السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد.
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل هذا المجلس مجلسًا مباركًا، وأن يرزقنا العلم،
وأن يجعلنا من أهله، وأن يعقبنا العمل، وأن يوفقنا لفعله، وأن لا يزلنا ولا يخزينا،
ولا يضلنا، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات، أيها الإخوة الحاضرون، هذا مجلسٌ من المجالس
المباركة، التي لم تزل تتوالى فيها مسائل طيبةٌ، وأحكامٌ نافعةٌ -بإذن الله عزَّ
وجلَّ-، وها نحن قد أخذنا قسطًا من المسائل المهمة في هذا العلم العظيم، الذي هو
علم الفرائض.
ولعلكم لم يغب عن خيالكم، ما دار في المجلس الماضي على وجه الخصوص، من مسألةٍ مهمةٍ
فيها شيءٌ من الصعوبة، وفيها شيءٌ من الوعورة، وفيها شيءٌ من الاختلاف، يُحتاج
إليها إلى إعمال الذهن، وحضور القلب، حتى يتسنى للإنسان أن يُمسك بباب العلم.
وبين يدي الحديث، وبين يدي إكمال هذه المسألة التي بدأناها، أحب أن أنبه إلى مسألةٍ
مهمةٍ، تتعلق بهذه، وهي أيضًا من المهمات التي يحتاج إليها طالب العلم.
أيها الإخوة في مسيرة الطالب، يتلقى مسائل، ربما كان فيها صعوبةٌ، كهذه المسائل في
باب الفرائض، وكغيرها من أبوابٍ كثيرةٍ من العلم، ولربما علم أو أيقن، أو ظن ظنًا
غالبًا، أنه بمجرد أن يأتي عليه يومٌ، أو أن ينقضي ذلك المجلس، حتى يجد نفسه أنه لا
يُحسنها، فلربما أوحى أو نقول: وسوس إليه الشيطان، أن لا حاجة إلى تعلمها، مادام
أنك تعلم يقينًا أنك تنساها، خاصةً إذا كانت مثل بعض تلك المسائل، قد درسها الإنسان
ونسيها، فتكون أقوى فيه هذه الوسوسة في نفسه؛ لحجبه عن مدارستها.
وهنا أقول لكم أيها الإخوة: لاشك أن هذا بابٌ من أبواب الشيطان، وذلك أنه لم يزل
العلم على هذا النحو، يؤخذ ويُنسى، ويُمسك ويتفلت، فتفلُّته ليس معنى ذلك جهلًا
بالعلم، وذهابًا له، وانتهاءً لحقيقته، لأن الإنسان من طبيعته النسيان، ولكن إذا
تلقى العلم، فهو أسرع ما يكون تذكرًا له، أسهل ما يكون عليه مراجعةً، لذلك الذي
درسه، إذا احتيج إليه، فهو مثل الأرض الطيبة، التي إذا أعيد حرثها تحركت، وإذا أعيد
الحديث عن ذلك المكان، نبتت تلك الزروع، وأثمرت تلك الأشجار، فهكذا مسائل العلم،
لربما ظننت أنها غائبةٌ، أو أنها منسيةٌ، أو أن العهد بها بعيدٌ، أو أن العلم بها
ضعيفٌ، ما إن تحتاج إليها فتراجع وتنقب وتدارس، حتى تجد أنها حاضرةٌ في ذهنك، سهلًا
عليك تحصيلها، بخلاف مسألةٍ لم تتلقها بوجهٍ من الوجوه، فمهما كانت سهولتها، فإنه
إذا أردتَ أن تأتي بها، أو أن تحصِّلها، فلربما حصلتها على غير وجهٍ، ولربما صعب
عليك تحصيلها، وقلَّ أن تتلقاها على وجهٍ صحيحٍ، ولم يكن لك سابقُ عهدٍ لدراستها،
ونظرٍ فيها.
هذه من المسائل التي نستفتح بها درسنا، نسأل الله أن ينفع بها، وهي متعلقةٌ بما نحن
فيه، وهي أيضًا متعلقةٌ بالطالب في كل أبواب الفقه، وميادين العلم، والتعلم.
فلعلنا -بإذن الله عزَّ وجلَّ- أن نعود إلى ما كنا قد بدأناه، وأن نكمل ما كنا قد
شرحناه في بابٍ من أبواب العلم عظيمٍ، وهو باب الجد والإخوة.
أخذنا جملةً من المسائل، إن كان ذلك أصل المسألة من جهة الكلام على إسقاط الجد
للإخوة، أو أن يشاركونه في الإرث، والخلاف بين الصحابة، وعند الفقهاء، ثم انتقلنا
إلى القول على القول بتوريثهم، الذي هو مذهب زيدٍ بن ثابتٍ، كيفية ذلك التوريث، حتى
يكون من المسائل المعلومة، حتى ولو قلنا: إن قول مشاهير الصحابة، أو جمهور الصحابة،
أو أبي بكر، وبعض الخلفاء، على القول بعدم توريثهم، إلا أنَّا محتاجون إلى استحضار
هذه المسائل إذا قيل بها.
لعلنا أن نُكمل -بإذن الله عزَّ وجلَّ-، ونختم أيضًا الحديث عن الجد مع الإخوة في
هذا المجلس، وننتقل -بإذن الله- إلى الذي بعده، فندرس آخر ما في هذا الباب.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين،
والمشاهدين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس، أخذه الجد، وسقط
الإخوة إلا في الأكدرية، وهي: زوجٌ، وأمٌّ، وأختٌ، وجدٌ، فإن للزوج: النصف، وللأم:
الثلث، وللجد: السدس، وللأخت: النصف، ثم يُقسم سدس الجد، ونصف الأخت بينهما على
ثلاثةٍ، فتصح من سبعةٍ وعشرين، ولا يعول من مسائل الجد سواها، ولا يُفرض لأختٍ مع
جدٍّ في غيرها}.
إذن هذه المسألة التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- في نهاية مسائل الجد مع
الإخوة، وهي أنَّا ذكرنا لكم، أن الجد إما أن يرث السدس، أو الثلث الباقي، أو أن
يقاسم الإخوة، وأن العمل في أي مسألةٍ على ما يكون أصلح له وأتم، ويكون أحسن له
وأكمل، فأراد المؤلف -رحمه الله تعالى- أن يقول: فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس
أخذه، وسقط الإخوة، كيف تُسقطون الإخوة، وقد قررتم في أصل الباب أنهم يشاركون الجد؟
قالوا: إن الله -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ
مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]، فقال أهل العلم: إذا
كان الأب والجد يرثان مع وجود فرع الميت، وهو ابنه: السدس، ولا ينقص عن ذلك مع وجود
أولى رجلٍ ذكرٍ، وهو الابن، فمن بابٍ أولى، ألا ينزل إرث الجد عن ذلك السدس، مع
غيرهم، أو مع من هو أبعد من الابن، أو من هو أبعد من ولد الميت، فلأجل ذلك قالوا:
إذا لم يبقَ له إلا السدس أخذه، وسقط الإخوة.
قال: "إلا في المسألة الأكدية"، المسألة الأكدرية، ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى-،
وأيضًا ذكر تفاصيل حكمها، هي: زوجٌ، وأمٌّ، وأختٌ شقيقةٌ، وجدٌّ، فإن للزوج: النصف،
وللأم: الثلث، وللجد: السدس، وللأخت: النصف.
أولًا: لم سميتْ هذه الأكدرية أكدريةً؟
قال أهل العلم: إن هذه المسألة سميت أكدريةً؛ لأنها كدَّرت على زيدٍ بن ثابت أصوله،
يعني لما قال بتوريث الجد مع الإخوة، ثم ذكر كيفية التوريث، انضبطتْ تلك المسائل،
واتسقتْ، ولا إشكال فيها، إلا في هذه المسألة، كيف ذلك؟ ذكروا في هذا ثلاثة أمورٍ:
أولها: أن مسائل الجد والإخوة ليس فيها عولٌ، يعني أن تزيد الفروض عن التركة، فيكون
فيه نقصٌ على الورثة، كلٌّ بحسبه، وسيأتينا ما يتعلق بالعول، إلا هذه المسألة،
فإنها عالتْ، ولذلك قال: فصحتْ من أربعٍ وعشرين، ثم تكون من سبعٍ وعشرين، هذا
واحدٌ.
الثاني: أن الجد مع الإخوة، قلنا: إنه يكون بمثابة الأخ مع الأخت، أليس كذلك؟ فيكون
الإرث سويًّا، ويُنظر بعد ذلك في ما يكون للجد من الأحظ والأحسن، إلا أنه في هذه
المسألة جعلوا للجد فرضًا، وللأخت فرضًا، فكيف أنتم تقولون بأنهم يرثون بجهةٍ
واحدةٍ، أو في حكمٍ واحدٍ، ثم الآن ورَّثتم الجد منفردًا والأخت منفردةً؟ وأيضًا
زادوا أن هذا مُشكلٌ من جهة: كيف تكون للأخت النصف، والجد السدس، فاحتاج أيضًا زيدٌ
بن ثابت -رضي الله عنه- إلى أن لما يأخذ هذا السدس والنصف، يعود بعد قسمة المال،
فيجمع نصيب الأخت، ونصيب الجد، ثم يعيد القسمة بينهما للجد ضعف ما للأخت، فقالوا:
من أنها كدَّرت على زيدٍ أصوله.
نحتاج يا إخوان إلى أن نقسمها.
إذن مسألة الأكدرية ما هي؟
زوجٌ، وأمٌّ، وأختٌ، وجدُّ، وأختٌ، لنقول: أختٌ شقيقةٌ.
الزوج هنا كم يأخذ؟ سيأخذ النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث. الأم كم ستأخذ هنا؟
الثلث، لماذا؟ لأن إرثها الثلث كما سيأتينا -إن شاء الله- بعد قليلٍ، أنها ترث
الثلث بشرطين: عدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود العدد من الإخوة، أو الجمع من
الإخوة.
كان الأصل في مثل هذه المسائل أن يرث الجد مع الأخت، لكن هنا قالوا من أن الجد يأخذ
السدس.
إذا نظرت: نصف، وثلث، وسدس، تمت التركة؛ لأن هذا يصير واحدًا صحيحًا، ومع ذلك أخذت
الأخت الشقيقة النصف، فصارت المسألة من سبعٍ وعشرين، للزوج كم من السبع والعشرين؟
له اثنا عشر، والأم لها الثلث تسعةٌ، لا، لا تأخذ تسعةً من سبعٍ وعشرين، هي تأخذ
الحقيقة من الأصل، نعم إذا قلنا من الأصل، إذا قلنا اثنين وثلاثة وستة واثنين،
بينهم تداخلٌ، وستة في ثلاثة بثمانية عشر، أصل المسألة من ثمانية عشر، الزوج يأخذ
تسعةً، والأم: ستةً، والسدس من ثمانية عشر: ثلاثةٌ، والنصف: تسعةٌ، فصحت بعد ذلك من
سبعٍ وعشرين، تسعةٌ وستةٌ: خمسة عشر. خمسة عشر وثلاثة: ثمانية عشر. ثمانية عشر
وتسعة: سبع وعشرين. إيش لون عالت؟ يعني بدل أن كانت تأخذ تسعةً من ثمانية عشرة يعني
نصف المال، صارت تأخذ تسعةً من سبع وعشرين، الذي هو أقل، يعني ما يقارب مثل ما قلت
ثلث المال، فهذه المسألة عالت.
فبعد أن ترث هذه السهام، فإننا نجمعها، تكون اثني عشر، أليس كذلك، فيأخذ الجد ضعف
ما للأخت، ثمانية، وتأخذ هي أربعةً. هذه المسألة التي سموها المسألة الأكدرية.
وكما قلت لكم: سميت بذلك؛ لأنها عالتْ، وليست في مسائل الجد والإخوة عند زيد بن
ثابت عولٌ، أيضًا أن الجد ورث السدس فرضًا، وهي ورثت نصفًا، وهذا ليس في مسائل الجد
مع الإخوة، والثالث: أنهم جمعوا سهامهم، وأعادوا قسمتها بينهم.
على كل حالٍ، لا نريد أن نطيل عند هذه المسألة.
{قال: ولو لم يكن فيها زوجٌ، كان للأم الثلث، والباقي بين الأخت والجد على ثلاثةٍ،
وتُسمَّى الخرقاء؛ لكثرة اختلاف الصحابة فيها}.
الحقيقة أن هذه يعني لو كان جدٌّ، وأمٌّ، وأختٌ، فكيف يكون إرثهم؟ يقول المؤلف
-رحمه الله تعالى-: إن هذه جرى فيها اختلافٌ كثيرٌ بين الصحابة، ولذلك سميتْ
المسألة الخرقاء.
يقول المؤلف: إن للأم الثلث، والباقي بين الأخت والجد، يعني أن يُقسم الثلثان
بينهما، أما الخلاف فيها، والكلام على ذلك، فربما لو دخلنا فيه، لطال بنا الحديث،
ونحن لا نريد أن نطيل تشقيق أصل هذا الباب عليكم، حسبكم أن تعرفوا خلاف الجد مع
الإخوة، وكيفية التوريث من جهة الأصل، أما المسائل من حيث الإتيان على تفاصيلها،
هذا يحتاج معه إلى جهدٍ، ولعلها أن تكون في مرحلةٍ لاحقةٍ لهذه المرحلة، التي
يكفيكم فيها أصل العلم بهذا الباب.
{قال: ولو كان معهم أخٌ أو أختٌ لأبٍ، صحت من أربعةٍ وخمسين، وتُسمَّى مختصرة زيد.
فإن كان معهم أخٌ آخر من أبٍ صحتْ من تسعين، وتُسمَّى تسعينية زيد}.
هذه أيضًا من المسائل التي ذكروا فيها كلامًا، وهم بعد أن أصَّلوا هذه المسألة،
وردت بعض المسائل التي اختُلف فيها بين الصحابة، وتتابع الخلاف فيها بين أهل العلم،
فذكروها منفردةً؛ لأنها ليست على أصلٍ معينٍ، بل هي قد حُكم في عينها، فتتابع
الفقهاء على نقلها، ونقْلِ الكلام عليها، بخصوصه.
كما قلنا: لو دخلنا الآن في المسألة: أمٌ، وأختٌ، وجدٌّ، وأختٌ لأبٍ، فسنحتاج إلى
كلامٍ طويلٍ، ثم أيضًا زيادة أخٍ آخر من أبٍ، فأيضًا سيطول الكلام، حسبنا أن نعرف
أصل هذه المسائل، وأما هذه المسألة التي ذكروها، ومثلها: أم الأرامل، ونحوها من
مسائل قد ذكروها، ربما قد لا نحتاج إلى دراستها، أو الوقوف عليها؛ لما نحتاجه من
شيءٍ من الاختصار، وأيضًا حتى لا يتشقق بكم النظر في أصل هذا الباب.
{قال: ولا خلاف في إسقاط الإخوة من الأم، وبني الإخوة}.
إذن، لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- مسألة الجد مع الإخوة، فكأنه أراد في نهاية
هذا الباب أن يشير إلى تنبيهٍ مهمٍّ، وهو أن الكلام على الجد مع الإخوة إنما هو
الإخوة الأشقاء أو الإخوة لأبٍ، أما الإخوة لأمٍّ فلا إشكال في أنهم يسقطون بالجد
ولا يرثون مع وجوده، من أين أخذوا ذلك؟ من قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَإِن كَانَ
رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [النساء: 12]، فالكلالة عند أهل العلم: من لا والد
له ولا ولد، فقالوا إن الإخوة لأم يسقطون، ولذلك اتفقوا، يعني محل إجماعٍ على أنهم
يسقطون بالجد، فليس بداخلين في الكلام المتقدم معنا، بل ما تقدَّم إنما هو خاصٌّ
بالإخوة والأخوات الأشقاء والإخوة والأخوات لأبٍ.
قال: "وبني الإخوة"، كذلك بنو الإخوة، الذين هم بنو الإخوة الأشقاء، أو بنو الإخوة
لأبٍ، هم من العصبة من حيث الأصل، لا يدخل الكلام المتعلق بالجد مع الإخوة إنما هو
في الإخوة أنفسهم، أما أبناؤهم فلا شك أنهم يسقطون بالجد، فلو أن مسألةً وُجد فيها
أمٌّ وأخٌ لأمٍّ وجدٌّ، فنقول: الأخ لأمٍّ ساقطٌ، كذلك لو وُجد في المسألة زوجٌ
وجدٌّ وابن أخٍ شقيقٍ، فنقول: الزوج: له النصف والجد: له الباقي، وابن الأخ الشقيق:
سقط، لم سقط مع أنه من الورثة؟ لأن الجد أولى منه وأقرب، والنبي -صلى الله عليه
وسلم- يقول: «فلأولى رجلٍ ذكرٍ» فإذن ليسو مثل آبائهم في كونهم يشاركون الجد أو
يدخلون عليه.
{قال المصنف: فصلٌ، وللأم أربعة أحوالٍ}.
إذن المؤلف -رحمه الله تعالى- أنهى ما يتعلق بالكلام عن الجد، بدأ في إرث الأم، فلو
لاحظتم ترتيب المسائل أنه ذكر أول ما ذكر الأزواج، ثم ذكر الأب الذين هم الآباء
والجد، ثم احتاج إلى الكلام على الإخوة؛ لأن الحديث عنهم تبعٌ للحديث عن الجد، ثم
بدأ في الأم، أو لنقول الأمهات؛ لأنه سيذكر بعد الأم الجدات.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وللأم من حيث إرثها: أربعة أحوالٍ. ما أحوال إرث
الأم؟
{حالٌ لها السدس وهي مع الولد أو الاثنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات، وحالٌ لها
ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين، وهي مع الأب أو أحد الزوجين، وحالٌ لها ثلث المال،
وهي فيما عدا ذلك، وحالٌ رابعٌ وهي: إذا كان ولدها منفيًّا باللِّعان أو كان ولد
الزنا، فتكون عصبةً له، فإن لم تكن فعصبتها عصبةٌ}.
إذن هذه أحوال الأم في إرثها، يعني كأن المؤلف -رحمه الله تعالى- يقول إن الأم لا
تخرج في الإرث من هذه الأحوال الأربعة، فهي إما أن ترث السدس، وإما أن ترث الثلث
الباقي، وإما أن ترث الثلث، وإما أن تكون عصبةً، وسنأتي إليها.
نبدأ بالثلاثة الأُوَل لتداخلها، وأهم ما في هذا وهي أصل ذلك الباب، أن تعلم أن
إرثها إما أن يكون الثلث أو السدس، والثلث الباقي إنما هو في مسألةٍ مختصةٍ سيأتي
ذكرها.
لو أردنا أن نبدأ بإرثها السدس، متى ترث الأم السدس؟ لأنه هو الذي بدأ به المؤلف
وإلا كان بدأنا بالثلث.
بدأ المؤلف بإرثها السدس، قال: "أن تكون مع الولد، أو الاثنين من الإخوة فصاعدًا"،
إذن ترث الأم السدس بأحد حاليْن:
إما أن يكون معها الولد، ماذا يقصد المؤلف بالولد؟ الولد هو الفرع الوارث، وهو ولد
الميت وولد الابن وإن نزل بمحض الذكورية، وكذلك بنات الابن وإن نزل بمحض الذكورية.
والثاني: عددٌ من الإخوة والأخوات، يعني سواءٌ كانوا الإخوة اثنين أو عشرةً، وسواءٌ
كانوا إخوةً أشقاء وأخواتٍ شقائق أو أحدهما، أو كانوا إخوةً لأبٍ أو أخواتٍ لأبٍ،
أو أحدهما، أو كانوا إخوةً لأمٍّ أو أخواتٍ لأمٍّ أو أحدهما، أو كانوا مختلطين،
يعني أخٌ لأمٍّ مع أخٍ لأبٍ أو أختٌ لأبٍ، أو أختٌ لأبٍ مع أختٍ شقيقةٍ، أو أختٌ
شقيقةٌ مع أخٍ لأبٍ، في كل هذه الأحوال ترث الأم السدس.
إذن لعلنا أن نأخذ الأمثلة على ذلك لتتبينوا كيف ترث الأم السدس.
أول مسألةٍ يمكن أن نقولها: زوجةٌ، وأمٌ وابن ابنٍ.
فهنا الزوجة كم تأخذ؟ تأخذ الزوجة الثمن؛ لوجود الفرع الوارث، وهو ابن الابن.
الأم كم تأخذ هنا؟ تأخذ السدس. لماذا أخذت الأم السدس هنا؟ لوجود الفرع الوارث، أو
كما قال المؤلف بعبارته: "وجود ولد الميت"، فولد الميت الذي هو الابن والبنت،
وأولاد الابن، وإن نزلوا بمحض الذكورية، فابن الابن يأخذ الباقي؛ لأنه هو أولى رجلٍ
ذكرٍ.
إذن، محل الكلام هنا، هو في الأم، أخذت الأم السدس؛ لما ذكرنا من وجود الفرع
الوارث.
هنا لو وجد عندنا: زوجٌ، وأمٌّ، وأخوان لأبٍ.
فالزوج كم يأخذ هنا؟ يأخذ النصف، لماذا؟ لعدم وجود الفرع الوارث، أنا دائمًا أقول
لكم في حال التعلم، يجب عليك إذا كتبت، حتى ولو كان واضحًا، يعني إرث الزوج والزوجة
من أوضح الأمور؛ لأنه شرطٌ واحدٌ، بعد ما تكتب، اكتب الشرط؛ حتى يثبت في ذهنك.
الأم هنا ترث ماذا؟ هل تأخذ الثلث؟ لا تأخذ الأم الثلث هنا، لماذا؟ لوجود أخوين،
وقلنا: إنه إذا وجد عددٌ من الإخوة، فإنها ترث السدس، والإخوة لأبٍ هنا يأخذون
الباقي.
من أين قلنا من أن الأم تأخذ السدس؟ لأن الله -عزَّ وجلَّ- قال في المسألة:
﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ
لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: 11]، فإذن اشترطنا عدم وجود الولد لهذه الآية؛ لأن الله
-عزَّ وجلَّ- شرط إرثها السدس، بوجود الولد، ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ
وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [النساء: 11]، إذن هنا وجد
الولد، فلم ترث الثلث، وانتقلت للسدس.
شرط الإخوة لأبٍ، أو الإخوة مطلقًا، لأن الله -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ
إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: 11].
نحتاج إلى مثالٍ آخر؟
لو قلنا هنا: أمٌّ، وأخٌ شقيقٌ، وأخٌ لأبٍ.
فهنا الأم ترث: السدس. والأخ الشقيق: يأخذ الباقي. الأخ لأبٍ: يسقط.
وهنا تتنبهون لمسألةٍ: وهو أن الإخوة يمنعون الأم من الميراث، سواءً كانوا وارثين،
أو غير وارثين. من أين أخذنا هذا؟ مع أن الساقط في الأصل في علم الفرائض أنه لا
يكون مؤثرًا؟ قالوا: من الآية، فإن الله -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ
إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: 11] بعد ذكر الأب، مع أنه مع الأب
سيكونون ساقطين، فأثبت في الآية أنهم يؤثرون على الأم ولو كانوا ساقطين، فمن أجل
ذلك أخذ الصحابة أن الإخوة يحجبون الأم حجب نقصانٍ من الثلث إلى السدس، سواءً كانوا
وارثين أو غير وارثين، أو كان أحدهما وارثًا، والآخر غير وارثٍ. إذن في هذه المسألة
أخذت الأم السدس.
أمٌّ، وبنتٌ، وبنتٌ أخرى.
فالأم هنا تأخذ: السدس. والبنتان هنا يأخذان: الثلثين.
لماذا أخذت الأم السدس؟ نقول: لوجود الفرع الوارث، وأنه إذا وجد الفرع الوارث، فإن
الأم تُحجب من الثلث إلى السدس.
لو كان في المسألة أمٌّ، وأختٌ شقيقةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، وأختٌ شقيقةٌ، يعني ثلاث
أخواتٍ شقائق.
فهنا نقول: الأم هنا تأخذ: السدس. والأخوات الشقائق يشتركن في الثلثين، وسيأتي
طبعًا ما يتعلق بتكملة المسألة.
فإذن هنا الأم انتقلت من الثلث إلى السدس؛ لوجود جمعٍ من الأخوات.
إذن تبين معنا متى تأخذ الأم السدس، والدليل على ذلك، وأنها تأخذ السدس إذا وجد ولد
الميت، الذي هو الفرع الوارث، الفرع الوارث الذي هو ولد الميت، وولد الابن وإن نزل
بمحض الذكورية، قلنا أيضًا تكررون هذا وتحفظونه، وهذا ظاهرٌ في الآية:
﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ
لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: 11] "وَلِأَبَوَيْهِ" المقصود بالأبوين هنا: الأب والأم،
وإطلاق على الأم أبًا في الآية هو من باب التغليب، كما يقال للشمس والقمر: القمران،
وهكذا يقال على سبيل التغليب، وإلا المقصود هي الأم.
إذن، الثاني: إذا كانوا مع عددٍ من الإخوة؛ لدلالة الآية أيضًا، وهو قول الله -عزَّ
وجلَّ-: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: 11].
هنا مسألةٌ، وهو: أن الآية قالت: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: 11] يعني
عددٌ جمعٌ، ومع ذلك في المسائل التي معنا، حُرمت من الثلث، أو حُجبت من الثلث إلى
السدس باثنين، فيقال: أن الحكم في الفرائض باثنين يعتبر جمعًا، وهذا هو الذي قضى به
الصحابة وأجمعوا عليه، فمما يدل على ذلك: أن ابن عباس، وهو قد خالف في المسألة هذه،
ناظر عثمان، أو راجعه فيها، فقال: "كيف تحسب على الأم اثنين والأخوين أو الاثنين
ليسوا في لغة قومك بجمعٍ؟ فقال: كذا حكم من قبل، ولم أكن لأخالفهم" أو كلمةً نحوها،
فدل ذلك على أن الإجماع عند الخلفاء والصحابة منعقدٌ على أن الاثنين جمعٌ في باب
الفرائض، فيحصل بهم الحجب إلى السدس بالنسبة للأم.
ومما يدل لذلك: أن الله -عزَّ وجلَّ- قال في بابٍ آخرٍ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا
وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن
كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾
[النساء: 176]، وقد أجمعوا في هذه الآية أنه لو كان أخٌ وأختٌ، فإنهم يرثون
تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين، مع أن الآية جاءت بالجمع، فدل على أن الاثنين في
باب الفرائض جمعٌ، وهذا حكم الصحابة أجمع.
إذن هذا أول ما يتعلق بإرث الأم للسدس.
الثانية، التي هي ذكرها حالًا ثالثةً، لكن نحن سنقدِّمها؛ حتى يُعلم، يعني تتم
المسألة بسهولةٍ، ولأن المسألة التي بينهما مسألةٌ مختصةٌ، فنذكرها بعد ذلك، وهو:
أن ترث الأم الثلث، وذلك بشرطٍ عدميٍّ، أو بشرطيْن عدمييْن، وهو: عدم وجود الفرع
الوارث، وعدم وجود العدد من الإخوة أو الأخوات، فإذا لم يوجد في المسألة فرعٌ
وارثٌ، ولم يوجد عددٌ من الإخوة، فترث الأم الثلث.
لابد أن نتعلم الاقتصاد، في كل شيءٍ، الاقتصاد أصلٌ في أن الإنسان لا يُسرف، وأن
يستجمع في كل أمرٍ قليلٍ أو كثيرٍ أمر الله -عزَّ وجلَّ-، فمن إكرام النِّعم، سواءً
كانت ورقًا، أو كانت قلمًا، أو كانت شيئًا حقيرًا، أو كبيرًا، ألا يتجاوز فيها، وقد
تجاوزنا في الصفحات السابقة، أسأل الله أن يعفو عنا.
لو قلنا هنا: أمٌّ، وزوجٌ، وعمٌّ شقيقٌ.
فنقول: للأم هنا ورثت الثلث. الزوج هنا يرث: النصف. والعم يأخذ: الباقي.
لماذا ورثت الأم هنا الثلث؟ نقول: لاكتمال الشروط، وهما: عدم وجود فرعٍ وارثٍ في
المسألة، وعدم وجود عددٍ من الإخوة.
لو كان عندنا: أمٌّ، وابن بنتٍ.
فكم تأخذ الأم هنا؟ كما قلنا كل واحدٍ منكم معه ورقةٌ ويكتب، ويحاول يحل قبل أن
أحل، ينظر، هل هو حلٌّ صحيحٌ أو لا؟.
فنقول الأم هنا تأخذ الثلث أو السدس؟
{الثلث}.
وهذا ابن بنتٍ؟
نقول: إذن هذا فرعٌ غير وارثٍ، فبناءً على ذلك لا يؤثر، فتأخذ الأم الثلث.
ماذا يُفعل ببقية المال، سيأتي ما يتعلق بمسائل الرد وغيره.
المهم هنا أخذت الأم الثلث؛ لاكتمال الشروط، وهو: عدم وجود عددٍ من الإخوة، وعدم
وجود الفرع الوارث.
لو وجد عندنا: أمٌّ، وعشرة أبناء أخٍ شقيقٍ.
فهنا كم تأخذ الأم؟
{تأخذ الثلث}.
لماذا تأخذ الثلث؟
{لأن أبناء الأخ ما يؤثرون}.
أبناء الأخ ليسوا إخوةً، والمؤثر على الأم هم: الإخوة، فنقول: إذن تأخذ الأم الثلث؛
لاكتمال الشروط، وهو: عدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود العدد من الإخوة، وأبناء
الإخوة يأخذون الباقي.
إذن لم يؤثر أبناء الإخوة؛ لأن الذي يؤثر على الأم هم: الإخوة والأخوات، وهؤلاء
أبناؤهم ولا تعلُّق لهم بها، ولا أثر لهم عليها.
إذن هذه هي الحال الثانية من أحوال الأم.
فإرث الأم للثلث، هذا ظاهرٌ في الآية ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: 11]، فاشترطت في الآية عدم وجود الابن،
حتى ترث الثلث، وأيضًا جاء في الآية: ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ﴾ [النساء: 11] فدل على أنها تنتقل من الثلث إلى السدس، لوجود الإخوة،
فإذا لم يوجد إخوةٌ، أو وجد واحدٌ، فإنه لا يمنعها من أن تأخذ الثلث.
إذن لو كان عندنا: أمٌّ، وأخٌ شقيقٌ.
فهنا الأم تأخذ الثلث، لماذا مع وجود الأخ؟ نقول: هنا أخٌ واحدٌ منفردٌ لا يؤثر، لا
يؤثر عليها إلا الإخوة الأشقاء، أو العدد من الإخوة، هم الذين يؤثرون عليها.
الحالة الثالثة ما هي؟ التي ذكرها عندكم في الكتاب، الحالة الثانية: وهي الثلث
الباقي.
هاتان مسألتان قد حكم فيهما عمر، فتسمى بالعمريتين، وهي: حالٌ مختصةٌ بالأب، وهي:
زوجةٌ، وأمٌ، وأبٌ.
الزوجة هنا أخذت: الربع، أهل العلم يحكمون للأم، يقولون: لو وضعنا لها الثلث، لكان
لها أكثر من الأب، فلأجل ذلك قالوا من أنها تأخذ هنا الثلث الباقي، ويأخذ الأب
الباقي، فتكون المسألة من أربعةٍ، للأم الربع، وهو واحدٌ، ثم الثلث الباقي، كم
الثلث الباقي؟ يعني كم يكون من ثلاثةٍ؟ يكون أيضًا واحدًا، يعني تأخذ واحدًا مما
بقي بعد أخذ الزوجة، هذا هو المقصود بالثلث الباقي، يعني بعد أن تأخذ الزوجة ربعها،
فإن الأم تأخذ الثلث الباقي، وهو واحدٌ من ثلاثةٍ، ويأخذ الأب اثنين.
قالوا: لأن الله -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: 11]، فإذن قالوا: إن تعلق الأم بالثلث
إنما هو بالأب، فهي تأخذ الثلث بعده، فبناءً على ذلك قالوا إنه هو ثلث الباقي، وهذا
حكمَ فيها جمهور الصحابة، وتبعوا عمر فيها، وخالف في ذلك ابن عباس، فجعلها على
الأصل. إذن هذه هي المسألة الأولى.
والمسألة الثانية: زوجٌ، وأمٌّ، وأبٌ.
فالزوج كم له؟ النصف؛ لعدم وجود الفرع الوارث، الأصل للأم أيضًا أن تأخذ الثلث،
لماذا؟ لعدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود عددٍ من الإخوة، والأب سيأخذ الباقي، لو
نظرت إلى المسألة، الزوج سيأخذ النصف، وهي الثلث، سيكون للأب السدس، يعني أقل مما
للأم، والأصل أن يكون ضعفها، فلذلك قالوا من أنها تأخذ الثلث الباقي، فبناءً على
ذلك المسألة من ستةٍ، يأخذ الزوج ثلاثةً، الذي هو نصف المال، ثم يبقى ثلاثةٌ، فإذا
كانت تأخذ الثلث الباقي، كم ثلث الثلاثة؟ واحدٌ، وسيأخذ الأب اثنين.
فهذه قالوا: إنها تُسمَّى العمريتان؛ لأن عمر حكم فيهما، فتبعه الصحابة في ذلك،
وتبعه أهل العلم، فهي مسألةٌ محفوظةٌ بخصوصها، وتُقسم بهذه القسمة، فلأجل ذلك جعلها
المؤلف -رحمه الله تعالى- قسمًا مختصًا، أو حالًا من أحوال الأم.
الحالة الرابعة: وهي إذا كان ولدها منفيًّا بلعانٍ، تعرفون اللِّعان؟ اللِّعان بين
الزوجين جاء ذكره في كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، وهو: أن يقذف الرجل امرأته -نسأل الله
السلامة والعافية-، ثم يُدرأ عنه الحد، بأن يتلاعنا، فيلعن نفسه أربع مراتٍ، ويشهد
على نفسه في الخامسة أنه صادقٌ في ما رماها به، وهي تشهد أربع شهاداتٍ، أو تلعن
نفسها أربع لعناتٍ أنه كاذبٌ، وفي الخامسة تشهد أنه من الكاذبين، وإذا كان فيه
ولدٌ، فيمكن أن ينص على نفيه، فإذا نفاه فإنه ينتفي عنه، فيكون الولد لأمه، فبناءً
على هذا: إذا مات هذا الولد، الأب قد نفى نسبه، فلا ينتسب الآن الابن إلى أبيه، فمن
الذي يرثه؟
المؤلف -رحمه الله تعالى- يقول: إذا كانت المرأة قد تلاعنت مع زوجها، فالولد منفيٌّ
في ذلك اللِّعان فتكون هي عصبته.
وهذا القول الذي اختاره ابن قدامة -رحمه الله تعالى- هو قول لبعض الفقهاء، ونُقل عن
ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وإن كان جمهور الصحابة، عليٌّ وغيره، وابن
عمر، وابن عباس أظن، ثلاثة، ونُقل عن غيرهم، أنهم يقولون: إنها هي ترث فرضها، لكن
مَن يكون عصبته؟ هم عصبتها.
فإذن، هل هي العصبة وعصبتها بعدها؟ أو أنها تأخذ فرضها وعصبتها هم الذين يأخذون
باقي المال، على خلافٍ بين أهل العلم.
المؤلف اختار أنها عصبةٌ؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث: أن المرأة ترث في ثلاثةٍ،
ومن ذلك: ابنها الذي لاعنت عليه، وجاء في هذا بعض الآثار، لكن على كل حالٍ، جرى في
السُّنة الصحيحة، في الحديث الذي في البخاري ومسلم، أنه ينقطع توارثه مع والده، وأن
أمه تأخذ فرضها الذي كتب الله لها، فيؤخذ من هذا النَّص، أن المرأة إنما تأخذ فرضها
الذي هو الثلث، أو السدس، ثم بعد ذلك عصبتها يأخذون بقية المال.
لعلنا -بإذن الله عزَّ وجلَّ- أن نمثِّل لهذه المسألة في مستهل المجلس القادم -بإذن
الله عزَّ وجلَّ-؛ لأنه لم يبقَ في الوقت شيءٌ، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد،
وأسأل الله أن يجزيكم خيرًا، وأسأل الله أن يُقِرَّ هذا العلم في أذهانكم، وأذهان
الإخوة المشاهدين والمشاهدات، وأن يزيدكم له فهمًا، ونظرًا وحسابًا وسهولةً
وتوفيقًا، كما أسأله -عزَّ وجلَّ- أن يجزي الإخوة الذين أقاموا هذا المعين الطيب من
العلم، أن يقيم الله لهم كل خيرٍ، وأن يجزيهم كل خيرٍ، وأن يعقبهم في ذلك التوفيق
في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.