الدرس السادس عشر

فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن عبدالكريم السلوم

إحصائية السلسلة

10258 21
الدرس السادس عشر

عمدة الأحكام 4

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) التابع لجمعية هداة، والذي نشرح فيه كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله-، ويشرحه فضيلة الشيخ/ الدكتور إبراهيم بن عبد الكريم السلوم.
حياكم الله شيخنا}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا وإياهم العلم النافع، والعمل الصالح، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
{أمين، نستأذنكم في البدء}.
نعم، استعن بالله تعالى.
{قال -رحمه الله تعالى-: (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أَنْفَجْنَا أرْنَبًا بمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى القَوْمُ، فَلَغَبُوا فأدْرَكْتُهَا، فأخَذْتُهَا، فأتَيْتُ بهَا أبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا وبَعَثَ بهَا إلى رَسولِ اللَّهِ بوَرِكِهَا أوْ فَخِذَيْهَا -قَالَ: فَخِذَيْهَا، لا شَكَّ فيه- فَقَبِلَهُ، قُلتُ: وأَكَلَ منه؟ قَالَ: وأَكَلَ منه، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ)}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد، فقد شرع المصنف -رحمه الله- بعد أن قَدَّم بحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- في بيان بعض الأطعمة التي جاء الشرع بحليتها أو بحرمتها، وإنما ذكر في ذلك من الأطعمة ما قد يقع فيه الاختلاف، أو قد يقع فيه اللبس والشبهة، فذكر مثلا في ذلك حديث الأرنب، وهو ما رواه أنس -رضي الله عنه- قال: (أَنْفَجْنَا أرْنَبًا بمَرِّ الظَّهْرَانِ)، وتنفيج الأرانب يعني: استثارتها، و (مَرّ الظَّهْرَانِ) هذا موضع كان بين مكة، وقد كان الصحابة في أسفارهم مع النبي يصطادون، كما كان حال أبي قتادة -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة، والأصل في الصيد أنه طعام حلال، ودلَّ ذلك على جواز الصيد، ودل ذلك على أنه من الأطعمة المحلة، بل قد قال جماعة من العلماء -رحمهم الله-: إنه من أطيب الكسب؛ لأن الصيد لا مالك له.
والأصل ألا يصيد الإنسان إلا قدر حاجته وحاجة رفقته وأهله، وألا يجاوز ذلك، فإن جاوز ذلك كان من البغي والسرف الذي يسأله الله -عز وجل- عنه، ودل ذلك على أنَّ الأصل في الأطعمة الحل، قال الله -عز وجل-: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة:29]، والأصل في الطعام والشراب هو الحل، وهذه من المسائل التي قد كان من الأولى أن نقدم بها في المقدمة.
فالأصل في الطعام والشراب هو الحل، والأصل مثلا في الأنكحة أو في الأبضاع هو الحرمة، فإن الأصل ها هنا في الطعام والشراب هو حليته، وبناء عليه ذكر حديث الصيد ها هنا.
قال: (أَنْفَجْنَا أرْنَبًا بمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى القَوْمُ، فَلَغَبُوا فأدْرَكْتُهَا) يعني: يعدون وراءها، وقوله: (فَلَغَبُوا) يعني: تعبوا. قال: (فأدْرَكْتُهَا فأخَذْتُهَا) وفي هذا دلالة على قوة ونشاط أنس -رضي الله عنه- وعلى سرعته، فمن يسابق الأرنب يكون سريعا بلا شك.
قال: (فأخذتها فأتَيْتُ بهَا أبَا طَلْحَةَ)؛ لأن أبا طلحة قد كان زوج أمه، وكان في مقام أبيه، وقد كان في ذلك الوقت قد قارب الاحتلام أو جاوزه.
فجاء بها أنس -رضي الله عنه- إلى أبي طلحة -رضي الله عنه- فذبحها، ودل ذلك على أن الحكم متقرر عند أبي طلحة -رضي الله عنه-؛ لأنه ما أتى يسأل النبي هل الأرنب جائز صيده وأكله أو لا؟ بل قد ذبحها، فدل على أن الحكم قد تقرر عنده، وهو جوازها.
طيب من أين تقرر عنده؟ تقرر عنده -والله أعلم- إما من عمومات النصوص، وهو أن الأصل في الأطعمة الحل؛ لأن الله -عز وجل- قد قال في كتابه: ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام:145]. هذا هو الأصل.
فالأصل أن المحرمات هي ما جاء في هذه الآية، وما زاده عليها رسول الله مما سترد به السنة، ومن أشهر ما زاده تحريم لحوم الحمر الأهلية، وكل ما سوى ذلك، فالأصل فيه الحل، وهذا هو ما فهمه أبو طلحة -رضي الله عنه- لأنَّ أبا طلحة -رضي الله عنه- من العرب.
ويضاف على ذلك -والله أعلم- أن يقال: -وهذا مما يستدل به- أن الأصل أن ما تعارف عامة العرب على أنه من طعامهم، فإنه يدل على أنه من الطيبات؛ لأنهم لا يمكن أن يتفقوا جميعا على استباحة طعام واحد، ويكون هذا الطعام خبيثًا، ولهذا ما عهد عن العرب أكل لحم الخنزير، ولا عهد عنهم جميعا أكل الدم، وإنما عرف عنهم أو عن غالبهم الخمر، وقد ذكر الله تعالى فيها ما ذكر، قال: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ [البقرة:219].
وقالوا: إن طعامها مما كان فيه منافع للناس لأن طعمها كان مستلذا، وكانت أحيانا تهضم الطعام، كانوا يستخدمونها مثل ما يستخدم الناس الآن البيرة، ولهذا قال عمر -رضي الله عنه- "إِنَّا نَأْكُلُ لُحُومَ هَذِهِ الْإِبِلِ وَلَيْسَ يُقَطِّعُهُ فِي بُطُونِنَا إِلَّا النَّبِيذُ"، فكان من الأمور التي تجعلهم أحيانا يشربون الخمر في الزمان الأول هي موضوع هضم الطعام، فدل ذلك على أن موضوع الخمر موضوع جانبي لا يصح الاستدلال به على ما ذكرناه وقررناه.
إذًا الأصل أن ما استطابه عامة العرب فالأصل فيه أنه طيب، ما لم يرد نص بخلافه، والعرب كانت تستطيب الأرنب، وتعده من خير طعامهم، وهذا الحديث من الأحاديث الدالة على حلية الأرنب.
إذا قلنا: إن أبا طلحة -رضي الله عنه- استدل -والله أعلم- بعموم الآية، واستدل بفعل العرب، وزاد على ذلك بأنه ذبحها، (وبَعَثَ بهَا إلى رَسولِ اللَّهِ بوَرِكِهَا أوْ فَخِذَيْهَا فَقَبِلَهُ)، وقبوله يدل على الحلية بلا شك، لأنه لو لم تحل ما قبلها النبي ولا يجامل فيه، وانظر إلى النبي لَمَّا أهدى إليه الصعب بن جثامة الحمار الوحشي، قال: «فَرَدَّهُ عليه، فَلَمَّا رَأَى ما في وجْهِهِ قالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أنَّا حُرُمٌ» ، فدل ذلك على ما قررناه، وهو أنَّ قبول النبي للشيء يدل على حليته، ومما يدل عليه أبو قتادة، فإنه لَمَّا أعطى النبي شيئا من الصيد، فقبله النبي وأكل منه، فاستدلوا بذلك على حليته، وعلى أن فعل النبي عام للأمة؛ لأنه لم يرد في خصائص النبي في الطعام والشراب شيء، أي لم يرد شيء في الطعام والشراب يختص بالنبي ، بل الأصل أن الأمة تأتسي به في كل شيء.
وجماهير العلماء -رحمهم الله- على حلية الأرنب، بينما الرافضة يقولون بحرمته، ويرون أنه حشرة من الحشرات، وهذا مثبت عندهم، ومن الدوافع التي تدفعهم إلى القول بحرمة الأرنب أنهم يقولون: إن الأرنب يحيض، وهذا صحيح فالأنثى من الأرنب تحيض، ولكن هذا ليس دافعا لتحريمه.
ومنها أن النبي قد كان يقبل الهدية، حتى ولو كانت هدية قليلة، فورك الأرنب أو فخذيها شي يسير، ولكن النبي قبله، والصحابة -رضوان الله عليهم يقولون: أطيب ما في الأرنب هو الفخذين، فأهداهما له أبو طلحة -رضي الله عنه-، ولم ينس أهله من أن يطعمهم منها؛ لأنه قد يكون لهم فيها، فهم الذين طبخوها، والإنسان يشتهيها، ولكن خص أبو طلحة النبي بالجزء الأحسن منها، وأكل ما سوى ذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ»)}.
حديث أسماء -رضي الله عنها- دال على جواز أكل لحم الخيل، وإنه يجوز نحر الخيل لأكلها، لأن بعض العلماء -رحمهم الله- كره نحر الخيل، لماذا لأنَّ الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، ونحرها هو إذهاب لها، وتتابع الناس على أكلها مما يذهبها أو يقللها، فيقال: الأصل في ذلك أن يقال: إنما ينحر من الخيل ما يحتاج إلى نحره، فقد يكون الخيل مريضًا، أو قد يكون كبيرًا، أو قد يكون غير جيد في الحرب ولا في القتال ولا في الفروسية، فيكون نحره خيرًا لأهله.
قالت أسماء -رضي الله عنه-ا-: («نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ») ومذهب الأئمة الثلاثة، جواز أكل لحوم الخيل، وقد ذهب أبو حنيفة إلى خلاف ذلك خلافا عجيبا، فإنه قال بتحريم لحوم الخيل، وجواز لحوم الحمر، ووجه المسألة في ذلك عنده أنه يرى أن حرمة الخيل إنما هو راجع لفضلها، يقول: ما دام أنها شريفة وفاضلة، وأنها معدة للجهاد، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، فلا تنحر حتى لا تذهب، وليس كما يظن بعض الناس أنه إنما كان ذلك لعدم جودتها ورداءتها ونجاستها ونحو ذلك.
إذًا الأصل هو جواز لحوم الخيل كما قررناه سابقا، وقد قيل: من الأدلة التي استدل بها أبو حنيفة -رحمه الله- على الحرمة، قول الله -عز وجل-: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:8]. قال: وما ذكر فيها الطعام، بل وقرنها بما يحرم أكله من البغال والحمير؛ فدل ذلك على حرمتها، وعلى أنه إنما يقتصر فيها على الركوب دون غيره.
والحقيقة أن هذا القول مرجوح؛ لأنَّ الدلالة فيه بالإشارة، ودلالة الإشارة ضعيفة، بينما حديث أسماء -رضي الله عنها- الدليل فيه صريح وظاهر في أنَّ النبي قد اطلع -والله أعلم- على هذا العمل، وأقرهم عليه، وهذا من الإقرار، بل هذا من أبلغ أحاديث الإقرار.
هم يستدلون مثلا في حديث الإقرار بحديث العزل، «كُنَّا نَعْزِلُ وَالقُرآنَ يَنْزِلُ، لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه النبي » . ولكن يقال: العزل قد جاءت فيه أحاديث كثيرة في جوازه، ولكن أكل لحوم الخيل أصح وأشهر ما ورد فيه هو حديث أسماء، وليس فيه أنَّ النبي قد اطلع عليه، وقد استدل به العلماء -رحمهم الله- على أنه من باب الإقرار، فدل ذلك على أن ما فُعل في عهد النبي مما يمكن اطلاعه عليه فلم ينكره، أن ذلك يكون دليلا شرعيا.
ولهذا قال: (وَفِي رِوَايَةٍ: «وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ») يعني: بالإمكان أن يطلع النبي على ذلك.
إذًا الأصل في أكل لحوم الخيل أنها جائزة، ولكن كما ذكرنا أنه إنما يُسوغ أكلها إذا لم يحتج إليها، فأما إن كان يحتاج إليها في الجهاد وغيره، فيقال: لا، والأصل في ذلك أن يجتنب أكلها، ولكن لا يصح أيضا تحريمها، ولكن يقال: الأحسن في ذلك أن تجتنب.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ».
وَلِمُسْلِمٍ وَحْدَهُ قَالَ: «أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ، وَنَهَى النَّبِيُّ عَنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ»)}.
هذا حديث جابر -رضي الله عنه- في لحوم الحمر الأهلية، ولحوم الحمر الأهلية محرمة على قول جماهير العلماء -رحمهم الله-، وهي مستثناة من قول الله -عز وجل-: ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام:145]؛ لأن الله -عز وجل- ما ذكر في هذه الآية لحوم الحمر، وجاءت السنة بذلك في حديث جابر بن عبد الله، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى، وفي حديث علي -رضي الله عنه-، وفي حديث أنس -رضي الله عنه- وغير ما واحد من الصحابة -رضي الله عنه-م-، بل قد يقال: إن تحريم الحمر الأهلية أنه من الأحكام التي قد تواترت فيها الأحاديث عن النبي .
والصحيح في علة النهي عنها هي قول النبي : «فَإِنَّهَا رِجْسٌ»، كما جاء في حديث أبي طلحة، وحديث أنس -رضي الله عنه-، وهو ما ذهب إليه بعض العلماء من أن هذه الحمر التي نهى النبي كانت حمرًا جلالة، وهذا هو قول الحنفية، فالحنفية لَمَّا أورد عليهم العلماء النصوص والأحاديث الكثيرة في لحوم الحمر الأهلية تخلصوا منها بأن قالوا: إنه قد جاء في حديث ابن عباس وغيره أنَّ هذه الحمر كانت جلالة، يعني: تأكل العذرة، فحرمها النبي لأجل ذلك، فيقال: لا، النبي ما حرمها لأجل ذلك، بل قال: «إنَّ اللَّهَ وَرَسوله يَنْهَيَانِكُمْ عن لُحُومِ الحُمُرِ، فإنَّهَا رِجْسٌ، أَوْ نَجِسٌ»، ولم يقل: عن لحوم هذه الحمر وأشار إليها وعينها، وإنما عمم ذلك وقال: «فَإِنَّهَا رِجْسٌ» فدل ذلك على أنَّ العلة ليست كونها تأكل الجلالة؛ لأن ما يأكل العذرة يقال فيه: إنه يستطاب بضعة أيام، فإذا طاب لحمه جاز أكله، كما قالوا مثلا في الدجاج: إنها تحبس ثلاثة أيام، وتطعم الطعام الطيب، وفي الغنم أنها تحبس سبعة أيام، ثم تؤكل بعد ذلك، وهذا في الجلالة، أي: التي تأكل العذرة.
إذا الصحيح في هذا أن لحوم الحمر الأهلية محرمة، وهذا بخلاف لحوم الحمر الوحشية؛ لأنه قد جاء فيها حديثان، حديث الصعب بن جثامة، «أنَّهُ أهْدَى لِرَسولِ اللَّهِ حِمَارًا وحْشِيًّا، وهو بالأبْوَاء» ، وحديث أبي قتادة، وفيه أنه اصطاد حمارًا وحشيًا.
والحمير الوحشية على الصحيح هي الحمير المخططة، وقد كانت موجودة في الزمن الأول في الجزيرة العربية، وما يعترض إنسان بأن يقول: إن هذه الحمر لا وجود لها الآن، نقول: لا وجود لها؛ لأن الناس قد أفنوها، ولكنها في الزمن الأول كانت موجودة، وهذا هو الصحيح في تعيين الحمر الوحشية، خلافا لمن قال: إن الحمر الوحشية هي ما متوحش من الحمير. نقول: لا. بل ما توحش من الحمير الأهلية، يبقى حمار أهليا، كما أن ما تأنس من الحمير الوحشية، يبقى أيضا حمارا وحشيا؛ لأنَّ العبرة ليس بالتأهيل أو التأنيس، وإنما العبرة بالجنس.
{أحسن الله إليكم.
قال: (عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وقَعْنَا في الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتِ القُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسولِ اللَّهِ أَكْفِئُوا القُدُورَ، فلا تَطْعَمُوا مِن لُحُومِ الحُمُرِ شيئًا)}.
هذا حديث عبد الله بن أبي أوفى، وفيه بيان الواقع الذي حرم فيها رسول الله الحمار الوحشي، وقد جاء هذا المعنى من حديث عليٍّ -رضي الله عنه- فإنَّ عليًّا قال لابن عباس، وقد كان ابن عباس يرى جواز لحوم الحمر، وهو الذي لَمَّا سئل قال: إنما نهى النبي عنها من أجل الجلالة، فتعلق بقوله الحنفية. فقال له علي: إنك رجل تائه، إنَّ النبي قد حرم الحمر الأهلية يوم خيبر، وقد جاء فيها حديث عبد الله بن أبي أوفى، وجاء فيها أيضا حديث أنس -رضي الله عنه- عن أبي طلحة، وفيه: "لَمَّا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وقَعْنَا في الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتِ القُدُور"، وهو مقارب لحديث عبد الله بن أبي الوفاء، (فَلَمَّا غَلَتِ القُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسولِ اللَّهِ أَكْفِئُوا القُدُورَ) وربما قالوا: لا تأكلون من لحوم الحمر الأهلية شيئا.
وفي حديث أنس عن أبي قتادة «إنَّ اللَّهَ وَرَسوله يَنْهَيَانِكُمْ عن لُحُومِ الحُمُرِ، فإنَّهَا رِجْسٌ» .
فاكفئت القدور بما فيها، وجعل النبي يُتَرِّبها، يعني: أُتلف هذا الطعام، وليس فيه بأس أن يطعم للكلاب وغيره، ولكن لا يأكل منه مسلم.
إذًا دل ذلك على ما قررناه سابقا، وهذا نص صريح في تحريم الحمر الأهلية لخبثها، وأنها إنما يقتصر في الحمير الأهلية على الركوب والزينة، ودلالة الغنم ونحو ذلك مما رخص الله -عز وجل- فيه، وأما بولها وروثها فإنه خلاف بين العلماء، ومذهب الإمام أحمد أنه نجس كسائر الحيوانات، قالوا: لأن لحمها لا يؤكل.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ»)}.
هذا حديث أبي ثعلبة -رضي الله عنه-، وهو مطابق لحديث ابن أبي أوفى السابق، وحديث جابر -رضي الله عنه-، ولعل المصنف -رحمه الله- ذكر حديث أبي ثعلبة؛ لأن أبا ثعلبة يعد مرجعا في أحكام الصيد وفي أحكام الأطعمة، فإنه قد جاء في روايته جملة كثيرة من أحكام الصيد ومن أحكام الطعام، وقد كان هو من أكثر الصحابة الذين سألوا النبي عن الصيد وعن الطعام، فذكره المصنف -رحمه الله- لتقرير أن هذا الحكم حكما متأخرا؛ لأنَّ أبا ثعلبة قد كان ممن تأخر إسلامه.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ»، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَالنَّبِيُّ يَنْظُرُ}.
ساق المصنف -رحمه الله- أيضا هذا الحديث لبيان حكم أكل الضب، وإنما ساقه -رحمه الله- لأن حكم الضب قد وقع فيه خلاف قديم، ولهذا أشكل على الصحابة -رضي الله عنهم- فلم يعرفوا بيان الحكم فيه، هل هو مما أحله الله -عز وجل- أو مما حرمه؟ فذكر فيه حديث ابن عباس -رضي الله عنه-، وهو حديث فيصل في هذه المسألة؛ لأن النبي قد جاء في بعض الأحاديث كما في صحيح مسلم سئل عنه؟ فقال: «لا أطعمه»، ونقل عن ابن عباس أن النبي قال: «لا آكُلُهُ، وَلَا أُحَرِّمُهُ» فقال: إنه ما بعث الله -عز وجل- نبي إلا محللا أو محرما، ثم ساق هذا الحديث، وهو حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْتَ مَيْمُونَةَ) وقد كانت ميمونة خالتهما جميعا، فهي خالة خالد بن الوليد وخالة ابن عباس -رضي الله عنهما-.
قال: (دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ) وقد كانوا يظنون أن حال النبي كحالهم، فإن كثيرا من الناس يتشهون الضب ويحبذونه، فحنذوه للنبي ، والحنيذ هو المشوي على الحجارة، وفيه الآية ﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ يعني: المشوي على الحجارة، يقولون: إنه يكون أطيب ما يكون من الطعام.
قال: (فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ)، أي: يريد أن يأكل، ولم يكن يعلم أنَّ هذا ضب، والظاهر -والله أعلم- أنه لم يكن كاملا، وإنما كان مقطعا؛ لأنه لو كان كاملا ما خفي على النبي .
(فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ)، وفيه معنى جليل، وهو أن يقال: إن الأصل في الإنسان إذا كان في بيته أو في بيت من يثق فيه أن يأكل ولا يسأل؛ لأنَّ النبي (أهوى)، وإنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل؛ لأن بعض الناس مثلا قد يكره نوعا ما من الأطعمة، ويكون عنده انطباع نفسي عن هذا الطعام، فربما كان موضوعا أمامه فإذا أكله وذاقه من غير أن يستشعر هذا المعنى استحسنه، كما يصنع كثير من الناس مثلا مع لحم البقر، فإنَّ كثيرا من العرب يتكره لحم البقر ولا يريده، وربما لو وضع بين يديه ما فرق بينه وبين غيره، فإذا قيل له: إنه لحم بقر؛ كَفَّ يده عنه.
فيقال: الأصل في الإنسان إنه إذا دخل في داره أو قُدِّمَ له طعام، أو ذهب إلى دار من يحبه، ألا يسأل عن الطعام، وهذا هو الأصل أيضا في الطعام الذي يؤكل في بلاد المسلمين عامة، ألا يسأل الإنسان عما قدم له من الطعام.
قال: (أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ) هذه المرأة يبدو -والله أعلم- أنها كانت فقيهة، أو كان عندها معرفة برغبات النبي ، وبما يحبه وما يكرهه، ولعلها -والله أعلم- كانت من أهل بيته، يعني: من نسائه، فَأُخْبِرَ النبي ، وقيل له: يا رسول الله إنه ضب.
(فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) القائل هو خالد بن الوليد؛ لأنَّ ابن عباس إنما رواه عن خالد.
(قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ») وهذا التكره من النبي كان تكره طبعيًا، أي أنَّ النبي كرهه طبعًا ولم يكرهه شرعًا، فدلَّ ذلك على أنه ليس كل ما يكره طبعا يكره شرعا، ودل ذلك -والله أعلم- على أن الأصل هو ما ذكرناه سابقا، وهو العمل بعامة فعل العرب، أن بعض العرب قد يكره بعض الأشياء ولا يحبها، فلا تكون دليلا على الكل، ولكن العبرة إنما هي بالأغلب.
إذًا قال النبي : («وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ»)، وهنا مسألة مهمة أيضا تتعلق بذوق الإنسان، وهو أن الإنسان على ما نشأ عليه، أعني أن الإنسان على ما يُطعم، فالإنسان لَمَّا تكون حياته كلها على نوع واحد من الطعام مثلا تجده ما يستسيغ غيره أبدا؛ لأن ذوقه وحياته وجسمه قد مشى عليه، فما يعرف غيره.
ولهذا ينبغي أن يكسر هذا الحاجز سريعا في أنفس الأطفال؛ لأننا نجد مثلا أنَّ كثيرا من الأطفال يقول: ما لا أحب اللحم، لا أحب الدجاج، لا أحب السمك. فيقال: لا، وأصل في ذلك أنَّ الإنسان لا يكون متكره لشيء، وإذا تكره يكون بقدر، فإنه لا يعرف أن النبي قد تكره طعامًا إلا أشياء يسيرة جدا، ومنها هذا الضب، ولكن بقية الأطعمة قد ثبت عن النبي أنه كان يأكل الأرنب، ويأكل الحمار الوحشي، فضلا عن الإبل والبقر والغنم والدجاج. والطير، فإن هذه كلها قد أكلها النبي .
لَمَّا يقول: قد ضحى النبي عن أزواجه بالبقر، فكان يطعمهم ويطعم معهم .
إذًا الأصل أن يُربي الإنسان له على أن يأكل كل ما تيسر، وما يقتصر على نوع واحد من الطعام، حتى إذا بلغ الواحد منهم سنًا معينة أصبح ينكر ما سواه من الطعام، وربما شق ذلك على مخالطه، فتجد الزوجة تشق على زوجها إذا تزوجت، والزوج يشق على زوجته، وعلى أبنائه من بعده.
إذا كما ذكرنا أن للنشأة أثر كبير في انطباع الإنسان.
قال: («وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ») ودل ذلك -والله أعلم- على أن ما يعافه الإنسان لا يُفرض عليه، ويقال للإنسان: ما تُكره نفسك أو تجبر نفسك على شيء أنت تعافه، بل ما أحببته فكله، وما لم تحبه فاتركه ولا تنتقده، لأن النبي لم ينتقده، ولم يعبه، بل «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ طَعَامًا قَطُّ» .
(قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَالنَّبِيُّ يَنْظُرُ) ودل ذلك على أن الذب حلال مباح أكله، وكان هذا من آخر الأحاديث عن رسول الله . من أين أخذنا ذلك؟ نقول: من جهة زواجه بميمونة، فإن زواجه بميمونة إنما كان في عمرة القضية، أي: في السنة السابعة، ومن جهة وجود خالد -رضي الله عنه-، فإنه إنما أسلم في السنة السابعة، أي: قبيل فتح مكة، ومن جهة ابن عباس، فإن ابن عباس إنما لَحِق بالنبي بعد فتح مكة، فدل ذلك على أن الحال إنما كان بعد فتح مكة، فكان متأخرا.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَأْكُلُ الْجَرَادَ»)}.
هذا أيضا من الأحاديث التي ذكرها المصنف -رحمه الله- للدلالة على حلية أكل الجراد، والأصل في الجراد أنه داخل في عموم قول الله -عز وجل-: ﴿قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام:145]. فلو لم يرد عليه دليل من الشرع لكان في عموم الآية، دلالة عليها؛ لأنها ما هناك شيء يخرجه منها، ولكن بعض الناس قد يستقذره أو يعافه، فأورد المصنف -رحمه الله- حديث ابن أبي أوفى، وهو قوله: («غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَأْكُلُ الْجَرَادَ»)، وفي بعض الروايات: «ما لنا طعام إلا الجراد»، وكذلك حديث «أحلَّت لَكُم ميتتانِ ودَمانِ، فأمَّا الميتَتانِ، فالحوتُ والجرادُ، وأمَّا الدَّمانِ، فالكبِدُ والطِّحالُ» ، فدل ذلك على أن الجراد يجوز أكله ولو لم ينحر، يعني مثلا: لو وضع في كيس فمات جاز أكله، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يأكلونه ويحبونه، وورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يحبه ويأكله، وكانوا يضعون فيه الفدية؛ لأنه نوع من الصيد، فلو وطئ إنسان جرادة كان عليه فيها فدية، والفدية هذه مختلف فيها، ولكن الأشهر فيها أنها تمرة أو ما يقاربها أو قبضة الطعام، على قول أنَّ عمر -رضي الله عنه- وطئ جرادة فسأل عنها كعب الأحبار فقال: فيها تمرة، فقال: والله تمرة خير من جرادة، أي أنَّ التمرة أطيب من الجرادة، ولكنه أخرجها -رضي الله عنه-.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ زَهْدَمِ بْنِ مُضَرِّبٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَدَعَا بِمَائِدَةٍ، وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ، شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي فَقَالَ: هَلُمَّ فَتَلَكَّأَ فَقَالَ: هَلُمَّ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَأْكُلُ مِنْهُ)}.
هذا الحديث هو أصح حديث جاء في أكل الدجاج، وفيه أن النبي قد أكله، لأنه قد جاءت أحاديث عن النبي كما في حديث أم هاني وغيرها، عند ابن ماجه، أن النبي قال في الدجاجة: «إِنَّهَا طَعَامُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي»، وهذا الحديث وإن كان فيه نظر، لكن له ما يؤيده، فإنَّ عامة أكل الناس الآن إنما هو الدجاج، والآن كلما طال الزمان كلما ثقل على الإنسان اللحم، ولم يعد قادرًا على شرائه، تجد الناس الآن قد يمر عليهم الأسبوع والأسبوعان والثلاثة ما يستطيعون شراء اللحم، ولو لم يدركهم الله -عز وجل- بالدجاج الذي هو لحم، لها قرم وللحم قرم شديد، فرحمهم الله -عز وجل- بهذا الدجاج الذي يكثر، والذي هو داخل في لحم الطير، فإنه ممدوح لأن بعض الناس يظن أن لحم الطير يقتصر مثلا على القماري، أو مثلا ببعض الطيور التي قد تصطاد مثلا من الدخل وغيره، وقال الله -عز وجل-: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾ [الواقعة:21]، ويقال لهؤلاء: الدجاج أيضا إنما هو من الطير، بل الدجاج -والله أعلم- أطيب الطير؛ لأمرين:
الأمر الأول: أنه أنظفها لحمًا، انظر للبياض الذي في الدجاج وقارنه بغيره من الطيور، فلن تجد شيئا من الطيور بمثل بياض الدجاج هذا أمر.
الأمر الثاني: أن عُرف الناس قد اتفق وأجمع على تقديم وتفضيل الدجاج على غيره من الأطعمة، ولو وجدوا أن في البط على -سبيل المثال- غنية لهم لرعوه واستكثروا منه كما استكثروا من الدجاج؛ لأن الناس إنما تبحث عما يلائمها، وما وجدنا شيئا يلائم الخلق كلهم كما وجدنا ملاءمة الدجاج، فدل -والله أعلم- على أنَّ الدجاج من أجل لحوم الطير كما يعني قررناه.
قال: (كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَدَعَا بِمَائِدَةٍ، وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ، شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي فَقَالَ: هَلُمَّ فَتَلَكَّأَ) وإنما تلكأ هذا الرجل الذي (مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ) لأجل أنه رأى أن الدجاج تأكل شيئًا فقذرته.
قالوا: إن الدجاج أحيانا لو بصق الإنسان أكرمكم الله أكلت نخامته، وربما تأكل بعض الصراصير، فيتقذرها بعض الناس، فيقال: إن هذا كله يقع في سائر الحيوانات، والغنم كذلك، والإبل كذلك، والبقر كذلك، فليس هذا خاصا بالدجاج، وقد جعل الله -عز وجل- فيها ما يحيل هذه المأكولات مما لا تؤثر عليها، فهي لا تؤثر على طعمها أو على لحمها إلا إذا كانت هي غالب أكلها، وهنا تنتقل إلى أن تكون مثلا من الجلالة أو نحو ذلك، والجلالة هي التي غالب أكلها العذرة -أكرمكم الله-، أيا كانت العذرة. فإذا كانت متروكة على سبيل المثال فتأكل من عذرة الغنم، كما كان يصنع قديما، يضعونها عند الغنم حتى تأكل العذرة، أو ما تخلفه الغنم من العذرة، صحيح أن عذرة الغنم طاهرة، لكن بلا شك أنها مستقذرة، يستقذر الإنسان أن يأكلها، فاستقذروا أيضا ما يأكل عذرتها، ويقال: إن هذا الباب لو فتح لَمَا طاب للإنسان شيء، حتى الزروع والثمار قد تسقى أحيانا وتسمد بالأسمدة، فيعني لو فتح الإنسان على نفسه هذا الباب ما استطاع أن يغلقه، ولكنه شيء نفسي أحيانا قد يراه الإنسان فيكون ردة فعل مما رأه.
قال (هَلُمَّ فَتَلَكَّأَ فَقَالَ: هَلُمَّ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَأْكُلُ مِنْهُ) هذا هو الشاهد الذي نريده، وهو أن النبي قد أكل لحم الدجاج، فدل ذلك على أنه حلال، وأنه طيب، وهذا الحال في جميع الطيور إلا ما كان له مخلب منها، مثل: النسر ونحوه.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا»)}.
فرغ المصنف -رحمه الله- من الكلام على الأحاديث المتعلقة ببعض الأطعمة، ثم أتى إلى هذا الأدب، وقد كان الأولى من المصنف -رحمه الله- أن يذكر حديث عمر بن أبي سلمة فغي هذا الباب «سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ» .
وذكر المؤلف حديث ابن عباس -رضي الله عنه، وفيه: (أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا»)، وهذا من النبي إكرام للنعمة، ودفع للتواضع، وتعظيم لقدر هذا الطعام، فإن غير المتواضع لا يصنع هذا الصنيع، أي: ما يلعق يده، وربما ترك شيئًا من الطعام، وربما لم يأكل من الطعام ما سقط على السفرة ونحو ذلك.
فيقال: إذا كان الشرع قد أرشد إلى لعق اليد، فيقال لمن يلعق يده: قبل أن تلعق يدك، كل ما وقع على مائدتك، لأنَّ هذا أولى بلا شك، لأنك تلعق يدك لأجل ماذا؟ لأجل أخذ ما بقي فيها من الطعام، وإدراك بركة ذلك، فبركة ما سقط من الطعام أعظم منها.
إذا هذا دلالة بالأولى، فيقال: من باب أولى أن يأكل الإنسان ما تناثر من سفرته، ولهذا جاء عن النبي أنه قال: «إِذَا وُضِعَ الطَّعَامُ فَخُذُوا مِنْ حَافَتِهِ وَذَرُوا وَسَطَهُ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهِ» .
إذًا أمر النبي بأن لا تمسح اليد قبل أن تلعق، وهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم، أمر للاستحباب، يلعقها الإنسان أو يلعقها، قالوا: يلعقها من لا يستكرهه، كما لو كان له صبي فيلعقها إياه، وهذا -والله أعلم- محمول على ما كانوا عليه ذاك الوقت من الحاجة إلى الطعام، والحاجة إلى الدسم ونحو ذلك.
وأما إذا كان الإنسان مكتفيًا، فالأحسن في ذلك أن يلعقها هو، ولو ألعقها غيره لم يكن في ذلك بأس، وكان ممتثلا لأمر النبي .
إذا هذا فيه تعظيم لنعمة الطعام، وفيه دليل على عدم الاستغناء عن القليل، وفيه دليل على أنه ينبغي للإنسان أن لا يستهين بشيء من نعمة الله -عز وجل-، وأن يتطلب البركة في طعامه، فإنه لا يدري أين تكون البركة.
{أحسن الله إليكم.
قال المصنف -رحمه الله-: (باب الصيد.
عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَفِي أَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ. فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ:
«أَمَّا مَا ذَكَرْتَ» يَعْنِي: مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، «فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ»)}.
قال المصنف -رحمه الله-: (باب الصيد)، والصيد هو اقتناص الحيوان الحلال غير المقدور عليه، وشروط الصيد أن يكون حيوانًا، وأن يكون حلالا، فغير الحلال من الحيوانات ما يسمى صيدًا، وبناء على ذلك فهذا يترتب عليه مسألة أخرى، فيما لو قتله وهو محرم، لو أنَّ إنسانًا كان محرمًا فقتل على سبيل المثال فهدًا، أو أسدًا، يقال في هذا: إنه ليس بصيد، ولا يجب عليك فيه فدية، فالصيد هو اقتناص الحيوان الحلال غير المقدور عليه، فإذا كان مقدورًا عليه لم يكن صيدًا، ولا يأخذ أحكام الصيد، بل غير المقدور عليه فله حكم آخر، وهو حكم الذبح. فيقال: هذا يذبح ذبحا ولا يصاد صيدا.
وقد أورد المصنف -رحمه الله- باب الصيد مع أنه قسم من أقسام الأطعمة، وذكر فيه حديث أبي ثعلب الخشني -رضي الله عنه- الذي يعد أصل هذا الباب، قد ذكرنا أن أبا ثعلبة -رضي الله عنه- قد كان عنده عناية بالأطعمة وأحكام الأطعمة، فهو من الصحابة ذوي الاختصاص في هذه المسألة. لماذا؟ لأجل أنه كان بأرض قوم أهل كتاب، وهذا يقرر يا إخوان ويا أخوات أن من كان في أرض غير المسلمين، فإنه ينبغي عليه أن يعتني بطعامه وشرابه، وأن يعتني بالتفقه فيها؛ لأنه قد يصيب غير المحرمات كثيرا، خاصة إذا كانت هذه البلاد غير بلاد أهل الكتاب؛ فإنه لا يكاد يسلم من الحرام، فإن سلم من حرمة عين الطعام، لم يسلم من حرمة كيفية ذبح الطعام، كأن يكون الطعام مذبوحًا على غير الشريعة الإسلامية، فقد يكون طعامه من البقر أو الإبل أو غيرها ولكنها تكون مذبوحة على غير الشريعة الإسلامية، ويكون هؤلاء القوم ليسوا بأهل الكتاب، فهنا ما يجوز له هذا الطعام مطلقا، ويكون الطعام محرما، وهذا كطعام البوذيين والملاحدة وغيرهم.
قال: (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ)، وقد كان أبو ثعلبة -رضي الله عنه- مجاورا لنصارى العرب، فكان في شمال الجزيرة العربية.
قال: (أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَفِي أَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ) الكلب المعلم هو الكلب المدرب، والفرق عندهم بين المدرب وغير المدرب قالوا: المدرب من إذا أمرته ائتمر، وإذا نهيته أو زجرته انزجر، وإذا صاد لم يطعم. هذا هو الكلب المعلم، وغير هذا ما يعد معلمًا.
قال: (فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ» يَعْنِي: مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، «فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا») هذا الحكم -والله أعلم- من النبي إنما هو حكم للاستحباب والسنية، وإلا فإن عامة أهل العلم على جواز استخدام آنية الكفار، أو آنية اليهود والنصارى، ولأنَّ النبي قد توضأ مما مزادة امرأة مشركة كما هو معلوم، وقد كان في المدينة يهود، وكانوا يهدون إلى النبي في أوانيهم فيأكل النبي منها، ولا يرون بذلك بأسًا.
وقد فتح الصحابة -رضي الله عنهم- الأمصار فأكلوا من الآنية، وما ورد عنهم أنهم كانوا يغسلون هذه الآنية، بل يقال: الظاهر في هذا الحديث أنه محمول على حال دون حال، فهذه الآنية إن عُلِمَ نجاستها وجب غسلها بالاتفاق، وإن علمت طهارتها لم يجب غسلها، وإن لم تعلم حالها فلا يجب غسلها، ولكن الأولى فيه أن يستعمل فيه حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه-.
قال ها هنا: («أَمَّا مَا ذَكَرْتَ» يَعْنِي: مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، «فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا»)؛ لأن آنية المسلم أولى بالأكل.
قال: («وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا») وهذا إما أن يكون محمولا على الآنية التي يعلم حرمتها، أو يعلم أنها نجسة، وإما أن يكون محمولا على حال الأحسن مما جهل حاله. أو يقال: الأولى في ذلك والأحوط أن يُغسل وما من شك أن الأخذ في هذا بالأحوط مقدم عند العلماء -رحمهم الله-، يعني هذا من مسائل الاحتياط.
وعلى هذا أيضا يقاس اللباس، فإن الأصل عند العلماء -رحمهم الله- أنهم كانوا يلبسون اللباس الذي يرد إليهم من الكفار بغير غسل، مع أنه قد يكون لبسوه، أو قد يكون فيه شيء من النجاسة، ولكن الأصل في ذلك هو الحل، بل قد ورد أن الصحابة -رضي الله عنهم- قد كانوا يلبسون من ثياب اليمن ما صبغ بالبول. كيف؟ كانوا يأتون إلى الثوب الأبيض، والنبي لم يكن يحب الصفرة، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يحبون الصفرة في الثياب، أي: الصفرة الخفيفة، فكانوا في الزمن يأتون -أكرمكم الله- إلى البول فيجمعونه في آنية، يقولون لمن أراد يبول: لا تَبُل في البراري وغيرها، بل بُلْ في هذا المكان، فإذا بال في المكان جاؤوا بالثوب فغمسوه في البول، لماذا؟ لأنهم وجدوا -كما ذكروا- أنَّ صبغ البول لا يتغير، يصبغونه بالبول، ثم إذا فرغ من البول غسلوه، فكان الصحابة -رضي الله عنهم- يلبسون من الثياب ما صبغ بالبول، طبعًا صبغ بالبول ثم غسل بعد ذلك، فلم يبق من البول إلا ماذا إلا صبغه، ويأتي عليه حديث الحيض، وفيه «يَكْفيكِ الماءُ، ولا يضرُّكِ أثرُهُ» ، فإذا كان هذا هو الحال في الثياب فكيف الحال بما دون ذلك؟!
ثم أخبره النبي بحكم الصيد. فقال: («وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ») القوس الذي هو السهم، وجاء في بعض الروايات: «وما صدت بقوسك فخزق فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل»، وخزق يعني: خرق، مثل: الرصاص، وما أصاب بعرضه يعني ما قتله بثقله، فلا تأكل، يعني لم يخذق. مثل ماذا؟ مثل: صيد العصافير وغيرها بالحجارة الكبيرة، فإنه ما يخزق. فيقال: لا.
قال: «وَما أَصَابَ بعَرْضِهِ فَهو وَقِيذٌ» ، والوقيذ هو الشيء الذي يُقتل بالثقل، يلقى عليه شيء ثقيل فيموت. هذا ما يؤكل.
قال: («وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ») إذًا الأصل أن يسمي الله -عز وجل-، وقد ذكر العلماء -رحمهم الله- أنه يجزئ في ذلك تسمية واحدة لعموم الصيد، فإذا خرج قال: "بسم الله" على أول صيد، فيشمل ما بعده.
قالوا لماذا؟ لأن الإنسان قد ينبهل، وقد ينشغل عن أن يسمي في كل مرة، فيجزئ في ذلك إذا سمي أول مرة.
قال: («وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ»)، الكلب المعلم أيضا إذا أرسله سمى الله -عز وجل- عليه، فما أصاب بعد ذلك فليأكل.
قال: («وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ») ما الفرق بين المعلم وغير المعلم؟
الكلب المعلم تسمي الله -عز وجل- عليه، ثم ما صاده فكله، سواء كان ذكيًا أو غير ذكي، قال في الرواية الأخرى: «فإن أخذه ذكاته»، أي أنَّ أخذ الكلب تعد ذكاة.
وأمَّا غير المعلم فأخذه ليس بذكاة، بل لا بد أن تذكيه، فلو صاده كلبك غير المعلم وقد ذكرنا ضابط التعليم، ثم أتى به ميتا ما جاز لك أن تأكله.
وكذلك أيضا ما كان من الكلب قد تركه كلاب غيرك لم تعرفها؛ لأنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره. كحال لو كان أناس في برية، وكان هناك مجموعات من الناس يصطادون، فوجدت صيدًا قد أخذه كلبك، وأخذه معه كلاب غيره، فيقال في هذا: لا تأكل إلا ما صاده كلبك، فإن كان قد شاركه فيه غيره فلا تأكل إلا إذا تيقنت أنهم كلهم قد سموا اسم الله -عز وجل- عليه.
وهذا يدل أيضا على أنه ينبغي الاحتياط في موضوع التسمية والتشديد فيها، وأن الطعام غير المسمى عليه لا يكون حلالا، خاصة ما تُعمد ترك تسميته، وأشد حرمة منه ما ذكر عليه اسم غير الله -عز وجل-، مما يعبد من دون الله، سواء كان من الأولياء أو الصالحين أو الأنصاب والأوثان وغيرها.
لعلنا نكتفي بذلك، والله -تبارك وتعالى- أعلم وأحكم.
{أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا، وشكر الله لكم على حسن الاستماع، وإلى حلقة جديدة بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك