{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) التابع لجمعية هداة، والذي يشرح فيه كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي- رحمه الله-، يشرحه فضيلة الشيخ/ الدكتور إبراهيم بن عبد الكريم السلوم، حياكم الله شيخنا}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا وإياهم العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{أحسن الله إليكم، نستأذنكم في البدء بالقراءة}.
نعم، استعن بالله.
{قال -رحمه الله-: (عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ. فَقَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ». قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا». قُلْتُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ. فَقَالَ: «إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ».
وَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيٍّ نَحْوُهُ، وَفِيهِ: «إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ».
وَفِيهِ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُكَلَّبَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ».
وَفِيهِ أَيْضًا: «إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».
وَفِيهِ: «وَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إنْ شِئْتَ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُكَ؟»)}.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد، فقد ذكر المصنف -رحمه الله- حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، وهو في معنى حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- جُرْثُومَة بْن نَاشِرَة، إلا أنه يزيد عليه بشيء من المسائل.
وحديث عدي مع حديث أبي ثعلبة هما الأصل في أبواب الصيد، وإذا قلنا: الأصل في باب ما حديث من الأحاديث، فالمعنى أن عامة أحكام هذا الباب ترجع إلى هذا الحديث، وأنه إنما يقاس عليه ما ورد في بابه من الأحاديث، فإن وافقه قُبل، وإن عرضه رد، هذا معنى الأصل، ولهذا إذا قيل: إن الأصل مثلا في السنن الرواتب حديث ابن عمر -رضي الله عنه- في السنن الرواتب أليس كذلك؟
يقال: نعم، هذا هو الأصل فيه؛ لأنه أصح حديث. طيب ما الذي يبنى عليه؟ يبنى عليه أن ما جاء من الأحاديث مما يُوهم مخالفة أحاديث ابن عمر، فإنه يُرد، ولهذا مثلا ردَّ أبو حاتم الرازي -رحمه الله- حديث محمد بن مسلم بن مهران عن جده أبي مثنى عن ابن عمر -رضي الله عنه- «رَحِمَ اللهُ امرأً صَلَّى قَبلَ العَصرِ أَرْبَعًا» فقال: ابن عمر يروي خلاف ذلك، يعني أنه إنما روى عشر، وردوا حديث عاصم بن ضمرة، عن علي -رضي الله عنه- في صفة صلاة النبي ﷺ، أو تنقلاته، قالوا: وهذا على خلاف حديث ابن عمر -رضي الله عنه-، فتبين لنا من هذا المعنى إذا قلنا: إن هذا الحديث هو أصل هذه المسألة.
إذًا فحديث عليٍّ -رضي الله عنه- هو الأصل في باب الصيد، وهو نص صريح في حل صيد الكلب المعلم؛ لأنَّ الحديث يتكون من أقسام، والقسم الأول: صيد الكلاب، وما يشمله والقسم الثاني: الصيد بالسهام وما يشمله.
قال ها هنا: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ)، ذكرنا أن صفة الكلب المعلم هو من إذا أُرسل استرسل، وإذا زُجِرَ انزجر، وإذا صاد لم يطعم، وقالوا: هذا المعنى عام في صيد الكلاب، إلا أنه لا يشمل صيد الصقر أو البازي، وقالوا البازي يكتف فيه بأمرين: إذا أُرسل استرسل، وإذا زُجر انزجر، وأما أن يُمنع من الأكل فلا، فإن الصقر كريم، والبازي كريم، ما يَرى أن يصيد لغيره، وإنما يصيد لنفسه، فإذا علم أنه يصيد لغيره لم يصطد.
وهذا بخلاف الكلاب، فإنَّ الكلب يصيد، وقد قتله الجوع، ثم يأتي بهذا الصيد إلى سيده أو ربه حتى يضعه عنده، ويقنع منه بالفُتات، وأما البازي والصقر فلا، بل تجده إذا أخذها بدأ يأكل منها، حتى يأتي ربه ومالكه فيعالجه ويدافعه عنها بالحسنى، ولا يدافعه عنها إلا بشيء يقدمه مقابل تنازله عن هذا الصيد.
وهذا من حكمة الله -عز وجل- حتى يعلم الناس أن الحيوانات لها طباع كثيرة، وأن الله -عز وجل- قد فطرها على هذه الطباع، وينبغي أن يتلمس الإنسان الطباع في الحيوانات، فما كان منها حسنا فلا يجعل أحدا من الحيوانات يتفوق عليه في حُسنه، وما كان منها سيئًا فليجتنبه، ولهذا النبي ﷺ قد نهانا عن بعض الصفات السيئة في الحيوانات المستقبحة، فنهانا ﷺ عن: "إيطان كإيطان البعير، ونهانا ﷺ عن افتراش كافتراش السبع، ونهانا عن نقرة كنقرة الغراب" ، وغير ذلك من الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ في النهي عن بعض الخصال السيئة في الحيوانات.
قال ها هنا: (إنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيّ) انظر ماذا قال؟ قال: (فَيُمْسِكْنَ عَلَيّ)، يعني: يمسكن لأجلي، وهذا هو الفرق بين الكلب المعلم والكلب غير المعلم، فالكلب غير المعلم يمسك لنفسه، وما يمسك لصاحبه أو على صاحبه.
قال: (وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ. فَقَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ». قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا»)، لأنَّ هذا هو الفارق بين الكلب المعلم والكلب غير المعلم.
لو أنَّ رجلا سأل ما هو الفارق في الصيد بين الكلب المعلم وغير المعلم إذا سُمي اسم الله -عز وجل- عليهما؟
نقول: الفرق في القتل، فإنَّ قتل الكلب المعلم يعد زكاته، ولهذا قال في بعض الروايات: «فَإِنَّ أَخْذَهُ زَكَاتَه»، يعني: أخذ الكلب -كما في حديث أبي ثعلبة- زكاته، وأمَّا الكلب غير المعلم فلا، إن كان قد قتله فهو ميتة، وإن لم يقتله فأدركت زكاته فذكيته فهو ذكي، هذا هو الفرق بين الكلاب المعلمة، والكلاب غير المعلمة، وهذا من قول الله -عز وجل-: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ في سورة المائدة، فقوله: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ يدل دلالة ظاهرة على معنى التعليم، وهو أن الأصل في الكلب المعلم أن يكون إنما يمسك لصاحبه.
طيب "إذا أُرسل استرسل، وإذا زُجِرَ انزجر" هذه كلها مبنية على الخصلة الأخيرة، بمعنى أن الكلب إذا كان يمسك على صاحبه، فمن باب أولى أن يسترسل عند استرساله، وينزجر عند زجره.
قال: (قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا»)، هذا هو الضابط في جواز أكل صيد الكلب المعلم إذا قتل، أن يكون هذا الكلب لم يشركه كلاب غيره، وقد جاء تفسيره في حديث الشعبي عن عدي، قال: («وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ»).
ولكن إن تيقن أن هذه الكلاب كلها قد سمي عليها، قد خرجوا رفقة مُتفرقين، وكلٌ أرسل كلبه، فلما قبضوا على فريسة تناوشتها الكلاب، فقال الإنسان: ما يجوز أن آكل من هذا الصيد. لماذا؟ قال: لأنَّ النبي ﷺ قال: («مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا»)، وعلى هذا فإن شركها كلب غيرها فلا تأكل، نقول: ما دام أن هذه الكلاب كلها قد سمي اسم الله -عز وجل- عليها، فقد زال المحظور، وهذه من الأحكام المعللة، أي: التي عللها النبي ﷺ، فالحكم يدور مع علته ها هنا وجودا وعدما.
قال: (وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا». قُلْتُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ، فَأُصِيبُ») المعراض هو السهم الذي لا يكون فيه رأسه، وإنما يكون بعرضه، ومن المعلوم أن السهم يحتوي على ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: رأس السهم، والجزء الثاني: النصل، وهو عبارة عن حديدة تصل بين الرأس وتصل بين الريش، فإذا سقط الرأس من بعض الأسهم بعد أن رُميَ بها مرة واثنتين، فيأتي الرجل فيرمي بهذا السهم وقد سقط رأسه، فيسمى ها هنا معراضًا، يعني: كأنما يعترض اعتراضا، ولا يخرق.
قال: (فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ) وهذا فيه دلالة أيضا على البراعة؛ لأنَّ الكثير من الناس الذين يرمون بهذه الأسهم التي تكون مجردة، قد ما يصيب، وقد ما يستطيع أن يقتل، ولكن هذا يدل على قوة ساعد "عَدِيِّ" -رضي الله عنه.
قال: «إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ»، هذا هو الأصل، وخزق، بمعنى خرق، فإذا رميت بالمعراض فخرق الرمية فكله؛ لأنه يكون إنما قتله بحده، فهو كالسكين، وإن أصابه بعرضه فلا، يعني: إن اعترض له فضربه، ومات بسبب الثقل الذي أصابه، وليس بسبب الحد فلا تأكل.
وفي بعض الروايات: «فإنه وقِيذٌ»؛ لأنه كالحجارة حينما يرمى بها، فالأصل فيما يرمى به بالحجارة أن يقال فيه: إنه لا يجوز أكله؛ لأنه وقيذ، فهو من نوع المتردية، أو لم يقل الله -عز وجل-: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ﴾ والمتردية هي التي تردت من شاهق فتموت، فهل تؤكل ولا ما تؤكل؟ ما تؤكل إذا لم يدرك زكاتها، فكذلك هذا ما هناك فرق بينهما.
قال: (وَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيٍّ نَحْوُهُ، وَفِيهِ: «إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ») الكلب المعلم قد يأكل، فإذا أكل دل ذلك على اختلال معنى التعليم عنده، وبناء عليه إذا أكل أصبح الحكم فيه كالحكم في الكلب غير المعلم، وهو أنه إنما أمسك على نفسه.
وبناء عليه إذا كان أمسك على نفسه فالتسمية ليس لها قيمة، فحينما سميت وأرسلته وأمسك عليك، فكأنما كان معك مثل الآلة التي هي السكين، ويدل عليه أنه ما أكل منه شيئًا، فكأنما هو آلة في اصطياد هذا الصيد، فإن أكل دل ذلك على أنه إنما كان صيده لأجل نفسه ولم يكن لأجلك.
قال ها هنا: («إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ»)، هذا هو الأصل، وذكرنا أن هذا متقرر في الكلاب والفهود وغيرها، وعلى سبيل المثال: النمس وغيره مما يصطاد به الأرانب، تدخل في جحر الأرنب فتسحبه حتى تخرجه إلى صاحبه، ولكنه ليس متقرر في البازي والصقور، لأنه كما ذكرت أنَّ العرف والعادة أنَّ الصقور إنما تصطاد لأنفسها، ويدخل في قول الله -عز وجل-: ﴿وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة:4].
قال ها هنا: («وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ»)، هذا ذكرناه سابقا وقررناه.
قال: (وَفِيهِ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُكَلَّبَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ») وهذا فيه دلالة على وجوب التسمية، وعلى أنه لو أرسل كلبه ولم يذكر اسم الله -عز وجل- عليه لم يجز أكله.
قال: («فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ») هذه أيضا مسألة، وهي أن ما أدرك حيا فلا يجوز قتله بالرمي، نجد بعض الناس الذين في الرحلات والصيد وما إلى ذلك، إذا اصطاد صيدا فأوتي به حيًا، أطلق عليه الطلقة أو طلقتين حتى يقتلها، نقول: ما يجوز، وبلا شك أن هذا يحيله إلى ميتة، بل ما أدركته حيا فيه حياة مستقرة، فإنما تكون زكاته بذبحه، هذا هو الأصل.
قال ها هنا: (وَفِيهِ أَيْضًا: «إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»)، أيضا هذا في صيد السهام، وهو أنه يُشرع للإنسان إذا رمى بالسهم أن يذكر اسم الله -عز وجل- عليه، وفيه دلالة على أنه يُشرع أن تكون التسمية في كل رمي؛ لأنه قال: («إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»)، هذا هو الأصل.
وقال بعض العلماء: يجزئ في ذلك أن يسمي مرة واحدة ويدخل فيها ما بعدها.
تبقى مسألة الكلب، هل يشترط الكلب أن يجرح أو لا؟ نحن ذكرنا في المعرض، يشترط فيها أن يخزق، ولكن الكلب هل يشترط فيه أن يجرح أو لا؟ ما المعنى؟
نقول: المعنى أن الكلب قد يصيد أحيانا بالخنق، أي: دون جرح، وقد يصيد بالتقاط مثلا الأرنب ورميه على صخرة، أو يُعثره فيضربه في حجر أو نحو ذلك فيموت، فلا يكون قد جرح ها هنا.
نقول: المذهب أنه يُشترط فيه أن يجرح، قياسا على السهم، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد -رحمه الله-، أن ذلك غير مشترط.
قال ها هنا: («وَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إنْ شِئْتَ»)، هذه فيه تقرير للقاعدة المشهورة عند العلماء -رحمهم الله- وهي أنه إذا اجتمع في مسألة من المسائل مبيح وحاظر، قُدِّمَ الحظر الذي هو المنع، وهذه من أمثلتها، ولهذا هم يمثلون عليها بما لو اشتبه عليك الثوب النجس من الطاهر، ما تعرف ما هو الثوب النجس، وما هو الثوب الطاهر. قال: تجتنبهما جميعا.
وكذلك هذه المسألة، قالوا: إذا غاب عنك يومين أو ثلاثة ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، إن غاب عنك اليومين والثلاثة فوجدته قتيلاً، ولم تجد فيه إلا أثر سهمك، أي: ما وجدت فيه أثرًا لسهم آخر، ولم تجد فيه أثرا لبعض السباع التي تنهشه، فإنه يجوز لك أن تأكله.
فإن وجدت فيه سهمًا آخر، أو أمرا آخر قد يؤدي إلى قتله مثل: نهش السباع وغيرها، فلا يجوز لك أن تأكل. لماذا؟ لِمَا ذكرنا أنه قد اجتمع مبيح وحاظر، فالمبيح هو الصيد بالسهم، والحاظر هو احتمال أن يكون قد قُتل، أو قد زهقت روحه ليس بسهمك، وإنما بالسهم الآخر، أو بحيوان مفترس، فتجتنبه.
قال: («فَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُكَ؟»)، هذه أيضا مسألة أخرى، وهي مسألة مُشابهة للمسألة السابقة، المسألة السابقة أنه قد يعدو عليه سبع، أو قد يصيبه سهمًا آخر، فإذا وجدت فيه أثر ذلك فلا تأكله، وهذه مسألة أخرى وهي فيما لو أنك رميت صيدا -وهذا يقع كثيرا- فوقع في الماء ثم أخرجته فوجدته غريقا، نقول: ما دام أنك وجدته غريقا فلا تأكله، لماذا؟ لأنك لا تدري هل مات بسهمك أو مات بالماء.
ومن المعلوم أنه إذا مات بالماء، فإنه يكون من المنخنقة، التي حرمها الله -عز وجل-، فقد اجتمع الآن سببان، سبب مبيح، وسبب حاظر، فَقُدِّمَ الحاظر، وهذا كله يقرر مسألة مهمة -يا إخوان، ويا أخوات- وهذه المسألة هي أنه ينبغي للإنسان أن يحتاط لمطعمه ومشربه، وأنه إذا ورد عليه الأمر المشتبه، فإنه ينبغي له -إن لم نقل: يجب عليه أحيانا أن يتركه-، وأن يتورع عنه، وهذا أبلغ من هذه المسألة، فإنك قد اصطدت الصيد أمامك، ولكنه وقع فوجدته غريقا، ومع ذلك فيقال لك: لا تأكل، لأنك لا تدري هل الماء قتله أو سهمك؟ لكن يقال في ذلك: إن كنت قد قتلته ووقع أمامك، ثم لم تجد منه معالجة الغريق للغرق، وإنما من حين ما رميته سقط في الماء مباشرة وما تحرك، فهذه قرينة واضحة تدل على أنه إنما مات بالرمي.
فإن أشكل عليك ذلك، ولم تعلم لأنك رميته من مسافة بعيدة، فما تدري هل مات بالرمي أو مات بسبب الغرق؟ فنقول: لا يؤكل.
وهذا أيضًا يقرر قاعدة ثانية، وهذه القاعدة هي: متى ما اجتمع السبب والمباشرة، قدمت المباشرة، كيف تقرير هذه المسألة؟
لو أنَّ رجلا حفر بئرا في طريق الناس، فكان الآن متسببا لهلاكهم، أو لوقوع أحد فيها، فلو أن رجلا وقع فيها من غير أن يدفعه أحد، وجب الضمان على حافر البئر، ولو أنَّ رجلا وقف على هذه البئر فجاء من دفعه خطأ أو عمدًا، فإن الضمان إنما يجب على الدافع.
فإذا أتى الدافع وقال: ارجعوا إلى المتسبب في الحفر، نقوب: لا، أنت مقدم، أنت المباشر، والمباشر مقدم على المتسبب، فقالوا: هذه المسألة قريبة منها؛ لأنه قد وقع سبب الذي هو الاصطياد، ومباشرة الذي هو الغرق، فقد يكون الغرق مقدما، لأنه يحتمل أن يكون هو السبب الأخير في قتله وزهوق نفسه.
{قال: (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْباً إلَاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ»، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ)}.
هذا الحديث حديث جليل، وقد أورده المصنف -رحمه الله- في كتاب الأطعمة تعقيبًا له على ما ذكره من حديث أبي ثعلبة الخشني، ومن حديث عدي بن حاتم؛ لأنه قد يُعترض على ذلك فيقال: أليس إمساك الكلاب مذموما؟ فيقال: بلى، الأصل في إمساك الكلاب أنه مذموم، إلا إذا كانت هذه الكلاب كلاب صيد، فدلَّ ذلك على أن ما تصطاده حلال، إذا توفر فيه الشروط، وإلا لم يكن لاقتنائه معنى، ولم يكن لاستثنائه معنى.
ودلَّ هذا أيضًا -والله أعلم، وهذا معنى جليل- على أن الصيد من الطعام الذي يحبه الله -عز وجل-، ومما يدل عليه أن الله -عز وجل- قد رَخَّص في اقتناء الكلاب المذمومة لأجله، فدلَّ على أن الصيد طعام محمود، ولهذا جاءت فيه أحكام كثيرة تَجَوَّز فيها الشرع عن القواعد المقررة في الطعام، من أهمها الذكاة، فإن الله -عز وجل- قد سَوَّغَ صيد الكلاب المعلمة ولو لم تذكَ، بل جعل أخذها ذكاتها، ﴿فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ ، فدل ذلك على أن الصيد طعام فاضل، وأنه من أشرف الأطعمة، ولهذا ما كان النبي ﷺ يتورع عنه البتة، بل كان يحرص عليه، ولهذا قال لأبي قتادة: «فَهَل معَكُم من لَحمِهِ شيءٌ فتُطعِمونا» ، قالوا: والسبب في ذلك أنه حلال محض غير متملك لأحد، وإنما هو ملك لله -عز وجل- فهو كالماء الذي يُستقي من الآبار أو من الأنهار، فهو ليس ملكا لأحد، وكالاحتطاب الذي يحتطبه الإنسان، ولأجل ذلك ذكر بعض العلماء -رحمهم الله- أن أطيب الطعام هو الصيد، ومن أجل ذلك ذكره المصنف -رحمه الله- هنا في كتاب الأطعمة.
قال ها هنا: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْباً إلَاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»)، الأصل في الكلب أنه مذموم، وإنما علمنا ذلك بذم الله -عز وجل- له، حينما شبه العالم الراكن للدنيا بالكلب، قال تعالى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾ [الأعراف:178]، فهذا مثل سوء، وقال النبي ﷺ: «ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ، الذي يَعُودُ في هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ» ، وقد اجتمعت الفطر السليمة، والعوائد الصحيحة، على ذَمِّ الكلب، ولهذا غاية ما يشبه الإنسان به في الذم أن يوصف بذلك.
وقال العلماء -رحمهم الله- لو أن إنسانًا قال لرجل: يا صقر، أو يا فرس، أو يا خيل، أو يا فحل أو يا أسد، فهذه كلها حيوانات، ما كان عليه فيها تعذير، ولكنه إن قال له: يا كلب، كان عليه في ذلك التعزير، فدلَّ ذلك على أنَّ الفطرة الصحيحة متقرر فيها هذا، فإذا كان كذلك، فإن الفطر الصحيحة هي التي تأنف من مجالسته ومؤانسته! فكيف بمن يتخذه صديقا؟ ومن يقربه أكثر مما يقرب أولاده وأصدقاؤه؟ ومن ينفق عليه النفقة الباذخة وهو لا يقدم له شيئا؟ وإنما يتحول الكلب من كونه خادما إلى كونه مخدومًا، فهذا الانتكاس العظيم في الفطر، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [الحج:18].
الحقيقة إذا أراد الإنسان أن يعرف كيف يستولي الهوى على القلوب، فلينظر كيف انقلبت الفطر السليمة، والعوائد الصحيحة، عند كثير من الناس، فأصبحت تربية الكلاب عندهم نمطًا من الحياة، ورفعة ومستوى رفاهية، وهي من الحيوانات الذميمة التي ذمها الله -عز وجل-، وذمها رسول الله ﷺ، مع ما فيها من النجاسة في ألسنتها، في الولوغ، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» ، وهذا فيه دلال على نجاسة لعاب الكلب، ومع ما فيها أيضا من الأمراض والعدوى ونحو ذلك؛ لأنَّ قول النبي ﷺ: «فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»، يدل على تقرير هذا المعنى.
ومع ما فيها من الوعيد الشديد الوارد عن النبي ﷺ، لأنَّ الأصل في الكلاب أن تُبْعد، والأصل في الكلاب أن تبعد وأن تطرد، كما هو الأصل في أغلب الكلاب، أو أن تقتل كما هو الأصل في الكلب الأسود؛ لأنه قد جاء عن النبي ﷺ أنه أمر بقتل الكلب الأسود وقال: إنه شيطان ، وقد جاء عن النبي ﷺ في أول الأمر في المدينة أنه أمر بقتل الكلاب فقتلت، حتى قيل: أُفْنِيَتْ، فأمر النبي ﷺ بأن يقتصر على قتل الكلب الأسود، فدل ذلك على أنها مذمومة، وإنها مشابهة للخنازير، وأن من يربي الكلب كما يربي الخنزير، لا فرق بينهما، إلا أن الكلب قد رُخِّصَ فيه شيئا يسيرًا.
الشاهد: أنَّ من اقتناها قد اكتسب هذا الأمور الذميمة، ومنها: النقص العظيم في أجره، والحقيقة أنه بحسب الإنسان من الشر، ومن البلاء، ومن الذم، أن ينقص من أجره هذا الأجر العظيم، «فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»، وقد جاء تفسير القيراطين في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- في الجنائز، فما يدركه الإنسان من الصلاة في الجنازة، يضيعه في إمساك هذه الكلاب، أو لم يقل النبي ﷺ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، قيل: مَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ»، أو جاء مثل: «الجبل العظيم» من الأجر يفقده الإنسان في مثل هذه الأعمال المذمومة، والتي هي تربية الكلاب، ومن من هؤلاء الناس -خاصة من يربي هذه الكلاب، لأنَّ الأصل فيهم رقة الدين غالبا- مَنْ مِنْ هؤلاء سيحصل من الأجر اليومي ما يوازي القيراطين؟ الله أعلم، ربما لا يحصله إلا النذر اليسير، ومع ذلك فإنه يضيعه بإمساك هذه الكلاب.
لما نهى النبي ﷺ عن الكلاب وذمها وحذر منها، رخص فيها في ثلاثة أغراض:
الغرض الأول من الكلاب: هو كلب الصيد، لأنَّ الله -عز وجل- قد رخص فيه، ﴿وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ .
الغرض الثاني: كلب الماشية، وهو الكلب الذي يرعى الماشية، قالوا: لأنَّ للكلاب قدرة على حياطة الماشية وسياستها ليست غيرها، ولهذا إذا افتقد الراعي هذه الكلاب وكان معه قطيع من الغنم، خمسمائة أو أقل أو أكثر من ذلك يعجز عن أن يسوسها وتهلكه، ولكن هذه الكلاب لا تستطيع أن تسوسها وأن تحوطها وأن تحرسها من عدوان الذئب ونحوه، فهي تنفع الغنم في أكثر من وجه.
فإذا كلب الصيد، وكلب الماشية.
قال: (قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ»، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ) هذا قد صحت به السنة أيضا، كلب زرع قد جاءت فيه السنة، وكلب الحرث هو كلب الزرع، وهو الكلب الذي لا يكون على الماشية، وإنما يكون على الزرع، يحرسه من عدوان الحيوانات المعتدية.
على سبيل المثال: الغربان والخنازير -أكرمكم الله- أو الأرانب أو غيرها من الحيوانات البرية المتوحشة التي تعدو على الزرع.
إذًا رخص النبي ﷺ في هذه الكلاب الثلاثة؛ لأنها تقوم بأغراض حسنة، ومع ذلك فإن الترخيص لا يعني أن يخالطها الإنسان بنفسه، أو أن يجعلها تخالطه وتخالط أهله، يقال: الأصل أنها مذمومة، وأنها تكون في مكانها، أو في حظائرها الخاصة فيها، وأما أن تخالطك فلا، ولم تكن هذه هي عادة السلف الصالح رضوان الله -عز وجل- عليهم، ممن كان يمتهن الصيد أو الحرث والزراعة، فما كانوا يأذنون لهذه الكلاب أن تدخل في بيوتهم، وأن تكون مقربة منهم، وإنما تكون في أماكنها التي تستعمل فيها.
{أحسن الله إليكم.
قال: (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَماً، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ. فَقَالَ: «إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، إنَّا لاقُوا الْعَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً. أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ»)}.
هذا حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-، وهذا الحديث فيه جملة من المعاني، وجملة من الأحكام، والمسألة المهمة منه في كتاب الأطعمة هي مسألة العمل مع المتوحش من الحيوانات الأنسية، ما الذي يعمل معها؟ الأصل في الحيوان الإنسي، يعني: الأهلي، أنه يذبح شرعا، إمَّا بنحره أو ذبحه، هذا هو الأصل، ولكن إن عُجِزَ عن ذلك، بمعنى: أنه شَرَد وَنُدَّ فما الذي يصنع به؟
جاء فيه حديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه-، (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ)، و "ذو الحليفة" هي المعروفة، وهي: ميقات أهل المدينة، وهي أبيار عليٍّ، ولكن قالوا -والله أعلم-: قد يكون المقصود بها هنا موضعا آخر وليس هو الموضع المعروف في مدينة النبي ﷺ؛ لأنَّ تهامة هي جبال الحجاز التي تكون من جهة البحر، من ينبع ومتصلة إلى جدة، وأيضا تنزل حتى تمتد إلى اليمن ونحوها.
قال: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَماً)، أي: أصابوا غنيمة من الإبل والغنم، والأصل في الغنيمة أنه لا يحل أخذها قبل قسمها، وهذه المسألة أو هذا الجزء ينقل إلى كتاب الجهاد، فالأصل في الغنيمة أنه لا يحل أخذها أو أكلها قبل قسمها، إلا إذا كانت طعاما مما يَتلف، ولكن الإبل والغنم لا، الإبل والغنم لو أنها مذبوحة نقول: نعم، ولكن ما دام أنَّ الإبل والغنم غير مذبوحة، أو أصيبت وهي غير مذبوحة فلا، وهل كانت جل الغنائم التي غنمها النبي ﷺ من أعدائه إلا الإبل والغنم! أولم يغنم في حنين الغنم والإبل؟ فما سمح وما رخص النبي ﷺ للناس أن ينحروها وأن تأكل حتى تقسم؛ لأنَّ هذا نوع من الغلول في الغنيمة.
فإن كانت الأطعمة مما يتلف، أو مما لم تَجْرِ العادة بقسمه، كشيء من التمر والعسل وزبيب ونحو ذلك، فهذه قد رخص الشارع في أكلها.
قال: (وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ)، وهذه هي عادة النبي ﷺ، إنه كان يسوس أصحابه، والأصل في القائد أنه لا يتقدم أصحابه، وإنما يتأخر حتى يُقَوِّيَ ضعيفهم، ويحوطهم من ورائهم، هذا الأصل في القائد، ويشرف عليهم جميعا حتى يكونوا كلهم أمام نظره، ولهذا جاء في حديث أبي قتادة: فقد الناس رسول الله ﷺ، فقال بعضهم: إن رسول الله ﷺ قد سبقكم، وقال أبو بكر وعمر: إن رسول الله ﷺ لم يكن لِيُخَلِّفَكُم، فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا. فما يمكن للقائد أن يكون أمام قومه، وإنما يكون خلفهم، هذا في المسير، وكان هذا هو هدي النبي ﷺ.
قال: (فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ)، بسبب الجوع الشديد الذي كان فيهم، والإنسان إذا أصيب بالجوع يفقد أحيانا سيطرته، وقد يعمل أحيانا بعض الأعمال التي لا يلام عليها.
قال: (فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ)، يعني: أريق ما فيها، وقالوا: هذا فيه مشروعية التعزير بالمال، لأنَّ هذا مال شرعي، ومع ذلك عزرهم النبي ﷺ بأن أكفأ هذه القدور، ولا يقال: إنها غطست أو غطت، لا. بل أكفاء الإناء يعني: قلبه بما فيه.
قال: (ثُمَّ قَسَمَ) أي: أمر بالغنائم ﷺ فحيزت فقسم بينهم (فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ)، يعني: جعل كل بعير يوازي عشرة من الغنم، فمن أصابه بعير، يصيب غيره (عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ)، قالوا: وهذا هو الأصل في باب القسم في الجهاد أو في الغنائم، أن البعير بعشرة، وهو الأصل أيضا في باب الديات، "مائة من الإبل أو ألف من الغنم"، قالوا: ولكن الأصل في باب الهدي خلاف ذلك، فإن النبي ﷺ كما في حديث أبي الزبير عن جابر قال: فجعل البعير عن سبعة، مع أن الأصل أن هؤلاء السبعة يكون لهم سبع شياه، ولكن لو ذبحوا بعيرا واحدا واشتركوا فيه في الهدي لأجزأ عنهم، ولهذا لَمَّا سئل ابن عباس -رضي الله عنه- عن الهدي قال: "شاة أو شرك في دم" ما معنى الشرك في دم؟ البقرة أو البدنة، يجوز للسبعة أن يشتركوا فيها، وهذا في باب الحديث.
ومن نقل هذا الحكم من حكم الجهاد إلى حكم الهدي وقال: يجوز أيضا أن يشترك في الهدي العشرة بناء على أن هذه زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، يقال: هذا مردود، وهذه مسألة وحكم، وهذا هو الأصل.
قال: (فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ) هذه المسألة متعلقة بكتاب الأطعمة، ونَدَّ منها بعير بمعنى: هرب منها بعير، والنَّاد من الشيء هو الخارج منه، والشارد منه، قال: (فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ)، وطلبوه يعني: سعوا خلفه، فأعياهم، كما قال أنس -رضي الله عنه- في الأرنب "فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا"، وهنا: فسعى القوم فأعياهم.
قال: (وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ)، يعني: ربما لو كانت الخيل كثيرة لاستطاعوا إدراكه، ولكن الخيل يسيرة، وربما كانوا منشغلين بها ونحو ذلك فما أدركوه.
قال: (فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ)، يعني: رماه، أو تعامل معه هذا الرجل كما يتعامل مع الصيد، رماه بالسهم، قال: (فَحَبَسَهُ اللَّهُ) بمعنى: أنه سقط.
فقال النبي ﷺ: («إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ») الآبد من الشيء هو النافر منه، فأوابد من البهائم، يعني: نوافر، («إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ») يعني: كالنوافر من الوحش، لأنَّ الأصل أن هذه البهائم متوحشة، ولكن الله -عز وجل- لينها للخلق، وجعلها تحت أيديهم، حتى أصبح الطفل الصغير يقود البعير العظيم، وإلا ما الذي يميز الفهد -على سبيل المثال- الذي هو أقل حجما من الإبل والبعير حتى يكون حيوانا متوحشا ومفترسا، ويجعل هذا الحيوان حيوانا مستأنسا، إلَّا رحمة الله -عز وجل- وفضله!
ولكن هذه الحيوانات لا يزال فيها النفرة، أوابد كأوابد الوحش، أي: متوحشة.
قال: («فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا»)، إذًا يقال: إن الأصل في الحيوان المقدور عليه أنه لا يجوز فيه إلا ذبحه، فإذا لم يكن مقدورا عليه استحال إلى كونه صيدا، لأنَّنا قلنا: إن الصيد هو أخذ الحيوان الحلال غير المقدور عليه، فهذا حيوان وحلال أيضًا، ولكنه غير مقدور عليه، وكونه كان إنسيًا ما يُقدم وما يؤخر ما دام أنه قد توحش، فيجوز رميه، ويجوز حبسه بالسهم، وكيفما رماه جاز.
ولهذا جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه مر بقوم قد سقطت منهم ناقة في بئر، فما استطاعوا أن ينحرونها، فأمرهم ابن عباس -رضي الله عنه- أن يطعنونها في مكان من جسدها ثم يأكلونها، لماذا؟ لأنه ما يستطيع أن يصل إلى الرقبة فينحرها، فعملها -رضي الله عنه- كمعاملة الأوابد من الوحش، وفيه حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء الدارمي، وهو حديث مشهور، وقد اختلف فيه العلماء.
قال: (إنَّا لاقُوا الْعَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً. أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟) والمدي هي: السكين، والأصل في السكين أنه من حديد.
(أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟) يعني: نأخذ القصب السكر ونحوه، ونذبح به، نحده ثم نذبح به، فقال النبي ﷺ، وقد أعطى قاعدة عامة، لأنه لا يشترط أن يكون الذبح بالسكين فحسب، بل («مَا أَنْهَرَ الدَّمَ»)، يعني: سفكه وأخرجه، وجعله كالنهر خارجا، («مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ»)، ويدل عليه حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- في الجارية التي كانت ترعى فرأت بشاة موتى، فكسرت حجارة وذبحتها، فجاء بها كعب -رضي الله عنه- إلى النبي ﷺ، فرخص فيها ﷺ، فدل على أن («مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ»).
قال: («لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ») يعني: كلوا هذه الذبائح بأي شيء ذبحتموه، إلا إذا كانت هذه الآلة إمَّا سِنَّا أو ظُفرًا. لماذا؟
قال: («أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ») ولم يرخص في الذبح بالعظم، لماذا؟ قالوا: لأنه طعام الجن، فلا يرخص به، وهذا هو الصحيح من المذهب، وبناء عليه فإذا لم يرخص في الذبح بالسن، فإنه لا يرخص من باب أولى الذبح بالعظم، فلو وجد إنسان عظمًا وحَدَّهُ كما يصنع بعض الناس، نجد بعض الناس يأخذون بعض العظام فيحدونها ثم يذبحون بها. نقول: هذا محرم؛ لأنه إذا كان النبي ﷺ حرم السن وعلله بأنه عظم، فكيف الذبح بالعظم من باب أولى؟ هذا أمر.
قال: («أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ») الأصل أن العرب والحبشة كانوا أحيانا يطيلون أظفارهم، ونراها الآن في بعض السيادة والرحالين وغيرهم، أنه قد يطل الإبهام من أظفاره، فإذا سئل عن ذلك قال: ربما ذبحت الصيد فكان فيه حياة، فلم يكن معي يا مدى أو سكينًا فأذبحه بالظفر، نقول: والعياذ بالله هذا محرم. وما يجوز، لماذا؟ لأن النبي ﷺ قد حرمه، وقال: («وَأَمَّا الظُّفْرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ») يعني: سكين الحبشة، فنهى النبي ﷺ عن مشابهتهم في هذا الذبح.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (بَابُ الأَضَاحِيّ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا».
الأَمْلَح: الأَغبَرُ، وهو الذي فيهِ سوادٌ وبياضٌ)}.
الأصل في الأضحية أنها الذبيحة التي يحظى بها، وإنما سميت أضحية؛ لأنها تكون عامة في وقت الضحى، ولهذا اختلفوا في ذبح الذبيحة في الليل. لماذا؟ قالوا: لأن لفظ الأضحية إنما يكون في الضحى، فإذا لم يكن في الضحى فعلى الأقل ليكن في النهار، ولا يكون في الليل، وهذه رواية في مذهب الإمام أحمد- رحمه الله- في النهي عن الذبح ليلا.
قال: (بَابُ الأَضَاحِيّ) وهو ما يضحى به، والأصل في الذبح أنه إما أن يكون عبادة، وإما أن يكون عادة، فذبح العادة نحو إكرام الضيف ونحوه. وأما ذبح العبادة فأنواع، فمنه الهدي، الذي يهدى إلى البيت الحرام، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ ، ومنه العقيقة، ومنه الفدية، والفدية داخلة في الهدي، ومنه الأضحية، فهذه أربع ذبائح من ذبائح العبادة.
والعلماء -رحمهم الله- كلهم متفقون على مشروعية الأضحية، وعلى أنها إما أن تكون سنة مؤكدة، وإما أن تكون واجبة، ولكن المشهور من المذهب أنها سنة مؤكدة، وقد ثبت مشروعيتها بقول الله -عز وجل-: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ ، وقول الله -عز وجل-: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ ، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ ، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، وما ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: «ضَحَّى النبيُّ ﷺ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا»، والأملح، قالوا: هو المشوب بالبياض والسواد، وقالوا: يغلب عليه البياض، ويكون السواد في بعض أجزائه، وأشبه ما يكون هذا الأملح بما يسمى الآن عندنا بالنعيمي أو نحوه، وقد يشابهه أيضا النجدي من وجه.
قال: «أقْرَنَيْنِ» هذا أيضًا من السنن المشروعة في الضحايا، وهي أن تكون لها قرون، وأن يكون كبشًا، والكبش هو الذكر، وليس الأنثى.
قال: «ذَبَحَهُما بيَدِهِ»، هذا أيضا من السن المشروعة، وهو أن يباشر الإنسان الذبح بيده، وقد كان على هذا هدي السلف -رحمهم الله-.
قال: «وسَمَّى» يعني: سمى الله -عز وجل- أيضا هذا من السنن، «وكَبَّرَ»، أي قال: بسم الله والله أكبر.
قال: «ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا»، والصفاح هي الرؤوس، فرأس الإنسان تسمى صفحته، وصفحة الخد هي رأسه، فهذه من السنن الواردة عن النبي ﷺ في الأضاحي.
ولعلنا نكتفي بذلك -إن شاء الله عز وجل-، ونكمل في المجلس القادم، والله -تبارك وتعالى- أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
{أحسن الله إليكم، وشكر لكم، وشكر الله لكم على حسن الاستماع، وإلى لقاء آخر بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.