السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى الله وسلم
على أفضل المصطفيْن محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تعبَّد.
أما بعد، فأسأل الله أن يتم علينا وعليكم نعمه، وأن يبلغنا طاعته، وأن يزيدنا من
الخير والهدى والبر والتقى، وأن يحيينا على السنة، وأن يميتنا عليها، غير خزايا ولا
نادمين.
حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات، حيى الله طلابنا الحاضرين في هذا
المقام، أسأل الله أن يجعل هذه المجالس مجالس خيرٍ، وبرٍّ، وهدًى، وتقًى، وأن
يبلغنا بها المنازل العلى من الجنة، وأن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصةً لوجهه
الكريم، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
أيها الإخوة الكرام، لم تزل هذه المجالس تتوالى حتى كادت أن تنتهي، ولم يبقَ منها
إلا عصارتها، ولم يبقَ إلا أقل القليل منها، فعسى الله أن يجعلها مجالس خيرٍ وبرٍّ
وتُقى.
لعل الإخوة في تفاعلهم، ومراجعتهم، وإفادتهم، يتتبعون ما ذكرناه في المجلس الماضي،
ولقد أرسل إليَّ بعض الإخوة جملةً من المسائل التي كان فيها إما إجمالٌ، أو سبق
لسانٍ، أو غفلةٌ، لكن أهم ذلك ذكرت مسألةً لو هلك هالكٌ عن ثلاث أخواتٍ شقائق،
وأختين لأبٍ، وأخوين لأمٍّ، ويقول الأخ إنني قلت: إن الأختين لأبٍ لهما السدس،
الحقيقة إذا كان كذلك، فهذا سهوٌ وغلطٌ؛ لأنه إذا استكملتْ الأخوات الشقائق فرض
الثلثين، فإنه لم يبق لهن شيءٌ، فيسقطن في مثل هذه المسألة، فإن كان قد جرى ذلك،
فهذا مما يدلك على أن هذا العلم عزيزٌ، ولا يكاد الإنسان يضبطه، حتى يتفلَّت منه،
إن لم يُرعِ سمعه، ويزيد من النظر في ذلك.
فعلى كل حالٍ، مني بالغ الشكر والتقدير في المراجعة والتتميم، والتكميل، والنظر في
ما قد يفوت على الإنسان في شيءٍ من هذه المسائل.
نعود إلى ما كنا قد بدأناه، وهو: مسائل الرَّد، وقد ذكرنا الرَّد في مقابل العول،
فالعول إذا زادت الفروض عن التركة، بأن لا يمكن أن يستوفي كل واحدٍ نصيبه من
التركة، فيعود عليهم الأمر بالنقص، ويكون النقص كلٌّ بقدره، على ما ذكرنا ما جاء عن
الصحابة، وأنهم قد حكموا بذلك، كأصحاب الديون إذا زادت الديون عن ما عند الإنسان من
المال.
ذكرنا أن الرَّد هو: أن تزيد تركة الميت عن من يأخذها من الورثة، فعند ذلك يُرد
عليهم، وقد قال بالرَّد جملة أهل العلم وعامتهم، أو أكثر أهل العلم على ما ذكرنا من
الخلاف المتقدم، لكن على كل حالٍ، الذي حكم بذلك جمهور الصحابة، خلافًا لزيد بن
ثابتٍ -رضي الله تعالى عنه-، الذي قال: ما زاد يعود إلى بيت المال.
من قالوا بالرد قلنا إنهم كانوا على جهتين، عامة أهل العلم الذين يقولون إن الرَّد
على جميع الورثة، إلا الزوجين، وسبب ذلك أن الله -جلَّ وعلَا- جعل للزوجين حقهم،
ولا عُلقة لهم من القرابة بالميت، فلأجل ذلك حكم الصحابة بأنه لا يُزاد على فرضهم،
وأما مَن سواهم، فقالوا: إن عمومات الأدلة تدل على أنهم أولى بالميت، مَن ترك مالًا
فلورثته، والله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75]، فلأجل ذلك قيل بالتوريث.
خالف في هذا، أو نُقلت المخالفة عن عثمان -رضي الله تعالى عنه-، لكن لم يُذكر تتابع
أحدٍ من الفقهاء المعتبرين بالقول به، أو لم يكن ذلك قولًا شائعًا ذائعًا، بل عامة
أهل العلم على ما ذكرناه من أن الرَّد على الورثة سوى الزوجين، إلا من قلنا في هذه
الأزمنة المتأخرة، كالشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى- كأنه نحى منحى
عثمان، وأخذ بقوله، وذهب مذهبه، ولهم في هذا حجةٌ لها اعتبارٌ، جاءت لأنه كما ينقص
عليهم في العول، فكذلك يزيد عليهم في الرَّد.
أيًّا كان، فنحن جرينا في هذا في شرحنا على قول جماهير أهل العلم، أن الرَّد يكون
على من سوى الزوجين.
وقبل أن نشرع في تكرار ما قد مرت الإشارة إليه سريعًا في شرح مسائل الرَّد، تذكرون
أننا قلنا: إنه لا يمكن أن يكون مسألة ردٍّ وفيها عصبةٌ؛ لأن العصبة يتلقون بقية
المال، فكيف يردُّ فيها؟، كما أن مسائل العول أيضًا ليس فيها عصبةٌ؛ لأنه إذا زادت
الفروض يسقط العصبة، إذا كان لهم حقٌّ، باعتبار أنهم إنما يأخذون ما بقي بعد
الفروض، فإذا لم يبق شيءٌ، فإنهم يسقطون، وقد أشرنا إلى ذلك في أول كلامنا على باب
التعصيب، أن المعصِّب إما يأخذ المال كله، وإما أن يأخذ ما بقي بعد الفرض، وإما أن
لا يبقى شيءٌ فيسقط، وهذه أحواله الثلاثة. فمسائل العول من الثالثة التي لا يبقى
شيءٌ فيسقط فيها.
إذا استقر ذلك، فقد قلنا إنه في مسائل الرَّد إما أن يكون المردود عليه شخصًا
واحدًا، فهو يأخذ فرضه فرضًا، والباقي ردًّا، فلو هلك هالكٌ عن بنتٍ مثلًا، فتأخذ
نصفها فرضًا، والباقي ردًّا، فالمال كله لها. ومثل ذلك: لو مات ميِّتٌ عن أخٍ
لأمٍّ، فإن له السدس، فإنه يأخذ السدس فرضًا، والباقي ردًّا. وقل مثل ذلك في سائر
الورثة عدا الزوجين.
وكذلك لو كانوا جماعةً يرثون بفرضٍ واحدٍ، كأن تكون مثلًا عشرون بنتًا، فإن لهن فرض
الثلثين فرضًا، والباقي ردًّا. ولو هلك هالكٌ عن: جدتين، أم أمٍّ، وأم أبٍ، فإنهن
يأخذن السدس فرضًا، والباقي ردًّا. ولو هلك هالكٌ عن: ثلاث زوجاتٍ، فإن لهن الثمن،
أو الربع؟ فإنهن يأخذن الربع، ولا يُردُّ عليهن؛ لأنهن كما قلنا: لسن من مسائل
الرَّد، فالزوجية لا تدخل في مسائل الرَّد.
إذن، على كل حالٍ، إذا كانوا من جهةٍ واحدةٍ، فقد قلنا إنهم يأخذون فرضهم، ثم
الباقي ردًّا، لكن إذا كانوا على سبيل المثال يأخذون مثلًا يعني أكثر من شخصٍ،
فقلنا: لو هلك هالكٌ عن: أختٍ لأبٍ، وأخٍ لأمٍّ.
الأخت لأبٍ كم تأخذ؟ تأخذ النصف. والأخ لأمٍّ يأخذ فرض السدس، فكيف نقسم مسألتهم
هذه؟ السدس والنصف – انقطاع في الصوت- تسعةٌ، يعني هو ثلث الثلث. الإخوة لأمٍّ
كانوا يأخذون اثنين من ثلاثةٍ، فالآن نضرب اثنين في ثلاثة، ستة، فسيأخذون ستةً، إذا
أردنا أن نقسم ستةً على ثلاثةٍ من الإخوة لأمٍّ، تنقسم، اثنين، اثنين، اثنين، فبدل
أن كانوا يأخذون اثنين من ثلاثةٍ، كل واحدٍ له بعض سهمٍ، لا يمكن ذلك، فصار كل
واحدٍ منهم يأخذ اثنين من تسعةٍ، يستطيعون قسمة تركتهم بسهولةٍ.
هنا انتقل المؤلف -رحمه الله تعالى- إلى إذا كان معه أحد الزوجين.
{قال المصنف -رحمه الله وإيانا-: وإن كان معهم أحد الزوجين، أعطيتَه سهمه من أصل
مسألته، وقسمتَ الباقي على مسألة أهل الرَّد، فإن انقسم، وإلا ضربت مسألة أهل
الرَّد في مسألة الزوج، ثم تُصحح بعد ذلك على ما سنذكره، وليس في مسألةٍ يرث فيها
عصبةٌ، عولٌ ولا ردٌّ}.
إذن، هنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: إذا كان معهم أحد الزوجين. نحن قلنا: إنه
إذا كان معهم أحد الزوجين، فإن الرَّد يكون على الأقارب، لا على الزوجين، فمعنى ذلك
أننا نحتاج إلى أن نجعل مسألةً للزوجية، ومسألةً لسائر القرابة، فيقول المؤلف -رحمه
الله تعالى-: نعطي الزوجية سهمها، وننظر في السهام المتبقية لبقية الورثة.
فهنا على سبيل المثال ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى-، أو نمثِّل لذلك بمثالٍ: زوجةٌ،
وجدةٌ، وأخوان لأمٍّ.
الزوجة أخذت ربعها. الجدة أخذت السدس. الأخوان لأمٍّ يأخذون الثلث؛ لاكتمال شروطهم
الثلاثة: عدم الأصل من الذكور الوارث، عدم الفرع الوارث، كونهما اثنين فأكثر.
فبناءً على هذا، كيف نقسم هذه المسألة؟ المسألة من أربعةٍ، الزوجة تأخذ من الأربعة
واحدًا، الربع. تبقى ثلاثةٌ، هذه الثلاثة هي لمسألة الأقارب. لو جئنا إلى الجدة،
فسنجد أنها تأخذ السدس. المسألة ستبقى ثلاثةٌ، للجدة السدس، وللإخوة لأمٍّ الثلث،
فماذا سنفعل بالثلاثة؟ ننظر بينها وبين هؤلاء.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: إن كان من أصل مسألتهم، يعني إن صحت المسألة قسمةً
عليهم، انقسمت، الحمد لله، يعني إن كان فيها انقسامٌ، إن لم يكن فيها انقسامٌ، فما
الحكم؟
{ضربته في عدد سهامه}.
ضربته في عدد السهام، ثم بعد ذلك تصح المسألة مما تصح منه، ونعود ونقسم كل واحدٍ
مضروبًا في ذلك السهم.
لعلنا أن نجعل توضيح ذلك، على ما سنأخذه في باب التصحيح؟ أو نذكره الآن؟ الآن لو
نظرتم، نقسم، يقول: فيبقى بعد نصيب الزوج ثلاثة أسهمٍ. بعدما أعطينا الزوج ماذا
نفعل؟ قال: تكون هي أصل مسألة الزوجية، فنضرب ثلاثةً في أربعةٍ، باثني عشر،
فالزوجية تأخذها مضروبًا في السهم، واحدٌ في ثلاثةٍ بثلاثةٍ، الذي هو ربع المال،
أخذته كاملًا، ثم من له شيءٌ أخذه مضروبًا في تلك الثلاثة. الأم لها سهمٌ واحدٌ،
فتضربه في ثلاثةٍ، فيكون لها ثلاثةٌ. يعني الآن لاحظ أنها تقول كيف ثلاثةٌ والزوجة
الربع ثلاثةٌ؟ لأنها هي زادت بالرَّد، بدل ما كان لها السدس، صارت كأن لها ربع
المال. والإخوة لأمٍّ أخذوا نصف المال، ستةً من اثني عشر، بدلًا أن كانوا يأخذون
ثلثه.
هذه ما يتعلق بها. طبعًا تحتاج إلى أمثلةٍ كثيرةٍ، لكن الوقت معنا ضيقٌ، ما بقي إلا
هذا الدرس، والدرس الذي يليه، وننهي هذه اللقاءات، فلعلها أن تتضح في مسائل تصحيح
المسائل، فستكون -بإذن الله جلَّ وعلَا- أوضح وأسهل.
{قال المصنف -رحمه الله وإيانا-: باب تصحيح المسائل:
إذا انكسر سهم فريقٍ عليهم، ضربتَ عددهم، أو وفقه إن وافق سهامهم في أصل مسألتهم،
أو عولها، إن عالت، أو نقصها إن نقصت. ثم يصير لكل واحدٍ منهم مثل ما كان لجميعهم،
أو وفقهم}.
باب تصحيح المسائل هذا يتعلق بالفرائض أو بالحساب؟ وجميع ما ذُكر في هذا الباب
متعلقٌ بمسائل الحساب، ففيه إعطاء السهام إلى أصحابها، وإلا فالفروض والتعصيب ونحو
ذلك انتهت، وحُكم بها وبُيِّنت.
المؤلف -رحمه الله تعالى- بدل أن يقول: يُقال لهذا مثلًا ثلثا سهمٍ، وهذا له ثلث
سهمٍ، أو نحو ذلك، فأراد أن يصحح ذلك، يقال: هذا له سهمٌ، وهذا له سهمٌ. كيف نصل
إلى هذه النتيجة؟ وفي بعض الأحوال السهام لا تنقسم على الورثة،- انقطاع في الصوت-
التي تُسمَّى تصحيح المسائل.
وتصحيح المسائل إما أن يكون على فريقٍ، أو على أكثر من فريقٍ. هو يكون على ثلاثة
فرقٍ بالإجماع، لكن هل يكون على أربعةٍ؟ الجمهور يقولون: إنه يكون على أربعةٍ،
وستتبينون ما يتعلق بذلك لاحقًا، لكن يهمنا في مثل هذا: ما معنى أن تنقسم، أو لا
تنقسم، والفريق ونحو ذلك؟ يتبين هذا بالمثال.
الآن عندنا زوجٌ أمامكم في هذا المثال وأمٌّ، وثلاثة إخوةٍ أشقاء.
الزوج أخذه نصيبه النصف. الأم أخذت نصيبها السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة. والإخوة
يأخذون الباقي تعصيبًا. المسألة كم ستكون؟ سيكون أصل المسألة من ستة النصف ثلاثة
أليس كذلك؟ للزوج، وللأم واحدٌ من ستةٍ. كم سيبقى؟ الباقي كم؟ بقي اثنان، لو أردنا
أن نقسم اثنين على ثلاثة إخوةٍ أشقاء، لا يمكن، فإما أن نقول: له بعض سهمٍ، وإما أن
نحتاج إلى تصحيحٍ، فعند ذلك نحتاج إلى التصحيح، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
إننا حتى نصحح هذه المسألة كيف ننظر؟ ننظر بين سهام هؤلاء الفريق، إذن الإخوة
الأشقاء يسمون فريقًا، وعندهم سهامٌ، وعندهم عدد رءوسٍ، عدد رءوسهم ثلاثةٌ، وسهامهم
اثنان، فنحتاج إلى أن نصلح هذا الانكسار، يعني لئلا يكون لكل واحدٍ بعض سهمٍ، ويصعب
في ذلك قسمة هذه المسألة، فيقول أهل العلم: إنه يُنظر بين عدد سهامهم وعدد رءوسهم
بنظرين، إما بالمباينة، أو بالموافقة، فإذا كانت مباينةً، كما هي في مسألتنا هذه،
فنثبت عدد الرءوس فوق، الذي هو ثلاثةٌ، فنضرب ثلاثةً في أصل المسألة، الذي هو ستةٌ،
فبناءً على ذلك، تصح المسألة من ثمانية عشر، كل من له سهمٌ في المسألة الأولى يأخذه
مضروبًا في جزء السهم الذي ضربناه، فبناءً على ذلك الزوج كان له من الستة ثلاثةٌ،
أليس كذلك؟ فيأخذ الثلاثة في الثلاثة التي ضربناها في الستة، فثلاثة في ثلاثةٍ
تسعةٌ، يعني بدلًا أن كان يأخذ ثلاثةً من ستةٍ، صار يأخذ تسعةً من ثمانية عشر، هو
هو، نصف المال.
الأم كانت تأخذ كم؟ السدس، واحدًا من ستةٍ، فالآن ستأخذ من ثمانية عشر، إذن نضرب
واحدًا في ثلاثةٍ، فيكون ثلاثةٌ، فتأخذ ثلاثةً من ثمانية عشر، الذي هو السدس.
الإخوة الأشقاء كانوا يأخذون اثنين تعصيبًا، فنضرب اثنين في ثلاثةٍ، اثنين في ثلاثة
بستةٍ، يأخذون ستةً من ثمانية عشر، يعني الذي هو نصيبهم يقسَّم على كل واحدٍ منهم
اثنين.
فوجد انكسارٌ، أو لم يوجد انكسارٌ؟ لم يوجد انكسارٌ، بعد ما صححناها لم يوجد
الانكسار.
هذا هو مقصود أهل العلم أنه بدلًا أن يأخذ جزءًا من السهم، أو بعض سهمٍ، لا نستطيع
ضبطه، وتسهيل قسمه، فإننا نعيد المسألة إلى شيءٍ هو أكبر من الأصل الموجود، بضربه
على هذا النحو الذي ذكرناه، إذا كانت مباينةً، وإن كانت موافقةً، ففي وفق عدد
الرءوس، ثم تصح المسألة من ذلك.
عندنا مثلًا هذه مسألةٌ أخرى: زوجٌ أخذ النصف، والأم أخذت السدس، أربعة إخوةٍ أخذوا
الباقي تعصيبًا، مثل المسألة السابقة، اثنان وستةٌ بينهم تداخلٌ، فأصل المسألة من
ستةٍ، للزوج ثلاثةٌ من ستةٍ، للأم واحدٌ من ستةٍ، للإخوة هنا الإخوة من أبٍ مثلًا،
أو أشقاء، كلهم يرثون تعصيبًا، التعصيب كم الباقي؟ اثنان من ستةٍ، فننظر هنا،
الاثنين تنقسم على الأربعة أم لا؟ لا تنقسم؛ لأن كل واحدٍ يكون له نصف سهمٍ،
مُنكسرٌ هذا، أليس كذلك؟ فلابد أن نجعله واحدًا صحيحًا، أو أكثر من واحدٍ، المهم أن
يكون صحيحًا لا مُنكسرًا، فبناءً على ذلك، ننظر بين ماذا وماذا؟ بين عدد سهامهم
ورءوسهم. إذا نظرنا بين الاثنين والأربعة، ماذا بينها؟ موافقةٌ، لا، هنا بالموافقة
والمباينة فقط، فنقول: بينهما موافقةٌ في ماذا؟ الأربعة في الاثنين، فنضرب اثنين في
ستةٍ؛ لأننا نصعد بالاثنين إلى أصل المسألة، فنضرب اثنين في ستةٍ، فتكون المسألة من
كم؟ اثني عشر، فيكون الذي له سهمٌ يأخذه مضروبًا في ما ضربنا فيه أصل المسألة،
فالزوج يأخذ بدل ثلاثةٍ من ستةٍ، يأخذ الآن ستةً من اثني عشر. الأم كانت تأخذ
واحدًا من ستةٍ، السدس، الآن تأخذ واحدً مضروبًا في اثنين باثنين، يعني اثنين من
اثني عشر، الذي هو سدس المال.
الإخوة الذين ورثوا بالتعصيب، كان لهم اثنان من أربعةٍ، الآن يأخذون اثنين في اثنين
بأربعةٍ من اثني عشر، لكل واحدٍ منهم سهمٌ واضح؟- انقطاع في الصوت -
لأجل ذلك هذه صورةٌ من صور أن يكون بين عدد رءوسهم، وبين سهامهم موافقةٌ.
إذا انتهينا من هذا، فيأتي الكلام عن الانكسار بين فريقين.
يعني على سبيل المثال يكون عندنا مثلًا في المسألة خمس بنات ابنٍ، وعندنا مثلًا
أخواتٌ شقائق ثلاثةٌ، فهنا بنات الابن انكسر عليهم سهمهم، والأخوات الشقائق أيضًا
انكسر عليهم سهمهم، فهؤلاء فريقان.
انظر إلى المثال الذي معنا الآن، جئنا بمثالٍ سهلٍ: ثلاثة إخوةٍ لأبٍ، وثلاثة إخوةٍ
لأمٍّ.
الإخوة لأم كم سيأخذون؟ سيأخذون الثلث، والإخوة لأب الباقي تعصيبا، للإخوة لأمٍّ
الثلث، سهمٌ واحدٌ، والباقي اثنان، لثلاثة إخوةٍ من أبٍ.
لو أردنا الآن أن نقسم، اثنان على ثلاثةٍ فيه انقسامٌ أو انكسارٌ؟ انكسارٌ، ما يمكن
أن نعطيهم اثنين، إلا أن يكون لكل واحدٍ بعض سهمٍ. إذن هذا فريقٌ. الإخوة لأمٍّ لهم
سهمٌ واحدٌ، واحدٌ على ثلاثةٍ، إذن كل واحدٍ سيأخذ ثلث سهمٍ، إذن فيه انكسارٌ.
ننظر بين كل مجموعةٍ وسهامهم بما نظرنا إليه سابقًا، بينها مباينةٌ أو موافقةٌ؟
اثنان وثلاثةٌ؟ بينهما مباينةٌ، فنثبت عدد الرءوس الذي هو ثلاثةٌ، والإخوة لأبٍ،
ننظر بين الواحد والثلاثة بينهما موافقةٌ أم مباينةٌ؟ مباينةٌ، فنثبت أيضًا
الثلاثة، ثم ننظر بين المثبتات من الفرق، بالنسب الأربعة، فإما أن يكون بينهما
مماثلةٌ، أو مداخلةٌ، أو موافقةٌ، أو مباينةٌ. هنا أثبتنا ثلاثةً للإخوة لأبٍ،
وثلاثةً للإخوة لأمٍّ، إذن بينهم مماثلةٌ، فنثبت واحدًا، فبناءً على ذلك نقول:
ثلاثةٌ في ثلاثةٍ بتسعةٍ، إذن للإخوة لأبٍ كان اثنان أليس كذلك؟ فنضرب اثنين في
ثلاثةٍ، بستةٍ، فيأخذون ستةً من تسعةٍ، وهم ثلاثةٌ، كل واحدٍ له اثنان، إذن زال
الانكسار أو لم يزل؟ زال الانكسار.
الإخوة لأمٍّ كان لهم واحدٌ من ثلاثةٍ، الثلث، وهو منكسرٌ، فنقول: واحدٌ نضربه في
ما ضربنا فيه أصل المسألة، في ثلاثةٍ، فيكون ثلاثةً، إذن لكل واحدٍ سهمٌ، فسيكون له
سهمٌ واحدٌ من تسعةٍ، فإذا كان عندنا تركةٌ تسعون ألفًا، فنقسمها بينهم، هؤلاء لهم
ستة أسهمٍ من التسعين ألفًا، يعني ستون ألفًا، ولكل واحدٍ منهم سهمان، يعني لكل
واحدٍ عشرون ألفًا، والإخوة لأمٍّ لهم ثلاثون ألفًا؛ لأن لهم الثلث، لكل واحدٍ منهم
سهمٌ، يعني عشرة آلافٍ، وهذه صورةٌ مبسطةٌ، حتى تعرفوا لماذا يصحح هذا الانكسار.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: إما أن تكون متناسبةً، فيدخل الأصغر في الأكبر،
مثال: جدتان، التناسب يعني التداخل، عندنا جدتان وأربعة إخوةٍ لأمٍّ. الجدتان
يشتركن في السدس، والإخوة لأبٍ يأخذون الباقي. فالمسألة أصلها من ستةٍ، للجدتان
واحدٌ من ستةٍ، والإخوة لأبٍ لهم خمسةٌ من ستةٍ. إذن الآن سننظر بين الواحد ينقسم
على الجدتين؟ لا، كل واحدٍ له نصف سهمٍ ما يصلح، فإذن بينه وبين الجدتين مباينةٌ،
بين الواحد والاثنين، الذي هو عدد رءوسهم، مباينةٌ، فنثبت اثنين، الذي هو عدد رءوس
الجدات، الإخوة لأبٍ لهم خمسةٌ من ستةٍ، وهم أربعةٌ، بين الخمسة والستة مباينةٌ،
فنثبت كم عدد رءوسهم، أربعةً. إذن أثبتنا لفريقٍ أربعةً، وأثبتنا لفريقٍ اثنين،
ننظر بين الاثنين والأربعة، بينهما تداخل، فالاثنان يدخل في الأربعة، فبناءً على
ذلك نثبت الأربعة، فنضربها في أصل المسألة، أربعةٌ في ستةٍ، بأربعةٍ وعشرين، ثم كل
من له يأخذه مضروبًا في ما ضربنا فيه أصل المسالة.
الجدتان يأخذن واحدًا من ستةٍ، فنضرب واحدًا في أربعةٍ، واحدٌ في أربعةٍ بأربعةٍ،
فيكون لهم أربعةٌ، اثنان لإحدى الجدتين، واثنان لإحدى الجدتين الأخريين. الإخوة
لأبٍ كان لهم خمسةٌ من ستةٍ، فنضرب إذن خمسةً في ما ضربنا فيه أصل المسألة، الذي هو
أربعةٌ، خمسةٌ في أربعةٍ بعشرين، بين أربعة إخوةٍ، لكل واحدٍ منهم خمسةٌ.
وإن تباينت ضربت بعضها في بعض، ما الذي تباين؟ الضمير راجعٌ في تباينت لعدد الرءوس،
فعندنا أمٌّ، وثلاثة إخوةٍ لأمٍّ، وأربعة إخوةٍ لأبٍ. الأم كم ستأخذ؟ السدس، الإخوة
لأمٍّ لهم الثلث، الأربعة إخوةٍ لأبٍ الباقي تعصيبًا. سيكون أصل المسألة من ستةٍ،
للأم السدس واحدٌ، وللإخوة لأمٍّ الثلث اثنان، والأربعة إخوة لأبٍ، سيأخذون الباقي،
الذي هو ثلاثةٌ.
لو نظرنا الآن، الثلث الذي هو اثنان من ستةٍ، ثلث المال، هل سينقسم على الثلاثة؟
لا، فإذن سنثبت الآن بين الثلاثة والاثنين أيضًا مباينةً، فنثبت عدد رءوسهم ثلاثةً،
ثلاثة إخوةٍ لأمٍّ. الإخوة لأبٍ أربعةٌ، ورثوا كم؟ أيضًا ورثوا ثلاثة. ثلاثةٌ
وأربعةٌ بينهما مباينةٌ، فنثبت الأربعة، بعد ذلك ننظر بين الفرق بين الثلاثة
والأربعة مباينةٌ، فنضرب ثلاثةً في أربعةٍ، ثم نجعلها تُضرب في أصل المسألة.-
انقطاع في الصوت - واحد من ستةٍ، فنضرب واحدًا في اثني عشر، فيكون لها اثنا عشر من
اثنين وسبعين، الذي هو سدس المال.
الإخوة لأمٍّ كانوا يأخذون الثلث اثنين من ستةٍ، فنضرب اثنين في اثني عشر بأربعةٍ
وعشرين، لكل واحدٍ منهم سيكون ثمانية، الإخوة لأب كم كانوا يأخذون؟ يأخذون ثلاثة في
اثني عشر بستة وثلاثين، على ذلك يذهب الإشكال، أو تصح المسألة.
هنا يقول: هذا في حال الأمثلة كلها في حال التباين، وإن توافقت ضربت وفق أحدهما،
قرأت هذه؟ طيب اقرأها.
{قال: وإن توافقت، ضربتَ وفق أحدهما في الآخر، ثم وافقت بين ما بلغ وبين الثالث،
وضربته، أو وفقه في الثالث، ثم ضربته في المسألة، ثم كل من له شيءٌ من المسألة،
أخذه مضروبًا في العدد الذي ضربته في المسألة}.
مثال أربع جداتٍ هنا يأخذن فرض السدس، وستة إخوةٍ أشقاء يأخذون الباقي، فستكون
المسألة من ستةٍ، الأربع جداتٍ لهن السدس، وخمسة أسهمٍ للأربعة الإخوة الأشقاء، لو
نظرنا الآن، الواحد لأربع جداتٍ ما ينقسم، فنثبت أربعةً، وهو عدد الرءوس. والإخوة
الأشقاء لهم خمسةٌ من الستة أيضًا بينهما مباينةٌ، فننظر بين عدد رءوس الجدات، وعدد
رءوس الإخوة الأشقاء، الأربعة والستة، بينهما موافقةٌ، فنأخذ وفق أحدهما، ونضربه في
كامل الآخر، فالأربعة وفقها اثنان في ستةٍ، باثني عشر، ونضربها في أصل المسألة وهو
ستةٌ، فيكون اثنين وسبعين، أو وفق الستة الذي هو ثلاثة في أربعة، نفس الشيء، في
ستةٍ فسيكون اثنين وسبعين.
عرفتم كيف الوفق بين عدد الرءوس؟ عندنا أربع جداتٍ، وعندنا ستة إخوةٍ أشقاء،
الأربعة والستة بينهما موافقةٌ، فنأخذ وفق الأربعة اثنان، ونضربه في كامل الستة،
اثنان في ستةٍ باثني عشر، فنضربه في ستةٍ الذي هو أصل المسألة، فيكون اثنين وسبعين.
ثم كل من له شيءٌ يأخذه مضروبًا في ما ضربنا فيه أصل المسألة، فتتبين الجدات يأخذن
اثني عشر من اثنين وسبعين، فينقسم على الأربع جداتٍ، كل واحدةٍ ستأخذ ثلاثةً، يعني
ثلاثة أسهمٍ من اثنين وسبعين سهمًا، والستة الإخوة الأشقاء لهم خمسة من ستةٍ، خمسةٌ
في اثني عشر بستين، يعني كل واحدٍ منهم سيأخذ اثني عشر من اثنين وسبعين.
هذا إذن ما يتعلق بهذه المسائل. طبعًا إذا كان على ثلاثة فرقٍ نفس الشيء، سيكون
النظر بين كل فريقٍ وسهامه، عدده وسهامه، بالمباينة والموافقة، ثم يُنظر بين الفرق
بالنسب الأربع، بالمماثلة، والمداخلة، والموافقة، والمباينة.
وكما قلت لكم: الحقيقة أن هذه مسائل ستحتاج إلى مراجعةٍ كبيرةٍ، وتأمُّلٍ، وكتابةٍ،
ويخطئ الإنسان في مسألةٍ ومسألتين وثلاثةٍ، لكن لا ينفك الإنسان من أن يكون أقل
شيءٍ عنده التصور كيف يصير حل مثل هذه المسائل، وإلا فحتى تُتقن ذلك، لابد أن يكون
كل طالبٍ بنفسه قد حل خمسة أمثلةٍ أو ستة أمثلةٍ، على كل نوعٍ، في المباينة وفي
الموافقة، وفي الفريق الواحد، ثم في الفريقين، حتى تتأكد وتضبط ذلك.
إن وجدتم في أنفسكم ثِقلًا عن تمام فهمها، فلا ييأس الطالب، أو يحزن، أو يقول: أنا
ما فهمتُ، أو هذه صعبةٌ، لأن هي بنفسها تحتاج إلى شيءٍ من التفصيل، تحتاج إلى شيءٍ
من التوضيح، والممارسة، ولا يتأتى للإنسان كمال الإتقان إلا بالممارسة، بل حتى
أحيانًا حتى مع الممارسة، إذا ندَّ الذهن، أو نسي الإنسان ربما أخطأ فيها، وإعادة
المسألة من أولها، حتى يتبين محل الخطأ الذي أخطأ فيه، أو أن يراجع بعض ما كتبه أو
درسه، حتى يتيقن أنه قد فات عليه خطوةٌ من الخطوات، فيستدرجها.
محصل الكلام أن الإنسان لن يتقن هذه الأبواب بمجرد المرور عليها على وجه السرعة،
التي مررنا بها، لكن عسى أن تكون قد أوتيت أول – كلمة غير مسموعة - وهديت الطريق
إلى تعلمها، حتى يكون ذلك أعون لك لو أردت أن تستعيد ذلك مع بعض مشايخك، أو أن تعيد
الأمثلة مع النفس، وتستعرضها مع بعض زملائك وأقرانك، وأيضًا أن لا تكون بمنئًى
كاملٍ عن طرائق هذه المسائل في حلها وإمكان الإفادة منها.
بعد ذلك سننتقل إلى باب المناسخات. تعرفون المناسخات أو لا تعرفونها؟ المناسخات لها
معنًى لغويٌّ، ولها معنى اصطلاحيٌّ، المناسخات يعني من نسْخِ الشيء، وهو: الإزالة
والرفع، فكأن متأخرًا متقدِّمًا، وآتيًا أزال ذاهبًا، هذا من جهة الأصل.
فالمناسخات في علم الفرائض هو: أن يموت الميت وله ورثةٌ، وقبل أن تُقسم تركته يموت
أحد ورثته، فإذن بدلًا أن كان يأخذ المال هذا الوارث، صار سينتقل المال إلى ورثته،
فنُسخ حكمه، وانتقل بالمال من مورِّثه إلى ورثة الثاني، فهذه المسائل لها أحوالٌ
الحقيقة، ولها طولٌ، ولها صعوبةٌ، لكن لعلنا -بإذن الله جلَّ وعلَا- أن نشير إشارةً
لطيفةً سريعةً يمكنك أيضًا أن تعرف أصل هذا الباب، ولا نحتاج إلى الدخول في دقائق
تفاصيله؛ لأنها أيضًا من أصعب مسائل الفرائض، هي مسائل المناسخات، ولعلي -بإذن الله
جلَّ وعلَا- أن أذكر لكم حادثةً غريبةً في مستهل اللقاء القادم، حصل لبعض مشايخنا،
في بيان كيفية قدرته على قسمة المواريث، وسهولتها عليه، لمراسهم، وتوفيق الله -جلَّ
وعلَا- لهم، ولاهتمامهم بهذه العلوم، حتى طوَّعها الله لهم، فلله الفضل والمن على
ما يسر وسهل.
نسأل الله أن يزيدنا وإياكم من العلوم، وأن يرزقنا كمال الفهوم، وأن يجعل الفرائض
كسائر العلوم أتم ما تكون علمًا لنا، وفهمًا لها، وإتيانًا على تفاصيلها، ونقلًا
لعلمها إلى من بعدنا، وطلابنا، إن ربنا ولي ذلك والقادر عليه، وأستبيحكم عذرًا
لانتهاء الوقت والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لكل خيرٍ وهدًى، وصلى الله وسلم
وبارك على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه أجمعين.