الدرس الحادي عشر

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

4412 24
الدرس الحادي عشر

المحرر في الحديث (2)

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أفضلِ الأنبياءِ والمرسلين، أمَّا بعدُ:
فأرحبُ بكم إخواني المشاهدين الكرام في لقاءٍ جديدٍ نتدارسُ فيه شيئًا مِن أحاديث رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- التي يؤخذ منها الأحكام الفقهيَّة، وقد ذكرنا فيما سبق عددًا من الأحاديث التي وردت في بيانِ أحكامِ صلاةِ الكُسُوفِ، وفي هذا اليوم -بإذن الله عزَّ وجلَّ- نبتدئُ بذكرِ الأحاديثَ الواردة في صلاة الاستِسقَاء.
والاستِسقَاءُ في اللَّغة: طلبُ السُّقيا.
والمراد به: الدُّعاء بإنزالِ الأمطارِ، وسؤالِ ربِّ العزَّة والجلالِ أن يُغيثَ البلادَ بإنزالِ المطر.
وأضيفت "الصَّلاة" إلى "الاستِسقَاء"؛ لأنَّه سببها، ولعلَّنا -إن شاء الله- أن نتدارس أحاديث الباب، وقبل هذا أشيرَ إلى أنَّ صلاة الاستِسقَاء قد ثبتَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّاها مرارًا، ولذلك قال جماهيرُ أهلِ العلم: إنَّ صلاةَ الاستِسقَاءِ مشروعةٌ، وخالفهم في ذلك الإمامُ أبو حنيفة، وقد خالفَ أصحابُ أبي حنيفة مذهبَه في ذلك، ووافقوا الجمهورَ لثبوتِ هذه الصَّلاة في أحاديثَ متعدِّدةٍ.
والاستِسقَاءُ لا يقتصرُ على الصَّلاةِ المعهودة، وإنَّما يُمكن أن يُستسقَى في خطبةِ الجمعةِ، كما وردَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فعلَ ذلك في حديثِ أنس في الصَّحيحين، وهكذا أيضًا يُمكن أن يدعوا الله العبادُ في صلواتهم، وفي خلواتهم، وفي محالِّهم التي يدعون الله -عزَّ وجلَّ- فيها، فإنَّ الدُّعاء بالمطرِ قُربةٌ من القربات، ويدخل في عمومِ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
وأنبِّه إلى أنَّه لا ينبغي أن يقصدَ الإنسانُ بهذه الصَّلاة، أو بهذه الدَّعوات مجرَّد المطر، وإنَّما ينبغي به أن يقصدَ بذلك اتِّباع هدي النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- واستجلابَ رضى الرَّب بهذه العبادة التي هي صلاة ودعاء، فهي مِن أعظمِ العباداتِ أجرًا، ثمَّ كذلك يستشعر أنَّه في حاجةِ إخوانه الذين يطلبون ويحتاجون إلى نزولِ المطر، وقد يُضطرون إليه، وكذلك فيه سمعٌ وطاعةٌ لصاحبِ الولايةِ عندما يدعو النَّاس إلى إقامَةِ صلاةِ الاستِسقَاءِ اتِّباعًا لطريقة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
ولعلَّنا -إن شاء الله- أن نبتدئ قراءةَ الأحاديث الواردة في هذا الباب، فتفضل مشكورًا -بارك الله فيك.
{(بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالينَ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم.
اللهمَّ اغفر لنا وليشخنا، وللمستمعينَ، ولجميعِ المسلمينَ.
قال المصنِّف -رحمه الله تعالى: (بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ
عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ منَ الْأُمَرَاء إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الصَّلَاة فِي الاسْتِسْقَاءِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَنَعَهُ أَنْ يَسْأَلَنِي؟ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي العِيدِ، لَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُم هَذِه. رَوَاهُ أَحْمدُ -وَهَذَا لَفظُهُ- وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَصَحَّحَهُ- وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِه وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ)
)
}.
ذكرَ المؤلِّف هنا حديثَ ابن عباس، قال: (إِسْحَاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ منَ الْأُمَرَاء)، فيه جوازُ أن يوكِّلَ الشَّخصُ غيرَه في المسألةِ الشَّرعيَّةِ، لأنَّه حينئذٍ إنَّما يسأل عن مسألته هو، وبالتَّالي لا بأس، بخلاف أخذ المسألة أو أخذ الجواب مِن سؤال الآخرين، فإنَّ مسألتك تخالفُ مسألة غيرك، وقد يكونُ بينهما فرقٌ مؤثِّر في الحكمِ تظنُّه غيرَ مؤثِّرٍ، وهو في حقيقةِ الأمرِ مؤثِّرٌ.
قال (أَسْأَلُهُ عَنِ الصَّلَاة فِي الاسْتِسْقَاءِ)، قد يكون المراد: هل هي مشروعة أو ليست مشروعة؟ وقد يكون المراد: كيفية الخروج إليها -كما هو ظاهر كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- وابن عباس إمام مِن الأئمَّة، وقد دعا له النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالفقهِ في الدِّين، ومعرفةِ التَّأويلِ، ولذلك كان من علماء الأمَّة الكبار في العصور الأُوَل.
قوله (مَا مَنَعَهُ أَنْ يَسْأَلَنِي؟)، يعني مباشرة بدون أن يكون هناكَ وكيل بيني وبينه، فإنَّ المفتي قد يستفصِلُ عن جزئياتٍ في المسألةِ لا يعرفها الوكيلُ، ويعرفها الأصيلُ.
ثم استأنفَ ابنُ عباس فقال: (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم)، في هذا دلالةٌ على أنَّ الاستِسقَاءَ الأفضل فيها أن تُؤدَّى خارج المدينة والبنيان، كما هو ظاهرُ هذا اللفظ مِن كلام ابن عباس.
قوله: (مُتَوَاضِعً) التَّواضع: خلافُ الكبر، بأن يرى لنفسه فضلًا، وأن يكونَ متبخترًا في مشيه، أو مترفِّعًا عن النَّاس.
وقوله: (مُتَبَذِّلً)، أي تاركًا لأجملِ الثِّيابِ وأحسنِها، وإنَّما لَبِسَ البذلَةَ.
وقوله: (مُتَخَشِّعً)، أي أنَّه في مشيتِه وحركتِه لم يَسر على طريقةِ أهلِ البَطَرِ.
وقوله: (مُتَرَسِّلً)، أي يمشي الهوينة في ذهابِه لصلاةِ الاستِسقَاءِ.
وقوله: (مُتَضَرِّعً)، أي مخبتًا، داعيًا لله -جلَّ وعَلا.
وقوله: (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، فيه دلالةٌ على أنَّ صلاةَ الاستِسقَاءِ يُبدَأ فيها بالصَّلاة قبلَ الخطبةِ، وفيه دلالةٌ على أنَّ صلاةَ الاستِسقَاءِ تكونُ من ركعتين، وفيه دلالةٌ على أنَّ للاستسقاءِ صلاةٌ تخصُّه كما قال الجمهور.
قوله: (كَمَا يُصَلِّي فِي العِيدِ)، فيه دلالةٌ على مشروعيَّة التَّكبيرات لصلاةِ الاستِسقَاءِ التي تكون بعد تكبيرةَ الإحرامِ، والتي تكون بعد الانتقالِ مِن الرَّكعةِ الأولى للرَّكعة الثَّانية.
وقوله: (لَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُم هَذِه)، فيه دلالةٌ على أنَّه كانَ يخطبُ بعدَ الاستِسقَاء، وذلك أنَّه إنَّما نَفَى المماثلَة ولم ينفِ أصلَ الصَّلاة، وفي قوله هذا أنَّهم كانوا يتكلَّمون بالكلامِ الكثيرِ، أو بالكلامِ الذي لا عَلاقة له بالاستِسقَاءِ والتَّضَرُّع وسؤال الله -عزَّ وجلَّ- وتذكيرِ النَّاس بما يكون سببًا في نزول الأمطار.
وقوله (خُطَبَكُم)، استدلَّ به الحنابلة وطائفة على أنَّ الاستِسقَاء لا يُخطَب له إلا خطبة واحدة، وبعضُ أهل العلم قال: يُخطَب للاستسقاءِ بخطبتين.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ)}.
قوله (وَوَعدَ) فيه وجهان:
- (وَوَعَدَ الناسَ): يعني النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم.
- (وَوُعِدَ الناسُ): فيكون "الناس" نائب فاعل.
{(... وَوَعدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ -صلى الله عليه وسلم- وَحَمِدَ اللهَ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُم شَكَوتُم جَدْبَ دِيَارِكُمْ واسْتِـئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُم، وَقَدْ أَمَرَكُم اللهُ عزَّ وجلَّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُم أَنْ يَسْتَجِيْبَ لَكُم» ثُمَّ قَالَ: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدَّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنحنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَهُ لنا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلَى حِينٍ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وقَلَبَ- أَو حَوَّلَ- رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللهِ، فَلم يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الكِنِّ ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ وَأَنِّي عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد -وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إِسْنَادُهُ جيّدٌ)}.
قوله في هذا الحديث: (شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قُحُوطَ الْمَطَرِ)، المراد بذلك: أنَّهم أرادوا مِن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أن يعرِّفهم بشيءٍ من الحلول التي نتجَ عنها زوالُ ما هم فيه مِن مصيبةِ قلَّةِ الأمطارِ.
وقوله: (فَأَمرَ بِمِنْبَرٍ)، هذا المنبر ليخطب عليه -صلى الله عليه وسلم- وقد أمرَ بوضعِهِ في المصلَّى الذي في خارج المدينة الذي سيُصلِّي فيه صلاةَ الاستِسقَاء.
(فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى)، أي في المكان الذي عُهِدَ أن يُجعل للصَّلاة خارج المدينة، حيث كان يصلِّي فيه صلاةَ الاستِسقَاءِ وصلاةَ العيدين.
قال: (وَوُعدَ النَّاسُ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ) أو (وَوَعدَ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ)، استُدلَّ بهذا على أنَّ أمرَ إقامةِ صلاة الاستِسقَاء يكونُ إلى الإمام كما كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يفعل مع النَّاس بمواعدتهم للخروج للاستسقاء.
(قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ)، صلاةُ الاستِسقَاء لا يجوزُ أن تُفعلَ إلا بعد زوالِ وقتِ النَّهي بارتفاعِ الشَّمسِ قيدَ رمحٍ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ حتى إذا وصلَ مكان المصلَّى يكونُ قد وصلَ بعد ارتفاعِ الشَّمسِ.
قالت: (فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ)، ظاهرُ هذا أنَّه ابتدأ بالخطبةِ قبلَ الصَّلاة، ولكن في الحديث السَّابق وعددٍ من الأحاديثِ، وهكذا أيضًا ما توارثه النَّاس في الحرمينِ الشَّريفين وغيرهما من المساجد: أنَّهم يبتدؤون بالصَّلاة قبلَ الخطبةِ، وحديثُ البابِ قد تكلَّم فيه بعضهم مِن جهة الإسنادِ، وإن كان أكثرُ أهلِ العلمِ يرون أنَّه جيدُ الإسنادِ، وإنمَّا وازنوا بينَ هذا الحديث في بعضِ ألفاظِه معَ الأحاديثِ الأخرى، فوجدوا تلكَ أرجح منها فيما يتعلَّق بهذه اللفظة.
قوله: (فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ)، ظاهره أنَّه يقعدُ على المنبرِ، ويُشعِرُ بأنه لم يكن هناك أذانٌ قبلَ خطبة الاستِسقَاء، ولا إقامة، ولا نداء بأي نوعٍ مِن أنواعِ النِّداء. وفيه أنَّه يبتدئ بالجلوس أولًا.
قولها: (فَكَبَّرَ -صلى الله عليه وسلم)، فيه أنَّ خطبةَ الاستِسقَاء يُشرَعُ أن تُبتَدأ بالتَّكبير، وقد قالَ أهلُ العلمِ: إنَّ خطبةَ العيدِ تماثلُ خطبةَ الاستسقاء في ذلك.
قولها: (وَحَمِدَ اللهَ عزَّ وجلَّ)، أي ذكَرَه بصفاته الجليلة الجميلة.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُم شَكَوتُم جَدْبَ دِيَارِكُمْ»، يعرفهم بشدَّة حاجتهم لفضل الله -عزَّ وجلَّ- لأنَّ هذا مِن أسبابِ استجابَةِ دعاء الدَّاعي، وهو أن يعرف شدَّة حاجته، بل اضطراره أشد الاضطرار لفضل ربِّ العزة والجلال.
قال: «جَدْبَ دِيَارِكُمْ»، أي: قلَّة الماءِ والأمطارِ فيها. «واسْتِـئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُم»، يعني: أنَّه لم ينزل في الوقت الذي جرَت العادةُ بتقديرِ الله -عزَّ وجلَّ- أن ينزلَ المطرُ فيه. «وَقَدْ أَمَرَكُم اللهُ عزَّ وجلَّ أَنْ تَدْعُوهُ»، فالدُّعاءُ عبادةٌ قد أمرَ الله بها، ولذا ينبغي أن يستشعرَ مَن يصلِّي صلاةَ الاستِسقَاءِ هذا المعنى، وهو أنَّ المؤمنَ يمتثل بأدائه لصلاة الاستِسقَاء أمرَ الله-جلَّ وعَلا.
قال: «وَوَعَدَكُم أَنْ يَسْتَجِيْبَ لَكُم»، فيه أنَّ دعاء المؤمن لا يذهب هباءً منثورًا. (ثُمَّ قَالَ)، يعني: أنه بعد أن فَرِغَ من الموعظة ابتدأ بالدُّعاء ليؤمِّن النَّاس عليه، وابتدأه بالثَّناء على الله -عزَّ وجلَّ- فقال: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدَّينِ»، فيه تذكيرٌ بفضلِ الله على العبادِ بأنَّه تولَّى صرفَ النِّعَمِ لهم، فهو ربُّهم سبحانه.
و«الْعَالَمِينَ»، المرادُ بها جميع العوالم مِن الإنسِ والجنِّ والدَّوابِّ والطَّيرِ.
«الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فيه تذكيرٌ بصفةِ الرَّحمةِ، وسؤالٌ بها، وهي مِن أسبابِ نزولِ الأمطار -بإذنِ الله عزَّ وجلَّ.
ثم قال: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنحنُ الْفُقَرَاءُ»، فيه الثَّناء على الله، وفيه التَّوسُّل بذكر شدَّةِ حاجةِ العبدِ لاستجابته لدعواتهم.
ثم قال: «أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ»، يعني طلب من الله أن يُنزل الأمطار التي تُغيثهم، وتزيل عنه الموت. قال: «وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَهُ لنا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلَى حِينٍ»، يعني: مِن الأمطار، قوَّة تتقوى أبدانهم لوجود المرعى التي تَرعى منه بهائمُهم، ولِتمكُّنهم مِن حلبِ هذه البَهائمِ، والأكلِ مِن لحومِها بعدَ أن تجدَ ما تطعمه مِن أنواع نباتِ الصَّحراء.
(ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ)، في هذا مشروعيَّة رفعِ اليدين عند الدُّعاء بإنزال الأمطار، وسيأتي الخلاف والبحث في كيفيَّةِ رفعِ اليدينِ في هذا الموطنِ.
قال: (فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ)، يعني أنَّه رفعهما جدًّا، وكانت الثِّياب في الزَّمانِ الأول تُوضع أكمامُها على هيئةٍ واسعةٍ، وبالتَّالي إذا رُفعت الأيدي بانَ الإبطُ.
قال: (ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ)، أي: توجَّه إلى جهة القبلة، وفيه أنَّ مِن أسبابِ إجابةِ الدُّعاءِ أن يكون الدَّاعي متوجِّهًا جهةَ القبلة. قال: (وقَلَبَ- أَو حَوَّلَ- رِدَاءَهُ)، الأصل في الرِّداء أن يكون للثِّياب التي في أعلى البدنِ، وفي هذا مشروعية قلب الرِّداء.
وقد اختلف العلماء في كيفيَّة قلبِ الرِّداء:
فقال الإمام الشَّافعي: يجعلُ أسفلَه أعلاه، وأعلاه أسفله.
وقال الإمام أحمد: يجعل باطنه ظاهره، وظاهره باطنه، ويمينه شماله.
وهاتان هما الصِّفتان المعروفتان في قلبِ الرِّداء. ولعلَّ قول الإمام أحمد في هذا أرجح لِما سيأتي من الأحاديث.
قال: (وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ)، يعني عند قلب الرِّداء. (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ)، يعني: بعد أن فَرغَ من دعائه. (وَنَزَلَ)، يعني من على المنبر. (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، ظاهر هذا أنَّ الصَّلاة هي صلاة الاستسقاء، وقد تقدَّم معنا مِن حديث ابن عباس وغيره أنَّه صلَّى أولًا ثمَّ خطبَ، وعائشة -رضي الله عنها- لم تُشاهد الواقعة، وإنَّما نُقلت إليها، بينما ابن عباس كان حاضرًا مشاهدًا للواقعة، ثم إنَّ ابن عباس إنَّما حضر آخرَ عهدِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه كان صغيرًا، ومن ثَمَّ فما رواه فهو آخرُ حال النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة: (فَأَنْشَأَ اللهُ سَحَابَةً)، أي: تكوَّن شيءٌ من المزْنِ والسَّحاب، (فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ)، الرَّعد بالصَّوتِ، والبرق بالضَّوء. (ثُمَّ أمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللهِ) هذه السَّحابة نزل ما فيها من الماء. (فَلم يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ)، يعني أنّ الله أنزلَ منها الماءَ الكثيرَ، وفي هذا أنَّهم كانوا قبل هذه السَّحابة لم يكن هناك شيء، وكانوا على صَحوٍ، فإذا دعا اللهَ العبدُ بقلبٍ حاضرٍ وباستشعارٍ لقدرةِ الله -عزَّ وجلَّ- وكرمِه -سبحانه- وكان مقصوده أجر الآخرة، وتحقيق أمر الله -عزَّ وجلَّ- فإنَّ سنَّة الله التي جرت في الكونِ أن يستجيبَ الدُّعاء، والله -جلَّ وعَلا- قد وعد بذلك في مواطن من كتابه.
قالت: (فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ)، أي: استعجالهم. (إِلَى الكِنِّ)، أي: الذي يحفظهم ويقيهم من المطر. (ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ)، وهي الأسنانُ التي تكون في طرف الفمِّ، دلالة على أنَّ الضَّحكِ قد بدا منه الأسنان الداخلية. (فَقَالَ: «أَشْهَدُ»)، أي أُقرُّ وأعترفُ شهادةَ شخصٍ كأنَّه يرى ذلك رأي العين «أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ»، فهو سبحانه لا يعجزه شيء، ﴿إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]. «وَأَنِّي عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»، حيث استجاب الله دعاءه وأنزل الأمطار بعد صلاته.
{(وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء، وَإنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرى بَيَاضُ إبطَيْهِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)}.
قول أنس (كَانَ) فيه دلالة على التَّكرار والدَّوام. (لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء)، ظاهره أنَّ هذا في جميعِ الأدعية، ولكن قد ثبتَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يرفعُ يديه في عددٍ من المواطنِ ولذلك جمعًا بينَ الأحاديث قالوا: إنَّ حديثَ البابِ يُراد به رفعُ اليدينِ في خطبةِ الجمعة، فالدُّعاء الذي في خطبة الجمعة هل تُرفع فيه الأيدي؟
نقول: لا، إلا في الاستِسقَاء، إذا دعا الخطيب بنزول المطر شُرِعَ له أن يرفع يديه.
قال: (وَإنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرى بَيَاضُ إبطَيْهِ) أي يرفعهما رفعًا شديدًا، وكما تقدَّمَ أنَّ ثيابهم كانت أكمامها واسعة، فإذا رُفعت الأيدي بانَ بياض الإبط.
{(وَعنهُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الـمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ منْ بَابٍ كانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ -وَرَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يخْطُبُ- فَاسْتَـقْبَلَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوالُ، وَانْقَطَعَتِ السُبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيْثُنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا،اللهمَّ أَغِثْنَ»، قَالَ أَنسٌ: وَلَا وَاللهِ ما نرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا بَيْننَا وَبَينَ سَلْعٍ مِنْ بَيتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِه سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللهِ مَا رَأَينَا الشَّمْسَ سَبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَة الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ عزَّ وجلَّ يُمْسِكُهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قَالَ شَرِيْكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا أَهوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
قوله: (وَعنهُ)، يعني عن أنس -رضي الله عنه. (أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الـمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ منْ بَابٍ كانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ)، فيه جواز تعدُّد أبواب المسجد. (وَرَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يخْطُبُ)، فيه مشروعيَّة القيام أثناء خطبة الجمعة. قال: (فَاسْتَـقْبَلَ) يعني الرَّجل. (رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ)، فيه جواز محادَثة الخطيب، وجوازُ محادثة الخطيب لأحدٍ من الحاضرين، وأنَّ هذا لا يُعدُّ من اللَّغو. قال: (يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوالُ)، المراد بالأموال: البهائم، وهلاكها لقلة الماء الذي تشرب منه، ولقلَّة المرعى. قال: (وَانْقَطَعَتِ السُبُلُ)، أي أن الطُّرقَ أصبحنَ منقطعة، وذلك أنَّ الآبار جفَّت مياهها، وبالتَّالي لا يستطيع النَّاس أن يسافروا خَشيةَ مِن أن يشتدَّ عليهم الظَّمأ فيموتوا لعدمِ وجودِ الماء في الآبارِ التي في الطُّرق.
قال: (فَادْعُ اللهَ يُغِيْثُنَ)، أي اطلب من ربِّكَ أن يُنزلَ الأمطار التي يحصلُ بها غوثنا، وفي هذا دلالة على جواز أن يطلبَ الإنسانُ مِن غيره أن يدعوَ له. قال: (فَرَفَعَ يَدَيْهِ)، أي النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وفيه جواز طلب نزولِ الأمطاِر في أثناءِ خطبة الجمعة، وفيه مشروعيَّةُ رفعِ اليدين في خطبةِ الجمعة عند سؤالِ نزولِ المطرِ.
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا،اللهمَّ أَغِثْنَ»، يعني يا الله أنزل علينا المطر الذي يحصل به غوثنا، وفيه جوازُ تَكريرِ الدُّعاء ثلاثًا إذا كانَ لأمرٍ مهمٍّ.
قَالَ أَنسٌ: (وَلَا وَاللهِ ما نرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ)، يعني قطعة مِن السَّحاب -أي الغيث- (وَمَا بَيْننَا وَبَينَ سَلْعٍ مِنْ بَيتٍ وَلَا دَارٍ) سَلع: جبل مِن جبال المدينة قريبٌ من المسجد النَّبويِّ، وليس جبلًا كبيرًا، فليس مثل جبل أحد.
قال: (قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِه سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ)، التُّرس: شيء مِن اللباسِ الذي يلبسه المحارِب يقي به نفسَه من ضربة أعدائه، وهو دائري الشكل.
قال: (فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ)، أي السَّحابة. (انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ).
قال أنس: (فَلَا وَاللهِ مَا رَأَينَا الشَّمْسَ سَبْتً)، السبت: هو اليوم المعروف. ومراده هنا: أسبوعًا كاملًا، فهو ظرف للزمان.
قال: (ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ)، يعني في خطبة الجمعة القادمة، أي بعد أن أُمطروا سبعة أيَّام، وفيه استجابة الله -عزَّ وجلَّ- لدعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم.
قال: (ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَة الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ)، يعني مِن كثرةِ الأمطار، ومن وجودِ السُّيول التي تمتنع بها البهائم مِن الانتقالِ.
قال: (وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ)، لأنَّ الأودِيَة أصبحت تجري، وبالتَّالي فإنَّ طرقاتِ المسافرين أصبحت منقطعة بالشِّعاب، والأودية التي تسير فيها. (فَادْعُ اللهَ عزَّ وجلَّ يُمْسِكُهَا عَنَّ)، أي: يُمسك الأمطار.
قَالَ: (فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَ»)، يعني: اللهمَّ أنزل الأمطارَ على الجهاتِ التي تقاربنا. «وَلَا عَلَيْنَ»، أي: لا تُنزِل المطرَ علينا.
قال: «اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ»:
الآكام: هي المواطن المرتفعة، كالجبال الصَّغيرة والهضاب.
والظِّراب: هي الجبال الصَّغيرة.
بطون الأودية: يعني وسط الوادي.
وفي هذا جوازُ الدُّعاء لله -عزَّ وجلَّ- بوقوف المطر إذا تتضرر منه الناس، ولا يُجعَل له صلاة مستقلَّة، فبعضهم يقول: يُجعَل له صلاة مستقلَّة وسمَّاها "صلاة الاستصحاء" وهذا لم يرد عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وإنَّما الوارد أنَّه دعا بتوقُّف الأمطار، أو بصرفِ الأمطارِ إلى مواطنَ أخرى في خطبةِ الجمعة.
قال: (فَأَقْلَعَتْ)، أي: انقشعَت السَّحابةُ. (وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ)، وفي هذا استجابةُ الله لدعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم.
{(وَعَنْ عَبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ الـمَازِنيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الـمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى وحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَفِي لفظٍ: وقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَفِي لفظٍ: وَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، يَدْعُو اللهَ، مُتَّفقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لمسْلمٍ، وَفِي البُخَارِيِّ: ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فيهمَا بِالقِرَاءَةِ، وَلهُ: فَقَامَ فَدَعَا اللهَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ القِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَأُسْقُوا، وَلأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْقَى وَعَلِيهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِها فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ، فَقَلَبَها عَلَيْهِ: الأَيْمنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، والأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمنِ، وَلأَبي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ نَحوُهُ)}.
قوله: (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الـمُصَلَّى)، فيه مشروعيَّة أن تُؤدَّى صلاة الاستِسقَاء خارج البلد.
وقوله: (فَاسْتَسْقَى)، أي: صلَّى صلاةَ الاستِسقَاءِ، وطلبَ نزولَ الأمطارِ.
(وحَوَّلَ رِدَاءَهُ)، الرِّداء: الثِّياب التي تكونُ لأعلى البدن، ويشملُ هذا العباءةَ، ويشملُ الجاكت، والكوت، والبالطو، ويشملُ أنواع الأرديَةِ التي تكون لأعلى البدنِ.
وأمَّا لِباس الرأسِ فهل يُشرع تحويله أو لا يُشرع؟
هذا من مواطن الخلاف بين العلماء:
فمنهم مَن قال: اسم الرِّداء لِمَا لُبسَ لأعلى البدنِ، وهذا يكونُ لأعلى البدن.
ومنهم مَن قال: إنَّ الرِّداء يُقال به عمَّا يكون على الظَّهر.
ومنشأ الخلاف في هذا أنَّ الجزء الذي على الظَّهر هل هو معتَبَر؟ أم هو تابع وبالتَّالي لا يُفرَدُ بحكم؟
والظَّاهر أنَّ هذا اللباس يكونُ على أعلى البدن، وبالتَّالي يُشرع قلبُه.
قوله: (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ)، فيه أنَّ صلاة الاستِسقَاء تكون بركعتين. (وقَلَبَ رِدَاءَهُ)، فيه مشروعيَّة قلبِ الرِّداء، وقد وردَ فيه صفتان:
الصَّفة الأولى: بجعلِ أعلاه أسفله، ولكنَّه عن عجز عن ذلك، ولذلك قال باستحبابه الشَّافعي.
الصَّفة الثَّانية: يكونُ بجعلِ اليمينِ على الشَّمالِ، وهذا هو فعلُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقال أحمد باستحباب هذه الصِّفة.
قوله: (وَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، يَدْعُو اللهَ) فيه دعاء الله -عزَّ وجلَّ- بصيغتين:
- بجهرٍ ويؤمِّنون عليه، ويكون وجهه إلى النَّاس.
- دعاء في السِّر، ويكون وجهه إلى جهة القبلة.
قوله: (جَهَرَ فيهمَا بِالقِرَاءَةِ)، فيه مشروعيَّة الجهرِ بالقراءة في صلاةِ الاستِسقَاءِ، وهذا يدلُّ عليه الحديث الآخر الذي فيه (أنه صلى صلاة تماثل صلاة العيد).
قوله: (فَأُسْقُو)، يعني أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- تفضَّل عليهم بإنزالِ الأمطارِ. قوله: (وَعَلِيهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ)، الخميصَة تكونُ مغطِّية للبدنِ، وتكونُ مِن أعلاه إلى أسفلِه. (فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِها فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَ) كما قال بمشروعيَّة ذلك الشَّافعي. (فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ، فَقَلَبَها عَلَيْهِ: الأَيْمنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، والأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمنِ)، وبهذه الصِّفة قال أحمد في طريقة قلبِ الرِّداء.
{(وَعَنْ أَنسٍ: أَنَّ عُمرَ بنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ إِذا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بنِ عبدِ الـمُطَّلِب -رضي الله عنه-، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنا فَتَسْقِيَنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبيِّنَا فَاسْقِنا، فَيُسْقَوْنَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يَرْوِه غَيرُ الْأنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيه، وَأَبُوهُ عَبدُ اللهِ بنُ الـمُثَنَّى لَيْسَ بِالقَوِيِّ)}.
قوله: (أَنَّ عُمرَ بنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ إِذا قُحِطُو)، أي: قَلَّت عليهم الأمطار ونَقُصَت عليهم المياه. (اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ)، أي طلبَ مِن العباسِ أن يدعوَ اللهَ بنزولِ الأمطارِ، وليس هذا على جهةِ التَّوسُّل، وإنَّما هو على جهةِ طلبِ الحيِّ من الحيِّ أن يدعوَ له، ولو كان التَّوسُّل جائزًا لتوسَّلوا بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ولَطلبُوا منه أن يدعوَ لهم، فلمَّا تركوا الطَّلبَ مِن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وطلَبوا من العباسِ، كانَ فيه دلالةٌ على جواز أن يُطلَبَ الدُّعاء من الحيِّ القادر، وليس فيه التَّوسل به.
 فَقَالَ عمر: (اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنا فَتَسْقِيَنَ)، التَّوسُّل ليس المراد به ما كان على المعنى الاصطلاحي المتأخِّر، وإنَّما المراد به أنَّهم يطلبون مِن العباس أن يدعوَ لهم، ولمَّا تركَ التَّوسُّل بالنَّبيِّ بعد وفاته دلَّ ذلك على أنَّه لا يُتَوَسَّل بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وفيه فضلُ العباسِ بن عبد المطلب -رضي الله عنه.
{(وَعنْ عَائِشَةَ رَضي اللهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ إذا رَأى المـَطَرَ قَالَ: «صَيِّبًا نَافِعً»)}.
قولها: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ إذا رَأى المـَطَرَ)، أي: إذا رآه نازلًا.
قَالَ على جهة الذِّكر: «صَيِّبًا نَافِعً»، أي: أطلب منكَ يا ربِّ أن تجعلَ هذا المطرَ النَّازلَ صِّيبًا، يعني: كثيرًا. نافعًا: لا ضررَ فيه، بل يعود بالنَّفعِ على الناس.
{(وَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ أَصَابَنا وَنَحنُ مَعَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الـمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ،لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ عزَّ وجلَّ». رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
قوله: (أَصَابَنا وَنَحنُ مَعَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَوْبَهُ)، أي: شمَّره وأزالَه عن بدنِه، وجعلَ جزءًا مِن أعضاء البدنِ مكشوفة، كالرأسِ واليدين، ونحو ذلك.
قال: (حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الـمَطَرِ)، أي: نزلَ على بدنِه. (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ،لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟) ليس هذا على جهةِ الاعتراضِ، وإنَّما على جهةِ التَّعلُّمِ.
 قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ عزَّ وجلَّ»، لأنَّ المطر نزلَ برحمةٍ مِن اللهِ، فهو حديثُ عهدٍ برحمةِ الله -جلَّ وعَلا- التي رحم بها العباد، فأرادَ أن يصيبَه شيء مِن هذه الرَّحمة التي أنزلها الله -عزَّ وجلَّ- بالعباد.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعدٍ أَنَّ أَبَاهَا حَدَّثَها: أَنَّ رَسُولَ اللهَ -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ وَادِيًا دَهِسًا لَا مَاءَ فِيهِ، وَسَبَقَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى القِلاتِ فَنَزَلُوا عَلَيْهَا، وَأَصَابَ العَطَشُ الْمُسْلمينَ، فَشَكوا إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وَنَجَمَ النِّفَاقُ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقينَ: لَو كَانَ نَبِيًّا، كَمَا يَزْعُمُ، لاسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ كَمَا اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «أَوَ قَالُوهَا؟! عَسى ربُّكُم أَنْ يَسْقِيَكُم»، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ جَلِّلْنَا سَحابًا كَثِيفًا قَصِيفًا دَلُوقًا مَخْلُوفًا ضَحُوكًا زِبْرِجًا تُمْطِرُنا مِنْهُ رَذَاذًا قِطْقِطًا سَجْلًا بُعاقًا يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ» فَمَا ردَّ يَدَيْهِ مِنْ دُعَائِهِ حَتَّى أَظَـلَّـتْـنا السَّحَابُ الَّتِي وَصَفَ، تَتَلوَّنُ فِي كُلِّ صِفةٍ وَصَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ أُمْطِرْنا كالضُّرُوبِ الَّتِي سَأَلَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعمَّ السَّيْلُ الوَادي، وَشرِبَ النَّاسُ فَارْتَوَوْا. رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ الإسْفَراينيُّ فِي صَحِيحِه)}.
عائشة بنت سعد تُحدِّث عن أبيها سعد -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللهَ -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ وَادِيً) أي: استقرَّ فيه.
(دَهِسً) الدَّهسُ: أشدُّ مِن الرَّمل ولكنَّه أقلُّ من الحصباء والتراب.
(لَا مَاءَ فِيهِ)، أي: ليس فيه شيء مِن الماء يجري، وليسَ فيه شيءٌ مِن الآبارِ التي يُستقى منها.
(وَسَبَقَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى القِلاتِ)، القلات: هي المواطن التي فيها نُقرَة، ويكونُ فيها ماء، فإذا صبَّ السَّيل أبقي الماء فيها. قال: (فَنَزَلُوا عَلَيْهَ)، فنتجَ عن ذلكَ أن أصابَ المسلمينَ العطشُ.
قال: (وَأَصَابَ العَطَشُ الْمُسْلمينَ)، وفي رواية أخرى (وَأَصَابَ العَطَشُ الْمُسْلمونَ)، وهذه الرِّواية لها وجه في اللغة، يقال لها: المجاورة.
قوله: (فَشَكوا إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم)، أي شكوا حالهم وقلَّةَ الأمطارِ عندهم، (وَنَجَمَ النِّفَاقُ)، أي: ظهرَ واستبانَ النِّفاقُ، حيثُ وردَ التَّشكيك من بعضِ النَّاس في النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وفي صحَّةِ رسالته.
 فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقينَ: (لَو كَانَ نَبِيًّا، كَمَا يَزْعُمُ)، وهذا على جهةِ التَّكذيبِ له. (لاسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ)، أي: لَطلَبَ مِن الله أن يُنزلَ الأمطارَ مِن أجلِ أن يُروى قومه كَمَا اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ، كما في الآيات ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنً﴾ [البقرة: 60].
قال: (فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:«أَوَ قَالُوهَا؟!»)، أي: وصلَ بهم الحالُ أن يقولوا مثلَ هذه المقالة شكًّا في الرِّسالة وعدمِ تصديقٍ فيها؟! فإنَّ المؤمنَ يُوقن أنَّ الله قد يَبتلي العبادَ ببعضِ المصائب، ولا يجعله ذلك يشكُّ في صدقِ وعدِ الله له.
ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «عَسى ربُّكُم أَنْ يَسْقِيَكُم».
قال: (ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ) أي يدعو الله -عزَّ وجلَّ- وفي هذا مشروعيَّةُ رفعِ اليدين عندَ الدُّعاء، وأنَّ الأيدي تُبسطُ -أي تُفتَح- وتُجعَل منتشرةً.
وَقَالَ: «اللَّهُمَّ جَلِّلْنَ»، أي: غطِّنا بغطاءٍ يكونُ من السَّحابِ.
«كَثِيفً» شديدًا قويًّا.
«قَصِيفً» أي: فيه رعدٌ يخرجُ له صوتٌ شديدٌ.
«دَلُوقًا مَخْلُوفًا ضَحُوكً» أي: أنه يُنزل الماء الذي كأنَّه مِن طراوته يضحكُ.
«زِبْرِجً» أي: السَّحابُ السَّهلُ اليسيرُ الذي فيه لونُ الحُمرَة.
«تُمْطِرُنا مِنْهُ رَذَاذً»، أي: قطرات يسيرة سهلة.
«قِطْقِطً»، أي: متتابعًا كثيرًا.
«سَجْلً»، أي: يكون فيه ماء كثير.
«بُعاقً»، أي: يُفاجأ الناس بكثرته «يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ».
قال: (فَمَا ردَّ يَدَيْهِ مِنْ دُعَائِهِ حَتَّى أَظَـلَّـتْـنا السَّحَابُ الَّتِي وَصَفَ، تَتَلوَّنُ فِي كُلِّ صِفةٍ وَصَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم)، أي: يكون على الجهات والصِّفات التي ذكرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مِن صفات السَّحابِ.
قال: (ثُمَّ أُمْطِرْنا كالضُّرُوبِ) أي: كالصِّفات (الَّتِي سَأَلَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأُفعمَّ السَّيْلُ الوَادي)، أي: امتلأ الوادي مِن المياه حتى أنَّه علا طرفيه، (وَشرِبَ النَّاسُ فَارْتَوَوْ).
فهذه أحاديثٌ من الأحاديث التي أوردها المؤلِّف في كتابِ صلاةِ الاستِسقَاء، وكيفيَّة صلاةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لها، والألفاظ التي يَحسُن أن يُدعى بها.
وهذا الحديثُ الذي ذكره المؤلِّف فيه علَّةٌ قد ذكرها بعضُ أهلِ العلمِ، فقالَ بعضُهم: إنَّه لا يثبت عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- خصوصًا أنَّ فيه ألفاظًا غريبة كثيرة.
 
وبهذا نكونُ قد انتهينا مِن هذا البابِ، وبه ننتهي -بإذن الله عزَّ وجلَّ- مِن لقائنا في هذا اليوم المبارك.
أسألُ الله أن يوفِّقكم لكلِّ خيرٍ أيُّها الحاضرون وأيُّها المشاهدون، وأسأله -جلَّ وعَلا- أن يرزقَ الجميعَ العلمَ النَّافعَ، والعملَ الصَّالحَ، وأن يجعلَنا وإيَّاكم مِن الهداة المهتدين، كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا جميعًا موفَّقين لكلِّ خيرٍ، اللهمَّ يا حيُّ يا قيومُ أنزل الأمطارَ في بلادِ المسلمين، واجعلها سببَ رغدٍ وخيرٍ لهم، كما اجعلها سببًا مِن أسبابِ اغتنائِهم عن غيرهم من الخلق.
هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
------------------------
[46] رواه أبو داود ( 3116 ) وحسَّنه الألباني في " إرواء الغليل " ( 3 / 149 )
[47] أخرج البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَجَعَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ مِنْ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا وَأَنَا أَقُولُ: وَا رَأْسَاهُ!، قَالَ: "بَلْ أَنَا يَا عَائِشَةُ وَا رَأْسَاهُ"، قَالَ: "وَمَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ؟"، فَقُلْتُ: لَكَأَنّنِي بِكَ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَرَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ  قَالَتْ: "فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ".

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك