السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الإخوة الحاضرون، أيها الإخوة المشاهدون
والمشاهدات، نحمد الله -سبحانه وتعالى- بادئ ذي بدءٍ، فله الحمد أولًا وآخرًا،
وظاهرًا وباطنًا، له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على
نبيه وصفيه من خلقه، وآله من بعده وصحبه.
أما بعد، فأسأل الله -جلَّ وعلَا- أن يفتح فهومنا، وأن يزيد علومنا، وأن يزيدنا من
الفقه في الدين، والرفعة فيه، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
كنا أيها الإخوة في المجلس الماضي، قد أتينا على جملةٍ من المسائل المهمة، في باب
العصبات، بيانًا لمشروعية الإرث بالعصبة، ومعنى العصبة، ثم تقسيم العصبة بالنفس،
والعصبة بالغير، والعصبة مع الغير، وأيضًا العصبة بالسبب في المعتق والمعتقة، كما
أيضًا ذكرنا من هو الأولى من العصبة بالميراث، وتقسيم الوارثين بالعصبة إلى جهاتٍ،
ثم أقربهم درجةً، ثم أقواهم من الميت في من يُدلي بقرابتين، أولى ممن يُدلي بقرابةٍ
واحدةٍ.
ولا يزال الحديث في ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- متعلقًا بذلك، فنحن قد
أجملناه لكم، ووضحناه، بما يسهل فهمه، ويقرب من الدارس تعلمه، ثم أخذنا كلام المؤلف
-رحمه الله تعالى- وجملةً من المسائل التي ذكرها مع ذلك، فنكمل -بإذن الله- ما كنا
قد توقفنا عنده في المجلس الماضي.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين
والمشاهدين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله وإيانا-: وعلى هذا لا يرث بنو أبٍ أعلى مع بني أبٍ أدنى منه،
وإن نزلوا، وأولى كل بني أبٍ أقربهم إليه، فإن استوت درجاتهم، فأولاهم من كان
لأبويْن}.
إذن، هذا كما قلنا في نهاية المجلس الماضي، إنه إشارةٌ إلى ما ذكرناه لكم، من أن من
اتفقت جهتهم فالنظر بالأقرب، ولهذا قال: "ولا يرث بنو أبٍ أعلى مع بني أبٍ أدنى"،
الأعلى يعني الأبعد، مع بني الأب الأدنى، فمثلًا ابن أخٍ شقيقٍ، مقدَّمٌ على ابن
ابن أخٍ شقيقٍ؛ لأنه أدنى منه وأقرب، وكذلك ابن أخٍ لأبٍ، أقرب من ابن ابن أخٍ
شقيقٍ، إذا كانت درجاتهم متفاوتةً لا ننظر إلى القوة، القوة إذا تساووا، أما إذا
كان أحدهم أرفع درجةً، أو أقرب إلى الميت فهو مقدَّمٌ على الأبعد، فبناءً على هذا،
قال المؤلف: "لا يرث بنو أبٍ أعلى" يعني أبعد "مع بني أبٍ أدنى منه وإن نزلوا،
وأولى كل بني أبٍ أقربهم إليه"، مثل ما ذكرنا لكم، الأخ الشقيق أقرب من ابن الأخ
الشقيق، وابن الأخ الشقيق أولى من ابن الأخ لأبٍ، وابن الأخ لأبٍ أولى من ابن ابن
الأخ الشقيق، وابن ابن الأخ لأبٍ، وهكذا. إذن هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى-
هنا.
إذا اتفقوا في الدرجة، فمثل ما ذكرنا في المجلس الماضي، أن العبرة بالقوة، فمن كان
يدلي بقرابتين، يعني بأن يكون شقيقًا، مقدَّمٌ على من كان يُدلي بقرابةٍ واحدةٍ،
لكن متى يكون النظر إلى القوة؟ إذا استوت الجهة والدرجة، أما إذا كانت الجهة،
فالعبرة بالجهة، إذا كانت الجهة متفقةً، والدرجة مختلفةٌ، فالدرجة هي المعتبر، ولا
ينظر إلى القوة، لكن إذا استوت الجهة والدرجة، فالنظر إلى القوة.
سنذكر جملةً من المسائل، تتعلق بقرب الدرجة، ثم القوة.
هنا: زوجةٌ، بنتٌ، أخٌ شقيقٌ، ابن أخٍ شقيقٍ.
نحن يسمحون لنا الإخوة المشاهدين، ربما نستعجل في ذكر الأمثلة؛ استثمارًا للوقت،
ولضيق الوقت المتبقي، حتى نُكمل المنهج -بإذن الله جلَّ وعلَا-.
الزوجة كم تأخذ في المثال الذي أمامكم؟ تأخذ الثمن؛ لوجود البنت. البنت تأخذ النصف؛
لعدم المعصِّب، وعدم المشارك. الأخ الشقيق، وابن الأخ الشقيق، هؤلاء نقول: جهتهم
واحدةٌ، ودرجتهم متفاوتةٌ، فمن الأقرب؟ الأخ الشقيق، فيأخذ الباقي تعصيبًا، ويسقط
ابن الأخ الشقيق.
عندنا مثالٌ آخر: ثلاث بناتٍ، ابن أخٍ شقيقٍ، ابن ابن أخٍ شقيقٍ.
الثلاث بنات كم يأخذن؟ يأخذن الثلثين؛ لعدم المعصِّب، ووجود المشارك. ابن الأخ
الشقيق وابن ابن الأخ الشقيق، ابن الأخ الشقيق أقرب، كلهم عصبةٌ، وكلهم من جهةٍ
واحدةٍ، وهي جهة الأخوة، لكن ابن الأخ الشقيق أقرب من ابن ابن الأخ الشقيق.
المثال الذي أمامكم، لو قلنا: ابن أخٍ لأبٍ، والباقي كما هو، والذي بعده ابن ابن
أخٍ شقيقٍ.
فابن أخي الأب، أقرب من ابن ابن الأخ الشقيق، فيكون أيضًا هو الوارث يأخذ الباقي
تعصيبًا، وابن ابن الأخ الشقيق محجوبٌ بابن الأخ الشقيق، أو ابن الأخ لأبٍ، لو كانت
المسألة ابن أخٍ لأبٍ.
هذه مسألةٌ أخرى: زوجٌ، وابن أخٍ شقيقٍ، وابن أخٍ لأبٍ.
الزوج يأخذ النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث. ابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأبٍ، هنا
جهتهم واحدةٌ، ودرجتهم؟
{متفاوتة}.
لماذا أخلفت كلامك يا صهيب؟ أنت تقول درجةٌ متفقةٌ.
{الحين وجدت الفرق}.
لا، لم تجد الفرق؛ لأن كلامك الأول أصح، هم درجتهم واحدةٌ، هم كم بينهم وبين الميت؟
أخٌ، ابن أخٍ شقيقٍ، وهذا ابن أخٍ لأبٍ، الدرجة المقصود بُعدهم عن الميت، كم بينهم
وبين الميت من شخصٍ؟ كلهم يدلي بشخصٍ واحدٍ، أليس كذلك؟ إذن درجتهم واحدةٌ، إذن
نقول: إذا اتفقت الجهة، واتفقت الدرجة، فالنظر بالقوة، الأخ الشقيق، ابن الأخ
الشقيق أدلى بقرابتين، ابن الأخ لأبٍ أدلى بقرابةٍ واحدةٍ، فإذن يأخذ المال من هو
أقوى؛ لأنهم اتحدت جهتهم وقربهم.
فتنبَّهوا للفرق بين الدرجة والقوة، متى تكون الدرجة، ومتى تكون القوة.
هنا بنتٌ، وزوجةٌ، وأخٌ شقيقٌ، وأخٌ لأبٍ.
البنت تأخذ النصف. الزوجة تأخذ الثمن؛ لوجود الفرع الوارث. الأخ الشقيق والأخ لأبٍ،
هؤلاء جهتهم واحدةٌ، ودرجتهم واحدةٌ، وأيهما أقوى؟ فالنظر بالقوة إذن، الأخ الشقيق
هو الأقوى؛ لأنه أدلى بقرابتين، والأخ لأبٍ محجوبٌ بالأخ الشقيق.
بعد هذا إذن ننتقل إلى ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد ذلك، وهو: العصبة
بالغير، نحن ذكرنا العصبة بالنفس، والآن نأتي إلى العصبة بالغير.
{قال: وأربعةٌ منهم يعصبون أخواتهم، ويقتسمون ما ورثوا، للذكر مثل حظ الأنثيين، وهم
الابن وابنه، والأخ من الأبوين، أو من الأب، وما عداهم ينفرد الذكور بالميراث، كبني
الإخوة والأعمام، وبنيهم}.
إذن، هذا من المؤلف -رحمه الله تعالى- بيان في العصبة بالغير، ومعنى العصبة بالغير:
يعني أنهم من حيث الأصل هم لا يرثون تعصيبًا، لكن بغيرهم دخلوا إلى التعصيب بغيرهم،
وهم أربعةٌ، الذين يعصِّبون بالغير: الابن، وابنه، والأخ من أبوين، والأخ من الأب.
فهؤلاء جذبوا معهم أخواتهم، فالابن إذا وجدتْ معه بنتٌ، عصَّبها، للذكر مثل حظ
الأنثيين، ولذلك أنتم لو تأملتم، فإن شرط إرث البنات للنصف، أو الثلثين: عدم وجود
المعصِّب؛ لأنه إذا وُجد المعصِّب نقلهم من الفرض إلى العصبة، هل هم عصبةٌ من حيث
الأصل؟ ليسوا عصبةً، لكن بغيرهم، بإخوانهم، الذين هم أبناء الميت، يكونون عصبةً،
وأصل ذلك: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11].
وابنه كذلك، ابن الابن يعصِّب بنت الابن، وهنا لابد أن تلحظ أن ابن الابن يعصِّب
بنت الابن، التي هي أخته، ويعصِّب بنت الابن التي هي ابنة عمه، يعني لو كان محمدٌ
له زيدٌ وخالدٌ، وزيدٌ وخالدٌ متوفون، ولهم صالحٌ وخالد له سمية، فصالح يعصِّب
سمية؛ لأنها هذا ابن ابنٍ، وهذه بنت ابنٍ، هل هم إخوةٌ؟ ليسوا إخوةً، هم أبناء
عمٍّ، لكن هو يعصِّب ابنة عمه الذي في درجته، وقد قلنا إنه قد يعصِّب ابنة عمه التي
هي أرفع منه لو سقطت، وهذا قد مرَّت الإشارة إليه، ما نحتاج إلى أن نعيده، يعني
يحتاج إلى زيادة أمثلةٍ كثيرةٍ، وقد مرَّت الإشارة إلى ذلك.
إذن، ابن الابن يعصِّب بنت الابن، سواء كانت أخته، أو بنت عمه، إذا كانت في درجته،
أو كان أنزل منها، واحتاجت إليه، أما إذا لم تحتج إليه، فتأخذ ميراثها كاملًا.
الأخ من الأبوين، الذي هو الأخ الشقيق، يعصِّب الأخت الشقيقة، فإذا وجدتْ الأخت
الشقيقة، فالأصل أنها صاحبة فرضٍ، تأخذ النصف أو تأخذ الثلثين بشرطها، قد ترث عصبةً
بالغير إذا وجد الأخ الشقيق، ولذلك في شروط إرثها للنصف أو الثلثين، نقول: عدم وجود
المعصِّب لها؛ لأنه ينقلها إلى التعصيب، وهذا في قول الله -جلَّ وعلَا-:
﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن
لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ
مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء: 176].
الأخ لأبٍ، هو رابعٌ من يعصِّب أخته، وهي الأخت لأبٍ، فإذا وجد في المسألة أخٌ
لأبٍ، وأختٌ لأبٍ، فهي تأخذ معه عصبةً، إذا لم يوجد من هو أولى منهم من العصبة،
ولذلك في شروط إرثها للنصف، أو الثلثين، أو السدس: عدم وجود المعصِّب لها.
هؤلاء يسمون عصبةً بالغير؛ لأن إخوتهم يعصبونهم، أو ابن عمهم الذي في درجتهم،
بالنسبة لبنت الابن.
عندنا مثالٌ: زوجةٌ، وبنتٌ، وابنٌ.
الزوجة تأخذ الثمن؛ لوجود الفرع الوارث. البنت لو لم توجد البنت لورثت النصف، لكن
لما وجدت البنت، فإنه يعصِّبها، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
المثال الآخر: زوجةٌ، وأمٌّ، وأبٌ، وابن ابنٍ، وثلاث بنات ابن ابنٍ.
الزوجة تأخذ الثمن؛ لوجود الفرع الوارث. الأم تأخذ السدس؛ لوجود الفرع الوارث. الأب
يأخذ السدس، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث، والأصل من أهل التعصيب، لكن وجدت جهةٌ أقوى
منه، وهي جهة البنوة، فلئلا يسقط، جعل الله -جلَّ وعلَا- له السدس ﴿وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ﴾ [النساء: 11].
ابن الابن يعصِّب بنات الابن، سواءً كانت بنات الابن هؤلاء هن أخواته، أو بنات عمه،
أو بعضهن كذا، وبعضهن كذا.
مثال آخر: أمٌّ، وبنتٌ، وأخوان شقيقان، وأختٌ شقيقةٌ.
الأم لها السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة، ووجود الفرع الوارث. البنت لها النصف؛ لعدم
المعصِّب، وعدم المشارك. الأخوان الشقيقان مع الأخت الشقيقة يرثون تعصيبًا، عصبةً
بالغير، مع الإخوة الأشقاء.
عندنا مثال آخر: أمٌّ، وزوجٌ، وأخٌ لأبٍ، وأختٌ لأبٍ.
الأم السدس؛ لوجود الجمع. الزوج يأخذ النصف. الأخ لأبٍ، والأخت لأبٍ يرثون الباقي
تعصيبًا، الأخت لأبٍ، لو لم يوجد الأخ لأبٍ لورثت النصف، لكن هنا ورثت المال
تعصيبًا، ولذلك نقصتْ، لو كانت أختًا لأبٍ، أخذت النصف، وصار المسألة فيها عولٌ،
لذلك قال الله -جلَّ وعلَا-: ﴿لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعً﴾
[النساء: 11]، ففي بعض الأحيان إذا وجد المعصِّب ورثت بعد أن كانت ساقطةً، وفي بعض
الأحيان ينقصها بعد أن كانت وارثةً لفرضٍ أكثر من ذلك.
فهذا قسمة الله -جلَّ وعلَا- للمواريث، وقد فصَّلها في كتابه أيما تفصيلٍ.
قال: "وما عداهم"، هذه المسألة قرأناها قبل قليلٍ "ينفرد الذكور بالميراث، كبني
الإخوة، والأعمام، وبنيهم"، يعني ماذا يريد أن يقول المؤلف -رحمه الله-؟ أن العصبة
بالغير مختصةٌ بهؤلاء الأربعة، فالعم الشقيق، أو العم لأبٍ لو كانت أخته موجودةً،
التي هي عمة الميت الشقيقة، أو عمة لأبٍ، لا يعصبها، بل هم من ذوي الأرحام، أي من
غير الورثة. ومثل ذلك ابن العم الشقيق، وبنت العم الشقيق، فلو وجد ابن عمٍّ شقيقٍ،
فعندنا أن ابن العم الشقيق، هو الذي ينفرد بالمال، أما أخته فساقطةٌ؛ لأنها من ذوي
الأرحام.
هذا مثالٌ جيدٌ: أمٌّ، وزوجٌ، وابن أخٍ شقيقٍ، وبنت أخٍ شقيقٍ.
الأم تأخذ الثلث؛ لعدم وجود الجمع من الإخوة، وعدم وجود الفرع الوارث. الزوج أخذ
النصف أيضًا لعدم الفرع الوارث. ابن الأخ الشقيق، وبنت الأخ الشقيق، قلنا يرثون
تعصيبًا؟ لا، الأخ الشقيق هو الذي يعصِّب أخته، أما ابن الأخ الشقيق لا، فيأخذ
المال تعصيبًا، وتسقط بنت الأخ الشقيق.
مثال آخر: زوجٌ، وعمٌّ، وعمةٌ.
الزوجة تأخذ الربع؛ لعدم الفرع الوارث. العم مع العمة هل يعصِّب العمة؟ لا، العمة
ليست من الوارثات، فبناءً على ذلك يأخذ المال تعصيبًا، وتسقط العمة؛ لأن الذي جاء
فيهم أنهم عصبةٌ بالغير، إنما هم البنات مع الأبناء، وبنات الابن مع أبناء الابن
وإن نزلوا بمحض الذكورية، والأخوات الشقائق، مع الإخوة الأشقاء، والأخوات لأبٍ، مع
الإخوة لأبٍ.
هنا أيضًا مثال: زوجٌ، وابن عمٍّ، وبنت عمٍّ.
الزوج له النصف، ابن العم هو الذي يرث الباقي تعصيبًا، أما بنت العم فساقطةٌ؛ لأنها
من ذوي الأرحام.
إذا انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى- من بيان الأولى من العصبات، على ما ذكرنا لكم
من التفصيل، الفقهاء في كتب الفقه، يوردونها بشيءٍ من التداخل؛ لأن الأصل عندهم أن
الفقيه قد وصل إلى درجةٍ من النظر والقدرة، أن يلحظ ذلك لأول وهلةٍ، فيذكرونه بشيءٍ
من الاختصار، وأحيانًا الإلغاز، لكن طالب العلم يتلقاها، ولأجل ذلك كانت هنا فيه
بعض المسائل فيها شيءٌ من الاختصار والإلغاز ونحو ذلك تحتاج إلى شيءٍ من التفصيل،
أما الفرضيون في كتب الفرائض المختصة، يذكرونها بشيءٍ من الوضوح أكثر، فإذا أشكلت
عليك في كتب الفقهاء فارجع إلى الكتب المختصة في الفرائض، فتجدها بصورةٍ أوضح.
فنحن ذكرنا إذن: أن العصبة، الاعتبار فيهم إذا اجتمعوا بالجهة، فإذا استوت الجهة
فالنظر بالقرب، فإذا استوت الدرجة، فالنظر بالقوة على ما تقدَّم.
أراد المؤلف -رحمه الله تعالى- أن يبين أحوال العصبة من حيث إرثهم للقليل أو
الكثير، يعني صاحب الفرض معروفٌ، يأخذ ثمنًا، يأخذ ثلثًا، يأخذ ربعًا، معروفٌ قدر
حصته من المال، لكن التعصيب يأخذ ما بقي، فقد يكون ما فيه إلا هو، فيأخذ المال كله،
وقد يكون مع أصحاب الفروض، فيأخذ ما بقي، وقد تكون الفروض قد استكملت المال، فلم
يبق شيءٌ فيسقط، فأراد المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا أن يبين هذه الأحوال، يعني
أن يكون هو أولى رجلٍ ذكرٍ، لكن ما بقي بقية بعد أصحاب الفروض. فقال: إذا انفرد
العصبة، ورث المال كله، يعني لو مات ميتٌ عن ابنٍ مثلًا، يرث المال كله، عن ابن
ابنٍ، يرث المال كله، ابن أخ شقيق، يرث المال كله، عم شقيق، يرث المال كله، عم وأبي
جدٍّ شقيقٍ، يرث المال كله، ابن ابن ابن ابن عمٍّ شقيقٍ، يرث المال كله، ابن
معتقةٍ، يرث المال كله، ابن أخ معتقةٍ، يرث المال كله؛ لأنه من عصبة المعتقة.
فإذن، هنا قال: أخٌ شقيقٌ، هذا المثال إذا انفرد العصبة ورث المال كله، الأخ الشقيق
يأخذ التركة كلها. أخٌ لأبٍ، مثل ذلك، يرث المال كله، هذه واضحةٌ، مثل ما ذكرنا من
الأمثلة السابقة.
الحال الثانية، نحتاج إلى قراءتها.
{قال: فإن كان معه ذو فرضٍ بُدِئ به، وكان الباقي للعصبة، لقول رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ»}.
إذن، هذا الذي ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- هو إذا كان معه ذو فرضٍ، فإذا كان معه
ذو فرضٍ، فمن المقدَّم؟ ذو الفرض، من أين أخذنا ذلك؟ من دلالة السنة، في حديث ابن
عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى
رجلٍ ذكرٍ»، فإذن، لا يأخذ صاحب التعصيب تعصيبه، إذا وجد في المسألة أصحاب الفروض،
حتى نقسم الفروض، ولذلك درجت عادة الفرضيين، إلى أن يجعلوا أصحاب التعصيب في آخر
المسألة، أول المسألة يجعلونها لأصحاب الفروض.
عندنا هذا المثال، الذي يتضح به المراد: أمٌّ، وأبٌ، وزوجةٌ، وابن ابنٍ.
الأم كم تأخذ؟ الأم صاحبة فرضٍ أو تعصيبٍ؟ صاحبة فرضٍ، الأب هنا صاحب فرضٍ، الزوجة
صاحبة فرضٍ، فقدمناهم. الأم تأخذ السدس؛ لوجود الفرع الوارث. الأب يأخذ السدس أيضًا
لوجود ابن الابن، وهو من أصحاب التعصيب، لكن نقل لكون جهة البنوة مقدَّمةً، فلئلا
يسقط، أخذ السدس. الزوجة تأخذ الثمن؛ لوجود ابن الابن. ابن الابن يأخذ الباقي
تعصيبًا.
إذن هنا المعصِّب هو ابن الابن، أخذ المال بعد أصحاب الفروض، مثل ذلك الآن المثال
الذي بعده: بنتان، وأخٌ لأبٍ.
البنتان نقول عن بنتين إذا ابتدأنا الكلام نقول بنتان. عن بنتين وأخٍ لأبٍ، البنتان
يأخذن الثلثين؛ لعدم المعصِّب، وكونهن اثنتين فأكثر. الأخ لأبٍ يأخذ الباقي
تعصيبًا. إذن أخذ الأخ لأبٍ وهو من العصبة المال بعد أصحاب الفروض، هنا نقول: سواءٌ
كان أصحاب الفروض أكثر من واحدٍ، أو كان واحدًا، المهم أن صاحب الفرض يأخذ فرضه.
إذا لم يوجد بعد المال بقيةٌ، فيسقط صاحب التعصيب، مثالٌ: لو كان عندنا مثلًا:
زوجٌ، وبنتان، وجدةٌ، وعمٌّ.
فهنا الزوج يأخذ الربع؛ لوجود الفرع الوارث، البنتين. البنتان يأخذن الثلثين. الجدة
تأخذ السدس. سدس وثلثان وربعٌ، أكثر من التركة، إذن العم كم يأخذ؟ الباقي، لكن لم
يبقَ شيءٌ فيسقط، فإذن، إذا لم يبقَ شيءٌ فإنه ساقطٌ.
المؤلف -رحمه الله تعالى- ذكر هذه المسألة بعد ذلك، وهي مسألة المشاركة، لأنه يتعلق
بها ملحظٌ لطيفٌ في السقوط، وكيف سقطوا مع أنهم أقرب من غيرهم، نقرأها ثم نعود
لبيانها.
{قال: فإن كان زوجٌ، وأمٌّ، وإخوةٌ لأمٍّ، وإخوةٌ لأبوين، فللزوج النصف، وللأم
السدس، وللإخوة لأم الثلث، ويسقط الإخوة للأبوين، وتسمى المشتركة والحمارية}.
تسمى المشرَّكة، والحمارية، يعني لها أسماءٌ كثيرةٌ، وأيضًا الحجرية، ونحو ذلك.
هذه المسألة، لو رأيتم، الزوج كم سيأخذ؟ سيأخذ النصف، الأم كم تأخذ؟ السدس، الإخوة
لأم يأخذون الثلث، إذن ثلثٌ وسدسٌ هذا نصفٌ، ونصفٌ، المال كله، الإخوة الأشقاء
يأخذون الباقي، لكن لم يبقَ شيءٌ.
هذه المسألة صار بسببها إشكالٌ، قال الإخوة الأشقاء كيف يرثون يعني الميت أخوهم
الشقيق، وإخوته الذين من أمه قد ورثوه، والإخوة الأشقاء لم يرثوا شيئًا، فقال
الإخوة الأشقاء: كيف يرثون، ونحن أقوى منهم؟ نحن أدلينا بالأم التي ورثوا بها،
وزيادةٍ الأب، بناءً على ذلك بعض أهل العلم أجراها على قاعدتها، وقالوا: هؤلاء
يرثون بالتعصيب، ولم يبقَ شيءٌ، فانتهى، وقد جاء هذا عن بعض الصحابة، لكن الأشهر عن
الصحابة أنهم شرَّكوا بين الإخوة لأمٍّ، والإخوة الأشقاء، وذلك أنهم يقولون إن
الإخوة الأشقاء قالوا: هب أن أبانا كان حمارًا، يعني خلونا إخوةً لأمٍّ في هذه
المسألة، هب أن أبانا كان حجرًا في اليم، يعني حجرًا، ولذلك يسمونها الحجرية، يعني
ليس لنا أبٌ، خلونا إخوةً لأمٍّ، فلا أقل من أن نكون مثلهم، وتُسمَّى المُشرَّكة؛
لأن بعض الصحابة، كما هو قول جماعةٍ من أهل العلم أنهم شرَّكوا بينهم، فجعلوا
الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم يشتركون في الإرث في هذه المسألة، فلأجل ذلك تُسمَّى
المُشرَّكة.
ما علامة هذه المسألة بمسألتنا؟ أنها لما استغرقت الفروض سقطوا، مع كونهم أقرب، لكن
هذه قاعدة الفرائض، ومع ذلك هذه المسألة على سبيل الاستثناء، قد جاء فيها حكمٌ
خاصٌّ من بعض الصحابة، في أنه أخرجها عن قاعدتها، وشرَّك مع الإخوة لأمٍّ في هذه
المسألة.
بعد ذلك يقول.
{ولو كان مكانهم أخواتٌ، لكان لهن الثلثان، وتعول إلى عشرةٍ، وتُسمَّى أم الفروخ}.
يعني يقول: لو كان مكانهم أخواتٌ لأبٍ، أو أخواتٌ شقائق، يعني ليس معهم إخوةٌ، يعني
صاروا من أصحاب الفروض، فهنا الزوج، كما في المسألة التي أمامكم، الزوج سيأخذ
نصفًا. الأم ستأخذ سدسًا. الإخوة لأمٍّ سيأخذون الثلث. الأخوات الشقيقات سيأخذن فرض
الثلثين. وكذلك لو كان مكانها إخوةٌ لأبٍ.
لماذا سمِّيت أم الفروخ؟
يقولون: لأن هذه أكثر ما فيها من العول، يعني هي الآن بدل ما كان من ستة المسألة،
صارت من عشرةٍ، فهي عالت بثلثيها، يعني لو افترضنا مثلًا المسألة اثنين من ستة،
سيأخذ ثلاثةً، أليس كذلك؟ فبدل أن كان يأخذ ثلاثةً من ستةٍ، الذي هو نصف المال، صار
يأخذ ثلاثةً من عشرة، أقل من ثلث المال، بسبب أنها أخوات الشقائق، فعالت المسألة.
الأم ستأخذ بدل ما كانت تأخذ السدس، واحدًا من ستةٍ، صارت تأخذ واحدًا من عشرةٍ.
محصَّل المسألة، انظر في المسألة السابقة، كان الإخوة الأشقاء سقطوا، أو شاركوا
الإخوة لأمٍّ في ثلثهم، لما كانت أخواتٍ شقيقات يعني من أصحاب الفروض، أخذنالثلثين،
وهذا ما ذكرناه لكم، أن المعصِّب قد يكون خيرًا للمرأة، وقد يكون شرًّا عليها، في
هذه المسألة عدم وجود المعصِّب خيرٌ لهم؛ لأنهم في هذه المسألة سيأخذون أربعةً من
عشرةٍ، بدل ما كانوا يأخذون أربعةً من ستةٍ، لكن أخير لهم من أن يقتسموا مع الإخوة
لأمٍّ الثلث. فهذا مثالٌ لأن العصبة إذا وجدوا وقد استغرقت الفروض سقطوا، ولو أنهم
صاروا أصحاب فروضٍ، كما في الأخوات الشقيقات، فإنه سيكون فرضهم كثيرًا، أو سيعودون
إلى أصحاب الفروض، وتعول المسألة، ولا إشكال في ذلك.
ننتقل بعد هذا إلى مسألةٍ أخرى.
{قال: وإذا كان الولد خنثى، اعتُبر بمباله، فإن بال من ذكره فهو رجلٌ، وإن بال من
فرجه فهو امرأةٌ، وإن بال بينهما، واستويا فهو مشكلٌ، له نصف ميراث ذكرٍ، ونصف
ميراث أنثى، وكذلك الحكم في ديته، وجرحه، وغيرهما، ولا يُنكح بحالٍ}.
الخنثى، المقصود هنا، الفقهاء يبحثون في الخنثى المشكل، والخنثى المشكل هو من له
آلتان، يعني آلة ذكرٍ، وآلة أنثى، ولم يتبين، يعني من له ذكرٌ وفرجٌ، ولم يتبين، هل
هو ذكرٌ أو أنثى، يعني بعبارةٍ ثانيةٍ، لو كان له آلتان، لكن تبين أنه ذكرٌ، فيعتبر
بأنه ذكرٌ، وتعتبر الفرج الزائدة، هذا مثل الأصبع السادسة الزائدة، أو العكس، يعني
له ذكرٌ، وله فرجٌ، لكن تبين أنه أنثى، بأن تحيض، فهنا يتبين أنها أنثى، فيُحكم من
أنها أنثى، لكن الكلام هنا، في من لم يتبين.
والآن التبين سهلٌ، يوجد الخنثى، لكن ما أحدٌ يقول أنه خنثى، لكن من أول يستشكلونه؛
لأنه لا يعرفون، هل هو ذكرٌ أو أنثى، فلا يدرون، هل يُجرون عليه أحكام الذكر، أو
أحكام الأنثى، فيتبين في ما مضى.
الآن مع وجود الطب الحديث، واختبار الجينات، والفحوصات المخبرية الجديدة، سهل عليهم
أن يعرفوا ذكوريته من أنوثته، لكن مع ذلك لا يمكن أن نُلغي هذه الأحكام؛ لأنه قد
يوجد في بعض الأماكن النائية، في رءوس الجبال، أو في أحوالٍ خاصةٍ، ما لا يمكن
تبينه، أو من مات ولم يتبين حاله، فيحتاج إلى قسمته قسمة الخنثى، أو قد يجد من
الأحوال ما تذهب معه هذه المبتكرات، فيرجع الناس إلى ما كانوا، فلا ينبغي أن يكون
العلم قد نُسي.
فإذن، المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: إن الخنثى، إما أن يتبين، وكان التبين عندهم
بأشياءٍ يسيرةٍ، بالمبال، يعني إذا بال بأحدهما فتبين، إذا بالذكر فهو ذكرٌ، إذا
بال بالفرج، فهو أنثى، إذا كان يخرج بوله من المخرجين جميعًا، فهنا مشكلٌ، إذا كان
مشكلًا كيف توريثه؟ مات والده، هل نورِّثه على أنه ذكرٌ؟ أو على أنه أنثى؟
طبعًا كما قلنا إذا تبين حاله، سواءٌ تبينه كان بالطرق الحديثة، أو كان بما كان
يعرفه، وقد ذكروا له أشياءً متنوعةً في العلم بذكوريته من أنوثيته، فيُحكم بها، إذا
لم يتبين، فنحن نجعل كأنه ذكرٌ وكأنه أنثى، فبينهما يرث، فلا يكون ميراثه ميراث
الأنثى، ولا يرث ميراث الذكر، فلو كان على سبيل المثال في المسألة للذكر أربعة
أسهمٍ، وللبنت سهمان، فسيكون له ثلاثة أسهم، وهكذا.
ولذلك قال: "وإن بال بينهما واستويا، فهو مُشكلٌ، له نصف ميراث ذكرٍ، ونصف ميراث
أنثى".
الحقيقة أن الفقهاء لهم طريقةٌ في قسمة مسألة الخنثى المشكل، لكن قد يكون الحقيقة
من الصعوبة أن نوضِّحها بسرعةٍ، مع ضيق الوقت، لكن أيضًا هذه المسائل من المسائل
القليلة الوقوع، فلعل مجلسنا هذا لا يتسع لمثل هذه التفصيلات، فنتركها، ونكتفي
بطريقة القسمة فيها، من أنها تُقسم على هذا النحو، يعني أن يكون هل نصف ميراث ذكرٍ،
ونصف ميراث أنثى، تُجعل له مسألةٌ على أنه ذكر، ثم تُجعل له مسألةٌ على أنه أنثى،
ثم تُأَصَلُّ كل مسألةٍ، ثم يُجعل لهما جامعةً، ثم يُنظر إلى الفرق بينهما، فيُجعل
كذلك، أو يُقسم على اثنين، ثم يُقسم على هذا النحو.
قال: "وكذلك الحكم في ديته".
ديته لا دية أنثى، ولا دية رجلٍ، فإذا كانت مثلًا دية الرجل ثلاثمائة ألفًا، ودية
الأنثى مائةٌ وخمسين ألفًا، كم تكون دية الخنثى المشكل؟ مائتان وخمسةٌ وعشرون
ألفًا؛ لأن ما بين الرجل والأنثى يُنصف نصفين، فيكون كذلك.
يقولوا: "ولا يُنكح بحالٍ"، لأننا ما نستطيع أن ننكحه، لأننا قد ننكحه بأنثى، فيكون
هو أنثى إذا كان مشكلًا، فيزوَّج الأنثى بأنثى، وهذا لا يجوز، ولا يُنكح برجلٍ؛
لأنه قد يكون رجلًا، فيفضي ذلك إلى أن يزوَّج رجلٌ برجلٍ، فمادام أنه مُشكلٌ لا
يجوز تزويجه بحالٍ من الأحوال، إلى أن يتبين أمره، والحمد لله الذي جعل من هذه
العلوم الحديثة ما يسهل معها البيان، فلا يُحتاج إلى شيءٍ من ذلك.
هذه أمثلةٌ لكيفية القسمة، لكن لن نشرحها الحقيقة، حتى ما يأخذ الوقت، الآن هلك
رجلٌ عن: زوجةٍ، وولدٍ مُشكلٍ، فنعتبره ذكرًا، فيأخذ الباقي تعصيبًا، ثم نجعله
بنتًا، فستأخذ النصف، ثم ننسب سبعة الأسهم هناك، التي أخذها، مع النصف الذي أخذه
هنا، وهي أربعةٌ، فما بينهما يكون له.
هذا بالنسبة لما يتعلق بتوريث الخنثى المشكل، ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- على
سبيل الإجمال، والإسراع في طرف الكلام على العصبات.
ننتقل بعد ذلك إلى. هل له علاقةٌ بالعصبات قبل؟ هو له علاقةٌ من جهة أنه قد يُجعل
عصبةً ذكرًا، وقد يُجعل أنثى من أصحاب الفروض، فلم يذكره إلا بعد الانتهاء من
الفروض والعصبات جميعًا.
باب ذوي الأرحام.
{قال: باب ذوي الأرحام، وهم: كلُّ قرابةٍ ليس بعصبةٍ، ولا ذي فرضٍ، ولا ميراث لهم
مع عصبةٍ، ولا ذي فرضٍ، إلا مع أحد الزوجين}.
هذه مسائل ذوي الأرحام، ما المقصود بذوي الأرحام في باب الفرائض؟
ذوو الأرحام: هم أخص من سائر القرابات، يعني ذوو الأرحام في العلوم، هم كل أقارب
الميت، لكن في باب الفرائض، لهم مصطلحٌ خاصٌّ، فيُقصد بهم، كما ذكر المؤلف -رحمه
الله تعالى-: كلُّ قرابةٍ لا ترث بفرضٍ ولا بتعصيبٍ، يعني هم قرابة الميت، ولا إرث
لهم، لم يأتِ في الشرع ما على يدل على إرثهم، فهؤلاء هم ذوو الأرحام. من هم؟ مثل
ولد البنات، يعني سواءً ابن بنتٍ، أو بنت بنتٍ، هو ولد البنات، وولد بناتهم، وإن
نزلوا مطلقًا، وهم أيضًا مَن؟
{الخال}.
لا تذكروهم هكذا، اذكروهم مرتبين، ولد البنات، وولد الإخوة لأمٍّ مطلقًا، وولد
الأخوات الشقائق ولأمٍّ، كلهم ليسوا بورثةٍ، وبنات الإخوة الأشقاء، والإخوة لأبٍ،
كلهم داخلون في ذلك، والعمات، والخالات، وبنات العمٍّ سواءٌ لأبٍ، أو لأمٍّ، والعم
لأمٍّ وأولاده، كلهم داخلون في ذلك.
هل يرثون أو لا يرثون؟
الأصل أنهم لا يرثون، ولم يأتِ في الشرع توريثهم، فما حاجة المؤلف إذن أن ذكرهم
هنا؟
ذلك أن عند بعض أهل العلم يقول: إنه إذا لم يوجد للميت وارثٌ، فهذا المال دائرٌ بين
أن يذهب إلى بيت المال، أو أن يُعطى هؤلاء، وهم أقرب إلى الميت من عموم المسلمين،
ومن المعروف أن الأقرب أولى بالمعروف، فأخذ من هذا الإمام أحمد، وبعض الفقهاء، وهو
قولٌ أيضًا لجمعٍ من التابعين، وأهل العلم، أنهم يورَّثون، وأخذوا توريثهم من قول
الله -جلَّ وعلَا-: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾
[الأنفال: 75]، وأيضًا ما جاء في بعض الأحاديث، وإن كانت ضعيفةً: «الخال وارثُ من
لا وارثَ له»، فقالوا: بناءً على ذلك، ولما كان المال دائرًا بين أن ينتقل إلى
قرابة الإنسان، وهم أولى الناس به، وبين أن ينتقل إلى عموم المسلمين، فانتقاله إلى
قرابته أولى من انتقاله إلى عموم الناس، فقالوا بتوريثهم، وهذا هو الذي جرى عليه
الحنابلة -رحمهم الله تعالى- في مشهور المذهب عندهم، ولذلك هنا طبعًا قال: إنهم باب
ذوي الأرحام، وهم كل قرابةٍ ليسوا بعصبةٍ ولا ذي فرضٍ، ابن البنت، بنت البنت،
الخال، الخالة، العمة، بنت الأخ الشقيق، وبنت الأخ لأبٍ، وبنت الأخ لأبٍ، وبنت
الأخت الشقيقة، وابن الأخت لأبٍ، كلهم داخلون في هذا.
إذا قلنا كيف يرثون؟ هم لا يرثون مع وجود واحدٍ من الورثة، فإذا وجد أحدٌ من
الورثة، فإنه يأخذ المال، إذا كان صاحب تعصيبٍ، فهذا لا إشكال فيه، طيب لو كان صاحب
فرضٍ، مثل: مات ميتٌ عن أمٍّ فقط، أخذت الثلث، طيب الباقي؟ هل نقول لذوي الأرحام؟
يقولون: لا، نقول: يُرَدُّ على الأم، فتأخذ المال كله، فهي أولى من ذوي الأرحام،
وهذا سيأتينا في باب الرَّد.
فإذن، يقول: لا ميراث لهم مع عصبةٍ، ولا مع ذي فرضٍ، فالأخ الشقيق هنا يرث التركة
كلها، ذوو الأرحام لا يرثون شيئًا.
هنا: جدةٌ، أختٌ شقيقةٌ، بنت بنتٍ، ابن بنتٍ.
نقول: الجدة تأخذ السدس. والأخت الشقيقة تأخذ النصف، وهؤلاء لا يرثون، فيعود المال
على الأخت الشقيقة، وعلى الجدة، إلا أن يكون في المسألة أحد الزوجين فقط، الزوج أو
الزوجة، يأخذ فرضه ولا يُرَدُّ عليه، فإذا أخذ الربع أو النصف أو أخذت هي الثمن،
عفوًا، هي إما أن يأخذ النصف، أو تأخذ الربع؛ لأنه افترضنا أن لا يوجد أحد من
الورثة، فما بعده يمكن أن يورَّث لذوي الأرحام.
إذن، ذوو الأرحام لا يرثون إذا وُجد معصِّبٌ، أو وُجِدَ صاحب فرضٍ عدا الزوجين، أما
إذا وُجِدَ أحدٌ من الزوجين، وليس معهم سواهم، فيأخذ صاحب الفرض فرضه من الأزواج،
ثم يورَّث ذوو الأرحام.
لعلنا في المجلس القادم أن نبيِّن كيفية توريثهم، والإشارة إلى ذلك إشارةٌ أيضًا
لطيفةٌ؛ لئلا يطول بنا المقام، ولأيضًا وعورةٌ في بعض مسائلهم، وفي طريقة توريثهم.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونكتفي بهذا القدر في هذا المجلس، والله
المسئول أن يتم علينا وعليكم الفضل والنعمة، والرحمة والمنة، وأن يجزيكم خيرًا على
حضوركم، والإخوة المشاهدين والمشاهدات، وأن يجزل المثوبة لمن قام على هذا البناء
العملي، ومن ساعد في نقل هذه الدروس، بأي وجهٍ من الوجوه، والله تعالى الموفِّق،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.