السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله أفضل ما ينبغي أن يُحمد، وصلى الله
وسلم على أفضل المصطفيْن محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تعبَّد.
أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات، أيها الإخوة الحاضرون، في هذا المجلس الذي نلتقي
وإياكم؛ لنتفقَّه في دين الله -جلَّ وعلَا-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من
يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين».
بين يدي الحديث، نشير إلى مسألةٍ مهمةٍ تتعلق بباب الفرائض، وهي: أن العلم
بالفرائض، وقسمة المواريث، علمٌ تكامليٌّ، فلا يتأتى لإنسانٍ أن يقسم مسألةً، وهو
لم يعرف ما يأخذه الإخوة لأمٍّ، أو أحوال بنات الابن، أو أحوال الجدات متى يرثن،
ومتى لا يرثن، ومن المقدَّمة، ومن المؤخَّرة، وما شرط إرثهن للسدس وهكذا، فإن هذا
العلم بعضه يُبنى على بعضٍ، فمن فقد شيئًا يسيرًا، يوشك أن يختلط عليه الكثير، وأن
لا يبقى معه شيءٌ البتة، وأن يحصل له بذلك غلطٌ ولا يؤمن عليه من أن يعطي الإنسان
ما لا يستحق، أو يمنع ما له فيه حقٌّ.
فلأجل ذلك نحن في المجالس الماضية، وفي كل ما مرت بنا مسألةٌ، احتجنا إلى الاستذكار
لما فات، سواءً كان ذلك في إرث الأزواج، أو كان ذلك في إرث الأمهات، أو الجدات، أو
الأب، وهكذا، وكما قلت لكم -إن شاء الله تعالى- بعد أن ننتهي من الفروض كلها،
فلعلنا أن نأتي بجملةٍ كثيرةٍ من المسائل، ويكون -بإذن الله- فيها اختبارٌ لكم في
استحضار وتذكر الشروط، وأحوال الورثة، ما بين مسألةٍ وأخرى.
وأرجو أن يوفقنا الله -جلَّ وعلَا- لذلك، لما يحصل به تمام الإبانة، وكمال الإيضاح.
إذا تبينا ذلك، فإن المعول عليكم ابتداءً في أن تراجعوا، وأن تستذكروا، وأن
تستحضروا، ونحن نعينكم في أن نوجِّه أذهانكم، ونعطيكم إشاراتٍ تستطيعون بها ممارسة
هذا العلم، وتثبيت القدم فيه.
لعلنا أن نعود إلى ما كنا توقفنا عنده في المجلس الماضي، وقد شرعنا في الكلام على
إرث الأخوات الشقائق، أو كما عبَّر المؤلف عنهن، بأنهن الأخوات لأبويْن.
وذكرنا الحالة الأولى لإرث الأخت الشقيقة، وهي أن ترث فرض النصف، وقلنا إن إرثها
لفرض النصف مشروطٌ بأربعة شروطٍ:
أولها: انفرادها، أو عدم وجود المشارك لها.
والثاني: عدم وجود المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق.
والثالث: عدم وجود الفرع الوارث.
والرابع: عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، نقول: من الذكور؛ لأنه لو وجدت أمٌّ، أو
أم أمٍّ فإنها لا تمنعها من إرث النصف.
ذكرنا في ذلك مثالًا، في ما لو هلك هالكٌ عن: زوجٍ، وأختٍ شقيقةٍ، فقلنا إن الزوج
يأخذ النصف، والأخت الشقيقة تأخذ فرض النصف؛ لاكتمال الشروط الأربعة، عدم وجود
المعصِّب، انفرادها، عدم وجود الفرع الوارث، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث.
الآن تأملوا إلى ما انخرم فيه شرطٌ من هذه الشروط، أمامكم مثالٌ، وهو: هلك هالكٌ
عن: أمٍّ، وثلاث أخواتٍ شقائق.
الأم هنا تأخذ فرض السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة. الأخوات الشقائق هنا، هل يأخذن
فرض النصف؟ لا يأخذن فرض النصف، لماذا؟ لأن من شروط إرثهن النصف أن تكون واحدةً، أو
أن تكون منفردةً، أو بعبارةٍ ثالثةٍ: أن لا يوجد لها مشاركٌ، وفي هذا المثال الذي
بين أيديكم على السبورة، وجدتْ ثلاث أخواتٍ شقائق، فإذا كانت ثلاث أخواتٍ شقائق،
فإنهن لا يرثن النصف، بل ينتقلن إلى فرض الثلثين.
نأخذ بعد ذلك طبعًا حتى ينظر الإخوة المشاهدون إلى المثال، هنا أمٌّ، وثلاث أخواتٍ
شقائق، لو رأيتم الأخوات الشقائق لم يرثن فرض النصف هنا؛ لاختلاف شرطٍ من شروط
إرثهن النصف، وذلك أنه مشروطٌ بانفرادهن، هنا لم تكن منفردةً، بل وجدت معها
أخواتها، فانتقلن من فرض النصف إلى فرض الثلثين.
نأخذ مثالًا آخرًا اختل فيه شرطٌ من الشروط، غير الشرط المتقدِّم، وهو: إذا هلك
هالكٌ عن: أمٍّ وأختين، شقيقتين، وأخٍ شقيقٍ.
هذا المثال الأم أخذت فيه السدس، لماذا أخذت الأم فيه السدس؟ لوجود عددٍ من الإخوة،
وقلنا إنه إذا وجد أكثر من أخٍ، فإن الأم تنزل من الثلث إلى السدس. الأختان
الشقيقتان هنا، لو قلنا أختٌ شقيقةٌ مع أخٍ شقيقٍ أحسن في المثال، أيًّا كان، على
كل حالٍ، هنا أختٌ شقيقةٌ، مع أخٍ شقيقٍ، لو جعلنا المثال: أختٌ شقيقةٌ، مع أخٍ
شقيقٍ، الأخت الشقيقة هنا، لم ترث النصف، لماذا؟ لوجود المعصِّب، صحيح لم يوجد فرعٌ
وارثٌ، ولم يوجد أصلٌ من الذكور وارثٌ، وإذا قلنا أختٌ شقيقةٌ، وكانت منفردةً، لكن
لما وجد أخٌ شقيقٌ، اختل شرطٌ من شروط إرثها النصف، وهو وجود المعصِّب لها، فأخذت
الباقي تعصيبًا مع الأخ الشقيق، للذكر مثل حظ الأنثيين.
أما في المثال الذي بين أيديكم: أختان شقيقتان، وأخٌ شقيقٌ، نقول هنا: اختل إرثها
للنصف شرطان، أولهما: كونهن اثنتين، يعني لم تكن منفردةً، والثاني: وجود المعصِّب
لها.
إذا هذا لاختلال شرطٍ من شروط إرثها النصف، وهو وجود المعصِّب لها، وذلك إذا كانت
أختًا شقيقةً واحدةً، وهذا أحسن من المثال الذي كُتب بين أيديكم.
نمثِّل لكم بمثالٍ، وأنا عندي أن هذه أجود لكم، يعني أن يوجد مثالٌ مكتوبٌ أمام
أعينكم، يسهل عليكم قراءته، وأيضًا تتدربون على الطريقة الأخرى، وهو أن يكون المثال
شفهيًّا.
لو هلك هالكٌ عن: أمٍّ، وأبٍ، وأختٍ شقيقةٍ.
الأم تأخذ الثلث، لماذا؟ لعدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود الجمع من الإخوة، هنا
لم توجد إلا أختٌ واحدةٌ.
الأب يأخذ تعصيبًا.
الأخت الشقيقة: ساقطةٌ هنا، لماذا لم تأخذ الأخت الشقيقة فرض النصف؟
نقول: لم تأخذ فرض النصف؛ لاختلال شرطٍ من شروط إرثها النصف، وهو: وجود الأصل من
الذكور الوارث؛ لأن شرط إرثها للنصف: عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، فلما وجد
الأب وارثًا، فإنها تسقط في هذه المسألة.
اكتبوا مسألةً مشابهةً لها: لو وجد زوجٌ، وجدٌّ قاتلٌ، وأختٌ شقيقةٌ.
الزوج يأخذ النصف؛ لاكتمال الشروط، وهو شرطٌ واحدٌ، عدم وجود الفرع الوارث. الجد
هنا وإن كان أصلًا من الذكور، لكنه غير وارثٍ، لماذا؟ لوجود مانعٍ من موانع الإرث،
وهو القتل، فوجوده كعدمه، فبناءً على ذلك الأخت الشقيقة ترث النصف؛ لاكتمال الشروط،
عدم وجود الفرع الوارث، انفرادها، عدم وجود المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق، عدم
وجود الأصل من الذكور الوارث؛ لأن هذا الأصل وهو جدٌّ قاتلٌ، ليس بوارثٍ.
لو مسحت الجد القاتل هنا، وقلت: أبو أمٍّ، يعني جدٌّ من جهة الأم، فهذا أيضًا جدٌّ
فاسدٌ، فبناءً على ذلك، لا يؤثر عليها في إرثها للنصف؛ لأنَّا ما قلنا فقط عدم وجود
أصلٍ وارثٍ، وإنما قلنا: عدم وجود أصل من الذكور وارثٍ، فكونه غير وارثٍ لا يؤثر.
نأخذ مثالًا لاختلال شرطٍ آخر، ما الشرط الباقي الذي لم نمثِّل له؟ الفرع الوارث.
لو وجد في المسألة مثلًا: أم أمٍّ، وابنٌ، وأبٌ، وأختٌ شقيقةٌ.
نبدأ بأم أمٍّ، كم تأخذ؟ تأخذ السدس، لماذا أخذت السدس؟ لعدم وجود الأم، لأن شرط
إرثها للسدس عدم وجود الأم. الأب كم يأخذ هنا؟ الأب يأخذ السدس، لماذا أخذ الأب
السدس؟ لوجود الفرع الوارث الذكر. الابن كم يأخذ؟ يأخذ المال تعصيبًا، يأخذ الباقي
تعصيبًا. الأخت الشقيقة ساقطةٌ، لماذا؟ محجوبةٌ عن إرث النصف إرث النصف من جهتين:
أول شيءٍ، وجود الفرع الوارث، ووجود الأصل من الذكور الوارث.
هذه أمثلةٌ لاختلال شرطٍ من شروط إرث الأخت الشقيقة للنصف. فيكون الأمر قد اتضح من
جهة إرث الأخت الشقيقة للنصف، دليله، شروطه، الأمثلة عليه، في إرثها للنصف، وفي عدم
إرثها للنصف، لاختلال شرطٍ من الشروط التي مرَّت بكم.
الحال الثانية من أحوال إرث الأخت الشقيقة: أن ترث الثلثين.
وترث الأخت الشقيقة الثلثين بأربعة شروطٍ أيضًا، ما هي؟ أن يكنَّ اثنتيْن فأكثر، أو
بعبارةٍ ثانيةٍ: عدم الانفراد، أو بعبارةٍ ثالثةٍ: وجود المشارك لها، وهي الأخت
الشقيقة، وجدت مشاركةٌ أو أكثر، أما الشروط الثلاثة الأخرى، فهي المتقدمة، عدم وجود
المعصِّب لهن، وهو الأخ الشقيق، عدم وجود الفرع الوارث، عدم وجود الأصل من الذكور
الوارث، فهذه الشروط الأربعة إذا وجدت في المسألة، فإنها ترث الأخوات الشقائق فرض
الثلثين.
لو هلك هالكٌ عن: أمٍّ، وابن بنتٍ، وست أخواتٍ شقائق.
الأم تأخذ السدس، لماذا؟ لوجود الجمع من الأخوات. ابن بنتٍ هنا ساقطٌ، ليس فرعًا
وارثًا، لماذا ليس فرعًا وارثًا؟ تذكروا يا إخوانا المشاهدين، حينما كتبنا لكم:
لأنه أدلى بأنثى، والمُدلي بأنثى ساقطٌ، فبناءً على ذلك: وجوده كعدمه. الأخوات
الشقائق هنا كم يرثن؟ يرثن الثلثين. ما شرط ذلك؟ أو لماذا أخذن الثلثين؟ أخذن
الثلثين لاكتمال الشروط الأربعة، أولها: كونهن اثنتيْن فأكثر، عدم وجود المعصِّب
لهن، وهو الأخ الشقيق، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، عدم وجود الفرع الوارث.
طبعًا الدليل على الشروط هذه واضحٌ، كل الأدلة التي تقدمت معنا، إلا الشرط الأول،
أن تكنَّ اثنتيْن فأكثر، لقوله: ﴿فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ [النساء: 176].
إذن، هذه الشروط الأربعة التي ورثت بها الأخوات الشقائق فرض الثلثين.
لو وجد عندنا: أم أبي أمٍّ، وأم أم أمٍّ، وابن أخٍ شقيقٍ، وثلاث أخواتٍ شقائق.
نبدأ بأم أبي الأم، هذه كم تأخذ؟ تشترك مع أم أم الأم في السدس؟ لا ترث، هذه غير
وارثةٍ؛ لأنها كما قلنا: جدةٌ فاسدةٌ، منتهية الصلاحية في الإرث، أما في القدر
والبر والإحسان، فهي على قدرها، وعلى برها وحقها، أما في الإرث فليست بوارثةٍ،
لماذا؟ لأن الجدة الفاسدة هي الجدة التي أدلت بذكرٍ بين أنثيين، فتكون فاسدةً،
فنقول: إذن هذه فاسدةٌ، فلا ترث، فهي ساقطةٌ.
أم أم الأم، هذه ترث السدس، لماذا؟ لعدم وجود الأم. عندنا بقي ثلاث أخواتٍ شقائق،
وابن الأخ الشقيق، كم تأخذ الأخوات الشقائق؟ هل يأخذن تعصيبًا؟ أو يأخذن الثلثين؟
أم يسقطن؟ نقول هنا: لا يأخذن تعصيبًا؛ لأن المعصِّب لهن هو: الأخ الشقيق، وأنا
أعدت عليكم مرارًا وتكرارًا أن المعصِّب لهن هو الأخ الشقيق.
ابن الأخ الشقيق هنا نقول: هذا فرعٌ وارثٌ يحجبها عن الثلثين؟ لا، ما ترون ابن،
تقولون هو فرعٌ وارثٌ، هذا ابن أخٍ، هذا من الحواشي، إذن الفرع الوارث هو ابن
الميت، أو ابن ابنه، أو نقول: ولد الميت، وولد ابنه، سواءً بنت الميت، أو ابن
الميت، أو ابن ابن الميت، أو بنت ابن ابن الميت، على ما تقدَّم أن وضَّحناه
بالتدليل، والتفصيل، والتعداد، والذكر، في ما مضى.
فإذن نقول هنا: الأخوات الشقائق اكتمل إرثهن لفرض الثلثين، فعدم وجود المعصِّب لهن،
وهو الأخ الشقيق، عدم وجود الفرع الوارث، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، كونهن
اثنتين فأكثر، فيأخذن فرض الثلثين.
ابن الأخ الشقيق يرث تعصيبًا، الباقي تعصيبًا، إن بقي شيءٌ، وإلا سقط.
إذن هذا مثالٌ لإرث الأخوات الشقائق لفرض الثلثين.
لو وجد عندنا في مسألةٍ: تسع أخواتٍ شقائق، وبنت ابن ابنٍ، وابن ابن ابنٍ.
فبنت ابن ابنٍ، مع ابن ابن ابنٍ كم يأخذون؟ يأخذون المال تعصيبًا، الأخوات الشقائق
سقطن، لماذا سقطت الأخوات الشقائق هنا؟ لاختلال شرطٍ من شروط إرثهن، وهو وجود الفرع
الوارث. فهنا سقطن في هذه المسألة.
لو وجد عندنا: أبٌ، وخمس أخواتٍ شقائق.
الأب كم يأخذ؟ الأب يأخذ المال كله. الأخوات الشقائق هنا سقطن، لماذا؟ لأن من شرط
إرثهن: عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، وهنا وجد، فلا إرث لهن، فهن ساقطاتٌ، إذن
لِمَ لَمْ يأخذن فرض الثلثين، مع كونهن اثنتين، ولم يوجد لهن معصِّبٌ، ولم يوجد
فرعٌ وارثٌ؟ قلنا: لاختلال شرطٍ من شروط إرثهن، وهو: وجود الأصل من الذكور الوارث.
إذن، هاتان حالان من أحوال إرث الأخوات الشقائق، وهو: أن يرثن فرض النصف، أو أن
يرثن فرض الثلثين.
قد يرثن فرض التعصيب، لكن الحقيقة أن فرض التعصيب، إما أن يكون بالأخ الشقيق، أو أن
يكون مع البنات، ولعلنا أن نذكر ذلك في نهاية الكلام، بعد الكلام على الأخوات لأبٍ.
ننتقل إلى الأخوات لأبٍ. قال: والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواءً،
ولا يُعصِّبهنَّ إلا أخوهن.
ماذا تفهمون من هذا الكلام؟ كم أحوال إرث الأخوات من الأب؟ كم فروض الأخوات من
الأب؟
الأخوات من الأب يرثن إما فرضًا، مثل بنات الابن مع البنات، إما أن يرثن فرض النصف،
أو فرض الثلثين، أو فرض السدس.
نبدأ بالأول، متى تأخذ الأخت لأبٍ فرض النصف؟
نقول: تأخذ الأخت فرض النصف بخمسة شروطٍ، الشروط الأربعة المتقدمة في الأخوات
الشقيق، وتزيد شرط: عدم وجود الأشقاء والشقائق، فنعدهن، أنا الآن ذكرته إجمالًا؛
حتى يسهل عليكم استذكاره، نعد هذه الشروط الخمسة:
أولًا: انفرادها، بعبارةٍ ثانيةٍ: عدم وجود المشارك، عدم وجود أختها، الأخت لأبٍ،
يعني أن تكون واحدةً.
الثاني: عدم وجود المعصِّب لهن، وهو الأخ لأبٍ.
الثالث: عدم وجود الفرع الوارث.
الرابع: عدم وجود الأصل من الذكور الوارث.
الخامس: عدم وجود الأشقاء، أو الشقائق، فإذا اكتملت هذه الشروط، ورثت الأخت لأبٍ
النصف.
مثلًا على سبيل المثال: لو هلك هالكٌ عن: جدةٍ، وأختٍ لأبٍ. طبعًا إذا أطلق الجدة،
يعني الجدة الصالحة، لكن المفروض الأحسن، أن نقول ما حالها، يعني إما أن نقول: أم
أمٍّ، أو نقول: أم أبٍ، أو أن نقول: أم أبي الأب. فلو هلك هالكٌ عن: أم أبي الأب،
وأختٍ لأبٍ.
فنقول: أم أبي الأب كم ترث؟ ترث السدس، أم أبي الأب، جدةٌ صالحةٌ، وهي من الجدات
الثلاث عند الفقهاء، فنقول في مثل هذه الحالة ترث فرض السدس؛ لعدم وجود الأم.
الأخت لأبٍ كم ترث هنا؟ ترث النصف، كيف ورثت النصف؟ لانفرادها، وعدم وجود المعصِّب،
وعدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل من الذكور الوارث، وعدم وجود الأشقاء أو
الشقائق، فورثت النصف.
لقائلٍ أن يقول، قبل أن نزيد في الأمثلة التي انتفى فيها شرطٌ من هذه الشروط، فلم
ترث النصف: ما الدليل على إرث الأخت لأبٍ النصف؟
نقول: الدليل على ذلك: هو الدليل المتقدم: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ
أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ﴾ [النساء: 176]، أجمع أهل العلم على أن هذه
الآية مختصةٌ بالإخوة والأخوات من أبويْن، أو من أبٍ، يعني لا يدخل فيها الإخوة
للأم، فبناءً على ذلك استدل بهذا الدليل، على أن الأخوات لأبٍ ترث فرض النصف
بالشروط المتقدمة معنا.
نعطيكم مثالًا آخر اختل فيه شرطٌ من هذه الشروط: لو هلك هالكٌ عن: أربع زوجاتٍ،
وأختٍ لأبٍ، وأخٍ لأبٍ.
ففي هذا المثال الأربع زوجاتٍ كم يأخذن؟ يأخذن فرض الربع، لماذا أخذت الزوجات
الربع؟ لعدم وجود الفرع الوارث. الأخت لأبٍ هنا هل تأخذ فرض النصف؟ لا، لماذا لم
تأخذ فرض النصف؟ لوجود المعصِّب لها.
إذن هنا اختل شرطٌ من شروط إرثها للنصف، مع كونها واحدةً، ولم يوجد مشاركٌ، ولا
فرعٌ وارثٌ، ولا أصلٌ من الذكور وارثٌ، ولا أحدٌ من الأشقاء أو الشقائق، ومع ذلك لم
تأخذ النصف؛ لوجود المعصِّب لها، وهو الأخ من الأب.
لو هلك هالكٌ عن: زوجٍ، وأخٍ شقيقٍ، وأختٍ لأبٍ.
الزوج يأخذ النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث. الأخ الشقيق له الباقي تعصيبًا. الأخت
لأبٍ سقطت، لماذا؟ لأن الأخ الشقيق أقوى منها، فأبعدها، وهو أولى بالإرث، أدلى
بقرابتين، وهي أدلتْ بقرابةٍ واحدةٍ.
فإذن اختل شرطٌ من شروط إرثها النصف هنا، وهو وجود الأشقاء أو الشقائق.
لو هلك هالكٌ مثلًا: عن أختين شقيقتين، وأختين لأبٍ.
الأختان الشقيقتان يأخذن فرض الثلثين؛ لاكتمال الشروط الأربعة، عدم وجود المعصِّب
لهن، وهو الأخ الشقيق، عدم وجود الفرع الوارث، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث،
كونهن اثنتين فأكثر، فيأخذن فرض الثلثين. الأخت لأبٍ سقطت، لماذا؟ لوجود الأشقاء أو
الشقائق، وقلنا: إن إرثها للنصف مشروطٌ بعدم وجود الأشقاء والشقائق، لم يوجد
معصِّبٌ، لم يوجد فرعٌ وارثٌ، لم يوجد أصلٌ من الذكور وارثٌ، انفردت، لكن لم ترث
شيئًا؛ لوجود الأشقاء، أو الشقائق.
لو هلك هالكٌ عن أختٍ لأبٍ، وأبٍ.
الأخت لأبٍ هنا ساقطةٌ، لماذا سقطت الأخت لأبٍ؟ لوجود الأصل من الذكور الوارث، وهو
الأب، فيأخذ المال كله تعصيبًا، فإذن اختل شرطٌ من شروط إرثها للنصف، وهو وجود
الأب.
لو هلك هالكٌ عن: أخٍ لأمٍّ، وأختين لأبٍ.
الأخ لأم يأخذ السدس، لماذا؟ يأخذها بثلاثة شروطٍ: انفراده، عدم وجود الأصل من
الذكور الوارث، عدم وجود الفرع الوارث.
الأختان لأبٍ يأخذن فرض الثلثين، لم يأخذن فرض النصف، لماذا؟ للاجتماع، أو عدم
الانفراد، صحيح لم يوجد مشاركٌ، لم يوجد أشقاء وشقائق، لم يوجد فرعٌ وارثٌ، لم يوجد
أصلٌ من الذكور وارثٌ، لكن كونهن اثنتين فأكثر، اقتضى أن تنتقل من النصف إلى
الثلثين للاجتماع.
إذن، هذا بيان متى ترث الأخت لأبٍ فرض النصف، بهذه الشروط الخمسة، أخذنا أمثلةً على
جميع الشروط. ننتقل بعد هذا إلى الحالة الثانية من أحوال الأخت لأب، وهي: أن ترث
فرض الثلثين.
ترث فرض الثلثين بخمسة شروطٍ أيضًا:
أن يكنَّ اثنتين فأكثر، يعني أن تكون أختين لأبٍ فأكثر، والشروط الباقية المتقدمة،
عدم وجود المعصِّب، وهو الأخ لأبٍ، عدم وجود الفرع الوارث، عدم وجود الأصل من
الذكور الوارث، عدم وجود الأشقاء أو الشقائق.
الدليل مثل الأدلة السابقة، لأن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿فَإِن كَانَتَا
اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ [النساء: 176].
ما مثال إرثها لفرض الثلثين؟
نقول مثلًا: لو هلك هالكٌ عن: أمٍّ، وأم أمٍّ، وابن أخٍ لأبٍ، وخمس أخواتٍ لأبٍ.
تأخذ الأم فرض السدس، لماذا؟ لوجود عددٍ من الإخوة. أم الأم ساقطةٌ، لماذا سقطت؟
لوجود الأم؛ لأن الجدة إنما ترث بشرط عدم وجود الأم.
الأخوات لأبٍ هنا يأخذن فرضًا؟ أو يرثن تعصيبًا؟ يأخذن فرض الثلثين؛ لاكتمال الشروط
الخمسة، أن يكنَّ اثنتين فأكثر، عدم وجود المعصِّب، وهو الأخ لأبٍ، عدم وجود الفرع
الوارث الأعلى منهن، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، عدم وجود الأشقاء أو
الشقائق، لما اكتملت هذه الشروط، أخذن فرض الثلثين. أما ابن الأخ لأبٍ، فيأخذ
الباقي تعصيبًا.
نأتي بمثالٍ اختل فيه شرطٌ من هذه الشروط؛ لنتبين كيف لم ترث فرض الثلثين: لو هلك
هالكٌ عن: أبي أبٍ، وأختين لأبٍ.
الجد هنا يأخذ كم يأخذ؟ هنا المسألة مشكلةٌ، إما أن نقول من أن الجد يشارك الإخوة،
فهنا سيُعصِّبهنَّ، ثم يُنظر في ما هو الأحظ، هنا يكون له المقاسمة؛ لأنهن أختين،
والمقاسمة تكون في هذه الحال أعلى، وإن قلنا من أن الجد يُسقط الأخوات لأبٍ، فهنا
الجد يأخذ الباقي المال كله تعصيبًا، وتسقط الأخوات لأبٍ، إذن في كلا الحالين لم
ترث الأخوات لأبٍ في هذه المسألة فرض الثلثين؛ لوجود الأصل من الذكور الوارث، سواءٌ
نقلها إلى أن يكون يعصِّبها، أو حرمها، وحجبها، مع كونها اثنتين، ولم يوجد
المعصِّب، ولم يوجد الفرع الوارث الأعلى منها، ولم يوجد الأشقاء والشقائق، لكن لما
وجد هنا الجد، فإنه حجبها عن الثلثين، ثم بعد ذلك ننظر، هل تسقط، أو يشتركون على ما
تقدَّم معنا في ما مضى.
ومن أراد التوسع في هذا يمكن أن يجعل مسألتين، مسألةً يورِّث الأختين لأبٍ مع الجد،
ومسألةً أخرى يُسقطهنَّ به، فيجعلهن ساقطاتٍ، وينظر كيف الحال والفرق بينهما في كلا
الحالين.
لو هلك هالكٌ عن مثلًا: زوجةٍ، وأخٍ لأبٍ، وخمس أخواتٍ لأبٍ.
فنقول: الزوجة هنا أخذت الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث. الأخ لأبٍ مع الأخوات لأبٍ
يأخذون المال تعصيبًا، لماذا أخذوا المال تعصيبًا؟ أو لماذا لم تأخذ البنات الأخوات
لأب فرض الثلثين؟ لوجود المعصِّب لهن. إذن هن كنَّ اثنتين، ولم يوجد فرعٌ وارثٌ،
ولم يوجد أصلٌ من الذكور وارثٌ، ولم توجد الأشقاء أو الشقائق، لكن لما وجد المعصِّب
لهن، انتقلن من الفرض إلى التعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين.
الحالة الثالثة من أحوال الأخت لأبٍ: أن تأخذ السدس تكملة الثلثين، مثل بنت الابن
مع البنت، طبعًا عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، عدم وجود الفرع الوارث، عدم وجود
المعصِّب لهن، أن توجد أختٌ شقيقةٌ ورثت النصف، فهنا نقول من أنها تأخذ الأخت لأبٍ
فرض السدس تكملة الثلثين.
انظر إلى قوله: "والأخوات من الأب معهن، كبنات الابن مع البنات سواء، ولا يعصبهن
إلا أخوهن"، طبعًا لما قال: "ولا يعصبهن إلا أخوهن" للتنبيه، لأن بنات الابن قد
يعصبهن ابن عمهن الذي في درجتهن، أو أنزل منهن، فأراد أن يبين أن ذلك لا يكون هنا.
إذن، إذا اجتمعت الأخوات لأبٍ، مع أختٍ شقيقةٍ واحدةٍ، فلهن السدس تكملة الثلثين.
انظروا إلى المثال الذي معكم: أمٌّ، وأختٌ شقيقةٌ، وأختٌ لأبٍ.
هنا الأم تأخذ السدس، لماذا؟ لوجود عدد من الأخوات. الأخت الشقيقة أخذت النصف، أخذت
النصف لوجود الشروط الأربعة، أربعةٌ أو خمسةٌ؟ الأخت الشقيقة أربعةٌ، الأخت لأبٍ
خمسةٌ، ما هي الشروط؟ عدم وجود المعصِّب، انفرادها، عدم وجود الفرع الوارث، عدم
وجود الأصل من الذكور الوارث، فأخذت النصف.
الأخت لأب هنا لا تأخذ الثلثين؛ لكونها منفردةً، ولا تأخذ النصف؛ لوجود الأخت
الشقيقة، فالأمر دائرٌ بين أن تسقط، وتتهاوى فلا تجد شيئًا، وبين أن نقول: الأخوات
إذا اجتمعن أخذن الثلثين، فنجعل الأخت لأبٍ مع الأخت الشقيقة بمثابة الجمع، فيأخذن
الثلثين، ثم لما كانت الأخت الشقيقة أقوى تأخذ نصفها، وتُكمل الأخت لأبٍ، أو
يُكمَّل من الثلثين للأخت لأبٍ، فيكون السدس لها؛ لأن السدس مع النصف ثلثان، فأخذت
السدس تكملة الثلثين.
من أين أُخذ ذلك؟ ﴿فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا
تَرَكَ﴾ [النساء: 176]، يصدق عليهما في الآية أنهن اثنتين، لكن لما كانت الأخت
الشقيقة أقوى، أخذت نصفها، ثم جُعل ما بقي وهو السدس للأخت من أبٍ.
انظروا إلى المثال الآخر: زوجةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وأربع أخواتٍ لأبٍ.
الزوجة لها الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث. الأخت الشقيقة النصف؛ لاكتمال الشروط
الأربعة. الأربع أخوات لأبٍ يأخذن السدس، تكملة الثلثين، فلا يسقطن، ولا يشاركنها
لكونهن أنزل درجةً منهن، فكما أن بنت الابن أنزل درجةً من البنت، فأخذت السدس تكملة
الثلثين، فكذلك الأخت لأبٍ، أنزل درجةً من الأخت الشقيقة، فأخذت السدس تكملة
الثلثين؛ لأنها ليست في درجتها فتقاسمها الثلثين، ولا نقول تسقط؛ لأنها أختٌ،
فاعتبر حالهن كمجموع الأخوات، فورثن الثلثين، ثم جُعل للأخت الشقيقة النصف، حقها؛
لأنها أقوى وأقدر، وأقرب للميت، وجُعل السدس للأخوات لأبٍ تكملةً للثلثين.
إذن، هذا الحال التي ترث فيه السدس، تكملة الثلثين، إذن، تبين معنا أن الأخت لأبٍ
لها ثلاث أحوالٍ في الفروض، لأن لها حالًا في التعصيب، الحال الأولى: أن ترث النصف
بخمسة شروطٍ، وأن ترث الثلثين بخمسة شروطٍ، الحالة الثالثة: أن ترث السدس ممكن نقول
أربعة شروطٍ، هو أن توجد الأخت الشقيقة وارثةً للنصف، عدم وجود الفرع الوارث الأعلى
منها، عدم وجود المعصِّب لها، عدم وجود المعصِّب لها، عدم وجود الأصل من الذكور
الوارث، لأنه أصلًا إذا وجد الأصل من الذكور الوارث، يمكن أن نقول الحقيقة إنها
وجود صاحبة النصف، وعدم وجود المعصِّب، لأنها لا تكون ورثت الأخت الشقيقة النصف إلا
بشرط عدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل من الذكور الوارث، فنقول: وجود صاحبة
النصف، وهي الأخت الشقيقة، وعدم وجود المعصِّب لها.
لو وجدت أختٌ شقيقةٌ، مع أخٍ لأبٍ، وأختٍ لأبٍ، فهنا الأخت الشقيقة تأخذ النصف،
أليس كذلك؟ لاكتمال الشروط الأربعة، عدم وجود المعصِّب، انفرادها، عدم وجود الفرع
الوارث، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث.
الأخ لأبٍ هنا لم تأخذ السدس تكملة الثلثين، لماذا؟ لوجود الأخ لأبٍ، فانتقلت إلى
التعصيب، فورثت المال تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين، والمثال أمامكم في السبورة،
أمٌّ، وأختٌ شقيقةٌ، وأختٌ لأبٍ، وأخٌ لأبٍ، هنا الأخت لأبٍ، لم تأخذ السدس تكملة
الثلثين؛ لوجود المعصِّب لها، وهو الأخ لأبٍ.
أرى الوقت قد انتهى، لعلنا -إن شاء الله- أن نشير إلى هذا في إطلالة الدرس القادم،
ثم نكمل -بإذن الله جلَّ وعلَا- ونستكمل الفروض ويكون ذلك تمامها في ذلك المجلس،
أسأل الله لي ولكم دوام التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ،
وعلى آله وأصحابه أجمعين.