{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الحكيم بن محمد العجلان. فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشيخ}.
أهلا وسهلًا، حيَّاكَ الله، وحيا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، جعلكم الله من
أهل العلم، وزادكم في الخير، وبلغنا وإياكم الهدى والتقوى.
{نشرعُ في هذه الحلقة -بإذن الله- من قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
(وَالْمُحْصَنُ هُوَ اْلحُرُّ اْلمُسْلِمُ اْلبَالِغُ اْلعَفِيْفُ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّمَ وباركَ على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه
وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يُتمَّ علينا وعليكم نعمه الظَّاهرة
والباطنة، وأن يجعلنا من أهل تقواه، وأن يبلغنا مرضاته، وأن يزيدنا من طاعته وأن
يحجبنا ويعصمنا ويحفظنا من معصيته، وأن يغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا
وأحبابنا والمسلمين.
أيُّها الإخوة طلبة العلم؛ هذا المجلس هو تتمَّة المجلس السابق الذي استهللنا فيه
بحدِّ القذف والكلام عليه، وذكرنا جملةً من المسائل، سواء كان ذلك في حد القذف وما
يدخل فيه، وأنه مختصٌّ بالقذف بالزنا، فلو قَذَف شخصًا بغير الزنا ففيه عقوبةٌ
وتعزير، ولكن ليس فيه حدٌّ، وذكرنا أنَّ ذلك إما أن يكون:
- باللفظ الصَّريح كأن يقول للرجل: "يا زاني" ويقول للمرأة: "يا زانية" وما شابه
ذلك من الألفاظ.
- أو أن تكون كنايةً، كأن يكون يقول مثلًا "فلانة خبيثة أو قحبة"، والأصل أنه قذف
إلا أن يفسره بغيره، كأن يقول: قصدتُّ الخبثَ في مكره أو في قوله، فيُقبَل منه ذلك،
ولكن لا يعني ذلك أنه لا عقوبة عليه، بل يكون عليه تعزير.
إذن؛ إذا قال لفظ كناية فإنه عُرضَةٌ للحدِّ إن قصدَه، وإن فسَّره بغيره وهو ممَّا
يحتمل التفسير فإنه يُقبل ذلك منه ويُعزَّر.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْمُحْصَنُ).
للفقهاء في تعريف المحصن مسلكان، فمحصنُ بابِ الزنا يختلفُ عن محصنِ بابِ القذف:
فمحصن باب الزنا: هو الحر البالغ الذي قد وطء زوجة مثله في نكاحٍ صحيحٍ.
ومحصن باب القذف: هو الحر البالغ المسلم العاقل العفيف.
قال المؤلف: ( هُوَ اْلحُرُّ )، فكون الشخص حرًّا فهو مما يعتبر لحد القذف، فلو
قُذِفَ غيرُ الحر كالعبدِ والأمَة؛ فإنَّه يُوجِبُ تعزيرًا، ولكن لا يُوصل به إلى
حد القذف.
قال المؤلف: (اْلبَالِغُ): فلو قذف غير بالغٍ فلا تلحقه معرَّة، فالناس يعرفون أنَّ
غير البالغ في الغالب لا يكون منه فعل الفاحشة ونحو ذلك، فبناء على هذا لا يكون
قذفًا موجبًا لحد القذف، ولكنه موجبٌ للتَّعزير.
قال المؤلف: (اْلمُسْلِمُ)، فلو قذف شخصًا كتابيًّا -يهوديًّا أو نصرانيًّا- فلا
حدَّ للقذف في هذا؛ لأنه في الغالب ليس بمحصنٍ، ولا يتورَّع كثيرٌ منهم عن مثل ذلك،
ولكن لا يعني هذا أنه لا عقوبة عليه، بل حتَّى لو قذَف اليهودي أو النصراني فإنه
يُعزَّر إذا طالبَ اليهودي أو النَّصراني المقذوف.
وكونه عاقلًا: لأن المجنون لو قذفه شخص؛ فإنَّ الاس لا يُلحقونَ بهذا القذف معرَّةً
وعيبةً على هذا الشخص؛ بل على قاذفه العيبة وتلحقه المعرَّة في تعرضه لمثل هذا
المجنون الذي يُعرَف أنَّه لا تُقوَّمُ أفعاله ولا تستقيم أقواله، ولا يُقدَرُ على
ضبطهِ في أحواله.
قال المؤلف: (اْلعَفِيْفُ)، أمَّا من لم يكن عفيفًا وعُرف بمواقعة الخنا وحضور
أماكنه، وربما أظهر ذلك في بعض قوله؛ فهذا ليس بعفيفٍ، وبناء على ذلك لو قذف شخصٌ
فلا حد، لكن إن أثبتَ القاذف أنَّه زانٍ فيُقام عليه حد الزنا، وإن لم يُثبت فعليه
التعزير؛ لأنَّ المقذوف ليس بعفيفٍ بحيث يؤثر فيه هذا القذف ويُزري به ويُنقصه
ويهتك من عرضه؛ بل هو في أصله ليس بعفيف، وعنده ما عنده من إتيان مثل هذه الفواحش
أو مقدَّماتها، أو يُعرَف ذلك في بعض قوله، أو لحن قوله، أو مقارنته ومصاحبته لأهل
العهر والفجور ونحوهم؛ فيرتفع عنه لفظ العفَّة، وبناء عليه فمن قذفه فلا يكون عليه
إلَّا تعزيرٌ إذا لم يثبت منه فعل الزِّنا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ الْمُلاَعِنَةَ أَوْ
وَلَدَهَ)}.
الْمُلاعِنة: هي الزوجة التي قذفها زوجها، فإمَّا أن يُثبت بالبينة، وإمَّا أن
يُحد، وإمَّا أن يتلاعنا؛ فإذا تلاعنا ارتفع الحد عنهما، أي: (ارتفع عنها حد الزنا،
وارتفع عنه حد القذف)، وثبتت الفرقة بينهما، وصار وصفها "مُلاعِنَة، أو
مُلاعَنَةٌ"، باعتبار أنَّها جرى منها اللعان -أي: لاعنت زوجها- وباعتبار أنها وقع
عليها اللعان.
وبناء عليه؛ فلا يجوز أن تُقذَف ويُقال: "إنها زانية"؛ لأنه لو ثبت زناها لحُدَّت
حدَّ الزِّنا، أمَّا إذا لم تُجلَد فدلَّ ذلك على أنه لم يثبت الزنا في حقها، فلو
أنَّ شخصًا قذفها أو قذف ولدها فعليه حد القذف، إلا أن يقول لوالده: "لستَ ابن
فلان" الذي انتفى عنه فنُفيَ؛ فإن هذا صحيح أنه ليس ابن فلان، باعتبار أنه نُفيَ
عنه، فهو لم يذكر إلَّا واقع الحال وحقيقته، ولكن من حيث الأصل أن هذه المُلاعنة
وإن كانت الشبهة حائمة فإنَّ الزَّوج لا يتجرَّأ غلا أن تكون ممن يُمكن وقوع الشر
منها، ومع ذلك لا يجوز قذفها ما دام أن الزنا لم يثبت عليها بالبينة والدليل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ،
فَحَدٌّ وَاحِدٌ، إِذَا طَالَبُوْا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَإِنْ عَفَى
بَعْضُهُمْ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ غَيْرِهِ)}.
إذا قذف جماعة بكلمة واحدة، كأن يقول: "أهل هذا البيت زناة" أو "لا يدخل هذا البيت
إلا زانٍ"، أو قال: "آل فلان كذا..." وهم خمسة أو ستَّة؛ فبناء على ذلك لو قذف
جماعة -وهذا يحصل كثيرًا- فإن عليه الحد إذا طالبوا جميعًا -وهذا ظاهر- أو طالب
واحدٌ منهم وعفا الآخرون؛ لأنَّ هذا لحقته المعرَّة وتعلَّق به الإزراء بعرضه،
وتعرض لكلام الناس وأذيتهم، فبناء على ذلك إذا طالبَ بحقِّه جُلِدَ القاذف حدَّ
القذف كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى.
لماذا قلنا "جماعة قليلة"؟
قالوا: لو قذف أمَّة من الناس كأن يقول: "أهل هذه البلد زناة"، فلا أحد يتصوَّر
ذلك، ولا يُزرَى بهم، ولا تحصل لهم نقيصة، ولكن يُعزَّر، ولا يُحد لأنَّه لا يلحق
بهم الإزراء والتصديق أنَّ أهل هذه البلدة كلهم زناة أو واقعون في الفاحشة ونحو
ذلك.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ عَفَى بَعْضُهُمْ، لَمْ يَسْقُطْ
حَقُّ غَيْرِهِ)، وجبَ لمن طالب أن يُستوفى له حد القذف، لأجل أنَّ هذا المقذوف
تعلَّقت به تبعة القذف والإزراء بعرضه والتَّعرُّض لقالة الناس ووصفه بالسوء والشر،
فلا يرتفع عنه ذلك إلَّا بأن يُحد المقذوف، ليس هذا بالزَّاني وإنما هذا المتكلم قد
حُدَّ وقُذف، إلى آخر ما يُمكن أن يقول.
لو أُقيمَ الحد بمطالبة واحد، ثم طالبَ آخر؛ فلا يُقام حد القذف ثانيةً؛ لأنَّها
كلمة واحدة وعليها حد وقد حُدَّ، فيحصل عليه تبعة القذف بحدٍّ واحدٍ، ولا تُقبل له
شهادة ويكون من الفاسقين -كما جاء في الآية- إلا بالتوبة النصوح.
وبناء عليه نقول: هذا الذي تُطالب به قد أُنفِذَ على صاحبك وأُقيمَ عليه، فلا
يُعادُ عليه مرَّة ثانية.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باَبُ حَدِّ اْلمُسْكِرِ)}.
انتقل المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- إلى ثالث الحدود وهو حدُّ المُسكر، أو حد
شُرب الخمر.
المُسكِر: من أسكَرَ يُسكِرُ إسكارًا، وسَكِرَ سُكرًا وسُكُورًا.
والإسكار من حيث المعنى يأتي بمعانٍ:
الأول: التَّهدئة، سَكَرت الرِّيح إذا سَكَنَت
الثاني: التَّغطية، يُقال: سَكَر الإناء إذا غُطِّيَ بالماء، أو غُطِّيَ بالأكلِ.
الثالث: الإغلاق، يُقال سَكَّرَ الباب إذا أغلَقَه.
ووجه المقاربة بين تسمية الخمر ومعنى سَكِرَ ظاهرة في أنَّ الخمر يُغطِّي العقلَ،
ويُحيطُ به، فلأجل ذلك قيل "المُسكِر".
ومثل ذلك الخمر، فإنَّ الخَمرَ من خَامَرَ الشَّيءَ إذا غطَّاه، ومنه سُمِّيَ
خِمارُ المرأة خِمَارًا لأنَّه يُغطِّيها.
وبلا شك فالإسكار حرام بدليل الكتاب والسُّنَّة والإجماع، ومشهورٌ تحريم الشرع
للمُسكر وما كان فيه من التَّدرُّج، والآيات الثلاث في ذلك، أو الأربع على القول
بأن قوله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنً﴾ [النحل: 67]
داخلٌ في الآيات التي جاءت في التَّدرُّج في تحريم الخمر على خلاف بين المفسرينَ في
ذلك.
إذن؛ الخمر حُرِّمَت، وجاء في تحريمها دلائل الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾
[النساء: 43]، فهذه من الآيات التي جاء فيها التدرج، إلى أن قال الله -جَلَّ
وَعَلَا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].
ولَمَّا نزلَ تحريم الخمر بعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- مناديًا
يُنادي في المدينة: ألا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمَت؛ فكان الصحابة -رضوان الله عليهم-
مع محبَّتهم لها -والخمرُ ممَّا يُدمَنُ عليها، فمن تعاطى شربها يُوشك أن لا يستطيع
تركها بسهولةٍ- إلَّا أنَّه لَمَّا نزلَ تحريم الخمر كانت تُشقُّ القِرَب والدِّنان
التي فيها الخمر، حتَّى سالت طُرقات المدينة، فكان منادي رسول الله -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ- يمرُّ على الناس ويقول: أيُّها الناس، ألا إنَّ الخمر قد
حُرِّمت؛ فكان الرجل ربما رفعها إلى فِيه فمجَّها، وقالوا: انتهينا انتهينا -كما
جاء ذلك في الحديث- وهذا يدل على استجابة واستقامة أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ- والسرعة في الامتثال والانقياد والاستسلام لأمر الله -جَلَّ
وَعَلَا- وهذا يدل على كمال التَّعظيم والحب والخضوع والائتمار لأمر الله -جَلَّ
وَعَلَا- والخوف من عقابه وأليم عذابه.
والإجماع منعقدٌ على تحريم الخمر وحرمتها.
وبينَ يدي الحديث عن حد المسكر -على وجه الخصوص- كالكلام في حد الزنا، فالناس قد
تماهوا في الوقوع في هذه المحرَّمات، كالوقوع في الزنا، والوقوع في أعراض الناس
بالقذف، والوقوع في المسكرات، خاصَّة مع سهولة تعاطيها وانتشارها، وعدم دفع الناس
عنها منعهم من تعاطيها؛ فقد شاعَ ذلك وكثُرَ حتَّى ربما انتقل إلى النساء في
البيوتات ونحوها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وينبغي أن يُعلَم أن هذه كلها من كبائر الذنوب، وأنها من العظائم، وأنَّ الأمر فيها
شديد، ولذلك ينبغي لطالب العلم، وينبغي لمن انتمى إلى هذا البناء وهذه الأكاديمية
أن يحفظ من الأحاديث التي فيها من الترغيب والترهيب، الترغيب في البعد عن هذه
المعاصي، كقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي
الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة» ، وكقوله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ
وَقَاطِعُ رَحِمٍ وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» ، والأحاديث الواردة في ذلك؛ حتى تكون
عِظَةً للناس، وحتَّى تكون زادًا له في تنبيه الناس على مثل هذه المنكرات، كالزنا
والقذف، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ولا
سبَّابًا، ولا نمَّامًا -صلوات الله وسلامه عليه.
فمن الأهميَّة بمكانٍ أن الطالب يستجمع في كل باب ستَّةَ أحاديث أو سبعة، وبعض ما
جاء من النصوص من القرآن وما يتبع ذلك من دلائل أقوال أهل العلم في التنبيه على مثل
هذه المحرمات.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ،
مُخْتَارًا، عَالِمًا أَنَّ كَثِيْرَهُ يُسْكِرُ، جُلِدَ اْلحَدَّ أَرْبَعِيْنَ
جَلْدَةً)}.
المُسكر: ما يحصل به الإسكار.
والإسكار يحصل بأنواع كثيرة، منها: العنب، والشعير، والتمر، وأشياء كثيرة.
فمن شرب مسكرًا قلَّ أو كثُرَ تعلَّق به حكم شرب المسكر، ووجب عليه الحد في ذلك.
هنا إشكال يسير وهو من الأهمية بمكان فهمه؛ وذلك أن الفقهاء يقولون "من شرب مسكرًا
أيًّا كان فعليه الحد ولا إشكال"؛ طيب إذا شرب مسكرًا ولم يُسكِر بأن شرب قليلًا
وكان هذا الشراب لا يُسكر إلا شُرب منه كثير. فما الحكم؟
أهل العلم لهم في هذا مسالك اعتبارًا بماهية الخمر من حيث الأصل:
فالحنفية يقولون: الخمر هي العنب فقط، والإسكار مما سواها؛ فالأصل هو حرمة شرب
الخمر إذا كانت من العنب مُطلقًا، وأما إذا كانت من غير العنب إذا كانت تصل إلى حد
الإسكار.
وجمهور أهل العلم يقولون: الخمر من كل ما يُخامر العقل ويُغطِّيه، إن عنبًا وإن
شعيرًا وإن تمرًا وإن غير ذلك؛ تختلف هذه عن هذه، وما أسكرَ كثيره؛ فملء الكف منه
حرامٌ، وكما قال الصحابة: "نزل تحريم الخمر، والخمر يومئذٍ من العنب والتمر
والشعير، وغيرها".
فبناء على ذلك كان القول المعروف والقول المعتبر والذي عليه المعتمد وهو الأصل الذي
لم يزل أهل العلم يعتبرونه، وربما تلحق الملامة مَن قال بقول الحنفية في أن الخمر
إنما يكون من العنب، على أنهم متفقون مثلما قلنا أنَّه مَن شرب شيئًا فسَكِرَ فإنه
يُحدُّ من أي شيءٍ كانَ، سواء كان من العنب أو كان من غيرها، أو كان من الأخلاط
الجديدة، أو كان من المصنوعات الحديثة، أو كان من المخدرات أو غيرها؛ فما دام أن
فيه تغطيةٌ للعقل ففيه إسكارٌ، وفيه الحد ولا يتعلق بذلك إشكال.
إذن؛ إذا شُربَت الخمر قليلًا أو كثيرًا، حصل بها إسكارٌ أو لم يحصل بها إسكار،
كانت من عنبٍ أو من شعيرٍ أو من تمرٍ أو من غيرها، فإنَّها يتعلق بها حد القذفِ،
فما أسكرَ كثيره فقليله حرام مُطلقًا.
وينبغي أن يُعلَم أنَّ الخمر يتأتَّى من كل شيءٍ، فهو تعفُّنٌ إذا وصلَ إلى حدٍّ
معيَّنٍ في بعض الفواكه ونحوها أثَّرَ على العقل، فيُتنبَّه لذلك.
قال المؤلف (وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مُخْتَارًا، عَالِمًا
أَنَّ كَثِيْرَهُ يُسْكِرُ)؛ لأنَّه أحيانًا قد يخفى أنه وصلَ إلى حدِّ الإسكار.
وكثير من هذه المسكرات معلومٌ وضعها، وأنَّها تُصنَعُ لذلك وتُهيَّأ له، وتُسكر مَن
تعاطاها وشربها، لكن أحيانًا قد يحصل ذلك ويتأتَّى في البيوتات وإن كان قليلًا، وفي
بعض البلدان خاصَّة التي تقل عندهم آلات التبريد ونحوها، فإذا حفظوا شيئًا من
التمرِ في ماء ونحوه وعصروه، أو عصير البرتقال أو التفاح؛ فإنَّه ربما يتخمَّر،
وهذا له ضابطان:
- إذا قذف بالزَّبد، فإنه في الغالب وصل إلى الغليان الذي يُؤثِّر على العقل، فلا
يجوز تعاطيه.
- أن يمكث أكثر من ثلاثة أيام، فإذا مكث ثلاثة أيام ففي الغالب أنه يتخمَّر، فلأجل
ذلك جُعلت الثلاثة أيام قيدًا في ذلك أو ضابطًا فيه، فيُمتنع من تعاطيها إذا بقيت
على هذا النحو، فإنها في الغالب أنها تتخمَّر.
لمِ لا يُقَل الغليان أو ثلاثة أيام؟
لأن الثلاثة أيام كثيرة، ولكن مهما كان نوعُ هذه الفاكهة لا يتأتَّى منه غليان
فإنها في الثلاثة أيام تصل إلى هذا الحد، ولكن المناط هو الغليان، فمتى ما غلَت
وقذفت بالزَّبد حرُمَت حتى ولو كان من أول يومٍ وضعت في هذا الإناء وتُركت.
قول المؤلف: (وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ)، يعرف ذلك مَن يتعاطون
المسكر -نسأل الله السلامة والعافية- أن بعض الأنواع لا تُسِكرُ من أول جُرعة، ولكن
لو شُرب منه عشرًا لسَكِرَ؛ فنقول: إنه وقع في الإسكار ووجب عليه الحد، ولذلك قال
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ،
مُخْتَارًا، عَالِمًا أَنَّ كَثِيْرَهُ يُسْكِرُ، جُلِدَ اْلحَدَّ أَرْبَعِيْنَ
جَلْدَةً).
وما يكون في بعض المنتجات من شراب الشعير أحيانًا يُقال: إنَّ فيه نسبة كحول 3 % أو
4 % أو 1% فهل تحرم أو لا تحرُم؟
المتعلَّق ليس هو جدول الكميات الموجودة، وإنما القاعدة الشرعية: "إذا كان كثيره
يُسكر فقليله حرام"، فلو افترضنا أنَّ هذا الشراب الذي جُعل على هذا النحو لو شربتَ
منه خمس علبًا تُسْكِر؛ فهذا يعني أن الجرعة الواحدة منه حرام، والعكسُ بالعكسِ؛
فإذا كان لا يُسكرُ كثيره فقليله حلال؛ لأنَّ العبرة ليست بالمكوِّنات، لأنَّ هذا
تحليل كيميائي قد لا يكون له أثر في الواقع، ولكن مرد الأشياء إلى أصلها، والعبرة
بالواقع هل يحصل إسكار أو لا.
شراب الفقَّاع -وهو شراب الشعير- وهو شراب يحصل به التنفيس للبطن ومداواةٌ له إذا
تَخِمَ ونحو ذلك، وهو معروف، ويسمونه باللغة الإنجليزية (Beer)؛ فالأصل في شراب
الشعير مادام أنه لم يقذف بزبده فهو جائزٌ، لكن إذا قذفَ بالزَّبد وصار كثيره مُسكر
فقليله حرامٌ، وينبغي التنبه من أن أناسًا يتساهلون في مثل ذلك، فيتعاطون شيئًا من
هذه الأشربة باعتبار أنه يتعاطى منها قليلًا فلا يسكر، فيظن أنها غير مسكرة؛ فلابد
من التَّأكُّد هل كثيرها يُسكر أو لا، فإذا عُلِمَ أنَّ كثيرها يُسكر بالعادة
والتجربة أو عُلِمَ ذلك من قول أهل الخبرة فإنه يُمتنع عنها ويُبتعد من تعاطيها.
قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (مُخْتَارً)، يُخرِجُ غيرَ المختار، فلو
شربه مُكرَهًا، أو لدفع غُصَّةٍ، كأن لم يجد إلَّا خمرًا فشربها؛ فما دام أنه غيرُ
مختارٍ فلا يُكلِّف الله نفسًا إلا وُسعها، وقد رُفع الإكراه عن الشَّخص فيما هو
أعظم من ذلك وهو النطق بالكفر، فما دون ذلك أسهلُ وأظهرُ في الاعتبار.
لو أنه عطِشَ فلا يشرب منها؛ لأن الخمر لا تُذهب العطش، وبناء على ذلك لا يؤذن له
بشربها ولو كان على سبيل الاضطرار، لأنها لا تروي العطشان.
قال المؤلف: (عَالِمً)، يُخرج الجاهل، كأن تكون فاكهة لا يُدرَى أنها وصلت إلى
التَّخمُّرِ فتعاطاها، أو ظنَّها خلًّا فبانَ خمرًا وكان قد تعاطى منه قليلًا، أو
شربه على أنه عصير وما ظنَّ أنَّه أسرع إليه الغليان؛ فإذا شربه غير عالم فلا شيء
عليه، كالذي يدخل على غير امرأته ظانًّا أنها زوجته فيطؤها فلا شيءَ عليه للشبهة،
فكذلك هنا لا شيء عليه للشبهة.
وفي قوله: (عَالِمً)، يُخرج الجاهل بالحكم، فإن كان لا يدري أن الخمر محرمة فشربها
فلا شيءَ عليه.
ويُقال هنا: أن مَن كان يُعذر بجهله فلا شيء عليه، ولا يُقال إن كل مَن لا يعلم أن
الخمر حرام فلا يؤاخذ بشربها، إذن لصار الناس لا يتعلمون حتَّى يُعذرون!
فنقول: أن يكون جاهلًا ممن يُمكن أن يُعذر، كأن يكون شخصًا نشأ ببادية، أو أسلم
لتوِّه ولا يعلم أن الخمر حرامٌ، أو نشأ بين كفار وأسلم بينهم ولا يعرف كثيرًا من
تفاصيل أحكام أهل الإسلام، فبناء على ذلك لو شربها فإنه لا يجب عليه حد الخمر، ولا
يُجلد أربعين.
قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (جُلِدَ اْلحَدَّ)، مرَّ بنا أحكام الجلد
وتفاصيله، والسوط الذي يُستعمَل فيه، وكيف يُضرَب، وهل يُشدُّ أو لا يُشد، وهل
تُنزَع ثيابه أو لا تُنزَع، وهل يكون عليه ثياب رقيقةٌ أو ثقيلة؛ إلى غير ذلك ممَّا
مرَّ، وكيف يُوزَّع على مواطن اللحم والشحم التي يُؤثِّر فيها، إلى ما تقدَّم.
قوله: (أَرْبَعِيْنَ جَلْدَةً)، المؤلف هنا على أنَّ حدَّ الخمرِ أربعين، وهذا هو
الذي جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أنَّه جلدَ في الخمر أربعين،
ثم جلدَ أبو بكرٍ أربعين، ثم انتهى الأمر إلى عمر، فيقول: إن الناس قد تماهوا إلى
هذا الأمر، فاستشار أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فقالوا: نجعله
كأقل الحدود ثمانين مثل حد القذف، فكانوا يجلدون ثمانين.
فهنا حصل خلاف؛ هـل الحد أربعين وعمر زاد عليه تعزيرًا؟ أو هو الحد الذي حدَّه عمر
وأجمع عليه الصحابة؟
لأهل العلم في ذلك كلام، والمؤلف اختار أنه أربعين على قول ابن تيمية وغيره، ومشهور
المذهب عند الحنابلة وقول جماعة من أهل العلم أنَّ الحد فيه ثمانين لِمَا حصل من
اتفاق الصحابة على ذلك وإجماعهم فيه، ويحتمل الأمر هذا وذاك، والخلاف في ذلك سائغ،
ولذلك بعض أهل العلم يصير إلى التوفيق بحسب الحالين جميعًا فيقول: هو أربعين، وجاء
في الحديث أنهم كانوا يضربون بالنِّعال والجريد حتى بلغوا أربعين، فإن كان الناس
مما يتساهلون فيه فيُبلَغ به أكثر الحد، سواء قيل إنه من الحد أو قيل إن الزيادة
على سبيل التَّعزير والرَّدع وزيادة المنع من هذا الأمر.
وهذه المسألة من المسائل التي قد يكون في الخلاف فيها شيءٌ من القوَّة، ولذلك أشرنا
إليها.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
هل يُقال: إن الخمر فيها حدٌّ من حيث الأصل، ولكن العدد متروك للحاكم؟}.
تقصد أنَّ للخمر حدٌّ ولكن لا عددَ فيه مخصوصٌ؛ هذا يقوله بعضهم، ولكن الإشكال أنه
يُخالف معنى "الحد"؛ لأن الحد: هو العقوبة المحدَّدة، وجاء في شرب الخمر عقوبة
محدَّدة، فبناء على ذلك حتَّى لو كان قد جاء في بعض الروايات مطلق الضَّربِ، وجاء
في أخرى تحديدها؛ فإنَّ المطلق يُحمل على المقيَّد، وبناء عل ذلك قالوا: إنَّ حد
شرب الخمر أربعين، حتى في الضرب بالجريد والنعال فبعض الأحاديث فيها مطلقة، ولكن
جاء في بعض الروايات أنها جعلت أربعين، فحُمل ذلك على هذا حتى يتق الأمر على وجهٍ
صحيحٍ، ولا يكون فيه شيء من التناقض والتَّعارض.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لأَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جَلَدَ
اْلوَلِيْدَ بْنَ عُقْبَةَ فِيْ اْلخَمْرِ أَرْبَعِيْنَ، وَقاَلَ: جَلَدَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ، وَأَبُوْ بَكْرٍ
أَرْبَعِيْنَ، وَعُمَرُ ثَمَانِيْنَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ)}.
قوله: (لأَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جَلَدَ اْلوَلِيْدَ بْنَ عُقْبَةَ
فِيْ اْلخَمْرِ أَرْبَعِيْنَ) الوليد بن عقبة صلَّى بالتابعين وأظن أن كان فيهم بعض
أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كابن مسعود، فصلَّى بهم الفجر أربعًا
وكان مخمورًا، ثم قال: أزيدكم؟ فقالوا: ما زلنا في زيادة منذ اليوم!
هذا المعنى يُشير إلى أنَّنا بحاجة إلى تلمُّس مثل هذه الآثار، وأنَّ أولئك هم
الثُّلَّةُ المباركةُ والرَّعيلُ الأوَّلُ والقرن المفضَّل، ومع ذلك جرى فيهم ما
جرى، وربَّما ولوا شيئًا من هذه الولايات وتقدَّموا هذه المسؤوليات، ومع ذلك كان
أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- والتابعون وأهل العلم وأهل الفقه
مع وفورة علمهم وعظمة تقواهم لربهم لم يحملهم ذلك على نقضٍ للبيعةِ، أو إفسادٍ
للأمرِ، أو خروجٍ على الناس؛ فمهما كثُرَ من ذمٍّ أو ظهر من أمرٍ عند خاصَّة الناس
أو عامتهم؛ فالواجب على أهل العلم والفضل والنُّصح والتَّوجيه منع هذه الشرور، وطلب
بُعدِها وتقليلها في الناس، ويَحلَم على الناس ويرأفُ بهم، ويُعينوهم على الخير
ويدعونهم إليه، ويحتملون ما يكون من الشرور التي تحصل في هذا أو ذاك، سواء من آحاد
الناس أو عامَّته؛ فإنَّ هذا لنا فيه سنَّة، وسبقنا فيه أهل فضلٍ ومنزلة، فيسعنا ما
وسعهم، ولا يحملنا ذلك على سوءٍ، كما يكون ذلك مسلكًا من مسالك أهل الانحراف،
كإرادة الخروج، أو تكفير الناس، أو زيادة تضليلهم، أو دعوى إقصائهم للشرع برمَّته،
أو غير ذلك من الدَّعاوى التي يلبسها الشيطان على الناس، فيُدخل فيها الباطل
الأعظم، ويتعلق بذلك من المفاسد الكبيرة، ويحصل في الناس من البلاء والشَّرِّ ما لا
تُحمَدُ عقباه.
ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أثر علي، وذكر كيف جلَدَ النبيُّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وأبو بكر وكان أربعين، ثم جلدَ عمر ثمانين، وكما قال
المؤلف: (وَكُلٌّ سُنَّةٌ)، أي أن هذا ثبت وهذا ثبت.
ولكن هل الحد أربعين أو ثمانين؛ فهذا هو محل الكلام الذي تقدَّمَ معنا، وقلنا: إنَّ
مشهور المذهب هو ثمانين لِمَا استقرَّ عليه أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- وأجمعوا عليه، ومنهم مَن يقول: إنَّ الحد أربعين، ويُزاد بحسب الحاجة
أربعين على سبيل التعزير.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَصِيْرِ اْلعِنَبِ أَوْ
غَيْرِهِ)}.
ذكرنا ما يتعلق بهذا، فالخمر يكون من العنب ويكون من غيره على حدٍّ سواء، خلافًا
لبعض أهل الرأي أو لعماء الكوفة الذين يقولون إن الخمر من العنب، ولا يُلحقون بها
غيرها إلَّا أن تصل إلى حد الإسْكار.
النَّبيذ: هو ما يُنبَذُ في الماء من فواكه ونحوها، وقد تصل إلى الخمر فتكون
محرَّمة، وقد يحصل نبيذ ولكن لا يصل إلى الخمر، فقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- انتبَذَ -أو شرب نبيذًا- وهذا لأنَّ ماء المدينة
ما كان حاليًا، فكان فيه ملوحة شديدة، فكانوا يضعون في الماء تمرًا -يُنبَذُ فيه-
حتى يطيب الماء ويطيب شربه، فيُقال: نَبَذَ وانتبَذَ في هذا الماء.
ولا يُقصَدُ به النبيذ الذي وصل إلى حدِّ الإسْكار، أو أنَّه شربَ نبيذًا من غير
العنب لكنَّه قليلًا لا يحصل به الإسكار؛ فكل ذلك لا يكون؛ بـل إنَّ المقصود
بالنَّبيذ كما ذكرنا، والخمرُ كلها محرَّمة، وما أسكرَ كثيره فقليله حرام، سواء كان
عنبًا، أو كان شعيرًا، أو كان غير ذلك على ما مرَّ بيانه وتوضيحه.
والمسائل الآتية متعلقة ببابٍ آخر وهو باب التَّعزير، فما دام أنَّ لها حكمٌ آخر
ولم يبقَ من الوقتِ إلا دقائق؛ فلعلنا نقتصر على هذا الحد، وأشكرُ لكم استماعكم
واجتهادكم، وكما قلنا في سابق الكلام إنَّنا لن نطيل في تفاصيل الأحكام فيها وذكر
الخلافات أو الزيادة فيها، لأنها من جهةٍ هي موكولةٌ إلى الإمام وإلى القاضي، وإلى
مَن يلي إنفاذ هذه الأمور وتحقق حصولها، وهذا إنَّما يتأهَّلُ له الثُّلَّة
القليلةُ من النَّاس، ولكن بدٌّ لطالب العلم من أن يعرف مناطَ الأحكام وأصل هذه
الأبواب، وعلى أي شيءٍ تدور، ثم تبقى تفاصيل تلك المسائل والتَّرقي فيها بحسب ما
يعرض للإنسان من الحال، وبحسب ما يصل إليه من المنزلة التي تُوجب عليه زيادة
الدراسة واستقصاء المسائل والوصول إلى تفصيلاتٍ وتفريعاتٍ كثيرةٍ ربَّما لا يُحوجنا
كثيرٌ من المقال إلى البسطِ فيها والحديث عنها.
أسأل الله لي ولكم دوام التوفيق والسداد والرِّفعة والخير في الدنيا والآخرة، وأن
يغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا ولأهلينا وأحبابنا والمسلمين، وأن يحفظ العباد
والبلاد، وأن يغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وصلَّى الله وسلَّم
وباركَ على نبينا محمدٍ.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.