الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

7803 24
الدرس الحادي عشر

عمدة الفقه (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد.
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم من العالمين وعباده المخلصين، وأوليائه المتقين، وأن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يجعله بلغةً لنا في الدنيا، وزادًا لنا يوم نلقاه في الآخرة، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
أيها الإخوة المشاهدون، أيها الإخوة الحاضرون، ما أحسن أن نلتقي! وما أحسن أن يكون ذلك في بابٍ من أبواب العلم! وفي مجلسٍ من مجالسه، نستقي من معين كتاب الله -جلَّ وعلَا- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونتعلم ما سطَّره علماء الإسلام والفقهاء الأعلام -عليهم من الله جلَّ وعلَا الرحمة- ونسأل الله أن يتولاهم بفضله ومنِّه وكرمه إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
أيها الإخوة بين يدي الحديث كما اعتدنا في كل مجلسٍ، إشارةٌ لطيفةٌ إلى ما ينبغي لبعض أحوال طالب العلم، طلب العلم لا يكون إلا بجهدٍ جهيدٍ، ولا يقبل معه شريكةً، فمن أراد العلم وأراد غيره فإنه لا يكاد يحصله، ومن التفت إلى الدنيا فإنه يوشك أن يعرض عن العلم والآخرة، فالعلم من طلبه رامه، ومن قصده وتوجه إليه، فإن ذلك يفضي أو يحتاج منه إلى جهدٍ جهيدٍ وعملٍ كثيرٍ، ومن أهم ما يكون في ذلك أن المرء يتخلص من الدنيا وزهرتها، وأما من أراد أن يكون مثل هذا ومثل هذا ومثل هذا، ثم أراد أن يكون مع ذلك عالمًا وطالب علمٍ، فإنه لا يكون.
تمنيتَ أن تمسي فقيهًا وناظرًا
بغير عناءٍ والجنون فنون

ويقول بعضهم:
إنما الفقيه هو الفقير وإنما
راءُ الفقيه تجمعت أطرافها

فالفقر والفقه قرينان، فمن طلب العلم فليرض من الدنيا بالقليل، ولذلك كان هذا سمتَ أهل العلم المتقدمين، لا يكادون يجدون إلا قِوام عيشهم، حتى أن جملة محمد بن نصر الماروزي ومعه من معه جلسوا مدةً لا يجدون ما يأكلون، وإنه وُجد عند بعض السلف أيضًا أنه وَجد زيادةً في طعمةٍ فاشتروا بها سمكةً، فأرادوا أن يطبخوها فلم يجدوا في ذلك وقتًا، كلما عنَّ لهم وقت فإذا فيه ما يشغلهم من العلم والمراجعة، حتى أنها تعفنت قبل أن يطبخوها.
وجاء أيضًا في هذه الطبقة ربما بقي اليوم واليومان في بيته لا يخرج منه؛ لأن ليس عنده إلا ثوبٌ واحدٌ وقد غسله ينتظر حتى يذهب ماؤه وحتى يمكن لبسه.
إذا كان الأمر كذلك فهذا مما يعوزنا ويحوجنا أن نتذكر هذه الحالة، فمن فتح الله له ويسَّر عليه، فهذا خيرٌ إلى خيرٍ، وقد تحقق في حقه ما لم يتعلق بغيره من المسئولية والأمانة من الانخراط في العلم والإقبال عليه، ومن كان دون ذلك فمادام أنه يجد ما تقوم به أموره الضرورية، فليعرض عما سواها وما يلحقه بعد ذلك من الفلاح والنجاح والخيرية والرحمة والفضل والأثر، شيءٌ لا يكاد يقاربه فيه أحدٌ، ولذلك كان بعض مشايخنا يقول كلمةً لطيفةً، يقول: إذا تذكرتم أحمد بن حنبل والإمام الشافعي ومالك وأبا حنيفة ومن في طبقتهم، وقل مثل ذلك في أئمةٍ كثيرين على اختلاف البلدان والأمصار والمذاهب والفنون في العلم، فإنك لا تكاد تجد واحدًا منهم إلا مسَّه من بلايا هذه الدنيا وشدتها، وفي ذلك الوقت كان يوجد الوجهاء والتجار والأثرياء وأصحاب الشهوات وأصحاب الرغبات، ومن تمتع بمتعٍ لم يتمتع بها غيره، فأين هؤلاء؟ وأين هؤلاء؟ هؤلاء قد ذهبوا وانتهوا ولربما كانت نهايتهم في الدنيا قبل انتهائهم منها، وربما كان تبعتهم في إبان حياتهم عظيمةً وبعد مماتهم أشد وأعظم، وأما علماء الإسلام، فما من مجلسٍ إلا ويُذكرون، ولا من حلقةٍ إلا ويدعى لهم ويُترحم عليهم، وهذه كتبهم بالعلم ناطقةٌ وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم متفحصةٌ ومتفقهةٌ، وبقي لهم من الآثار وبقي لهم من المجد، وبقي لهم من الخير، وبقي لهم من العلم الذي يدر عليهم ويجري أعمالهم ما هو أعظم من الدنيا برمتها، فلله كما أُحصي لهم من الدرجات والرحمات، وكم اقتُدي بهم في تصحيح عبادةٍ وصحة معاملةٍ وقيام أسرةٍ وبقاء حقٍّ وانتهاء منكرٍ، وأشياءٍ كثيرةٍ لا يحصيها إلا الله -سبحانه وتعالى-، فمن رام الخير العظيم فليعمل، فإنما هذه دار علمٍ، وليجتهد ولا يكتفي بالقليل، فإن الدنيا زائلةٌ والآخرة آتيةٌ، وإنما الأعمال الطيبة باقيةٌ، وما يكون وبالًا على الإنسان، فإنه سيكون عليه أعظم بلاءً عند لقائه لله -جلَّ وعلَا-.
نعود إلى درسنا لئلا يطول بنا الحديث، أيضًا حتى يمكننا أن نأتي على ما نريد الإتيان عليه، لعلكم تتذكرون وكذا الإخوة المشاهدون ما مر بنا في مجلسٍ ماضٍ، وهو ما يتعلق بالإرث الزوج والزوجة، أليس كذلك؟ ومر بنا أن الزوج يستحق النصف بشرطٍ واحدٍ عدميٍّ وهو عدم الفرع الوارث، ويستحق الربع بشرطٍ واحدٍ وجوديٍّ، وهو وجود الفرع الوارث، وقلنا إن الزوجة كذلك تستحق الربع بشرطٍ واحدٍ عدميٍّ وهو عدم الفرع الواحد، وتستحق الثُمن بشرطٍ واحدٍ وجوديٍّ، وهو وجود الفرع الوارث، وقلنا إن الزوجة كانت واحدةً أو كانت معها أخرى أو كن ثلاثًا أو أربعًا ففرضهن واحدٌ وهو الثُمن أو الربع يشتركن فيه ويتقاسمنه بينهن، هذا قد مر بنا وانتهى، ولعلكم أن تتذكروا الفرع الوارث، لأنه سيتكرر معنا كثيرًا، عرفتم الفرع الوارث من الفرع غير الوارث، أو أبينه لكم على السبورة.
أنا أبينه لكم، قلنا إن الفرع الوارث هو:
ولد الميت، وولد الابن وإن نزل بمحض الذكورية، قلنا إذًا هنا، ولد الميت، الولد يشمل الذكر والأنثى، وولد الابن كذلك، وهنا الابن يختص بالذكر، واضحٌ؟، فبناءً على ذلك قلنا: بنت الميت هذه فرعٌ وارثٌ، ابن الميت فرعٌ وارثٌ، هذا واضحٌ ابن وابنة الميت، لكن من يتسلسل منهم؟ ابن الابن، ابن ابن الابن، ابن ابن ابن الابن، ومثل ذلك أيضًا من ابن الميت يتفرع بنت الابن، وبنت ابن الابن، وبنت ابن ابن الابن، هؤلاء كلهم فروعٌ وارثةٌ، أما ما تفرع من بنت الميت فلا يكون فرعًا وارثًا، البنت، ابن البنت، بنت البنت، ابن ابن البنت، أو ابن بنت البنت، أو بنت ابن بنت الابن، هؤلاء كلهم فروعٌ ليست وارثةً، ومثل ذلك بنت البنت أو بنت بنت البنت، أو بنت ابن البنت.
يمكن أن نوضحه أيضًا بطريقةٍ ثانيةٍ وهو نقول: ولد الميت، لماذا نوضح هذا؟ لأهميته، ولد الميت يشمل الابن والبنت، هذا كله فرعٌ وارثٌ، هنا بنت أو ابن نقول، فهذا ابن الابن يكون فرعًا وارثًا، بنت الابن فرعٌ وارثٌ، أما من تفرع من هنا بنت أو ابن وإن نزل كله فرعٌ غير وارثٍ، هذا ما تفرع منه أيضًا ابن وبنت كله فرعٌ وارثٌ، وأما بنت الابن فابن أو بنت هذا فرعٌ غير وارثٍ انقطع، أما هذا فرعٌ وارثٌ، ما تفرع من هذا ابن ابن أو بنت هذا فرعٌ وارثٌ، وما تفرع من البنت من ابن أو بنت هذا فرعٌ غير وارثٍ، هذه صورةٌ أيضًا من توضيح هذه المسألة لأهميتها، لأنه سيأتينا منها في كل الفروض ما يتعلق بفهم الفرع الوارث.
إذا تبينا هذا، فمعنى ذلك أن الأمور -إن شاء الله- جيدةٌ ويمكنا أن ننتقل بسلامٍ إلى ما ذكره المصنف في مجلس هذا اليوم.
{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمشاهدين، قال المؤلف -رحمه الله-: فصل، وللأب ثلاثة أحوالٍ: حالٌ له السدس وهي مع ذكور الولد، وحالٌ يكون عصبةً وهي مع عدم الولد، وحالٌ له الأمران مع بنات الولد}.
إذا هذا تأملوا هذان سطران يسيران، ومع ذلك يشتملان على كل أحوال الأب في التوريث أو في الميراث، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: له ثلاثة أحوالٍ، أي يرث الأب بواحدةٍ من حالٍ من الأحوال الثلاثة، فنقولها على سبيل الإجمال، ثم نعيدها على سبيل التوضيح والتفصيل، فإما أن يرث السدس وهي مع ذكور الولد، وإما أن يكون عصبةً وهو مع عدم الفرع الوارث، والحالة الثالثة: أن يرث بهم جميعًا، يعني بالسدس مع التعصيب وهو مع إناث الفرع الوارث.
فإذًا نأتي إلى الحال الأولى، وهي حال السدس، طبعًا الكلام هنا على طريقة المؤلف -رحمه الله تعالى- في أنه ذكر كل وارثٍ وأحواله بتنوعها، وهذه طريقةٌ من طرائق من يشرحون علم الفرائض، وبعضهم يبين أول شيءٍ استحقاق الفروض، ثم يبين استحقاق التعصيب لمن يرث بفرضٍ أو تعصيبٍ، لكن الفقهاء أكثرهم على هذا، وهذا أيضًا لطيفٌ في أن يجمع لك ما يتعلق بهذا الوارث بكل تفاصيله.
في الحالة الأولى: إذًا أن يرث الأب فرض السدس، متى يرث الأب فرض السدس؟ أن يكون للميت فرعٌ وارثٌ (ذكرٌ)، لابد أن تجعلها بين قوسين، أن يكون فرعًا وارثًا ذكرًا، إذا مات ميتٌ عن أمٍّ وأبٍ وابنٍ، فالأم لها السدس، والأب له السدس، والابن هنا يكون له التعصيب، لأن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: 11]، فهنا لما كان له ولدٌ وهو فرعٌ وارثٌ وهو الابن، هنا استحق الاب فرض السدس، لو هلك هالكٌ عن أبٍ وابن ابنٍ، فهنا كم يأخذ الأب؟ نحن قلنا يستحق السدس إذا كان في المسألة فرعٌ وارثٌ ذكرٌ، الآن ابن الابن بحسب ما أخذنا هنا هو فرعٌ وارثٌ أو ليس بفرعٍ وارثٍ؟ هو فرعٌ وارثٌ، إذًا انطبق الشرط الذي ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا، فبناءً على ذلك نقول من أن للأب السدس وابن الابن له الباقي، يحتاج إلى أمثلةٍ، نمثل بمثاليْن مكتوبيْن لأن الأمثلة مفيدةٌ لكم.
لو قلنا في هذه المسألة: استحقاق الأب لفرض السدس، هذه مسألةٌ، أبٌ، وابنٌ، وأبٌ، وابن بنتٍ، وهذا أبٌ وزوجٌ وابنٌ، وهنا أبٌ، وزوجةٌ وابنٌ قاتلٌ، فهنا أبٌ وابنٌ، كيف تقسمها؟ وكم يستحق الأب هنا؟ نقول: هنا دائمًا إذا كنتَ تريد أن تتعلم فلابد أن تعيدَ الكلام كاملًا حتى لو كنتَ تعرفه، الأب هنا يستحق السدس لوجود الفرع الوارث الذكر، فهنا يستحق الأب السدس، وهنا الابن يأخذ الباقي، هذه المسألة تعصيبًا، الباء دليلًا على أنها الباقي هذه دائمًا يعبر بها الفرضيون.
أبٌ وابن بنتٍ، هنا الأب كم يأخذ؟ هل يأخذ السدس أو لا يأخذ السدس في هذه المسألة؟ لا، يأخذ السدس، لأن ابن بنتٍ، هل هو فرعٌ وارثٌ ذكرٌ، هنا فرعٌ ذكرٌ غير وارثٍ، فهو ساقطٌ في هذه المسألة فبناءً على ذلك الأب يأخذ التعصيب، فلم يأخذ الأب هنا السدس، لماذا؟ لعدم وجود الفرع الوارث هنا الذكر.
أبٌ وزوجةٌ وابنٌ قاتلٌ، الأب هنا كم يأخذ؟ طبعًا هنا الابن فرعٌ وارثٌ أم غير وارثٍ؟ هو في الأصل فرعٌ وارثٌ لكن به صفةٌ من صفات المنع من الإرث وهو أنه قاتلٌ، فوجوده كعدمه، لأنه لن يرث شيئًا، فبناءً على ذلك الأب هنا لم يأخذ السدس بل يأخذ التعصيب، والزوجة أيضًا تأخذ الربع، لأن الابن هنا قاتلٌ فلم يرث ولن يكون مؤثرًا.
هنا أبٌ وزوجٌ وابنٌ، الأب كم يأخذ؟ يأخذ السدس لوجود الفرع الوارث وهو الابن، والزوج كم يأخذ؟ يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث وهو الابن، والابن يأخذ الباقي، واضح الآن كيف يستحق الأب فرض السدس، هذا إذًا ما يتعلق بالحال الأولى.
إذًا هذه الحال الأولى، أن الأب يرث السدس بشرط وجود الفرع الوارث الذكر، لو أننا مثلنا بمسألةٍ أخرى، فقلنا: أبٌ وابن ابن ابنٍ، فهنا الأب كم يأخذ؟ يأخذ السدس، وابن ابن الابن يأخذ الباقي، لماذا ورثنا الأب السدس؟ لوجود الفرع الوارث الذكر.
الحال الثانية للأب: وهو أن يكون وارثًا بالتعصيب، وهذا شرطها ما هو؟ عدم وجود الفرع الوارث، فإذا لم يوجد الفرع الوارث، فإن الأب يأخذ الباقي.
ما مثال ذلك؟
هلك هالكٌ مثلًا عن جدةٍ وأبٍ، نقول الأب هنا يأخذ التعصيب، والجدة تأخذ السدس.
هلك هالكٌ عن ثلاث زوجاتٍ وأبٍ، نقول الثلاث زوجات يأخذن الربع لعدم وجود الفرع الوارث، الأب هنا يأخذ الباقي، لعدم وجود الفرع الوارث، لماذا يأخذ الباقي؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ»، وهو في مثل هذه المسائل أولى رجلٍ ذكرٍ.
إذًا متى يكون عصبةً؟ عند عدم الولد، نحتاج إلى بعض الأمثلة، نريكم إياها، الفرائض كلها أمثلةٌ وكتابةٌ، والله يعين الإخوة المشاهدين ويعينكم، ويعين المخرج نتعبه.
إذًا الحالة الثانية: أن يكون إرثه تعصيبًا، لو قلنا هنا جدةٌ وأبٌ، وهنا زوجتان وأبٌ وابن بنت ابنٍ، وهنا أمٌّ وأبٌ وعمٌّ شقيقٌ، وهنا زوجٌ وأبٌ وابن أخٍ، فهنا المسألة الأولى الجدة أخذتم طبعًا ما يتعلق بها، تأخذ السدس لعدم وجود الأم، الأب هنا كم يأخذ؟ يأخذ الباقي، هل يأخذ السدس، لأنك أول ما درست السدس، لا يأخذ السدس، لماذا؟ لأن شرط أخذه للسدس أن يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ ذكرٌ، وهنا ليس فيه، فإذًا يأخذ الباقي لأن شرط إرثه للباقي، عدم وجود الفرع الوارث، وهذه مسألةٌ ليس بها فرعٌ وارثٌ.
المسألة الثانية: أمٌّ وأبٌ وعمٌّ شقيقٌ، الأم تأخذ هنا الثلث، لأن أخذها للثلث مشروطٌ بعدم الفرع الوارث وعدم وجود عددٍ من الإخوة، الأب هنا كم يأخذ مع وجود العم؟ إذًا العم لا أثر له، الأب كم يأخذ؟ يأخذ الباقي، لماذا؟ لوجود الشرط وهو عدم وجود الفرع الوارث، أما العم الشقيق فإنه يسقط في هذه المسألة.
زوجتان وأبٌ وابن بنت ابن، الزوجتان كم تأخذان؟ يأخذان الربع، لماذا؟ لأن هذا فرعٌ غير وارثٍ، فبناءً على ذلك يأخذان الربع، الأب كم يأخذ هنا؟ يأخذ الباقي تعصيبًا لأن هذا أيضًا فرعٌ غير وارثٍ، فتحقق إرثه للتعصيب وهو أن لا يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ.
زوجٌ وأبٌ وابن أخٍ، الزوج كم يأخذ؟ النصف، وابن الأخ ليس فرعًا وارثًا، هو من الحواشي، وبناءً على ذلك يأخذ النصف، الأب كم يأخذ؟ يأخذ الباقي تعصيبًا؛ لأن الشرط متحققٌ، نقول: وهو عدم وجود الفرع الوارث، فبناءً على ذلك يسقط ابن الأخ، هذه الحال الثانية من أحوال إرث الأب للتعصيب، وهو الباقي.
إذن أخذنا الحال الأولى، وهي أن يرث السدس، وهي في حال وجود فرعٍ وارثٍ ذكرٍ.
الحالة الثانية: أن يرث بالتعصيب، وشرط ذلك: أن لا يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ، فيستحق التعصيب.
الحالة الثالثة: أن يرث بهما جميعًا، الضمير في قوله: وحالٌ له الأمران مع إناث الولد، ما يقصدون بالأمريْن؟ يعني أنه في المسألة نفسها يرث بالفرض والتعصيب، وذلك شرطها: أن يكون في المسألة فرعًا وارثًا (أنثى) أو بعبارةٍ أصح أو أقوم، أن يكون الفرع الوارث من الإناث، ففي هذه الحالة يرث بالفرض والتعصيب في آنٍ واحدٍ، لماذا يرث بالفرض؟ يقولون: فإنه منطبقٌ عليه قول الله -جلَّ وعلَا-: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: 11]، والولد يشمل الذكر والأنثى، فإذن في هذه المسألة إذا كان فيها بنتٌ، هو له السدس؛ لأن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾، فلما كان له ولدٌ من الإناث استحق السدس، طيب لماذا ورَّثتموه بالتعصيب أيضًا؟
قالوا أيضًا: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي، فلأولى رجلٍ ذكرٍ»، وهو أولى رجلٍ ذكرٍ، فيستحق بالتعصيب، ففي هذه المسألة يرث الأب بحالين في آنٍ واحدٍ، وهو بالفرض والتعصيب.
قبل أن نقوم أكرر لكم بعض الأمثلة ثم نقوم لحلها كما تعوَّدنا.
يعني لو قلنا مثلًا: هلك هالكٌ عن: زوجةٍ، وأبٍ، وبنتٍ؟ الزوجة كم تأخذ؟
{تأخذ الربع}.
من يقول الربع؟
تأخذ الثمن هنا، لماذا؟
{لوجود الفرع الوارث}.
لوجود الفرع الوارث، الأب كم يأخذ هنا؟
{السدس}.
نقول: يستحق السدس، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث من الإناث، ثم يأخذ الباقي تعصيبًا، وأما البنت فتأخذ النصف.
فإذن في هذه المسألة ورث الأب بالفرض والتعصيب، وهي ثالث أحواله التي ذكرها المؤلف هنا، وذلك لأنه اشترط لإرثه بالفرض والتعصيب، أن يكون في المسألة فرعٌ وارثٌ من الإناث، فيستحق الفرض للآية، ويستحق التعصيب للحديث.
لو كان عندنا: أبٌ، وبنت ابنٍ، وابن ابن بنتٍ، فالأب كم يأخذ هنا؟
{السدس فرضًا}.
أكيد؟
{يأخذ السدس}
يأخذ السدس، لماذا؟
{لوجود الفرع الوارث}.
لوجود الفرد الوارث من الإناث، وأما هذا فهو فرعٌ غير وارثٍ، فلا نقول فيه فرعٌ وارثٌ ذكرٌ، لماذا؟ لأن هذا فرعٌ غير وارثٍ، هذا ابن ابن بنتٍ، فرعٌ غير وارثٍ، فاستحق السدس، ويضم إليه التعصيب؛ لأنه أولى رجلٍ ذكرٍ، وبنت الابن تأخذ النصف.
لو وجد عندنا هنا مثلًا ابنٌ، وبنتٌ، وأبٌ؟
{الأب يأخذ السدس}.
الأب يأخذ السدس، والباقي؟
هنا يأخذ السدس لا إشكال، لماذا؟ لأن أخذه للسدس مشروطٌ بوجود الفرع الوارث من الذكور أو الإناث، فهنا أخذ السدس، لكن لما لا نقول يأخذ الباقي؟ نقول: لأن في المسألة فرعٌ وارثٌ ذكرٌ، فبناءً على هذا سيأخذان جميعًا الباقي تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين.
لو كان عندنا أبٌ، وابن أو بنت بنتٍ؟
فهنا نقول الأب كم له؟
هنا يأخذ المال كله؛ لأن بنت البنت ليست فرعًا وارثًا من الإناث، بل هي فرعٌ غير وارثٍ، فيأخذ المال كله.
إذن هذه المسائل التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- في ما يتعلق باستحقاق الأب.
إذا ضبطتها فقد ضبطتَ أحوال إرث الأب كلها، طبعًا لا تتصور أن الأب يسقط في مسألةٍ من المسائل، لا الأب، ولا الابن، ولا البنت، ولا الزوج، ولا الزوجة، ولا الأم.
هم يقولون: خمسةٌ لا يسقطون، لأن طبعًا الزوج والزوجة لا يجتمعان، الزوج أو الزوجة واحدٌ، والابن والبنت، والأب والأم، لا يسقطون في أي مسألةٍ من المسائل، إلا أن يكون بهم مانعٌ من موانع الإرث.
هذا إذن ما يتعلق بإرث الأب، والأحوال الثلاثة على توضيحٍ يسيرٍ، أو توضيحٍ سهلٍ بسيطٍ، لكم، وأرجو أن يكون نافعًا.
{قال المصنف -رحمه الله-: والجد كالأب في أحواله}.
"والجد كالأب في أحواله" يكفيكم هذه المسألة، هذه تشتمل كل المسائل التي تقدَّم ذكرها، فيمكننا أن نقول في ذلك: إن الجد كالأب في الأحوال الثلاثة المتقدمة، أنه قد يرث السدس، وقد يرث التعصيب، وقد يرث السدس والتعصيب في آنٍ واحدٍ، لكن يختلف الجد عن الأب بأن الجد يشترط في إرثه أن لا يوجد الأب، فلو وجد الأب، فإن الأب هو المستحق، والجد يكون ساقطًا.
مَن الجد الذي يقصدونه بالإرث هنا؟ ليس كل جدٍّ، وإنما يقصدون بذلك الجد الصحيح، وهو أبو الأب، وإن ارتفع بمحض الذكورة، أما أبو الأم، فهو ساقطٌ، وأبو أبي الأم ساقطٌ كذلك وما ارتفع منه، وأبو أم الأم كذلك ساقطٌ، وأبو الأب هو الوارث، أليس كذلك؟ لكن أبو أم الأب فنقول أيضًا ساقطٌ، كل من أدلى بأنثى من الأجداد فليس بوارثٍ، يعني الذي بينه وبين الميت أنثى لا يكون وارثًا، لابد أن يكون متسلسلًا بالذكورية، أبو الأب، وأبو أبي الأب، وأبو أبي أبي الأب، وأبو أبي أبي أبي الأب، وهكذا.
إذن هذا هو الجد الذي هو محلٌ للكلام والحديث هنا، وإرثه إذن على سبيل التوضيح، أنه كالجد، فيرث السدس، إرثه للسدس بشرطٍ، وهو: وجود الفرع الوارث من الذكور، عدم وجود الأب، يمكن أن نقول أيضًا بشرطين، لكن أحسن من هذا أن نقول: شرط إرث الجد لهذه الأحوال كلها أن لا يوجد الأب، يعني لا ندخل في التفاصيل حتى نمنع وجود الأب.
فإذن: يمكن أن نقول: والجد يرث بثلاثة أحوالٍ، بشرط عدم وجود الأب، فإذا وجد الأب، كان ساقطًا، ما هذه الأحوال الثلاثة؟
الأحوال الثلاثة: أنه يرث السدس، وذلك إذا كان في المسألة فرعٌ وارثٌ من الذكور.
الحالة الثانية: أن يرث بالتعصيب، وهو أن لا يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ مطلقًا.
والحالة الثالثة: أن يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ أنثى، فيرث الفرض، وهو السدس، ويرث الباقي تعصيبًا، أجملناها؛ لأنها تقدَّمت معنا. الآن نأتي بالأمثلة عليها جميعًا.
الحالة الأولى نذكرها لكم، أنا سأكتب الأمثلة، وأنتم تعينوننا في الجواب.
هلك هالك عن: أبٍ، وأب الأب.
المسألة الثانية: زوجٌ، وأبو الأم.
الحالة الثالثة: زوجةٌ، وأبو أم الأب.
حتى تعرفوا أول المسائل، فهنا لو بدأنا من هذه، الزوجة كم تأخذ هنا؟ تأخذ الربع؛ لعدم وجود الفرع الوارث، الجد هنا؟ نقول: الجد هنا غير وارثٍ، لماذا؟ لأنه أدلى بأنثى، فلا يكون وارثًا، الزوج هنا أخذ النصف، لماذا؟ لعدم الفرع الوارث، أبو الأم هنا نقول: هذا جدٌّ فاسدٌ، يعبِّر الفرضيون بأنه جدٌّ فاسدٌ، يعني غير وارثٍ، فله حق القربى والمحبة والصلة، لكن ليس له في الإرث شيءٌ.
هنا نقول: الأب، وأبو الأب، هذا من جهة أبٍ واحدٍ في الأصل، لكن هل يرث في هذه المسألة؟
{لا يرث}.
كم يأخذ الأب؟ يأخذ المال كله.
أبو الأب يسقط، لماذا سقط هنا؟ لوجود الأب.
إذا كتبتم مثل هذا الكلام، ومثل هذه التعليلات، بعدين تستفيدون منها لاحقًا.
إذن، إذا تبين ذلك، فالآن نمثِّل للأمثلة المتقدمة.
هلك هالكٌ عن: زوجٍ، وأبي أبٍ، وابنٍ.
وهلك هالكٌ عن: زوجتين، وأب أب أبٍ، وبنتٍ.
وهلك هالكٌ عن: جدةٍ، وأب أبٍ، وابن بنت ابنٍ.
فهذه نبدأ بالمسألة هذه، الجدة كم تأخذ هنا؟ تأخذ السدس، لماذا؟ الجدة طبعًا سنتبين مَن هي الجدة الصالحة والفاسدة، الجدة تأخذ السدس، لعدم وجود الأم.
أبو الأب هنا كم يأخذ؟ أبو الأب هو الجد، أول شيءٍ نقول: هل هذا فرعٌ وارثٌ أو غير وارثٍ؟ هذا فرعٌ غير وارثٍ، فهو ساقطٌ، فإذن، أبو الأب، الجد، يأخذ الباقي تعصيبًا، بشرط: عدم وجود الفرع الوارث، فإذا هنا يأخذ الباقي، لماذا أخذ الباقي؟ لعدم وجود الفرع الوارث.
هنا زوجتان، الزوجتان كم تأخذان؟ تأخذان الثمن، يقتسمانه في ما بينهما.
أبو أبي الأب يأخذ هنا السدس، قلنا إن هنا يأخذ السدس لماذا؟ لأن أبا الأب يأخذ الفرض إذا وُجد فرعٌ وارثٌ من الإناث، زائد التعصيب، والبنت كم تأخذ؟ تأخذ النصف، فإذن هنا: الجد ورث بالفرض والتعصيب، أليس كذلك؟ لماذا؟ لوجود الفرع الوارث من الإناث، هنا زوجٌ كم يأخذ؟ يأخذ الربع، لوجود الفرع الوارث، وهو الابن، أبو الأب كم يأخذ هنا؟ يأخذ السدس، نضم له التعصيب؟
{لا}.
لا نضم له التعصيب، لماذا؟ لأن الفرع الوارث هنا هو الذكر، وسيأخذ الابن الباقي تعصيبًا.
فإذن هذه أحوال الجد، إما جدٌّ فاسدٌ، فهذا لا يرث البتة، وإما جدٌّ صالحٌ، لكن وجد الأب، فلا يرث، كما في هذه المسألة، فهو ساقطٌ، وإما أن يكون جَدًّا صالحًا، فيرث السدس، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث من الذكور، وإما أن يرث بالفرض والتعصيب، وذلك أن يوجد فرعٌ وارثٌ من الإناث، والحالة الثالثة: أن يرث بالتعصيب، وذلك أن لا يوجد في المسألة فرعٌ وارثٌ.
ما الدليل على كونه يقوم مقام الأب؟
أن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: 78]، هل هو أبوهم الصلبي؟ أو أبوهم الأعلى؟ هو أبوهم الأعلى، فجعل أبا الأب أبًا، فدل ذلك على أنه يقوم مقام الأب، وأخذه للتعصيب واضحٌ لأنه أولى رجلٍ ذكرٍ، وأخذه للفرض مع التعصيب، لما ذكرنا من أنه يقوم مقام الأب، والله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: 11]، فيكون مستحقًّا للسدس، مع التعصيب، لكون الفرع الوارث من الإناث.
أرجو أن يكون ذلك واضحًا.
في بداية الحلقة القادمة، سنشير إلى هذا، ثم نتم الحالة الرابعة من أحوال الجد -بإذن الله تعالى-، أسأل لي ولكم التوفيق والسداد، والله الموفق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك