ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا فَقَالَ: ﴿إنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرً﴾ )
}.
هذه الشواهد كلها تدل على أن هذا الاشتراك المطلق لا يلزم منه التمثيل والتشبيه، وإلا لزم التشبيه في الوجود، فمن قال بأن الله -تبارك وتعالى- يسمع ويبصر مثل سمع المخلوق، يقال: يلزمك هذا أن وجود المخلوق كوجود الخالق، وهو لا يقول بهذا، لزم من ذلك أن وجود الخالق يليق به، وجود المخلوق يليق به، سمع الخالق يليق به، وسمع المخلوق به.
يقول ابن خزيمة -رحمة الله عليه-: "وليس في تسمية بعض الخلق ببعض أسامي الله ما يوجب عند العقلاء الذين يعقلون عن الله -تبارك وتعالى- خطابه، أن يُقال: إنكم شبَّهتم الله بخلقه"، عند جميع العقلاء، بل يُفهم من هذا أن صفات الخالق تليق به، وصفات المخلوق تليق به.
{قال -رحمه الله-: (وَلَيْسَ السَّمِيعُ كَالسَّمِيعِ وَلَا الْبَصِيرُ كَالْبَصِيرِ وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالرَّءُوفِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِالرَّءُوفِ الرَّحِيمِ فَقَالَ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وَلَيْسَ الرَّءُوفُ كَالرَّءُوفِ وَلَا الرَّحِيمُ كَالرَّحِيمِ وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْمَلِكِ. فَقَالَ: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِالْمَلِكِ فَقَالَ ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبً﴾ ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾ وَلَيْسَ الْمَلِكُ كَالْمَلِكِ. وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِالْمُؤْمِنِ فَقَالَ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ وَلَيْسَ الْمُؤْمِنُ كَالْمُؤْمِنِ وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْعَزِيزِ فَقَالَ: ﴿الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِالْعَزِيزِ فَقَالَ: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ﴾ وَلَيْسَ الْعَزِيزُ كَالْعَزِيزِ وَسَمَّى نَفْسَهُ الْجَبَّارَ الْمُتَكَبِّرَ وَسَمَّى بَعْضَ خَلْقِهِ بِالْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ قَالَ: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ وَلَيْسَ الْجَبَّارُ كَالْجَبَّارِ وَلَا الْمُتَكَبِّرُ كَالْمُتَكَبِّرِ وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ)}.
هذه الحقيقة أمثلة، ولهذا قال: (وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ) في ثبوت القدر المشترك في صفات الله -تبارك وتعالى-، بهذه الصفات حال وصف المخلوق بهذه الصفات حال الإطلاق لا تماثل صفات الخالق -تبارك وتعالى-، وهذه الحقيقة قاعدة مهمة في باب الأسماء المتواطئة، التي تطلق على الخالق، وتطلق على المخلوق، وأن الاسم المختص بالخالق -تبارك وتعالى- لا يقال فيه بأنه يشابه صفة المخلوق إذا قُيِّدت بصفة الخالق -تبارك وتعالى-.
طبعًا قد يُقال هذا في العموم، لكن ثمة أسماء وصفات لا تطلق على المخلوق، وإنما هي خاصة بالخالق، مثل اسم الله -تبارك وتعالى-: "الله"، فهذا لا يُقال فيه أنه من الألفاظ المشتركة المتواطئة، بل هي خاصة بالخالق -تبارك وتعالى-.
ومثل أيضًا اسم "الرحمن" هذا خاص بالخالق -تبارك وتعالى-، فلا يشترك معه مخلوق، أيضًا مثل: "مالك الملك" و"علام الغيوب"، فهذه من الأسماء التي تختص بالخالق -تبارك وتعالى-.
الشاهد من هذا: أن هذه الأدلة تدل على أن هذا القدر المشترك كالصفات لا يلزم من التماثل، كما يزعم هؤلاء، فأرادوا الفرار من هذا الفهم، وشبَّهوا الخالق بالجمادات والممتنعات والمعدومات.
لعلنا نكتفي بهذا في المجلس العلمي، ونُكمل -إن شاء الله- في المجلس القادم.
سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
{شكر الله لك فضيلة الشيخ على ما تقدموه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم}.
اللهم آمين، وإياكم، وجميع الإخوة والأخوات، والمستمعين والمستمعات.
{هذا أنا، محدِّثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى أن نلتقيكم في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك