الدرس الثاني عشر

معالي الشيخ أ.د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

6996 24
الدرس الثاني عشر

المحرر في الحديث (2)

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلام على أفضلِ الأنبياءِ والمرسلينَ، أمَّا بعدُ:
فأرحبُ بكم في لقاءٍ جديدٍ مِن لقاءاتنا في قِراءة كتابِ المحرر للحافظ ابن عبد الهادي المقدسي -رحمه الله تعالى.
وفي هذا اليوم بعدَ أن أكملنا بابَ صلاةِ الاستسقاءِ نبتدئُ بكتابِ الجنائز.
والجنائز: جمعُ جِنازة، وقد تُطلَق على السَّرير الذي يُحمَل عليه الميِّتُ، كما تُطلَق على الميِّتِ سواء قبلَ تكفينِه، أو بعدَ تكفينِه.
وفي هذا الباب دلالَةٌ على اهتمامِ الشَّرعِ بالإنسانِ حتى بعد وفاتِه، بحيثُ يُكرَم ويُقدَّر، ويُصنَع معه مَا يَدلُّ على حِفظِ مَكانتِه، وقد جاء في الحديثِ أنَّ المسلمَ يُكرَم حيًّا وميِّتًا، وأنَّ حُرمَة المسلم ميِّتًا كحرمته حيًّا، ومِن هنا جاءت الأحاديث المتعلِّقة بترتيب أحكامِ الموت والميتين، ولعلَّنا -إن شاء الله نبتدئُ بقراءتها في هذا اليوم. فتفضل مشكورًا.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالينَ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم.
اللهمَّ اغفر لنا وليشخنا، وللمستمعينَ، ولجميعِ المسلمينَ.
قال المصنِّف -رحمه الله تعالى: (كِتابُ الجَنَائِزِ
عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم:«لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُّرٍ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّياً، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيراً لِي، وتَوَفَّنِي إِذا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيراً لِي» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَفِي البُخَارِيِّ: «أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ»)
}.
قوله -صلى الله عليه وسلم: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ»، هذا نهي، وفيه دلالة على حُرمَة هذا التَّمنِّي، وعدمِ جواز فعله.
قال: «لِضُّرٍ نَزَلَ بِهِ»، يَشمل الضَّرر الدُّنيوي، وكذلك الضَّرر الدِّيني، كما لو وقع في معصية، أو خالف الشرع؛ فإنَّ المشروع في حقه أن يتوب إلى الله وأن يعود إلى الصَّواب، لا أن يَتَمَنَّى الموت.
فإن قال قائل: إنَّ مَريَم -عليها السلام- دَعَتْ بالموت وتمنَّته.
فنقول: هذا ليس فيه دلالة؛ لأنَّه ليس مِن شَرعِنا، وَلَيسَ حَتَّى مِن شَرعِ مَن قَبلنا.
قال: «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيً»، أي: تَدْعُوه نَفْسُه للتَّمنِّي، ويُحبُّ مفارقة مَن في الدُّنيا. «فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيراً لِي»، فإنَّه قد يكون في صبر الإنسان واحتسابه للأجر، وإيمانه بالقضاء والقدر؛ مِن أَسباب رِفعة دَرجته دنيا وآخرة.
قال: «وتَوَفَّنِي إِذا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيراً لِي»، يعني: أنَّه لا يتمنى الموت بإطلاقٍ، وفي هذا دلالة على عدم جواز أن يدعو الإنسان بالموت لنفسه.
وأمَّا بالنِّسبة للدعاء بالموت على الآخرين: فإن كان يظنُّ أنَّ في ذلك ما يُحقق المصلحة للمدعو له ولغيره؛ فأكثر أهل العلم يُجيزونه، وإن كان طائفة يقولون: إنَّ الأولى في ذلك أن يُدعى بالهداية والصَّلاح.
{(وَعَنْ جَابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُم إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ» رَوَاهُ مُسْلمٌ)}.
إحسان الظَّن بالله: تصديقه وعود الله-جلَّ وعَلا- والإيمان والجزم بأن هناك دارًا آخرة، يُكرِم اللهُ بها عباده المؤمنين، وأخذ أهل العلم من هذا الحديث أنَّه ينبغي أن يُغلِّبَ الإنسان جانب الرَّجاء على الخوف عند حصول حالة الاحتضار، وبعض أهل العلم قالوا: إنَّه يجمع بينهما ويُساوي بينهما، فإحسان الظَّنِّ يكون بالرَّجاء إذا نظرَ إلى وعد الله، وإلى رحمته -سبحانه- وإحسانه -جلَّ وعَلا-.
وأمَّا الخوف فهو إذا نظر إلى فِعله وَسُوءِ مَا أقدَمَ عليه جعلَه يخاف مِن عُقوبة ذلك.
وإحسان الظَّن بالله شأن أهل الإيمان كما في عدد من النصوص، قال تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل:4-7]، والتصديق بالحسنى هو تصديق بوعد الله -عزَّ وجلَّ- حينما وعدَ أولياءَه المؤمنين بالنَّجاةِ يومَ القيامةِ، وبدخولِ الجِنان، وبنزول الرَّحمات، وقد ذمَّ الله -عزَّ وجلَّ- أولئك الذين يظنُّون بالله ظنَّ السَّوء، قال تعالى: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: 6].
ومن هنا فإنَّ المؤمن يُحسِنُ الظَّنَّ بالله في جميع مواطنه إذا نظرَ إلى صفات الله، ولا يعني هذا أن يُفرِّطَ الإنسان في طاعة الله، إنَّما تُحسِنُ الظن في أن الله صادق عندما وعد أهل الإيمان والعمل الصالح بأن يُثيبهم خير الثواب دنيا وآخرة. هذا هو حسن الظن بالله.
وأمَّا أن يَترك الإنسان العمل، ويقول: أؤمل في فضل الله؛ فهذا عجز وعُجبٌ بالنَّفسِ، وتفريطٌ، وليس من إحسان الظن بالله تعالى.
{(وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «المُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الجَبِيْنِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ)}.
العَرَق: هو ما يخرج من بدنِ الإنسان عند وجود الحرِّ.
والجبين: ما يكون في أعلى الوجه.
والمراد بذلك للعلماء فيه قولان:
- منهم مَن يقول: إنَّ هذه علامة من العلامات التي تكون للمؤمنين عند نزول الموت بهم.
- والآخرون قالوا: إنَّ المراد به أنَّ هذا يغلب في أحوالهم أن يكون سببًا لموتهم.
 
{(وَعَنْ أَبي سَعيدٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
«لقنو» المراد بها: تذكير مَن كان كذلك.
«مَوْتَاكُم»، أي: مَن كان في سياق الموت، فأطلقَ عليهم هذه الصِّفَة باعتبار ما سيؤول إليه أمرهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الحجر:53]، مع أنَّ المولود أوَّل ما يولَد يكون لا يعلم شيئًا.
وقوله «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، معناه: أنَّه يُذكَّر بهذه اللفظة؛ لأنها شهادة التوحيد، وَمَن مَاتَ عَليها كانَ مِن أَهلِ الجَنَّة، كَمَا قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»[46].
وهذه اللفظة معناها: إقرار العبد بأنه لا يستحق العبادة أحد سوى الله، وأنَّني لن أعبد أحدًا غير الله -جلَّ وعَلا.
ومَن كان في سياق الموت يُقال له: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، ولا تقل له: "قل: لا إله إلا الله" إنَّما ذكِّره بها على جهةِ إيرادها عليه، ثم إذا تكلَّمَ بها فلا تُعيدها مرةً أخرى، لِئلا يَسأم مِنه، اسكت لعلها تكون آخر كلامه، ولو طالت المدَّة ما دام ساكتًا لم يتكلم بلفظٍ آخرٍ.
وكذلك لا تُكرِّر عليه مراتٍ متعدِّدة إذا لم يَقلها؛ لأنَّه قد يَسأم مِنها فَيَتَكلم بكلمةٍ عَلى جهة التذَّمُّرِ والتَّسَخُّطِ منها، إنَّما يُراد أن يتكلَّمَ بها، وأن يَقولها مُعتقدًا لها.
 
{(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبي سَلَمَةَ، وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذْ قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ» فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم إِلَّا بِخَيرٍ، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِر لأَبي سَلَمَةَ، وارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّيْنَ، واخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِريْنَ، وَاغْفِرْ لَنا وَلَهُ يَا ربَّ الْعَالَمِيْنَ، وافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرِ لَهُ فِيهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «واخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
أمُّ سلمة هي زوجة أبي سلمة، فلمَّا مات أبو سلمة تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت مِن أمهات المؤمنين.
قالت: (دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبي سَلَمَةَ) وهو في سياق الموت.
(وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ)، أي: أنَّ بَصَرَه مَالَ جهة السَّماء؛ لأنَّ رُوحَه قَد قُبضَت.
(فَأَغْمَضَهُ) صلى الله عليه وسلم- أي: أغلق عينيه.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذْ قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ»، يتبعه ليشاهد أين ذَهَب.
قال: (فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ)، رفعوا أصواتهم بسبب موت أبي سلمة، يدعون بالثبور والويل على أنفسهم. فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم إِلَّا بِخَيرٍ»، خشيةً من أن يُستجابَ لهم في دعواتهم، قال: «فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، ومعنى التأمين أن يقولوا: اللهم آمين، أي: اللهم استجب.
ثُمَّ قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِر لأَبي سَلَمَةَ»، أي: استر تقصيره، وما وقع فيه من زَلَل، وغطِّه ولا تحاسبه به.
«وارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّيْنَ»، أي: أَعلِ مَنزلته فيمَن هَديتهم وكانوا سببًا لهداية غيرهم.
قال: «واخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِريْنَ»، أي: كُن خليفة عنه في عقبه من الأولاد والأهل.
وقوله: «فِي الغَابِريْنَ»، أي: فيمن بقوا في الدنيا.
قال: «وَاغْفِرْ لَنا وَلَهُ يَا ربَّ الْعَالَمِيْنَ، وافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ»، فإنَّ أهل القبور منهم مَن يُضيَّق عليه قبره، ويكون حفرة من حفر النار، ومنهم مَن يُوسَّع له في قبره، ويكون روضة من رياض الجنة. قال: «وَنَوِّرِ لَهُ فِيهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «واخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ»، أي: فيما تركه من بعده من أولادٍ وزوجة.
وهذه أدعية يُشرَع أن تُقال لمَن مات ولو لازال على فراش موته، ويُشرَع أن تُقال أيضًا في صلاة الجنازة.
وفي هذا أنَّ المصيبة تكون بالموت، والتَّعزية تكون بالموت، وليس بالصلاة على الميت.
 
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
تقول: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ)، أي: غُطِّيَ جميعُ بدنِه-صلى الله عليه وسلم-.
(بِبُرْدٍ)، أي: نوع من أنواع الثياب. (حِبَرَةٍ)، هو نوع من أنواع الثياب يكون فيه خطوط وشيء من الرسوم، وفي هذا مشروعية تغطية الميت بعدَ وفاته؛ لأنَّ هذا فعل الصحابة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولن يختار الله لنبيِّه إلا ما هو الأفضل، وهذا شبه اتِّفاق من الصحابة -رضوان الله عليهم.
 
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهَا وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَبَّلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ مَوتِهِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
في هذا الحديث جواز تقبيل الميِّت بعدَ وفاته، وذلك لأنَّ أبا بكر أقرَّه الصحابة على ذلك، ولم يُنكره عليه أحدٌ منهم.
 
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنهُ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَابْنُ مَاجَه وَأَبُو يعْلى وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ)}.
هذا الحديث يُبينُ أنَّ جَزَاءَ المؤمن الخير والإحسان إنما يكون بعدَ سداد الدُّيون التي تكون عليه، وفي هذا استحباب تقليل الإنسان من الديون في ذمته مَا استطاعَ إلى ذلك سبيلًا، وفيه أيضًا مشروعية قضاء ديون الأموات، وجمهور العلماء -بل أكثرهم- يقولون: لا تُقضَى من الزكاة؛ لأنَّ الزكاة لابدَّ فيها من تمليك للفقير أو الغارم، والميت لا يملك، ولا يدخل في ذمَّته شيء من المال.
{(بَابُ غَسْلِ المَيِّتِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأقْصَعَتْهُ -أَو قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّي»، وَفِي لفظٍ: «وَهُوَ يُلَبِّي»، وَفِي لفظٍ: «وَلَا تُمِسُّوهُ طِيْبَاً، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّي» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)
}.
في أكثر الروايات «مُلَبِّدً»، أو «مُلَبَّدً».
في هذا الحديث قال المؤلف: (بَابُ غَسْلِ المَيِّتِ) حيث يُشرع تغسيل الميت، وهو من الواجبات التي يجب على الأمة أن يفعلوها، وهو مِن فُروض الكفايات، وهذا فيه دلالة على إكرام المؤمن حيًّا وميِّتًا، وفيه معنى آخر: وهو ألا تظهر منه روائح تجعل الناس يظنون به ظنًّا سيئًا.
قوله: (بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَةَ)، فيه أنَّ الناس يقفون بعرفة، والغالب في وقوف الناس في الزمان الأول أن يكونوا على مَركوباتهم، فلا ينزلون إلى الأرض؛ بل يبقون على مَراكبهم.
قوله: (فَأقْصَعَتْهُ -أَو قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ)، يعني: الناقة قد سقط منها، تحركت حتى سقط من الناقة فكان هذا سببًا لوفاته.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» «اغْسِلُوهُ» فعل أَمْر، فَدَلَّ على وُجُوب تَغسيل الميت، وفيه دلالة على أنَّ التَّغسيل لا يكون إِلَّا بالماء، والسدر يُضاف من أجل زيادة التَّنظيف.
قال: «وكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ»، فيه أنَّ الكفنَ واجب؛ لأنَّ الأمر يَقتضي الوجوب.
وفي بعض الألفاظ: «في ثوبيه»؛ لأنَّ المُحرِم يُحرم بإزار ورداء، ولذا قال: «فِي ثَوْبَيْنِ».
قوله: «وَلَا تُحَنِّطُوهُ»، أي: لا تضعوا معه أخلاط الطيب.
قال: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ»، أي: لا تُغطُّوا الرَّأس، وفي هذا دلالة على أنَّ المحرم لا يجوز له أن يستعمل الطيب، ولا يجوز له أن يُغطيَ رأسه.
قال: «فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّي» معناه: أنَّه لازال على إحرامه، والقول بأنَّه لا يُقرَب الطيب ولا يُخمَّر الرأس هو مذهب الجمهور، خلافًا للإمام مالك الذي قال: إن هذا الخبر خبرُ واحد يُخالف القياس فيما يُفعل مع الموتى، وخبر الواحد إذا خالف القياس عند مالك لم يقبله، والجمهور يُقدِّمون أخبار الواحد على الأقيسَة، لأنَّها منقولة ومنسوبة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقياس منسوب إلى الرأي المجرَّد، والمنقول عنه-صلى الله عليه وسلم- أقوى وأولى من غيره.
وَفِي لفظٍ: «وَهُوَ يُلَبِّي»، فيه مشروعيَّة التَّلبية في يوم عرفة.
وَفِي لفظٍ: «وَلَا تُمِسُّوهُ طِيْبَ»، فيه دلالة على أنَّ المحرم لا يَجوز له أن يَستعمل الطيب، وهكذا الميت الذي مات حالَ الإحرام فإنَّه لا يُؤتَى إليه بطيب.
وقوله: «وَلَا تُمِسُّوهُ طِيْبَ» الطيب هنا نكرة في سياق النهي، فيكون عامًّا، يشمل القليل والكثير، الخالص وحده أو الممزوج مع غيره، وبالتالي فكلُّ ما فيه رائحة عطريَّة فإنَّ المُحرم يُمنَع منه.
قوله: «فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدً»، التَّلبيد: هو إمساك شعرات الرأس بشيء يُمسكها من غِسلٍ أو عَسلٍ أو غيره، من أجل ألا يتطاير الشَّعر، ومن أجل ألا يدخل الغبار في ثنايا الشَّعر.
 
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، أَنَّهَا كَانَت تَقولُ: لـمَّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا: وَاللهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوتَانا؟ أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلِيهِ ثِيَابُهُ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا ألْقَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِم النَّومَ، حَتَّى مَا مِنْهُم رَجُلٌ إِلَّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنْ غَسِّلُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلِيهِ ثِيَابُهُ، فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَغَسَّلُوهُ وَعَلِيهِ قَمِيصٌ، يَصُبُّونَ الماءَ فَوقَ القَمِيصِ، وَيَدْلُكُونَهُ بِالقَمِيْصِ دُونَ أَيْدِيِهِم. وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها تَقولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلَّا نِساؤُهُ. رَوَاهُ الإِمَام أَحْمدُ، وَأَبُو دَاوُدَ -وَهَذَا لَفظُهُ- وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَفِيهم ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ الإِمَامُ الصَّدُوقُ)}.
قوله عن عائشة: (أَنَّهَا كَانَت تَقولُ)، ظاهره أنَّها تُكرر ذلك، وفي هذا تَكرار العلم.
قالت: (لـمَّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-)، يعني: بعد وفاته، أي: غسل الميت.
(قَالُوا: وَاللهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ثِيَابِهِ)، أي: نخلع الثياب التي كانت عليه كَمَا نُجَرِّدُ مَوتَانا.
قوله: (أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلِيهِ ثِيَابُهُ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا ألْقَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِم النَّومَ، حَتَّى مَا مِنْهُم رَجُلٌ إِلَّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنْ غَسِّلُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلِيهِ ثِيَابُهُ)، من أجل ألا تمسَّ أيدهم بدنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فغسلوه من خلف الثوب.
قوله: (فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَغَسَّلُوهُ وَعَلِيهِ قَمِيصٌ، يَصُبُّونَ الماءَ فَوقَ القَمِيصِ، وَيَدْلُكُونَهُ بِالقَمِيْصِ دُونَ أَيْدِيِهِم)، وفي هذا بيان صفة تغسيل الميت، حيث غُسِّل النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك.
قال: (وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها تَقولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ)، أي: لو قُدِّرَ أنَّه لم يحصل تغسيل الميت بعد (لمَا غَسَّلَهُ إِلَّا نِساؤُهُ)، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: «كيف بك إذا متِّ فغسلتك، وكيف بك إذا متُّ فغسلتيني»[47]، وفي هذا دلالة على جواز أن يغسل الرجل زوجته بعدَ وفاتها، وأن تُغسِّلَ الزوجة زوجها، وبهذا قال الجمهور، وخالفهم الإمام أبو حيفة، وقال: إنَّ المرأة والرجل لا يغسل كل واحد منهما صاحبه، وإنَّما يغسل المرأة النساء، ويغسل الرجل الرجالُ. ولكن حديث الباب دليل لمذهب الجمهور.
وقد استدل الإمام أبو حنيفة على ذلك بقوله: إنَّ العُلقَة الزَّوجيَّة بين الزَّوجين قد انقطعت بالوفاة، وحينئذٍ تُصبح أجنبيَّة منه. هكذا قال.
ولكن وإن كانت عُلقَة الزَّواج قد انقطعت إلا أنَّها ليست أجنبية تمامًا بهذا الوصف، بدلالة ثبوت الإرث في ذلك، وبدلالة وجوب العِدَّة على المرأة، فدلَّ هذا على أنَّ العُلقَة لم تنقطع بعدُ بالموت، وإنما بقي بعض أحكامها.
والحديث ظاهره أنه حسن الإسناد، وفيه ابن إسحاق، وهو صدوق، فحديثه حسن، وهو مدلس، فيبقى البحث في التَّصريح بالتَّحديث، وقدورد في بعض ألفاظ هذا الحدث أن ابن إسحاق صرح بالتَّحديث فيه.
 
{(وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثاً أَو خَمْسَاً أَو أَكْثَرَ منْ ذَلِك، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، واجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كافُورَاً أَو شَيْئاً مِنْ كافورٍ فَإِذا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» فَلَمَّا فَرَغْنَا آذنَّاهُ، فَألْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، وَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ»، وَفِي لفظٍ: «ابْدَأْنَ بِمَيامِنِها ومَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَعِندَ البُخَارِيِّ: فَضَفَرْنا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، فَأَلْقَيْناها خَلْفَهَا، وَعِنْدهُ: «ثَلَاثَاً أَو خَمْسَاً أَو سَبْعَاً أَوْ أَكثرَ مِنْ ذَلِك» )}.
أمُّ عطية كانت مشهورة بتغسيل الميِّتات على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم.
قالت: (دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ)، لم يشاركهم في التغسيل، وفي هذا دلالة على أن الرجل لا يغسل ابنته ما دام أنه يوجد النساء، وإنما يغسلُ المرأةَ النساء، إلا في مسألة الزوجيَّة التي ذكرنا الخلاف فيها فيما سبق.
قوله: «اغْسِلْنَهَ»، فيه دلالة على أن تغسيل الميت من الواجبات.
وقوله: «ثَلَاثاً أَو خَمْسَاً أَو أَكْثَرَ منْ ذَلِك»، لم يجزم بواحدة، فدلَّ هذا على أنَّ العدد ليس مقصودًا، وفيه استحباب أن يكون تغسيل الميت على عدد الوتر.
وقوله «أَو أَكْثَرَ منْ ذَلِك إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»، أي: إذا رأيتنَّ حاجة لكثرة عدد الغسلات.
«بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»، فيه أن تغسيل الميت يُستحب أن يكون بماء وورق السدر الذي هو ورق النَّبق العبري.
قال: «واجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ»، أي: في الغسلة الأخيرة من غسلات الميت. «كافُورَ» وهو نوع من أنواع الطيب.
قال: «فَإِذا فَرَغْتُنَّ»، أي: انتهيتنَّ من تغسيل الميت «فَآذِنَّنِي»، أي: أخبرنني.
قالت أم عطية: (فَلَمَّا فَرَغْنَا آذنَّاهُ)، أي: أخبرناه. (فَألْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ)، المراد به إزاره، أو ما كان أقل من الإزار، وَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ»، أي: ألبسنَ هذه المتوفَّاة هذا الحقوَ، واجعلنه شعارًا.
والشِّعار: هو الثَّوب الدَّاخلي الذي يُباشر البشرة، وسمِّيَ بهذا الاسم لكونه يلي الشَّعرَ.
(وَفِي لفظٍ: «ابْدَأْنَ بِمَيامِنِه»)، فيه استحباب البداءة باليمين في تغسيل الميت.
«ومَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَ»، فيه استحباب البداءة بمواضع الوضوء.
(وَعِندَ البُخَارِيِّ: فَضَفَرْنا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ)، فيه استحباب تضفير شعر الميِّتة إذا كان كثيفًا.
وقال العلماء: ثلاث ضفائر، تجعل في وسط الرأس واحدة، وفي أطرافه واحدة وواحدة.
قالت: (فَأَلْقَيْناه)، يعني: الضَّفائر. (خَلْفَهَ)، يعني: خلف الرأس.
(وَعِنْدهُ: «ثَلَاثَاً أَو خَمْسَاً أَو سَبْعَاً أَوْ أَكثرَ مِنْ ذَلِك» في الرواية الأولى قال: «ثلاثاً أو خمسًا أو أكثر من ذلك»)، والرواية الثانية زاد ذكر السبع.
 
{(وَعَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَوْصَتْ أَنْ يَغَسِّلَهَا زَوجُهَا عَليٌّ وَأَسْمَاءُ، فَغَسَّلاها. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)}.
قوله هنا: (وَعَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ)، أسماء بنت عميس كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، فلما مات تزوجها أبو بكر، فلما مات تزوجها علي -رضي الله عنه.
قوله: (أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَوْصَتْ أَنْ يَغَسِّلَهَا زَوجُهَا عَليٌّ وَأَسْمَاءُ فَغَسَّلاها. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)، وهذا من أدلة الجمهور على جواز تغسيل الرجل زوجته، لكن الحديث فيه ضعف؛ لأنه من رواية عبد الله بن نافع المدني وهو ضعيف الحديث.
 
{(بَابٌ فِي الكَفَنِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي ثَلَاثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيْصٌ وَلَا عِمَامَةٌ.(مُتَّفقٌ عَلَيْهِ))
}.
قوله: (بَابٌ فِي الكَفَنِ)، أي: اللباس الذي يُلبَسُ الميِّت، هذا يُقال له الكفن.
قالت عائشة: (كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي ثَلَاثَةِ أَثوَابٍ)، فيه مشروعية أن يُكفَّن الرجل في ثلاثة أثواب، والثوب يُغطي جميع البدن، وليس المراد بالثوب هنا القميص الذي يكون مفصَّلًا على مقدار البدن، وإنما المراد: قطعة القماش.
قولها: (ثَلَاثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ)، استحبَّ العلماء أن يكون تكفين الميِّت في الثِّياب البيضاء.
قولها: (سَحُولِيَّةٍ)، إمَّا أن يُراد بها نسبة إلى قرية من قرى اليمن، وإمَّا لأنَّها قد دُقَّت بواسطةِ القصَّار.
قولها: (مِنْ كُرْسُفٍ)، هو القطن. قالت: (لَيْسَ فِيهَا قَمِيْصٌ)، القميص هو ما يكون بمثابة هذا اللباس، فيكون مفصًّلًا على مقدار العضو.
(وَلَا عِمَامَةٌ)، العمامة تكون على الرأس. وفي هذا استحباب أن يكون تكفين الميت بهذه الطريقة.
 
{(وَعَنِ ابْن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ عبدَ اللهِ بنِ أُبَيٍّ لـمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ واسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ أَيْض)}.

قوله: (وَعَنِ ابْن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ عبدَ اللهِ بنِ أُبَيٍّ)، هو كان رأس المنافقين كما تعلمون. (لـمَّا تُوُفِّيَ)، أي: مات. (جَاءَ ابْنُهُ)، وهو من الصحابة وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، جاء إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ)، فيه جواز أن يُكفَّن الميت في القميص، وإن كان الذي فُعل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كُفِّنَ في ثياب ليس فيها قميص.
قوله: (أُكَفِّنْهُ فِيهِ)، يعني: رجاء بركة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه قد علق فيه شيء من عرقه.
قال: (وَصَلِّ عَلَيْهِ)، طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُصلي على والده عبد الله بن أبي.
قال: (واسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ) فكفَّنه فيه، فدلَّ هذا على جوازِ تكفينِ الميت في القميص، وقد صلَّى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم نُهيَ عن ذلك لقوله تعالى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة:84]، وهكذا نُهيَ عن الاستغفار لغير المسلمين كما في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة:113].
 
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «البَسُوا مِنْ ثِيابِكُمُ الْبيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيرِ ثِيابِكُم وكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُم». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَصَحَّحَهُ)}.
قوله: (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «البَسُوا مِنْ ثِيابِكُمُ الْبيَاضَ») "مِنْ" هنا للتبعيض، يعني: البسوا الثياب البيضاء، وفي هذا دلالة على استحباب أن يكون اللباس بهذا اللون، وهذا الخطاب للرجال، وأمَّا بالنسبة للنساء فالجمهور يُجيزونه ما لم يكن من ثيابٍ بختص بها الرجال، وقال بعض أهل العلم بمنع النساء من لبس البياض، لأنهن قد نهينَ عن التشبه بالرجل.
قوله: «فَإِنَّهَا مِنْ خَيرِ ثِيابِكُم»، أي: ثياب البياض. قال: «وكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُم»، في هذا استحباب أن يكون كفن الميت من الثياب البيضاء، وهذا هو الذي يستحبه أهل العلم.
 
{(وَعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: «إِذا كَفَّنَ أَحَدُكُم أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
قوله: «إِذا كَفَّنَ أَحَدُكُم أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ»، فيه أنَّ الناس في العادة يقولون: إن الميت لا ينتفع بالكفن الذي يُوضع له، وعما قريب تأتي الدود فتأخذه، ولذا رغَّبهم في أن يختاروا الكفن الحسن، والمراد بالكفن الحسن: ألا يكون مستعملًا، وألا يكون من أنواع الأقمشة التي تتخرَّق؛ لأنَّها يُمكن أن تتخرق عند حمله، وبالتالي تبدو شيئًا من أجزاء بدنه، فيُظنُّ به ظن السوء، ونحو ذلك.
 
{(بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ
عَنْ جَابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَجْمَعُ بَينَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوبٍ وَاحِدٍ، ثمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذَاً لِلْقُرْآنِ؟» فَإِذا أُشيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِم فِي دِمَائِهِمْ، ولمْ يُغَسَّلُوا وَلم يُصَلَّ عَلَيْهِم. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَعَنْ عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ يَوْماً فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صلَاتَهُ عَلَى الـمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرفَ إِلَى الـمِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنا شَهِيدٌ عَلَيْكُم... » الحَدِيث. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ.
وَلهُ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كالـمُوَدِّعِ للأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ.
وَعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «آحْصَنْتَ؟» قَالَ: نَعمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالـمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: خَيراً، وَصَلَّى عَلَيْهِ. هَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جَابرٍ، قَالَ: وَلم يَقُلْ يُونُسُ وَابْنُ جُرَيجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَصَلَّى عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالُوا: وَلم يُصَلِّ عَلَيْهِ. وَصَحَّحهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ مَعْمَرٍ، كَرِوَايَة غَيرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَاللهُ أعْلَمُ.
وَرَوَى مُسلمٌ فِي حَدِيثِ الغَامِدِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ: ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا ودُفِنَتْ.
وَعَنْ جَابرِ بنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسلمٌ.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ -أَو شَابًّا- فَفَقَدَها النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهَا -أَو عَنهُ- فَقَالُوا: مَاتَ؟ فَقَالَ: «أَفَلا كُنْتُم آذَنْتُمُونِي؟» قَالَ: فَكَأَنَّهُم صَغَّروا أَمْرَهَا -أَو أَمْرَهُ- فَقَالَ: «دُلُّوني عَلَى قَبْرِهِ؟» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ يُنَوِّرُهَا لَهُم بِصَلاتِي عَلَيْهِم» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لمسْلمٍ، وَآخرُ حَدِيثِ البُخَارِيِّ: فَصَلَّى عَلَيْهَا.
وَعَنْ بِلَالٍ العَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ كَانَ إِذا مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ، قَالَ لَا تُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدَاً، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكونَ نَعْيَاً، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ينْهَى عَنِ النَّعْيِ. رَوَاهُ أَحْمدُ -وَهَذَا لَفظُهُ- وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئاً، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ».
وَعَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ أَبي سَلَمَة بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لـمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَتْ: ادْخُلُوا بِهِ الـمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ابْنَي بَيْضَاءَ فِي الـمَسْجِدِ: سُهَيْلٍ وأَخِيهِ. رَوَاهُمَا مُسلمٌ، وَقَالَ: سُهَيْلُ بنُ دَعْدٍ: هُوَ ابْنُ الْبَيْضَاءِ، أُمُّهُ بَيْضَاءُ.
وَعَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخرَجَ بِهِم إِلَى الـمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّر عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَلمسلمٍ عَنْ عِمرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَخاً لَكُم قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ». يَعْنِي النَّجَاشِيَّ.
وَلَهُ عَنْ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى قَالَ: كَانَ زَيْدٌ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنا أَرْبَعَاً، وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْساً، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكَبِّرُهَا، وَزَيدٌ هُوَ ابْنُ أَرْقَمَ.
وَعَنْ طَلْحَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ قَالَ: صَلَّيتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ، فَقَالُوا: لِتَعَلَّمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَعَنْ عَوْفِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى جِنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ وعَافِهِ واعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، واغْسِلْهُ بِالْمَاءِ والثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجَاً خَيراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجنَّةَ، وأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَو مِنْ عَذَابِ النَّارِ» قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنا ذَلِكَ الْمَيِّتَ؛ لِدُعاءِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّتِ. وَفِي لَفْظٍ: «وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ» رَوَاهُ مُسلمٌ.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا صَلَّى عَلَى جِنَازَة يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وشَاهِدِنا وغَائِبِنا، وَصَغِيْرنا وَكَبِيْرِنَا، وَذَكَرِنَا وأُنْثَانا، اللَّهُمَّ مَن أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمِنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنا بَعْدَهُ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ -وَاللَّفْظُ لَهُ- وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْم وَاللَّيْلَة"، وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: هَذَا هُو غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَوْفِ بنِ مَالكٍ، وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مَوْقُوفاً عَلَى عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ)
}.
هذا الباب ما يتعلق بأبواب الصلاة على الميت، وكيفية الصلاة، وأحكام الصلاة، لعلنا -إن شاء الله- أن نرجئه إلى اللقاء القادم، وأن نتدارس الأحاديث التي وردت في هذا الباب.
غفر الله لأمواتنا وأمواتكم وأموات جميع المسلمين، كما أسأله -جلَّ وعَلا- ألا يحرمنا أجرهم، وألا يفتننا بعدهم، وأن يجعل طريقتنا على خير طريقة بعدهم.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
-------------------
[48] روى الترمذي (957). عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، " أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ".
[49] صحيح البخاري (717) صحيح مسلم (600).
[50] أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (17145) مطولاً.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك