{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان. فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشيخ}.
أهلًا وسهلًا، أرحب بك، وجزاك الله عنا خير الجزاء، وأرحب بهؤلاء الطلاب الذي
يأتمُّون بهذا البناء العلمي، ويقصدونه ويحرصون عليه، ويتحيَّنونَ وقتَه، أسأل الله
أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم، هنيئًا لكم لما طلبتموه، وهنيئًا لكم لما تحريتموه،
وهنيئًا لكم لما بذلتم فيه، وما يُلاقيكم من صعابٍ، وما يأتي عليكم من إشكال، وما
يعترضكم أحيانًا من عوارض أو عوائق تحول بينكم وبين هذا التحصيل، ومع ذلك لم تزالوا
بذلوا الجد والاجتهاد، وتحرصوا حتى تبلغوا الخير، أسال الله أن يبلغكم مرضاته، وأن
يجعلكم من أهل العلم، وأن يتبلغوا غايته، وتصلوا إلى ميدانه -بإذن الله.
{جزاكم الله خيرًا.
نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من بداية باب السرقة}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه،
وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
كنا في الدرس الماضي أتينا على إطلالةٍ في مُقدمة هذا الباب، وأخذنا بعض المسائل
المتعلقة به؛ نشرع الآن في تفاصيل المسائل التي ذكرها المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى.
قال المؤلف: (وَمَنْ سَرَقَ رُبْعَ دِيْنَارٍ مِنَ اْلعَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَةَ
دَرَاهِمَ مِنَ اْلوَرِقِ).
المقصود بالعين عند الفقهاء: الذهب.
فمن سرق ربع دينارٍ من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الوَرِق فإنه يكون عليه القطع،
يعني: أنَّ الشَّارع جعل عقوبة السرقة الحد، ولكن ما كان من الأمور شيئًا تافهًا أو
يسيرًا أو حقيرًا؛ فإنه لا يبلغ الحد، ويُمكن للقاضي أن يُؤدِّبَ فيه وأن يعزر،
ولكن لا يبلغ الحَدَّ الذي جعله الله -جَلَّ وَعَلَا.
وأمَّا ما بلغ ثلاثة دراهم أو ربع دينارٍ فإنه يُقطع فيه؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ- قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم، ولا قطْعَ إلا في ربع دينار
فصاعدًا، فكان هذا هو المحك.
قوله: (أَوْ مَا يُسَاوِيْ أَحَدَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْمَالِ)، إذا كان ليس ورقًا
-يعني فضة- وليس ذهبًا؛ فإذا كان يساوي أقلهما ولا يساوي الآخر فظهر كلام المؤلف
-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنه تُقطَع فيه اليد.
وبعضهم يقول: إن الأشياء والعروض ونحوها تُقوَّم بالدَّراهم؛ لأن النبي -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، لكن المؤلف على أنه كلها
جاء بها النَّص ودل عليها الحديث، وأنها نصابٌ للقطع في السرقة، وبناء عليه فأيهما
بلغَ السارق فإنه يتعلق به حكم القطع، ولذلك قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
(أَوْ مَا يُسَاوِيْ أَحَدَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْمَالِ).
والمال لابد أن يكون محترم، فغير المحترم لا حكم له، يعني لو واحد سرق آلات لهو أو
خمر، فهذه أموال غير محترمة في الشرع، وبناء على ذلك لا قطعَ فيها، وإن كان لا يجوز
للإنسان أن يتسلط؛ لأن هذا نوع اعتداء وفعل للحرمات؛ فيُؤدَّب على ذلك ويُعزَّر،
لكن لا تبلغ أن تُقطَع فيه الأيدي.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَخْرَجَهُ مِنَ اْلحِرْزِ)، لابدَّ أن
يكون المال محرزًا، أمَّا المال غير المُحرَز -الذي لم يُحفَظ- فإنَّ صاحبه
مُفرِّط، فلذلك لا يستحق أن يُعاقب المتسلط على ماله بالقطع.
وعند العوام مثل يسير، يقولون: المال السائب يعلم السرقة؛ يعني: إذا رأى مالَكَ
متروكًا في الشارع ولا تحفظه ولا ترعاه ولا تصونه؛ فهذا يُجرِّئ حتى من لا يُرد
سرقةً وضعفت نفسه أن تطاله يده؛ ففي مثل هذه الحال لا حد؛ لأنك أنت الذي فرَّطتَّ،
فاشترط الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- أن يُخرجه من الحرز.
الحرز: من أحرزَ الشيءَ، إذا حفظه.
والحرز: هو حفظ الشيء في مكانه المعتاد له عادة، وهذا يختلف باختلاف الأموال،
وباختلاف الأماكن والأحوال.
وأصل الحرز هو إجماع أهل العلم، فلم يختلف أهل العلم على أن القطع إنما يكون بالأخذ
من الحرز إلَّا مَن شذَّ، ولا عبرة بقول أهل الشُّذوذ الذين خالفوا إجماع أهل
العلم.
وكما قلنا: إن الحرز هو مكان الحفظ، ومكان الحفظ يختلف باختلاف الأموال واختلاف
الأحوال، فليس حفظ أي مالٍ كحفظ الآخر.
على سبيل المثال: ما كان من المجوهرات، واللآلئ النفيسة والمعادن الغالية جدًّا؛
فإن حفظها يكون بالإغلاق وبحفظها في الصناديق، وغير ذلك من الأشياء الكثيرة، ولا
يتصور أن حفظ البهائم كالإبل والغنم كحفظ المجوهرات؛ إذن يكون حفظ كل شيء بحسبه.
كما أن الفقهاء يقولون أيضًا: حفظ الغنم بالصيرورة -وهو المكان المعد لها- وحفظ
السفن أن تُجعَل على الشاطئ وتُربَط فيه.
وبين يدي الكلام على هذه المسألة بخصوصها؛ فمن الأهمية بمكان أن يُعلَم أن هذا
الموضع هو من أكثر المواضع إشكالًا، وهي التي تعترض كثيرًا من القضاة في تحقيق
المناط في حصول السرقة من الحرز من عدمه، والتي تدفعُ الحكم بقطع يد السارق.
يقول واحد: نرى سرقات كثيرة، ومع ذلك لم نسمع أن القضاة قطعوا يد سارق!
نقول: إن كثيرًا من هذه السرقات لا يتأتَّى فيها الحرز، فينقض فيها شرطًا من شروط
الحد، وبناء عليه ينتقل الحكم من الحد إلى التعزير.
على سبيل المثال: هل نقول إن حرز السيارة مثل السفينة؟ فإذا أُغلقَت وجُعِلَت أمام
الدار فيكون حرز لها؟
هو محتملٌ، وقد يُقال بالاختلاف بينهما، فإن السفينة لا يُمكن أن تُدخل إلى البيوت،
ولا أن تُرفَع من الشاطئ، ولكن السيارات يُمكن أن تدخل في أماكن حفظها ومواقفها
التي داخل البيوتات ونحوها، ولكن هذا ليس عند أحدٍ، فهل نقول: إن هؤلاء لم يجعلوها
في حرزها؟ أو أن الحرز هو وجودها أمام الباب؟
الحقيقة أنه لا يبعُد أن يكون القول بأنها إذا أُغلق وجُعلَت أمام الباب أن ذلك
حفظًا لها، إلا في بعض ما يكون من البلدان التي يكثر تسلُّط الناس عليها، فلا يكون
ذلك حرزًا، وتجري عادة الناس أن يُدخلوها البيوتات ويحفظوها بأشياء مخصوصةٍ
محدَّدةٍ.
أمَّا ما يتعلق بأخذ السيارة وهي مشغَّلة ومفتوحة الأبواب ونحوها؛ فلا شكَّ أنَّ
هذا ليس بابه باب السرقة التي توجب الحد، ويُعاقب فيه بالقطع؛ لأن صاحب المال مفرط.
ولو قيل في مثل هذا: إن فاعل ذلك يُعزَّر ويُؤدَّب على إهماله في ماله، وإغرائه
لضعاف النفوس بالسرقة لم يكن ذلك بعيدًا.
وإنَّا رأينا في بعض الأوقات القريبة ما أُشيع أو ظهر أنَّ مَن ترك سيارته على هذا
النحو فتلحقه غرامة؛ فلا شك أن هذا وجه صحيح؛ لأنه أشغل مَن يقوم على حفظ الناس
وأمنهم، وسهَّل لضعاف النفوس أن يتسلطوا على الأموال، وأهلك ماله وأتلفه، فيُتنبَّه
لمثل هذه المسائل.
إذن؛ الحرز هو أخذ الشيء من مكان حفظه المعتاد، ويختلف ذلك باختلاف البلدان، مثلا
في أسواق بعض البلدان إذا جاء وقت الصلاة جعلوا ستارةً على الأشياء المباعة وكان
ذلك حرزًا لها، والناس يأمنون ويعتادون مثل ذلك، ولا أحد يقرب هذا المكان أو يرفع
ذلك الستار، فإذا كان الأمر كذلك كان هذا حرزًا، فالآخذ من هذا آخذٌ من الحرز؛ فيجب
عليه القطع. وبعض البلدان تكون يد السُّرَّاق فيها مستطيلة ومستشرية، فيتحفَّظ
الناس عادةً أكثر وأكثر.
وبناءً على ذلك لا يتأتَّى الحرز إلَّا بما اعتاده الناس في تلك البلاد من الحفظ
على وجهٍ صحيحٍ، ولأجل ذلك قد يتفاوت الحرز من مكانٍ إلى آخر، وهذا مرده إلى أعراف
الناس وما اعتادوه، وقوة الأمن من عدمه، وكثرة السرَّاق من سواه، وكل ذلك مؤثِّرٌ
في هذه المسألة ومعتبر في حكمها.
إذا اجتمعت شروط السرقة بانتفاء الشبهة، وأخذ النصاب، وكونها على وجه الخفاء، وكون
المال محترمًا، وكون السارق بالغ عاقل تتعلق به الأحكام؛ فبناء على ذلك تُقطَع يده
اليُمنى، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَ﴾
[المائدة: 38]، والبداءة باليد اليُمنى كما جاء ذلك في السنة، وجاء ذلك أيضًا عن
عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّه أمر بقطع يد السارق اليمنى.
قوله: (قُطِعَتْ يَدُهُ اْليُمْنى مِنْ مِفْصَلِ اْلكَفِّ)، المَفْصَل -بفتح الميم
وإسكان الفاء وفتح الصاد- هو موضع الفصل، وأما "مِفْصَل" فهي آلة الفصل.
ومفصل الكف: ما بين الكف والذراع -الذي هو الزند- فهذا المفصل من الكوع والكرسوع
وما بينهما من الزند؛ فيُقطع من هذا الموضع في المشهور عند الحنابلة، خلافًا لقول
بعض الفقهاء أنها من المرفق.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَحُسِمَتْ)، إذا قُطعت اليد فإنَّ العادة
أن الدم يجري، وإذا جرى دم الإنسان يُوشك أن يهلك وأن تذهب روحه، فبناء على ذلك
لابد أن يُقام الحد مع الأمن في الاستيفاء من الحيف -كما قلنا في باب القصاص-
والحيف أن تصل الأمور إلى ما هو أشد، فلأجل ذلك لابدَّ من حسمها، فإذا غُمِسَت في
زيت فإنَّ العروق تنغلق والدم يمسك، ويمتنع سيلان الدم الذي قد يُفضي بالنفس إلى
الذهاب، وسواء كان ذلك كما كان في الأزمنة الماضية بحسمها بالزيت، أو كان ذلك بما
يجد للطب وأهله من أعمال في حسمِ هذه العروق وإغلاقها كيلا يكون بذلك بلاءٌ على هذا
السارق؛ لأنه لابدَّ أن يُعلَم أنَّ السارق إذا سرق وقطعت يده فلا يعني ذلك استباحة
ما سوى ذلك، فعرضه مصونٌ ونفسه محفوظة، ولا يجوز التطاول عليه، وهو مسلم له من
أحكام المسلمين ما له، ويجب له من الأمور ما يجب.
وتحفظون القصة: أَنَّه علَى عَهْدِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ
اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وكانَ يُضْحِكُ رَسولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وكانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ
جَلَدَهُ في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ به يَوْمًا فأمَرَ به فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ
مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتَى بهِ؟ فَقَالَ النبيُّ
-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ إنَّه
يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ» ، وفي رواية «لا تكونوا عونًا للشَّيطانِ على أخيكُمْ»
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ عَادَ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ اْليُسْرى مِنْ
مِفْصَلِ اْلكَعْبِ وَحُسِمَتْ، فَإِنْ عَادَ حُبِسَ، وَلاَ يُقْطَعُ غَيْرُ يَدٍ
وَرِجْلٍ)}.
إذا تكررت السرقة، فيده اليمنى مقطوعة، فلو قلنا: إنه لا قطعَ ولا عقوبة في مثل هذه
الحال لأفضى بهؤلاء الذين اعتادوا السَّرقة أن لا يكون ذلك رادعًا لهم، وأن يكون
محفِّزًا لهم على تَكرار السرقة والوقع فيها؛ لأنه لا عقوبة تقع عليهم في مثل تلك
الحال؛ فلأجل ذلك قالوا: إنه يُقطَع. ولكن أيُّ شيءٍ يُقطَع منه؟
هل نقول: تُقطَع يده بدليل قوله تعالى: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَ﴾، أم أن الضمير
في الآية راجع إلى السارق والسارقة، وليس المقصود بذلك أن تُقطَع يداهما جميعًا؟
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (قُطِعَتْ رِجْلُهُ اْليُسْرى مِنْ مِفْصَلِ
اْلكَعْبِ)، يعني: لا تُقطع يده الأخرى، وأصل ذلك أمران:
أولًا: ما جاء في بعض الأحاديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وإن كان
فيه مقالٌ لكنَّه معضودٌ بالأثر والمعنى، قال: «إِذَا سَرَقَ السَّارِقُ،
فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا
يَدَهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» .
ثانيًا: قالوا إنه لو قُطعت يده الأخرى لأفضى ذلك إلى حرمانه من الانتفاع بما يحمله
وذهبت عليه منفعة اليد برمَّتها، وهذا يحتاج إليه لطهارته، وإلى طعامه وشرابه وعمله
ونحو ذلك؛ فلأجل ذلك كما أنه يُعاقَبُ ويُطلَب ردعه، فإنه أيضًا لا تُفوَّت عليه
منفعةُ يده، وبناء على ذلك قالوا بقطع الرجل اليسرى، وهذا هو الذي جاء عن عمر
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بحضرة بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
إذا قُطِعَت اليد اليُمنى والرجل اليسرى ثم عادة ثالثة. فما الحكم؟
هذه محل كلامٍ لأهل العلم كثير، والخلاف فيها طويل:
- منهم مَن يقول: تُقطَع يده اليُسرَى، وأصل ذلك حديث ابن عباس "فإن عاد فاقطعوا
يده اليسرى، فإن عاد فاقطعوا رجله اليمنى، فإن عاد حبس وعُزِّرَ"، رُوي موقوفًا
ومرفوعًا.
- وذهب المؤلف إلى أنه لا تُقطَع إلا يدٍ ورجلٍ، وهذا قول عند الحنابلة، وقول لبعض
الفقهاء، وعمدتهم في ذلك أن الذي جاء إنما هو الأثر عن عمر أنه أمر بقطع رجله
اليسرى بعد يده اليُمنى.
من قال إنه يتكرر القطع ذهب إلى أثر ابن عباس واعتضدَ به في تقويته بما جاء في بعض
الآثار من جهة المعنى، وما رُويَ في ذلك مرفوعًا إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- فقالوا بالتَّكرار في مثل هذه الحال، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
والمسلكان في ذلك قويَّان، فتَكرار القطع معتبر من جهة عموم المعنى في الآية، وما
أيَّد ذلك من قول الصحابة، والاقتصار له وجهٌ، وجاء عن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
أنه قال: "إذا قطعت يده ورجله، ثم يده ورجله؛ فكأنه قُتل"، لانقطاع منافعه كلها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لاَ تَثْبُتُ السَّرِقَةُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ
عَدْلَيْنِ، أَوِ اعْتِرَافٍ مَرَّتَيْنِ)}.
السرقة تثبت بوجهين:
الأول: بالشهادة، فليس كلُّ مَن ادُّعيَ عليه أنه سارقٌ فقد سرق، ولا كل مَن
ادُّعيَ عليه أنه سارق فقد تمَّ عليه الحكم؛ لأنه لابد أن تكون الشهادة على السرقة،
وعلى أنها أُخذت من حرزها، وعلى أن المأخوذ يبلغ النصاب ونحوه، وكل ذلك لا يتأتَّى
إلا بالشهود الذين تعتبر شهادتهم، وهم الأحرار العدول البلغين، فلا تقبل شهادةُ غير
عدلٍ، وبناء عليه قالوا: (لاَ تَثْبُتُ السَّرِقَةُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ)؛ لأن هذا
هو المعتبر في إقامة الحدود وغيرها، واعتبار شاهدين باعتبار عموم ما جاء في النصوص.
الثاني: أن يكون منه إقرار، فيقول: "أنا سرقت"؛ فإذا أقرَّ بذلك فإنَّه يُقطَع،
ولكن شرط الإقرار أن يكون مرتين، يعني: يُعيد الإقرار، فقد جاء في بعض الآثار أن
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لَمَّا اعترف السارق، فقال له: «مَا
إِخَالكَ سَرَقْتَ» . قال: بلى. فأعاد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- عليه
فأعادَ، فأمر به فقُطِعَ في مثل هذه الحال.
وكما قلنا: إنَّ هذا مقيسٌ على ما جاء في حَدِّ الزِّنا، في تَكرار النبي -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- عليه، وقياسًا على الشهادة، فكما أنَّ الشهادة تكون مرتين
لإرادة التَّحقُّق والتَّبيُّن، وأنَّ مثل هذه الحدود تُدرأ بالشُّبهات؛ فلابدَّ أن
يكون إقراره بيِّنًا، ولا يتأتَّى ذلك إلا بأن يُعيده ويثبت عليه، ولو أنه رجع بعدَ
إقراره فلا قطع في مثل هذه الحال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُقْطَعُ حَتَّى يُطَالِبُ اْلمَسْرُوْقُ
مِنْهُ بِمَالِهِ)}.
يعني: أن السرقة لابدَّ فيها من مطالبة المسروق؛ لأنه من المتقرر شرعًا أن الحد
يُدرأ بالشُّبهة، ومن المتوقع أن يكون المسروق قد أباح له ذلك، أو أن هذا المال
موقوفٌ على الفقراء، وهذا السارق من جملتهم؛ فيكون له حقًّا فيه، أو أنه قد أذنَ له
ولم نعلم، فيُظنُّ أنه سارقٌ وكان قد أخذَ ما لَهُ أخذُه، فلأجل ذلك قال المؤلف
-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُقْطَعُ حَتَّى يُطَالِبُ اْلمَسْرُوْقُ مِنْهُ
بِمَالِهِ)، فإذا طالبَ بماله تبيَّنا أن هذا سارقٌ، وأنَّ هذا آخذٌ لمالٍ محترم،
وأنه منطبقةٌ عليه شروط وجوب الحد عليه وقطعه في مثل تلك الحال، وإلا فلا لِمَا
ذكرنا؛ لأنه لو لم يُطالب المسروق فيُمكن أن يكون قد أباحه له، صحيح أنَّنا نرى هذه
الحديقة مغلقة وهذا دخل وأخذ هذا المتاع، ولكن صاحب المال جعل في نفسه أن من أتى من
المسلمين وأخذ شيئًا فلا بأس.
الفقهاء -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يقولون: إن السرقة لها تعلُّقانِ -الحد والمال
المسروق:
فالحد: حقٌّ لله.
والمال المسروق: حقٌّ للمسروق منه.
وبناء على ذلك قد يجتمعان فيُطالب بهما جميعًا، وقد يفترقان، فيُقام عليه الحد، ولا
يطالب الآدمي بحقه.
إذن؛ لابدَّ من المطالبة بإقامة الحد حتى نتحقق أنه سارقٌ للمال بغير شُبهةٍ
تعتريه، وفي هذا قصة صفوان التي ذكرناها في الدرس الماضي، فكان قد أُخذ منه رداؤه
وهو نائم، فقام وبحث ووجد هذا السارق، فجاء به إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- فأمر فقُطِعَ، فقال صفوان: لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ هُوَ عَلَيْهِ
صَدَقَةٌ. فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ
تَأْتِيَنِي بِهِ» ، فأُخذ من الحديث أن المطالبة يُحكَم فيها بالحد.
لقائل أن يقول: في حديث صفوان هذا؛ كيف كانت سرقة؟
يقولون: لَمَّا كان نائمًا فهو ليس مما يُرى، وحفظ الرداء يكون عادة بمثل هذا،
فيكون كأنه أُخِذَ من حرزه على وجهٍ يُوجب السرقة، ولو أنَّه لما انتزع الرداء قام
صفوان وانتبه وأمسكَ به، ثم شدَّه السارق وذهب؛ فلا يكون حكمها حكم السرقة؛ بل تكون
حكمها حكم النُّهبَة أو الاختلاس، على حسب تفريق الفقهاء بينها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ وَهَبَهَا لِلسَّارِقِ، أَوْ بَاعَهُ
إِيَّاهَا قَبْلَ ذلِكَ، سَقَطَ اْلقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، لَمْ
يَسْقُطْ)}.
قوله: (وَإِنْ وَهَبَهَا لِلسَّارِقِ، أَوْ بَاعَهُ إِيَّاهَا قَبْلَ ذلِكَ، سَقَطَ
اْلقَطْعُ)، فإن هذه استُحقَّت لهذا، وتبيَّنَّا أنه ليس مالًا مسروقًا، وإنما هو
مالٌ مستحقًّا بهبةٍ أو بإعطاء أو بمعاوضةٍ كبيعٍ أو غيره على أيٍّ كان، وبناء على
ذلك لا يكون فيه قطعٌ.
قوله: (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، لَمْ يَسْقُطْ)، أما إذا أباحه له بعدَ أن سرق فلا؛
لأنَّ العبرة بوقت أخذ المال، فأُخذ على غير وجه حق، فيصدق على هذا أنها سارق،
وأخذٌ للمال من حرزه، وهو مالٌ محترمٌ ولا شبهةَ له فيه، وبلغ النصاب، وطالبَ
المسروق منه؛ فكون أباحه بعدَ هذا أو لا فلا ينفع الساق، وتُقطَع يده، صحيح أن
إباحته لا تنفع إلا في جهةٍ واحدةٍ وهي أن تسقط مطالبة المسروق منه، فلا يرد السارق
المال، ولكن من جهة إقامة الحد والحكم بالقطع فهذا ثابت لا إشكال فيه ولو كان قد
أباحه ما دامت أنَّ الإباحة لاحقة بعدَ حصول السرقة ووقوعها، فيصدق عليها أنها
سرقةٌ اكتملت شروطها وتمَّت أركانها؛ فتعلق به حكمها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ بَعْدَ
اْلإِخْرَاجِ لَمْ يَسْقُطِ اْلقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ)}.
قوله: (وَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ بَعْدَ اْلإِخْرَاجِ لَمْ يَسْقُطِ
اْلقَطْعُ)، هذه مسائل تتعلق بأن المعتبَر هو حال السرقة، فلو أنه أخرج هذا الجوال
وأخذه من حرزه الذي جرت العادة حفظه فيه، فكان يساوي ستة آلاف -وهو نصاب- ثم خرب
هذا الجوال أو تعطَّلت بعض أنظمته، فصار لا يساوي إلا خمسة ريالات، فلا نقول: إنَّ
هذا ليس بسارق ولا حد عليه؛ لأنه لما سرق كان منطبقة عليه الشروط وهو أنه بالغ
للنصاب.
وأحيانًا في بعض الأحوال يكون الجوال قد خرج غيره طراز آخر بعد السرقة، فنقصت قيمة
هذا نقصًا بالغًا، كما يحصل أحيانًا في بعض الجوالات التي لا تدعم بعض الأنظمة
الجديدة والمحدَّثة، فتذهب منفعتها؛ كيفما كان متى ما نقصت القيمة بعد ذلك لم يمنع
إقامة الحد عليه.
مثال: سرق لحم غزال، وبعد ما سرقه أصابه نتن، فلا نقول: إنه ما عاد يساوي شيء فلا
يُقطع؛ حينما سرقه كان لحمًا طيبًا يساوي القيمة التي يُقطَع في مثلها؛ فإذا كان
الأمر كذلك فإنه يُقطَع حتى ولو نقصت القيمة بعدَ ذلك.
قال: (وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ)، مثال لطيف: لو جاء يتحسس على شيء فإذا
هو جوال، ثم حرَّكه فانكسر الجوال، فأخذه وذهب به.
هنا لَمَّا أخرجه من الحرز أخرجه وهو مسكور، فإخراجه كان لا يساوي النِّصاب على تلك
الحال، وبناء على ذلك لا يجب عليه الحد.
أو لو أنَّه فتح مكانًا فوجد فيه ثيابًا غالية، فإذا به يُخرجها فقطعها، فصارت لا
تساوي شيئًا، فأخذها هو، فهو سارق يأخذ الكثير والقليل! فنقول: لَمَّا أخذها وهي
مقطوعة فإنَّه لا حدَّ عليه في مثل تلك الحال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا قُطِعَ، فَعَلَيْهِ رَدُّ اْلمَسْرُوْقُ،
إِنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ قِيْمَتُهُ إِنْ كَانَ تَالِفً)}.
إذا قُطِعَ فعليه رد المسروق؛ لأنَّ الحَدَّ في السَّرقة لحد الله -جَلَّ وَعَلَا-
فهو تكفيرٌ لهذا الجُرم وهذا المحرَّم، وأمَّا المال فإنه حقٌّ لهذا الشخص، فبناء
على ذلك استيفاء أحدهما لا يكفي عن استيفاء الآخر.
وبناء على ذلك نقول: المال مردودٌ، وحتى لو لم يُقَم عليه الحد لأي سبب من الأسباب،
إما لكونه قد أخذ من غير الحرز، أو غير ذلك؛ فسيجب رد المال، حتى ولو أقيم عليه
الحد، لكونهما جهتان منفكتان.
إذن؛ قد يجبان جميعًا -الرد والقطع- وقد يسقط القطع، ولكن سقوط القطع لا يعني سقوط
الرَّد، وقد يبقى القطع ويسقط الرَّد لو أباحه بعدما رُفع إلى القاضي، مثلما قلنا
في قصة صفوان.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (رَدُّ اْلمَسْرُوْقُ، إِنْ كَانَ
بَاقِيً)، يعني: يرد عينه.
قال: (أَوْ قِيْمَتُهُ إِنْ كَانَ تَالِفً)، فإن كان مثليًّا ردَّ مثلَه، وإن كان
قيميًّا ردَّ قيمته.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باَبُ حَدِّ اْلمُحَارِبِيْنَ)}.
هذا الباب من أبواب الحدود، والتي يجب فيها حدٌّ معيَّن، وأصل ذلك قول الله -جَلَّ
وَعَلَا: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ
تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
[المائدة: 33]، وفي هذا حديث ابن عباس، وستأتي الإشارة إليه، وهو تفسير لهذه الآية
وبيانٌ لها، وهو قول أهل العلم اعتبارًا بهذه الآية -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- في
أن المحاربين يستحقون هذا الحد وتجب عليهم هذه العقوبة.
وحقيقةً أنَّ المحاربين لا ينفكوا من:
- إما أخذٌ للمال: فبابه باب السرقة، وهو اعتداء على الأموال.
- وإما قتل: فيجب فيه أحكام القتل.
ومع ذلك لَمَّا كانت على صورة مخصوصة وهي صورة إخافة الناس وقطع الطريق ومنع الناس
في الانتقالات والسفر وقضاء الحوائج ونحوها؛ فإنَّ الشارع جعل فيها أعظمَ العقوبة،
ولَمَّا كان ضعاف النفوس قد لا يتسلَّطونَ على الناس في المدن والقُرى وأماكن وجود
الناس لخوفهم من اجتماع الناس وقوَّتهم وحضور السلطان وجُنده؛ فإنهم يتربصون بالناس
في البراري والفيافي والقفار والأماكن الخالية ونحوها، ويتأتَّى لهم في ذلك ما لا
يتأتَّى لغيرهم؛ فلما كان هذا أمرًا يتعلق به أمرٌ عظيمٌ وخطرٌ كبير؛ قطع الشارع
ذلك كلَّه، فجعل لهم أعظم العقوبة حتى يُحال بينهم وبين هذه الفعلة، وحتى يأمن
الناس في سبلهم، فإن مَن علم أن العقوبة شديدة، وأن العذاب عظيم، وأنه يكون به
القتل والقطع والصَّلب، وهذه العقوبات تكون واحدًا منها أو أكثر بحسب الحال -على ما
سيأتي بإذن الله جل وعلا- فإنهم لا يكادون يتسلطون على الناس ولا يقصدونهم.
ولأجل ذلك يُذكَر في سِنِيِّ قريبة قد لا تكون بعيدة كثيرًا؛ أنه جرى على الناس
شيءٌ من الخوف في بعض الطُّرقات، وتسلَّطَ بعض ضعاف النفوس، حتى إذا فعل ذلك واحد
منهم فأمسكه السلطان وقُتل وصُلب، فكان عبرةً لمن بعده، فانقطع دابر الخوف في
الطرقات والفيافي والقفار، وأمِنَ الناس حتى لا يكادُ يختلف الحال عليهم أن يكونوا
في المدينة أو خارجها، أو أن يكونوا منفردين ليلًا أو نهارًا، أو أن يقضوا حاجاتهم
في أبعد الأماكن وخاليها، وما ذاكَ إلا بفضل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن شرع هذه
الشعيرة وأقام هذا الحد على هؤلاء؛ فينقطع بذلك شر أهل الشر، ويذهب باطلهم.
{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَهُمُ الَّذِيْنَ يَعْرِضُوْنَ لِلنَّاسِ
فِيْ الصَّحْرَاءِ جَهْرَةً؛ لِيَأْخُذُوْا أَمْوَالَهُمْ)}.
هم الذين يعرضون للناس في الصحاري، فلو كانوا في المدن أو القُرَى فإنَّه لا يشملهم
ذلك البتَّة، حتى ولو كانوا يأخذون على نحو هذه الحال لِمَا ذكرنا من أنه في المدن
يتسنَّى للناس أن يدفعوا ذلك لاجتماعهم، ولقدرتهم على التَّحكَّم في حركتهم، أما
إذا سافر الإنسان فلابد أن يقطعه ليلٌ ونهارٌ، وأن يكون بمفرده...، وهكذا.
فلأجل ذلك اشترطَ الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- كما هو ظاهر الآية أنَّ
المحاربة إنما تتصوَّر إذا كان في الصحاري والأماكن الخالية، بعيدًا عن المدن
والقرى وتجمُّع الناس وائتلافهم، ويأخذون على وجه الجهر والقوَّة، أما إذا كانوا
على وجه التَّلصُّص والخفية فلا يدخل في حكم المحارب، فلو كان شخص باقٍ في صحراء أو
بريَّة، حتى إذا رأى أحدًا قد وقفَ ونامَ جاء وأخذ بعض متاعه خفية ثم هرب؛ فهذا
حكمه حكم السرقة أو النهبة -بحسب حاله والصورة التي اجتمعت للقاضي في الحكم عليه-
وهذا لا يحص منه ما يحصل من هؤلاء من إخافة السبيل، لأن الإنسان إما أنَّه يتوقَّى
فلا ينام ولا يقف إلَّا في أماكن مأمونة، أو يتناوبون في نوم وراحة ونحوها، لكن
الذي يأتي للناس جهرة وبالقوة وبالقهر والسلاح فهذا لا أحد يستطيع دفعه، حتى ولو
كانوا المسافرين كثرة كاثرة؛ فلما كان الأمر كذلك اختصَّ الحكم بهم، وجعله الفقهاء
قيدًا في هذه المسألة، فقالوا (وَهُمُ الَّذِيْنَ يَعْرِضُوْنَ لِلنَّاسِ فِيْ
الصَّحْرَاءِ جَهْرَةً؛ لِيَأْخُذُوْا أَمْوَالَهُمْ)، فإذا كانوا على هذا النحو
فيصدق عليهم ذلك، وهم الذين يأخذون الأموال -وهو الأكثر- أما إذا كانوا لغير ذلك
فلا يدخل، وسيأتي -بإذن الله جل وعلا- مزيدُ تفصيلٍ في مثل هذه المسائل.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأسأل الله أن يبلغنا الخير والرشاد، وشكر الله
لكم وللإخوة القائمين على هذا، وللمشاهدين والمشاهدات، والله تعالى أعلم، وصلى الله
وسلم وبارك على نبينا محمد.
{أشكركم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.