الدرس الثاني

فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن عبدالكريم السلوم

إحصائية السلسلة

5393 21
الدرس الثاني

عمدة الأحكام 4

{الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على النبي المجتبى، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله مُشاهدينا الكرام، في حلقةٍ جديدة من برنامجِ (جادة المتعلم)، والذي نشرح فيه كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ المقدسي، يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور إبراهيم بن عبد الكريم السلوم. حياكم الله فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
{اللهم أمين، نستكمل ما توقفنا عنده شيخنا}.
على بركة الله.
{قال -رحمه الله-: (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه : «لا يَجْمَع بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»)}.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد؛ فما زال المصنف -رحمه الله- يذكر المحرمات في النكاح، وقد سبق أن ذكرنا حديث أم حبيبة -رضي الله عنها- وفيه إشارةٌ إلى تحريم قسمين من أقسام النكاح:
الأول: المحرمات بالمصاهرة، فإنه قد جاء فيه تحريم الجمع بين الأختين، وتحريم الجمع بين المرأة وابنتها، وهذه كلها تندرج تحت المحرمات بالصهر.
ولم يذكر المصنف -رحمه الله- المحرمات بالنسب؛ لأنَّ الأمر فيهن معلوم، فمعرفة أن والدتك يحرم نكاحها عليك، وأن ابنتك يحرم نكاحها عليك، وأن أختك يحرم نكاحها عليك، والعمة والخالة؛ هي كلها أمور معلومة من الدين بالضرورة.
ولكن قد يغيب عن بعض الناس ما يتعلق بالمصاهرة، وقد أشار النبي في هذا أيضًا إلى معنى قد يغيب عن أذهان كثير من الناس، وهو قوله : «لا يُجْمَع بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»؛ هذا التحريم أيضًا ليس في القرآن، فلمَّا ذكرنا مثلًا المحرمات بالمصاهرة ما ذكرنا هذه، وإنما جاءت هذه بسنة النبي ، قال: «لا يَجْمَع بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا» أي أن يتزوج الرجل المرأة ويتزوج معها عمتها، «وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا».
قال بعض العلماء: إنَّ الأصل في ذلك هو خشية القطيعة. نقول: هذا معنى، ولكنه ليس هو الأصل بوجهٍ عام، وإنما المعنى في ذلك -والله أعلم- أنهنَّ أقرب الناس إليها، ولو كانوا ذكورًا لكانوا من محارمها، ولذلك بنى العلماء على هذا قاعدة عامة، وهي القاعدة التي استنبطناها من هذا، وهي: أن كل أُنثيين لو كانت إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى لم يجز بينهما التناكح، حَرم الجمع بينهما، هذه قاعدة.
وبناءً عليه: لو كانت العمة -بدل ما هي عمة- هي عم لم يجز نكاحها، وكذلك بدل ما هي خالة هي خال لم يجز نكاحها.
نزيد على ذلك: بدل ما هي بنت أخت صارت ابن أخ ما جاز، ففيها طبعًا ترجع إلى مسألة الأخ، والجمع بين الأخ والأخت.
لكن الشاهد في ذلك: أنه لو قُدر أنَّ أحدهما ذكرًا والأخرى أنثى لم يجز بينهما النكاح، فإنه يحرم الجمع بينهما، قالوا: هذا منوطٌ بالنسب، لماذا؟ قالوا: حتى نخرج المصاهرة.
كيف؟
قالوا: بناءً عليه يجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وزوجة أبيها.
مثال ذلك: لو أن رجلًا توفي كما فعله عبد الله بن جعفر، هذا عبد الله بن جعفر طبقها تطبيقًا عمليًا، فإنَّ عليًّا -رضي الله عنه- لَمَّا توفي ترك زوجته ليلى التميمية، وترك ابنته أم كلثوم بنت علي، فتزوجهما جميعًا عبد الله بن جعفر، فجمع بين البنت وزوجة أبيها، مع أنها في النسب محرمة، ولكن في المصاهرة ما في بأس.
إذًا يجوز ذلك في الصهر لا في النسب.
قد ذكرنا الحكمة من ذلك: وهو أن العلماء -رحمهم الله- قالوا: إن هذا قد يكون فيه مدعاةً إلى القطيعة، ونقول: إن هذا موجود حتى في الزواج من ابنة العمة، ومع ذلك لم يحرمه الشرع، بل يجوز للإنسان أن يتزوج المرأة وابنة عمتها، وابنة عمها، أو ابنة خالتها، أو ابنة خالها؛ مع أنه قد يكون فيه نوع من القطيعة، ولكن ليس هذا هو المعنى الأساسي.
والمعنى الأساسي هو ما ذكرناه أنهم هم درجتها الأولى، وأنه لو كانت هذه المرأة ذكرًا لكان بينهما محرمية تمنع من النكاح، فلذلك يمنع من الجمع بينهما.
{قال -رحمه الله-: (عن عُقْبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللَّه : «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»)}.
حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- هو الأصل في ثبوت الشروط في النكاح وتعظيمها، وأنها من الشروط المعظمة في الشرع، وإنما ذلك لمعنيين اثنين:
المعنى الأول: ما أشار إليه رسول الله من قوله: «مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»، فإنَّ الفروج معظمة عند الشرع، ولهذا قد يُتساهل في المال ما لا يتساهل في الفرج، ويُتساهل في المال ما لا يتساهل في العرض، فالعِرض عند الناس سياج منيع، وبناءً عليه ما دام أنك بهذا الشرط قد توصلت إلى استحلال هذا الفرج، فإنه يجب عليك الوفاء به، هذا معنى.
المعنى الثاني: أنَّ الشروط في النكاح يحصل الإخلال بها كثيرًا، من جهة استغفال واستسهال النساء، وأن والد المرأة أو والد الزوجة ووليها إذا تطاول الزمان نسيها وانشغل عنها، وربما توفي عنها، فأصبحت المرأة ضعيفة، وقد ثبت عن النبي أنه قال: «إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ: المرأةُ واليتيمُ»، لماذا؟ لأن هذه الحقوق من الحقوق التي تُؤكل، وإذا كان الإنسان ربما يأكل حق أخواته، وربما يأكل حق أمهِ، فكيف الحال بحق زوجته؟!
ولذا فقد يحصل عند الناس التساهل في شروط النكاح كثيرًا، ونقول: لا، الأصل في هذه الشروط أنها من الشروط المعظمة، وهي من أحق الشروط التي يجب أن يُوفى بها، والأصل في كل الشروط ما لم يكن شرطًا محرماً أنه يجب الوفاء به.
وهناك شرط يجب الوفاء به، ولكن لو كان هذا الشرط باطلا، وشَرطه الإنسان جاهلًا به، وكان يفوت غرضه من هذا العقد، نقول: يجوز له الفسخ به، وأما ما لم يكن ذلك فإن الأصل هو لزوم هذه الشروط وتعظيمها.
ومن هذه الشروط: أن تشترط المرأة شروطًا ليست محرمة، بل قد تكون مجحفة بالرجل مثلاً، أو قد يكون فيها نوع من تقييد حريته، فإذا التزم بها الزوج وجبت عليه، كما ما لو اشترطت المرأة عليه أن لا يخرجها من بلدها، أو أن يُسكنها في منزل منفصل، أو اشترطت خادمة، أو سائقًا، أو حتى لو اشترطت ألا يتزوج عليها، كما لو قالت: أشترط أن لا تتزوج عليَّ، فإذا قَبِلَ وجب عليه الوفاء بذلك؛ لأنها ليست شروطًا محرمة.
{قال -رحمه الله-: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ»، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا الصَّدَاقُ)}.
لَمَّا فَرَغَ المصنف -رحمه الله- من الكلام على المحرمات في النكاح، أتى إلى الأنكحة المحرمة، ومنها:
الأول: يتعلق بالذوات، وهذا يتعلق بالهيئات، أي: هيئات النكاح، فمن الأنكحة المحرمة التي حرمها الشرع نكاح الشغار، والشغار إمَّا مُقتبسٌ ومستلٌ من شَغر، بمعنى: فَرَغَ، ويقال للمرأة أنتِ مشغولةٌ أم شاغرة؟ مشغولة يعني: ذات زوج، ولا شاغرة يعني: ما عندك زوج، ودائمًا يقال: "هذا مقعدٌ شاغر" يعني: مقعد ما في شيء.
قالوا: وإنما سمي الشغار شغارًا؛ لأنه أخلي من الصداق، فأصبح خلوًا منه، فسمي: شغارًا.
وقال بعضهم: لا، بل إنما سمي الشغار شغارًا من شِغار الكلب -أكرمكم الله وأجلكم وأجل السامعين والسامعات- قالوا: لأنَّ الأصل في الكلب أنه إذا جاء يبول رفع رجليه وشغر بهما، قالوا: فهذا كأنما هو تنفيرٌ عن هذا المعنى.
لكن الظاهر والله أعلم: أنَّ الشغار إنما يراد به المعنى الأول، وهو أنه قد أخلي من الصداق.
قال: "الشغار" فسره الراوي وهذا من تفسير ابن عمر -رضي الله عنه- على المشهور.
قال: (وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ) أي: الآخر (ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَّدَاقُ)، وقد كان هذا من أنكحة الجاهلية، وهذا يدل على التساهل عندهم، والتلاعب في النساء، لأن المرأة عندهم إنما هي سلعة، زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، وهذه مقابل هذه، وأين الصداق؟ ما في صداق! نقول: الصداق حقٌ للمرأة وليس حقًا لك حتى تتنازل عنه بهذا العوض، وأصبح الأمر كأنما هو بيعٌ وشراءٌ، فحرَّمه الشرع، وأمر فيه بالصداق المعتبر شرعًا في مثله.
يجوز أن أقول لك: زوجني ابنتك، وأنت تقول لي: زوجني ابنتك، وأزوجك وأصنع ذلك، على أن يكون بصداق وبرضاء من الطرفين، أقصد بذلك النساء ما في بأس شرعًا، إذا كان فيه صداقًا جرت العادة بمثله، ما يكون صداق مغبون، أقول: والله أجاملك بما أن الصداق أربعين ألف وخمسين ألف، لا، يعني بما أني زوجتك ابنتي، وزوجتني ابنتك، لنجعل الصداق عشرين ألف، نقول: لا، الصداق حقُ للنساء، هذا أمر.
الأمر الثاني: أنه ينبغي فيها أيضًا مشاورة النساء، والتحقق من هذا المعنى؛ لأنه قد يضغط عليهن.
فإذا لم يكن كذلك فإنه يكون نكاحًا محرمًا، هذا نوع من أنكحة الجاهلية التي حرمها الشرع، وهو يدل على أنَّ الصداق واجبٌ في النكاح، ولهذا قال النبي للرجل الذي لم يجد شيئًا: «الْتَمِسْ ولو خاتمًا مِن حَديدٍ»[1]، وقال الله -عز وجل-: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ﴾ [النساء:24]، تبتغي بمالك، أعطها مالك.
وجاء في تفسير قول الله -عز وجل-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء:34]، فالنفقة بالمال تشمل أيضًا المهر.
إذًا دلَّ ذلك على وجوب الصداق، وعلى أنَّ الصداق واجب، سواءً كان الصداق مدفوعًا أو مُؤجلًا، الأهم أن يكون ثَمَّ صداقٌ، يجوز للإنسان أن يقول: أنا ما أملك شيئًا، فإذًا صداقك ألف ريال، أو خمسة ألاف، أو عشرة ألاف ريال مؤجلة، وتكون مؤجلة إلى الوفاة ما في بأس، أو يشترطون أجلاً معينًا، وإذا ما حدودا أجلًا معينًا كان ذلك مُعلقًا بالوفاة، وإذا حدوا أجلاً مُعيناً واجب عليه أن يلتزمَ بالحد الذي عينه الشارع، أو الذي عينه فيما بينهم؛ لأنَّ الأصل في ذلك وجوب الوفاء بالشروط.
قال ها هنا: («نَهَى عَنْ الشِّغَارِ»، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَّدَاقُ)، إذًا ذكرنا أنَّ المعنى في التحريم إنما هو عدم وجود الصِداق، وأيضًا عدم الرضا الذي يقع من الزوجات.
من الأنكحة المحرمة التي لم يذكرها المصنف -رحمه الله- والتي يقع فيها كثير من الناس، ولابد أن ننبه عليها حتى لا تفوتنا: نكاح التحليل، ونكاح التحليل قد جاء النهي عنه في السنن، وقد لعن النبي فاعلهُ، وهو أنَّ المرأة قد تُطلق ثلاثًا، فيحرمُ منها زوجها إلا بنكاحٍ آخر، فيأتي رجل ويقول: أنا أحللها لك، أنا أنكحها وأتزوجها ثم أطلقها، نقول: هذا نكاحٌ محرمٌ، ولابد أن يكون النِّكاح نكاحًا عن رغبة، يعني: رغبة في المرأة نفسها.
ولا يلتفت لموضوع التحليل، والتعليق حقيقةً في التحليل إنما هو بنية الزوج دون نية الزوجة؛ لأنَّ الزوجة ليس لنيتها اعتبار في هذه الجزئية، بحكم أنَّ الزوجة ما تملك أن تزوج نفسها بشكل مباشر وأن تختار، ولكن الأصل في ذلك أنَّ الرجل هو الذي يتقدم إليها ويخطبها.
فنيتها ليست مُعتبرة في هذا الأمر، والنية إنما هي نية الرجل، ولذا إذا قالت المرأة: أنا أتزوجه، وأرجو أن يكون محللا، نقول: هذه النية نية غير مُعتبرة، إلا إذا أقدمت المرأة على أمرٍ نحو الفسخ أو الخلع، فنقول عند ذلك: لا، هذا محرم بلا شك، لأنه ظهر في ذلك أنَّ الأمر إنما يُقصد به أن تتحلل إلى الرجل الأول. وإلا فإنَّ العرف أو المرجع في ذلك إلى نية الرجل.
يقال للرجل: إن كنت تنوي تحليلها للزوج السابق فأنت ممن دخل في لعن النبي ، وقد جاء في ذلك الحديث، وسماه: تيسًا مُستعارًا، والتيس المستعار الذي يستعره الإنسان حتى ينزو على الأعْنُز فينجب منها.
{قال -رحمه الله-: (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ»)}.
هذا الحديث إنما ساقه المصنف -رحمه الله- للكلام على نكاح قد كان موجودًا في بعض زمن رسول الله ، ومدةً من زمن الصحابة -رضي الله عنهم- وهو نكاح المتعة.
وقد قيل: إنه هو المراد بقول الله -عز وجل-: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:24].
هذا النكاح من الأنكحة التي حرمها الشرع، وقد انعقد إجماع الأمة بعد انقضاء عهد الصحابة -رضي الله عنهم- وزمن من عهد التابعين على تحريمه، فلم يوجد مخالف، ونكاح المتعة قد أبيح فترةً من الزمن، قد أبيح في حجة الوداع، قالوا: إنه قد كان مباحًا قبل ذلك وحرمه النبي فيه خيبر، ثم أباحه مرةً ثانية في غزوة الفتح ثم حرمه بعد ذلك.
فقد جاء عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال: "ما أعرف شيئًا أبيح مرتين ثم حُرِّمَ مرتين إلا نكاح المتعة"، كان مباحًا أولًا ثم حرم في خيبر سنة سبع، ثم رجع النبي فأحله لهم في فتح مكة.
قال سبرة بن معبد: "ثم لم يخرج" يعني: من مكة ثلاثة أيام، "حتى حرمه النبي "، وإنما أبيح والله أعلم لحاجتهم إليه، فكانت حاجةً وقتية، فأباحه النبي .
وصورة نكاح المتعة قد بيّنها سبرة بن معبد -رضي الله عنه- قال: «أحل لنا نكاح المتعة»، وقال: «أيُّما رَجُلٍ وامْرَأَةٍ تَوَافَقَا، فَعِشْرَةُ ما بيْنَهُما ثَلَاثُ لَيَالٍ، فإنْ أحَبَّا أنْ يَتَزَايَدَا، أوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا. فَما أدْرِي أشيءٌ كانَ لَنَا خَاصَّةً أمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً»[2]، قال: فانطلقتُ أنا وابن عم لي، قال: وأنا شابٌ وهو كهلٌ، قال: ومع ابن عمي بردٌ له جديدٌ، ومعي بردُ خرق، البرد هو الرداء، بردة، إزار ورداء تسمى بردة.
قال: فلقينا شابةً حسنةً جميلة، فقلنا لها: هل تنكحين نفسكِ؟ انظر! من دون ولي، وبلا شهود، هل تنكحين نفسكِ؟ قالت: ماذا تعطيانِ؟ إذًا فيه مهر لكنه مهر خسيس، أو قليل جدًا، قال: فمددت بردي فإذا هو خَلِقُ، ومدّ ابن عمي بردٌ فإذا هو جديدٌ، قالت: فتنظر إلى برد ابن عمي نظرة وتنظر إليّ نظرة، ثم قالت: أنت وبردك يكفي، قال: فأخذت بيدها فاستمتعت بها ثلاثاً، ثم نادى النبي : «يا أيُّها النَّاسُ، إنِّي قدْ كُنْتُ أذِنْتُ لَكُمْ في الاسْتِمْتاعِ مِنَ النِّساءِ، وإنَّ اللَّهَ قدْ حَرَّمَ ذلكَ إلى يَومِ القِيامَةِ، فمَن كانَ عِنْدَهُ منهنَّ شيءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، ولا تَأْخُذُوا ممَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شيئًا»[3]، وهذا نص صريح في أنَّ التحريم تحريم باتْ.
هذا هو نكاح المتعة، يوم، يومين، ساعة، ساعتين، يأتي الرجل فيقول للمرأة: أتزوجك، فتقول: على ماذا؟ يقول: خذي عشر ريالات أو خمسة عشر ريالا، أو هذه الساعة، أو هذا القماش أو غيره. فيتزوجها مدة كثيرة، ثم بعد انتهاء هذه المدة إمَّا أن يمددا وإما يتفارقا.
فكان هذا النكاح قد أُذن فيه أول الإسلام، ثم حُرِّم في غزوة فتح مكة تحريمًا أبديًا.
ولم يدرك ذلك بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أعني أنَّ بعض الصحابة سمعوا الأمر الأول بالإذن، وما سمعوا النَّهي.
ومن المعلوم أنَّ الأصل في نكاح المتعة هو السر؛ لأنه نكاح سري، ليس فيه إعلان أبدًا، حتى والد المرأة ما يعرف، وأهلها لا يدرون، فكان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- يتناكحون بنكاح المتعة، وكان منهم جابر -رضي الله عنه- ولم يكن يعلم أنَّ النبي قد حرمه. وكذلك معاوية بن أبي سفيان، وجماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا على ذلك.
ولهذا قال جابر -رضي الله عنه-: فعلناه على عهد النبي ، وعلى عهد أبي بكر، قال: حتى كان عهد عمر فحرمه، كيف حرمه عمر؟ عمر لم يحرمه، وإنما عمر هو الذي أعلن تحريمه، أو نشر وشَهْر تحريمه، وإلا لو كان عمر هو الذي حرمه لقال الصحابة -رضي الله عنهم-: كيف تحرم ما أحل الله؟ ولاعترضوا في وجهه كما ثاروا واعترضوا في وجهه في متعة الحج لَمَّا منعها -رضي الله عنه-، فاعترض عليه عليٌّ -رضي الله عنه- واعترض عليه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-، واعترض عمران بن حصين عليه. قال: "نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ في كِتَابِ اللهِ -يَعْنِي مُتْعَةَ الحَجِّ- وَأَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسولُ اللهِ حتَّى مَاتَ. قالَ رَجُلٌ برَأْيِهِ: بَعْدُ، ما شَاءَ"[4].
وهذا من صيانة الدين بحمد الله، لا يستطيع أحد أن يغيره، لا عمر -رضي الله عنه- ولا غيره، وحاشاه -رضي الله عنه-.
ولكن هذا يدل على ماذا؟ يدل على أنَّ الكلام الذي قاله عمر -رضي الله عنه- قد سرى بين الصحابة، فقال عمر -رضي الله عنه- لَمَّا بلغه أنَّ الناس يتمتعون، ووصله أنَّ معاوية قد تمتع، وما كان يعلم، ما كان يتوقع أنَّ الصحابة جهلوا النهي عنه، فقام عمر -رضي الله عنه- فخطب الناس وحَرَّمَ نكاح المتعة، وقال: "فَلَنْ أُوتَى برَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إلى أَجَلٍ، إلَّا رَجَمْتُهُ بالحِجَارَةِ"[5] لماذا؟ لأنه أصبح زنا".
فعمل بذلك عامة الصحابة -رضي الله عنهم- ولم يخالف في ذلك ويتشبث برأيهِ إلا ابن عباس -رضي الله عنه- تشبث به ومكث زمنًا على نكاح المتعة وورثه تلاميذه، ثم ورَّثوه إلى تلاميذهم؛ حتى كان آخرهم ابن جريج الذي تمتع بسبعين امرأة، وإنما أخذ ذلك من تلاميذ ابن عباس، وقد عتب عليٌ -رضي الله عنه- وهو أجل قدرًا وعلمًا وفقهًا من ابن عباس على ابن عمه ابن عباس.
فلما نقلوا إليه، وهذا من المعاني التي روى لها عليٌ -رضي الله عنه- الحديث، لَمَّا نقلوا له أن ابن عباس يُرخص في المتعة، قال: إنَّ ابن عباس رجلٌ تائه، يعني: قد أخطأ، وتاه في هذه المسألة، "أَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ»"[6]، فبيّن عليٌّ -رضي الله عنه- أنَّ النبي قد حرمها.
ولذا من يتمسك بالمتعة الآن من الشيعة لم يتمسكُوا بهدي النبي ، ولا بهدي إمامهم المزعوم، وحاشاه -رضي الله عنه-، لم يتمسكوا حتى بهدي عليٍّ -رضي الله عنه-، وإنما تمسكوا بالأهواء والشهوات، وهو بابٌ عظيم من أبواب الشهوات، وعامة علماء الأمة، بل وقع الإجماع -كما قدمناه- على أنَّ هذا النكاح نكاحٌ محرم، ونكاحٌ باطل، ولا يسوغ فيه التأويل، أي: ما يتأول الإنسان في هذا النكاح البتة.
لكن ثمَّ نكاح قريبٌ منه، وهو نكاح قد تساهل فيه بعض العلماء -رحمهم الله- وهو النكاح بغير ولي، نكاح بوجود الشهود وبغير ولي، على أن لا يكون نكاحًا مشروطًا، يعني: مؤقتًا، فإذا كان نكاحًا مؤقتًا كان محرمًا عندهم.
فأبو حنيفة -رحمه الله- والحنفية قد رخصوا بهذا النكاح، وقالوا: يكون بشهود ومن دون ولي، فالمرأة تنكح نفسها إذا كانت ثيبًا، ولكن لا يكون النكاح مشروطًا، فإذا شُرط أو وُقت فإنَّ هذا التوقيت محرم عند العلماء -رحمهم الله-.
 {قال -رحمه الله-: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»)}.
هذا الحديث الوارد عن النبي هو في شرطٍ من شروط النكاح، وهو شرط الرضا، فإن شروط النكاح عند العلماء -رحمهم الله- أربعة شروط: من أهمها: "تعيين الزوجين، ثم رضاهما، ثم الولي، والشهود"، هذه الشروط الأربعة في النكاح.
فإذا كان الرجل مُكرهًا على النكاحِ، لم يقع هذا النكاح صحيحًا، وإذا كانت المرأة مُكرهةً على هذا النكاح، لم يقع النكاح صحيحًا.
ما ذكر النبي ها هنا رضا الزوج؟
نقول: لأنَّ الأصل في ذلك هو رضا الزوجة، لأنَّ الزوج لا يُخشى عليه أن يُجبر على النكاح غالبًا، إنما اللائي يجبرنَّ على النكاح غالبًا هنَّ النساء، فأمر النبي أن تستأمر الثيب.
كيف تستأمر الثيب؟
أخذ مشورتها، تتشاور أنت وإياها، تقول: إنَّ فلانًا قد خطبك، فما رأيكِ؟ هل تتزوجينه أو لا؟ هل تقبلين أو لا تقبلين؟ وهذا يدل على وجوب الولي حتى في الثيب؛ لأنَّها إذا كانت تُزوج نفسها فما حاجة الولي إلى أن يستأمرها؟ أو إلى أن يحصل على رضاها في هذا الأمر؟
بل قد يذهب رجل ليخطبها مباشرة، ولا علاقة للولي بها أصلًا!
فدلَّ ذلك على أنَّ الثيب يجب أن تستأمر، واستئمارها مشاورتها، تشاور في ذلك مشاورةً صريحة، ويجب أن تنطق بالإذن نطقًا صريحًا، تقول: نعم، أنا موافقة، وأرغب في هذا الزوج. 
«وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، أي يقال لها: إنَّ فلانًا قد خطبكِ، يعني: أخذ الإذن منها، ترغبين؟ الأصل في البكر أنها حيية، وقد قدمت على أمر ليس لها به سابق عهد، وهو أمر يتعلق بالنكاح، والحياء هو من الأمور المستحسنة في المرأة، أي: من أعظم ما يُستحسن في المرأة أن تكون حَييةً في هذا الجانب، ولهذا يستحسنها الرجال، وما يستحسن الرجل المرأة الصفيقة خاصة إذا كانت بكرًا، فأمَّا الثيب فإنها قد جربت الرجال وخبرتهم، فيقل لهذا الجانب، وهو جانب الحياء من أمر الزواج، وأمَّا البكر فلا.
«قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ إذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ»، فإذا سكتت كان ذلك إذنها، وإن نطقت بإيجاب كان ذلك أولى، وإن رفضت لم يجز إكراهها ولا إجبارها، وهذا هو الصحيح عند العلماء -رحمهم الله- أنَّ البكر لا يجوز لوليها إجبارها على النكاح، إذا رفضت الزوج، ولو أجبرها على ذلك ونكحت كان لها بعد ذلك الحق في أن تمضي النكاح أو تفسخه.
يجوز لها بعد ذلك أن تمضي النكاح، وتقول: أنا تزوجت من غير إذن أو من غير رضا فيفسخ النكاح؛ لأننا قد ذكرنا وقررنا قبل قليل أنَّ من شروط النكاح: الرضا من الزوجين.
{قال -رحمه الله-: (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ».
قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَنَادَى أَبَا بَكْرٍ: أَلا تَسْمَعُ إلَى هَذِهِ: مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ )
}.
هذا حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة امرأة رفاعة بن رافع الْقُرَظِيِّ -رضي الله عنه- وهي قصة من أشهر القصص التي جاءت في سيرة النبي ، وهي تؤصل لمعنى جليل، وهو ضابط النكاح الثاني الذي يحل به الرجوع للأول.
من المعلوم أنَّ النكاح الباتْ أو الطلاق البائن يقع على أربعة أنواع:
النوع الأول: أن يُطلق غير المدخول بها، أي لم يدخل بها بعد، تزوج وعقد ولكنه لم يدخل بعد، فإذا طلقها طلقةً واحدة كان طلاقًا باتًا لا رجعة فيه، ولا عدة عليها. أي نقول: إذا أردتها فعليك أن تخطبها من جديد، أي: ما ترجعها مثلما ترجع الرجعية، هذا واحد.
الأمر الثاني: الطلاق الذي يكون في الخلع، إذا اختلعت المرأة فطلقها زوجها، يعني: طلاقٌ يكون على عوض، جاءت المرأة وقالت: خذ هذه عشرة آلاف وطلقني، قال: أنتِ طالق، نقول: هذا طلاق بات ليس فيه رجعة، وإذا أردت أن ترجع اخطبها إلى نفسها.
النوع الثالث من الطلاق البائن: هو الطلاق الذي يكون فيه شبهة، كيف؟ يتزوج امرأة ثم يتبين له فيما بعد أنها أخته من الرضاع فيطلقها، فنقول: هذا طلاق لا يرجع فيه.
النوع الرابع من الطلاق: هو الطلاق البائن الذي وقع بسبب الطلاق ثلاثًا، طلقها مرة ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها الطلقة الثالثة؛ نقول: هذه طلقة بائن، والطلاق يكون بائنًا وباتًا، أي: ليس فيه رجعة، والبينونة هذه تسمى عند العلماء: البينونة الكبرى، ما ترجع فيها إلا بعد أن تنكح زوجًا آخر.
فإذا كان كذلك، وجاءت المرأة فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره، تنكح، ما الذي يراد به؟ يراد به مجرد العقد، ولا يراد به ما هو أكثر من ذلك وهو الوطء؟
جاء الشرع فبينها، وقد جاءت امرأة رفاعة إلى النبي ، كانت معه فطلقها ثلاث طلقات.
الأصل فيها أنها طلقات مُفرقة، وليس كما زعم بعض العلماء أنها كانت طلقات مجموعة، لا ليس بصحيح؛ لأنه قد جاء في بعض الروايات أنه طلقها آخرة ثلاث طلقات.
جاءت إليه، فقالت يا رسول الله: (كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ)، تحبه ويحبها، قالت: (فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَبَيْرِ)، وعبد الرحمن بن الزَبير هكذا يطلق وليس ابن الزُبير، عبد الرحمن بن الزَبير أيضًا صحابي.
قالت: (وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ)، وقالت: وأخذت ثوبها معها مثل هدبة الثوب، تقول: إنه لا ينتشر وليس عنده قوة جنسية، فشبهت ذكره بهدبة الثوب، وكنّت كنية بليغة، ويستحى منها، لكنها تقول: الآن أنا مضطرة وبحاجة إلى ذلك، وتوهمت من خلال ذلك أنها بمجرد عقد النكاح الذي بينها وبين عبد الرحمن بن الزَبير، وبإيجابها لهذا العذر الموجب للفسخ وهو أنه عِنين لا يأتي النساء، قد تمكنت وقد استطاعت أن تَحبك طريقة في التخلص من هذا الرجل والرجوع إلى زوجها الأول، ولم تكن تعلم أن هذا سيأتي عليها.
قال النبي : «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟»، قالت: نعم، فقال : «لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ»، ما يكفي مجرد النكاح، فأنت الآن تتهمينه بأنه لا يأتي النساء، فالله يقويك وتستمرين معه حتى يقع النكاح والوطء.
في بعض الروايات: أنه جاء عبد الرحمن بن الزَبير مدافعًا عن نفسه، قال: يا رسول الله والله لقد كذبت، ثم قال كلامًا آخر، يدل على أنه قد عاشرها وجامعها وحصل الوطء، ولكنها امرأةٌ ناشز تريد أن ترجع إلى رفاعة.
قال: ومع عبد الرحمن بن الزَبير ولدان له من غيرها، فقال: هذا الذي تزعمين أنه لا يأتي النساء؟! والله له ما أشبه به من الغراب بالغراب، فمن أين أتى بعياله إذا كنتِ تقولين إنه لا يأتي النساء؟
فقال : «لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ»، فوقع الإجماع عند العلماء -رحمهم الله- على أنَّ المعنى الذي يسوغ للمرأة المطلقة ثلاثًا كي ترجع إلى زوجها الأول.
-      أن تنكح نكاحًا عن رغبة.
-      وأن يجامعها.
ولم يخالف في ذلك إلا سعيد بن المسيب -رحمه الله-؛ لأنه لم يصله النص، وتمسك بعموم الآية: ﴿حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة:230]، فقال: لأنَّ النكاح هنا هو العقد، نقول: لا، النكاح هنا هو العقد لو لم يأت ما يُفسره من سنة النبي .
ولهذا امرأة رفاعة فهمت نفس فهم سعيد بن المسيب، ففهمت ﴿حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة:230]، أنها قد حققت الغرض، قالت: الحمد لله نكحت هذا الرجل، والآن ساغ لي أن أرجع إلى زوجي الأول.
(قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ)، أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عند النبي ، وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له، والصديق -رضي الله عنه- كان في مجلس النبي غالبًا، وكان النبي يخصه بما لا يخص به غيره، فأما خالد بن سعيد فكأنه يقول: ما دام هذه المرأة الآن عندي وعندها حاجة فدعك بالباب.
قال: (وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ)، فقال: أصبح يصيح، يقول: يا (أَبَا بَكْرٍ: أَلا تَسْمَعُ إلَى هَذِهِ: مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ )، يقول هذه ما تستحي أن تتكلم بمثل هذا الكلام عند النبي ، وتأتي لتتهم زوجها بالعنة وما إلى ذلك، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، والنبي لا يزيد على أن يتبسم، وما أنكر عليها .
ما قال: ترى هذه من خوارم المروءة، ومن سوءات الأخلاق، لا لا، مادام أنها قد جاءت مُستفتية فسيأتيها الحكم الشرعي من رسول الله ، وقد علقت به، أعني أنها تعلقت بعبد الرحمن بن الزَبير، ما أعني أنها أحبته، لا، ولكن تورطت به كما يقال، فكانت كلما جاءت إلى أحدٍ من الخلفاء بعد النبي قال: لا أصنع بك شيئًا، قد قضى فيك رسول الله ، أنتِ تقولين إنه ما أتاك، وإذا كان ما أتاك كيف ترجعين إلى رفاعة؟ فما زالت معه حتى توفاه الله -عز وجل- أو توفاها.
إذًا في هذا الحديث عدة فوائد:
-      منها: أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره نكاح رغبةٍ، ويطأها في هذا النكاح.
-      ومنها: أنه لا بأس بالتصريح بالأشياء التي يستحى منها.
-      ومنها: ما كان عليه النبي من حُسن خلقه وكمال فضله .
-      أيضًا نستنبط بعض الأحكام من هذا، وهي أحكام مجملة قد لا ندركها نحن، ومن ذلك تحريم إيقاع الطلاق ثلاثًا جملةً واحدة، وقد نهى النبي عنه.
-      ومنها: أنَّ الطلاق لا يجوز في الحيض، والمعمول به الآن أنَّ من طلق في الحيض، فإنَّ طلاقه لا يقع.
-      ولا يجوز في طهرٍ قد جامعها فيه، وإنما يكون الطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه، أو إذا استبان حملها، قال النبي لعبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: «ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا»[7].
{قال -رحمه الله-: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ: أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً ثُمَّ قَسَمَ. وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ: أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً ثُمَّ قَسَمَ»، قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ )}.
شرع المصنف -رحمه الله- الآن في الكلام عن بعض أحكام عِشرة النساء، وهذه تسمى عند العلماء -رحمهم الله- بأبواب عِشرة النساء، وهي كيف يعاشر الرجل امرأته؟ وأصل عِشرة النساء قيامها على العدل، وعلى حَسن الخلق بين الزوج وزوجته، وعلى التفضل الذي قال الله -عز وجل- فيه: ﴿وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة:237].
فكلما كان الرجل أكمل في خُلقه مع زوجته، كان أفضل عند الله -عز وجل-، وليس من كمال التفضل أن يأتي أحد الزوجين فيحاق الزوج الآخر أو الطرف الآخر بكل ما أوجبه الله -عز وجل- عليه، يقول: أنا من حقوقي عليك كذا وكذا وكذا، ثم يحرص على استيفائها جميعًا، نقول: إن هذا ليس من الفضل الذي أمر الله -عز وجل- به في قوله سبحانه وبحمده: ﴿وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة:237].
ذكر المصنف -رحمه الله- من أهم المسائل مسألة القسم بين الزوجات، ونقول: هو أساس العدل، وقد جاء عن النبي أنه قال: «مَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَينَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»[8]، وأصل العدل بينهما يكون في العطية وفي المبيت، هذا هو أصل العدل بينهما، أن تعدل بينهما في العطايا، وتعدل بينهما في المبيت، كما تقسم لهذه واحدة، تقسم لهذه واحدة، وإذا كنَّ ثلاثًا تقسم لكل واحدةٍ منهن يومًا.
الشاهد: من الأمور التي يُحتاج إليها في هذا المعنى ويقع فيها الخلاف أمران اثنان، للمُعدد، إحنا ما نتكلم عن المفرد، ولكن نتكلم عن المعدد:
الأمر الأول: ما الذي يصنعه المعدد إذا تزوج ثانية؟
يقول: ما أستطيع من حين ما أتزوجها من أول ليلة أرجع فأقسم للأولى! هذا زواج، وهذه عُرس فرخص له الشرع، إذا نكح البِكر أن يقيم عندها سبعًا، ثم يبدأ القسم، يقيم سبع ليال ما تأتي الأولى، تقول: أقمت سبع ليال اقسمها لي، نقول: لا، هذه قد أعفاك الشرع فيها، ورخص لك فيها، فهي كأنما هي شهر العسل أو أسبوع العسل بين هذين الزوجين للمعدد.
وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم، وقد جاء هذا عن أم سلمة -رضي الله عنها- فإنَّ أم سلمة لَمَّا تزوجها النبي أقام عندها ثلاثًا، ثم خرج فأخذت بثوبه، فقال النبي : «إنْ سَبَّعْتُ لَكِ، سَ إنْ شِئْتِ أَنْ أُسَبِّعَ لَكِ، وَأُسَبِّعَ لِنِسَائِي، وإنْ سَبَّعْتُ لَكِ، سَبَّعْتُ لِنِسَائِي بَّعْتُ لِنِسَائِي وإلا دُرت»[9]، فأطلقته، لو أكملها سبعًا، وجب عليه أن يأتي إلى جميع نسائه فيعطيهن سبع ليال.
لكن إذا كانت ثيبًا أقام عندها ثلاثة ليال، ثم بعد ذلك يقسم، يرجع إلى القسمة الشرعية، ليلةً ها هنا، وليلةً ها هنا.
هذا إذًا معنى من المعاني التي يَحتاج إليها المعدد.
يبقى معنى آخر: وهو السفر، يقول: سأسافر، وهم لا يقبلون السفر جمعيًا. نقول: السفر على نوعين:
إن كان سفرًا لحاجتك من عمل وغزو وحج وعمرة، وجهاد ونحو ذلك، فهذا السفر ليس لمصلحتك، وإنما هو لأمر آخر، فإنَّ الأصل في ذلك القرعة بينهم، فأيتهن خرج سهمها خرجت معك.
وإن كان السفر لحظهن أو لحظ نفسك، تريد سفر نزهة، نقول: لا، سفر نزهة إذا كان كذلك فيجب عليك أن تقسم بينهن، تعدل بينهن، كيف؟ ما نقول لك سافر بهن على طائرات مختلفات أو على سيارات مختلفات، ثم بت عند هذه ليلة، بل يقال: يجوز لك أن تقسم أو تسافر مع واحدة منهن سبع ليال أو عشر ليال بالقرعة التي تجريها بينها وبين الثانية، ثم إذا فرغت من ذلك وفرغت من هذه السفرة ترجع أيضًا فتسافر بالثانية بمثل سفرة الأولى.
ليس من الشرط أن تكون خلفها مُباشرة، ولكن تكون دينًا عليك، ما يجوز أن ترجع إلى سفر الأولى مرةً أخرى حتى تُحقق السفر بالثانية، وهذ من معاني العدل عند التعداد بين النساء.
قالوا: وإنما رخص الشرع في الإقامة عند البكر سبعًا، لأن البكر تستوحش، مازالت جديدة على الزواج كله، فإذا أقام عندها سبعًا أنست به، وأطمأن قلبها إليه، وعرفته وعرفت شيئًا من أخلاقه، وأمَّا الثيب فإن حاجتها إلى ذلك أقل؛ لأنها قد خبرت الرجال وعرفتهم، فليست بحاجة إلى الإقامة، كما هي حاجة الثيب، أو كما هي حاجة البكر.
(قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ )، مع أن أنسًا قد قال من السنة، والسنة هو الرفع، لكن يظهر -والله أعلم- أنَّ أبا قلابة يريد بذلك أنَّ أنسًا يقول: قال رسول الله : "إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها كذا".
إذًا أنسٌ -رضي الله عنه- رواه في المعنى الأول من المفهوم من فعل النبي ومن حاله، وكان أبو قلابة يقصد بذلك أنه قد يكون منطوقًا أو نصًا قوليًا من رسول الله ، وبكل الأحوال فهذا العمل قد اتفقت عليه الأمة كلها، من زمن الصحابة -رضي الله عنهم- إلى هذا الزمن، اتفقت على تقرير هذا الحكم الشرعي الوارد عن رسول الله .
{قال -رحمه الله-: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً»)}.
هذا أيضًا من الأحكام المتعلقة بعِشرة النساء، وهو حديثٌ ثابت في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (قال رَسُولُ اللَّهِ : «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ»)، وقوله: «إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ»، المراد ها هنا الجِماع.
قال بعض العلماء -رحمهم الله- إنه يشرع البدء بذلك قبل المقدمات، أو عند مقدمات الجماع؛ حتى لا يقع نسيانه من الإنسان إذا استغرق في الشهوة، ونحو ذلك.
قال: «قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ»، من المعلوم والمتقرر شرعًا أنَّ السنة قد ندبت إلى المباضعة، يعني: إلى الجماع، قال النبي في الحديث الصحيح: «يُصْبِحُ عَلى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحدِكُمْ صَدَقةٌ»، قال النبي فيه: «وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ!» الذي يقول الجماع.
قالوا: يا رسولَ اللهِ! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟! قال: «أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟» قالوا: نعم، قال: «فكذلك إذا وضعها في الحلالِ».
فإذًا هذه من الأمور التي يفعلها كثير من الناس بطابع الشهوة والعادة، لكنها قد تكون أعمالًا يُتقرب بها إلى الله -عز وجل- إذا قَصد بها المعنى الشرعي، مع أنها من أخص الأمور التي يغفل الناس عنها فيما يتعلق باللذات والشهوات، ومع ذلك فإنه يقع فيها أيضًا الأجر والثواب، وهذا ما يدل على أن فضل الله -عز وجل- واسع، وعلى أن على المؤمن أن يستصحب النية في كل أعماله؛ حتى يوفق ويسدد ويرشد وتكون أعماله كلها على هدي النبي .
قال: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا»، أمرها هنا بالبسملة، فدلَّ على أنها مشروعة حتى في هذا الموضع، ولو قال إنه موضع مستكره، نقول: إنها أيضًا تُشرع في دخول الخلاء ونحو ذلك.
ثم أمر النبي بأن يقول الإنسان: «اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ»[10]؛ لأنَّ للشيطان تعلق بالإنسان في هذه اللحظة، كيف؟ الشيطان يتعلق بالإنسان في أماكن ضعفه، ومن أعظم أماكن الضعف عند الإنسان عند فوران الشهوة، يصبح الإنسان ضعيفًا، فربما خالطه الشيطان في بعض أمره.
وقد جاء في بعض الروايات أنَّ الشيطان ينعقد على إحليل الرجل؛ حتى ينكح معه امرأته؛ لأنَّ الجن مخالطة بالإنس، وهي مخالطة الله أعلم بها، لكنهم يخالطونهم، ولهذا تحس بعض النساء بمن ينكحها في الليل، تحس بذلك، ويحس بعض الرجال بنحو ذلك، وربما كان كثرة الاحتلام في الإنسان نوعًا من الإشارة أو الدلالة على وجود المس فيه أو على تلبس بعض الشياطين به.
الأصل في الاحتلام أنه أمر طبيعي، لكنه إذا كثر في الإنسان دلَّ على معنىً آخر، قال بعض العلماء: إنه إذا كثر في الإنسان دلّ على أنه قد يكون فيه تلبس، قد يكون في جن وجماعة من الجن يريدون أن يفرغوا شهواتهم به، تلبسوا به فأرادوا أن يفرغوا شهواتهم به.
إذًا الشيطان ينعقد على إحليل الرجل إذا لم يذكر الله -عز وجل-، كما أنه يحضره في طعامه وشرابه، فإذا سمى الله -عز وجل- امتنع عن ذلك، فحضوره في النكاح من باب أولى، فإذا قال: «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ»، أي: أبعده عنا.
«وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ»، يعني: جنب الزوج والزوجة، «وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» يعني: جنبه هذا الطفل الذي قد يولد بهذا النكاح.
قال: «فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً»، والله أعلم في قوله: «إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ» يعني: في هذا الجماع، «لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً» يعني: أن الشيطان لا يتسلط عليه تسلطًا يُهلكه؛ لأنه قد يتسلط عليه تسلطًا عاديًا لا يكون مضرًا به، يعني: يرجع إلى الله ويتوب إليه.
وهذا في الحقيقة معنى من المعاني التي ينبغي الإنسان، هذا من أول ما يقدمه الإنسان لذريته أن يستحضر مثل هذا الذكر عند الجِماع، والأصل في هذا الذكر أنه منوطٌ بالرجل؛ لأنه قال: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ»[11]، ما قال: لو أنَّ الزوجين إذا أرادا جماعًا قالا كذا وكذا، فدل هذا على أنه منوطٌ بالرجل، ولكن لا بأس أيضًا أن تقوله المرأة، وينبغي أيضًا للمرأة أن تُذكر زوجها بذلك خشية نسيانه.
إذًا هذا من المعاني التي أرشد إليها النبي .
ولعلنا نكتفي بذلك، ونسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على حُسن ما قدمتم، والشكر موصولٌ لكم أعزاءنا المشاهدين على حُسن استماعكم، ونراكم -بإذن الله- في حلقاتٍ أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-------------------
[1] أخرجه البخاري (5121) ومسلم (1425).
[2] رواه البخاري (5117).
[3] رواه مسلم (1406).
[4] رواه البخاري (4518)، ومسلم (1226).
[5] أخرجه مسلم (1217).
[6] رواه البخاري (4216).
[7] رواه مسلم (1471).
[8] أخرجه أبو داود (2133) واللفظ له، والترمذي (1141)، والنسائي (3942)، وابن ماجه (1969)، وأحمد (7936).
[9] رواه مسلم (1460).
[10] أخرجه البخاري (141)، ومسلم (1434).
[11] أخرجه البخاري (5165)، ومسلم (1434).
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك