الدرس الحادي والعشرون

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

10695 24
الدرس الحادي والعشرون

عمدة الفقه (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفيْن محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تعبَّد.
أيها الإخوة المشاهدون، أيها الإخوة الحاضرون، طلبة العلم في مثل هذا المجلس المبارك، نسأل الله -جلَّ وعلَا- أن يتم علينا وعليكم نعمه، وأن يبلغنا طاعته، وأن يجعلنا من أهل مراضيه، وأن يبعد عنا سخطه، وأن يجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
مجالس طيبةٌ -بإذن الله جلَّ وعلَا- نتواصى فيها على العلم، ونتزود فيها من الخير، ونطلب فيها سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في علمٍ من العلوم الفضيلة العظيمة التي دراستها من أعظم ما ينبغي للطالب، ذلك أنه من علوم الشريعة، وجاء فيها ما جاء فيها من خصوصية الفضل الذي جاء ذكره في أول هذه المجالس، وأظن أنكم على علمٍ به وحفظٍ له، وهو أول علم يفقد في الأرض حتى لا يكاد يوجد.
أيها الإخوة، إذا أردنا أن نتكلم عن علم الفرائض وما يلحق به، فأظن أننا أشرنا إلى ما جدَّ من طرائق لحساب هذا العلم، ولتسهيل إمكان قسمة المواريث، وهذه لا بأس بها، وهي مهمةٌ والإفادة منها متعينةٌ، لكن لا يعني ذلك الاستغناء عن حفظ مسائله على نسق العلماء السابقين، فإن هذا هو طريق الإبقاء عليه، وهو سبيل حفظه وعدم انتقاصه أو ذهابه، فحفظه على هذا النحو، هو حفظٌ لما جاء به كتاب الله -جلَّ وعلَا- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
لعلكم تتذكرون أيها الإخوة أن آخر ما كنا تحدثنا عنه في مثل هذا المجلس، هو كان في الكلام على باب ذوي الأرحام، وذوو الأرحام من جهة الأصل، سبق أن ذكرنا أن الرحم هو مطلق القرابة، فيدخل في ذلك، أقرب الناس إلى الإنسان، كأبويه وولديه، أو كانوا من أجداده وأصوله وفروعه، أو من حواشيه كأعمامه وعماته وأخواله وخالاته وإخوانه وأخواته، وهذا قدرٌ لا إشكال فيه، لكن تعلمون أن هذا الباب لا يقصد به مطلق القرابة، وإنما يقصد به من هم أخص من ذلك، وهم كما عرَّفهم الفرضيون: "كل من له قرابةٌ بالميت ولا يرثون، لا بفرضٍ ولا بتعصيبٍ" فإذا أردت أن تستذكرهم أو تسترجعهم، فتأمل الوارثين من الرجال والوارثات من النساء، فما كان ليس من هؤلاء وهو من قرابة الميت، فهو داخلٌ فيهم، ولذلك هم يقولون: أولاد البنات، ابن البنت وبنت البنت وإن نزلوا، وأولاد بنات الابن وإن نزلوا، فهؤلاء داخلون في ذوي الأرحام، الأجداد والجدات الذين سقطوا، كأبي أم الأب، وكل من أدلى بأنثى بين ذكرين فهو جدٌّ فاسدٌ.
أيضًا الجدات الفاسدات" هي كل من أدلت بذكرٍ بين أنثييْن، الجد الفاسد: هو من كان بينه وبين الميت أنثى، أما الجدة الفاسدة: فهي من أدلت بذكرٍ بين أنثيين، فهي جدةٌ فاسدةٌ، وتقدم معنا ما يتعلق بالجدة الثالثة أو ما أزيد من ذلك، هل يقتصر على ثلاثٍ أو يزاد، وهذا الكلام فيهما قد تقدم بكم.
إذا جئنا إلى الإخوة والأخوات، فبنات الإخوة من ذوي الأرحام، وبنات أبناء الإخوة أيضًا من ذوي الأرحام، وأولاد الإخوة لأم مطلقًا، سواءً أبناء أو بناتٍ كلهم داخلون في ذوي الأرحام، يدخل في ذلك أيضًا الأعمام لأمٍّ، والعمات، والخالات، وبنات الأعمام مطلقًا، سواءً أشقاء أو لأبٍ أو لأمٍّ؛ لأن أولاد الأعمام هم داخلون مطلقًا، العمات والخالات وهكذا، فهؤلاء كلهم من ذوي الأرحام على ما تقدم الذكر به.
ولذلك هنا إذا أردنا أن نتكلم على ذوي الأرحام، فلابد أن تتصورها من جهة المعنى العام، ويحسن بك أن تستعرض أو أن تكون على إطلاعٍ بمن يدخل فيهم على سبيل التعداد والذكر، فإن هذا يزيد في الفهم.
ذكرنا ما يتعلق بتوريثهم، هل يرثون أو لا يرثون، هذه مسألةٌ اختلف فيها، مشهور المذهب عند الحنابلة، القول بالتوريث، وذلك مبنيٌّ على أصلهم، وهو المصير إلى أقوال الصحابة، فإنه جاء عن عمر وعليٍّ أنهم ورَّثوهم، فأخذوا ذلك من أقوال الصحابة، ومن عمومات الأدلة، فإن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75] ومقتضى هذه الولاية، أنهم إذا ترك المورث شيئًا أن يأخذه أولى الناس به وهم أرحامه، وربما جاء في ذلك بعض الأحاديث، وإن كان فيها ضعفٌ: «الخال وارث من لا وارث له»، فأخذوا من هذا القول بتوريثه.
طبعًا من قال بعدم التوريث، عموم حديث: «إن الله أعطى كل ذي حقٍّ حقه، فلا وصية لوارثٍ» فقوله في أول الحديث: «أعطى كل ذي حقٍّ حقه» أن هؤلاء ليسوا من المعطيْن، فلا يكون من الورثة، وجاء في بعض الآثار أنها جاءت العمة والخالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا أجد لك في كتاب الله شيئً» أو كان ذلك أثرًا عن بعض الصحابة "ولا أجد لك في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء" فلم يورِّثها، فدل على أنهن لا يرثن، فبناءً على ذلك قالوا: من أنها لا ترث.
سنأخذ الآن مثالًا يزيد من التوضيح لهذه المسألة التي بين أيدينا، انظر إلى ما يُعرض في الشاشة الآن، في قول المؤلف: "لا ميراث لهن مع عصبةٍ ولا ذي فرضٍ".
مثال: أخٌ شقيقٌ، وعمةٌ، وخالٌ، وخالةٌ. العمة والخال والخالة هؤلاء في علم الفرائض من ذوي الأرحام، الأخ الشقيق من ذوي الأرحام أم من الورثة؟ من الورثة، فإذن هذه مسألةٌ فيها ورثةٌ، وفيها ذوي أرحامٍ، فعند أهل العلم قاطبةً أن الإرث للوارث، فيرث الأخ الشقيق المال كله، وهؤلاء يسقطون، يعني ذوي الأرحام.
ومثلها المسألة الأخرى: جدةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وبنت بنتٍ، وابن بنتٍ. بنت البنت وابن البنت هؤلاء من ذوي الأرحام، فبناءً على ذلك الأصل أنهم لا يرثون، متى نورِّثهم؟ إذا لم يكن في المسألة من يستحق التوريث، فالجدة من الورثة أم ليست من الورثة؟ من الورثة، والأحسن كما قلت لكم في التعبير، أن يقول أم أمٍّ، أو أم أبٍ؛ حتى نتأكد أنها من الجدات الصالحات، أو الجدات الوارثات، لكن إذا أطلق مثل هذا اللفظ، فيذهب أول ما يذهب إلى الجدة الوارثة، فعلى كل حالٍ نقول لها السدس، والأخت الشقيقة لها النصف، مع أنه بقي ثلث المال، لكن لا يعني ذلك أنه يذهب إلى ذوي الأرحام، ففيه ردٌّ عند أهل العلم سيأتينا -بإذن الله جلَّ وعلَا-.
فإذن، شرط توريث ذوي الأرحام عند من قال بالتوريث، هو عدم وجود وارثٍ مطلقًا، أما إذا وجد وارثٌ، فإنهم لا يرثون عند الجميع، لا يرثون عند جميع أهل العلم.
يُستثنى من ذلك مسألةٌ واحدةٌ، وهي مسألة: إذا كان في المسألة أحد الزوجين، الزوج أو الزوجة من الورثة، فإذا وجد في المسألة أحد الزوجين، ووجد بعض ذوي الأرحام، فهنا يرث ذو الأرحام، لماذا؟ لأن عند أهل العلم في باب الرد، أن الرد على الورثة أزيد من حقهم يكون لجميع الورثة إلا للزوجين، فبناءً على ذلك في المسألة السابقة جدةٌ وأختٌ شقيقةٌ، الجدة أخذت الثلث، والأخت الشقيقة أخذت النصف، سيرد عليهم الثلث، فيزيد في نصيب كل واحدٍ بقدره؛ لأنهم من أهل الرد، أما الزوجان فإنهم لا يدخلون في الرد على ما سيأتي بيانه، وأقوال الصحابة، والآثار في ذلك.
فبناءً على ذلك، سيأخذ صاحب الفرض فرضه، والباقي سيكون إما أن نقول أنه يورَّث ذوو الأرحام كما يقول الحنابلة، فيُعطون إياه، وإما أن يقال إنهم لا يورَّثون، فيذهب إلى بيت مال المسلمين، من قال بعدم توريث ذوي الأرحام، يقول: من أن المال يذهب إلى بيت مال المسلمين.
الآن عندنا هذا مثالٌ وجد فيه أحد الزوجين، ووجد فيه بعض ذوي الأرحام، فكيف توريثهم في هذه المسألة؟ أو الإشارة إلى هذا، لعلكم أن تنظروا إلى الشاشة الآن، سيعرض فيها المثال.
هلك هالكٌ عن: زوجةٍ، وخالٍ، وخالةٍ. الزوجة من الورثة، فأخذت ربعها كاملًا ثم ذهبت إلى بيتها وأغلقت الباب، بقي ثلاثة أرباع المال، ماذا تفعلون به؟ فهنا نقول: هي لا يرد عليها، فلذلك هي عرفت أنها لا يرد عليها، لن تأخذ أكثر من الربع بحالٍ من الأحوال، ولذلك ذهبت وأغلقت بابها، فالباقي ثلاث أرباع المال، الأمر دائرٌ بين أن يجعل في بيت المال، وهذا عند كل من يقول بعدم توريث ذوي الأرحام، وهم المالكية والشافعية وبعض أهل العلم، ومن يقول بتوريثهم، وهم الحنابلة والحنفية، فقالوا بالتوريث، ولذلك الخال والخالة هنا بقية التركة تقسم بينهم بالتساوي، سيأتي كيف يورثون في مثل هذه المسائل، لكن المهم الآن أننا ورثنا بعض ذوي الأرحام في هذه المسألة، مع وجود وارث، لما ذكرنا من أن هذا الوارث زوجٌ أو أحد الزوجين، أو يرث بالزوجية، ومن يرث بالزوجية فإنه لا يُرد عليه، فبناءً على ذلك يمكن أن يدخل في المسألة ذوو الأرحام، أما ما سِوى الزوج أو الزوجة، فإن ذوي الأرحام ليس لهم معهم إرثٌ بأي وجهٍ من الوجوه.
فيه سؤالٌ؟
{لو كان في أماكن أو في البلاد التي لا توجد بها بيت المال، لا توجد بها نظامٌ يجمع هذه الأموال، وورَّثنا ذي فرضٍ فقط، وتركنا هؤلاء ذوي الأرحام، فما مصير هذا المال؟}.
هذا السؤال جيدٌ، أن القول أن المال يرجع إلى بيت المال في حال انتظامه، أما إذا لم ينتظم بيت المال، فبعض من قال من أنه لا يورِّث ذوي الأرحام، يقول: إذا لم ينتظم بيت المال، فإنهم يورَّثون، أو يجعل ذلك في حال عدم انتظام بيت المال، فبناءً على ذلك نقول: إذا لم يكن بيت المال منتظمًا، فهذا مما يتأكد معه القول بتوريث ذوي الأرحام؛ لأن المال دائرٌ بين إعطاء القرابات بوجهٍ من الوجوه الصحيحة المعتبرة ولو بوجهٍ بعيدٍ، وبين أن يضيع المال، وربما يذهب إلى من لا يستحقه، وربما يذهب إلى يتبلَّغ به في الشر، وربما يكون بلاءً على الناس كما في بعض البلاد التي لا ينتظم فيها بيت المال، أو في بعض البلاد التي لا تكون بلادًا مسلمةً، فيتنبه لذلك.
إذن، ما دام أن استقر عندنا القول بتوريث ذوي الأرحام، كما هو مشهور مذهب الحنابلة، فكيف يورَّثون؟
هذه المسألة اختلف فيها القائلون بالتوريث، وهم الحنابلة والحنفية، والمشهور من المذهب عند الحنابلة أنهم يقولون بتوريث ذوي الأرحام في هذه المسائل بالتنزيل، يعني إما أن يكون الأقرب فالأقرب وإما أن يكون ذلك بالتنزيل، فعند الحنابلة فإنهم يرثون بالتنزيل، فعلك تقرأ الآن ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- لتفهم معنى هذه الكلمة التي هي مسألة التنزيل.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، والمشاهدين.
قال المصنف -رحمه الله-: ويرثون بالتنزيل، فيُجعل كل إنسانٍ منهم بمنزلة من أدلى به، فولد البنات وولد بنات الابن، والأخوات بمنزلة أمهاتهم، وبنات الإخوة والأعمام وبنو الإخوة من الأم كآبائهم، والعمات والعم لأبٍ كالأب، والأخوال والخالات وأبو الأم كالأم}.
على كل حالٍ، هذه المسألة فيها شيءٌ من الصعوبة، وفيها شيءٌ من العسر في الفهم خاصةً لأول وهلةٍ مسائل التنزيل، ومحصلها نقوله بشيءٍ من الاختصار، كما قال المؤلف: "فيجعل كل إنسانٍ منهم بمنزلة من أدلى به" يعني هؤلاء الأرحام أدلو بورثةٍ، فيجعلون بمنزلة هؤلاء الورثة.
فإذا افترضنا مثلًا ابن بنتٍ، أمه التي هي بنت الميت وارثةٌ، فينزَّل هذا الابن منزلة أمه التي هي بنت الميت، ابن بنت ابنٍ هذا بنت الابن التي هي أمه وارثةٌ، فينزَّل هذا الابن منزلتها، فبناءً على ذلك يرث بإرثها، والأخت الشقيقة، بنت أختٍ شقيقةٍ هذه من ذوي الأرحام، أمها أختٌ شقيقةٌ وارثةٌ، فبناءً على ذلك نقول من أنهم يرثون.
إذا لم يوجد مع ذوي الأرحام أحد الزوجين، فإما أن يكون الوارث واحدًا من ذوي الأرحام، فالمال له كله، وإن كان الموجود معهم جماعةً، فإما أن يدلوا بشخصٍ واحدٍ وإما أن يدلوا أيضًا بجماعةٍ، فإن أدلوا بشخصٍ واحدٍ، فلا يخلو أمرهم من حالتين:
الحالة الأولى: أن تستوي منزلتهم ممن أدلوا به، يعني ثلاثة أبناء بنتٍ، هؤلاء منزلتهم من الوارث واحدةٌ، كلهم أبنائها، فكلهم ينزَّلون منزلتها، فيقسم المال بينهم بالسوية ذكورًا وإناثًا، يعني لو كان عندنا ثلاثة أبناء بنتٍ واثنتين من بناتها، يعني بنت البنت، فنقول هنا: المال يقسم بين خمسةٍ، وإما أن تختلف منزلتهم من أدلوا به، فماذا نفعل هنا؟ فنجعل المدلَى به كأنه هو الميت، وينظر فيهم بقرابتهم إلى هذا المدلى به، فيرثون بحسب ذلك.
فعلى سبيل المثال: لو كان مثلًا عندنا خالاتٌ متفرقاتٌ، وسيأتي هذه الأمثلة ذكرها المؤلف، خالاتٌ متفرقاتٌ، خالةٌ من الأم، وخالةٌ من الأب، وخالةٌ شقيقةٌ، فهم بالنسبة لمن أدلوا بهم، أدلوا كل هؤلاء الخالات بالأم، فإذا نظرنا إلى أحوالهم، إما أن تكون أختًا شقيقةً، أو أختًا لأبٍ، أو أختًا لأمٍّ، فيقسم المال كأنها هي الميتة ويجعل لهم المال على تلك الحالة.
نأخذ هذا المثال ثم ننتقل إلى الحالات الأخرى، الحالة الثانية سنذكرها بعد أن نأخذ هذا المثال.
هلك رجلٌ عن: ابن بنتٍ، وابن بنت ابنٍ، وبنت أختٍ شقيقةٍ. كما في المثال الذي أمامكم، ابن البنت ينزَّل منزلة البنت، فالبنت تأخذ النصف، فبناءً على ذلك ابن البنت هذا يأخذ نصيب أمه وهو النصف. ابن بنت الابن، بنت الابن هي الوارثة، فتأخذ السدس تكملة الثلثين. وبنت أختٍ شقيقةٍ هنا تأخذ نصيب الأخت الشقيقة، والأخوات مع البنات عصباتٌ، فتأخذ الباقي. فهنا إذن كلهم اختلفت منازلهم من الميت، فجعلنا المدلى به كأنه هو الميت، ثم يرثون بذلك.
على كل حالٍ، هذا المثال للحالة الثانية وهو أن تختلف منازلهم بالنسبة للمدلى به، يعني واحد أدلى بالعم الشقيق، واحد أدلى بالأب، واحد أدلى بالابن، فهؤلاء كيف نقسم نفعل؟ نجعلهم كأنهم هم الورثة، من أدلو به كأنهم هم الورثة، ثم ما أخذه هذا الوارث ننظر إلى من أدلى به، فإن كانوا في درجةٍ واحدةٍ، قسمنا المال بينهم بالتساوي، وإن كانوا في درجةٍ مختلفةٍ فبناءً على ذلك الأقرب يطرد الأبعد، يعني لو كان عندنا بنت بنتٍ، وبنت بنت بنتٍ، الذي يأخذ المال من؟ بنت البنت؛ لأنها أقرب.
إذن كانوا في جهتين، فالأقرب من الوارث لا يسقط الأبعد، لا يسقط الآخر، يعني إذا كانوا في جهاتٍ مختلفةٍ، فليس مثل الورثة الأصليين أن أحدهم يسقط الآخر، لا، كلٌّ يرث يأخذ نصيبه ثم ينظر الثاني، فإذا بقي شيءٌ أخذه الآخر.
هذه بعض الأمثلة، يعني لو أنكم فهمتم من هذا القدر ممكن نقول أربعين في المائة، لكان جيدًا.
المهم هذه المسائل فيها أول شيءٍ ليس كثيرة الوقوع، حسبك أنك تعرف أصل هذا الباب، وكيفية توريث أهل العلم فيه، ثم بعد ذلك عدم استحضاره إذا احتاج الإنسان إليه، ممكن أن يسترجع ويراجع وينظر، فيستحث الذهن فيستذكر ما كان قد مر عليه، فيمكن أن يعرفه إذا احتاج إليه؛ لأن أصل هذا الباب قد درسه وتعلمه.
عندنا الآن: بنت بنتٍ، وخمسة أبناء بنت ابنٍ. فإذن هنا عندنا منهم من أدلى بالبنت، ومنهم من أدلى ببنت الابن، فإذن هذا من الحالة الثانية، فنجعل المدلى به كأنه هو الوارث، فالبنت هي التي سنورثها، فنورثها النصف، ثم ننقله إلى بنت البنت، خمسة أبناء بنت الابن، فإن لهم السدس الذي هو نصيب أمهم تكملة الثلثين.
لو كان مثلًا مع خمس أبناء بنت ابنٍ هنا، لو كان معهم مثلًا أبناء أبناء بنت ابنٍ، فنأخذ هؤلاء يسقطون؛ لأنهم من جهةٍ واحدةٍ، فالأقرب يُسقط الأبعد، هذا إذن ما يتعلق بهذه المسألة.
ثم قال: "وبنات الإخوة والأعمام وولد الأخوة من الأم كآبائهم" يعني بنات الإخوة كالإخوة، الأعمام وولد الإخوة من الأب كآبائهم، يعني لو كان بنت عمٍّ شقيقٍ فتكون مثل العم الشقيق، وهكذا.
فهذه أمثلةٌ، مثلًا عندنا بنت أخٍ شقيقٍ وبنتا عمٍّ، وخمسة أخوةٍ لأمٍّ. بنت الأخ الشقيق تنزل منزلة الأخ الشقيق، فهي ستأخذ التعصيب؛ لأن الأخ الشقيق يأخذ تعصيبًا، بنتا العم تنزل منزلة العم، والعم يرث بالتعصيب، لكن الأخ أسبق جهةً، جهة الإخوة أقدم جهةً؛ لأن جهة الإخوة مقدمةٌ على جهة العمومة، الخمس إخوة لأمٍّ هؤلاء هم وارثون من الأصل، فهذه الحقيقة أنها خمس أخوة لأمٍّ، لو قال في هذه المسألة أبناء إخوةٍ لأمٍّ أحسن، يعني ما تصح بهذه الطريقة، ولذلك هو كأنها سقطت الكلمة، قال بمنزلة الإخوة لأمٍّ، إذن المسألة على أنها خمس أبناء إخوةٍ لأمٍّ، اكتبوها أيها الإخوة المشاهدون حتى لا تلتبس عليكم المسألة، لأن هذه تكون فيها إشكاليةٌ.
بعد هذا قال: "العمات والعم لأبٍ كالأب والأخوال والخالات أبو الأم كالأم" مثل ما ذكرنا أنه لو وجد عندنا مثلًا عمةٌ، فهي العمة أدلت بمن؟ قرابة عمتك منك بسبب أبيك، فهي أدلت بالأب، فبناءً على ذلك تكون كالأب. العم لأبٍ، المقصود يعني لو وجد عمٌّ لأبٍ، يعني بنت عمٍّ لأبٍ، فهي تكون بمنزلة العم لأبٍ.
لو وجد عندنا عم أبي أمٍّ، فهنا هو عمٌّ من جهة الأم، فهو من ذوي الأرحام وهو من جهة الأب، فبناءً على ذلك ينزَّل منزلة من أدلى به وهي الأم، وهكذا.
هنا مثال: عمةٌ، وخالٌ، وخالةٌ. العمة أدلت بالأب، فتأخذ الباقي، الخال والخالة، يدلون كلهم بالأم، فبناءً على ذلك هم يأخذون الثلث ويشتركون فيه، يقتسمون فيما بينهم، لا يزيد الخال على الأم، من باب ذوي الأرحام، أنثاهم مثل ذكرهم.
عمٌّ لأبٍ، أبٌ لأمٍّ، أبو أمٍّ. عمٌّ لأبٍ كم يأخذ، ثلث المال؛ لأنه بمنزلة يعني الباقي؛ لأنه بمنزلة الأب، وأبو الأم بمنزلة الأم، فتأخذ الثلث. أبو أبي الأم يسقط، لماذا؟ لأنه هو أدلى بالأم صحيح، لكنه أبعد من أبي لأم، هو أبو أبي الأم، فحجب هنا لوجود من هو أقرب منه.
ولذلك قال هنا في كلام المؤلف: "فإن كان منهم اثنان فصاعدًا من جهةٍ واحدةٍ، فأسبقهم إلى الوارث أحقهم" مثل ما ذكرنا قبل قليلٍ، وهذا أيضًا مثالٌ آخر أمامكم.
خالةٌ، الخالة أدلت بمن؟ بالأم، وأبو أم أبي الأم أدلى أيضًا بالأم؛ لأن أبا الأم أيضًا غير وارثٍ، فإنه أدلى بالأم، فتأخذ الخالة كل المال، لماذا؟ لأنها بمنزلة الأم، والأم هنا هي أقرب من أبي أم الأب، تدلي بالأم مباشرةً، أما هذه بينها وبين الأم درجةٌ وهي أبو الأم، فبناءً على ذلك كانت محجوبةً.
وهذا تفصيل الكلام الذي ذكرناه قبل قليلٍ، فإن استووا.
{قال: فإن استووا قسمت المال بين من أدلوا به، وجعلت مال كل واحدٍ منهم لمن أدلى به، وساويت بين الذكور والإناث إذا استوت جهاتهم منهم، فلو خَلَّفَ ابن بنتٍ وبنت بنتٍ أخرى، وابن وبنت بنت أخرى، وأبناء بنت بنتٍ أخرى، قسمت المال بين البنات على ثلاثةٍ، ثم جعلته لأولادهن، للابن الثلث، وللبنت الثلث، وللابن والبنت الأخرى الثلث الباقي بينهم نصفين}.
يعني هذا هو الآن المثال، مثل ما ذكرنا، إذا تساو في الدرجة فيقتسمون المال، هنا ابن بنتٍ، وبنت بنتٍ أخرى، وابن، وبنت بنتٍ ثالثةٍ، فهنا كلهم لو نظرت، المثال أصح من المقروء عندكم.
الآن ابن بنتٍ أدلى بمن؟ بالبنت، بنت بنتٍ ثانيةٍ، هذه اسمها سعاد والأخرى اسمها مثلًا سارة، فبنت سارة أيضًا بنت بنتٍ، وبنت بنتٍ ثالثةٍ، يعني الثالثة مثلًا نورا لها ابنٌ وبنتٌ، فهؤلاء إذن كلهم أدلو بمن؟ ببنتٍ، فبناءً على ذلك كلهم يتقاسمون المال بينهم سواء؛ لأنهم في درجةٍ واحدةٍ، استووا في الدرجة، فبناءً على ذلك يقسم بينهم المال سويًّا.
لاحظ في الثالثة: أنها ابن وبنت أدلوا بالبنت، الأصل أننا جعلنا المال للبنت، صح أم لا؟ ثم اقتسمه من أدلى به.
المثال الآخر: {وإن خَلَّفَ ثلاث عماتٍ متفرقاتٍ، وثلاث خالاتٍ متفرقاتٍ، فالثلث بين الخالات على خمسةٍ، والثلثان بين العمات على خمسةٍ، وتصح من خمسة عشر}.
هذه واضحةٌ، يعني خلَّف ثلاث عماتٍ، فالعمات متفرقاتٌ، ما معنى متفرقاتٌ؟ يعني إحداهما عمةٌ لأمٍّ والأخرى عمةٌ لأبٍ، والثالثة عمةٌ شقيقةٌ، أخت أبيه الشقيقة، فهنا هذه مسألةٌ.
مسألةٌ أخرى: ثلاث خالاتٍ متفرقاتٍ، خالةٌ شقيقةٌ، خالةٌ لأمٍّ، خالةٌ من الأب، أخت أمك من أبيها، فهذه مسألتان، هنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- يعني لو افترضناها مسألةً واحدةً، هذه لها حكمٌ وهذه لها حكمٌ، فهنا إذا قلنا ثلاث عماتٍ، فكل هؤلاء العمات يأخذن ثلثي المال، لماذا؟ لأنهن يدلين بالأب، والأب سيأخذ الباقي، الأم أخذت الثلث؛ لأن الخالات يدلين بالأم، فهنا إذن الخالات يدلين بالأم، فجعلنا الأم كأنها هي الوارثة، وارثة الثلث، والعمات كأن الأب هو الوارث، فسيرث الباقي، والباقي كم؟ هو ثلثا المال، فبناءً على ذلك سنقسِّم الثلثين على العمات، فلو نظرت في هذه المسألة، لوجدت أنه كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى- أنها ستكون المسألة من خمسة عشر، للعمات يقسَّم بينهن المال، يعني الثلثان عشرةٌ والثلث خمسةٌ للخالات.
فهذه ما يتعلق بمسألة إذا خلَّف ثلاث عماتٍ متفرقاتٍ، وثلاث خالاتٍ متفرقاتٍ.
أما لو كان التوارث بين العمات، عمةٌ شقيقةٌ، وعمةٌ لأبٍ، وعمةٌ لأمٍّ، فكيف سيكون الحكم؟ لن يختلف؛ لأنهن يدلين بشخصٍ واحدٍ، بخلاف ما إذا كان المدلى به أكثر من شخصٍ، فيتباينون فيها.
على كل حالٍ، كما ذكرت لكم، سيكون في المسألة شيءٌ من الإشكال لو أردنا أن نفصِّل فيه أكثر، فلعلكم أن تكتفوا بهذا القدر مثل ما قلنا.
إما أن يكون فيه ورثةٌ، فهنا ذوو الأرحام لا وجود لهم، إلا أن يكون الوارث أحد الزوجين، فعند ذلك يأخذ صاحب الفرض فرضه من الزوجين، ثم يمكن أن يرث ذوو الأرحام، ذوو الأرحام إما أن يكون واحدًا سيأخذ المال، وإما أن يكون جماعةً، فإذا كانوا جماعةً إما أن يكونوا من جهةٍ واحدةٍ، وفي درجةٍ واحدةٍ، فيقتسمون المال فيما بينهم، إذا تفاوتوا فيُجعل المدلى كأنه هو الميت، فيأخذون بقدر قربهم منه، إذا كانوا أدلو بأناسٍ مختلفين، جهاتٍ مختلفةٍ، فيجعل كل واحدٍ أو يجعل المدلى به كأنه هو الوارث، فما أخذه يأخذه من أدلى به من ذوي الأرحام، فإذا كانوا أيضًا في درجةٍ واحدةٍ، فيأخذونه جميعًا، إذا كان بعضهم أبعد من بعض، فيأخذ المال الأقرب ويسقط الأبعد،كما قلنا إذا كانوا أكثر من جهةٍ، فإن بعضهم لا يؤثر على بعضٍ في المنع من الإرث.
بعد ذلك يمكن أن يكون هذا قدرٌ لا بأس به فيما يتعلق بذوي الأرحام.
ننتقل بعد هذا إلى باب أصول المسائل، فتقرأ.
{قال المصنف -رحمه الله-: باب أصول المسائل، وهي سبعةٌ، فالنصف من اثنين، والثلث والثلثان من ثلاثةٍ، والربع وحده، أو مع النصف من أربعةٍ، والثمن وحده، أو مع النصف من ثمانيةٍ، فهذه الأربعة لا عول فيها، وإذا كان مع النصف ثلثٌ أو ثلثان أو سدسٌ، فهي من ستةٍ، وتعول إلى عشرةٍ، وإن كان مع الربع أحد هذه الثلاثة، فهي من اثنيْ عشر وتعول إلى سبعة عشر، وإن كان مع الثمن سدسٌ أو ثلثان، فهي من أربعةٍ وعشرين، وتعول إلى سبعةٍ وعشرين}.
هذا لو تذكرتم أنا كنا قد ذكرنا في أول كلامنا، أن باب علم الفرائض منه ما هو قسمةٌ للمواريث فقهٌ محضٌ في الكتاب والسنة، ومنها ما هو مكملٌ لذلك، وهي مسائل الحساب التي تسهِّل وصول حق كل وارثٍ إليه، يعني طريقة قسمة هذه أو إيصال نصيبه أو معرفة جزء سهمه من عموم التركة، فبناءً على ذلك إذا قسَّمتَ المواريث، فأخذ هذا ربعًا وهذا ثمنًا، أو هذا مثلًا ثلثًا وهذا سدسًا، وهذا ثلثين، ستحتاج إلى النظر بين هذه الفروق، فتثبت أصلًا للمسألة، هذا يسمى أصل المسألة، فلأجل ذلك قال هو أصول المسائل، يعني التي تصح منه المسائل، فهو ذكرها على سبيل العد موضِّحًا لها ولخصائصها، فقال: "هما اثنان وثلاثةٌ وأربعةٌ وستةٌ وثمانيةٌ واثنا عشر وأربعةٌ وعشرون فقط".
فبناءً على ذلك، لو جاء واحدٌ وهو يؤصل هذه المسائل، وجعل أصلها من خمسةٍ، نقول هذا غلطٌ، من جهة الأصل، قد تصح فيما بعد أو ترد وتنقص، هذا شيءٌ آخر، لكن أصل المسائل هذه هي، على ما جاء عند أهل العلم.
تكلموا في أصلين ثمانية عشر وستةٍ وثلاثين، ولكن ليست محلًا للبحث فيه، فإن هذا من التفصيلات التي يمكننا خاصةً، الآن ما بقي إلا دروسٌ قليلةٌ، عسى أن نُكمل ما قصدنا.
إذن، هذا ما يتعلق بأصول المسائل، لابد أن تعرف تأصيل هذه الأصول وكيف الوصول إلى هذا الأصل، لو نظرت فإنه قد بيَّن شيئًا من ذلك، فقال: "النصف يصح من اثنين" وذكر شيئًا من هذا إشارةً إلى كيف تصحيحها، لكن هذا سيأتينا -بإذن الله جلَّ وعلَا- واضحًا جليًّا فيما يتعلق بقسم مسائل العول وما يتعلق بها.
أصول المسائل تحفظ وتعرف وتقيَّد، لكن الأهم من هذا أنه أشار في كلامه هذا إلى مسائل العول، فما هذا العول؟ وما أصله في الشرع؟ وكيف الحكم به؟ هذا هو ما ينبغي أن نبحثه هنا.
العول من العَيْلَة وهو القلَّة؛ لأن في علم الفرائض، أنه إذا عالت المسألة قلَّ نصيبهم الذي فُرض لهم، على ما سيأتي، وأصل العول له معانٍ اشتد القيام بالكفاية، ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ [التوبة: 28] كما قال الله -جلَّ وعلَا- يأتي بمعنى الشدة ونحو ذلك، فهو يدور حول هذه المعاني.
ما معنى العول في باب الفرائض؟ يعني هو له تعاريف كثيرةٌ، بعضهم يقول مثلًا: هو ازدحام الفروض على أصل المسألة، أو أن تزيد فروض المسألة على أصلها، فمثلًا لو كان عندنا: زوجٌ، وأمٌّ، وأختان شقيقتان. الزوج كم سيأخذ؟ النصف، والأختان الشقيقتان سيأخذان الثلثين، والأم ستأخذ السدس، هذا أكثر من المال أو مماثلٌ له؟ أكثر، فهنا يقولون هذه مسألةٌ قد عالت، أن تزيد سهام المسألة عن أصلها، فالسهام التي في هذه المسألة زادت عن أصلها، هذا ما يسمى العول.
لو أردتم أن أذكر لكم حقيقة المسائل بالنسبة إلى أصل المسألة، إما أن تكون ناقصةً أو عادلةً أو عائلةً، وهي التي سيكون محل البحث فيها معنا بعد قليلٍ؛ لأن الوقت قد شارف على الانتهاء.
أسأل الله أن يتم علينا وعليكم نعمه، أسأل الله أن يفقِّهنا في دينه، أسأل الله أن يزيدنا من العلم والهدى، أسأل الله أن يزيدنا من التوفيق والصواب، ونعوذ بالله من الغي والشر والفساد، جزاكم الله -جلَّ وعلَا- خير الجزاء على الحضور والمشاركة والاهتمام، وأنتم كذلك، جزى الله الإخوة القائمين على هذا الصرح، أيما جزاءٍ بأي مشاركةٍ شاركوا، وبأي طريقةٍ كانوا معنا في هذا الميدان وفي هذا الباب من أبواب العلم العظيمة، لا حرمهم الله الأجر، ولا حرمهم الله -جلَّ وعلَا- رفعة الدرجة وأن يُجعلوا من أهل العلم والباذلين له والمتسببين فيه، أترككم في رعاية الله -جلَّ وعلَا- وحفظه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفيْن محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تعبَّد.
أيها الإخوة المشاهدون، أيها الإخوة الحاضرون، طلبة العلم في مثل هذا المجلس المبارك، نسأل الله -جلَّ وعلَا- أن يتم علينا وعليكم نعمه، وأن يبلغنا طاعته، وأن يجعلنا من أهل مراضيه، وأن يبعد عنا سخطه، وأن يجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
مجالس طيبةٌ -بإذن الله جلَّ وعلَا- نتواصى فيها على العلم، ونتزود فيها من الخير، ونطلب فيها سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في علمٍ من العلوم الفضيلة العظيمة التي دراستها من أعظم ما ينبغي للطالب، ذلك أنه من علوم الشريعة، وجاء فيها ما جاء فيها من خصوصية الفضل الذي جاء ذكره في أول هذه المجالس، وأظن أنكم على علمٍ به وحفظٍ له، وهو أول علم يفقد في الأرض حتى لا يكاد يوجد.
أيها الإخوة، إذا أردنا أن نتكلم عن علم الفرائض وما يلحق به، فأظن أننا أشرنا إلى ما جدَّ من طرائق لحساب هذا العلم، ولتسهيل إمكان قسمة المواريث، وهذه لا بأس بها، وهي مهمةٌ والإفادة منها متعينةٌ، لكن لا يعني ذلك الاستغناء عن حفظ مسائله على نسق العلماء السابقين، فإن هذا هو طريق الإبقاء عليه، وهو سبيل حفظه وعدم انتقاصه أو ذهابه، فحفظه على هذا النحو، هو حفظٌ لما جاء به كتاب الله -جلَّ وعلَا- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
لعلكم تتذكرون أيها الإخوة أن آخر ما كنا تحدثنا عنه في مثل هذا المجلس، هو كان في الكلام على باب ذوي الأرحام، وذوو الأرحام من جهة الأصل، سبق أن ذكرنا أن الرحم هو مطلق القرابة، فيدخل في ذلك، أقرب الناس إلى الإنسان، كأبويه وولديه، أو كانوا من أجداده وأصوله وفروعه، أو من حواشيه كأعمامه وعماته وأخواله وخالاته وإخوانه وأخواته، وهذا قدرٌ لا إشكال فيه، لكن تعلمون أن هذا الباب لا يقصد به مطلق القرابة، وإنما يقصد به من هم أخص من ذلك، وهم كما عرَّفهم الفرضيون: "كل من له قرابةٌ بالميت ولا يرثون، لا بفرضٍ ولا بتعصيبٍ" فإذا أردت أن تستذكرهم أو تسترجعهم، فتأمل الوارثين من الرجال والوارثات من النساء، فما كان ليس من هؤلاء وهو من قرابة الميت، فهو داخلٌ فيهم، ولذلك هم يقولون: أولاد البنات، ابن البنت وبنت البنت وإن نزلوا، وأولاد بنات الابن وإن نزلوا، فهؤلاء داخلون في ذوي الأرحام، الأجداد والجدات الذين سقطوا، كأبي أم الأب، وكل من أدلى بأنثى بين ذكرين فهو جدٌّ فاسدٌ.
أيضًا الجدات الفاسدات" هي كل من أدلت بذكرٍ بين أنثييْن، الجد الفاسد: هو من كان بينه وبين الميت أنثى، أما الجدة الفاسدة: فهي من أدلت بذكرٍ بين أنثيين، فهي جدةٌ فاسدةٌ، وتقدم معنا ما يتعلق بالجدة الثالثة أو ما أزيد من ذلك، هل يقتصر على ثلاثٍ أو يزاد، وهذا الكلام فيهما قد تقدم بكم.
إذا جئنا إلى الإخوة والأخوات، فبنات الإخوة من ذوي الأرحام، وبنات أبناء الإخوة أيضًا من ذوي الأرحام، وأولاد الإخوة لأم مطلقًا، سواءً أبناء أو بناتٍ كلهم داخلون في ذوي الأرحام، يدخل في ذلك أيضًا الأعمام لأمٍّ، والعمات، والخالات، وبنات الأعمام مطلقًا، سواءً أشقاء أو لأبٍ أو لأمٍّ؛ لأن أولاد الأعمام هم داخلون مطلقًا، العمات والخالات وهكذا، فهؤلاء كلهم من ذوي الأرحام على ما تقدم الذكر به.
ولذلك هنا إذا أردنا أن نتكلم على ذوي الأرحام، فلابد أن تتصورها من جهة المعنى العام، ويحسن بك أن تستعرض أو أن تكون على إطلاعٍ بمن يدخل فيهم على سبيل التعداد والذكر، فإن هذا يزيد في الفهم.
ذكرنا ما يتعلق بتوريثهم، هل يرثون أو لا يرثون، هذه مسألةٌ اختلف فيها، مشهور المذهب عند الحنابلة، القول بالتوريث، وذلك مبنيٌّ على أصلهم، وهو المصير إلى أقوال الصحابة، فإنه جاء عن عمر وعليٍّ أنهم ورَّثوهم، فأخذوا ذلك من أقوال الصحابة، ومن عمومات الأدلة، فإن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75] ومقتضى هذه الولاية، أنهم إذا ترك المورث شيئًا أن يأخذه أولى الناس به وهم أرحامه، وربما جاء في ذلك بعض الأحاديث، وإن كان فيها ضعفٌ: «الخال وارث من لا وارث له»، فأخذوا من هذا القول بتوريثه.
طبعًا من قال بعدم التوريث، عموم حديث: «إن الله أعطى كل ذي حقٍّ حقه، فلا وصية لوارثٍ» فقوله في أول الحديث: «أعطى كل ذي حقٍّ حقه» أن هؤلاء ليسوا من المعطيْن، فلا يكون من الورثة، وجاء في بعض الآثار أنها جاءت العمة والخالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا أجد لك في كتاب الله شيئً» أو كان ذلك أثرًا عن بعض الصحابة "ولا أجد لك في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء" فلم يورِّثها، فدل على أنهن لا يرثن، فبناءً على ذلك قالوا: من أنها لا ترث.
سنأخذ الآن مثالًا يزيد من التوضيح لهذه المسألة التي بين أيدينا، انظر إلى ما يُعرض في الشاشة الآن، في قول المؤلف: "لا ميراث لهن مع عصبةٍ ولا ذي فرضٍ".
مثال: أخٌ شقيقٌ، وعمةٌ، وخالٌ، وخالةٌ. العمة والخال والخالة هؤلاء في علم الفرائض من ذوي الأرحام، الأخ الشقيق من ذوي الأرحام أم من الورثة؟ من الورثة، فإذن هذه مسألةٌ فيها ورثةٌ، وفيها ذوي أرحامٍ، فعند أهل العلم قاطبةً أن الإرث للوارث، فيرث الأخ الشقيق المال كله، وهؤلاء يسقطون، يعني ذوي الأرحام.
ومثلها المسألة الأخرى: جدةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وبنت بنتٍ، وابن بنتٍ. بنت البنت وابن البنت هؤلاء من ذوي الأرحام، فبناءً على ذلك الأصل أنهم لا يرثون، متى نورِّثهم؟ إذا لم يكن في المسألة من يستحق التوريث، فالجدة من الورثة أم ليست من الورثة؟ من الورثة، والأحسن كما قلت لكم في التعبير، أن يقول أم أمٍّ، أو أم أبٍ؛ حتى نتأكد أنها من الجدات الصالحات، أو الجدات الوارثات، لكن إذا أطلق مثل هذا اللفظ، فيذهب أول ما يذهب إلى الجدة الوارثة، فعلى كل حالٍ نقول لها السدس، والأخت الشقيقة لها النصف، مع أنه بقي ثلث المال، لكن لا يعني ذلك أنه يذهب إلى ذوي الأرحام، ففيه ردٌّ عند أهل العلم سيأتينا -بإذن الله جلَّ وعلَا-.
فإذن، شرط توريث ذوي الأرحام عند من قال بالتوريث، هو عدم وجود وارثٍ مطلقًا، أما إذا وجد وارثٌ، فإنهم لا يرثون عند الجميع، لا يرثون عند جميع أهل العلم.
يُستثنى من ذلك مسألةٌ واحدةٌ، وهي مسألة: إذا كان في المسألة أحد الزوجين، الزوج أو الزوجة من الورثة، فإذا وجد في المسألة أحد الزوجين، ووجد بعض ذوي الأرحام، فهنا يرث ذو الأرحام، لماذا؟ لأن عند أهل العلم في باب الرد، أن الرد على الورثة أزيد من حقهم يكون لجميع الورثة إلا للزوجين، فبناءً على ذلك في المسألة السابقة جدةٌ وأختٌ شقيقةٌ، الجدة أخذت الثلث، والأخت الشقيقة أخذت النصف، سيرد عليهم الثلث، فيزيد في نصيب كل واحدٍ بقدره؛ لأنهم من أهل الرد، أما الزوجان فإنهم لا يدخلون في الرد على ما سيأتي بيانه، وأقوال الصحابة، والآثار في ذلك.
فبناءً على ذلك، سيأخذ صاحب الفرض فرضه، والباقي سيكون إما أن نقول أنه يورَّث ذوو الأرحام كما يقول الحنابلة، فيُعطون إياه، وإما أن يقال إنهم لا يورَّثون، فيذهب إلى بيت مال المسلمين، من قال بعدم توريث ذوي الأرحام، يقول: من أن المال يذهب إلى بيت مال المسلمين.
الآن عندنا هذا مثالٌ وجد فيه أحد الزوجين، ووجد فيه بعض ذوي الأرحام، فكيف توريثهم في هذه المسألة؟ أو الإشارة إلى هذا، لعلكم أن تنظروا إلى الشاشة الآن، سيعرض فيها المثال.
هلك هالكٌ عن: زوجةٍ، وخالٍ، وخالةٍ. الزوجة من الورثة، فأخذت ربعها كاملًا ثم ذهبت إلى بيتها وأغلقت الباب، بقي ثلاثة أرباع المال، ماذا تفعلون به؟ فهنا نقول: هي لا يرد عليها، فلذلك هي عرفت أنها لا يرد عليها، لن تأخذ أكثر من الربع بحالٍ من الأحوال، ولذلك ذهبت وأغلقت بابها، فالباقي ثلاث أرباع المال، الأمر دائرٌ بين أن يجعل في بيت المال، وهذا عند كل من يقول بعدم توريث ذوي الأرحام، وهم المالكية والشافعية وبعض أهل العلم، ومن يقول بتوريثهم، وهم الحنابلة والحنفية، فقالوا بالتوريث، ولذلك الخال والخالة هنا بقية التركة تقسم بينهم بالتساوي، سيأتي كيف يورثون في مثل هذه المسائل، لكن المهم الآن أننا ورثنا بعض ذوي الأرحام في هذه المسألة، مع وجود وارث، لما ذكرنا من أن هذا الوارث زوجٌ أو أحد الزوجين، أو يرث بالزوجية، ومن يرث بالزوجية فإنه لا يُرد عليه، فبناءً على ذلك يمكن أن يدخل في المسألة ذوو الأرحام، أما ما سِوى الزوج أو الزوجة، فإن ذوي الأرحام ليس لهم معهم إرثٌ بأي وجهٍ من الوجوه.
فيه سؤالٌ؟
{لو كان في أماكن أو في البلاد التي لا توجد بها بيت المال، لا توجد بها نظامٌ يجمع هذه الأموال، وورَّثنا ذي فرضٍ فقط، وتركنا هؤلاء ذوي الأرحام، فما مصير هذا المال؟}.
هذا السؤال جيدٌ، أن القول أن المال يرجع إلى بيت المال في حال انتظامه، أما إذا لم ينتظم بيت المال، فبعض من قال من أنه لا يورِّث ذوي الأرحام، يقول: إذا لم ينتظم بيت المال، فإنهم يورَّثون، أو يجعل ذلك في حال عدم انتظام بيت المال، فبناءً على ذلك نقول: إذا لم يكن بيت المال منتظمًا، فهذا مما يتأكد معه القول بتوريث ذوي الأرحام؛ لأن المال دائرٌ بين إعطاء القرابات بوجهٍ من الوجوه الصحيحة المعتبرة ولو بوجهٍ بعيدٍ، وبين أن يضيع المال، وربما يذهب إلى من لا يستحقه، وربما يذهب إلى يتبلَّغ به في الشر، وربما يكون بلاءً على الناس كما في بعض البلاد التي لا ينتظم فيها بيت المال، أو في بعض البلاد التي لا تكون بلادًا مسلمةً، فيتنبه لذلك.
إذن، ما دام أن استقر عندنا القول بتوريث ذوي الأرحام، كما هو مشهور مذهب الحنابلة، فكيف يورَّثون؟
هذه المسألة اختلف فيها القائلون بالتوريث، وهم الحنابلة والحنفية، والمشهور من المذهب عند الحنابلة أنهم يقولون بتوريث ذوي الأرحام في هذه المسائل بالتنزيل، يعني إما أن يكون الأقرب فالأقرب وإما أن يكون ذلك بالتنزيل، فعند الحنابلة فإنهم يرثون بالتنزيل، فعلك تقرأ الآن ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- لتفهم معنى هذه الكلمة التي هي مسألة التنزيل.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، والمشاهدين.
قال المصنف -رحمه الله-: ويرثون بالتنزيل، فيُجعل كل إنسانٍ منهم بمنزلة من أدلى به، فولد البنات وولد بنات الابن، والأخوات بمنزلة أمهاتهم، وبنات الإخوة والأعمام وبنو الإخوة من الأم كآبائهم، والعمات والعم لأبٍ كالأب، والأخوال والخالات وأبو الأم كالأم}.
على كل حالٍ، هذه المسألة فيها شيءٌ من الصعوبة، وفيها شيءٌ من العسر في الفهم خاصةً لأول وهلةٍ مسائل التنزيل، ومحصلها نقوله بشيءٍ من الاختصار، كما قال المؤلف: "فيجعل كل إنسانٍ منهم بمنزلة من أدلى به" يعني هؤلاء الأرحام أدلو بورثةٍ، فيجعلون بمنزلة هؤلاء الورثة.
فإذا افترضنا مثلًا ابن بنتٍ، أمه التي هي بنت الميت وارثةٌ، فينزَّل هذا الابن منزلة أمه التي هي بنت الميت، ابن بنت ابنٍ هذا بنت الابن التي هي أمه وارثةٌ، فينزَّل هذا الابن منزلتها، فبناءً على ذلك يرث بإرثها، والأخت الشقيقة، بنت أختٍ شقيقةٍ هذه من ذوي الأرحام، أمها أختٌ شقيقةٌ وارثةٌ، فبناءً على ذلك نقول من أنهم يرثون.
إذا لم يوجد مع ذوي الأرحام أحد الزوجين، فإما أن يكون الوارث واحدًا من ذوي الأرحام، فالمال له كله، وإن كان الموجود معهم جماعةً، فإما أن يدلوا بشخصٍ واحدٍ وإما أن يدلوا أيضًا بجماعةٍ، فإن أدلوا بشخصٍ واحدٍ، فلا يخلو أمرهم من حالتين:
الحالة الأولى: أن تستوي منزلتهم ممن أدلوا به، يعني ثلاثة أبناء بنتٍ، هؤلاء منزلتهم من الوارث واحدةٌ، كلهم أبنائها، فكلهم ينزَّلون منزلتها، فيقسم المال بينهم بالسوية ذكورًا وإناثًا، يعني لو كان عندنا ثلاثة أبناء بنتٍ واثنتين من بناتها، يعني بنت البنت، فنقول هنا: المال يقسم بين خمسةٍ، وإما أن تختلف منزلتهم من أدلوا به، فماذا نفعل هنا؟ فنجعل المدلَى به كأنه هو الميت، وينظر فيهم بقرابتهم إلى هذا المدلى به، فيرثون بحسب ذلك.
فعلى سبيل المثال: لو كان مثلًا عندنا خالاتٌ متفرقاتٌ، وسيأتي هذه الأمثلة ذكرها المؤلف، خالاتٌ متفرقاتٌ، خالةٌ من الأم، وخالةٌ من الأب، وخالةٌ شقيقةٌ، فهم بالنسبة لمن أدلوا بهم، أدلوا كل هؤلاء الخالات بالأم، فإذا نظرنا إلى أحوالهم، إما أن تكون أختًا شقيقةً، أو أختًا لأبٍ، أو أختًا لأمٍّ، فيقسم المال كأنها هي الميتة ويجعل لهم المال على تلك الحالة.
نأخذ هذا المثال ثم ننتقل إلى الحالات الأخرى، الحالة الثانية سنذكرها بعد أن نأخذ هذا المثال.
هلك رجلٌ عن: ابن بنتٍ، وابن بنت ابنٍ، وبنت أختٍ شقيقةٍ. كما في المثال الذي أمامكم، ابن البنت ينزَّل منزلة البنت، فالبنت تأخذ النصف، فبناءً على ذلك ابن البنت هذا يأخذ نصيب أمه وهو النصف. ابن بنت الابن، بنت الابن هي الوارثة، فتأخذ السدس تكملة الثلثين. وبنت أختٍ شقيقةٍ هنا تأخذ نصيب الأخت الشقيقة، والأخوات مع البنات عصباتٌ، فتأخذ الباقي. فهنا إذن كلهم اختلفت منازلهم من الميت، فجعلنا المدلى به كأنه هو الميت، ثم يرثون بذلك.
على كل حالٍ، هذا المثال للحالة الثانية وهو أن تختلف منازلهم بالنسبة للمدلى به، يعني واحد أدلى بالعم الشقيق، واحد أدلى بالأب، واحد أدلى بالابن، فهؤلاء كيف نقسم نفعل؟ نجعلهم كأنهم هم الورثة، من أدلو به كأنهم هم الورثة، ثم ما أخذه هذا الوارث ننظر إلى من أدلى به، فإن كانوا في درجةٍ واحدةٍ، قسمنا المال بينهم بالتساوي، وإن كانوا في درجةٍ مختلفةٍ فبناءً على ذلك الأقرب يطرد الأبعد، يعني لو كان عندنا بنت بنتٍ، وبنت بنت بنتٍ، الذي يأخذ المال من؟ بنت البنت؛ لأنها أقرب.
إذن كانوا في جهتين، فالأقرب من الوارث لا يسقط الأبعد، لا يسقط الآخر، يعني إذا كانوا في جهاتٍ مختلفةٍ، فليس مثل الورثة الأصليين أن أحدهم يسقط الآخر، لا، كلٌّ يرث يأخذ نصيبه ثم ينظر الثاني، فإذا بقي شيءٌ أخذه الآخر.
هذه بعض الأمثلة، يعني لو أنكم فهمتم من هذا القدر ممكن نقول أربعين في المائة، لكان جيدًا.
المهم هذه المسائل فيها أول شيءٍ ليس كثيرة الوقوع، حسبك أنك تعرف أصل هذا الباب، وكيفية توريث أهل العلم فيه، ثم بعد ذلك عدم استحضاره إذا احتاج الإنسان إليه، ممكن أن يسترجع ويراجع وينظر، فيستحث الذهن فيستذكر ما كان قد مر عليه، فيمكن أن يعرفه إذا احتاج إليه؛ لأن أصل هذا الباب قد درسه وتعلمه.
عندنا الآن: بنت بنتٍ، وخمسة أبناء بنت ابنٍ. فإذن هنا عندنا منهم من أدلى بالبنت، ومنهم من أدلى ببنت الابن، فإذن هذا من الحالة الثانية، فنجعل المدلى به كأنه هو الوارث، فالبنت هي التي سنورثها، فنورثها النصف، ثم ننقله إلى بنت البنت، خمسة أبناء بنت الابن، فإن لهم السدس الذي هو نصيب أمهم تكملة الثلثين.
لو كان مثلًا مع خمس أبناء بنت ابنٍ هنا، لو كان معهم مثلًا أبناء أبناء بنت ابنٍ، فنأخذ هؤلاء يسقطون؛ لأنهم من جهةٍ واحدةٍ، فالأقرب يُسقط الأبعد، هذا إذن ما يتعلق بهذه المسألة.
ثم قال: "وبنات الإخوة والأعمام وولد الأخوة من الأم كآبائهم" يعني بنات الإخوة كالإخوة، الأعمام وولد الإخوة من الأب كآبائهم، يعني لو كان بنت عمٍّ شقيقٍ فتكون مثل العم الشقيق، وهكذا.
فهذه أمثلةٌ، مثلًا عندنا بنت أخٍ شقيقٍ وبنتا عمٍّ، وخمسة أخوةٍ لأمٍّ. بنت الأخ الشقيق تنزل منزلة الأخ الشقيق، فهي ستأخذ التعصيب؛ لأن الأخ الشقيق يأخذ تعصيبًا، بنتا العم تنزل منزلة العم، والعم يرث بالتعصيب، لكن الأخ أسبق جهةً، جهة الإخوة أقدم جهةً؛ لأن جهة الإخوة مقدمةٌ على جهة العمومة، الخمس إخوة لأمٍّ هؤلاء هم وارثون من الأصل، فهذه الحقيقة أنها خمس أخوة لأمٍّ، لو قال في هذه المسألة أبناء إخوةٍ لأمٍّ أحسن، يعني ما تصح بهذه الطريقة، ولذلك هو كأنها سقطت الكلمة، قال بمنزلة الإخوة لأمٍّ، إذن المسألة على أنها خمس أبناء إخوةٍ لأمٍّ، اكتبوها أيها الإخوة المشاهدون حتى لا تلتبس عليكم المسألة، لأن هذه تكون فيها إشكاليةٌ.
بعد هذا قال: "العمات والعم لأبٍ كالأب والأخوال والخالات أبو الأم كالأم" مثل ما ذكرنا أنه لو وجد عندنا مثلًا عمةٌ، فهي العمة أدلت بمن؟ قرابة عمتك منك بسبب أبيك، فهي أدلت بالأب، فبناءً على ذلك تكون كالأب. العم لأبٍ، المقصود يعني لو وجد عمٌّ لأبٍ، يعني بنت عمٍّ لأبٍ، فهي تكون بمنزلة العم لأبٍ.
لو وجد عندنا عم أبي أمٍّ، فهنا هو عمٌّ من جهة الأم، فهو من ذوي الأرحام وهو من جهة الأب، فبناءً على ذلك ينزَّل منزلة من أدلى به وهي الأم، وهكذا.
هنا مثال: عمةٌ، وخالٌ، وخالةٌ. العمة أدلت بالأب، فتأخذ الباقي، الخال والخالة، يدلون كلهم بالأم، فبناءً على ذلك هم يأخذون الثلث ويشتركون فيه، يقتسمون فيما بينهم، لا يزيد الخال على الأم، من باب ذوي الأرحام، أنثاهم مثل ذكرهم.
عمٌّ لأبٍ، أبٌ لأمٍّ، أبو أمٍّ. عمٌّ لأبٍ كم يأخذ، ثلث المال؛ لأنه بمنزلة يعني الباقي؛ لأنه بمنزلة الأب، وأبو الأم بمنزلة الأم، فتأخذ الثلث. أبو أبي الأم يسقط، لماذا؟ لأنه هو أدلى بالأم صحيح، لكنه أبعد من أبي لأم، هو أبو أبي الأم، فحجب هنا لوجود من هو أقرب منه.
ولذلك قال هنا في كلام المؤلف: "فإن كان منهم اثنان فصاعدًا من جهةٍ واحدةٍ، فأسبقهم إلى الوارث أحقهم" مثل ما ذكرنا قبل قليلٍ، وهذا أيضًا مثالٌ آخر أمامكم.
خالةٌ، الخالة أدلت بمن؟ بالأم، وأبو أم أبي الأم أدلى أيضًا بالأم؛ لأن أبا الأم أيضًا غير وارثٍ، فإنه أدلى بالأم، فتأخذ الخالة كل المال، لماذا؟ لأنها بمنزلة الأم، والأم هنا هي أقرب من أبي أم الأب، تدلي بالأم مباشرةً، أما هذه بينها وبين الأم درجةٌ وهي أبو الأم، فبناءً على ذلك كانت محجوبةً.
وهذا تفصيل الكلام الذي ذكرناه قبل قليلٍ، فإن استووا.
{قال: فإن استووا قسمت المال بين من أدلوا به، وجعلت مال كل واحدٍ منهم لمن أدلى به، وساويت بين الذكور والإناث إذا استوت جهاتهم منهم، فلو خَلَّفَ ابن بنتٍ وبنت بنتٍ أخرى، وابن وبنت بنت أخرى، وأبناء بنت بنتٍ أخرى، قسمت المال بين البنات على ثلاثةٍ، ثم جعلته لأولادهن، للابن الثلث، وللبنت الثلث، وللابن والبنت الأخرى الثلث الباقي بينهم نصفين}.
يعني هذا هو الآن المثال، مثل ما ذكرنا، إذا تساو في الدرجة فيقتسمون المال، هنا ابن بنتٍ، وبنت بنتٍ أخرى، وابن، وبنت بنتٍ ثالثةٍ، فهنا كلهم لو نظرت، المثال أصح من المقروء عندكم.
الآن ابن بنتٍ أدلى بمن؟ بالبنت، بنت بنتٍ ثانيةٍ، هذه اسمها سعاد والأخرى اسمها مثلًا سارة، فبنت سارة أيضًا بنت بنتٍ، وبنت بنتٍ ثالثةٍ، يعني الثالثة مثلًا نورا لها ابنٌ وبنتٌ، فهؤلاء إذن كلهم أدلو بمن؟ ببنتٍ، فبناءً على ذلك كلهم يتقاسمون المال بينهم سواء؛ لأنهم في درجةٍ واحدةٍ، استووا في الدرجة، فبناءً على ذلك يقسم بينهم المال سويًّا.
لاحظ في الثالثة: أنها ابن وبنت أدلوا بالبنت، الأصل أننا جعلنا المال للبنت، صح أم لا؟ ثم اقتسمه من أدلى به.
المثال الآخر: {وإن خَلَّفَ ثلاث عماتٍ متفرقاتٍ، وثلاث خالاتٍ متفرقاتٍ، فالثلث بين الخالات على خمسةٍ، والثلثان بين العمات على خمسةٍ، وتصح من خمسة عشر}.
هذه واضحةٌ، يعني خلَّف ثلاث عماتٍ، فالعمات متفرقاتٌ، ما معنى متفرقاتٌ؟ يعني إحداهما عمةٌ لأمٍّ والأخرى عمةٌ لأبٍ، والثالثة عمةٌ شقيقةٌ، أخت أبيه الشقيقة، فهنا هذه مسألةٌ.
مسألةٌ أخرى: ثلاث خالاتٍ متفرقاتٍ، خالةٌ شقيقةٌ، خالةٌ لأمٍّ، خالةٌ من الأب، أخت أمك من أبيها، فهذه مسألتان، هنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- يعني لو افترضناها مسألةً واحدةً، هذه لها حكمٌ وهذه لها حكمٌ، فهنا إذا قلنا ثلاث عماتٍ، فكل هؤلاء العمات يأخذن ثلثي المال، لماذا؟ لأنهن يدلين بالأب، والأب سيأخذ الباقي، الأم أخذت الثلث؛ لأن الخالات يدلين بالأم، فهنا إذن الخالات يدلين بالأم، فجعلنا الأم كأنها هي الوارثة، وارثة الثلث، والعمات كأن الأب هو الوارث، فسيرث الباقي، والباقي كم؟ هو ثلثا المال، فبناءً على ذلك سنقسِّم الثلثين على العمات، فلو نظرت في هذه المسألة، لوجدت أنه كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى- أنها ستكون المسألة من خمسة عشر، للعمات يقسَّم بينهن المال، يعني الثلثان عشرةٌ والثلث خمسةٌ للخالات.
فهذه ما يتعلق بمسألة إذا خلَّف ثلاث عماتٍ متفرقاتٍ، وثلاث خالاتٍ متفرقاتٍ.
أما لو كان التوارث بين العمات، عمةٌ شقيقةٌ، وعمةٌ لأبٍ، وعمةٌ لأمٍّ، فكيف سيكون الحكم؟ لن يختلف؛ لأنهن يدلين بشخصٍ واحدٍ، بخلاف ما إذا كان المدلى به أكثر من شخصٍ، فيتباينون فيها.
على كل حالٍ، كما ذكرت لكم، سيكون في المسألة شيءٌ من الإشكال لو أردنا أن نفصِّل فيه أكثر، فلعلكم أن تكتفوا بهذا القدر مثل ما قلنا.
إما أن يكون فيه ورثةٌ، فهنا ذوو الأرحام لا وجود لهم، إلا أن يكون الوارث أحد الزوجين، فعند ذلك يأخذ صاحب الفرض فرضه من الزوجين، ثم يمكن أن يرث ذوو الأرحام، ذوو الأرحام إما أن يكون واحدًا سيأخذ المال، وإما أن يكون جماعةً، فإذا كانوا جماعةً إما أن يكونوا من جهةٍ واحدةٍ، وفي درجةٍ واحدةٍ، فيقتسمون المال فيما بينهم، إذا تفاوتوا فيُجعل المدلى كأنه هو الميت، فيأخذون بقدر قربهم منه، إذا كانوا أدلو بأناسٍ مختلفين، جهاتٍ مختلفةٍ، فيجعل كل واحدٍ أو يجعل المدلى به كأنه هو الوارث، فما أخذه يأخذه من أدلى به من ذوي الأرحام، فإذا كانوا أيضًا في درجةٍ واحدةٍ، فيأخذونه جميعًا، إذا كان بعضهم أبعد من بعض، فيأخذ المال الأقرب ويسقط الأبعد،كما قلنا إذا كانوا أكثر من جهةٍ، فإن بعضهم لا يؤثر على بعضٍ في المنع من الإرث.
بعد ذلك يمكن أن يكون هذا قدرٌ لا بأس به فيما يتعلق بذوي الأرحام.
ننتقل بعد هذا إلى باب أصول المسائل، فتقرأ.
{قال المصنف -رحمه الله-: باب أصول المسائل، وهي سبعةٌ، فالنصف من اثنين، والثلث والثلثان من ثلاثةٍ، والربع وحده، أو مع النصف من أربعةٍ، والثمن وحده، أو مع النصف من ثمانيةٍ، فهذه الأربعة لا عول فيها، وإذا كان مع النصف ثلثٌ أو ثلثان أو سدسٌ، فهي من ستةٍ، وتعول إلى عشرةٍ، وإن كان مع الربع أحد هذه الثلاثة، فهي من اثنيْ عشر وتعول إلى سبعة عشر، وإن كان مع الثمن سدسٌ أو ثلثان، فهي من أربعةٍ وعشرين، وتعول إلى سبعةٍ وعشرين}.
هذا لو تذكرتم أنا كنا قد ذكرنا في أول كلامنا، أن باب علم الفرائض منه ما هو قسمةٌ للمواريث فقهٌ محضٌ في الكتاب والسنة، ومنها ما هو مكملٌ لذلك، وهي مسائل الحساب التي تسهِّل وصول حق كل وارثٍ إليه، يعني طريقة قسمة هذه أو إيصال نصيبه أو معرفة جزء سهمه من عموم التركة، فبناءً على ذلك إذا قسَّمتَ المواريث، فأخذ هذا ربعًا وهذا ثمنًا، أو هذا مثلًا ثلثًا وهذا سدسًا، وهذا ثلثين، ستحتاج إلى النظر بين هذه الفروق، فتثبت أصلًا للمسألة، هذا يسمى أصل المسألة، فلأجل ذلك قال هو أصول المسائل، يعني التي تصح منه المسائل، فهو ذكرها على سبيل العد موضِّحًا لها ولخصائصها، فقال: "هما اثنان وثلاثةٌ وأربعةٌ وستةٌ وثمانيةٌ واثنا عشر وأربعةٌ وعشرون فقط".
فبناءً على ذلك، لو جاء واحدٌ وهو يؤصل هذه المسائل، وجعل أصلها من خمسةٍ، نقول هذا غلطٌ، من جهة الأصل، قد تصح فيما بعد أو ترد وتنقص، هذا شيءٌ آخر، لكن أصل المسائل هذه هي، على ما جاء عند أهل العلم.
تكلموا في أصلين ثمانية عشر وستةٍ وثلاثين، ولكن ليست محلًا للبحث فيه، فإن هذا من التفصيلات التي يمكننا خاصةً، الآن ما بقي إلا دروسٌ قليلةٌ، عسى أن نُكمل ما قصدنا.
إذن، هذا ما يتعلق بأصول المسائل، لابد أن تعرف تأصيل هذه الأصول وكيف الوصول إلى هذا الأصل، لو نظرت فإنه قد بيَّن شيئًا من ذلك، فقال: "النصف يصح من اثنين" وذكر شيئًا من هذا إشارةً إلى كيف تصحيحها، لكن هذا سيأتينا -بإذن الله جلَّ وعلَا- واضحًا جليًّا فيما يتعلق بقسم مسائل العول وما يتعلق بها.
أصول المسائل تحفظ وتعرف وتقيَّد، لكن الأهم من هذا أنه أشار في كلامه هذا إلى مسائل العول، فما هذا العول؟ وما أصله في الشرع؟ وكيف الحكم به؟ هذا هو ما ينبغي أن نبحثه هنا.
العول من العَيْلَة وهو القلَّة؛ لأن في علم الفرائض، أنه إذا عالت المسألة قلَّ نصيبهم الذي فُرض لهم، على ما سيأتي، وأصل العول له معانٍ اشتد القيام بالكفاية، ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ [التوبة: 28] كما قال الله -جلَّ وعلَا- يأتي بمعنى الشدة ونحو ذلك، فهو يدور حول هذه المعاني.
ما معنى العول في باب الفرائض؟ يعني هو له تعاريف كثيرةٌ، بعضهم يقول مثلًا: هو ازدحام الفروض على أصل المسألة، أو أن تزيد فروض المسألة على أصلها، فمثلًا لو كان عندنا: زوجٌ، وأمٌّ، وأختان شقيقتان. الزوج كم سيأخذ؟ النصف، والأختان الشقيقتان سيأخذان الثلثين، والأم ستأخذ السدس، هذا أكثر من المال أو مماثلٌ له؟ أكثر، فهنا يقولون هذه مسألةٌ قد عالت، أن تزيد سهام المسألة عن أصلها، فالسهام التي في هذه المسألة زادت عن أصلها، هذا ما يسمى العول.
لو أردتم أن أذكر لكم حقيقة المسائل بالنسبة إلى أصل المسألة، إما أن تكون ناقصةً أو عادلةً أو عائلةً، وهي التي سيكون محل البحث فيها معنا بعد قليلٍ؛ لأن الوقت قد شارف على الانتهاء.
أسأل الله أن يتم علينا وعليكم نعمه، أسأل الله أن يفقِّهنا في دينه، أسأل الله أن يزيدنا من العلم والهدى، أسأل الله أن يزيدنا من التوفيق والصواب، ونعوذ بالله من الغي والشر والفساد، جزاكم الله -جلَّ وعلَا- خير الجزاء على الحضور والمشاركة والاهتمام، وأنتم كذلك، جزى الله الإخوة القائمين على هذا الصرح، أيما جزاءٍ بأي مشاركةٍ شاركوا، وبأي طريقةٍ كانوا معنا في هذا الميدان وفي هذا الباب من أبواب العلم العظيمة، لا حرمهم الله الأجر، ولا حرمهم الله -جلَّ وعلَا- رفعة الدرجة وأن يُجعلوا من أهل العلم والباذلين له والمتسببين فيه، أترككم في رعاية الله -جلَّ وعلَا- وحفظه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك