الدرس السادس عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

1996 22
الدرس السادس عشر

عمدة الفقه 8

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
أهلًا بك، والتَّرحيب موصولٌ بالطُّلاب والطَّالبات والمشاهدين والمشاهدات من أمام الشَّاشات.
{جزاكم الله خير.
نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- عند قول الموفق ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الثَّانِيْ: سَائِرُ اْلأَمْوَالِ، فَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ اْلوَقْعَةَ، مِمَّنْ يُمْكِنُهُ اْلقِتَالُ، وَيَسْتَعِدُّ لَهُ مِنَ التُّجَّارِ وَغَيْرِهِمْ، سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلى الصِّفَةِ الَّتِيْ شَهِدَ اْلوَقْعَةَ فِيْهَا، مِنْ كَوْنِهِ فَارِسًا، أَوْ رَاجِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا، وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَ ذلِكَ وَلاَ بَعْدَهُ)}.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يشرح صدورنا بالعلم، وأن يوفقنا لتحصيله، وأن يجعلنا من أهله، وأن يجعل لنا العقبة فيه في العمل والتعليم والهُدى والاستنان، وأن يعصمنا من الزَّلل والخطأ والفساد، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
لا يزال الحديث موصولًا فيما ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في باب الغنائم، وذكر أنَّ الغنائم على قسمين، وذكر القسم الأوَّل، وفصَّلنا ما يتعلق بذلك، وكنَّا في الدرس الماضي قد شرعنا في القسم الثاني من سائر الأموال التي هي سوى الأراضي، وهي التي تختص بكل حالٍ بالغانمين، وليس فيها نظرٌ ولا اختيارٌ للإمام ولا سواه.
قال: (فَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ اْلوَقْعَةَ)، هذا بيان مَن يستحق الغنيمة، ومَن يكون له نصيبٌ فيها، فلا يُمكن أن يُؤتى في قسمة الغنائم فيُدخل على الناس بأناسٍ لم يحضروا وقعةً ولم يحملوا سلاحًا، ولم يُشاركوا في دفع عدوٍّ، ولم يتأهَّبوا لذلك، فيقول المؤلف: (فَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ اْلوَقْعَةَ)، فلا تكن بالمحاباة أو بالمحسوبيَّات، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه.
والكلام هنا على مَن شهد الوقعة، والوقعة فيما مضى كانت معروفة وحدودها بيِّنة، فتكون مثلًا في هذه البريَّة أو في هذه الصحراء، أو في هذه الغابة، يبدؤون من رأس الجبل إلى أدناه، أو من أدناه إلى رأسه، أو متوزِّعون في هذا الجبل وما بجواره، ويردفهم مَن يعينهم، مهما اعتبرتَ ومهما تصوَّرتَ فهي دائرةٌ ضيِّقةٌ ظاهرةٌ بيِّنةٌ لا إشكال فيها.
أمَّا في هذا الوقت دائرة المعركة كبيرة ولا حدَّ لها، تجد أن هناك جهات مهاجمة وجهات راصدة، وجهات في البريَّة، وجهات في الأرض الجبليَّة، وجهات في البحريَّة، وجهات توجِّه من بعد، وتأتي على أشياء ليس من السهولة تصوُّرها، فلا نقول إن حدود المعركة مئتي كيلًا أو خمسمائة كيلًا؛ أحيانًا تكون جهات التَّدخُّل على بعد ألف كيلًا، وقد يكون مَن لهم التَّوجيه والنَّظر ونحو ذلك أبعد من هذا بكثير، وقد يكون من مراكز المعارك جهات العمليَّات ونحوها التي تكون في أماكن بعيدة أو أماكن خفيَّة أو خلافها.
كيف نحكم في هذه الحال على شهود الواقعة أو لا؟
شهود الواقعة مُتعلِّقهُ: هل هو ما يُمكن حصوله من تعريض النفس للهلكة؟ أو من جهة التَّأثير في المعركة؟ أو هما جميعًا -يعني: التأثير في المعركة والخوف من الهلكة؟
وفيما حصل الآن امتدَّت الأسلحة، فليست الأسلحة بالمقابلة، وليست برمحٍ يسير لبضعة أمتار، ولا بسهم أقوى منه وأبعد، وحتى البنادق التي تصل إلى أمتار طويلة أو كيلوات صارت أعظم، واختلف الأمر حتى في الإصابة وربطها بالأقمار الصناعية، حتى أن الرامي لا يرى المرمي ولا يشعر به، فما هي إلَّا أوامر ومرتكزات وإحداثيَّات تأتي فيُطلَق بها.
إذن؛ لَما كان الأمر بهذا الخفاء وبهذا الإشكال؛ فمن جهة الأصل أن الحكم فيمن شهد الوقعة هذا واضح، وهو حُكمٌ نبوي جاء به الحديث، واعتُبر عند أهل العلم، وأصله كلام عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وهو ظاهر لا إشكال فيه، لكن من جهة تحديد شهود المعركة من عدمها أظن أنَّ هناك أشياء ظاهرة جليَّة كمن يحملون الأسلحة ويكرون ويفرون ونحوه، وجانب آخر يُمكن أن يكون مرده إلى قوَّاد الجيش، فهم الذين يُمكن أن يُقال إنهم أعرف بمَن يُمكن أن يُشمَل بالحكم بكون شاهد للواقعة؛ لأن الأمر اختلف الآن في شهود الواقعة، فقد كان حقيقيًّا واضحًا، والآن صار حكميًّا، فقد يكون الذي يُوجِّه الجيش ويدعم بالأسلحة الفتَّاكة ونحوها في جهات راصدة بعيدة، وأثره في المعركة وحسن تدبيره لمتغيراتها والكر والفر فيها أعظم ممَّن يكون في الصف الأول أو في المقدِّمة أو فيما سواها.
وهذه من المسائل التي يتوجَّه فيها الإشكال من كل جهةٍ، وليس من السهولة حصر ذلك وقدرة ضبطه، حتى لو قلنا إنَّ مردَّ الأمر إلى القائد، لأن الأمور مرتبطة بالتَّقنية وما سواها، وهذه الأمور بعضها مرتبط ببعضٍ، فإذا قلنا إن هذا موجِّه، وهذا مسؤول عن الاتصالات، وهكذا...، فيدخل في ذلك أشياء كثيرة، فيُمكن أن يُقال إن هذه من المسائل التي فيها شيءٌ من الأخذ والنَّظر.
وأؤكِّد أيَّما تأكيدٍ، على أنَّ هذا له جانب منهجي وله أثر واقعي، فالجانب المنهجي أن يعرف الطالب قدره، وحسبه من الدراسة معرفة ما ذكره الفقهاء على أصول صحيحة، وإذا لم يُعالج الواقع ويُحاول تنزيل المسائل على الواقع ما يستفيد كثير، فمَن يُجري عملية ولا يستطيع أن يتعلم عليها في الحقيقة فلا يُمكن أن يكون طبيبًا أو جرَّاحًا!
ولو جئنا بطالب لأول وهلة يسمع حديثنا اليوم، ثم يبدأ يحكم في هذا المسائل؛ فلا يُمكن ذلك، فكما أن الطبيب لا يُمكن أن يبتدئ العمل لأول وهلة يتعلم فيها، فكذلك أنت أيها الطالب لا يُمكن أن تنتقل إلى الوقائع بالحكم والبتِّ فيها، وأنَّ الحكم والبتَّ فيها هو راجعٌ لما ذكرناه سابقًا في أنه ما وُجدت الفئات الضالَّة ولا الجهات الخارجة ولا تجرَّأ أناسٌ على الشرع، ولا وقعوا في الخطيئة ولا تلطَّخوا بالدِّماء إلا بسبب سرعة الحكم والجرأة على أحكام الشريعة مع خفائها.
فلمَّا كان الأمر كذلك؛ فنعود ونقول: إن أمر ذلك إلى الجهات المختصَّة في أن يُبينوا عمَّن شهد الوقعة؛ لأنَّ الوقعة فيما مضى كانت أمرًا ظاهرًا حقيقيًّا، والآن صارَ منها شيءٌ حقيقيٌّ لا إشكال فيه، ومنها حكمي وإن كان الشخص بعيد إلا أنه مؤثِّرٌ ومصرِّفٌ لمثل هذه الجيوش والحافل، فالحكم من دخوله من عدمه مرده إلى مَن هو قائد للمعركة وعارف بمن تقوم عليه ومَن يسندها.
ثم قال: (مِمَّنْ يُمْكِنُهُ اْلقِتَالُ)، أمَّا من لم يُمكنه القتال فلا.
على سبيل المثال: واحد خرج ليُقاتل، ولكن في أثناء الطريق صار له حادث، أو مرض فقعد، حتَّى ولو كان له نيَّة فإن أجره على الله، وكُتب -إن شاء الله- فيمن جرى للجهاد، لكن الغنيمة لا تستحق إلَّا لمن أمكنه القتال ويستعد له، حتى لو كان جاء بتجارة معه، أو حمل بعض أشياء ليبيعها، فهذا لا يُعارض ما وقع في نفسه من الدفع والمدافعة والجهاد والمجاهدة والبذل والتَّضحية.
قال: (وَيَسْتَعِدُّ لَهُ مِنَ التُّجَّارِ وَغَيْرِهِمْ)، غير التَّجار ممَّن يُعالجون الجرحى ويُداوون المصابين وغيرهم، فما دام أنه يستعد للقتال -ولو في بعض الأحوال- ولكن مهمَّته الآن أن يحرس أو يعمل أو يُداوي، ولكنه مستعد للقتال، ومتى ما طُلب منه التَّحرُّك أو حصل نقص يدعمهم؛ فهـو داخل في ذلك.
قال: (سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلى الصِّفَةِ الَّتِيْ شَهِدَ اْلوَقْعَةَ فِيْهَ)، سيأتينا أن الغنيمة مقسَّمة لمن كان فارسًا أو غير فارسٍ، فهو يستحق من الغنيمة على الهيئة التي شهد بها الواقعة.
على سبيل المثال: في بعض الأحوال يكون الإنسان فارسًا مقدامًا، لكنه شهد الوقعة هذه راجلًا، إما لكون فرسه لم تتهيَّأ بعد، أو طلبها لتحضر ولم تحضر وهو بانتظارها، فابتدأت المعركة وانتهت بسرعة، أو تخلَّفت فرسه عن ذلك، فهنا يكون راجلًا.
ولو قلنا مثلًا: إن المهام تختلف، ويُمكن أن يكون لهذا الاختلاف أثر في الغنيمة، إن كان طيَّارًا تخفَّى في كونه راجلًا من ضمن الخفارات أو الحراسات وغيرهم، فلا نعتبر كونه طيَّارًا، إذا قلنا من أن هذه مؤثِّرة، وستأتينا هذه المسألة مع المسائل التي ستنضمُّ إلى عقد المسائل المشكِلة التي ذكرناها وأشرنا إليها.
قال: (مِنْ كَوْنِهِ فَارِسًا، أَوْ رَاجِلاً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرً)، كيف عبد أو كافر؟ مع أننا قلنا: إنه يُرضَخ له ولا يستحق الغنيمة، والآن كأنكم ستقسمون له غنيمة؟
ما يظهر هنا أنَّ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قصدَ أنَّ الكافر لو أسلم قبل قسمة الغنيمة؛ فعند أهل العلم أنه ترغيبًا له في الإسلام فإنه يُنتقل من كونه ممن يُرضَخ له إلى ممَّن يُقسَم له، وكذلك العبد إذا عتقَ، المهم أنه يكون على حسب الحال التي يكون فيها في المعركة، فإذا كان أول دخوله للمعركة قال له سيده: أنت حرٌّ لوجه الله وأنت تقاتل في سبيل الله، فهو دخل المعركة على أنه حر، وإن كان في الأصل عبدًا، وكان طيلة مسيره عبد، فإذا بقوا في المسير أربعة أشهر، ثم صارَ حرًّا في آخر يوم؛ فنعطيه سهم الحر.
وكذلك الكافر، فذكر الفقهاء أنه لو أسلم حتى بعد انتهاء المعركة، فإنه يُقسَم له على سبيل الترغيب له في الإسلام، ثم يُنظَر هل هو فارس أو راكب أو راجل.
قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَ ذلِكَ وَلاَ بَعْدَهُ)، يعني: كون الإنسان قبل ذلك في حال والآن في حال، فلو افترضنا أنَّ شخصًا عجزَ بعدَ كونه قادرًا بعد انتهاء المعركة، أو صار فارسًا بعدَ أن كان راجلًا بعد انتهاء المعركة، أو العكس، كان فارسًا فماتت فرسه.
إذن؛ المكان والمتعلَّق هو وقت المعركة؛ لأنَّ استحقاق الغنيمة من أجل المعركة، فيستحق الغنيمة على الوجه الذي شاركَ به في هذه المعركة، بكونه فارسًا أو راجلًا، وكونه مستحقًّا للغنيمة أو ليس بمستحقٍّ للغنيمة، وبناء على ذلك لو أنَّ هذا العبد إنما عتق بعد الانتهاء فنقول: هو شارك في المعركة حال كونه عبد، والعبدُ لا يستحق غنيمة، وإنما يُرضَخ له، والعكس بالعكس، لو أنه حال الدخول أُعتق فإنه حضرها كون حرًّا، ولو أمضى سبعين سنة عبدًا لسيده، فإنَّ ذلك لا يمنعه من أن يكون مستحقًّا للغنيمة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ حَقَّ فِيْهَا لِعَاجِزٍ عَنِ اْلقِتَالِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ)}.
تعبيرات الفقهاء دقيقة، فهنا لم يقل: "ولا حق فيها لمريض"؛ لأن المرض هو اعتلال الجسم، ومنه ما هو يسير وقليل، ومنه ما هو عظيم، فإذا كان يسيرًا فإنه لا يحول بينه وبين القتال، وما منَّا إلَّا وفيه علَّةٌ، خاصَّة مع وجود هذه المختبرات والتَّحليلات والعلم بخفايا الأبدان والبواطن ونحوها، فواحد فيه علَّة السكري، وآخر الضغط، والثالث بألم في السِّنِّ، وآخر بوجعٍ في الرأس، فهذه أمراض، ولكنها لا تمنع.
أما قول المؤلف: (وَلاَ حَقَّ فِيْهَا لِعَاجِزٍ عَنِ اْلقِتَالِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ)، يعني: إذا آلَ المرض لأن يُقعِدَه عن القتال فلا حق له؛ لأنَّ الغنيمة حق للمقاتلة ولمن تصدَّى لهذه المهمَّة، حتَّى ولو لم يُقاتل لعدم الحاجة إليه، أو لكون المعركة انتهت في أول تقدِّم الميمنة أو الميسرة ونحو ذلك.
قوله: (أَوْ غَيْرِهِ)، يعني: عجزَ بغير المرض، سُجِنَ أو حُبِسَ، أيًّا كان؛ المهم أنَّه تأخَّر لأي سببٍ من الأسباب، كأن تفوته الطائرة ولم يحضر المعركة؛ فبناء على ذلك نقول: لا حق له.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ مَا تَنْقَضِيْ اْلحَرْبُ مِنْ مَدَدٍ، أَوْ غَيْرِهِ)}.
هذه مسألة مُهمَّة؛ لأنَّكم تعرفون أنَّ الجيوش مبناها على التبديل والمدد والزيادة والإسناد وغيره، فلو افترضنا أنه أرسل الآن بكتيبة أو سريَّة أو فصيل أو لواء أو غير ذلك، ولكن كان هذا بعد انتهاء المعركة، ومن المعلوم أنه كان فيما مضى أن وقت المعركة لا يدوم كثيرًا، ولذلك ربما تحرَّك المدد وقد انتهت المعركةِ، فهؤلاء يأتون بعدَ شهرٍ وإذا بالمعركة قد انتهت من زمن، ولم تكن الاتصالات كما هي الآن.
ويُمكن تصوُّر ذلك في هذا الوقت، فعلى سبيل المثال: كأن تكون قد اشتدَّت شراسة المعركة وظهر قوَّة العدو، ثم انسحب المسلمون، وكان القائد قد طلب أن تلحق بهم كتيبة، فهذه الكتيبة التي في عرض الطريق الآن ولم تصل إلى المعركة ولم تبدأ بالمشاركة لا حق لها في الغنيمة، وهي على نيَّتها وأجرها، لكن الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهؤلاء لم يشهدوها فلم يستحقوا شيئًا منها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ بَعَثَهُ اْلأَمِيْرُ لِمَصْلَحَةِ اْلجَيْشِ، أَسْهَمَ لَهُ، وَيُشَارِكُ اْلجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيْمَا غَنِمَتْ، وَتُشَارِكُهُ فِيْمَا غَنِمَ)}.
من بعثه الأمير لمصلحة الجيش أسهم له، إذا كان قد بعثه لأن يكون عينًا، أو طلب منه مُهمَّةً، أي شيء مما يبعثه أمير الجيش لمصلحة الجيش فإنه داخل في الجيش، ومعتبرٌ كأنَّه منه، فلا يفوته ما يتأتَّى للجيش من غنيمةٍ، وما يُسهَمُ له من سهمٍ، وهذا ظاهر في أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في صلح الحديبية بايع عن عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وما كان حاضرًا، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يُبايع الحاضرين، فجعل يدًا عنه ويدًا عن عثمان؛ لأنَّه أرسله لمصلحة؛ فدلَّ ذلك على أنَّ كلَّ مَن ذهب في حاجةٍ فإنه يكون كما لو كان حاضرًا، فيستحق ما يستحقه الحاضرون على ما ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
قال: (وَيُشَارِكُ اْلجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيْمَا غَنِمَتْ، وَتُشَارِكُهُ فِيْمَا غَنِمَ).
هذه المسألة يُمكن أن نكون قد أشرنا إليها فيما مضى، ومن المعلوم أنَّ السَّريَّة يُمكن أن تكون قد ذهبت بعيدًا، والجيش الآن أصاب العدو إصابةً بليغة، وغنم منهم غنائم كثيرة، وقد تكون هذه السَّريَّة التي أُرسلت لم تُؤدِّي مُهمَّتها على الوجه الأكمل، كأن يكون تبلَّغ قائد الجيش أو أمير المقاتلين أن هنا مركز للعدو يُراد ضربه، أو أنَّ فيه بعض الإمداد بالبترول أو مخازن أسلحة؛ فلما وصلوا تحرَّك العدو أو نحو ذلك، ورجعت هذه السَّريَّة، فنقول: لاشك أنَّ هذه السريَّة يغنمون مما غنم الجيش، لأنهم معهم وإنما أدُّوا ما كُلِّفوا به من مهمَّة.
والعكسُ بالعكسِ؛ فلو أنَّ الجيش جالسٌ يتربَّص الأعداء والمعركة باقية لم تدُرْ رحاها بقوَّة، أو يصير بين كل فترة وفترة مناوشات خفيفة، وهذه السريَّة لما ذهبت حصل لها من الفريِ في العدو والمواجهة وقوَّة المعركة وضراوة الاقتتال شيء كبير، فالسريَّة لها خصوصيتها إن كان الإمام نفَّلها -على ما تقدَّم- لكنَّ الغنيمة التي غُنِمَت -ما بقي بعد التَّنفيل- ه والجيش كله فيه، لأنهم شيء واحد، وبناء على ذلك تكون الغنيمة للغزوة كلها ومَن شهدها بإمداد أو بحراسةٍ أو في سرية أو ما سوى ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَبْدَأُ بِإِخْرَاجِ مُؤْنَةِ اْلغَنِيْمَةِ؛ لِحِفْظِهَا وَنَقْلِهَا، وَسَائِرِ حَاجَاتِهَ)}.
يعني أنَّ الغنيمة لا تتأتَّى إلا بحفظٍ ومؤونةُ نقلٍ، فلا يُمكن أن نأتي ونقول إنها لا تُنقل من عندنا، لا؛ بل إنَّ مؤونة نقلها منها، وبناء على ذلك يُنظَرُ إلى هذه المؤونة التي تحمَّلوها فتُدفَع من هذه الغنيمة نفسها، فإمَّا أن تُحسَب، وإمَّا أن يُباع شيء ويُعطَى، وإن كان ثَمَّ نقد بُذِلَ، إلى غيرِ ذلك من الوسائل التي يُمكن تحصيلها بها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَدْفَعُ اْلأَسْلاَبَ إِلى أَهْلِهَا، وَاْلأَجْعَالَ لأَصْحَابِهَ)}.
ذكرنا أنَّ من قتل قتيلًا فله سلبه، وذكرنا الكلام في ذلك عند الحنابلة وغيرهم في الحكم بالسَّلب من سواه، وبناء على ذلك إذا كان فيه سلبٌ فيستحقه صاحبه؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قال: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ، على ما تقدَّم من التفصيل الأوَّلِ فيما مضى.
وكذلك الأجعال، فهذا يُمكن أن يكون جعلَ له جُعلًا، كأن يقول الأمير: مَن يفتح هذا الباب فله كذا...، فهذا جُعلٌ، وهذا الجُعل يُستحقُّ قبل قسم الغنيمة وتوزيعها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يُخَمِّسُ بَاقِيَهَا، فَيَقْسِمُ خُمْسَهَا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ)}.
وهذا كما جاء في الآية: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: 41].
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (سَهْمٌ للهِ تَعَالى وَلِرَسُوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، يُصْرَفُ فِي السَّلاَمِ وَاْلكُرَاعِ، وَمَصَالِحِ اْلمُسْلِمِيْنَ)}.
سهم الله تعالى ورسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يُصرف في مصالح المسلمين، فيكون ككمال الفيء الذي في بيت المال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَسَهْمٌ لِذَوِي اْلقُرْبى، وَهُمْ بَنُوْ هَاشِمٍ وَبَنُوْ اْلمُطَّلِبِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيْرُهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اْلأُنْثَيَيْنِ)}.
هذا سهمٌ مُستحقٌّ لهم أحقَّه الله -جَلَّ وَعَلَا- لآل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وقرابته، وخصَّهم في ذلك بآيةٍ متلوَّةٍ إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾، وهذا فيه إظهارٌ لفضل رسولنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ولَما خصَّهم الله -جَلَّ وَعَلَا- به من المنزلة والمكانة، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، وفي هذا جاء حديث غدير خمٍّ، وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قال: «تَرَكْتُ فيكُمْ ما إنْ أخذْتُمْ بهِ لَنْ تَضِلُّوا كتابَ اللهِ وعِتْرَتِي» ، فأمرَ بالإحسان إليها والقيام بحقِّها والعلم بفضلها، فكان ذلك أمرًا مستقرًّا في الشرع من جهة الجملة، ثم هو أخص ما يكون في مسائل، ومن ذلك استحقاقهم لسهم ذوي القربى، ولأنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- منعهم من الصدقة، فجعل لهم سهمًا في الغنيمة.
وبعض أهل العلم يبحث: هل منعهم من الصدقة إبَّانَ وجودِ سهمٍ من بيت المال أو على كل حال؟
بعضهم يقول: لا يُمنعون من الصدقةِ إلَّا إذا تحقَّقَ لهم هذا السَّهم، فإذا لم يتحقَّق لهم لم يُمنعوا من الصدقة، لئلا يكون في ذلك عليهم ضرر.
أيًّا كان الأمر؛ فإن الشرع جعل لهم ذلك على سبيل التفضيل والإبقاء على المنزلة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم.
وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب؛ وذلك لما جاء في الحديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ، وبَنُو هَاشِمٍ شيءٌ واحِدٌ» ، فهم لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام.
قوله: (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيْرُهُمْ)، يعني أنَّ هذا السَّهم ليس مستحقًّا بالفقر أو بالغنى، وإنما مستحق لهذا الوصف، وهو كونهم قرابة للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
قال: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اْلأُنْثَيَيْنِ).
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى اْلفُقُرَاءِ، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِيْنِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيْلِ)}.
وهذا كما جاء في الآية.
اليتيم في اللغة: من مات أحد أبويه ولم يبلغ.
وفي الشرع: هو من مات أبوه ولم يبلغ، فإنه إذا مات أبوه فقد مات العائل والمنفِق والمتكسِّب، فيلحقهم من العوز والحاجة ما يلحقهم، وأمَّا إذا بلغ فإنه يُمكنه أن يأخذ بيده ويتكسَّب بنفسه وأن يدخل السوق ويعمل في المصالح ويتأتَّى له ما يتعذَّر على الصغار والصبيان.
قال: (وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى اْلفُقُرَاءِ)، أما لو كان يتيمًا غنيًّا كأن يكون وارثًا، أو يكون له مَن يُنفق عليه من قرابته؛ فلا يستحق شيئًا، فإنما السهم للفقير اليتيم.
قوله: (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِيْنِ).
لأهل العلم في تعريف الفقير والمسكين كلام كثير:
- بعضهم يقول: الفقير والمسكين شيء واحد.
- وبعضهم يقول: الفقير أخص.
- وبعضهم يقول: المسكين أخص.
والمشهور أنَّ الفقير: هو مَن لا يجدُ شيئًا من حاجته، أو يجدُ قليلًا منها.
والمسكين: هو أحسنُ حالًا من الفقير، وهو مَن لا يجدُ تمام حاجته وإن كان يجد أكثر من نصفها.
والحقيقة أن وصف الفقر والمسكنة في هذا الزَّمان مُشكل؛ لأنَّ حاجات الناس تنوَّعت، وأمورهم تغيَّرت، فمن الناس مَن هو مُتوسِّعٌ في هذا حتى يُدخل فيه أشياء كثيرة، ومنهم مَن قد ضيَّق فيها مع حاجة الناس إليها.
وأنا سأذكر أمثلة، ولكن لابدَّ أن يُعرَف أنها متفاوتة، مثلًا: السيارة، في بعض البلدان يوجَد من النقل العام ما لا يحتاج معه الإنسان إلى السيارة، فبناء على ذلك لا نقول إنَّ هذه من الحاجات الأساسيَّة، فإذا لم يجدها فيكون مسكينًا فيُمكن شراؤها له من سهم الزَّكاة أو من سهم بيت المال، أو من سهم الفقراء والمساكين في الغنيمة.
مثال آخر: الدراسة، قد تكون الدراسة فيما مضى شرعيَّة، ويُمكن أن يُعان طالب العلم ونحوه، ولكن الآن الدراسة إذا كانت طريقًا لتحصيل كسبه ومعاشه ويتوقَّف على ذلك دراسته، فقد يكونُ ممَّا يُبذَل فيها إذا أُمِنَت مما يُداخلها من التعليم المحرم والممنوع، وقد لا يكون ذلك، ففي بعض الأحوال تكون الدراسة إنما هذه التي يُدفَع عليها هذا المبلغ؛ لأنَّها تتأتَّى بها أبواب أكثر، أو دخول أعلى، وإنما قد يتأتَّى للإنسان دراسةٌ دون ذلك ويحصل بها رزقه، ويُفتح له بها باب كسبه.
إذن؛ هذه المسائل مسائل مشكلة، وأنا أوصي مَن يسمعني في هذا المقام أن يتريَّثُ في ذلك، وأن يُزيد من المشورة، وأنَّ الأمور تختلف باختلاف المجتمعات واختلاف الحاجات، حتى المجتمع الواحد قد تدخل بعض فئاته بوجه وقد لا يدخل فيه الآخر من وجه آخر.
{قال: (وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيْلِ)}.
ابن السَّبيل: نسبة إلى الطريق؛ لأنَّه انقطع به الطريق، ويُقال: "ابن الليل"، وهو الذي يُكثر المسير في الليل أو البقاء في الليل والسهر ونحوه.
فابن السبيل هو: مَن انقطع به السبيل ولم يستطع العودة إلى أهله وانتهت نفقته.
وفيما مضى كان هذا الأمر أظهر، أمَّا الآن فالأمور أقل بكثير، فكان المسافر إذا سافر انقطع عن أهله ولم يتأتَّى له وصول خبره إليهم، وحتَّى لو وصل خبره إليهم لم يستطيعوا أن يوصلوا إليه شيئًا، فقد يكون ابن السبيل من أفقر ما يكون وهو أغنى ما يكون في بلده، فيستحقها بهذا الوجه وإن كان في بلده غنيًّا.
أمَّا الآن فهذه الأمور ضاقت كثير، لا نقول إنها انتهت، ولكنها ضاقت كثيرًا، فحتى لو انقطعت بالإنسان نفقته في بعض سفره، لكنه أيسر ما عليه أن يتَّصل وتُحوَّل له حوالة ونحو ذلك، فقد يكون الأمر في كثير من هذه الأحوال انتهى فيه ابن السبيل.
وفيه ناس أحوالهم ضعيفة، فإذا سافر أو كان قد قدَّر لهذا السفر قدرًا من النفقة فاحتاج إلى أكثر من ذلك، أو ترتَّبت عليه كُلفةٌ أو زيادة نفقة، أو غرامة، أو ضاعت نفقته، أو سُرقَت -وهذا كثير- فإذا انقطعت نفقة ابن السبيل فهو مستحقٌ للزكاة، كما أنه مستحقٌّ لهذا السَّهم على ما جاء في الآية، وهو ظاهرٌ بيِّنٌ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يُخْرِجُ بَاقِيَ اْلأَنْفَالِ، وَالرَّضْخِ)}.
بعدَ أن أخرج هذا كله يُخرج باقي الأنفال، مَن نفَّلَ لهم كأن يقول لهم: لكم الربع في الذهاب والثلث في المجيء ونحوه، فيُخرج حقهم ويفصله.
بعد ذلك مَن يُرضَخُ لهم، فإذا جاء المرضوخ لهم من ثمانية وعشرين من النساء وثلاثة من الصبيان وستمائة وخمسين من الكفار؛ كيفما كان فإنهم يُعطَون حقَّهم.
لماذا نمثِّل بهذه الأمثلة؟
من المهم يا إخوان وبخاصَّة لمن يلون التَّعليم؛ دائمًا تكون على ألسنتهم أمثلة محدودة، في الاسم وفي الرقم وفي الصورة، وهذه تضعف التعليم وتجعله لا يستقر في الذهن، كأن يقول: زيد أقرض عمرًوا ألف ريال...، ففي الغالب لا يعلق بالذهن، ولكنه لو قال: أقرضتك ست آلاف وثلاثمائة قيمة لشراء جوالٍ ونحوه...، فهذا المثال غير المثال الأول، فقربه من الواقع وتباين الصورة فيه تكون أقرب.
فكذلك هنا، لا تقل: عشرة رجال وعشر نساء وعشرة صبيان...، فيكون المثال ضعيفًا، ولكن إذا باينتَ بما يُقارب الحقيقة وبما يختلف عن المثال الآخر؛ استطعت أن تقرب ذلك للطالب، فيستقبله ويبقى في ذهنه، لأن إيراد الأمثلة على قوالب متقاربة يُضيعها، ولكن إذا وردت على قوالب متفرِّقة وقريبة من الوقائع كانت ألصق بها وأسهل في استذكارها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، لِصَاحِبِهِ سَهْمً)}.
المقصود بالسَّهم: نصيبٌ مقدَّرٌ وليس بمخصوص، فلا نقول: إنه سدس أو ربع أو غيره، مع أنَّ السَّهم إذا أُطلق في مواطن كثيرة يُراد به السُّدس، وهذا جاء عن ابن مسعود، وهذا يذكره الفقهاء في باب الوصيَّة والأنصبة وغيره، ولكن هنا يقصدون أنَّه إذا جُمعت الغنيمة فإنَّها تُثمَّن.
فيُقال: إن الغنيمة بلغت ستَّة ملايين وثلاثمائة ريال، وخمسمائة من الغنم، وثلاثمائة وعشرين من الإبل، وستَّة وعشرون فرسًا.
ثم ننظر كم عدد الغانمين، فإذا كان عدد الغانمين مثلًا ألف وستمائة وخمسين، والراجل له سهم والفارس له سهمين، يعني: ثلاثة أسهم، ثم نظرنا فإذا عندنا سبعين فارسًا، فتكون مائة وأربعين سهمًا...، ثم تقسمها على هذا المجموع.
إذن؛ ليس المقصود بالسهم أنَّه شيء محدد، سدس، ربع، ثلث؛ فإن هذا مقصود عند الفقهاء في باب آخر، أمَّا هنا يكون السهم بالنسبة والتناسب، ولكنها تكون أسهمًا متساويةً في مقدارها بالنسبة للغانمين لا بالنسبة للغنيمة، لأنَّ الغنيمة متفاوتةٌ في هذا.
والحقيقة أنَّ ما يتعلق بالكلام عن الراجل والفارس لعله يكون في مستهل المجلس القادم -بإذن الله جل وعلا- إذا أذنتم لي.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، والإعانة على الخير والرشاد، وأن يوفقنا للهدى والخير والصواب، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
وأختمُ كما ختمنا في الدرس الماضي، أن يحفظ الله العباد والبلاد، وأن يجنِّبنا الأسقام والأمراض والعاهات والأوبئة، وأن يحفظنا ويحفظ إخواننا المسلمين، وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك