الدرس الرابع

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

4426 24
الدرس الرابع

المحرر في الحديث (2)

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أفضلِ الأنبياء والمرسلين، أمَّا بعد:
فأرحبُ بكم في لقاء جديدٍ متجدِّدٍ مِن لقاءاتنا في قراءةِ كتابِ المحرَّر للحافظ ابن عبد الهادي -رحمَه اللهُ تعالى.
وكنَّا أنهينا ما يتعلَّق بصلاةِ الجماعةِ وأحكام الإمامة فيما مضى، وفي هذا اليوم -بإذن الله عزَّ وجلَّ- يُشرِّفنا أن نتدارس أحاديثَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم المتعلَّقة بصلاةِ أصحابِ الحاجاتِ ممَّا أوردَه المؤلِّفُ -رحمه الله- في بابِ صلاةِ المريضِ.
ولعلَّنا نقرأ أوائلَ هذه الأحاديث. تفضَّل -بارك الله فيك.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على سيدنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. اللهمَّ اغفر لنا ولشيخنا، وللمستمعين، ولجميع المسلمين.
قال المصنِّف -رحمه الله تعالى: (بَابُ صَلَاةِ المَرِيضِ
عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ بِي بَواسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ)
}.
قوله هنا (صَلَاةِ المَرِيضِ)، أضيفت الصَّلاة هنا إلى الفاعلِ لها، لأنَّه هو الذي سيصلي، وذلك لأنَّ صلاةَ المريض لها أحكام تخالف أحكامَ صلاة الصَّحيح، ومِن ثَمَّ أُفردَت ببابٍ مستقلٍّ.
وقد أورد المؤلِّف حديثَ عمران بن حصين قال: (كَانَتْ بِي بَواسِيرُ).
البواسير: مرَض يُصيب الإنسان في دُبره، ويمنعه مِن بعض أركان الصَّلاة، وفي زمننا الحاضر أصبحوا يضعون عمليَّاتٍ لاستئصالها، ويكون فيها شيء مِن الألم، والعجز عن بعضِ أركان الصَّلاة، لذا سَأَلَ عِمران -رضي الله عنه- النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن الصَّلاة، أي: كيف يَفعل مع كَونه مِن أهلِ هذا المرض؟
فأعطاه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا قاعدة عامة، فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، وهذا الحديث سببه مرض واحد، والجواب فيه في حُكمٍ عام، والقاعدة عندنا: أنَّ العبرة بعموم اللفظِ لا بخصوص السَّبب، وبالتَّالي فهي قاعدة عامَّة.
قوله «صَلِّ قَائِمً»، فيه دلالة على أنَّ القيام في الصَّلاة مِن الأمور المتحتِّمة، وقد جعله العُلماء رُكنًا مِن أركانِ الصَّلاة، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: 6]، وقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ»[20] فدلَّ هذا على وُجوب القيام، وهو ركن مِن أركان الصَّلاة.
وقد استُثني من هذا صلاة النَّافلة، فإن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أجاز أن تؤدَّى والمرء جالسًا، وقد كان صلى الله عليه وسلم يؤدِّي بعض صلاته النَّافلة جالسًا، وأخبر أنَّ مَن صلَّى جالسًا كان له نصف أجر القائم[21]، والمراد بهذا مَن كان مِن غَير أهل الأعذار؛ لأنَّ مَن كان مِن أهلِ الأعذار وَعَجَزَ عَن القيام كُتِبَ له أجر الصَّلاة قائمًا تامًّا؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحً»[22].
قوله: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ»، أي: عجزتَ عن القيامِ في الصَّلاة.
«فَقَاعِدً»، يعني يجلس في وقت القيام، وقد فسَّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك بكونِه يُصلي متربِّعًا، فكان صلى الله عليه وسلم يُصلي متربِّعًا، ومِن هنا قالَ بعض أهل العلم: إنَّه يصلي متربِّعًا على جهةِ الوجوب.
وآخرون قالوا: فِعلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس فيه المنع من غيره من أنواع الجلسات، وبالتَّالي لو صلَّى على أي هيئة أجزأه.
قوله: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ» أي: الصَّلاة قاعدًا «فَعَلَى جَنْبٍ» أي: تُصلِّي على جنبك.
وهذا الحديث قد رواه البخاري، والعلماء حملوه على الجنبِ الأيمنِ، وقد ورد في رواية عند النَّسائي «فَمُسْتَلقِيً»، وحينئذٍ قال أهلُ العلم: إنَّ الصَّلاة على جنبه وكونه مستلقيًا متساوية، وإن كانت الصَّلاة على جنبٍ مقدَّمَة لأنَّها هي الواردة في الصَّحيح.
وفي هذا دلالة على أنَّ مراعاة السُّجود أولى مِن مراعاة القيام، فمَن كان يعجز عن الجمعِ بين القيام والسُّجود في صلاته؛ قلنا له: اترك القيام وأدِّ الصَّلاةَ في حالٍ تسجُد فيها، فإنَّ السُّجود لم يأتِ في الخبرِ الإذنُ بتركِه عند المرض إلا بأدلَّة عامَّة، كقوله -عزَّ وجلَّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَ﴾ [البقرة: 286]، وأمَّا ترك القيام للمرض فقد ورد بخصوصِه دليل، وهو حديث عمران بن حصين في هذا الباب.
وفي هذا أيضًا إشارة إلى أنَّه لم يذكر كيف يصلِّي، وبالتَّالي نقول: إنَّ مَن صلَّى قاعدًا فإنَّه يومئ بالرُّكوع، ويسجد أثناء صلاته، ومَن عجز عن الرُّكوع والسُّجود كمَن صلَّى على جنبٍ فإنَّه يومئ بهما على ما سيأتي في الحديث الآخر.
{أحسن الله إليكم شيخنا..
بالنَّسبة للمسافرين في الطَّائرة، لا يمكن الوقوف والسُّجود، فماذا يفعل في هذه الحالة إذا خاف خروج الوقت؟}.
مُراعاةُ الوقت وأداء الصَّلاة فيه أولى مِن مُراعاة أدائها بأركانها التَّامَّة، ولذلك أَمَرَ الله -عزَّ وجلَّ- المؤمنين أن يُصلُّوا صلاة الخوفِ مُراعاةً للوقت، مع أنَّهم حينئذٍ قد يتركون بعض أركان الصَّلاة، أو بعض الواجب فيها كالتَّرتيبِ، فدلَّ هذا على أنَّ مُراعاة الوقت أولى، فإن استطاع أن يُصلِّيَ بجلوسٍ وركوعٍ وسجودٍ فهو أولى، وإِلا صَلَّى على حَسب استطاعته، ولكن في مراتٍ قد يَظن الإنسان أنَّه غيرُ مستطيع، ويكون مِن المستطيعين، مثلًا في أثناء الطائرة يستطيع الوقوف، وبالتَّالي نقول: يجب عليك الوقوف، لكن الرُّكوع لا يستطيعه فيومئ به، والجلوس يستطيعه، لكن السُّجود لا يستطيعه؛ فلا يسقط عنه إلا ما عجز عنه.
{(وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ: حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ مَرِيْضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُوْدًا ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: «صَلِّ عَلَى الأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ» رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، والحافظُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَاحِد فِي المختارة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي رَفْعِهِ: هَذَا خَطَأ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ جَابرٍ قَوْلَهُ: "إِنَّه دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ")}.
قوله هنا: (عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ مَرِيْضً) فيه مشروعيَّة زيارة المرضى وعيادتهم.
قال: (فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ )، يعني أنَّه يسجد عليها، قد رفعها عن الأرض، فأخذها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فرمى بها، وذلك لأنَّه لا يحتاج إلى مِثل هذا، وإنَّما يكفيه أن يُومئ بالسُّجود.
قال: (فَأَخَذَ عُوْدًا ليُصَلِّي عَلَيْهِ)، يعني سجد عليه.
(فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: «صَلِّ عَلَى الأَرْضِ»)، يعني اسجد على الأرض.
«إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً»، فيه دلالة على أنَّه يكتفى بالإيماء بالنَّسبة لمَن عجز عن السُّجود، فلا يلزمه أن يضع يديه على الأرض، ولا يلزمه أن يمدَّ يديه أو يمدَّ رأسه، أو ينحني إنحناءً شديدًا، إنَّما يكفيه الإيماء بالرأس، وإذا عجز عن الرُّكوع والسُّجود فإنَّه يجعل الإيماء بالسُّجود أخفض من الإيماء بالرُّكوع كما هو في هذا الخبر.
وبعض الرواة قد رواه موقوفًا على جابر، وحينئذٍ عندنا ثلاثة احتمالات:
- الاحتمال الأول: تكرار الواقعة، مرَّة وقعت عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومرَّة عند جابر.
- الاحتمال الثَّاني: أن تكون مرفوعة.
- الاحتمال الثَّالث: أن تكون موقوفة على جابر.
فإن كانت الأولى والثَّانية، فهي حُجَّة وهي سنَّة نبويَّة.
وإن كانت الثَّالثة؛ فالاستدلال بها يقع على أحد وجهين:
- إمَّا أن يُقال مثل ما لا يُقال بالرأي، وبالتَّالي له حكم المرفوع.
- وإمَّا يُقال: هذا قول لصحابي، ولم يُوجد له مخالف من الصَّحابة، فيُحتجُّ به على الصَّحيح من قولي أهل العلم.
{(وَعَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تسْجُدُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ رَمَدٍ بِهَا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ)}.
الحسن: هو الحسن البصري الواعظ العالم الزاهد.
عن أمِّه: وكانت مِن خصائص أمِّ سلمة وممَّن كان في بيتها.
(قَالَتْ: رَأَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تسْجُدُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ رَمَدٍ بِهَ) الوسادة هنا كانت على الأرض، ليست مثل السَّابق -رفع الوسادة- وذلك أنَّ عينيها قد أصابها مرض فلم تسجد عليها.
فإذن نفرِّق بين الخبرين:
الأوَّل: المراد به رفع الوسادة حتى تصل إلى موطن الجبهة.
والثَّاني: وسادة باقية على الأرض فيسجد عليها.
وقد استُدلَّ بهذا على جوازِ السُّجود على الإسفنج وما ماثله، فإنَّ بعض النَّاس قد يتعبه السُّجود على الأرض، فيختار مِن السَّجاد ما كان ليِّنًا لا يؤثِّر على أجزاءِ وجههِ أثناء السُّجودِ.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ: عَلَى شَرطِهِمَا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيرُ أَبي دَاوُد الحفَريِّ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا أَخْطَأَ. كَذَا قَالَ، وَقَدْ تَابَعَ الـحَفَريَّ مُحَمَّدُ بنُ سَعيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ)}.
قال: (وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرطِهِمَ)، هذا لخبر -كما تقدَّم معنا- أنَّ بعض أهلِ العلم قيَّد رواية «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدً» بهذا الخبر وقال: يُصلِّي متربِّعًا، وبعضُ أهل العلم قال بضعفِ هذه الرِّواية، وأنَّ أبا داود الحفري -عبد الملك بن عامر- قد أخطأ في هذه اللفظة، وبالتَّالي قالوا: إنَّ هذه الرِّواية لا تثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومِن ثَمَّ قالوا: إنَّه يصلي على هيئاتِ الصَّلاة، فيصلِّي مفترشًا في أثناء صلاته، لأنَّها هي الجلسة المأثورة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وعلى كلٍّ فهيئة الجلوس إنَّما هي على جهة الاستحباب، وليست على جهة الوجوب على ما تقدَّم، وبالتَّالي فأيُّ هيئةٍ مِن هيئاتِ الجلوسِ صلَّى بها الإنسانُ فإنَّ صلاتَه تصحُّ حينئذٍ.
وبهذا نكون قد أنهينا صلاةَ المريضِ، ولعلَّنا إن شاء الله ننتقلُ إلى بابِ صلاةِ المسافرِ.
 
{(بَابُ صَلَاةِ المُسَافِرِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وأُتـِمـَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)
}.
قوله هنا: (بَابُ صَلَاةِ المُسَافِرِ)، أضيفت الصَّلاة إلى فاعلها، وذلك أنَّ السَّفر تختلف به شيء من أحكامِ الصَّلاةِ من قصرٍ وجمعٍ، ونحو ذلك.
وأورد المؤلِّف فيه حديث عائشة، هو حديث متَّفقٌ عليه.
قالت: (الصَّلَاةُ أَوَّلَ) هذا ظرف، (مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ)، وبعضهم روى (الصَّلَاةُ أَوَّلُمَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ)، و(رَكْعَتَيْنِ) تمييز، ولذلك نصبها.
و(فُرِضَتْ) أي: أوجبها الله -عزَّ وجلَّ.
(رَكْعَتَيْنِ)، يعني أن الصَّلاة الرُّباعية مِن صلاةِ الظهرِ والعصرِ والعشاءِ كانت على ركعتين.
(فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ)، أي: بقيت على ركعتين. (وأُتـِمـَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ)، فأصبحت أربع ركعاتٍ.
وفي هذا دلالة على أنَّ مَن صلَّى في الحَضَر وجبَ عليه أن يُتمَّ الصَّلاة، ولا يجوز له أن يُقصر الصَّلاة.
المراد بالحَضَرِ: بقاء الإنسان في مواطنِ السُّكنى الدَّائمة التي اعتاد النَّاس السُّكنى فيها، ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: 101]، ففي هذا دلالة على أنَّه لا يقصر الصَّلاة إلا إذا ضرب في الأرض.
واستدلَّ الظاهريَّة بهذا الخبر على أنَّ قصر الصَّلاة عزيمة لا يجوز تركها بالنَّسبة للمسافر، لكن الجمهور رأووا أنَّ هذا ليس على سبيلِ الوجوبِ والتَّحتُّم، وأنَّ مَن صلَّى صلاته تامَّة في السَّفر؛ فإنَّ صلاته صحيحة لكنَّه ترك الأفضل والسُّنَّة.
واستدلُّوا على ذلك بما وردَ عن بعضِ الصَّحابة مِن إتمام الصَّلاة في السَّفر، واستدلُّوا على ذلك أيضًا بما وردَ مِن أمرِ المسافر الذي يصلِّي خلفَ المقيمِ أن يُتمَّ صلاته - على ما سيأتي.
قَالَ: (فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟)، فإنَّ عائشة خالة عروة بن الزبير.
قال: ما السَّبب الذي يجعلها تُتمُّ؟
( قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَ)، وذلك أنَّ عثمان في مكَّة وفي مواطن الحجِّ كان يتم الصَّلاة، وذلك أنَّه قد أقام بمكة، أو أنَّ له بيت في مكة، فأتمَّ الصَّلاة، فصارت عائشة
رضي الله عنها على ما صارَ عليه عثمان مِن إتمامِ الصَّلاة، وكانت عائشة هي الزَّوجة الوحيدة مِن زوجات النَّبيّ صلى الله عليه وسلم التي كانت تأتي بالحجِّ في كلِّ عامٍ، فإنَّ عمر هيَّأ لهنَّ الحجَّ في سنةٍ مِن السَّنوات فحججنَ جميعًا، ثم إنَّ عائشة كانت تأتي للحجِّ بعد ذلك.
{(وللبخاريِّ عَنْهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأَولِ)}.
في هذا دليل على أنَّ النَّسخ قد يكون في الشَّريعة، فالله -عزَّ وجلَّ- يقرِّرُ مِن الأحكام ويرفع منها مَا يرى أنَّه يُحقق المقصد الشَّرعي.
قوله: (فَفُرِضَتْ أَرْبَعً)، أي زاد الله -عزَّ وجلَّ- الصَّلاة ركعتين.
(وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأَولِ)، يعني أنها تُؤدَّى بركعتين.
{(وَعَنْ عَطاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ، وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ -وَقَالَ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ-.وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُتِمُّ، كَمَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْتُ لَهَا: لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّه لَا يَشُقُّ عَلَيَّ)}.
هذا الحديث قد تكلَّم فيه أهل العلم مِن جهة الإسناد، قالوا: الصَّواب أنَّه مِن فعل عائشة وليس مِن فعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في أسفاره يقصر الصَّلاة، ولم يُؤثَر عنه أنَّه أتمَّ الصَّلاة في السَّفر.
أمَّا مِن جهة الفِطر والصَّوم فقد كان صلى الله عليه وسلم يفطر ويصوم في أسفاره، وحينئذٍ نقول: الأولى والأفضل بالنَّسبة للمسافر أن يقصر الصَّلاة، ولكن لو أتمَّها صحَّت صلاتُه.
{(وَعَنِ ابْنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّان فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَبُو يَعْلى الـمَوْصِلِيُّ، -وَلَفظُهُ: «إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»)}.
هذا الحديث حديث جيد الإسناد.
قال: ( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ»)، فيه إثبات صفة المحبَّة لله -عزَّ وجلَّ- فهو يُحِبُّ ويُحَبُّ.
 «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ»، أي أن يَترخَّصَ العبدُ بالرُّخص الشَّرعيَّة، والمراد هنا الرُّخَص المنسوبة إلى الشَّارع، وليس المراد به اختلافات الفقهاء، فإنَّه عند اختلاف الفقهاء لا يجوز للإنسان أن يأخذ بما اشتهت نفسه من الأقوال، أو بما يظنُّه أخف عليه وأيسر، وإنَّما الوجب عليه إن كان فقيهًا أن يُرجِّح بين الأقوال بحسبِ الأدلَّة، وإن لم يكن فقيهًا رجَّحَ بين الأقوالِ بحسب صفاتِ قائليها مِن جهة العلمِ والورعِ والأكثرية.
قوله «كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»، فيه إثبات هذا الفعل لله -جل وعلا.
وقوله: «أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»، أي أن يُقدَم على فعلٍ يكون العبد به عاصيًا لله -عزَّ وجلَّ.
وفي لفظٍ « كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ».
ما المراد بالرُّخصَة؟
المراد بالرُّخصَة: استباحة مَا كان محظورًا في الشرَّع مع وجود علَّة الحظرِ لسببٍ عارضٍ، فمثلًا: أكل الميتة حَرُمَ لِما فيه من النَّجاسة والخبَثِ، لكنَّ الشَّارع أَجَازَ للمضطر أن يأكلَ مِن لحمِ الميتة على سبيل التَّرخُّص مع أنَّ النَّجاسة باقية، ولكنَّه أجازه هنا مِن أجلِ هذا الوصف العارض وهو الاضطرار.
وأمَّا المراد بالعزائم: هي الأمور المؤكدة، والأحكام المتقرِّرة التي تتوافق مع وجود علَّتها، بحيث لا يتخلَّف الحكم عن علَّته.
{(وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بنِ يزِيد الهُـنَائِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مَالك رضي الله عنه عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَراسِخَ -شُعْبَةُ الشَّاكُّ- صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسلمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبدِ الْبَرِّ فِي يَحْيَى: لَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي ضَبْطِ مِثْلِ هَذَا الأَصْلِ)}.
هذا الحديث بيَّن المؤلف أنَّ فيه علَّة، وهي: أنَّه مِن رواية يحيى بن يزيد الهنائي، وقد تُكُلِّم فيه، وبالتَّالي لا يصح بناء هذا الأصل عليه.
وقد اختلف العلماء في السَّفر الذي يُقصر فيه. ما مسافته؟
وللعلماء في ذلك خمسة أقوال:
القول الأول: قالوا: إن مسافته مسيرة يومين، أي: ثمانين كيلًا، وهذا هو مذهب مالك والشَّافعي وأحمد.
القول الثَّاني: قال فقهاء الحنفيَّة: إنَّ المسيرة في هذا مسيرة مائة وعشرين كيلًا، وهي مسيرة ثلاثة أيَّام.
القول الثَّالث: قال بعضُ فقهاء أهل الحديث: إنَّه مسيرة الأربعين كيلًا، وهي مسيرة يوم.
القول الرَّابع: ذهب بعضهم إلى أنَّ المُعوَّل عليه هو الوقت، فما كان من الأسفار يَستغرق فيه الإنسان يومًا وليلة فإنَّه يستبيح رُخص السَّفر، ومنها القصر، وما كان مِن الأسفار ما هو أقل من ذلك فإنَّه لا تُستباح به رخص الأسفار.
وهناك قول خامس يقول: إنَّ المعوَّل عليه في هذا هو العرف، فما عَدَّه الناس في أعرافهم سفرًا فإنَّنا نحكم بأنه يجوز أن يُترخَّص فيه برخص السَّفر.
ولعلَّ أرجح هذه الأقوال هو القول الثَّالث: أنَّ مسافة القصر هي مسيرة اليوم والليلة، مسيرة الأربعين كيلًا.
وذلك لعدد مِن الأدلَّة:
منها: أنَّ التَّعويل عليه في العُرف في هذا الباب لا يصح متى وُجد ضابط في اللَّغة أو في الشَّرع، وهناك ضابط له فيهما.
ثانيًا: أنَّ حديث «لَا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ»[23]، وفي لفظٍ «لَا تُسَافِرُ المَرْأةُ ثَلَاثً»[24] ورد بلفظِ «مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ»[25]؛ فدلَّ هذا على أنَّ مسيرة اليوم والليلة تُسمى سفرًا، ويدلُّ على هذا قول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ [النحل: 80]، والظَّعن: هو السَّفر؛ فدلَّ هذا على أنَّ السَّفر قد يكون يومًا.
ولذا فإنَّ الأظهر مِن أقوال أهلِ العلم هو هذا القول، وكون الإنسان يحتاط لكون القولِ بأنَّه على مسيرة يومين هو قولُ عددِ مِن الصحابة كابن عباس؛ لا شكَّ أنَّه أحوط وأولى، ولكن الأدلَّة تدلُّ على القولِ الثَّالث في ذلك.
إذا تقرَّر هذا فإن خبر هذا الباب إنَّما يتعلَّق بأوَّل وقتٍ يحل فيه للإنسان أن يقصر الصَّلاة، فإذا خرج الإنسان مِن عامر قريته جَازَ له أن يَترخَّص برخص السَّفر متى كان هذا السَّفر محقِّقًا لشرطه السَّابق، ولهذا قال: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾، [النساء: 101].
والضرب يكون بالخروج مِن عامر البلد.
ويدلُّ عليه اسم "السفر" فإنَّه مِن الإسفار وهو الوضوح والظُّهور والبيان، ولذا يُقال: أسفرت الشَّمسُ، ويقال عن المرأة التي تكشف وجهها: سافرة، وما ذاك إلا من الوضوح. وحينئذٍ يقال: إنَّه متى خرج مِن عامر قريته جاز له أن يَترخَّص، وعلى ذلك يُحمل حديث الباب.
وقد ورد في الحديث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قصَرَ في ذي الحُليفة، وذي الحُليفة قريبة من المدينة، لكنه لمَّا أراد سفرًا بعدها تَرخَّص برخصِ السَّفر عندما خرج من المدينة. وعلى ذلك يُحمل هذا الخبر.
قال: (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَراسِخَ).
الثَّلاثة أميال: فرسخ واحد، ولكن هنا اختلفت الرِّواية، شكَّ شعبة في هذا الخبر.
وثلاثة الأميال: تقارب الخمسة كيلًا، وثلاثة الفراسخ: تقارب الخمسة عشر كيلًا.
{(وَعَنِ العَلَاءِ بنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَمْكُثُ المُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثً» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
من المعلوم أنَّ الصَّحابة -رضوان الله عليهم- قد هاجر كثير منهم مِن مكَّة إلى المدينة طلبًا لما عند الله -عزَّ وجلَّ- واستجابة لأمره، واتِّباعًا لطريقة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا المهاجر الذي هاجر من مكَّة إذا جاء إلى مكَّة مِن أجل النُّسك فإنَّه قد أُمر ألا يبقى ثلاثة أيام بعد قضاء نُسكه، يعود إلى بلده الذي هاجر إليه، وقيل: إن هذا الخبر نُسِخَ، وأجاز النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه المكث، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ»[26] يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكَّة لكونِه كان مهاجرًا، فلمَّا عاد إلى مكَّة مِن أجل النُّسكِ مات فيها، ولذا رثى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حاله.
وهذا الخبر قد استدلَّ به بعضُ أهلِ العلمِ على أنَّ الإقامة المؤقَّتة لا تُعدُّ إقامة دائمة تمنع من رُخَصِ السَّفر، ولذا إذا جاء الإنسان إلى بلدٍ غير بلدِه فمكث فيه إقامة مؤقَّتة فإنَّه لا يعد قد ترك السَّفر.
وقد اختُلف في هذه الإقامة المؤقَّتة كم مقدارها:
فبعض أهل العلم قال: ثلاثة أيام.
وبعضهم قال: أربعة أيام.
وبعضهم قال: خمسة عشر يومًا.
وبعضهم قال: عشرة أيام.
وبعضهم قال: تسعة عشر يومًا.
ولعلَّنا نأتي إلى هذه الأحاديث للنَّظر في القول الذي تتفق عليه:
فأولًا: إذا وجدنا بعض الأحاديث وجدناه صلى الله عليه وسلم قد أقام في بريَّة، والبريَّة ليست محلَّ إقامة، ولا مدينةً يَسكن النَّاس فيها، كحديث إقامته في تبوك، فبتَّالي هذا لا يصحُّ الاستدلال به، وهكذا في بعض المواطن أقام إقامة لا يَدري متى انتهاؤها، كإقامته صلى الله عليه وسلم بعد الفتح في مكَّة، وحينئذٍ نقول: الإقامة التي لا يُعلم منتهاها لا تمنع مِن التَّرخُّص برخص السَّفر إلا إذا جزم على الإقامة مدَّة معينة.
وكذلك مَن أقام اليوم واليومين والثَّلاثة فإنَّه لا تمنعه هذه الإقامة المؤقَّتة مِن التَّرخُّص برُخَصِ السَّفر، إلا أنَّه إذا سمع النِّداء وجب عليه أن يجيب النِّداء، فإذا صلَّى مع النَّاس الظُّهر فلا مانع أن يجمع معها صلاة العصر، فإذا نُودي للعصر لم يلزمه الإجابة لكونِه قد صلَّاها قبل ذلك.
ولعلَّنا نأخذُ عددًا مِن الأحاديث الواردة في هذا.
{(وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الـمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)}.
لاحظوا هنا: قال: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ)، وذلك في حجَّة الوداع، (فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الـمَدِينَةِ)، مدة الانتقال ولو طَالت فإنَّه يَترخَّص برُخَصِ السَّفر، ومنها قصر الصَّلاة.
قال: (قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرً).
ما هي هذه الإقامة؟
وصل َإلى مكة في الخامس مِن شهر ذي الحجَّة، فأقام في مكَّة أربعة أيام -يوم الرَّابع والخامس والسَّادس والسَّابع- اليوم الثَّامن انتقل إلى مِنًى في يوم التَّروية؛ فصاروا خمسة، ثم ذهب إلى عرفة، فكان يومًا سادسًا، ثم جلس في مِنى يوم العيد، ويوم الحادي عشر، والثَّاني عشر، والثَّالث عشر، ثم انطلق إلى المدينة؛ فهي عشر أيام.
بعض الفقهاء قال: نأخذ من هذا الحديث: أنَّ الإقامة المؤقَّتة عشرة أيَّام. لكن تلاحظون أنَّه في أربعة أيَّام منها بقي في مكانٍ واحدٍ، والسِّتَّة أيَّام الباقية كان ينتقل من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، وبالتَّالي قلنا أنَّه لم يثبت في هذا الخبر إلا إقامته أربعة أيام
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا، وَفِي لفظٍ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَعند أَبي دَاوُد: سَبْعَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، قَالَ: وَقَالَ عَبَّادُ بنُ مَنْصُور، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَة ابْنِ إِسْحَاق: أَقَامَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي تِسْعَ عَشْرَة، وسَبْعَ عَشَرَة، وأَصَحُّهَا عِنْدِي: رِوَايَةُ مَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ)}.
هذا أيضًا من الأحاديث المتعلَّقة بالإقامة المؤقَّتة، وهنا أقاموا تسعة عشر يومًا، لكن هذه الإقامة لم تكن مجزومًا عليها، وإنه بقيَ مِن أجل أن تسكن الأحوال بعد فتح مكَّة، فلما سَكنَت انتقل؛ فحينئذٍ ليست مِن الإقامة التي يُجزَم بعددِ أيامها.
ولذلك نقول: مَن أقام في بلدٍ إقامة مؤقَّتة لا يدري متى انتهاؤها فإنَّه يقصر وإن طالت به المدة، ومثل هذا مَن جاء إلى مراجعة طبيَّة فأقامَ يومًا بعد آخر، أو جاء إلى مراجعة إداريَّة ولا يدري ما وقتها، متى انتهت عاد؛ فمثل هذا يأخذ الحكم الوارد في هذا الخبر.
وقد أشار المؤلف هنا إلى اختلاف الرواة في هذا، مرة تسعة عشرة، وسبعة عشر، وخمسة عشر؛ ولعلَّ الاختلاف هنا ناشئ مِن كونه انتقل مِن مكانٍ إلى مكانٍ، فبقيَ في داخلِ حدودِ مكَّة، ولذلك كان هذا الاختلاف.
{(وَعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَبُوكَ عِشْرينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: غيرُ مَعْمَرٍ لَا يُسْنِدُهُ)}.
معنى (لَا يُسْنِدُهُ) أي: لا يذكر اسم الصحابي، فمَعمَر ذكر اسم الصحابيِّ عن جابر، وبقيَّة الرواة يروون عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم...، فيكون الخبر مرسلًا ليس مسندًا، وعلى كلٍّ فهذا الخبر يحمله الجمهور على أنَّه إنَّما يُراد به مَن أقام إقامة في غير موطنِ إقامة، كمَن أقام في البريَّة، والنَّبيُّ في تبوك أقام في البريَّة.
ولذلك الذي يظهر: أنَّ مَن قام إقامةً مؤقَّتة أربعة أيام فإنَّه يعد مسافرًا، وله أحكامُ أهلِ السَّفر، وإذا جزم بالإقامة مدة أكثر من هذه المدة فبمجرد حضوره في البلد يُعدُّ قد أقام، وبالتَّالي لا يجوز أن يَترخَّص برُخَص الأسفار، وذلك أنَّ الله تعالى قال: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: 94]، فالأصل ألا يكون قصر الصَّلاة إلا عند الضَّرب في الأرض، لم يُستثنى مِن هذا إلا الإقامة المؤقَّتة أربعة أيام، أو الإقامة التي لا يُدرى مدى انتهاء وقتها.
{(وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَينَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
في هذا الحديث دلالة على جواز الجمع للمسافر، وفيه جواز جمع التَّقديم خلافًا لبعضِ الحنفيَّة الذين يرون عدم جواز الجمع إلا في يوم عرفة وفي ليلة مزدلفة، وفي هذا أنَّ المسافر يفعل الأرفق به من التَّقديم أو التَّأخير في الجمع.
{(وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ. رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الـمُسْتَخْرَجِ عَلَى مُسلمٍ، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُسلمٌ، وَلم يَرْوِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا لَفظُهُ: كَانَ إِذا أَرَادَ أَنْ يَـجْمَعَ بَينَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَ)}.
رواية مسلم فيها دليلٌ لمن قال إنَّ الجمع لا يكون إلا جمعَ تأخيرٍ، والصَّواب أنَّه يجوز جمع التَّأخير، ويجوز جمع التَّقديم.
{(وَعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ إِذا جَدَّ بِهِ السَّيرُ جَمَعَ بَينَ الـمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بعدَ أَنْ يَغِيْبَ الشَّفَقُ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَينَ الـمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد منْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ نَافِعٍ وَعبدِ اللهِ بنِ وَاقدٍ: أَنَّ مُؤذِّنَ ابْنِ عُمرَ قَالَ: الصَّلَاةُ، قَالَ: سِرْ سِرْ. حَتَّى إِذا كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى المغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُ، فَسَارَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ جَابرٍ، عَنْ نَافِعٍ نَحْو هَذَا بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ عبدُ اللهِ بنُ الْعَلَاءِ بنِ زَبْرٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: حَتَّى إِذا كَانَ عِنْدَ ذهَابِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَجَمَعَ بَينَهُمَ)}.
هذا أيضًا مِن مسائلِ جمعِ التَّأخير وجمعِ التَّقديم، فهذه الأحاديث تدلُّ على جواز الجمع بين المغرب والعشاء في الأسفار، وجواز تأخيرِ الجمعِ بحيث تؤدَّى في وقتِ الصَّلاة الثَّانية.
قال: (أَنَّ مُؤذِّنَ ابْنِ عُمرَ قَالَ: الصَّلَاةُ)، يعني حلَّ وقت الصَّلاة.
فقال ابن عمر: (سِرْ سِرْ. حَتَّى إِذا كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى المغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ)، فهنا الجمعُ جمعٌ صوريٌّ، فأخَّر المغرب إلى آخرِ وقتها، ثم انتظر حتى دخل وقتُ العشاء فصلَّاها.وهذا فيه دليلٌ على أنَّ وقت صلاة المغرب يطول.
قال: (فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُ، فَسَارَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ)، يعني مائة وعشرين كيلًا قضوها في ليلةٍ واحدةٍ، لأنَّهم استعجلوا في سيرهم.
{(وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، وَالـمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعًا. رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
في هذا دلالة على أنَّ المسافر يجوز له أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، وبين صلاة الظُّهر والعصر.
وفي هذا دلالة على أنَّ المسافر إذا أقامَ إقامةً مؤقَّتة فإنَّه يجوز له أن يجمع بين الصَّلاتين، لأنَّه في غزوة تبوك أقامَ إقامة مؤقَّتة.
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وثَـمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيْعًا. متفقٌ عَليه، ولمسْلمٍ: جَمعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالـمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالمدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فِي غَيرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ. وَقَدْ تَكَلَّم ابْنُ سُرَيْجٍ فِي قَوْله: وَلَا مَطَرٍ)}.
هذا الجمع من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعضهم جعله مِن أجل المطر، ولذلك أجاز أن يُجمَع بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.
وبعضهم قال: إنَّما المعنى في هذا أنَّه أراد ألا يُحرِّجَ أمَّته، وبالتَّالي لا يجوز الجمع إلا عند وجود الحَرجِ والمشقَّة والعَنتِ، وأمَّا ما عدا ذلك فإنَّه لا يجوز الجمع، وبالتَّالي لا يصح أن يُستدل بهذا الخبر على إجازةِ الجمعِ مطلقًا، بل الأصل أن تُؤدَّى كلُّ صلاةٍ في وقتها، كما قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتً﴾ [النساء: 103].
{(وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ منْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بنِ يَحْيَى الْأُشْنَانِي، عَنِ الثَّوْريِّ، عَنِ ابْن الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمغْرِبِ وَالعِشَاءِ بالْمَدِينَةِ لِلرُّخَصِ منْ غَيرِ خَوْفٍ وَلَا عِلَّةٍ، وَالرَّبيعُ رَوَى عَنهُ البُخَارِيُّ، وَقد تُكُلِّمَ فِيهِ بِسَبَبِ هَذَا الحَدِيثِ.
وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ. وَكَانَ إِذا ارْتَحَلَ قَبْلَ الـمَغْرِبِ أَخَّرَ الـمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ العِشَاءِ. وَكَانَ إِذا ارْتَحَلَ بَعْدَ الـمَغْرِبِ عَجَّلَ العِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ يُونُسَ والسُّلَيْمَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ والخَطِيْبُ وَغَيرُهُم: تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَهُوَ مُنْكَرٌ جِدًا، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وقُتَيْبَةُ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمعُ الْمُسْتَحَاضَةِ بَينَ الصَّلَاتَيْنِ فِي بَابِ الحَيضِ. واللهُ أَعْلَم)
}.
هذا الحديث يدلُّ على ما سبق أن ذكرناه مِن جوازِ جمعِ المسافر بين صلاتي الظُّهرِ والعصرِ في وقتِ إحداهما تقديمًا وتأخيرًا، وجوازِ جمعِ المغربِ مع العشاءِ جمعَ تقديمٍ أو جمعَ تأخيرٍ، وقد تقدَّم مثلُ ذلك مِن حديث غير معاذ، وقد اختَلف أهلُ العلم في رواية معاذ لهذا الخبر.
وقال: إنَّه قد تقدَّمت مسألةُ جمعِ المستحاضة بين الصَّلاتين فيما تقدَّم متى اكتفت بغسلٍ واحدٍ.
وبهذا نكون قد انتهينا من صلاة المسافر.
بارك الله فيكم، ووفَّقكم الله لكلِّ خير، وجعلنا الله وإيَّاكم وجميعَ المسلمين مِن الهداة المهتدي، هذا والله أعلم، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابِه وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّين.
----------------------
[20] صحيح البخاري (793).
[21] جاء من حديث النبي صلى الله عليه وسلم "صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ" رواه أحمد (6631)، والنسائي (1658)، وابن ماجة (1022)، وصححه الألباني.
[22] صحيح البخاري (2790).
[23] صحيح البخاري (1740).
[24] صحيح البخاري (1087).
[25] صحيح البخاري (1031).
[26] صحيح البخاري (4409).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك