الدرس الثاني عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7802 24
الدرس الثاني عشر

عمدة الفقه (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، النبي الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد.
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم من عباده العالمين العاملين، وأن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يجعلنا ممن يُعلي منارة العلم، ويُظهر مسائله، ويحقق فيه، وأن يوفقنا فيه للصواب والهدى، وأن يجنبنا الشر والردى، وأن يجعل ما تعلمناه حجةً لنا لا حجةً علينا، وأن يجعلنا فيه من المخلصين، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
أيها الإخوة المشاهدون، أيها الإخوة الحاضرون، هذه مجالسُ -بإذن الله جلَّ وعلَا- نرجو برها، ونرجو أجرها، ونرجو فضلها، ونرجو أن نكون ممن استنَّ بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فيها، طالبين للعلم، فلعل الله أن يشملنا بقول نبيه -صلى الله عليه وسلم-: «من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين».
طالب العلم إن مما ينبغي لك، أن تكون ذا نفسٍ طيبةٍ، هنيةٍ، تعفو عن الناس وتصفح، وتُعرض عن السيئة والقبيح، وتتحمل من الناس الأذية، فإنه ما سار على هذا الطريق أحدٌ إلا كان لزامًا عليه أن يتحمل الناس، ويصبر على ما يلاقي منهم، وأن يتحمل تبعاتهم، وأسئلتهم، وإلحاحهم في بعض أمورهم، فلربما سألوه، ولربما أحرجوه، ولربما علَّقوا به أمرًا، فانتظروه منه، فإن لم يصبر على أذاهم، فإنه لا يكاد يوفَّق في العلم، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم»، وقدوتنا في ذلك، نبينا -صلى الله عليه وسلم-، في تعليمه، وصبره في هداية أصحابه، وبيان الحق، ودلالتهم عليه، والإعادة للمخطئ، وإرشاده، ودلِّه بما يكون فيه تحقيق المعنى والمقصود.
ومن أشهر ما يدل على ذلك: قصة المسيء صلاته، لما جاء، وصلى صلاةً سريعةً، فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما عنَّفه، ولا زاده، ولا كهره، ولا قال له سوءًا، لكن قال: «ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ»، فرجع فصلى كالصلاة التي صلاها، فرجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ»، حتى عاد إليه الثالثة، ثم شرح له النبي -صلى الله عليه وسلم- هيئة الصلاة، ثم صلاها على حالٍ أتم، فكان ذلك أتم في قلبه، وقال: ما رأيتُ معلمًا أتم تعليمًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومثل ذلك: قصة الرجل الذي بال في طائفة المسجد، فما عنَّفه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا أغلظ له في العبارة، وإنما قال كلمةً عظيمةً جميلةً، ما أحوج الوعَّاظ، وطلبة العلم، والحكماء، والعلماء، أن يستقيموا عليها، في دلالتهم للناس، وهدايتهم لها، بيانٌ للحق، وتبينٌ له، ومنعٌ من الخطأ والخلل، وحمل الناس على ضده، وإبعادهم منه بدون ما سوءٍ ولا تعبٍ.
هذه إشارةٌ سريعةٌ، قد نحتاجها في هذا الوقت الذي كثر فيه الجدال، وكثر فيه الآراء، وربما كان غير المتعلمين أكثر جدلًا ومراءً، ومنازعةً للعالم في علمه، ومخاصمةً له في ما عنده، وفي ما هو أعلم به منهم.
لكن لا يسعنا إلا أن نفسح في صدورنا، وأن نوسِّع في نفوسنا، وأن نتحمل جاهلنا، ولو أظهر شيئًا من العلم.
على كل حالٍ، هذا كما تعودناه، هي كالإطلالة اليسيرة، التي ننتقل بها إلى المراد.
أظن أنه ليس ببعيدٍ عن أذهانكم ولا عقولكم، ولا فهومكم ما تقدَّم بيانه، وما جرى ذكره في المجلس الماضي، فإنَّا ذكرنا أمريْن، أولهما: إرث الأب، وذكرنا للأب ثلاثة أحوالٍ، وهي: أن يرث السدس، وذلك إذا كان مع فرعٍ وارثٍ من الذكور، والثاني: أن الأب يرث التعصيب، وذلك إذا كان ليس في المسألة فرعٌ وارثٌ، والحال الثالثة: أن يرث بالفرض والتعصيب في آنٍ واحدٍ، وذلك أن يكون في المسألة فرعٌ وارثٌ من الإناث، هذا قد جرى بيانه وذكره.
انتقلنا بعد ذلك إلى الجد، الذي سنكمل الحديث عنه في هذا المجلس -بإذن الله جلَّ وعلَا-، وقلنا: إن الجد يرث بشرطٍ واحدٍ، عدم وجود الأب، فإذا وجد الأب، فلا مكان للجد، وقلنا من أن المقصود بالجد الذي يتعلق به الإرث، أو يدخل في الميراث، هو الجد الصالح، وهو أبو الأب، وإن علا بمحض الذكورية، فلا يدخل في ذلك: أبو الأم، ولا أبو أم الأب، فإنهم لا يدخلون في ذلك. فإذن متعلق الحكم إنما هو أبو الأب، وإن علا بمحض الذكورية، يعني أبو الأب، أو أبو أب الأب، أو أبو أب أب الأب، أو أبو أب أب أب الأب، وقل مثل ذلك وإن علا.
هذا إذن قلنا إن الجد إذا لم يوجد الأب، فهو وارثٌ، ويرث بالأحوال التي يرث بها الأب، وهو أن يرث السدس، إذا وجد فرعٌ وارثٌ من الذكور، فإنه يرث السدس، الحال الثانية: أن يرث بالتعصيب، وهو أن لا يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ، لا ذكرٌ ولا أنثى، والحالة الثالثة: أن يرث بالفرض والتعصيب، وذلك في أن يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ من الإناث.
على كل حالٍ، هم يقولون من أن الجد له حالٌ رابعةٌ، وسيأتي التنبيه على مسألةٍ أخرى تتعلق بالجد، لكن لعلنا أن نذكرها عند الكلام على الأم، وهي مسألةٌ أو مسألتان حكم فيهما عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- في الأب، وفارق فيهما الجد، فلم يكن حاله كحال الأب، لكن نؤجلها، هي لا بأس أن نشير إليها الآن، هي مسألة العمريتيْن، قضى فيهما عمر -رضي الله تعالى عنهما- في: زوجٍ، وأبٍ، وأمٍّ. فهنا الزوج يأخذ النصف، والأم قالوا لو أخذت الثلث لكانت أكثر من الأب، لأن النصف والثلث ما يبقى إلا سدس، فلأجل ذلك حكم عمر، وعامة الصحابة على أن الأم تأخذ ثلث الباقي بعد النصف، يعني السدس، فيكون الباقي للأب، وهو الثلث، الثلث الباقي، فهذه مسألةٌ، لو كان فيها جدٌّ لا يساوى بالأب في مثل هذه المسألة، وسنأتي إليها، ومثلها لو كانت زوجةً وأبًا وأمًّا، كذلك هنا، الزوجة تأخذ الربع، والأم تأخذ ثلث الباقي، والأب يأخذ الباقي، لماذا؟ لكي يأخذ ضعفيها، فيأخذ هو الباقي، وهي تأخذ ثلث الباقي، يعني الربع، فيكون له نصف، وربع، وللزوجة ربعٌ، وتتم المسألة.
فهاتان المسألتان، لو كان بدل الأب الجد، فإنه تُقسم على أصلها، ولا تأخذ هذا، فهو من المسائل التي يخالف فيها الجد الأب، وسيأتي -إن شاء الله- توضيحها وذكرها عند الكلام عن الأم، فلا نستعجل عليه.
بقي الحالة الرابعة، فنسمعها من صهيب، ثم نعيد شرحها، والكلام عليها.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللحاضرين والمشاهدين.
فصلٌ، والجد كالأب في أحواله، وله حالٌ رابعٌ: وهو مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، فله الأحظ من مقاسمتهم كأخٍ، أو ثلث جميع المال، فإن كان معهم ذو فرضٍ، أخذ فرضه، ثم كان للجد الأحظ من المقاسمة، أو ثلث الباقي، أو سدس جميع المال، وولد الأب كولد الأبوين في هذا إذا انفردوا}.
طبعًا النسخة التي في التلفاز فيها نقصٌ، فلذلك الصحيح ما قرأته، فتكمل -بإذن الله جلَّ وعلَا-.
{قال: فإن اجتمعوا عادوا}.
نعم، اترك مسألة المعادَّة.
إذن نعود إلى توضيح ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، في هذا الكتاب العظيم، وهو كتاب عمدة الفقه، فما الحال الرابعة التي للجد؟ الحال الرابعة للجد: إذا كان مع الإخوة والأخوات، فهنا مسألةٌ طويلةٌ، كثر فيها الكلام، وتشقق فيها الخلاف، وأيضًا اختلفت مناهج أهل العلم في طريقة العمل فيها. فنذكر أصل هذه المسألة، ثم نعود إلى التفصيلات.
أصل هذه المسألة: إذا اجتمع في المسألة جدٌ وإخوةٌ لأبٍ، أو إخوةٌ أشقاء، إخوةٌ وأخواتٌ طبعًا، فهل هنا الإخوة يسقطون مع وجود الجد لكونه أقرب منهم؟ فيسقطهم الجد كما يسقطهم الأب؟ أم لا؟
المؤلف -رحمه الله تعالى- مشى على أن الجد لا يسقطهم، فليس كالأب في هذه المسألة أيضًا، أن الجد لا يُسقط الإخوة والأخوات لأبوين أو لأبٍ، من أين أخذوا ذلك؟ قالوا: هذا هو مذهب زيدٍ، وابن مسعودٍ، وعليٍّ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وزيدٌ هو أفرض الصحابة، فكان المصير إلى قوله أتم، والقول بمذهبه أكمل، وعلى هذا جرى جمعٌ من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم. واجتهدوا في الاستدلال لهذه المسألة، من أشهر أدلتهم: هو القياس والنظر، فقالوا: من أن إذا كان غصنٌ فانفتح إلى غصنيْن، فهما يعني الأخوين، كأقرب إلى الأب، أو هما في درجةٍ واحدةٍ للأب، فبناءً على ذلك يكونان في حكم الجد مع الأب، أو الجد من الأب هما كلهم يردون على الأب، فجعلوهم بمنزلةٍ واحدةٍ، قالوا: مثل ذلك إذا كان نهرٌ، ثم انفرق فرقتان، فهما بمنزلة الأب؛ لأنهما كهو، أو تفرَّعا منه، فيكون كالأب، فما أن الجد كالأب، فهما كالأب.
فجعلوهم من هذا النظر في منزلة الأب، فبناءً على هذا، إذا وجدا في مسألةٍ واحدةٍ، فالجد كالأب، والإخوة كالأب، فجعلهم شيئًا واحدًا.
أما جمهور الصحابة، كأبي بكر، وجماعةٌ كثيرٌ من الصحابة قالوا من أن درجة الجد أعلى من درجة الإخوة، فبناءً على ذلك يسقطون معه، ويكون الإرث للجد، فإذا وجد في المسألة إخوةٌ وأخواتٌ مع الجد، فهم ساقطون.
وقالوا: كما أن ابن الابن في منزلة الابن، فكذلك أبا الأب في منزلة الأب، وأيضًا قالوا إن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: 78]، وهنا جعل الجد أبًا، ولم يأت في دليلٍ ولا نصٍّ لا من كتابٍ، ولا من سُنَّةٍ أن الأخ أُطلق عليه اسم الأب، فهذا يدل على أنه مقدَّمٌ عليه، وبالإجماع أن ما سوى هذه المسألة، فإن الجد يقوم مقام الأب، لم تُستثنى هذه؟ لتكون مثل غيرها، ولذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "إعلام الموقعين" أفاض الكلام على هذه المسألة والخلاف فيها، وذكر إن لم أكن واهمًا بضعةً وعشرين دليلًا، إما ثلاثةً وعشرين، أو سبعةً وعشرين دليلًا في الدلالة على أن الجد يُسقط الإخوة والأخوات.
إذا قلنا من أن الجد يُسقط الأخوات، فلا يكون ثَمَّ إشكالٌ، وتنتهي هذه الحال الرابعة، لكن لما مشى المؤلف ابن قدامة -رحمه الله تعالى- على مذهب زيدٍ، وهو أن الجد لا يُسقط الإخوة، ولأجل ذلك ذكرها وأشار إلى شيءٍ من تفصيلاتها.
في الحقيقة نحن ربما نشير إلى أصل الكلام، أو الخلاف في هذه المسألة، ثم نقف عن ذكر تفاريع المسائل؛ لأن تفاريع المسائل التي ذكروها كثيرةٌ جدًّا، سواءٌ في ما نص عليه المؤلف من الأكدرية، أو مسألة المعادَّة، وبعض المسائل الأخرى، ربما يطول بنا الحديث، لكن نحن سنذكر لكم أصل هذه المسألة، ثم نشير إلى التفاريع إشارةً سريعةً أو لطيفةً بدون أن نقف معها، وبدون أن نشتت أذهانكم.
من قال بتوريث الجد والإخوة في حالٍ واحدةٍ، اختلفت طرائقهم في التوريث، ابن مسعود وعليٌّ -رضي الله تعالى عنهما- لهما طريقةٌ، وزيدٌ له طريقةٌ، ما الطريقة في توريثهم؟ نحن لن نذكر كل ذلك، لكن سنقتصر على ما ذكره المؤلف، وهي طريقة زيدٍ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، فزيدٌ بن ثابت يقول: لا يخلو حال الجد والإخوة من حاليْن: إما أن يكونا منفرديْن، ليس معهم ذو فرضٍ، ففي هذه الحالة يكون الجد له إما أن يقاسم الإخوة والأخوات، لأن يكون قسيمهم، كأحدهم، وإما أن يأخذ ثلث المال، فهو يأخذ الأحسن له، لأنه ليس بأنقص من درجتهم، فيقولون: إذا كان مع الجد أخوان، أو أربع أخواتٍ؛ لأنهم بمنزلة الأخوين، أو أخٌ وأختان، في هذه الأحوال تكون المقاسمة والثلث سواءٌ.
أنا أحتاج أن أكتبها لكم. نقول: الحالة الأولى: أن يرث الجد والإخوة وليس معهم ذو فرضٍ، فيقولون: في هذه الحال له، إما المقاسمة، أو ثلث المال. كيف نعرف أن الأحسن له المقاسمة أو ثلث المال؟ يقولون: إذا كان مع الجد أخوان، أو أربع أخواتٍ، أو أخٌ وأختان، في هذه الأحوال يكون المقاسمة وثلث المال سواءٌ، يعني إذا وجد جدٌ وأخوان، فلو قلنا بالمقاسمة، هم ثلاثةٌ، كل واحدٍ سيأخذ الثلث، فإذا قاسمتَ أو أعطيتَ الثلث لم يختلف نصيبه، ولو كان مع أربع أخواتٍ، فالأختان بمنزلة الأخ، لأنه سيكون لهم جدٌ وأربع أخواتٍ، كأنه أخوهم، فهو سيعصبهم، وللذكر مثل حظ الأنثيين، فكل واحدةٍ ستأخذ السدس، فهذه أربعة أسداسٍ وله سدسان، الذي هو الثلث، فلم يختلف، أن يقاسمهم أو يأخذ ثلث المال، ومثل ذلك إذا كان مع الجد أخٌ وأختان، فسواءٌ قلنا بالمقاسمة، أو قلنا يأخذ ثلث المال واحدٌ.
متى يكون ثلث المال أحسن له؟ إذا كانوا أكثر من ذلك، ومتى يكون المقاسمة أفضل له؟ إذا كانوا أقل من ذلك.
إذن هذا هو الضابط، إذا كانوا أكثر، فيأخذ ثلث المال، ويخليهم هم يأخذون ما تبقى، وإذا كانوا أقل، يقاسمهم؛ لأن المقاسمة ستكون أولى له.
لو كان مثلًا عندنا جدٌ، أخٌ شقيقٌ، وأختٌ شقيقةٌ، فهنا ماذا نقول؟ ما الأحسن للجد هنا؟ المقاسمة، فإذن: يأخذ معهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فتكون المسألة مثلًا من خمسةٍ، له اثنان، والأخ الشقيق له اثنان، وهي لها واحدٌ، إذن هو أخذ اثنين من خمسةٍ، أكثر من ثلث المال، أليس كذلك؟ لأن ثلث المال اثنين من ستةٍ، فهو الآن أخذ أكثر من الثلث.
لو كان أيضًا هنا جدٌ، وأختان شقيقتان. فهنا المقاسمة أولى له، فنقول: هنا يأخذ القسمة، فتكون المسألة من أربعةٍ، له اثنان، وكل واحدةٍ من الأختين لها واحدٌ، فهو الآن أخذ نصف المال، لماذا؟ لأنه أقل من الضابط الذي قلناه، أن يكون معه أخوان، أو أربع أخواتٍ، أو أخٌ وأختان، فهذه حال المقاسمة. ولها أمثلةٌ كثيرةٌ.
الحالة الثانية: ثلث المال، مثل ماذا؟ يعني لو قلنا: هلك هالكٌ عن جدٍ، وخمسة إخوةٍ لأبٍ، وثلاث أخواتٍ لأبٍ، فهنا لو قاسمهم كم سيأتيه؟ سيأتيه ثلاثةٌ من خمسة عشرة، لكن هنا نقول له: ثلث المال، وهنا يأخذون الباقي في ما بينهم. فهنا ثلث المال أخير له؛ واضح؟ وقل أمثلةً كثيرةً، لو جدٌ، وثلاث أخواتٍ، وأخٌ، نقول أشقاء كلهم، فهنا أيضًا ثلث المال أكثر، أحسن له، يأخذ الثلث، ويأخذون الباقي في ما بينهم، يأخذ ثلث المال أولى له من أن يأخذ معهم المقاسمة، لأنه أخٌ شقيقٌ هنا اثنان، وثلاثةٌ خمسةٌ، ولو أخذ هو اثنين، يأخذ اثنين من سبعةٍ، لكن هنا يأخذ ثلث المال، أكثر، فبناءً على ذلك يكون ثلث المال أكبر.
أما الاستواء ذكرنا حالها، تحتاج مثالًا للماثلة.
يعني جدٌ وأخوان شقيقان، أو أخوان لأبٍ، هنا سواءٌ قلت: يأخذ بالمقاسمة، أو بالثلث، كلها واحدٌ، يعني لو قلنا أنه سيأخذ بالمقاسمة، ستكون المسألة من ثلاثةٍ واحدًا، وكل واحدٍ واحدًا، إذن هذا واحدٌ من ثلاثةٍ، هو ثلث المال.
إذن هذه هي الحال الأولى من حال إرث الجد، وهو أن يكون مع الإخوة وليس معهم أحدٌ.
الحال الثانية: أن يكون معهم ذو فرضٍ.
لو أعدت القراءة، خاصةً أن الذي عندي ناقصٌ.
{فإن كان معهم ذو فرضٍ، أخذ فرضه، ثم كان للجد الأحظ من المقاسمة، أو ثلث الباقي، أو سدس جميع المال}.
إذا كان معهم ذو فرضٍ، فيُعطى صاحب الفرض فرضه، ثم بعد ذلك يكون للجد حالٌ من ثلاثة أحوالٍ: إما أن يأخذ سدس المال جميعه؛ لأنه يقول أهل العلم: للجد مع الابن سدس المال، فإذا كان يضمن سدس المال مع وجود ابن الميت، فمن باب أولى أن لا ينقص نصيبه عن سدس المال، إذا كان مع غير أبناء الميت. قالوا: هو إذن لا ينقص عن السدس، وإما أن يأخذ ثلث الباقي أو المقاسمة، فننظر ما الأصلح له، فأي شيءٍ كان أصلح له أخذه.
فلو افترضنا مثلًا، إذا كان معه ذو فرضٍ، هذه الحال الثانية، ففي هذه الحالة مثلًا لو افترضنا: أمٌّ، وجدٌ، وأختٌ شقيقةٌ، فهنا الأم ستأخذ فرضها، الثلث، الجد هنا هل نعطيه السدس؟ أو نعطيه ثلث الباقي؟ أو يقاسم الأخت الشقيقة؟ المقاسمة أفضل له؛ لأنه الآن ستكون المسألة من ثلاثةٍ، وإذا قاسمها للذكر مثل حظ الأنثيين، فمعنى ذلك أنها ستأخذ واحدًا، وهو سيكون لهما اثنان، فسيكون هو من هذين الاثنين، طبعًا لا ندخل في التصحيح الآن، سيكون له الضعف، وهي لها الأقل، فإذن ثلثا المال سيكون له ضعف ما لها في هذه الحالة، فالضعف هنا أكثر من الثلث، فبناءً على ذلك يكون المقاسمة في مثل هذه المسألة أحسن له.
لو كان مثلًا مسألةٌ زوجةٌ، وجدٌ، وستة إخوةٍ أشقاء، فهنا الزوجة لها الثمن أو الربع؟ الربع، الزوجة لها الربع، لعدم وجود الفرع الوارث، طيب الجد هنا، طبعًا لن يكون المقاسمة أحظ له، لكن هل هو ثلث الباقي، يعني لو افترضنا بعد هذا بقي ثلاثة أرباعٍ المال، أليس كذلك؟ لأنه أخذ الربع، فإذا قلنا ثلث الباقي، سيكون الربع، وإما أن نقول: له سدس المال جميعًا، فأيهما أولى؟ سيكون ثلث الباقي، وهنا الباقي يُقسَّم بينهم، وهكذا.
هذه المسائل أو الطرائق التي درج فيها العلماء في من قالوا بأن الجد يقاسم الإخوة، أو أن الإخوة يرثون مع الجد، فإنهم يورِّثونه بهذه الطريقة، ولهم في هذا تفصيلاتٌ، ذكروها، يعني أشار المؤلف إلى شيءٍ منها يسيرٍ، وثمَّ تفاصيل كثيرةٌ للفرضيين -رحمهم الله تعالى- في اتباع مذهب زيدٍ بن ثابت -رضي الله عنه-.
يعني الآن وضح الطريقتان، إحداهما، أو أولى الطريقتين: أن يكون الجد مع الإخوة، وليس معهم ذو فرضٍ، فهنا نقول: هو يرث إما أن يرث ثلث المال، أو أن يقاسمهم، وينظر في الأحظ له، إن كانت المقاسمة أو ثلث المال، ويُعطى له، ثم يُفرَّق الباقي عليهم، وقلنا إن هذا أو متى يكون؟ إذا كان في المسألة مع الجد أخوان، أو أربع أخوات، أو أخ وأختان، فتكون المقاسمة وثلث المال متساوية، إذا زاد فالثلث أفضل له، وإذا نقصوا عن هذا العدد، فالمقاسمة خيرٌ له، إذا كان مع ذي فرضٍ، فيأخذ صاحب الفرض فرضه، ثم هو بين ثلاثة أحوالٍ: أما أن يقاسمهم، وإما أن يأخذ سدس المال، وإما أن يأخذ ثلث الباقي.
لعلنا نمثِّل لمسألة سدس المال؛ حتى تتبينوها، لو فرضنا في المسألة: أمٌّ، وزوجةٌ، وجدٌ، وخمسة إخوةٍ لأبٍ، فهنا الأم كم ستأخذ؟ الثلث، والزوجة كم ستأخذ؟ الربع، لو أخذ الجد ثلث الباقي، سيكون أقل من سدس، فلذلك هنا نقول: يأخذ سدس المال جميعًا، والباقي لهم، لأن الربع والثلث أكثر من نصف المال، وإذا أخذ هو ثلث النصف السدس، وهو ما بقي إلا أقل من نصف، معنى ذلك أنه سيأخذ أقل من السدس، فبناءً على هذا يكون في نحو هذه المسألة السدس خيرٌ له.
{...}.
عفوًا، عفوًا، أحسنت، هذا خطأٌ نسيناه، الأم هنا أخذت السدس، فهنا لو قلنا لكي يكون المثال صحيحًا، إذن نقول مثلًا: زوجٌ، فهنا سيكون أخذ النصف، فهنا يأخذ الجد السدس، فالباقي للإخوة لأبٍ، هذا تنبيهٌ جيدٌ من الأخ سالم، ذلك مسائل الفرائض دقيقةٌ، فينبغي للإنسان أن يتنبه، ولا يعتمد على أنه فهمها، قد أحيانًا يسهو عن شيءٍ بسيطٍ، يغيِّر المسألة، ويغيِّر مجراها.
هذا إذن به يتضح لك الحالة الثانية من أحوال إرث الجد على ما قسم زيدٌ بن ثابت -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
سنذكر ما ذكر المؤلف من المسألة، وهي المسألة التي تسمى الأكدرية، بعد أن نسمعها من قارئنا.
{قال المصنف: فإن كان معهم ذو فرضٍ، أخذ فرضه، ثم كان للجد الأحظ من المقاسمة، أو ثلث الباقي، أو سدس جميع المال، وولد الأب كولد الأبوين في هذا إذا انفردوا، فإن اجتمعوا عادُّوا، أو عادَّ ولد الأبوين الجد بولد الأب، ثم أخذوا ما حصل لهم، إلا أن يكون ولد الأبوين أختًا واحدةً، فتأخذ النصف وما فضل فلولد الأب، فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس، أخذه الجد، وسقط الإخوة إلا في الأكدرية، وهي: زوجٌ، وأمٌّ، وأختٌ، وجدٌ، فإن للزوج: النصف، وللأم: الثلث، وللجد: السدس، وللأخت: النصف، ثم يُقسم سدس الجد، ونصف الأخت بينهما على ثلاثةٍ، فتصح من سبعةٍ وعشرين، ولا يعول من مسائل الجد سواها}.
"ولا يعول من مسائل الجد سواها"، على كل حالٍ، هذه من المسائل التي فيها شيء من الإشكال.
قبل أن نأتي إليها، وهي مسألة الأكدرية، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وولد الأبوين كولد الأب في هذا إذا انفردوا"، يعني إذا كان مع الجد إخوةٌ لأبٍ، فهم المسائل كما ذكرنا، إذا كان مع الجد إخوةٌ أشقاءُ، فالمسألة على ما ذكرنا، لكن إذا وُجدتْ مسألةٌ فيها جدٌ وإخوةٌ أشقاء، وإخوةٌ لأبٍ، فيقولون في هذه المسائل، في حال القسمة للجد، نعد الإخوة للأب، نعدهم، كأنهم وارثون، ثم إذا جاء التوريث، أسقطناهم وأخذنا الذي لهم، يأخذه الإخوة الأشقاء، في الأصل أنه إذا وجد في أي مسألةٍ إخوةٌ أشقاء، وإخوةٌ لأبٍ، أن الإخوة لأبٍ يسقطون بالإخوة الأشقاء، لكن يقول أهل العلم في مسائل الجد والإخوة، التي حكم فيها زيدٌ بن ثابت -رضي الله عنه-، فإنه حكم أن الجد مع الإخوة لأبٍ، والجد مع الإخوة للأشقاء شيءٌ واحدٌ، فبناءً على ذلك لا يختلف حالهم، في حال أن يكون مع الجد إخوةٌ أشقاء، أو إخوةٌ لأبٍ.
فإذا وجدوا جميعًا مع الجد، فهنا يكون لهم حالٌ في الاعتبار، وحالٌ في الإلغاء، الإلغاء، يعني أنَّا لا نعدهم في حال قسمة المال بين الإخوة، لكن نعدهم على الجد، لكي ننقص ما عنده، أبين هذا لكم بالمثال، يعني مثلًا لو أن عندنا في مسألةٍ، الآن عندنا جدٌ، وأخوان لأبٍ، وأخوان أشقاء، في هذه المسألة، الإخوة لأبٍ، مع الإخوة الأشقاء، لا يرثون، أليس كذلك؟ فبناءً على ذلك جدٌ وأخوان أشقاء سيكون إما المقاسمة أو ثلث المال، أليس كذلك؟ لكن هم يقولون: لا، الجد يعتبر الإخوة لأبٍ، والإخوة الأشقاء بناءً على ذلك، هذه لا يكون للجد إلا إذا كانوا أكثر فله الثلث، قلنا ثلث المال هذه، أليس كذلك؟ فيقولون: عددنا عليه الإخوة لأبٍ، فكان الثلثان لهم، أليس كذلك؟ طبعًا بالباقي، يعني حقيقة الباقي سيكون الثلث، فإذا جاءوا يقسمونه أسقطوا هؤلاء، وتقاسم الإخوة الأشقاء، فهم عدُّوه على الأب، فمنعوه من مقاسمتهم، ثم أخذوا، لكن سأذكر لكم مثالًا أوضح من هذا:
وهو: لو كان جدٌ، وأخٌ لأبٍ، وأخٌ شقيقٌ، فهنا الجد كم سيأخذ؟ عندنا أنه إذا كان أخوين، إما المقاسمة، وإما الثلث، هو الآن سيأخذ، لا خلها أخوين لأبٍ، أحسن، واضح، فهنا ليس له إلا الثلث، والباقي ثلثا المال سيكون لهم، فسيسقطون هم، حسبناه على الجد، فما أعطيناه إلا الثلث، ثم لما جاءت القسمة، أعطيناها الأخ الشقيق، فهو أخذ أكثر من الجد هنا، فهذه من المسائل التي يقولون إنهم يعادُّون به الجد، ثم إذا جاءت القسمة قسموها لهم، ولذلك قال: ثم أخذوا ما حصل لهم.
إلا أن يكون ولد الأبوين أختًا واحدةً، فتأخذ النصف، وما فضل، فلولد الأب، يعني لو كانت أختًا شقيقةً، وإخوةً لأبٍ، فهي تأخذ النصف المتبقي لهم، ثم يأخذون هم الباقي، يعني لو افترضنا مثلًا أن فيه أختٌ وجدٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وخمسة إخوةٍ لأبٍ، فالجد سيأخذ الثلث، ثم هي تأخذ نصف الباقي، الذي هو الثلث، ثم هم يأخذون الباقي.
قال: فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس، أخذها الجد، يعني إذا افترضنا في مسألةٍ ما فيه إلا السدس، يأخذها الجد، ويسقط الإخوة؛ لأن الجد إذا كان مع الابن يأخذ السدس، فمن باب أولى أن لا يسقط مع الإخوة، أو أن لا ينقص حقه عن السدس.
ثم قال: إلا في الأكدرية، هذه مسألةٌ من المسائل يقولون: سميت بالأكدرية؛ لأنها كدَّرت على زيد أصوله، زيدٌ بن ثابت لما قسم مسائل الجد والإخوة، انضبطت، إلا في هذه المسألة، صار فيها إشكالٌ. ما وجه الإشكال في هذا؟
قالوا: إنه عنده أن الجد والإخوة ليس فيها عولٌ، إلا هذه المسألة قد عالت، وهي مسألة: أمٌّ، وجدٌ، وأختٌ، وزوجٌ.
تفصيلها، هو ذكر هذا التفصيل، وذكر طريقة التوريث، إذا كان في المسألة زوجٌ، وأمٌ، وجدٌ، وأختٌ، فالزوج يأخذ النصف، والأم تأخذ الثلث، وهنا بالنسبة لمسألتنا، الجد الأحسن له ماذا أن يأخذ؟ سدس جميع المال، لأنه لو أخذ الثلث الباقي فسيكون قليلًا، فيأخذ سدس المال، ثم تأخذ الأخت النصف، فإذا أخذت النصف عالت المسألة؛ لأنها سيكون جميعها أصحاب فروض، ثم تُقسم بعد العول، فما تحصَّل للجد مع الأخت، يُقسم بينهما، ويكون له ضعف ما لها، ولذلك قال: ثم يُقسم نصف الأخت، وسدس الجد بينهما على ثلاثةٍ، يكون له ضعف ما لها، فيكون له اثنان من ثلاثةٍ، ولها واحدٌ.
على كل حالٍ، لعلنا نذكر هذا، أو نشرحها لكم بالتفصيل في بداية المجلس القادم، ربما كنا أطلنا في مسائل الجد مع الإخوة، فهي من المسائل التي يصعب شرحها، وتوضيحها، خاصةً في مثل هذه اللقاءات العامة، لكن لعل في الإشارة ما يغني عن كثيرٍ من العبارة، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأسأل الله أن يُقِرَّ الفرائض في أذهانكم، وأن يزيدكم من العلم بها، وأن يجعله ذُخرًا لكم يوم تلقونه، إنه ربنا جوادٌ كريمٌ.
شكر الله للإخوة الذين قاموا بنقل هذا الدرس، وللإخوة الذين قاموا على هذا البناء العلمي، بنى الله لهم الخير والهدى في الدنيا والآخرة، وعنَّا معهم، وجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك