الدرس السادس

فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن عبدالكريم السلوم

إحصائية السلسلة

5387 21
الدرس السادس

عمدة الأحكام 4

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله مشاهدينا الكرام، في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج (جادة المتعلم) التابع لجمعية (هداة) والذي نستكمل فيه شرح كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- يشرحه فضيلة الشيخ الدكتور/ إبراهيم بن عبد الكريم السلوم.
حياكم الله شيخنا الكريم}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياهم العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (كتاب اللعان.
عن عبد اللَّه بن عمر -رضي الله عنهما- أَنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل- هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ ﴿وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نبيًا، مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، وَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَتْ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ، أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ:
«اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟» قالها ثَلاثًا.
وفي لفظٍ: «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي؟ قَالَ: «لا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عليها، فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا»)}.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمَّا بعد، فقد ذكر المصنف -رحمه الله- (كتاب اللعان)، وقد ذكرنا شيئًا من تفسيره في المجلس الماضي، وذكرنا أنَّ رجلاً أبهمه ابن عمر -رضي الله عنهما- فقال: (أَنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ)، وهذا من باب الستر في الأمور المستقبحة، وإلا فقد جاء تسميته عن جماعة من الصحابة، منهم: سهل بن سعد -رضي الله عنه-، ومنهم ابن عباس، فإنهما قد سمياه، إمَّا هلال بن أمية كما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أو عويمر العجلاني.
والظاهر -والله أعلم- أنها قد وقعت لهما جميعًا، يعني: هذه الواقعة حدثت مرتين، وعلى ذلك جاءت الأحاديث الثلاثة العمد في (باب اللعان)، وهذا الباب على صغره، وعلى عدم كثرة وقوعه، إلا أنه قد جاء فيه ثلاثة أحاديث طوال جليلة، والسبب في ذلك أنه أمر غريب، وأمر يشيع، والأصل أنَّ الأمور التي تمس الأعراض تتناقلها ألسنة الناس، ولهذا قال الله -عز وجل- محذرًا ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ [النور:12].
إذًا الأصل أن كل ما يتناول الأعراض نجد أنَّ الشيطان يُزينه للناس، يُزين للناس سماعه، ويُزين للناس الحديث فيه، ولهذا -يا إخوان ويا أخوات- انظروا ما أن ختم الله -عز وجل- آيات الإفك حتى عقب بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [النور:21].
وفي هذا دلالة على أنَّ من أعظم ما يزينه الشيطان للإنسان الخوض في الأعراض، لماذا؟ لأنَّ فيه إشاعة الفحشاء، وفيه القطيعة العظيمة بين المسلمين، وفيه مع ذلك غضب الله -تبارك وتعالى-، فإنَّ الله -عز وجل- يغضب للمحارم أن تُنتهك، ويغضب للأعراض البريئة أن تُنال بسوء، ولهذا جعل حاجزًا منيعًا بين الإنسان وبين اتهام الأعراض، فلم يجعلها سهلة، فلا يجوز أن تتهم العرض حتى يكون عندك بينات قاطعات أشد من البينات التي تقام بها بقية الحدود، كالقتل والقطع وغيرها، لأجل رعاية تماسك المجتمع وعفته وصيانته.
إذًا كل ما يخرم هذا المعنى، فهو مما يغضب الله -عز وجل-، وإذا كان كذلك فقد ذكرنا أنَّ ثَمَّ ثلاثة أحاديث، وهي:
حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وهو أصلها.
حديث سهل -رضي الله عنه-.
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وكل هذه الأحاديث في الصحيحين أو بعضهما.
وفي الحديث أنَّ هذا الرجل سأل النبي فسكت ولم يجبه، (فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ)، أي: قد وقع.
فإمَّا أن يكون هذا الرجل قد رأى مبادئ فسأل، وإمَّا أن يكون قد سأل سؤالا بلا معنى فابتلاه الله -عز وجل- به، وهذا قد يكون ظاهرًا في قوله ها هنا.
قال: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل- هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ ﴿وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ) يعني: تجلد ثمانين جلدة أهون من عذاب الآخرة. لماذا يُجلد؟ لأنَّه قذف امرأته.
(فَقَالَ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نبيًا، مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا) والحق أن هذا هو الأصل في عامة دعاوى الرجال إذا رفعوها إلى القاضي، وأمَّا قبل أن ترفع إلى القضاء فيكون الكثير من هذه الدعاوى -والعياذ بالله- مجرد اتهامات، ونرى أنَّ ثَمَّ من الرجال من عنده فجور، نسأل الله العافية، فتراه إذا اختلف مع زوجته قذفها بمنكرات الأقوال.
ويجوز للمرأة في مثل هذا أن ترفع الأمر للقضاء، ومن ثمَّ تطلب إمَّا أن يُقام عليه الحد أو يُلاعن إذا كان صادقًا في قذفه.
ولكن إذا قال الرجل لامرأته: أنا رأيتك ورأتك عيني، وسأرفع الأمر للقضاء.
نقول: لا يرفع الأمر للقضاء غالبًا إلا من كان مبتلى غالبًا؛ لأنَّ الأمر لا يتعلق بطلاق، فالطلاق سهل، ولا يتعلق بقذف؛ لأنه لو أراد أن يتهمها لَمَا رَفَعَ الأمر للقضاء!
إذا من رفع الأمر للقضاء وهو يريد أن يقذفها فقط سيلاعن والعياذ بالله، وتكون فضيحة عليه، وعذاب في الدنيا والآخرة! ولذا قلنا: إنَّ الأعم الأغلب إذا كان هناك ثَمَّ رفع إلى القضاء في قضايا الملاعنة؛ فإنه غالب ما يكون الرجل على حق؛ لأنه لن يُقدم على هذا الأمر الخطير إلا إذا كان مبتلى، وإلا فعنده خيارات كثيرة يتخذها. هذا هو الظاهر والله أعلم.
ولأجل ذلك نقول: كل من وقع ذلك منه من الصحابة، كانت القرائن اللاحقة في صفه، كهلال وعويمر -رضي الله عنهما-، حيث قال النبي : انظروا إن جاءت به كذا فهو لزوجها. وإن جاءت به كذا وكذا فهو لفلان. وعلى سبيل المثال قال النبي في حديث عويمر: «فإنْ جاءَتْ به أسْحَمَ، أدْعَجَ العَيْنَيْنِ، عَظِيمَ الألْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ؛ فلا أحْسِبُ عُوَيْمِرًا إلَّا قدْ صَدَقَ عليها، وإنْ جاءَتْ به أُحَيْمِرَ كَأنَّهُ وحَرَةٌ، فلا أحْسِبُ عُوَيْمِرًا إلَّا قدْ كَذَبَ عليها»[1].
يقول عاصم بن عدي سيد بني العجلان، وهو شيخ قبيلة عويمر، وكانت هذه المرأة المقذوفة والملاعنة من قريباته -أخته أو بنت أخته- قال: فكنت عندها حين نفسها فتلقيت الصبي، وعاصم واقف يريد أن يرفع هذا العار عن قومه، فابن عمه يقذف ابنة عمه الآخر.
قال: فإذا هو على النعت المذكور الذي نعته النبي ، وقد نعته النبي حتى إنه وصف لسانه، فقال: لسانه أسود.
فتلقف لسان الصبي، فإذا لسانه أسود اللون كأنه نواة؛ لماذا؟ لأن الرجل ما يتهم الزوجة ويلاعنها عبثًا.
قال: (فَقَالَ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نبيًا، مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا)؛ لأنَّ الشرع ملكني الطلاق، وإذا كنت أريد قذفها لمجرد القذف فلن أرفع الأمر للسلطان، وقد أقذفها فيما بيني وبينها، كما يفعل ذلك بعض شرار الرجال.
(ثُمَّ دَعَاهَا) أي: النبي دعاها، (وَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ) وهذا هو الأصل في القاضي، فإذا كان قضية لعان ما يبدأ باللعان حتى يوعظ كل واحد منهما، وهذا أيضًا هو الأصل في التقاضي في كل أمر جاء الشرع من التحذير منه مثل: اليمين الغموس. إذا استُحقت اليمين على أحد الطرفين، المدعى عليه، أو على المدعي مثلا إذا كان هو الطالب، ونَكَّلَ المدعى عليه، فيقال له: هذه يمين غموس إذا حلفت بالله كاذبا، وتغمسك في الإثم، ثم يذكره بالله ويحذره، ويبين له أنَّ ما يفوته من الدنيا أهون مما يستقبله عند الله -عز وجل-.
يفعل ذلك لعل ذلك يرده، وبالفعل يرجع كثير من الناس عن بعض الأمور المنكرة بالوعظ، وخاصة في مجالس القضاء لأنها مجالس مهيبة.
فيقال للرجل: ترى عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكونك تجلد الآن ثمانين جلدة لقذفك إياها أهون من أن تجلد يوم القيامة عند الله -عز وجل-، وأهون من أن تفضح هذه المرأة، وأهون من أن تنفي هذا الصبي عنك.
فإذا كان الرجل مُستيقنًا أقدم على ذلك وقال: أنا متيقن وأعلم علم اليقين أنَّ هذه المرأة قد زنت، وأنَّ هذا الصبي ليس مني.
فدعاها النبي فوعظها وذكرها ثم بدأ اللعان، فشهد أربع شهادات، وقال: أشهد بالله أني لصادق، أشهد بالله أني لصادق، أشهد بالله أني لصادق، أشهد بالله أني لصادق فيما قذفت به هذه، وعليَّ لعنة الله إن كنتُ كاذبًا.
ثم تأتي المرأة فتقول: أشهد بالله أنه كاذب فيما قذفني به، أربع مرات، ثم تقول: عَلَيَّ غضبُ الله إن كان صادقًا بما قذفني به.
وجاء في بعض الروايات أنها لَمَّا كانت الرابعة نكصت، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم. ولكنها حلفت بغضب الله -عز وجل- عليها، ففرق النبي بينهما.
قال: (ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا)، والفرقة هنا فرقة أبدية، وفرقة باتة، حتى أن المرأة فيها على قول العلماء تعتد بحيضة واحدة؛ لأنه ليس بطلاق بل هو فسخ، وهي أعظم الفسخ.
وقالوا: لا يجوز للرجل أن يرجع إلى المرأة التي لاعنها إلا بشرطين اثنين:
الأول: أن يُكَذِّبَ نفسه. يقول: كنت كاذبًا بما قذفتها به، ويجلد عليه الحد أو تعفو عنه.
الثاني: أن يخطبها إلى نفسها فتقبل، كأنه نكاح جديد، وهذا هو الأصل في اللعان. وهو أمر خطير.
ثم قال : («اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ») وهذه ليس فيها تأول. ثم قال: («فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟») هذا بعد مواقعة الاثم، ولكن -يا إخوان- هذا معنى جليل يغفل عنه أيضًا بعض القضاة، وهو أنَّ القاضي لو ظهر عنده أن الحق مع أحد الطرفين ظاهر وجلي، ولكنه لا يستطيع أن يحكم إلا بما هو أمامه، فعليه أن يعظهما بعد أن يحكم.
فتراه يقول: لقد حكمت بينكما، وهذا الحكم لا يغير شيئا من حكم الله -عز وجل-، ولا يغير شيئا من الحق، وإنكم تختصمون إليَّ، وإنما أقضي بنحو ما اسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليدعها. وبعد ذلك يقول لهم القاضي: توبوا إلى الله، فإن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟ يقول ذلك: ثلاثا.
وأما الرجل فما أعلن توبته لأنه كان متيقنًا أنه لم يكن على خطأ، ثم إنَّ النبي قال: («لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا»). أي: انقطعت العلاقة بينك وبينها.
وهناك قرائن كثيرة كانت تدل على أنَّه كان على حق، ولكن مع هذه القرائن، ومع خروج الصبي فيما بعد على صفة الرجل المقذوف به، إلا أنه ما يقام عليه الحد. لماذا؟ لتعظيم الشرع لإقامة الحد.
فكيف يأتي هؤلاء المتهوكون في دين الله وفي الأعراض ويقذفون الناس بمجرد أدنى الشبهات.
إذًا قال النبي : («لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي؟) يعني: أين مالي؟ أين مهري الذي دفعته.
والحقيقة أنَّ مثل هذا الكلام لا يقوله الرجل في محل الخصومة إلا إذا كان غالبًا يرى أنَّ الحق معه؛ لأنَّ الرجل الذي يخوض في الأعراض الآن، وهو يفتري على المرأة ينسى موضوع المال الآن.
كأن الرجل هنا يقول: يا رسول الله هي التي صنعت، وهي التي دمرت عليَّ بيتي، وهي من خانت عرضي، وأتت الآن تلاعن، فأين مالي؟
قال : («لا مَالَ لَكَ») أي: لا تطالب بالمال حتى لو كانت كاذبة، فــ («إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا») وهذا هو الظاهر، («فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا»)، أي لأنك دخلت بها الدخول الشرعي. («وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عليها، فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا») فإن كنت كاذبًا فليس لك الحق أن تطالب أصلا؛ لأنك حينذاك جمعت بين الكذب واستحلال الفرج، ولذا ليس لك أن تطالب بالمال.
ثم إنَّ النبي كما سيأتي في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- نفى الولد، فالرجل قال: يا رسول الله لم أرد باللعان الآن الطلاق، وإنما أريد باللعان أمرًا وراء ذلك، وهذا الأمر الذي سيذكره المصنف -رحمه الله- في حديث ابن عمر بعد قليل إن شاء الله.
{أحسن الله إليكم.
قال: (وعنه -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ، فَتَلاعَنَا، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، «ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ»)}.
هذا من الأمور المترتبة على اللعان، فاللعان إذا ثبت وانتهى حصلت به أمور:
الأمر الأول: درء الحد عن الرجل؛ لأنه قذف، فيدرأ عن الحد باللعان.
الأمر الثاني: درء الحد عن المرأة؛ لأنها مقذوفة، ولكن دُرِئَ عنها الحد باللعان، فإنها لو أقرت على نفسها رُجِمَتْ.
الأمر الثالث: حصول الفرقة الأبدية.
الأمر الرابع: نفي الولد، وهذا الذي ذكره ابن عمر -رضي الله عنهما-. أنَّ رجلا قَذَفَ امرأته وانتفى من ولدها. قال: يا رسول الله هذا ليس ولدي، فأمرهما رسول الله فتلاعنا كما قال الله، ثم قضى بالولد للمرأة، وَفَرَّقَ بين المتلاعنين.
كيف يُقضى بالولد للمرأة؟
هذه مسألة معروفة عند العلماء، ومسألة تدخل في أحكام الفرائض وغيرها، نسأل الله العصمة. فتجد أنَّ الرجل لا ينتسب لأبيه، ولكن ينتسب لأمه، وهذا من المسائل اليسيرة التي تكون فيها النسبة للنساء، فيقال: فلان ابن فلانة. طيب ابن من؟ يأتي نسبه في أخواله. فيقال للرجل مثلا: أنت ابن من؟ يقول: أنا ابن عبد الله ابن آل محمد.
ويقال: من أمك؟ فيقول: أمي هي فلانة بنت محمد بن عبد الله المحمد. نقول: أنت اسمك الآن محمد ابن فلانة ابن محمد بن عبد الله المحمد. فينسب إلى أخواله، وينتسب إلى أمه. لماذا؟ لأنه لا يوجد من ينتسب له، فوالده قد انتفى منه، ولا تجز نسبته إلى الزاني؛ لأنَّ المرأة لم تُقر بذلك. وللزاني الحجر، أي أنَّ الزاني لا يُنتسب إليه، وهذا قد وقع في حديث عويمر العجلاني، قال سهل -رضي الله عنه-: فنسب الرجل إلى أمه.
وجاء في بعض الروايات، «وَقَضَى بأَنْ يُحَد مَنْ يَرْمِيه». يأتي رجل فيقول: أنت ما نسبت إلى أمك إلا أنك ابن كذا وكذا، هذا يحد؛ لأنه ما يجوز رميه.
قال سهل -رضي الله عنه- فكان ينسب إلى أمه، فما زال كذلك حتى كان أميرًا على مصرٍ من الأمصار، يعني: ما منعه ما حصل فيه من البلاء أن يصبح أميرًا على مصر من الأمصار.
إذًا هذا من أحكام اللعان، وهو الحكم الذي دائمًا ما يقصد اليه الرجل بالملاعنة، فالرجل إذا سَلِمَ من الولد، صار أمر الانفصال سهلا. قال: قد ثبت عندي كذا وكذا عنك وقد رأيتك، ومن ثم يطلقها.
قد يقول قائل: إنه قد يلجأ إلى اللعان لأجل أنه إذا طلق ذهب عنه المهر، نقول: المهر ذاهب عنه بكل حال.
إذًا لا يلجأ الرجل إلى اللعان إلا إذا كان يريد نفي الولد، يعني: إذا كانت المرأة حاملا، وكان يعلم أن هذا الحمل ليس منه، وإنما من رجل أجنبي، فإنه يلاعن، ولهذا إذا كان الرجل قد رأى امرأته على حرام -نعوذ بالله- ولكنه كان يعلم أنَّ هذا الولد منه، كانت معه مثلا في سفر أربعة أشهر أو خمسة أشهر، وليس معها إلا هو، وحملت منه، وتأكد من حملها، ثم رجع فوجدها تواقع الزنا، فهو متيقن الآن أن هذا الحمل منه، فتجد أنَّ أغلب الرجال في هذه الحال لا يلاعن، بل يقول: ليس هناك حاجة للعان، ولذا فأنا أطلقها، والولد ولدي.
ولكن إذا لم يكن كذلك، وكان الولد ولد غيره. يقول: كيف أدخل على نفسي وعلى أهلي من ليس مني، وهذا من حق الرجل، من حق الرجل بل يندب إليه.
طيب لو أنَّ رجلاً سأل، قال: أنا أعلم أنَّ زوجتي وقعت في الحرام، وأنَّ هذا الولد ليس مني، فهل يجب عليَّ أن ألاعنها؟
نقول: الظاهر عدم وجوب ذلك، وأنه يجوز له أن يستلحق الولد. لماذا؟ لعموم قوله : «الولَدُ للفِرَاشِ»[2]، ومما يدل عليه حديث "عَبْد بنَ زَمْعَةَ" في قصة استلحاق الولد بالفراش، ونفيه عن عتبة بن أبي وقاص، مع ظهور الشبه فيه بعتبة، حتى إنَّ النبي من شدة شبهه قال لسوده: «واحْتَجِبِي منه يا سَوْدَةُ»[3]، ومع ذلك ما أمر النبي بالملاعنة، ولم يقل لــ "عَبْدَ بنَ زَمْعَةَ": كيف تريد أن تنسب إليك طفلا نسبه في عتبة؟"، وقد تعلق "عَبْدَ بنَ زَمْعَةَ" بالفراش.
ولذا نقول: الظاهر -والله أعلم- أنه لا يجب نفيه، ولكن يحسن للإنسان أن ينفيه إذا لم يكن منه.
قال: («ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ»).
لا يشترط أيضًا للعان أن تضع المرأة الولد، وبعض العلماء قالوا: يشترط، ونقول: لا. بل يجوز للرجل أن ينفي وأن يُلاعن قبل الوضع، أي يقول: هذا الولد الذي في البطن ليس مني، ومما يدل عليه حديث عويمر العجلاني، فإنها قد تلاعنت، وقد قال النبي : انظروا إن جاءت به كذا فهو لزوجها، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لكذا. وهذا قيل قبل الوضع.
{أحسن الله إليكم.
قال: (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاماً أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «هَلْ لَك إبِلٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقاً، قَالَ: «فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟».
قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: «وَهَذَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ»)}.
لَمَّا ذَكَرَ المصنف -رحمه الله- حديث الملاعنة بين الزوجين؛ أراد المصنف أن يُبين أنه لا ينبغي للرجل أن يتسور على هذا المعنى بالظن، وإنما باليقين، واليقين الذي هو المشاهدة، فإنَّ كل من قذفها من الصحابة كان قد شاهدها، ولهذا قال الرجل منهم: يا رسول الله أرأيت لو أنَّ رجلاً وجد مع امرأته رجلا كيف يصنع؟ يراهما على فراش واحد، فإذًا هذا يقين، ولكن ثَمَّ معنى آخر، وهو من الظن. كيف؟
ذكر المصنف -رحمه الله- في حديث أبي هريرة، أنَّ رجلاً (من بَنِي فَزَارَةَ)، وبنو فزارة قبيلة من قبائل العرب المشهورة، ولكنهم كانوا أهل البادية، ولم يكونوا أهل حاضرة، وأهل البادية فيهم معنيين:
الأول: سرعة الشك.
الثاني: معنى المعرفة والقيافة.
قال: (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاماً أَسْوَدَ)، فالرجل ليس أسود اللون، والمرأة كذلك لم تكن سوداء اللون، وهو الآن يُعَرِّض بالنفي. فما أقام عليه النبي الحد، أي لم يقل له: إمَّا أن تأت بشهود أو تلاعن. لماذا؟
لأنه لم يصرح، فَدَلَّ على أنَّ التعريض لا يجلد فيه، خاصة إذا كان في مجال الاسترشاد والتعليم، فالرجل كان يسترشد ويستخبر، فقال: (إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاماً أَسْوَدَ) أي ماذا أصنع يا رسول الله؟ والنبي يفهم ما يُعرض به الرجل، ولذا سأله (فقَالَ: «هَلْ لَك إبِلٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ)، والحمر عند العرب هي ذات الألوان البيضاء، وكانت أحب أموال العرب إليهم؛ ووصفت بالحمراء؛ لأنها كانت من بعيد تبدو كالأحمر.
(قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟»)، والأورق هو الأسود. ويقال: الحمامة تسمى بالورقاء. لماذا؟ لأنَّ لونها رماديا.
والمعنى: هل يكون فيها بعير أو ناقة مخالفة لألوانها؟ قال: نعم (إنَّ فِيهَا لَوُرْقاً، قَالَ: «فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟» قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ)}، يعني عسى أن يكون من أجدادها كان أورقًا فَنَزَعَه.
فقال النبي : («وَهَذَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ»)، وهذا من أحسن ما يكون من معاني التعليم وكشف الريبة، أن تضرب له المثل بما يشاهده واقعًا. فيقال: أنت قد يكون في أجدادك أو جداتك من كان على غير لونك، فيكون قد نزع هذا المولود، والأصل عمومًا أنَّ الحفيد يكون شبهه بجده أكثر منه من أبية، وحتى بما يتعلق الآن بما يسمى بالأمراض الوراثية، فإنهم يركزون دائمًا على الجد والجدة أكثر من تركيزهم على الأب. لماذا؟ لأنهم يقولون: إنَّ الجينات تسري في الجيل الذي بعده أكثر من سريانها في الجيل الذي قبله.
إذًا هذا معنى عظيم بينه النبي ، وهو أنه لا يجوز القذف بالظن، ولذا ما يأتي الرجل فيقول: سبحان الله، أنا كل أولادي ذو بشرة بيضاء، فجاءني هذا الولد الأسود، أو أنَّ كل أولادي أسود اللون، فجاءني هذا الولد الأبيض.
فمن أين جاء؟ يقال: قد يكون في أجداده من جهة أمه، أو في أجداده من جهة أبيه من كان بهذا اللون ونزعه عرق، يعني: أخذه، وهذا ما يسمونه الآن تسمية باطلة، حيث يسمونه بالطفرات الجينية.
وهذه التسمية بلا شك داروينية، وهذا التسمية الحديثة يقصد بها أنَّ هناك واثبات تحصل بين كل جيل وجيل تخلقها الطبيعة بلا حساب، فتنتج نوعًا غريبًا من الكائنات.
إذًا («نَزَعَهُ عِرْقٌ») بمعنى: قد أخذ شيئًا من الأعراق القديمة له فجاء عليها، ومما يقرر هذا المعنى أنهم يقولون: إن أكثر الناس شبها برسول الله هو الحسن بن علي، وهذا في الجيل الثاني، وليس في الجيل الأول.
إذًا الشبه كثيرًا ما يلحق الإنسان بجده أكثر من شبه الابن بأبيه.
{أحسن الله إليكم.
قال: (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إلَيَّ، أَنَّهُ ابْنُهُ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ.
فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ إلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ:
«هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ»)}
هذا الحديث أيضًا من الأحاديث المتعلقة بكتاب اللعان، وهو متعلق بجزء من أبواب كتاب النكاح، والمحرمات في النكاح، ونحو ذلك.
وفيه أنَّ سعدًا -رضي الله عنه- لَمَّا كان فتح مكة، وسعد -رضي الله عنه- قد كان له من إخوانه جماعة، منهم مصعب بن أبي وقاص، وقد استشهد معه -رضي الله عنهما-، ومنهم عتبة، وقد كان عتبة رجلاً كافرًا، وقد مات على الكفر، وكان قد زنا بِأَمَةِ زَمْعَة، وعاهرها حتى تبين له حملها، وعلم أنَّ حملها إنما هو منه؛ لماذا؟
لأنه كان يعلم أن "زَمْعَةَ" رجلٌ كبيرٌ في السن. وزَمْعَةَ هو والد سودة -رضي الله عنها-، ووالد عبد بن زَمْعَة، وعبد الله بن زَمْعَة، وهو رجل من كبار قريش، ولكنه كان كبيرًا في السن، وعنده جارية، فأتى إليها وتسور عليها عتبة، فزنا بها حتى حملت منه، ثم عهد إلى أخيه سعد، وقد كانت هذه عادتهم في الجاهلية، أن يوصي الرجل إلى أخيه.
وقد عهد إليه فقال: إن ابن أَمَةْ "زَمْعَةَ" هو ابني، انظر إلى المولود الذي تلده وَلِيدَة زَمْعَة فهو ابني، فلمَّا كان عام الفتح، ذهب سعد -رضي الله عنه- إلى الجارية هذه، وهي امرأة كبيرة، ولكنهم يسمونها جارية؛ لأنها لا زالت أَمَة ًأو مُعتقة من قريب.
فقال: أين ابنك؟ قالت هذا هو، فنظر إليه فإذا هو أشبه الناس بعتبة، فأخذه وقد استبان له الأمر. فجاء (عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، وقال: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي)، فجاء سعدٌ فقال: يا رسول الله إنه ابن أخي عتبة، وقد عَهِدَ إليَّ فيه، انظر إلى شبهه، إنه أشبه الناس بعتبة، حتى قال: إنه أشبه به من شبه الغراب بالغراب.
وانتبه لِمَا قاله "عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ"، قال: (هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ) أي: هو مولود على الفراش، وأمه وليدة جارية كان يتسرى بها وليست بزوجة، فلو كانت الزوجة كان الأمر فيه أولى وأولى.
(فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ إلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»)، وهذه قاعدة شرعية عامة، وهي أنَّ الشرع يتشوف إلى إثبات الإنسان، وإلى إثبات الأنساب بالطريقة الشرعية التي هي طريقة الفراش -طريقة النكاح- وما سوى ذلك له الحجر، والحجر الذي هو الرمي حتى يموت. لماذا؟
لأنه زانٍ، وبالتالي ليس له شيء، وكيف يكافئ على فعله القبيح بأن ينسب إليه الولد؟ لا. ما يفعل فعلا قبيحًا ثم ينسب إليه الولد، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: لا تصح النسبة في الزنا البتة، بل قد حكي الإجماع.
هناك بعض العلماء قد خالف في هذه المسألة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض الأحوال، فيما لو أنَّ رجلا زنا بامرأة ثم تاب وتابت، وقررا أن يتزوجا، فتزوجا ثم ولد هذا على فراشهما.
جماعة من العلماء -رحمهم الله- قد رخصوا في استلحاقه، وقالوا: لا هو ولدك. مع أنَّ المشهور من أئمة المذاهب الأربعة أنه لا يلحق بهما. قالوا: لا، ما دام أنَّ الحمل حصل في حال محرم، فإنه لا يلحق حتى ولو تزوج؛ لأنه حصل في وقت حرام، وهذا مما يؤكد يا إخوان رغبة الشرح في حفظ الأنساب واعتداله فيها أيضا.
قال: (فَقَالَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ»)، فالنبي لَمَّا رأى الشبه عَلِمَ أنَّ هناك شبهة قوية، فأمر سوده بالاحتجاب منه. قال أهل العلم -رحمهم الله-: "والظاهر في هذا أنه من باب الورع"، وليس من باب الوجوب. لماذا؟ لِمَا كان من تعظيم حق نساء النبي وصيانتهن، فإنَّ حجاب نساء النبي ليس كحجاب غيرهن من النساء، بل الأمر في ذلك أكثر.
ولهذا أمر الله -عز وجل- بمراعاة ذلك ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، فشدد الله -عز وجل- في التعامل مع نساء النبي صيانة لهن، وسترًا لهن -رضي الله عنهن وأرضاهن-.
قال: (فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ) أي: ما رأى سودة حتى توفاها الله -عز وجل-.
ونشأ هذا الغلام معروفا، وكان ينسب إلى "زَمْعَة" الذي هو والد سودة رضي الله عنها.
إذًا هناك جملة من الأحكام المترتبة على هذا الحديث. منها:
-      أنه لا بأس بالتوكيل في استلحاق النسب، فيجوز للإنسان أن يوكل شخصًا في استلحاق نسبه، وكما أنه يجوز التوكيل في الزواج والتوكيل في الطلاق وغيرها كذلك الفراش.
-      ومنها أنَّ الفراش مُقدم على الشَّبه، ولهذا ما يجوز فحص (DNA) في مثل هذه الأغراض البتة. يأتي الرجل فيقول: أريد أن أفحص (DNA) حتى أرى قبيلتي، نقول: لا يجوز شرعًا، أنت مولود على فراش أبيك، وأبوك ينسب إلى القبيلة الفلانية أو إلى الجهة الفلانية، فما يجوز لك بحال من الأحوال أن تنكرها، وحتى لو خرج (DNA) ينسبك إلى بعض شعوب أفريقيا، أو بعض شعوب آسيا، ما جاز لك أنت أن تنتفي من والدك.
إذا ما هناك حاجة لأن تبحث عن (DNA) أو غيره، ولا يجوز البحث عنه أصلاً، والبحث عنه هو طعن في نسبك، وطعن في نسب أناس بعدك؛ لأنك ستفتح الباب لوالدك يبحث عن نسبه أيضًا، وإلى إخوانك وإلى أجدادك، ثم يأتي بذلك فساد عظيم.
ومن المعلوم أنَّ الشرع يتشوف إلى الستر، واعلموا يا إخوان أنه ليس هناك من سلسلة نسب طويلة بينها وبين آدم -عليه الصلاة والسلام- مئات، بل ربما آلاف الرجال، هل يعتقد الرجل أنَّ نسبه خلال هذه السلسلة سيكون صافيا؟ هذا مستحيل، بل سيعتري عليه أمور كثيرة، وستنتزعه بعض الأعراق، وسيخالط بعض الناس، ويكون بعض آبائه وأجداده قد تزوج من قبائل أخر، أو من أمم وشعوب أخر، فتسري في دمه، ولذا فهذا الباب يغلق بوجه عام، هذا أمر.
أيضًا من الفوائد كما ذكرنا أنَّ الزنا لا يكون سببًا لثبوت النسب، ولهذا فقد رأى جمهور العلماء أنَّ النسب لا يثبت البتة، وأنه إذا حصل الزنا لم يجز للإنسان أن ينتسب إلى الزاني، نعوذ بالله من ذلك.
 هذه جملة من الأحكام المتعلقة بحديث عائشة -رضي الله عنها-، وهو حديث جليل، كثير الأحكام، كما أنه يقوم على القاعدة الكبرى، وهي أنَّ اليقين لا يزول بالشك، فنحن عندنا يقين الآن، وهو أنه قد ولد على هذا الفراش، فما اعتراه من الشكوك لا عبرة بها.
إذا كان هذا الحال يا إخوان في طفل عُلِمَ أنَّ هذا الرجل قد زنى بأمه، ونظر إلى الشبه العظيم بوالده، ومع ذلك فإنَّ هذه كلها قد ألغاها الشرع، واعتبر أنَّ نسبه نسبًا صحيحًا في والده. فكيف الحال بأغلب الناس الآن المولودين على فُرُشٍ شرعية؟ ولماذا يأتي يبحث عن نسبه، ويفحص ويدقق؟ نقول: هذا كله من الباطل. وإذا وجدت انتسابك لقوم فأنت منهم، ولا تأتي لتبحث.
قد نجد بعض الناس ربما يبحث لعله يستزيد من الخير كما يزعم، فلربما كان في قبيلة فأراد أن ينتسب إلى قبيلة أحسن منها، وهذا كله من الجهالات التي لا تقدم ولا تؤخر في دين الله شيئًا.
{أحسن الله إليكم.
قال: (عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ»، وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفًا»)}.
هذه تتعلق بالقيافة، والقيافة هي معرفة الشبه، وقد كانت مشهورة في "بني مدلج"، وهم قبيلة من قبائل العرب، ولا زالت هذه القيافة في قبائل العرب إلى هذا الزمن، وهي الآن مشهورة مثلا في بعض قبائل بني مُرة.
والقيافة هي معرفة الأشباه، وهي تختلف في أمور كثيرة، فقد يعرف الأشباه كثيرًا بالوجوه، وهذا أمرٌ بسيطٌ، وربما يعرفه كثيرًا مِنَ الناس، بل إنَّ بعض من آتاه الله -عز وجل- هذا العلم قد يعلم أنَّ الرجل ينتسب إلى القبيلة الفلانية أو الشعب الفلاني أو الجهة الفلانية من غير أن يُخبر بها. فتراه يقول: فلان فيه ملامح من القبيلة أو الأسرة الفلانية، بماذا؟ بما يعرفه من القيافة.
وأكثر من ذلك من يعرف القيافة بأمور غير ظاهرة للناس، مثل: الأصابع والأرجل، فيعرف بمواطئ الأصابع والأرجل أن الرجل الفلاني ينتسب إلى القبيلة الفلانية أو ينتسب إلى فلان.
ومن هؤلاء مجزز المدلجي وكان أشد العرب قيافة، كان قائفًا، والقيافة كانت تحتاجها العرب في الزمان الأول. لماذا؟ لأنَّ من النكاح الذي ذكرته عائشة -رضي الله عنها- لَمَّا ذكرت أنَّ النكاح في الجاهلية قد كان على أربعة أنحاء، كان منها نكاح البغايا اللاتي ينصبن الرايات، فيدخل عليها الرجل والرجلان والثلاثة والخمسة والعشرة يزنون بها، فإذا حملت واستبان حملها دعت القائف، وتقول: لقد سجلت من دخل علي، فدخل عليَّ فلان وفلان إلى آخر من دخل عليها من الرجال، فيدعونهم فلا يمتنعون، ويُحضرون القائف فينظر إلى هذا الصبي ثم يقول: ألحقه بك يا فلان، فلا يمتنع.
ولذا كان أمر القيافة مشهورًا في العرب؛ لأنَّ البغاء فيهم كان موجودا، والبغايا في العرب فيهن كثرة، ولذا كانوا يحتاجون إلى ذلك، ويحتاجون إلى ذلك من جهة للعرب أن العرب قد كان عندهم مبدأ الشك، وليس هناك وازع ديني، فكانت المرأة ربما تزني بالراعي أو بالجار أو غيرهما، فيأتي الولد فيشك الزوج، ويقول: لا أصدق أنَّ هذا الولد ابني، أو ينتسب إليَّ حتى استشير فيه القافة، فيأتي بالقافة فإذا قالوا: هذا الولد ابنك؛ اطمئن قلبه، وهذا مثل ما يحدث الآن من حمض (DNA) لَمَّا يشك الرجل في أولاده -خاصة في الغرب، ونحو ذلك- ولا يصدق حتى يتم التحليل (DNA)، فإذا خرج اطمئن.
إذًا كانت القيافة معروفة عند العرب، وكان للقافة مكان، وقدر، وقول مسموع. ولكن قد خَفَّ أمرهم في الإسلام بسبب الحدود الشرعية، وبسبب أنَّ الشارع في الشرع ما استلحق الزاني.
وتخيلوا -يا إخوان ويا أخوات- أنَّ الشرع رَخَّص للزاني في الاستلحاق. ماذا كان سيحدث؟
سيقبل الناس على الزنا من كل حدب وصوب. ولعل أحدهم يقول: ما المشكلة في الزنا -نسأل الله العافية- ونرى من يزني ثم يأتي فيستلحق الولد، ويقول: أنا كنت متزوجًا بها. أو لو أنا زنيت بها ما الذي يحصل؟ وما هو الأمر المنكر؟ وبالتالي لا يفترق الحلال عن الحرام.
ولكن لَمَّا كان الحد أصبحت المرأة تحتاط، وتخشى أن تحمل، وأصبح الرجل يحذر ويخشى أن تحمل منه المرأة، ويخشى أن يكون له أولاد ما ينتسبون إليه فيضيعون، فكان في هذا نوع من الوازع الذي ينهى عن الزنا، ويحول بين الإنسان وبينه، ولا بد من أن يكون هناك وازع من الشرع ووازع أيضًا من الفطرة، ووازع أيضا من التشريعات التي تكون حائلا بين الرجل وبين هذا الأمر المنكر.
وإذا كان كذلك، فإنه قد يُحتاج إلى القيافة عند اختلاط الأنساب بوجه شرعي كيف؟
من ذلك ما رواه أصحاب السنن، وأصحاب المصنفات أنَّ امرأة جاءت إلى عمر -رضي الله عنه- بمولود يتنازعه رجلان، كل واحد منهما يقول: إنه مني، وكانت المرأة قد طُلِّقت فحاضت ثلاث حيض ثم تزوجت، وقد ظنت أنَّ هذه الحيض استبراء، ولم تكن حيضا، وإنما كان الدم دم فساد، فلما تزوج هذا الرجل بعد أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، أو ستة أشهر، ولدت فاسترابوا بمن يلحقونه؛ لأنه بعد ستة أشهر يمكن أن يكون من الثاني.
فاختصم فيه الرجل الأول والثاني، فدعا عمر -رضي الله عنه- القافة، فألحقوه بهما جميعًا. كيف يلحق بهما؟ قالوا: إنهما قد اشتركا فيه.
واعلموا -يا إخوان ويا أخوات- أنَّ الجنين ما دام جنينًا؛ فإنه يبقى قابلاً للتكون والنمو، فإذا كان قد نشأ بماء رجل، ثم جاءه ماء آخر من رجل ثانٍ، فإنَّ الماء الثاني يكون مُعينًا له في الحياة، وفي القوة، وفي النشأة.
فلمَّا ولد الطفل -ما عندهم تحليل (DNA) يرجعون فيه إلى النسب الأول- والأشباه متقاربة، فالطفل يشبه هذا من جهة، ويشبه هذا من جهة.
فقال عمر -رضي الله عنه-: التحق بأيهما شئت.
فإذًا قد يُحتاج إلى القيافة بوجه شرعي، وقد يحتاج أحيانا إلى القيافة حتى يُنفى الإنسان عن نفسه الريبة التي قد تقع عليه، كما حصل في قصة أسامة بن زيد -رضي الله عنه- التي ذكرناها سابقًا، فإنَّ أسامة بن زيد كان شديد السواد، وقد كان النبي ينظر إليه ويستحليه.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَمِيطِي عَنْهُ الْأَذَى» فَتَقَذَّرْتُهُ، فَجَعَلَ يَمُصُّ عَنْهُ الدَّمَ وَيَمُجُّهُ عَنْ وَجْهِهِ. ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهُ وَكَسَوْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ»[4]"، يعني: حتى يخطبها الناس. فكان النبي يحبه حبًا شديدًا، وكان رجلا شديد السواد، وكان أبوه زيد -رضي الله عنه- رجلا أبيض اللون.
فكان بعض من لا خلاق له من الناس، وبعض من جرت فيه العوائد الجاهلية يقول: كيف يأتي هذا من هذا؟ وربما وقعوا فيه.
تقول عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولَ اللَّهِ مَسْرُورًا، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ)، وتبرق أي تلمع. فَقَالَ: («أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا») أي: القائف المشهور، («نَظَرَ آنِفًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ»)، وجاء في بعض الروايات: «وهما مضجعان قد غطيا رؤوسهما وبدت أرجلهما»، والنبي يريد أن يقرر لعائشة أنه لم يرَ وجهيهما، وإنما رأى الأقدام فحسب.
فَقَالَ: («إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ»)، ففرح النبي بذلك؛ لأن في ذلك نفي النسبة السيئة عن أسامة وعن زيد رضي الله عنهما.
إذا فيه تقرير أن القيافة حق، وأنه يلحق بها الأنساب عند عدم الفراش. كيف؟
لو أن رجلا ادعى رجلا نقول: لا بأس التحق به طالما لا يوجد زنا.
ولكن لو أن ثلاثة كلهم ادعوا هذا الرجل، وكلهم زعم أنَّ هذا ابنه، فما نبحث الآن هل هو من زنا ولا غيره، لأنَّ الأصل الستر. إذًا كيف نقضي بينهم؟
نقضي بينهم بالقيافة، والآن يقوم تحليل (DNA) مقام القيافة، بل هو ربما كان أقوى من أمر القيامة، وهذا وقت الحاجة إليه، إذا ما كان الرجل مختصم ومتنازع فيه، فمن وجدناه مطابقًا هذا الرجل ألحقناه به.
ولعلنا نتوقف هنا.
{أحسن الله إليكم، ورضي عنكم، وشكر لكم.
وشكر لكم مشاهدينا الكرام على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------------------------------
[1] رواه البخاري (4745)، ومسلم (1492).
[2] أخرجه البخاري (6818)، ومسلم (1458).
[3] أخرجه البخاري (7182)، ومسلم (1457).
[4] رواه ابن ماجه في سننه.
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك