{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) التابع لجمعية هداة، والذي يُشرح فيه كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله-، يشرحه فضيلة الشيخ/ الدكتور إبراهيم بن عبد الكريم السلوم.
حياكم الله شيخنا الكريم}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياهم العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{أحسن الله إليكم.
نستأذنكم في البدء}.
نعم، استعن بالله تعالى.
{قال المصنف -رحمه الله تعالى- (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ عُمَر قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ، مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْدًا نَنْتَهِي إلَيْهِ، الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا")}.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد، فقد قال المصنف -رحمه الله-: (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ)، والأشربة يعني: ما يتعلق بأحكام الشراب، أيا كان هذا الشراب، والأصل عند السلف -رضوان الله عليهم-، وهذا الأصل إنما هو مستنبط من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة نبيه ﷺ، التشديدُ في الأشربة والتسهيل في الأطعمة، هذا هو الأصل، وأحد معالم ترجيح فقه أهل الحديث على فقه أهل الرأي، وفقه أهل المدينة على فقه أهل الكوفة أنهم كانوا يشددون في الأشربة ما لا يشددون في الأطعمة؛ لأنَّ الطعام ما يدركك منه السكر وذهاب العقل، فليس في الأطعمة كلها شيء يُعزر منه أو يحد فيه، هذا في الأصل، وهذا بخلاف الأشربة، فإن فيه بابا الذي هو باب الخمر، وفيه باب الحدود، وليس في الأطعمة شيء يذهب العقل، بخلاف الأشربة، فإذا كان كذلك، فإنه قد تتابع أئمة السلف -رحمهم الله- على التأليف في الأشربة دون الأطعمة، فما نجد مثلا في القرون الأولى كتابا اسمه "كتاب الأطعمة"، وإنما نجد كتب الأشربة كثيرة، ككتاب الإمام أحمد -رحمه الله- وغيره، حيث كانوا يؤلفون في الأشربة، أي في أحكام الشراب.
والأصل في الشراب أنه كالطعام، أي أنَّ الأصل فيه الحل، حتى يرد عليه ما ينقله من الحلية إلى الحرمة، وهذا إما أن يكون استخباثًا له مثل الخمر وغيره، وإما أن يكون استنجاسا له مثل: الدم وغيره؛ لأنَّ الخمر مختلف فيه، ولكن القول الذي عليه جماهير العلماء -رحمهم الله- أنَّ الخمر نجس.
وهناك قول قد قال به ربيعة -رحمه الله- وغير ما واحد من العلماء، وهو أنَّ الخمر ليس بنجس، لكن الأصل في ذلك أن يقال: إن ما ينقل الشراب عن كونه شرابا حلالا إلى كونه شرابا محرما، إما أن يكون خبثا فيه أو يكون نجاسة فيه، وقد يكون الخبث أحيانا ليس بنجاسة، بل قد يكون شيئًا مستقذرًا، مثل: السم على سبيل المثال، فالسم خبث ولكنه ليس بنجاسة.
ولذا لا يقال للإنسان إنه إذا أصاب السم يدك فإنه يجب عليك أن تطهرها منه، لأنه خبث، وأنه لا يجوز، أو لأنه هنا نجس، ولا يجوز الصلاة فيه.
بل الأصل في السم أنه طاهر، ولكنه محرم أكله، فهو خبيث من الخبائث.
قال المؤلف: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) كأنما المؤلف يريد بهذا الحديث الرد على من توسع في أبواب الأشربة.
قال: (أَنَّ عُمَر قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ)، وقد كان عمر -رضي الله عنه- محدثا ملهما، فكان ينظر للغيب بمنظور رقيق، وربما اطلع على بعض الأمور مما لم تقع، إلهامًا من الله -عز وجل- له، أولم أوليس هو القائل في الرجم: وإنه سيأتي أقوام يكذبون بالرجم، وجاءت طوائف مثل: الخوارج ونحوهم فكذبوا بالرجم، ثم إنه كأنما أُلهم أنه سيأتي أناس يتكلمون في الشراب، ويذكرون أن الشراب لن يكون إلا من العنب، لأنَّ الأصل في الخمر إذا أطلق بالمعنى العام، أن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه هو خمر العنب، مع أنَّ الأصل في الخمر بمعنى: الاشتقاق اللغوي هو كل ما خامر العقل وخالطه، هذا هو الأصل.
فقال -رضي الله عنه- (على منبر رسول الله ﷺ) بمعنى: أنهم بمشهد من الصحابة -رضي الله عنهم-، وهذا الأمر إجماعي.
قال: (أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ)، وقد نزل تحريم الخمر آخرا، وقد كان عمر -رضي الله عنه- أحد من كان يسائل الله -عز وجل-، ويسائل النبي ﷺ في الخمر، فكان كثيرا ما يسأل النبي ﷺ هل أنزل فيها شيء؟ استقباحا منه -رضي الله عنه- لها، وكأنما عَلِمَ أن هذا الدين الذي هو دين الفطرة ودين العقل، لا يتلاءم مع إذهاب الإنسان نفسه بالخمر، حتى أنزل الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فقرأها النبي ﷺ على الصحابة، وكان معهم عمر، فقال عمر -رضي الله عنه-: انتهينا، انتهينا، وفرح بها -رضي الله عنه-.
إذًا عمر -رضي الله عنه- من أعلم الصحابة في أبواب الخمر، ولهذا كان الصحابة يرجعون إليه في مقياس النبي، فيقول -رضي الله عنه-: يُشرب النبيذ ما كان على الثلث، ما معنى على الثلث؟ بمعنى أن تأتي بالعصير -عصير عنب على سبيل المثال-، فتضع العنب في قدر ثم تغليه، فإذا ذهب ثلثه ولم يبق منه إلا ثلثاه فاشربه.
طيب ما دون الثلث يجوز لك من باب أولى؛ لأنه لا زال خفيفا، فإذا جاوز الثلث إلى النصف بدأ ينعقد أي: بدأ يتركز، فإذا جاوز النصف إلى ما زاد عن ذلك، فإنه لا يكاد يخلو من الإسكار. لماذا؟ لأنَّ الخمر إنما سمي خمرا لأنه تَخَمَّر، والتخمر عندهم بطرق كثيرة ولكن أشهرها:
الطريقة الأولى: أن يأتي بهذا الخمر فيضعه في القربة والجرة فيتركه حتى يتخمر، يتخمر مع الوقت.
والطريقة الثانية، وهي أسرع: أن يأتي فيخمره على النار.
فرخص عمر -رضي الله عنه- في شربه ما كان على الثلث، وحذرهم -رضي الله عنه- في الحالة الأولى منه إذا قذف بالزبد، أي: إذا بدأ يزبد، فإنه قد أصبح فيه شبهة الإسكار، فإن شربه وسكر حُدَّ؛ لأنه مفرط.
إذًا كان عمر مرجعًا للصحابة -رضي الله عنهم- في أحكام الشراب خاصة، فكأنما علم أنه ربما يدعي بعض الناس أن الخمر لا يكون إلا من نبيذ العنب، كما هو قول أهل الكوفة، وهو القول الذي جرأ كثيرًا من الناس في هذا الزمان على تعاطي الخمور، نعوذ من ذلك؛ لأنَّ خمر العنب الآن هو من أقل الخمور، وهناك الآن ابتكارات جديدة، من الشعير، والتفاح، والأرز، وسائر الفواكه والأطعمة، فمن أسهل ما يكون على الإنسان أن يجتنب العنب.
طيب ما هو قول أهل الكوفة الذي أراد المصنف -رحمه الله- بقول عمر -رضي الله عنه- وإيراده الرد عليهم؟
أهل الكوفة -عفا الله عنهم- يقولون: إننا نتفق، على أنه لا يجوز السكر من كل شيء، فإذا سَكِرَ الإنسان أُقيم عليه الحد، ولكنا نقول: إن شرب ما دون السكر على نوعين:
إن كان هذا من نبيذ عنب أي: خمر عنب، فإنه يُحَدُّ شاربه بكل حال، لماذا؟
قالوا: لأنَّ هذا هو الخمر، فإن كان الشارب قد شرب من غير خمر العنب، شرب خمرًا، معروف أنه مسكر، ومجمع على أنه مسكر، سواء من التفاح، من الحنطة، من الشعير، من التمر، من العسل، قالوا: فإنه لا يحد إلا إذا سَكِرَ.
وقد كان أهل الكوفة يقعون في هذا وقوعا عظيما، ويشربون منه شربا عظيما، ويقولون: ما دام أننا لم نسكر منه. ولهذا جاء في بعض الروايات، والسكر من كل شيء فتمسكوا به، لأنَّ المحرم إنما هو السكر، مع أنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «مَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْق فملْءُ الكفّ منهُ حرامٌ» ، و «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» ، وهذا نص صريح، هذا أمر.
الأمر الثاني: أن لفظ الخمر ليس كما زعمتم أنه إنما يشمل الخمر من العنب فحسب، بل هو أوسع من ذلك وأعم، فإن علماء الصحابة -رضي الله عنهم- قد طردوه على كل ما خامر العقل، ولهذا قال أنس -رضي الله عنه-: "حرمت الخمر ولم يكن لهم يومئذ إلا خمر التمر، أو الفضيخ"، ما كانوا يعرفون خمر العنب، فالعنب كان خمرًا لأهل الطائف وليس لأهل المدينة.
فإذا كان خمر أهل المدينة في ذلك الزمان هو التمر، ما كان خمر العنب، بل يقال: إن الآية إنما نزلت رأسا في عموم الخمر، وأنه لو قيل بتحديد شيء نزلت فيه الآية أولوية لقيل: إنها إنما نزلت في خمر التمر؛ لأنه هو الذي كان بالمدينة.
قال عمر -رضي الله عنه-: (أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ) وهذه الأشياء الخمسة هي الغالبة، وإلا فإنَّ هناك أشياء أخرى يكون منها الخمر، ولهذا استدرك -رضي الله عنه- فقال: (مِنْ الْعِنَبِ) وهو الأصل، (وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْل)، وهو كلام حسن جدا، فكل ما كان يخامر العقل، فهو خمر، سواء خامره بالكثير أم بالقليل، ولهذا كان الصحابة يَحدون ولم يسألوا عن نوع الخمر الذي شُرب؟ هل هو خمر عنب أو خمر غيره؟ ما دام أنه قد خامر العقل، فإنه يُحَدُّ منه.
إذًا الأصل في هذه المسألة، هو ما ذهب إليه أهل الحديث وجمهور أهل العلم -رحمهم الله- أن الخمر كل ما خامر العقل، وأنَّ ما أسكر كثيره فقليلة حرام، حتى القطرة منه محرمة، وما يجوز شربها، ولا ذوقها، وقد يرخص في اليسير من الخمر إذا لم يبق له أثر، كما في بعض الأطعمة ينتقل من كونه شرابا إلى كونه طعامًا، والحقيقة أنه إذا خرج من كونه شرابا إلى كونه طعاما تحول عن كونه مُسكرا، لأنَّ السكر بالطعام قليل جدًا، ما في أحد يسكر بالطعام إلا بالمخدرات ونحوها، وأمَّا السكر بالأطعمة المعتادة فلا أحد يسكر منها.
فإذا كان ثم طعام من الأطعمة شيب بشيء يسير من الخمر، فيقال: ما دام أنه لا يسكر كثيره، أقصد كثير هذا الطعام، فيسوغ أكله، وإن كان الورع عنه أحسن وأكمل.
قال -رضي الله عنه-: (ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْدًا نَنْتَهِي إلَيْهِ، الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا) هذه مسألة إضافية، ولقد وددنا أن المصنف -رحمه الله- ما ذكرها، لأنه لا متعلق لها بهذا الباب، وبناء عليه سنشرحها شرحا يسيرا.
(الْجَدُّ) وهي من أعظم مسائل الفرائض، وهي مسألة ميراث الجد مع الإخوة، أو الإخوة مع الجد، هل يرثون مع الجد أو لا يرثون؟ وإذا ورثوا فكيف يرثون؟
هذه المسألة تنازع فيها الصحابة -رضي الله عنهم- نزاعا شديدا، ومؤدى هذا النزاع إلى قسمين:
القسم الأول: رأي زيد بن ثابت ومن معه من الصحابة، وهو رأي عمر، ورأي جماعة من الصحابة، وهو أن الإخوة يشتركون مع الأب، ثم اختلفوا في كيف يشتركون؟ خلاف بين الصحابة، وكل مدرسة من الصحابة لها رأي، فزيد -رضي الله عنه- يرى طريقة، وعمر -رضي الله عنه- يرى لهم طريقة، وعلى وابن مسعود -رضي الله عنهما- لهما طريقة وهكذا.
والقول الآخر، هو قول الصديق الأكبر -رضي الله عنه- الذي قال فيه عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- لَمَّا سئل عن هذه المسألة، قال: أما الذي قال النبي ﷺ: لو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذته فإنه جعله أباه، هذا في صحيح البخاري، وهي أن الجد يُنزل منزلة الأب، كما أن ابن الابن عنده عدم الأب ينزل منزلة الابن، فكذلك أيضا الجد عند عدم الأب ينزل منزلة الأب. وبناء عليه إذا نزل منزلة الأب أسقط الإخوة. وهذه مسألة الجد التي قالها عمر -رضي الله عنه-.
مسألة (الْكَلَالَةُ) ما هو ضابط الكلالة؟ أو من هو الشخص الذي يقال فيه إنه توفي عن كلالة؟ هذه مسألة وقع فيها خلاف في الزمن الأول، وقضى فيها الصديق -رضي الله عنه-، فقال: الكلالة من لا والد له ولا ولد، ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ فهذه مسألة الكلالة، وهي تعني: الهالك الذي يهلك وليس له والد ولا ولد، وإنما له إخوة، ولهذا في الآية ذكر الله -عز وجل- أخا الأخت، ولم يذكر الولد، وما ذكر الآباء، فهي مسألة وقع فيها خلاف بين العلماء -رحمهم الله-، وقد وقع فيها اشتباه على عمر، هل الكلالة من لا والد له ولا ولد، وهو القول الصحيح؟ أو أن الكلالة من لا ولد له؟ فمن كان له والد فإنه يسمى: كلالة.
قال: (وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا) وهي مسائل من مسائل الربا، مات النبي ﷺ ولم يبينها، ولكن الحقيقة ما بينها عمر -رضي الله عنه-، والظاهر -والله أعلم- أنه ليس شيء في دين الله -عز وجل- إلا وقد بينه الله -عز وجل-، أو بينه رسوله ﷺ، وما لم يبين فإن الأصل فيه هو الحل؛ لأننا قد ذكرنا أن الأصل في البيوع هو الحل.
وإذا كان هذا الحال في عمر -رضي الله عنه- فإنه قال: (وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا) دل ذلك على أن أبواب الربا مشكلة؛ لأنها إذا أشكلت على عمر -رضي الله عنه- فكيف الحال بغيره؟
ودل على أن الخطر الأكبر في البيع إنما هو الربا، وما سواه من المحرمات في البيع فإنه أدنى منه، كالغش، والغرر، والجهالة، هذه كلها أدنى من الربا، وإنما الخطر كل الخطر إنما هو في الربا؛ لأنه الذي حرمه الله -عز وجل- وتوعد عليه.
{أحس الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». والْبِتْعُ: نَبِيذُ الْعَسَلِ)}.
حديث عائشة -رضي الله عنها- كالمقرب لحديث عمر -رضي الله عنه-، وهو نص صريح، وأصل في هذه المسألة، وحجة على أهل الرأي القائلين بجواز شرب النبيذ من غير العنب ما لم يُسكر، فثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي ﷺ (سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ، والْبِتْعُ: نَبِيذُ الْعَسَلِ)، وقد ذكرنا أن عمرًا -رضي الله عنه- ذكر العسل من ضمن الخمسة التي يصنع منها الخمر، يعني في الغالب، وقد سئل بعض الصحابة -رضي الله عنهم- عن نبيذ الأرز الذي هو الباذق، وسئل ابن عباس عن الباذق فقال: "سبقَ محمَّدٌ الباذِقَ، وما أسْكرَ فَهوَ حَرامٌ" ، عندنا الحمد لله نص وقاعدة شرعية، ما نحتاج أن نتفرع فيها، فـ "كل ما أسكر كثيره فقليلة حرام"، سواء كان نبيذ أرز، أو نبيذ عنب، أو غيره، وفي بعض الروايات أن النبي ﷺ وكان قد أوتي جوامع الكلم، فقال: «كلُّ شرابٍ أسكرَ فهو حرامٌ» .
إذًا العبرة بالشراب الذي يُسكر، فإنه يكون محرمًا، وليست العبرة بالسكر، فهذا هو الأصل حتى يكون متقررًا، فإذا كان كذلك فإن الخمر وما أنزل منزلته محرم، وبناء عليه يدخل في الخمر كل ما يذهب العقل، فكل ما أذهب العقل يكون داخلا في قول عمر -رضي الله عنه-: "ما خامر العقل"، وقول النبي ﷺ في حديث عائشة: "كل شراب أسكر"، فالمخدرات التي تذهب العقل داخلة فيه، والحشيشة التي تذهب العقل داخلة فيه، وكل ما كان بمثل هذا المعنى داخل فيه، ويرخص في شيء واحد للضرورة وهو: البنج، ولهذا يقال: ما يجوز للإنسان أن يأخذ البنج إذا لم يكن محتاجا إليه؛ لأنه نوع من السكر وإذهاب للعقل، فما يجوز لك أن تأخذ البنج، وإنما خفف في البنج شيئا يسيرا أنه لا تلذذ فيه، السابق كلها فيها تلذذ، فالمخدرات والخمر والحشيشة يتلذذ أصحابها بها مع سكرهم بها، ولكن البنج ما فيه لذة، وإنما يأخذه الإنسان المحتاج إليه، فيقال: الأصل في البنج أنه لا يسوغ إلا للحاجة إليه.
وبناء عليه يقال للإنسان: إذا خُيرت بين البنج الموضعي والبنج الكلي، ولم يكن لك أن تلجأ إلى البنج الكلي إلا إذا كان ثم خطر عليك، لأنه ما يجوز لك أن تذهب عقلك، وأنت ما تحتاج، لأن بعض النساء إذا احتاجت المرأة لعملية كولادة فإنها تأخذ "البنج" الكامل، مع أنه يمكنها إجراء العملية ببنج موضعي.
إذا أراد الإنسان مثلا أن يزرع بعض الأعضاء، أو يستأصل بعض الأعضاء، بالإمكان أنه لا يقوم ببنج كلي، ومما يدل عليه أن كثيرا من الناس تجد أنه يتقي لنفسه إذا ذهب إلى بلاد مثلا يشيع فيها سرقة الأعضاء، فتجد أنه إذا قالوا له: سنعمل لك "بنج" كلي يقول: لا، بل بنج موضعي، لماذا؟ حتى يطلع ويكون بوعيه، فيقال: إذا كان احتياطك لأعضائك حتى ما تسرق منه. ويقول: حتى لا أستيقظ وقد سرقتم مني الكلية أو أجزاء من الكبد أو غيرها، فإذا كان احتياطك لأعضائك مشروعا، فإن احتياطك لعقلك الذي هو أصل هذه الأعضاء من باب أولى.
{أحس الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بَلَغَ عُمَر أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»)}.
حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- فيه تحريم بيع الخمر، فإن المصنف -رحمه الله- لما ذكر حرمة الخمر، عقب ذلك بحرمة بيعها، وقد جاء مثل هذا في حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- الذي أخرجه الإمام مسلم، فإنه كان له خمر لأيتام عنده، فلما حرمت الخمر استأذن النبي ﷺ في أن يبيعها، فلم يأذن له النبي ﷺ وأراقها، فدل ذلك على أن الله -عز وجل- إذا حرَّم شيئا، فإنه يحرم ثمنه، وما كان محرما مذموما فإنه يحرم بيعه، هذا هو الأصل، وقد جاء في بعض الأحاديث: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»، وفي هذا سد باب الحيل، لأنَّ الإنسان قد يتحايل على الشيء الحرام لما منع من شربه فتراه يبيعه وينتفع بثمنه، فيقال: الأصل في هذا أن باب الحيل مغلق، وأن رؤوس المحتالين وهم اليهود هم الذين كانوا يتحايلون على الشرع بأكثر من حيلة، هم تحايلوا في السبت أليس كذلك؟ ثم تحايلوا في الميتة.
قال: («قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجمَلُوهَا فَبَاعُوهَا؟») وجملوها يعني: أذابوها، من المعلوم أن الله -عز وجل- قد حرم على اليهود الشحوم، ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾، حرمها الله -عز وجل- على اليهود، ومع أن الشحوم من الطيبات؛ لأنَّ الله -عز وجل- قال في الآية: ﴿ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾، وإلا فالأصل أنها من الطيبات، ولكن الله -عز وجل- حرمها بما كانوا عليه من البغي، فلما حرمت عليهم قالوا: لَمَّا منعنا هذه الشحوم وهي ثمينة، ومحببة، فنذيبها، فأذابوها وباعوها، وقالوا: لم نبع الشحم، بل قمنا ببيع الزيت، فنهى النبي ﷺ عن ذلك، ودعا عليهم بالمقاتلة.
ويدل ذلك يا إخوان على أن الواقع في الحيل أشد من الواقع في الحرام، لأنَّ الواقع في الحرام قد يكون ارتكب ذنبًا، وقد يكون هذا الذنب ليس بكبيرة، لكن الواقع في الحيل مدعو عليه بكل حال بالمقاتلة، فكل من وقع في الحيلة فهو مشمول بقول النبي ﷺ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»).
وعلى سبيل المثال، من الحيل كما هو معلوم مثلا أن الدخان محرم، وهو صغيرة من الصغائر، يعني لو أن أحدا باشر بيعه لقيل هذا حرام وإثم، فتجد أن بعض الناس يتحايل على بيعه ويقول: أنا عندي سوق كبير، ومن المعلوم أن الأسواق يحتاج فيها إلى الدخان، فأنا لا أريد أن أبيعه، ومعاذ الله أن أبيعه، ولكنه يؤجر ركنا في هذا المحل لرجل يبيع الدخان، فيقال: إن هذه من الحيل والواقع في الحيلة أشد من الواقع في المحرم؛ لأنك أنت بهذه الصورة دخلت في قول النبي ﷺ: («قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ») في حين أنك في الصورة الأولى لم تكن داخلا في المقاتلة، ولم تكن داخلا في اللعن. وما من شك أن مباشرة بيع الخمر ملعون فاعلها؛ لأن النبي ﷺ قد لعن في الخمر عشرة.
{أحس الله إليكم.
قال -رحه الله-: (كِتَابُ اللِّبَاسِ.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ»)}.
المصنف -رحمه الله- ساق هذه الأبواب سياقا حسنًا، فإنه ذكر كتاب الأطعمة، ثم الأشربة، ثم الألبسة، وهذه هي حاجات الإنسان، فإن حاجة الإنسان في هذه الدنيا إنما هي الطعام والشراب واللباس والركوب، أو المراكب، وحاجته من المراكب أقل من حاجته إلى غيرها، فإذا عقب المصنف -رحمه الله- بهذه الكتب بعضها عقب بعض، والأصل في اللباس: الحل، ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾، والأصل في الزينة هو اللباس، ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾، بعدها عقب الله -عز وجل- بقوله: ﴿قُلْ مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾، فرق بين الزينة والطيبات، فدل على أن الزينة الأصل إنما هي في الملابس، وتكون الزينة أيضا في المراكب، قال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾.
إذا تكون أيضا في المراكب، لكن الأصل أنها في الألبسة، فإذا كان كذلك فإن الأصل فيها هو الحل، وكل ما خلقه الله -عز وجل- مما يستطيع البشر لبسه، فإنه جائز لبسه إلا ما حرمه الشرع، والأصل أن التحريم في أبواب اللباس يسير جدا، فإن الله -عز وجل- قد حرم في أبواب اللباس بوجه عام: لبس الحرير، ولبس الذهب ونحوها، وما سوى ذلك فيه الحل.
وذكر المصنف -رحمه الله- ها هنا حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ»)، الحرير إنما يراد به الحرير الطبيعي، وهو الحرير المستخرج من دودة القز، هذا هو الحرير الطبيعي، وأما ما سوى ذلك من الألبسة فإنه يجوز لبسه حتى لو كان يسمى حريرا.
هناك حرير صناعي يشابه الحرير الطبيعي بنسبة كبيرة، نقول: هذا ليس داخلا في التحريم؛ لأن الحرير المحرم هو الحرير الذي ورد عليه النص، وهو الحرير الطبيعي، فقد حرمه النبي ﷺ على الرجال، والنهي في قوله ﷺ: («لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ») إنما هو للرجال وليس للنساء، وقد جاء في الحديث الآخر: «حلالٌ لإناثِ أُمَّتي، حَرامٌ على ذُكورِها»، هذا هو الأصل في الحرير.
(«لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ») فأراد المصنف -رحمه الله- بذلك أن يبين أن لباس أهل الجنة هو الحرير، ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ والسندس نوع من الحرير، قال: هو الغليظ من الحرير، وقد قال الله -عز وجل- في الآية: ﴿ولباسهم فيها حرير﴾، أي: لباس أهل الجنة من الحرير، وليس من عادة المؤمن التوسع في الدنيا بهذا القدر، بل يقال: إن الله -عز وجل- قد حرم بعض الأمور ومنعها في الدنيا حتى يتشوق إليها العبد في الآخرة، وإلا فإن الله -عز وجل- قد أباح أمورا كثيرة من الجواهر، والملبوسات مما قد يكون أغلى من الحرير، وهناك الآن ملبوسات أغلى بكثير من الحرير، ومع ذلك فما حرمها الله -عز وجل-، فهي حكمة من الله -عز وجل-، واختبار للخلق.
قالوا: وإنما منع من ذلك لأنه لباس في غاية ما يكون من النعومة، لباس ناعم، والأصل في الرجل أن يعود نفسه على الخشونة، والحرير لباس في غاية ما يكون من الترف والنعومة، ولهذا قالوا: من اعتاد اللبس بالحرير كان لين الرخوة، وهذه خاصية في الحرير بخلاف غيره من اللباس، ولهذا شرع للنساء، وكان يلائمهن أكثر مما يلائم الرجال من اللباس.
وإذا كانت المرأة قد لبست لباس الحرير يكون جسد المرأة مع هذا اللباس أحسن ما يكون، ولهذا كان الأعراب يتغزلون بالمرأة التي تلبس لباس الحرير.
{أحس الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ»)}.
هذا حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ»)، وفيه أن حذيفة -رضي الله عنه- استسقى، فأتاه دهقان من الفرس بماء في آنية من الذهب، فضربها حذيفة -رضي الله عنه- حتى أراقها، ثم قال: إني عهدت إليه أني لا أفعل ذلك، وإني سمعت النبي ﷺ يقول: («لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ»)، والحرير هو المعروف، والديباج هو نوع من أنواع الحرير، والغليظ من الحرير يسمى ديباجا، وهذا الأصل كما ذكرنا وقررناه خاص بالذكور.
قال: («وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»)، والشرب في الآنية عام في الذكر وفي الأنثى، يجوز للمرأة أن تتحلى بالذهب والفضة، ولكن لا يجوز لها أن تشرب في الذهب ولا في الفضة، فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «مَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْها؛ حُرِمَها في الآخِرَةِ»، وفي بعض الروايات حديث أم سلمة «فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم».
إذا الأصل في الشرب في آنية الذهب والفضة أنها محرمة على الرجل وعلى الأنثى.
قوله: («وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا») كذلك الأكل في صحاف الذهب والفضة لأنها من نعيم أهل الجنة، وقد حرمها الله -عز وجل- قالوا: ولما يحصل فيه أيضا من الكبر والتعالي، فلأجل ذلك أمر النبي ﷺ بأن لا يشرب فيهما.
قالوا: لا يشرب فيهما ولا يؤكل، قال: وهذا لا يحصل في شيء كما يحصل آنية الذهب والفضة، ولهذا قد يكون هناك ثم من الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة ما هو أغلى من الذهب والفضة، خاصة مع تقدم العصر، ومع ذلك فإنه لا يمنع منها في الدنيا.
قال: («فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ») يعني هي لباس أهل النار في هذه الدنيا وآنيتهم وهي آنية أهل الجنة ولباسهم في الآخرة، ولأجل ذلك ينبغي للمؤمن إذا رأى على أهل الفسق أو على أهل الكفر من نعيم الدنيا ألا يمد عينه إليه، وأن يستذكر نعيم الآخرة، كما قال الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ ماذا قال بعدها؟ قال: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾.
وقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾، فصرفه عن بهرجة الدنيا وزهرتها إلى العبادة، لأنه ليس شيء يزهد الإنسان في الدنيا كما تزهده العبادة، ولهذا كلما اقترب الإنسان من العبادة، ابتعد عن زهرة الدنيا، وكلما ابتعد عنها، أقبل عليها، وهذا يلحظه الإنسان من نفسه في رمضان مثلا، فتجد أن الإنسان في رمضان ربما لم يعتن كثيرا مثلا بلباسه والتأنق فيه والمبالغة فيه ولا يعتني بالتأنق في الطعام والشراب ونحو ذلك، لإقباله على العبادة، فإن الإقبال على العبادة ينسي الإنسان أشياء كثيرة، وهذا لا يمنع البتة من أن يحسن الإنسان في لباسه، وطعامه وشرابه، ولكن لا يبالغ في التأنق فيه، ولا يعتاد ذلك ولا يجعله ديدنا له، وألا يكون ممن إذا طلب طعاما طلبه على أحسن وجه دائمًا، لماذا؟ لأن هذا ليس من سمات أهل الإيمان، وإنما المؤمن قد يستسهل الطعام، وييسر فيه، وما جاءه من الطعام والشراب واللباس لبسه وطعمه.
{أحس الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ»)}.
حديث البراء -رضي الله عنه- قد ساقه المصنف -رحمه الله- لبيان بضعة أحكام، وأول هذه الأحكام هي المتعلقة بالشعر، فيقال: إن الأصل في العرب أنهم لم يكونوا يحلقون رؤوسهم إلا في حج أو عمرة، ولهذا ما كان النبي ﷺ يضع رأسه كله، إلا في حج أو عمرة، ولأجل ذلك وصف النبي ﷺ الخوارج بأن سيماهم التسبيد، والتسبيد هو الحلق، وإنما كانوا يحلقون لأجل أنهم كانوا يرونه أبلغ في الذل والعبادة والانقياد لله -عز وجل-، فهم يقولون: كما أن المعتمر والحاج يضع شعره لله فنحن معتمرون وناسكون العمر كله، وهذا منهم على عادتهم في المبالغة في العبادات، ومخالفة منهم لهدي المسلمين، ولهذا لا تشذ طائفة من الطوائف، عن منهج أهل السنة والجماعة إلا حرصت غاية الحرص، على أن تتفرد عنها وأن تخالفها، تماما كما أن النبي ﷺ لما جاء بالإسلام حرص على مخالفة اليهود والنصارى، فكذلك الطوائف المنحرفة عن أهل السنة، ولهذا بقدر ما يعظم مشاقتها، ومخالفتها لأهل السنة، بقدر ما يكون الحكم عليها، بالضلال والانحراف.
إذا الأصل أن العرب ما كانوا يضعون الشعر إلا في حج أو عمرة، ولأجل ذلك كان النبي ﷺ يطيل شعره، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يطيلون شعورهم، وكانت الأصل في العرب إطالة الشعر، إلى أين؟ قالوا: العادة في العرب أن الشعر كان يضرب إلى المنكبين، ولهذا قال: (مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ) لماذا سمي لمة؟ قالوا: لأنه يلم بالمنكبين.
قال ها هنا: (لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ) يعني: كان شعر النبي ﷺ إلى منكبيه، وكان النبي ﷺ يعتني به ويكرمه، وجاء في حديث أبي قتادة «من كان له شعر فليكرمه»، وكان ﷺ يكرمه بماذا؟ التمشيط، كان يمشطه ﷺ كل يوم، وكان يدهنه بالإغباب، يعني: يدهنه يوما ويتركه يوما، حتى يكون أبلغ في نظافته وفي العناية به ﷺ.
هل يقال: إن هذه من سنن النبي ﷺ؟
يقال: من قدر على ذلك فلا بأس، ويحسن به، ومن لم يقدر على ذلك أو كان قد يحيله إلى أن يكون محل شهرة، فالأصل أن يجاري أعراف أهل بلده، لأنَّ النبي ﷺ إنما كان يصنع ذلك لأنَّ هذه هو عادة العرب، ولهذا كان النبي ﷺ يفرق لأنَّ العرب كانوا يفرقون.
قال: (مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) فيه دلالة على جواز لبس الأحمر، وأن ما ورد من النهي عنه، ومن الأمر بنزعه لا يصح ولا يثبت، وأن الأصل في ذلك جوازه، وقد جاء الترخيص فيه في حديث البراء، وفي حديث أبي جحيفة -رضي الله عنهما-، ففي كلا الحديثين أنَّ النبي ﷺ، كان يلبس اللباس الأحمر، قالوا والله أعلم: الظاهر أنه لم يكن يلبس اللباس الأحمر الخالص؛ لأنه لم يكن من عادة العرب، وإنما يكون لباسا أحمر مخططًا، أو يداخله شيء فيوصف بالأحمر، كما يقال في الشماغ، يقال عنه: شماغ أحمر مع أنه ليس بالأحمر الخالص، وإنما هو أحمر مشوب بالبياض.
قال: (فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) كان النبي ﷺ أجمل من خَلَقَ الله، أولم يقل البراء -رضي الله عنه-: "رأيتُ رسولَ اللهِ في ليلةٍ إِضْحِيانٍ، وعليه حُلَّةٌ حمراءُ، فجعلتُ أنظرُ إليه وإلى القمرِ، فلهوَ عندي أحسنُ من القمر"ِ .
إذا كان النبي ﷺ من أجمل ما خلق الله، ومن أحسنهم صورة وهيئة، وكان فيه كل صفات الرجولة، سواء الخلقية ولا الخلقية، فمن أراد أن يقيس معيار الرجولة الخلقية أو الخلقية فليرجع إلى صفاته ﷺ ولا يجاوزها، ثم المستقل والمستكثر قد تكون هناك صفات ما يستطيعها الإنسان، من صفات كمال الرجولة، مثلا كون النبي ﷺ بعيد ما بين المنكبين، هذه صفة رجولة حسنة، قد يكون الإنسان دقيقا، هذا ليس بيدك، خلقة الله، ولكن ما يعني ذلك أن تأتي فتنازع وتقول لا، الدقيق أحسن وأكمل في الرجولة من العريض ما بين المنكبين، نقول: لا، الأصل في هذه الأوصاف أن الأكمل فيها ما كان عليه هدي النبي ﷺ.
وهناك أوصاف يستطيعها الإنسان مثل ما كان عليه النبي ﷺ مثلا من إعفاء اللحية، وما كان النبي ﷺ من تشمير الثياب، كلها تدل على الرجولة التي كان النبي ﷺ يصنعها، هذه الصفات الخلقية وهناك الصفات الخلقية التي لسنا الآن في معرض الكلام عليها، وما من شك أن النبي ﷺ قد بلغ الغاية فيها.
قال: (لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ)، هذا هو شعر النبي ﷺ أن شعره كان يضرب منكبيه، فإن قصره كان قريبا من أذنيه، ولا يحلقه ﷺ إلا في حج أو عمرة.
قال: (بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ) يعني: كان النبي ﷺ عريضا ولم يكن سمينا، وهذا أبلغ في الرجل، أن يكون عريض ما بين المنكبين، وأهيب له.
قال: (لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ) هذا هو وصفهم حينما يقولون عن النبي ﷺ إنه كان ربعة، فيقال: ما هو الأصل؟ أو ما هو الأجمل في الرجل والأكمل؟ يقال: أن يكون قصدا ليس بالطويل ولا بالقصير، ليس بالطويل البائن الذي هو مشرف الطول، ولا بالقصير البائن الذي هو يعني مبالغ القصر، بل كان النبي ﷺ وسطا بين ذلك، وهذه الصفات التي هي الصفات الخلقية، إنما هي خلق الله -عز وجل-، الذي حسنه لرسوله ﷺ، وإنما ذكرها البراء -رضي الله عنه-، ونقل هذه الصورة عن النبي ﷺ، وإلا ما يستطيع الإنسان مثل هذه الصفات الخلقية ما يملك للإنسان فيها شيئا، وإنما يملك في بعض الصفات التي يستطيع كما ذكرنا مثلا من في الشارب، إطالة اللحية، وقص الأظفار، وإزالة شعر العانة وشعر الإبطين مثلا، هذه كلها صفات حسنة، وكان النبي ﷺ يصنعها ويستطيعها الإنسان، وتشمير الثياب، ولبس الثوب الأبيض، هذه كلها من الصفات التي كان النبي ﷺ يصنعها، يقدر من بعده على متابعته فيها ﷺ.
{أحس الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَمَرْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرْنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ. وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ -أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ- بِالذَّهَبِ، وَعَنْ الشُّرْبِ بِالْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِرِ وَعَنْ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِير، وَالْإِسْتَبْرَق، وَالدِّيبَاجِ»)}.
هذا حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه-، وفيه أربعة خصلة، سبع قد أمر بها النبي ﷺ، وسبع قد نهى عنها النبي ﷺ، وهي جامعة للمحاسن ودافعة للقبائح، وعامة ما نهى عنه النبي ﷺ إنما يتعلق باللباس وأحكامه، وأوردها المصنف -رحمه الله- في اللباس.
قال: («أَمَرْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ»)، وليست هذه كل الأوامر والنواهي، وإنما هي جزء منها، وقد جمعها النبي ﷺ ربما في موضع، جمعها البراء -رضي الله عنه-.
قال: (أَمَرْنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ)، وقد حث النبي ﷺ على عيادة المريض في غير ما موضع، وبين ﷺ أن من مشى إلى أخيه المسلم فهو في «خُرْفَةِ الجَنَّةِ حتَّى يَرْجِعَ» ، قيل: وما خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قالَ: «جَناها».
إذا عيادة المريض مما يحبه الله -عز وجل-، وهي تختلف في وجوبها وآكديتها باختلاف، فإذا كان المريض صاحب حق على الزائر، وجب عليه أن يعوده، وأن يكرر العيادة بقدر ما يحصل به البر، فليست عيادة الأب والأم كعيادة الأخ، أو ابن العم، أو الصديق، أو البعيد من المسلمين، والأصل في العيادة أنها لعامة المسلمين، وليست مقصورة على القرابات، هذا هو الأصل وهو الهدي الأكمل، فإذا مَرَّ الإنسان في المستشفى فعاد قريبا له، فينبغي له أن يمر على من يستطيعه من المسلمين ممن بجواره، فيسلم عليهم ويعودهم، ليكتب له بذلك الأجر الجزيل من الله -عز وجل-.
ويسن في العيادة ألا يثقل على المريض، يعني: لا يطيل الجلوس، وأن يغب به، يعني ما يأتي كل يوم إذا كان يثقل عليه، وإنما يأتيه يوما ويترك يوما، إلا إذا كان مقربا من المريض، أو كان يشق على المريض أن يتركه، كالمصاحب للمريض والملازم له، هذا هو الأصل في العيادة.
وإذا عاد مريضًا فعليه أن يحسن الكلام، وأن يذكره بالآخرة، وألا يشق عليه بذكر الموت ونحو ذلك، حتى ما يظن شيئًا.
ثم قال: (وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ) الجنازة، يعني للصلاة عليها ودفنها، (وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ) من السنن الثابتة عن رسول الله ﷺ، والأصل فيها أنها فرض كفاية، وقد جاء فيها الأجر العظيم من النبي ﷺ ببيان القيراط.
قال: (وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ) أي: إذا حمد الله، وشمته بمعنى: أزال عنه الشماتة، فهي من الأضداد، وقد يقال فيه: تسميت، يعني: طلب السمت له، لأنَّ العاطس إذا عطس خرج عن سمته بالعطاس، لأنه نوع من الاختلال في الطبيعة، فيشمته أو يسمته بمعنى: أن يرده إلى سمته، أو يشمته بمعنى أن ينفي عنه الشماتة، فإذا عطس فقال: الحمد لله شمته، فإن لم يحمد الله -عز وجل- لم يشمته.
وتشميت العاطس فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله، هل هو واجب أو فرض كفاية؟
المذهب أنه فرض كفاية، والصحيح من أقوال أهل العلم أنه واجب؛ لأنه قد ثبت عن النبي ﷺ، كما في حديث أبي أيوب، وحديث أبي هريرة، «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العِطاسَ، ويكرَهُ التثاؤبَ، فإذا عطِسَ أحدُكم وحمِدَ اللهَ، كان حقًّا على كُلِّ مسلِمٍ سمِعَهُ أنْ يقولَ: يرحَمُكَ اللهُ»، فإذا عطس العاطس فقال: الحمد لله، قال من سمعه من المسلمين: «يرحَمُكَ اللهُ»، ثم يجيب عليه بقوله: يهديك الله ويصلح بالكم.
قال: (وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ)، يعني: إذا أقسم عليك فأبره، وهذا من مكارم الأخلاق، ومن الصفات المستحسنة بين المسلمين، إمَّا أقسم عليك لإكرامك، أو أقسم عليك لإكرامه، فإنه ينبغي للإنسان أن يبره، يقسم عليك أن تطعم معه، وأن تنزل معه، فينبغي للإنسان أن يبر المقسم.
قال: (وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ)، أي: يجب على كل مسلم أن ينصر المظلوم، ونصر المظلوم، كما قال النبي ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تحجزه عن الظلم»، والأصل أن يقف مع المظلوم حتى يأخذ له الحق من ظالمه.
قال: (وَإِجَابَةِ الدَّاعِي)، يعني: إذا دعاك للوليمة، فإن الوليمة كما جاء عن النبي ﷺ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ» .
إذًا يقال: الأصل في الوليمة أن إجابتها واجبة، والوليمة هي الدعوة إلى وليمة العرس والنكاح، مع أن قوله: (وَإِجَابَةِ الدَّاعِي) تشمل الوليمة وغيرها، فيقال: الأصل في الوليمة أنها واجبة، وما سواها فالأصل أنه مسنون، أي: سنة مؤكدة.
قال: (وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ) إفشاء السلام وإظهاره ونشره بين المسلمين، فإن هذا من محاسن الأخلاق، ومن كرائم الآداب، ومما يشيع الرحمة بين المسلمين، أو لم يقل النبي ﷺ: «المُسلمُ من سَلِمَ المُسلمونَ من لِسانِه ويَدِه» هذه منزلة.
وقال عمار -رضي الله عنه-: "ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيْمَانَ، الإنفاق من نفسك وبذل السلام للعالم"، فما من شك أن من أكثر السلام على المسلمين، فإنه إن شاء الله يرجى له أن يسلم المسلمون من لسانه؛ لأنه الآن متفضل عليهم بالسلام، ومن كان متفضلا على المسلمين بالسلام فإنه يُظن به أن يصون أعراضهم عن الوقيعة فيها.
فهذه جملة من الأوامر التي أمر النبي ﷺ بها، وهي سبع، ثم بقي بعد ذلك سبع نهى النبي ﷺ عنها، لعلنا إن شاء الله -عز وجل-، نشرحها في المجلس القادم، وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
{أحس الله إليكم. وشكر الله لكم، وشكر الله لكم على حسن الاستماع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.