الدرس الرابع عشر

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

4412 24
الدرس الرابع عشر

المحرر في الحديث (2)

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أفضلِ الأنبياءِ والمرسلينَ، أمَّا بعد:
فأرحبُ بكم أيُّها المشاهدون الكرام في لقاءٍ جديدٍ مِن لقاءاتنا في قراءة كتابِ المحرَّر للحافظ ابن عبد  الهادي -رحمه الله تعالى.
نتدارس في هذا الكتابِ عددًا مِن الأحاديث التي ذكرها المؤلِّف في كتابِ الجنائز.
وقد أخذنا أحاديثَ مُتعلِّقةً بالدَّفنِ وبالكفنِ، وبالتَّغسيلِ، واليوم -إن شاء الله- نأخذ شيئًا مِن الأحاديث التي وردت في حَمل الجنازة، وقد ورد معنا أحاديث في فضيلة تشييع الجنازة، وأنَّ مَن فعلَ ذلك فله من الأجر قيراط إذا صحبها حتى يُصلَّى عليها، فإن صحبها حتى تُدفَن كان له قيراطان، وتقدَّم معنا مسائل مُتعلقة بالذِّهاب والإياب مِن المقبرة، فتكون والإنسان راكبًا أو ماشيًا، والأظهر أنَّ هذا على سبيل التَّخفيف، وأنَّه ليس فيه سُنَّة مؤقَّتة، وإنَّما هو على حسبِ حالِ الإنسان، ولعلَّنا أن نتحدَّث عن بعض أحاديث الكتاب.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالينَ، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم، اللهمَّ اغفر لنا ولشيخنا، وللمشاهدين وللمستمعينَ، ولجميعِ المسلمينَ.
قال المصنِّف -رحمه الله تعالى: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... فَذَكرهُ مُرْسلًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "وَأَهلُ الحَدِيثِ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ"، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: "الصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ"، وَقَالَ الْخَلِيلُ فِي هَذَا الحَدِيثِ: "وَهُوَ مِنْ الصِّحَاحِ المـَعْلُولاتِ"، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "وَمنْ وَصَلَهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَى وَصْلِهِ وَلَم يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ -وَهُوَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ- حُجَّةٌ ثِقَةٌ"، وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمدُ بنُ حَنْبَلٍ: "حدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ كَأَنَّهُ وَهْمٌ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهِ ذِكْرُ عُثْمَانَ، وَاللهُ أعْلمُ)}.
قوله هنا: (عَنْ سَالمٍ، عَنْ أَبِيهِ)، بعض الرواة رواه من حديث الزُّهري مُرسلًا، وَمَراسِيل الزهري ضعيفة، ولذلك اختلف أهل العلم في العمل بهذا الحديث:
- قالت طائفة منهم: عندنا روايتان، وبالتَّالي نقول: إنَّ رواية الوَصلِ ورفعها إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- زيادةُ ثقةٍ، والزِّيادة مِن الثِّقةِ مقبولة.
- وآخرون قالوا: إنَّ هذه الزِّياد مخالِفَة، فتكون شاذَّة، ومراسيل الزهري ضعيفة على ما تقدم.
وخلاصة هذا الحديث: موطن تشييع الجنازة، هل يكون الإنسان أمام الجنازة أو خلفها؟
والعلماء يقولون: إن كان راكبًا يكون خلف الجنازة، وإن كان ماشيًا فإنه يكون أمامها.
{(وَعَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقومُوا، فَمَنْ تَبِعَها فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى الثَّوْريُّ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ فِيهِ: «حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ»، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ»، وسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ أَبي مُعَاوِيَة)}.
قوله: «إِذا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقومُو».
قيل المراد به: الجنازة التي تريدون تشييعها.
وقيل: إنَّ المراد به القيام لكلِّ جنازة ولو لم نرد التشييع لها.
وقد كانَ في أوَّل الإسلام مَن مرَّت به جنازة وجَبَ عليه أن يقوم حتى تنصرف، ثم نُسخ ذلك.
قوله: «فَمَنْ تَبِعَه»، أي: مَن سار مع الجنازة. «فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ»، فيه: أنَّ المشيِّعين لا يجلسون في المقبرة حتى توضع الجنازة.
وقوله هنا: «حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ»، يعني: الجنازة، وفي لفظ «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ».
إذن ما المراد بلفظة «حَتَّى تُوضَعَ» هنا؟
هل المراد وضعها على الأرض قبل إدخالها في القبر؟ أو أنَّ المراد بعد إدخالها في القبر ووضعها في مكانها من اللحدِ؟
الروايات في هذا مختلفة، ولعلَّ الأظهر أنَّ المراد بها الإطلاق، فإنَّ رواية الشيخين «حَتَّى تُوضَعَ» عامَّة.
{(وَعَنْ عَليِّ بنِ أَبي طَالبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَعَدَ، وَفِي لَفظٍ: قَامَ فَقُمْنا، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا، يَعْنِي: فِي الْجِنَازَةِ. رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
قوله: (قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يعني: كانوا إذا مرُّوا بالجنازة عنده -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم، وهذا في أوَّلِ الإسلام.
قوله: (ثُمَّ قَعَدَ)، أي: أنَّه بعد ذلك لم يعد يقوم للجنازة إذا مروا بها على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
(وَفِي لَفظٍ: قَامَ فَقُمْن)، يعني: أنه في أول الإسلام كان يقوم للجنازة، وحينئذٍ تبعناه فكنَّا نقوم.
قوله: (وَقَعَدَ فَقَعَدْنَ)، أي: أنَّه في آخر الإسلام لم يكن يقوم عند مرور الجنازة به، ولذلك قيل: إنَّ فعل النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في آخر أمره عدم القيام للجنائز إذا مُرَّت به.
{(وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمدُ بِإِسْنَادٍ غَيرِ قَوِيٍّ، عَنْ عَليٍّ، قَالَ: مَا فَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ قَطُّ غَيرَ مَرَّةٍ بِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ -وَكَانُوا أَهْلَ كِتابٍ- وَكَانَ يَتَشَبَّهُ بِهِم، فَإِذا نُهِيَ انْتَهَى فَمَا عَادَ لَهَا بَعْدُ)}.
تقدَّم الحديث في هذا.
{(وَعَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عبدُ الله بنُ يزِيدٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ، فَصَارَ كَالمـُسْنَدِ"، وَرَوَاهُ سَعِيْدٌ وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ: انْشِطُوا الثَّوْبَ فَإِنَّمَا يُصْنُعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ)}.
قوله: (أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عبدُ الله بنُ يزِيدٍ)، فيه دلالة على أنَّ أحقَّ الناس بالصَّلاة على الميِّتِ مَن أوصى الميتُ أن يُصليَ عليه، فإن كان ليس هناك وصيَّة فإنه حينئذٍ تُعامل مُعاملة إمامة الصَّلاة.
قوله: (فَصَلَّى عَلَيْهِ)، أي: تقدَّم إمامًا.
وقوله: (ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ)، القبر له اتِّجاه، وذلك أنَّ المقبور فيه يُوضع جهة القبلة، فيوضَع على جنبه الأيمن وأمامه جهة القبلة، وَنُدْخِلهُ مِن قِبَل رِجلِ القبر، فهناك موطن للرَّأس في القبرِ وهناك موطن للرِّجلين، فنقوم بإدخالِ رأسِ الميِّتِ أولًا من قِبَلِ محلِّ الرِّجلينِ، ثم بعد ذلك إذا تساوى أدخله في قبره.
وقوله: (وَقَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ)، يعني: أنَّ هذا مرفوع إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وَقَدْ قَالَ: "هَذَا مِنَ السُّنَّةِ، فَصَارَ كَالمـُسْنَدِ")؛ لأنَّ رواية الصَّحابي عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على خمس مراتب:
- إمَّا أن يقول: رأيته يفعل.
- وإمَّا أن يقول: عن رسول الله، أو قال رسول الله.
- وإمَّا أن يقول: أمرنا رسول الله.
- وإمَّا أن يقول: أُمرنَا أن نفعل كذا وكذا.
- وإمَّا أن يقول: من السنَّة، أو يقول: كانوا يفعلون.
وقوله: (وَرَوَاهُ سَعِيْدٌ وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ: انْشِطُوا الثَّوْبَ)، وفي رواية (انْشُروا الثَّوْبَ)، أي: غطُّوا القبر بثوب من أجل ألا يشاهد النَّاس أجزاء الميتةِ، وألا يَمَسُّوها، فإن المرأة لا يجوز لها أن تُظْهَرَ شيئًا من أجزاء بدنها.
وفي هذا: أنَّ الشريعة حرصت على سِتْرِ الأُنثى في حياتها وبعد مماتها؛ فأوجب الله -عزَّ وجلَّ- الحجاب عليها.
وقال: (فَإِنَّمَا يُصْنُعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ)، أي: وضع هذا الثَّوب أو القماش، يُصنع للنساء دون الرجال.
{(وَعَنْ همَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبي الصِّدِّيْقِ النَّاجِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُم فِي الْقُبُورِ فَقولُوا: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ»، وَفِي لَفظٍ: «وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمدُ -وَهَذَا لَفظُهُ-، وأَبو دَاود وَالنَّسَائِيُّ فِي "اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" وأَبو حَاتمٍ البُسْتِيِّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "والْحَدِيثُ ينْفَرِدُ بِرَفْعِهِ همَّامُ بنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّ شُعْبَةَ وهِشَامًا الدَّسْتَوَائيَّ رَوياهُ عَنْ قَتَادَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمرَ". وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمَوْقُوفِ: هُوَ الـمَحْفُوظُ)}.
قوله هنا: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُم  فِي الْقُبُورِ»)، فيه: مشروعية قبر الأموات.
قوله: «فَقولُوا: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ»، أي: يُستحب أن يُقال هذا الذكر عندَ دفنِ الميت، ولكن في هذا الإسناد شيء مِن الضَّعفِ، وقد قَوَّاه ما جاء في الرواية التي تفرَّد همام ابن يحيى برفعها.
وقوله: «فَقولُوا: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ»، أي: على الطريقة التي مَات عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى سنَّة رسول الله  -صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا: مشروعية قول هذه الأذكار.
{(وَعَنْ عَامرِ بنِ سعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ، أَنَّ سَعْدَ بنَ أَبي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: أَلْحِدُوا لي لَحْدًا وانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ برَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رَوَاهُ مُسْلمٌ)}.
في هذا الحديث قول سعد: (أَلْحِدُوا لي لَحْدً)، أي: ضعوا لي في قبري لحد، وهو يُقابل الشِّق، واللحد: هو حفر القبر بحيث يوضع له غرفة جانبية يوضع فيها الميِّت.
قوله: (وانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ)، اللَّبِنَ: نوع من أنواع المواد التي تُستعمَل في الزَّمان الأول، ويتكون من طينٍ ومعه شيء من الأعلاف ونحوها.
قوله: ( كَمَا صُنِعَ برَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، فقد فُعل مثل ذلك بالنَّبيّ -صلى الله عليه وسلم.
{(وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ الإمَامَانِ أَحْمدُ وَإِسْحَاقُ عَنْ عبدِ الرَّزَّاقَ عَنهُ، وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّان، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: "هَذَا حَدِيثٌ مُنكرٌ جِدًّا"، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: "تَفَرَّد بِهِ مَعْمَرٌ عَنْ ثَابتٍ"، وَعِندَ أَبي دَاوُدَ: قَالَ عبدُ الرَّزَّاق: كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَو شَاةً)}.
قوله: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ»، المراد بالعقر: ذبح بهيمة الأنعام على القبر، وكانوا يَعتقدون أنَّ ذلك يكون أجرًا للميِّت، وذلك أنَّ الناس يأخذون من هذا اللحم المعقور عند القبر، فنهى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ولم يُجز هذا الفعل.
{(وَعَنْ سَعْدِ بنِ سَعيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَحسَّنهُ ابْنُ القَطَّانِ، وَوهِمَ مَنْ عَزاهُ إِلَى مُسلمٍ،لَكِنْ رِجَالُهُ رِجَالُ مُسْلمٍ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا، وَرَواهُ ابْنُ أَبي عَاصِم مِنْ رِوَايَة حَارِثَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ، عَنْ عَمْرَة، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَة، وَزَادَ: «فِي الْإِثْمِ» )}.
قوله هنا: «كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّ»، فيه تحريم كسر عظام الأحياء، وأنَّ هذا من المحرمات، ولا شكَّ أنَّه من الاعتداء.
وفيه أيضًا: وجوب احترام جثَّة الميت.
وفيه: تحريم كسر شيء من أعضائه كاليد.
واستُدلَّ بهذا على أنَّ الميِّت لا يجوز أن يُؤخذ من أعضائه ليُوضع في الحيِّ إلا إذا كان بإذنه، وقد رُويَ موقوفًا، وهذا يُلحق به كل ما مَاثَلَهُ، فهذا ضابط، فبهيمة الأنعام التي يجوز كسر عظمها فإنها لا تدخل في المنع، وإنما تكون على الإباحة.
وفي هذا أنَّ كسر عظم الميت مِن المحرمات -كما تقدَّم.
{(وَعَنْ جَابرٍ قَالَ: دُفِنَ مَعَ أَبي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ، وَفِي لفظٍ: فَأَخْرَجْتُه بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذا هُوَ كَيَوْمَ وَضَعْتُهُ غيرَ أُذُنِهِ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَلأَبي دَاوُدَ: فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِي لـِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِي الأَرْضَ)}.
قال جابر: (دُفِنَ مَعَ أَبي رَجُلٌ)، أبو جابر هو: عبد الله بن حرام، تُوفي فِي يَومِ أُحُد، فكانت القُبور شحيحة وتحتاج إلى جهد، ولذلك جَمَعَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بين الاثنين في القبرِ الواحدِ.
قال جابر: (فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي)، أي: لم تَطِبْ نفسي بأن أجعله مع غيره في القبر.
قال: (حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ)، في هذا جواز نقل جُثَثِ المقبورين من قُبُورِهِم إذا كان هناك مَصلحة، سواء كانت مصلحة للميِّت أو مصلحة لقرابته، أو لغيرهم.
قال: (وَفِي لفظٍ: فَأَخْرَجْتُه)، يعني: استخرج أباه من قبره.
قوله: (بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذا هُوَ كَيَوْمَ وَضَعْتُهُ) يعني: يوم دفنه.
(غيرَ أُذُنِهِ)، وفي هذا دلالة على أنَّ أهلَ الصَّلاحِ يَبقونَ في أبدانهم، وأنَّهم لا يتأثَّرون بالتُّرابِ ونحوه.
{(وَعَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقُلتُ: يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ العَرَصَةِ الحَمْرَاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِزِيَادَةٍ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقَدَّمًا وَأَبُو بَكْرٍ رَأْسُهُ بَينَ كَتِفَيِّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ الْحَاكِمُ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلم يُخرِّجَاهُ"، وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: "وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ، وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا")
}.
دُفنَ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة، ثم دُفنَ أبو بكر فكانت لا تحتجب، فلمَّا مَاتَ عُمَرُ طَلَبَ أن يُدفَن مع صاحبيه، فكانت تَأْتِي إلى طَرفٍ مِن أَطرَافِ حُجْرَتِها، وهذه الحجرة لم تكن في عهد النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وإنما كانت خارجًا عنه، ولذا فإنَّ قبر النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُعدُّ خارج المسجد، فإنَّ بني أميَّة الذي زادوا في المسجد لم يُدخلوا ذات الغرفة في المسجد، وإنما أدخلوا ما حولها، فكون جدار الحجرة يحدُّه من جميع الجهات المسجد لا يعني أنَّ داخل الحجرة من المسجد.
وقوله: (عن الْقَاسِمِ)، القاسم: هو ابن محمد بن أبي بكر، وكانت عائشة عمَّته -أخت أبيه- فقال: (يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصَاحِبَيْهِ)، أي: بيِّني لي أين موضعهما.
قال: (فَكَشَفَتْ)، لأنها كانت تتخذ ستارًا لها في جزء حجرتها التي تجلس فيها.
قال: (فَكَشَفَتْ لي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ)، فيه دلالة على أنَّه من السُّنَّة عدم الزيادة في القبور وعدم رفعها.
فال: (وَلَا لاطِئَةٍ)، يعني: أنها لم تُطوَ هذه القبور.
قال: (مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ)، البطحاء: التربة التي يكون فيها شيء من الحصى، وفي الغالب تكون في الأودية، ومن شأنها أن تكون نظيفة ليس فيها شيءٌ مِن الغُبارِ.
(مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ العَرَصَةِ الحَمْرَاءِ)، هذا موطن من مَوَاطِن المدينة يمتاز بهذا النوع من أنواع البطحاء.
وقوله: (عند وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِزِيَادَةٍ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقَدَّمً)، أي: أنه على جهة القبلة، وهو الأول.
قال: (وَأَبُو بَكْرٍ رَأْسُهُ بَينَ كَتِفَيِّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، فكان عمر مُتأخرًا.
{(وَعَنْ جَابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسلمٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم: وَأَنْ يُكتَبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: "هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الـمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِم، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَهُ الـخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ")}.
قوله: (نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ)، يعني: أن يُوضع عليه شيء من الجصِّ، مثله: الإسمنت، ومواد البناء. والأصل في النَّهي أن يكون على التحريم، وذلك أنَّ الشَّريعة تتطلع إلى أن لا يُزاد في القبور، وألا يُوضع عليها شيءٌ مِنَ البناء.
وقوله: (وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ)، أي: نَهى النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يجلس الإنسانُ على القَبرِ، وَقَد وَرَدَ فيه أحاديث تغليظ شديدة.
وقوله: (وَأَن يُبْنَى عَلَيْهِ)، أي: نَهَى النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يُوضع بناءٌ عَلى القُبُورِ، والأصل في النَّهي أن يكون على التحريم، وحينئذٍ صاحب الولاية كالإمام الأعظمِ وَمَن يُمثِّله فإنَّهم يَتَقَرَّبُونَ لله -عزَّ وجلَّ- بإزالة البُنيانِ الذي يكون على هذه القبور، وأفراد الناس أو الجماعات الذين لهم استتبابٌ في الأمر؛ فهؤلاء ليسوا ممَّن يُعنون بهذا الأمر.
ولذا لم يفعل النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- شيئًا ببناء القبور الذي كان عليها لمَّا كان بمكَّة؛ لأنَّه لم يكن صاحب ولاية حينذاك.
(وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم بزيادة: وَأَنْ يُكتَبَ عَلَيْهِ)، أي: نَهَى أن يُكتَبَ عليه، والأصل في النَّهي أن يكون على التَّحريم.
(وَقَالَ الْحَاكِمُ: "هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَ) وَنَقَلَ أَنَّ أَئمَّةَ المسلمينَ لم يَزَالُوا يَكتبون ذلك على القُبور، ولكن هذا ليس أَمرًا مُشاهدًا، بل لازالت هذه قبور الصَّحابة بين أيدينا لا كتابة عليها، ولا زال الناس يَتَوَارَثُونَها، ولذا تعقَّب الإمامُ الذهبيُّ الشَّافعي الحاكمَ في هذه المسألة، فقال: "لا نعلم صحابيًّا فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثَه بعض التَّابعين فمَن بعدهم"، فدلَّ هَذَا عَلَى أنَّ الكتابة على القُبُور مَنهيٌّ عنها، وحينئذٍ أيُّ كتابة سواء كانت اسم المقبور، أو كانت سِنُّه، أو كانت شيءٌ مِن أَحوَالِه، أو كانت آياتٌ قرآنيَّة، أو أحاديثٌ نبويَّة؛ كلها لا يجوز كتابة شيء منها على القبور، لكن في مرَّات قد يُكتب على جِدَارِ المقبرة أرقام من أجل أن تُعرَف مَوَاطِن القبور، فهذه الكتابة ليست على ذاتِ القبر، وإنما هي كتابة على جدار المقبرة.
{(وَعَنِ الْأَسْوَدِ بنِ شَيبَانَ، عَنْ خَالِدِ بن سُـمَيـرٍ، عَنْ بَشِيرِ بنِ نَهِيكٍ، عَنْ بَشيرٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، زَحْمُ بنُ مَعْبَدٍ، فَهَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: زَحْمٌ، قَالَ: «بَلْ أَنْتَ بَشِيرٌ» قَالَ: بَيْنَمَا أَنا أُماشِي رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيْرً»- ثَلَاثًا- ثُمَّ مَرَّ بِقُبُورِ الـمُسْلِمِيْنَ، فَقَالَ: «لَقَدْ أَدْرَكَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيْرً»، وحَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَظْرَةٌ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ، فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيحكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ» وَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلَعَهُما فَرَمَى بِهِما. رَوَاهُ أَحْمدُ -وَقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ- وَأَبُو دَاوُد -وَهَذَا لَفظُهُ- وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ -وَصَحَّحَهُ- وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ جمَاعَةٌ عَنِ الْأسودِ بنِ شَيبَانَ، وَلَا يُعرفُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ"، وخَالِدٌ: وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَلم يروِ عَنهُ غيرُ الْأسْوَدِ، وَالْأسْوَدُ: رَوَى لَهُ مُسلمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ)}.
في هذا الحديث من الفوائد:
- تغيير الاسمُ الممقوت بعد أن يُسلِمَ صَاحبه، وقد كان هذا الرجل اسمه "زحم" فقلبه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ليكون اسمه "بشير".
- وفي هذا الحديث أيضًا: جواز المرور حول قبور غير المسلمين، وأنَّه لا حرجَ على الإنسان فيه.
- وفي هذا: جواز المرور بقبور المسلمين.
- وفيه الثناء على أهل القبور من المسلمين، لقوله: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيْرً».
وقوله: (فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ، فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيحكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ»)، استُدلَّ به على عدم جواز المشي بين القبور بالنِّعال.
وقد قال طائفة: إنَّه ورد في الحديث أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا انصرف عن الميت أهله فإنه يسمع قرع نعالهم»، قالوا: فيه دلالة على جواز لُبسِ النِّعال في المقبرة، وحينئذٍ قالت طائفة: إنَّ النَّهي يَختصُّ بالنِّعال السِّبتيَّة، وكانت نعالًا لها شعر، وأمَّا غيرها فلا يدخل في الحديث.
وقال آخرون: إنَّ النَّهي فيمَن كان يمشي بين القبور، وأمَّا الحديث الآخر فهؤلاء قد مَشَوا مِن القبور، فكان مَشيُهم في طرف المقبرة وليس بين القبور.
ولعلَّ الثاني هذا أظهر، ولذلك لا يحسُن للإنسان أن يمشي بين القبور بالنِّعال لِما في ذلك مِن إيذاء الموتى.
{(وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلم يُعْزَمْ عَلَيْنا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
قولها: (نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ)، النَّهي هُنا مُوجَّه للنِّساء، والأصل في النَّهي أن يكون للمنعِ والتَّحريمِ.
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
- فالجمهور قالوا: إنَّ النِّساء لا يجوز لهنَّ أن يتبعنَ الجنازة؛ لأنَّ النَّهي هنا يدلُّ على المنع، وأمَّا لفظةُ (وَلم يُعْزَمْ عَلَيْن)، فهذا كلام أمِّ عطية لِفَهمِهَا، وهو يناقض رواية النَّهي، فالنَّهي ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا قوله: (وَلم يُعْزَمْ عَلَيْن) هذا مِن فَهم أم عطية. وقد جاء في حديث أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا شيَّع جنازة تبعه بعض نساء الصحابة فقال -صلى الله عليه وسلم: «فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ»[51].
وكما تقدَّم أنَّ بعضهم لم يَرَى المَنعَ مِن ذَلِك، ولكن هذه الأحاديث فيها دلالة على هذا المعنى، وفيه أيضًا مُوافقة مَقصد الشَّريعَة فِي حِفظِ النِّساء عَن مَوُاطِن التَّأثُّرِ.
{(بَابٌ فِي الْبكاءِ عَلَى الْمَيِّت والتَّعزِيَة وَغيرِ ذَلِك
عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: شَهِدنَا بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعانِ، فَقَالَ: «هَل فِيكُم مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنا، قَالَ: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَ»، قَالَ ابْنُ الـمُـبَارَكِ: قَالَ فُلَيْحٌ: أُراهُ -يَعْنِي- الذَّنْبَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَفِي تَفْسِيرِ فُلَيْحٍ نَظَرٌ؛ فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رُقَيَّةَ لـمَّا مَاتَتْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَدْخُلِ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ أَهْلَهُ»، فَلمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ الْقَبْرَ)
}.
قوله هنا: (شَهِدنَا بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يعني: شَهِدنَا وَفَاتها ودفنها.
قوله: (وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالسٌ عَلَى القَبْرِ)، فيه الجلوس على القبر قبل دفن الميِّت بعد وضع الجنازة.
وقوله: (فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعانِ)، فيه دلالة على جواز البُكَاءِ على الميِّت، وإن كان الأولى تَركُ البكاءِ، لأنَّ قَدرَ الله نافذ، والبُكاء لا يَزيدُ في الأمر شيئًا، ولا يدفع سُوءًا.
 فَقَالَ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم: «هَل فِيكُم مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟»، المراد بهذه اللفظة: أي: لم يأتِ أهله.
(فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَن)، وأبو طلحة له عَلاقة بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من جِهة الرَّضاعة، وقيل: إنَّه خاله من الرَّضاعة.
قال: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَ»، ولذا نزلَ في قبرها.
(قَالَ ابْنُ الـمُـبَارَكِ: قَالَ فُلَيْحٌ: أُراهُ -يَعْنِي- الذَّنْبَ)، هذا تفسير منه لقوله: «لَمْ يُقَارِفِ»، أي: لم يُذنب ذنبًا.
والآخرون قالوا: إنَّ المُراد لم يُقارف أَهلَه بِدَلالةِ الروايات الأخرى في هذا الحديث.
{(وَعَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيْبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عبدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ» -وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَتَذْرِفَانِ- «ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
هذا الحديث وردَ والنَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يَخطب أَصحَابَهُ عَلى المِنْبَرِ، جاءه جبريل فأخبره بما وقعَ في هذه المعركة -معركة مُؤتة- فقال -صلى الله عليه وسلم: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ»، يعني: زيد بن حارثة. «فَأُصِيْبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عبدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ»، وكانت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لَتَذْرِفَانِ)، أي: تنزل منهما الدموع، فاستدلَّ بذلك على جواز مثل هذا الفعل عند نزول الموت بالآخرين.
قال: «ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ»، فيه أنَّه إذا مَاتَ الولاةُ الذين يتبعون الإمامَ الأعظم فإنَّه يُشرَع لمَن يكون له مكانة ومنزلة وله عند الناس قَبولٌ ويمتثلون ما جاء منه أن يُمسك بزمام الأمر من أجل ألا تنفلت.
وقوله: «فَفُتِحَ لَهُ»، أي: أنَّه تمكَّنَ من حماية جيشه من أن يَفتِكَ بِهِمُ الرُّوم.
{(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ وشَقَّ الْجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
فيه تحريم هذه الأفعال:
«ضَرَبَ الخُدُودَ»: أي: يضربون الوجوه مِن أَجلِ الحُزن على الميت.
«وشَقَّ الْجُيُوبَ»: أي: يَشُقُّون الثياب مِن الأمَامِ مِن أَجلِ الحُزنِ على الميت.
«ودَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»: أي: يَرفعون الصوت ويقولون: وا فلان، وا فلان؛ ويذكرون شيئًا مِن مَحَاسِنِهِ، فهذه كُلُّها أُمورٌ مُحَرَّمَةٌ مَنهِيٌّ عَنهَا.
{(وَعَنْ أَبي مَالكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخرُ بِالْأَحْسَابِ، والطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بالنُّجومِ، والنِّياحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»، وَقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهَا سِرْبالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلمٌ)}.
قوله: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ»، فيه تحريم هذه الأمور الأربعة، وأنها ليست مِن أَمرِ الإسلامِ، إنما كان أهلُ الجاهليةِ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا لله، وأنَّ أهل الجاهليَّة لا يَترُكُونَهُنَّ:
أولها: «الْفَخرُ بِالْأَحْسَابِ»: بحيث يترفَّع الإنسان على غيره بسبب مَا أُثرَ عن آبائه وأجداده مِن مَآثِرَ حميدة.
والثاني: «والطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ»: بأن يَقدحَ في الأَنسَابِ الأخرى تشكيكًا فيها، أو استنزالًا مِن مكانتها.
وأمَّا الثالث: «وَالِاسْتِسْقَاءُ بالنُّجومِ»: أي: طلب السُّقيا والأمطار مِن النُّجوم التي في السَّماء.
وأمَّا الرابع: «والنِّياحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»، والنِّياحة: التَّأثُّر الملاحَظ عند مَوتِ القَريب، إمَّا بشقِّ الجيوب أو بالضربِ، أو نحو ذلك.
وقال -صلى الله عليه وسلم: «النَّائِحَةُ»، أي: التي تَرفعُ الصَّوت بُكَاءً وَحُزنًا على الموتى.
«إِذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، أي: يُؤتَى بِهَا فِي يَومِ القِيامةِ وتُجعَل قائمة.
قال: «عَلَيْهَا سِرْبالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ»
فالقطران: نوع من أنواع الزِّفت أو القطران.
الجرب: دواء يُعَالَج به، فيه رائحة وفيه شدَّة.
وفي هذا: تحريم النِّياحة على الميت، وظاهره أنَّ النِّياحة من كبائر الذنوب.
{(وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لـمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُم» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ)}.
قوله: (لـمَّا جَاءَ نَعْيُ)، أي: خبر وفاة جَعْفَرٍ.
قوله: (حِينَ قُتِلَ)، وقد قُتِلَ في غزوة مُؤتة، وفي هذا جواز النَّعي.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُم»، فيه جواز واستحباب صنع الطعام لأهل الميِت، ولكن يُلاحَظ أنَّ أهل الميت لم يصنعوا الطعام، فَصَنْعُ أَهلِ الميتِ الطَّعام للناسِ خلافٌ للسُّنَّة وخلافٌ لطريقة النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأشنعُ من هذا إذا أُخِذَ ثَمَنُ الطَّعامِ مِنَ التَّركة بدون استئذان الورثة، خصوصًا إذا كان فيهم صِغَار، فلا يتصرَّف في أموالهم إلا بما هو أحظُّ لهم.
وفيه أيضًا: أنَّ الاجتماع لأهل الميِّت من أجل الطعام ليس أَمرًا مَشروعًا، فإنّه جعل الطعام لآل جعفر وَحدَهُم، فمعناه أنَّ الناس لا يجتمعون عِندَهُم عَلى الطَّعام.
وقد ورد أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- جاءهم بعد ثلاثٍ فعزَّاهم في مَيِّتهم.
{(وَعَنْ ربيعَةَ بنِ سَيفٍ الـمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبي عبدِ الرَّحْمَنِ الـحُبُلِيَّ، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحنُ نَسيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ بَصُرَ بِامْرَأَةٍ لَا تَظُنُّ أَنَّهُ عَرَفَهَا، فَلَمَّا توَسَّطَ الطَّرِيقَ وَقَفَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، فَإِذا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: «مَا أَخْرَجَكِ مِنْ بَيْتِكِ يَا فَاطِمَةُ؟» قَالَتْ: أَتَيْتُ أَهْلَ هَذَا الـمَيِّتِ فَرَحَّمْتُ إِلَيْهِم وَعَزَّيْتُهُمْ بِـمَيِّتِهِمْ، قَالَ: «لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الكُدَى» قَالَتْ: معَاذَ اللهِ أَنْ أَكونَ بَلَغْتُهَا وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِي ذَلِك مَا تَذْكُرُ، فَقَالَ لَهَا: «لَو بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْتِ الجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيْكِ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ -وَهَذَا لَفظُهُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ: "صَحِيحٌ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يُخَرِّجَاهُ"، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ رَبيعَةَ لم يُخَرِّجْ لَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ شَيْئًا، بل هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَرَبِــيْـعَةٌ؛ قَالَ البُخَارِيُّ: «عِنْدَهُ مَنَاكِيرٌ»، وَضَعَّفهُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ»، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: "صَالحٌ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: " كَانَ يُخْطِيءُ كَثِيْرًا"، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الواهِياتِ: "هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ"، وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الـحَقِّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ القَطَّانِ "، وَقدْ تَابعَ رَبِيعَةَ عَلَيْهِ شُرَحْبِيلُ بنُ شَرِيكٍ وَهُوَ مِنْ رِجالِ مُسْلِمٍ. واللهُ أَعْلَمُ)}.
قوله هنا: (وَعَنْ ربيعَةَ بنِ سَيفٍ الـمَعَافِرِيِّ)، المعافري هذا وقع الاختلاف فيه، فقال بعضهم: ليس به بأس، أو أنه صدوق، والجمهور على تضعيف روايته.
ثم إنَّ هذا قد ورد له مُتابع من رواية شرحبيل بن شريك، لكن تلك الرواية فيها راوٍ مجهول، ورواية المجهول لا تَتَقَوَّىَ بها رِواية الضَّعيف على الصحيح، ولهذا فإنَّ خبر الباب ضعيف، ولا يصح أن يُبنى عليه حكم.
وأمَّا ما ذُكرَ من اتِّباع النساء للجنائز فقد تقدَّم الكلام عليه في حديث أم عطية.
بارك الله فيكم جميعًا، وأسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يرزقنا وإياكم علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، كما أسأل -جلَّ وعَلا- أن يجعلنا وإيَّاكم ممَّن عَمِلَ بسنة النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وسار عليها.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك