{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان. فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشيخ}.
أهلًا وسهلًا، حياك الله، وحيا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات في مجلسٍ من مجالس
العلم، نسأل الله أن ينفعنا بها.
{نشرع من قول الموفق ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُسْتَعَانُ
بِمُشْرِكٍ إِلاَّ عِنْدَ اْلحَاجَةِ إِلَيْهِ)}.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه
وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعد؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يفتح لنا العلم، وأن يُوفقنا لتحصيله،
وأن يرفعنا به، وأن يجعلنا من أهله العاملين، ومن أهله المعلمين، ومن الموفَّقين
المُسدَّدين، وأن يغفر لنا ولوالدين ولأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين.
لايزال الحديث موصولًا في مسائل الجهاد، وكما ابتدأنا في أول درسٍ من هذه الدروس
المباركة في هذا الكتاب أنَّ هذا كتابٌ عظيمٌ، وفيه مسائل مُشكلةٌ، وأنَّ مردَّ ذلك
إلى أن الطالب يستأنف العلم ولا يستعجل فيه، ولا يخلط في مسائله فيُدخل فيها ما ليس
منها، وينقلها إلى ما يكون سببًا إلى حصول فتنةٍ أو لوقوع في محنةٍ، أو التَّلطُّخ
بدمٍ، أو التَّجرُّؤ على الشَّرع، أو تغيير الأمور عن نصابها، وابتلاء الناس
ببلائها، ولم تزل مثل هذه المسائل مثارَ إشكالٍ عند كثيرٍ من الطلاب أو المتحمِّسة،
فيُفضي ذلك إلى وقوع بلاءٍ، أو الانضواء تحت ألوية أهل الضلال والفتنة والخروج
والمحنة من الفِرَق الضَّالَّة منة الدَّاعشيَّة وغيرها؛ فكل ذلك إنَّما يُؤخَذ
أحيانًا بفهم مسائل العلم على غير وجهه، وخاصَّةً مثل هذه المسائل التي هي مسائل
الجهاد.
قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُسْتَعَانُ بِمُشْرِكٍ إِلاَّ عِنْدَ
اْلحَاجَةِ إِلَيْهِ)، يعني: لا يجوز الاستعانة بمشركٍ إلا عند الحاجة، والمشهور من
المذهب عند الحنابلة كما هو قول جمهور العلماء أنَّ الاستعانة إذا احتيج إليها
جازت، وهذه هي الرواية عن أحمد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وأصل ذلك ما جاء في أدلةٍ كثيرة، منها: استدلال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- في الهجرة بعبد الله ابن أريقط، ومنها الاستعانة بصفوان في أخذ دروعٍ من
دروعه واستئجارها، وفي مواطن كثيرة دلَّت على الاستعانة بالمشرك، ولكن لا يكون ذلك
إلَّا عند الحاجة لِمَا جاء في غزوة بدرٍ لَمَّا لحق بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- بعضُ المشركين، وكانت عادتهم في أهل الجاهلية أن قومهم يغزون ولا يغزون
معهم، فهذا يعتبرونه عيبًا؛ فردَّهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وقال:
«إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ» ، فأخذ من هذا أهل العلم جمعًا بينَ هذا
الحديث والأحاديث الأخر أنَّ المسألة هنا إنَّما مردها إلى الحاجة، فإذا احتيج إلى
ذلك ارتفع المنعُ، وإن لم يُحتجْ إلى ذلك فالمنع باقٍ.
وأصل المنع من الاستعانة بالمشرك هو عدم الأمنِ من أن يُقاتل بإخلاص، أو أنه لا
يفتح على المسلمين ثغرَة، أو يُظهر لهم عيبة أو نحو ذلك.
ولا يرد في هذه المسائل أنَّ هذا نوعٌ من الولاء أو البراء، فهذه من أعظم المواطن
التي يقع فيها الإشكال، وهي لا ترد عند أهل العلم البتَّةَ؛ لأنَّ الكلام عند أهل
العلم إنَّما هو قتالٍ مشروعٍ، والقتال المشروع سواء كان قتال بعض المشركين الآخرين
أو حتَّى قتال بعض المارقين من المسلمين، ولذلك حتى في قتال الخوارج كما هو الآن،
فيُحتاج في بعض قتال الخوارج والدواعش ومن في حكمهم إلى التَّحالف مع بعض القوى،
وقد تكون هذه الجيوش جيوشًا ليست مسلمة، أو غير ذلك؛ فعند أهل العلم أنَّ هذه مسألة
ممَّا تدخل في هذه المسائل، وأنَّه إذا احتيج إليها هل يرتفع المنع أم لا، ولا تدخل
في مسائل الولاء والبراء التي يُقال فيها إنَّ هذا سببٌ للخروج من الملَّة أو
الوقوع في الكفر أو غير ذلك، فإنما هذا مسلكٌ من مسالك أهل البلاء والفتنة، وأهل
الأهواء والجهل.
فالقتال مشروع، سواءٌ قُتل الكفار لردِّ كفره، أو قُتل خارجيٌّ ومارقٌ لمنع شرِّه،
فهذا قتالٌ مشروع، فإذا استُعينَ بمشركٍ فهذه الاستعانة بحسب الحاجة إليها والأمن
من شرها، فإذا كان يُحتاج إليها ولا مناصَ من الاستعانة بهم فإنَّ ذلك جائزٌ في
رواية عن أحمد، وهو قول جمهور أهل العلم، ولذلك قال المؤلف هنا: (وَلاَ يُسْتَعَانُ
بِمُشْرِكٍ إِلاَّ عِنْدَ اْلحَاجَةِ إِلَيْهِ).
وبعضهم قد يُوسِّع في هذه المسألة أكثر من ذلك، ما دام أنَّ القتال مشروعٌ والوجهةُ
صحيحة، ولا تدخل في مداخل أخرى، ولذلك جرُّوا هذه المسألة -كما هو سبيل أهل
الأهواء- إلى أن تكون من المسائل التي يُفتَن فيها الناس، أو يُلبَّس عليها أنَّها
من الولاء، وأنَّ فيها من تولِّي الكافرين، وأنَّ فيها من الإعانة على المسلمين، أو
غير ذلك؛ إنَّما هذه تلبيسات الجهلة، وطرائق أهل الضلال.
ولسنا نقول ذلك من عندنا؛ بل في هذا الموطن نصَّ العلماء على هذه المسألة، وفي موطن
قتال أهل البغي نصُّوا على هل يجوز الاستعانة بالكافر على قتال الخوارج أو لا؟
وهي مسألة واحدة في ذلك، لأنَّ القتال هنا مشروعٌ من كلِّ وجهٍ، لم يبقَ إلَّا
الأمن من شرهم، وإن كانوا للاستعانة بهم والحاجة إلى ذلك وعدم الاستغناء عنهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يَجُوْزُ اْلجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ
اْلأَمِيْرِ، إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُوْنَ كَلَبَهُ، أَوْ
تَعْرِضَ فُرْصَةٌ يَخَافُوْنَ فَوْتَهَ)}.
قوله: (وَلاَ يَجُوْزُ اْلجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ اْلأَمِيْرِ)، هذا هو الأصل،
فالجهاد تبعٌ للأمير، والجهاد تبعٌ لولي الأمر، لا يُفتات به عليه، ولا يُتجاوز
أمره فيه، ولا يتصرَّف الناس من عند أنفسهم لِمَا يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة
على ما جرَّ بيانه وتوضيحه في المجلس الماضي. فهذا أمرٌ ظاهرٌ بيِّنٌ لا إشكالَ
فيه.
قال المؤلف: (وَلاَ يَجُوْزُ اْلجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ اْلأَمِيْرِ، إِلاَّ أَنْ
يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ).
هذا ليس على الإطلاق، إذا خافوا فجأة العدو، وإنَّما إذا خافوا أن يفجأهم العدو
الذي يخافون كَلَبَه، يعني: لا يُمكن إذا بدأهم أن يستطيعوا أن يمنعوه وأن يتصدَّوا
له، ولم يتمكَّنوا من استئذان الإمام في الوقت نفسه، أو أنَّ إذن الإمام احتاج إلى
وقتٍ قد يكونُ معه هجوم هذا العدو واستئصال المسلمين، وحصول البليَّة عليهم، فيُفهم
من هذا أنه لو أمكن الاستئذان ولم يكن فيه تأخير؛ فإنه لا يجوز لهم أن يبتدروا
القتال، أو كان العدو لا يخافون كَلَبَه لو هجمَ لقدرتهم على الرَّد وإمكان المنع.
الثالث: إذا كان الأمير على علم بذلك، أو أمرَ بالانحياز، أو علم أن هذا العدو لا
قبَل لهم به، فأراد أن يُغيِّر مكانهم، أو أن يردهم إلى مكانٍ آخر، أو أن يستبيح
لهم بعض هذا المكان أو بعض هذه الجهة تحصيلًا لمصلحةٍ أعظم، وهي أن لا يستبيح بيضةَ
المسلمين وأعراضهم، فيُمكنهم من هذه المدينة وممَّا فيها من المتاع والزارعة ونحو
ذلك.
فإذا كان الإمام قد أمر بالانحياز وحمل على ذلك؛ لم يكن للناس أن يتصرفوا من عند
أنفسهم.
إذن قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ)، هذه
مخصوصة بحالٍ واحدةٍ، كما أنَّهم لو ابتدؤوا قتالًا لعدوٍّ خافوا كلَبَه، وخافوا
التَّأخُّر باستئذان الإمام، فلما بدؤوا القتال وصلهم أمر الإمام بالانحياز أو
بالتَّأخُّر، أو بالانضمام إلى جيشٍ آخر، أو إلى جهةٍ محلَّةٍ أخرى؛ وجـب عليهم
ذلك.
إذن؛ هذه صورة مختصَّة، وحالةٌ صغيرةٌ جدًّا، تُقدَّر فيها الأمور بقدرها، ولم
يُرَد في ذلك تأصيل مسألةٍ أن بعض أنواع الجهاد تكون بغير إذن الإمام.
وما يكون من قول بعضهم أنَّ ثَمَّ فرقٌ بينَ جهاد الطَّلبِ وجهاد الدَّفعِ، وأنَّ
جهاد الطَّلب يكون بالإذن، وجهاد الدفع يكون بغير إذن؛ وإلقاء المسألة على هذا
النَّحو خطأٌ صريحٌ، ولا ينصُّ أهل العلم على ذلك، بل إنَّ محلَّ الأمرِ هذه الصورة
المخصوصة، ولا يجوز توسيعها أو نقلها إلى صورٍ أخرى، أو جعلها حجَّةً للافتيات على
الإمام في بعض أنواع الجهاد والقتال، وهذه من أكثر المواطن التي حصل بها نوع تلبيس،
أو استقطاب الصِّغار والأحداث، وجعلهم وقودًا لكثيرٍ من هذه الفتن، وإدخالهم في
حِممِ هذه القتالات الفاجرة الفاسدة التي لا أصل لها ولا أساس من الصِّحة، فيقولون
هذا جهاد دفع إن دهمهم عدوٌّ!
فهذا ليس بجهادٍ، ولم تقم فيه راية، ولم يتمايز فيه الأمر، ولم يكن له أصلٌ صحيحٌ،
وإنَّما قد يكون فيه معنًى من معاني الصحَّة، لكونه فيه استباحة لبعض بلدان
المسلمين، قد يكون فيه بعض الإشكالات أو الظَّلم، ولكن ليس هو من حيث الأصل قتال
قام على أساس الجهاد، وتحتفُّ به من توظيف هذه الحال لطوائف مختلفة من أهل الزَّيغ
وأهل الأهواء، ومثل فئة داعش والقاعدة أو غيرها من الفئات الضَّالَّة، وقد تكون
فئات أُخرَى غير معلنة، وقد تكون جهات لها مآرب وخيوط تستفيد منها دول غير مسلمة،
أو دول مسلمة لها أغراض دنيويَّة أو غير ذلك من الفتن الكثيرة، والتي يرتكس بسببها
كثيرٌ من شبابنا.
فليس هناك شيء اسمه جهاد الدفع لا إذن فيه، وإنما الناس تبعٌ للإمام لا يفتاتون
عليه في الجهاد إلا في صورةٍ واحدةٍ، حتى إذا وصل الإمام أو جاء خبر الإمام لم
يجُزْ للناس أن يتجاوزوا الإمام أو ينفردوا عن لوائه، أو يتصرَّفوا من عند أنفسهم
بدون أمره وإذنه، وانتهى عند ذلك الأمر.
وما تقدَّم من أنَّ العدو إذا دهمَ بلدًا تعيَّن الجهاد على أهل البلد فهذا هو
الأصل، وهذا بحسب إمكان قيام الجهاد، وإلا إذا لم يكن ممكنًا إقامة الجهاد لأي سبب
من الأسباب، لكون المشركين أكثر من ضعفي المسلمين، سواء قلنا: إن الأمر بالعدد أو
الأمر بمجمل القوَّة -كما هو قول لبعض الفقهاء- أو أمر الإمام بالانحياز، أو غير
ذلك من الأمور؛ فإنها ممَّا تحكم الأمر وتُغيِّير مجرى المسألة، ولأجل ذلك لمَّا
كانت كثيرٌ من هذه المسائل مناطها إلى الواقع، وتحقق المناط في الميدان؛ كان
النَّظر إنما هو في كل مسألةٍ بحسبها، وكان المرد إلى الإمام منعًا لمثل هذه
الإشكالات، وهي أن يدخل الناس في غير جهادٍ أو أن يُحملوا على فتنةٍ، أو يكون ذلك
سببًا لاستباحتهم لأن الأمر محسوم من جهة قوة الكافرين وضعف المسلمين، أو لما يكون
سبب ذلك من انكشاف بلاد المسلمين الأخرى، وأن الانحياز هو الذي يحمي غيرها وإن ذهب
طرفها، فهذه مسائل مُشكلة.
وهنا مسألة مُتعلقةٌ بالمنهاج والنَّظر، وهي أنَّه مهما درسنا من مسائل الجهاد هنا،
ومهما فصَّلنا، ومهما ذكرنا من بعض الأمثلة، ومهما أشرنا إلى بعض الوقائع التي هي
إشارةٌ إلى إشكالات فيها، وليس تحريرًا من كل وجهٍ لتلك الحال أو الواقعة هنا أو
هناك؛ فإنه لا يتأتَّى لي ولا يتأتَّى لك -أيها الطالب وأيتها الطالبة- أن تكون هذه
الدراسة كفيلةٌ بأن تكون قادرًا على القطع والبتِّ في مسائل الجهاد في الواقع،
وليست هذه الدراسة إلا بمثابة الأصل لدراسة مسائل علميَّة تُؤهِّلُك لحسنِ
النَّظرِ، ولا توصلك إلى الفتيا والقطع في المسائل والوقائع، وإنما يحتاج الطالب
إلى مراحل كثيرة في أن يحصل من العلم، وأن توكَل إليه الفتوى، وأن يجتمع مع ذلك
شيءٌ من حسن النَّظرِ والدِّيانةِ والمعرفةِ بالوقائع التي تُهيئه للدخول في
المسائل الوقاعة والنزول إلى الميدان بأن هذا صوابٌ وأن هذا خطأٌ، وأن ذلك صحيح وأن
ذلك غير صحيحٍ.
قال المؤلف: (أَوْ تَعْرِضَ فُرْصَةٌ يَخَافُوْنَ فَوْتَهَ)، هذا الكلام يكون حال
قيام الجهاد، وخروج الإمام له، وإنَّما بعض الحركات أو بعض ما يُسمَّى بالهجمات
ونحوها، أمَّا أن يُظن أنَّ ذلك معناه أنَّه يُبتَدأ جهادٌ بدون إذن الإمام فلا،
ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم، ولذلك قال المؤلف: (أَوْ تَعْرِضَ فُرْصَةٌ
يَخَافُوْنَ فَوْتَهَ)، يعني حال قيام الجهاد تعرض لهم بعض العدو، فيخافون إن
ذهبوا يستأذنوا أن يفوتوا هذا العدو، فهذه حالٌ مخصوصةٌ أيضًا، وهي حال قيام
الجهاد، ولا يُقصَدُ بذلك أن يُبتدأ جهادٌ بدون إذن إمام، لأنه لا جهاد إلَّا مع
إمامٍ، قولٌ متحقِّق، وأمرٌ متسقر عند علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا دَخَلُوْا أَرْضَ اْلحَرْبِ، لَمْ يَجُزْ
لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ اْلعَسْكَرِ لِتَعَلُّفٍ، أَوِ احْتِطَابٍ، أَوْ
غَيْرِهِ، إِلاَّ بِإِذْنِ اْلأَمِيْرِ)}.
إذا دخلوا موقع المعركة فإن ذلك من الأمور التي يدخل فيها الحذر والحيطة
والتَّنبُّه وترصُّد العدو بهم، وعظَم ما يتعلق بكل واحدٍ من المسؤوليَّة؛ لأنَّ
حركته قد تكشف مكانهم فينقض عليهم العدو، وذهاب بعضهم أو مجيئه سببٌ لأن يكون ذلك
فجوة أو ثغرة يُدخل بها على جيش المسلمين؛ فلما كان الأمر كذلك كان هذا غير جائزٍ
أن يتحرَّك أحدٌ من الجند عن غير مكانه، أو أن ينتقل من محلِّه وإقامته إلَّا بإذن
الإمام، قال تعالى: ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا
حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور/62]، فلم يكن لهم أن يتحركوا ولا أن يخرجوا ولا أن
يذهبوا ولا أن يبرزوا.
ولأنَّه قد يكون حال وجود الإمام في مكان قد عرف العدو بالأعين التي أرسلها، ولا
يُريد أن يُخيف جنده وجيشه بأن يُبلغهم أن العدو بجوارهم أو بإزائهم، وأن القائد
إمَّا أن ينتهز فرصةً لينقضَّ عليهم، أو ينتهز فرصةً لينأى بجيشه عن محاذاة هذا
العدو أو تمكين جيشه من أن يتسلَّط عليه عدو الكافرين، ولا يتأتَّى للإمام أن يُخبر
الناس خوفًا من أن يدبَّ إليهم الخوف، أو أن ينزل فيهم الرعب، أو أن يكون منهم
الخور، أو أن يظهر منهم التَّفرُّق، أو أن يكون منهم الانكشاف، إلى غير ذلك.
ولَمَّا كان الأمر بهذه الحال؛ لم يكن لهم أن يتحرَّكوا حتَّى للأمور التي يحتاجون
إليها، كأن يعلف دابَّته التي ترعى، أو يحتطب بعض ما يُصلح به طعامه أو يُدفِّئ به
نفسه، ومع عِظَم الحاجة إلى ذلك؛ لكن لمَّا كان الأمر تتعلق به مصلحةٌ أكبر لم يكن
لأحدٍ أن يتحرَّك إلَّا بإن الأمير، أو من جعل الأمير إليه الاستئذان، كأن يكون
أمير السَّريَّة، أو يكون العريف على هذه المجموعة، أو غير ذلك ممَّن لهم تصرُّفٌ
في المجموعات وقيامٌ عليها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ اْلحَرْبِ مَالَهُ
قِيْمَةٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ، إِلاَّ الطَّعَامَ وَاْلعَلَفَ،
فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ)}.
قال: (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ اْلحَرْبِ)، الكلام إنما هو مع الحربيين، وفي دار
الحرب، فخرج من ذلك المعاهدين، أو أهل الذِّمَّة أو المستَأمَنين؛ فإنَّ أولئك لا
يجوز للإنسان أن يتسلَّطَ عليهم، أو أن يستبيح أموالهم، أو أن يمكرَ بهم، أو يأخذ
شيئًا مما معهم، أو يستبيح لهم حرمة.
أمَّا في دار الحرب فإذا أُبيح قتله فمن باب أولى أن يُباحَ ما معه من مالٍ أو
لباسٍ أو دابَّة، فيقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ
دَارِ اْلحَرْبِ مَالَهُ قِيْمَةٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ)، لأنَّ
جيش المسلمين جيشٌ واحد، وغنيمته واحدة، ومردُّ الغنيمة إلى الإمام، والشَّرع جاء
بقسمتها، وجعل لكلٍّ قسمه الذي يليق به؛ فلم يجُزْ لأحدٍ أن يفتات في ذلك، أو أن
يخصَّ نفسَه بشيءٍ.
أما ما ليس له كقيمة كأن يكون حبلًا يربط به دابَّته ونحوه؛ فهذه أشياء لا قيمة
لها، فلا يُمنع منها، أما ما له قيمة فلا يجوز له أخذه.
قال: (إِلاَّ الطَّعَامَ وَاْلعَلَفَ)، كأن يجد طعامًا سقط كالتمر، فأخذه فأكله
ليستعين به أو ليتقوى به، أو شيئًا مما تُعلف به الدواب، أو نحو ذلك؛ فله أن يأخذ
منه ما يحتاج، وجاء ذلك عند أبي داود في أنهم أصابوا طعامًا في غزوة حنين فأخذوا
منه، فلم يُعَبْ ذلك عليهم، وكان ذلك أمرًا سائغًا، وهو ممَّا تتأكَّد الحاجة إليه،
لأن الوقت يطول، والحاجة إلى التَّقوِّي وأن يصمُدَ الإنسان، وكذلك الحاجة إلى
تقوية الدابة وعدم ظهور هزالها أو ضعفها؛ فكل هذا معلوم، ولأجل ذلك جازَ أن يأخذ
شيئًا منه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ بَاعَهُ، رَدَّ ثَمَنَهُ فِيْ
اْلمَغْنَمِ)}.
يعني: لو أخذ طعامًا فزاد عن حاجته التي طعمها أو أطعمها دابته فباعه؛ ردَّ ثمنه في
المغنم؛ لأنه له قيمة، وهذه القيمة مشتركة؛ فالأصل أن تكون غنيمة لا يختص بها،
وغلَّا كان غلولًا، وقد جاء في الغلول ما جاء فيه، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ
لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران:
161]، وقصَّة صاحب الشَّملة التي غلَّها «إنَّ الشِّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عليه
نارً» ، كما جاء ذلك عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، فلأجل ذلك لم
يجُزْ له، ولابدَّ من ردها إلى المغنم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ
رُجُوْعِهِ إِلى بَلَدِهِ، لَزِمَهُ رَدُّهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ يَسِيْرًا،
فَلَهُ أَكْلُهُ وَهَدِيَّتُهُ)}.
لو فضل منه تمر وحمله معه، أو أي شيء من المتاع والقوت كان يتزوَّد به وبقي منه بعد
المعركة، فلا يخلو:
- إن كان هذا الباقي له قيمة، فعلى ما قلنا في المسألة التي قبلها، فالأصل أنها
مغنم ولا يجوز له أن يختص بشيءٍ دون سائر مَن معه في القتال، كما أن غيره ليس له أن
يختص بشيءٍ عن صاحبه هذا.
- إن كان ليس له قيمة، كأن يبقى معه تمرات يسيرة، فيأكلها أو يهديها، لأنه إذا جازَ
له أكلها جاز له إهداؤها والتصرف فيها بإطعام زوجه أو ولده أو جاره، ونحو ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَجُوْزُ تَبْيِيْتُ اْلكُفَّارِ وَرَمْيُهُمْ
بِالْمَنْجَنِيْقِ، وَقِتَالُهُمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أَغَارَ عَلى بَنِيْ اْلمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّوْنَ
وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى
ذَرَارِيَّهُمْ)}.
التبييت: هو الهجوم على الكفَّار ليلًا.
والكلام هنا في تبييت الكفار هي مسألة من محالِّ الشُّبَه التي يُشبَّه بها على
جهلةِ الناس، أو جهلة المسلمين، أو بعض الأحداث، أو مَن يُغرَّر بهم في هذه
الميادين، فالكفار الذين يجوز تبييتهم هم مَن يجوز قتالهم، وهم أهل الحرب، أمَّا
تبييت المعاهد أو المستأمن -من دخل في بلاد المسلمين- فلا يجوز البتَّة، لا تبييتًا
ولا إنذارًا ولا غير ذلك، لأن المعاهَد له عهدٌ قائمٌ، وله ذمَّة قد بُذلَت، فلا
يجوز الاعتداء عليهم بوجهٍ من الوجوه.
والكلام في جواز التبييت إنما في الكفار المحاربين الذين يستعدُّون لقتالنا
ونستعدُّ لقتالهم، فلمَّا كانت الحرب مبناها على الخدعة وعلى القدرة على
التَّمكُّن، والإسراع إلى الانقضاض على العدو؛ كان ذلك جائزًا.
وكما أنهم يتربَّصون بنا، وينتظرون وقتًا يُريدون أن ينالوا فيه من المسلمين؛ فكذلك
للمسلمين أن يتربصوا بهم وينالوا منهم كيفما كان.
وهذا أصلٌ فيما يُسمَّى بالخطط الحربيَّة، فالفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى-
ينصُّون على ذلك، وأنه يجوز للقائد والأمير والقائم على الجيش أن يتَّخذ من الخططِ
تبيتًا لهم، أو انعطافًا عليهم، أو إتيانهم من خلفهم، أو حصرهم في مكانٍ، أو غير
ذلك من الأشياء التي يجوز له أن يفعلها بهم.
قال: (وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيْقِ).
المنجنيق: آلة تستعمل للرمي من بعيد، ما كان فيما مضى إلَّا السِّهام والرُّمح
والسَّيف، ثم وُجدَ المنجنيق، وهي آلة كالمدفع، يوضع فيها إمَّا حجر أو شيءٌ مشتعل،
فيُقذف فيذهبُ بعيدًا لا يُستطاع أن يُوصَل إلى ذلك بالرمي باليد أو بنحوه، وهذا ما
يُسمى في علوم الحروب الحديث "الأسلحة" وما الذي يجوز استعماله منها وما الذي لا
يجوز، والفقهاء عبر مئات السنين سبقوا ما يسمى بالمعاهدات المعاصرة، سواءٌ في هيئة
الأمم أو معادات جينيف، أو غيرها من المعاهدات التي بها يُصنفون الأسلحة، وما الذي
يجوز استعماله هنا وما الذي لا يجوز؛ فلمَّا كان الرَّمي بالمنجنيق يتأتَّى به قتال
المقاتلة واستهداف الجيش فلا بأسَ بذلك.
ما الحاجة إلى النَّص على هذه المسألة؟
لأنَّ المنجنيق لما كان يذهب بعيدًا، ويُمكن أن يُصيبَ مَن ليس أهلًا للقتال
كالنساء والرهبان والضَّعفةِ ونحوهم؛ أراد الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- أن
يُبيِّنوا ذلك، ولأجل هذا بيَّنوا أن هذا السلاح من حيث الأصل يجوز استعماله، ولكن
على التقييد، وهذا التقييد في قول المؤلف: (ورميهم)، أي: رمي الكفار المقاتلين.
إذن؛ إذا كان رميًا لجهةِ الجيشِ ومَن استعدُّوا للقتال، ومَن هم ممَّن يجوز قتلهم
واستباحة دمائهم فصحيح، لكن لو أنَّ هذه الآلة وُجِّهَت إلى المدينةِ أو ما يسمى في
العلم الحديث الآن "المدنيين أو العُزَّل أو غير المقاتلين"؛ فلا يجـوز، وهذا من
كلام المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هنا.
وهذا أصلٌ لكل الأسلحةِ الحديثة، فإذا كانت هذه الأسلحة إنما تتوجه إلى المقاتلةِ
فيجوز استعمالها، إلَّا أن تكونَ فيها آلةٌ أو فيها نوع من التَّحريق، فبعض أهل
العلم يمنع التعذيب بالنار، إلَّا عند الضرورة، وهي أن لا يُمكن غير ذلك، وبعضهم
يُجيزه، ولا نريد أن ندخل في تفاصيل أنواع الأسلحة ونحوها، ولكن الفقهاء يتكلمون
على ذلك، وأهم ذلك ما هو هنا.
وكما قلتُ لكَ: إنَّ طريق الكثير من أهل الشُّبه قولهم بجواز التَّبييت، ويُعملوا
ذلك في كلِّ أحدٍ، فيأتوا إلى مُعاهَد أو مستأمنٍ أو مَن ليس بمقاتلٍ، أو من يجلس
في مطعم، أو مَن ذهب في حاجةِ، أو مَن دخل بلاد المسلمين لتجارة أو لاستشارة، أو
لغير ذلك من الأمور؛ فيُستباح بناء على أنه يجوز تبييت الكفار.
فنقول: لا، لم يقل الفقهاء ذلك، ولم ينصُّوا على هذا الأمر، ولم يكن عندهم أدنى
شُبهة في أنَّ هذا الذي يُفهَم خطأ، وأنه محرَّمٌ وليس بصحيحٍ، وأن تبييتَ الكفار
الذي ذُكر عندَ الفقهاء إنما هو تبييت الكفار الذين هم من أهل الحرب، والذين يجوز
قتالهم ويجوز استباحة دمائهم، أمَّا غير ذلك فلا.
قال: (وَقِتَالُهُمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ).
إذا عُلِمَ أنهم لا يستجيبون، وأن الدعوة قد بلغتهم؛ فيجوز قتالهم قبلَ دعائهم؛
لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في بعض الأحوال بيَّتَ الكفار، ويحمل
ذلك أهل العلم في حال لا يحتاجون فيه إلى التنبيه، إمَّا لإمعانهم في الممانعةِ، أو
لوصول الدعوة إليهم قبل ذلك، قال المؤلف: (لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ- أَغَارَ عَلى بَنِيْ اْلمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّوْنَ
وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى
ذَرَارِيَّهُمْ)، لِمَا دعت إلى ذلك الحاجة من قتال هؤلاء وإمعان القتل فيهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ يُقْتَلُ مِنْهُمْ صَبِيٌّ، وَلاَ
مَجْنُوْنٌ، وَلاَ امْرَأَةٌ، وَلاَ رَاهِبٌ، وَلاَ شَيْخٌ فَانٍ، وَلاَ زَمِنٌ،
وَلاَ أَعْمَى، وَلاَ مَنْ لاَ رَأْيَ لَهُمْ، إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلُوْ)}.
بيَّنَ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هنا مَن لا يجوز قتلهم، فاستباحة الدماء
في المعركة إنَّما هو للمقاتلة لمن تصدَّوا للقتال؛ فلأجل ذلك مَن لم يكن من شأنه
أن يُقاتل كالصبيان والصِّغار؛ فهؤلاء لا يجوز قتلهم، ولا يجوز توجيه النيران إليهم
والأسلحة عليهم.
قوله: (وَلاَ مَجْنُوْنٌ)، فالمجنون ليس له أن يُقاتل، وليس له قصدٌ، وليس منه
خوفٌ، ونحن إنَّما نقاتل دفعًا ودفاعًا وحفظًا لبيضة الإسلام، وإشهارًا لـ "لا إله
إلَّا الله"، فلم يكن للمجنون أن يُقاتل، فلا يجوز التَّوجُّه إليه بالقتل.
قال: (وَلاَ امْرَأَةٌ)، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في حديث ثوبان
لَمَّا أمر بالغزو قال: «لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا
امْرَأَةً» ، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كان يمشي بينَ القتلى رأى
امرأة مقتولةً، فقال: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ!» ، يعني ما دام أنَّ هذه لم
تُقاتل لماذا قتلتمومها!
قال: (وَلاَ رَاهِبٌ، وَلاَ شَيْخٌ فَانٍ، وَلاَ زَمِنٌ)، الزَّمن هو: المشلول ومَن
في حكمه ممَّن يُسمَّون بـ "المقعدين والمعاقين" ومن في حكمهم.
قال: (وَلاَ أَعْمَى)، الأعمى لا يستطيع أن يمشي خطوةً، فكيف أن يكونَ منه قتالٌ
ومقاتلة، وهذا اعتبارٌ بالأصل، ولذلك قال المؤلف: (وَلاَ مَنْ لاَ رَأْيَ لَهُمْ)،
يعني: لا أثر لهم في المعركة، أمَّا لو كان هذا أو غيره له أثرٌ في المعركة، كأن
يكون الأعمى ذا رأيٍ ونظرٍ، أو تكون المرأة ذات قوَّةٍ وبأسٍ، أو يكون الصَّبيُّ
يُدخل به بين جند الإسلام ويجيء لهم بالأخبار وغير ذلك، أو غير ذلك من الأمور التي
يستخدمونه بها؛ فإذا انتقلوا إلى كونهم مقاتلة وإن كان هذا خلاف الأصلٍ فيُقتلون،
ولكن ما دام أنهم على الأصل أن هؤلاء ليسوا من أهل القتال؛ فبناء على ذلك لم يجُزْ
أن يُقتَلوا ولا أن يُقصَدوا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُخَيَّرُ اْلإِمَامُ فِيْ أُسَارَى الرِّجَالِ،
بَيْنَ اْلقَتْلِ، وَاْلاِسْتِرْقَاقِ، وَاْلفِدَاءِ، وَالْمَنِّ، وَلاَ يَخْتَارُ
إِلاَّ اْلأَصْلَحَ لِلْمُسِلِمِيْنَ)}.
هذه مسائل أخرى تتعلق بالغنيمة، لعلها تكون في مستهل الدرس القادم.
أسأل الله لي ولكم دوام التوفيق والسداد، أسأل الله أن يُعيننا على الخير، وأن
يُبلغنا إيَّاه، وأن يرزقنا الحق والصواب، وأن يهدينا إلى الخير والرشاد، وأن
يجنِّبنا سُبلَ الشَّرِّ والسُّوء والمحنةِ والفتنةِ والفساد، وأن يعصمنا من طرق
أهل الضلال، وأن يغفر لنا حوبنا، وأن يرشدنا في جميع أمورنا، وأن يغفر لنا
ولوالدينا، ولجميع المسلمين، وأسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء على حرصكم، وواصلتكم
في التَّعلُّم والتَّعليم، وأن يرفعكم بذلك، وأن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصة، وأن
يُقيم هذا البناء على خيرٍ ورشَدٍ، وأن يُقيم أهله على البرِّ والتَّقوى، وأن
يجزيهم عنَّا وعن المسلمين خيرًا، والله المسؤول لنا ولكم التوفيق والسداد، وصلى
الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.