السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا
الله، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يجعلنا
من عباده المؤمنين وأوليائه المتقين، وأن يسلمنا وإياكم من الانحراف والبلاء
والفتنة يا رب العالمين.
جرى الحديث أيها الإخوة في المجالس الماضية، في مسائل كثيرةٍ، مما أفاض الله علينا
وفتح الله لذلك فهومنا، مما درسناه في مسائل الفرائض، والكلام على بعض تفاصيلها
وأحكامه.
وبين يدي الحديث على ما تعودنا أنه ربما كانت الإطلالة فيها إشراقةٌ أو إشارةٌ، إلى
بعض ما يحتاج إليه طالب العلم، ربما يكون الحديث ألصق ما يكون بنا في باب الفرائض،
رأيتم أيها الإخوة ما جدَّ للناس من هذه البرامج الحاسوبية، وربما وجد في باب
الفرائض ما يُستغنى به عن كثيرٍ من فهومنا ونظرنا وتدقيقنا ونحو ذلك، فأنت ما إن
تكتب فرائض المسألة، أو من هم يمكن أن يرثوا أو لا يرثوا في المسألة، حتى تُقسم
المسألة كاملًا، مبينةً من يدخل في الإرث، ومن لا يدخل، ومن هو محجوبٌ حجب حرمانٍ،
ومن هو محجوبٌ حجب نقصانٍ، وتأصيل المسألة، ثم تصحيحها، ثم قسمة التركة فيها،
لقائلٍ أن يقول: فما حاجتنا إلى مثل هذه المجالس بعد مثل هذه الأقراص والبرامج؟
وأقول أيها الإخوة، لاشك أن هذه الأمة ورثت هذا العلم، جيلًا عن جيلٍ، وقرنًا عن
قرنٍ، يتلقاه المتأخر عن المتقدم، ويحفظه الناس في صدورهم، ويزكونه بنفوسهم،
ويزدادون به علمًا، ويملأون به الأوقات حديثًا وتأليفًا وتمحيصًا وتحقيقًا، وما هذه
البرامج إلا نتاج ذلك الحفظ، وتلك المجالس، وهذه التلقيات، ثم ليُعلم أن الفقه الذي
نجلسه وندرسه في مثل هذه المجالس، هو من الفقه في دين الله -جلَّ وعلَا-، وقد
أُمرنا بالتفقه، فهذه مجالس خيرٌ، ثم هذه البرامج لا تتأتى لكل أحدٍ، ولا تتأتى في
كل حينٍ، ولا تتأتى في كل مكانٍ وعصرٍ، ولا يُدرى ما يحدث في ما يجد من المستقبل،
فلو وكلنا علومنا إليها، لربما ذهبت علينا، ولأجل ذلك كانت القاعدة المستقرة عند
أهل العلم، الاستعانة بالوسائل التي تعين على العلم وطلبه، سواءٌ كان ذلك في علوم
الفرائض، أو كان ذلك في عموم الفقه والبحث، أو كان ذلك في ما يتعلق بالأحاديث
والأسانيد، أو الرجال والبحوث ونحوها، أو سوى ذلك في علوم الشريعة، فإننا نقول إنها
وسائل مباركةٌ، ووسائل نافعةٌ، ووسائل مفيدةٌ، ينبغي للطلبة أن يُعنوا بها، ولم يزل
العلماء المتقدمون في ما مضوا يستفيدون مما جدَّ ويبتكرون ما يكون أعون للطالب.
لو رأيتم مثلًا في علوم الرجال وجمع طرائق الأحاديث "تحفة الأشراف" من أعجب ما يكون
جمعها، وصناعتها، وحبكها، وضبطها، لمن عرف هذا الكتاب وطريقته. ولم يكن لأحدٍ أن
يتصور أن مثل ذلك يكون في الأزمان المتقدمة، وأنه يحتاج إلى نظرٍ ثاقبٍ، واستحضارٍ
فاحصٍ، وجمعٍ عجيبٍ، وأيضًا تفكيكٍ لهذه المعلومات، وتحليلٍ على طريقةٍ دقيقةٍ، وقد
تأتى للإمام المزي -رحمه الله تعالى-.
فكلما حدث لنا سبيلٌ من السبل التي يمكن بها تسهيل العلم، وتقريبه للطالبين،
وتسهيله على المتعلمين، كان ذلك طريقًا لنا وسبيلًا، ولكن لا يعني ذلك إغفال أصل
العلم، والطريقة التي تلقاها بها العلماء، ولم يزالوا يزدادون بها، ولأجل ذلك أنتم
ترون في العلم الحديث، أو في العالم المعاصر، أنه تكاد هذه الحاسوبات تقضي على
الدنيا كلها، لاستيعابها لكثير من فروع العلم، هل استغنى الناس عن الكتاب؟ هل
استغنى الناس عن كثيرٍ من طرائقهم المعتادة؟ إنها أصلٌ أصيلٌ، ومرجعٌ ركينٌ، فلأجل
ذلك نحن نقول مثل هذا، في هذه المسهلات لعلوم الفرائض ونحوها، لا ينفك الطالب من
الحاجة إليها، من تعلمها، من الإفادة منها، ولكن لا يتكل عليها، أو يكل الأمر إلى
تفاصيل العلوم في غضونها، وفي أثنائها، فربما تخونه أحوج ما يكون إلى العلم، وأهم
ما يكون إلى الإبقاء على هذه المسائل والتفصيلات.
فلأجل ذلك، كانت هذه الإشارة مما يُحتاج إلى التنبيه عليها، فأرجو أن يكون بها لي
ولكم وللإخوة المشاهدين نفعٌ كثيرٌ، وفائدةٌ يحصل بها التوازن في الإفادة من
الوسائل والإبقاء على الأصول.
أيها الإخوة الكرام، ربما نحتاج إلى كثيرٍ من الوقت، فلذلك نكتفي بما تقدَّم من هذه
الإشارة، وندلف -بإذن الله جلَّ وعلَا- في ما نحن بصدده، وقد علمتم أننا في المجلس
الماضي أخذنا جملةً من المسائل مهمةً، كانت منصبَّةً في الكلام على إرث البنات، إن
كانت واحدةً بأن ترث النصف، إذا كانت واحدةً منفردةً، ولم يوجد المعصِّب لها، وأن
البنات إذا كانتا اثنتين فأكثر، ولم يوجد المعصِّب ترث الثلثين. وذكرنا ما يتعلق
بأصل ذلك من كتاب الله -جلَّ وعلَا-، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ثم وقفنا في ما يتعلق بقول الله -جلَّ وعلَا-: ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ [النساء: 11]،
وذكرنا لما عُبِّرَ بـ"فوق" مع أن الاثنتين يرثان فرض الثلثين، وذكرنا دلالة السنة،
ودلالة الكتاب، ودلالة الاعتبار في استقرار هذا، وبيان وجه هذا التعبير، وأثره بأن
تستوي الاثنتان والثلاث والأربع، والإشارة إلى ذلك.
ثم أخذنا ما يتعلق بالكلام على بنات الابن، وقلنا إن بنات الابن يرثن ما ترث
البنات، فإذا كانت بنت الابن واحدةً، ولم يوجد المُعصِّب لها، ولم يوجد الفرع
الوارث الأعلى منها، فإنها ترث فرض النصف، فإنها تقوم مقام البنت، وهي داخلةٌ في
قول الله -جلَّ وعلَا-: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا
مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: 11]، فلذلك إذا
كانت واحدةً، ولم يوجد المُعصِّب لها، ولم يوجد فرعٌ وارثٌ أعلى منها، فإنها ترث
النصف، وقلنا من أنها وارثةٌ للثلثين، وذلك بشروطٍ ثلاثةٍ أيضًا: أن يكنَّ اثنتين
فأكثر، وأن لا يوجد المُعصِّب لها، وهو أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، والثالث:
أن لا يوجد الفرع الوارث الأعلى منها.
أما إذا وُجد الفرع الوارث الأعلى منها، فإنها تسقط، إلا في حالةٍ واحدةٍ، وهو محل
بحثنا في هذا المجلس -بإذن الله جلَّ وعلَا-، فبنت الابن إذا وجد الابن على سبيل
المثال: أمٌّ، وبنتٌ، وابنٌ، وبنت ابنٍ. فهنا الأم لها السدس، لماذا؟ لوجود الفرع
الوارث، والبنت مع الابن يأخذان التعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين، فما حال بنت
الابن؟ نقول هنا: سقطتْ، لم سقطت بنت الابن في هذه المسألة؟ لوجود الفرع الوارث
الأعلى منها.
ومثل ذلك: لو وُجد زوجٌ، وخمسُ بناتٍ، وبنتا ابنٍ. فهنا الزوج كم يأخذ؟ يأخذ فرض
الربع، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث، والبنات يرثن الثلثين، لماذا؟ لكونهن اثنتين
فأكثر، وعدم وجود المُعصِّب لهن. بنتا الابن في هذه المسألة يسقطن، لماذا؟
{لا يسقطن}.
لماذا ما يسقطن؟
{في هذه المسألة، سيأخذون السدس الباقي، تكملةً للثلثين}.
أين السدس الباقي؟ إذن أنت أخطأت، تعرف أصل المسألة، لكن فات عليك النظر فيها، لعل
السبب أنه لم تكن مكتوبةً أمامكم، ونحن في هذا المجلس آثرنا أن تكون موجودةً على
الشاشة هنا؛ ليسهل عرضها؛ لأنها في مجلسٍ ماضٍ، لما كتبنا، وضعف القلم، صار وضوح
ذلك للإخوة المشاهدين ضعيفًا، فعلى كل حالٍ، لا غضاضة عليكم أيضًا أن تعوِّدوا
أنفسكم على إدراك المسائل شفهيًّا، فإن هذا مما يقوى به التعلُّم في هذا العلم.
فعلى كل حالٍ، نقول: إذا كان زوجًا، وثلاثَ بناتِ، وبنتي ابنٍ. فبنتا الابن هنا
يسقطن، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث الأعلى منها، وهن اثنتان فأكثر.
المسألة الثالثة: لو وُجد عندنا مثلًا: جدةٌ، وبنتٌ، وثلاث بنات ابنٍ. الجدة أم أم،
ماذا ترث؟ ترث السدس؛ لأن شرط إرثها السدس: عدم وجود الأم، ولم توجد في المسألة أم،
البنت تأخذ النصف، لماذا؟ لاكتمال شرطي إرثها النصف، وهما انفرادها، وبعبارةٍ أخرى:
عدم وجود المشارك لها، والثاني: عدم وجود المُعصِّب لها، فأخذت النصف ﴿وَإِن
كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: 11].
بنات الابن هنا لا يرثن النصف؛ لوجود النصف، فقد ورثت النصف، ولا يرثن فرض الثلثين؛
لئلا يفضي ذلك إلى أن تكون بنات الابن أكثر من البنت، فهل يسقطن؟ قال أهل العلم: من
أنهن هنا لا يسقطن، وإنما يأخذن السدس تكملةً الثلثين؛ لأن السدس مع النصف ثلثان.
فيقولون: لو وُجدت أكثر من بنتٍ، فهن يأخذن الثلثين، فلم نقل هنا من أنهن يأخذن
الثلثين، ثم نجعل بنات الابن يقاسمن البنت؛ لأن البنت أولى، وهي أرفع منهن، فهي
أولى بنصفها كاملًا، ولم نقل من أنها تسقط؛ لأن حقيقتها أنها وجدت بناتٍ، والبنات
إذا وجدن يأخذن الثلثين، فهنا قيل: من أن بنات الابن يأخذن فرض السدس؛ تكملةً
للثلثين، فجُعل للبنت حظها كاملًا وافرًا، وهو النصف، وجُعل لبنات الابن فرض السدس،
تكملةً للثلثين، لئلا يسقطن.
فإذن، متى تأخذ بنات الابن فرض السدس؟
تأخذ بنات الابن فرض السدس بعدم وجود المعصِّب لها؛ لأنه لو وُجد المعصِّب لها،
لأخذت تعصيبًا، والثاني: وجود الفرع الوارث الأعلى منها، الآخذ للنصف، فإذا وجد
فرعٌ وارثٌ أعلى منها، وارثٌ للنصف، فإنها تأخذ الثلثين تكملةً لذلك.
لأنها إذا وجد المعصِّب انتقلت للتعصيب، إذا وجدت بنات أخذن الثلثين، فلم يبق شيءٌ،
فتسقط، إلا أن يوجد له معصِّبٌ، إذا وجدت البنت والابن، فهما يُسقطانها.
إذن، متى تأخذ السدس؟ بهذين الشرطين: أن توجد صاحبة النصف، وهي البنت، أو بنت الابن
الأعلى منها، وأن لا يوجد معها معصِّبٌ لها، وهو أخوها، أو ابن عمها الذي في
درجتها، فإنها تأخذ السدس تكملةً الثلثين.
هنا قال المؤلف: "فإن اجتمعن سقطت بنات الابن"، فهذا مثل ما ذكرنا قبل قليلٍ، أنه
لو وجدت أكثر من بنتٍ، فإن بنات الابن يسقطن، إلا في حالين.
نذكر المثال، مادام طلع الحمد لله للإخوة المشاهدين.
إذا وُجد في المسألة أكثر من بنتٍ، فإن بنات الابن يسقطن، فهذا المثال أمامكم
وجليٌّ، لو وُجد في المسألة أم أمٍّ، وبنتان، وبنت ابنٍ. فالأم لها السدس، لماذا
أخذت الأم السدس في هذه المسألة؟ لوجود الفرع الوارث، البنتان يأخذن فرض الثلثين،
لماذا؟ لكونهن اثنتين، ولعدم وجود المعصِّب، إذن بنت الابن هنا كم تأخذ؟ نقول من
أنها تسقط، لماذا سقطت بنت الابن؟ لأنه لم يوجد المعصِّب لها، فتأخذ عصبةً، ولم تكن
البنات هناك واحدةٌ، فتأخذ النصف، فتكمل للثلثين، الثلثان قد استكملا، قد استكمل
فرض الثلثين الذي تأخذه البنات.
ننظر إلى المثال الذي بعده، وهي حالٌ من الأحوال التي كان يمكن أن تسقط فيها بنت
الابن، لكن رُحمت بغيرها، وهذه المسألة التي ظهرت أمامكم: إذا هلك رجلٌ عن زوجةٍ،
وبنتينِ، وبنت ابنٍ، وابن ابنٍ، في هذه المسألة الزوجة كم تأخذ؟ تأخذ الزوجة الثمن،
لماذا أخذت الثمن؟ دائمًا لابد أن تعيدوا، لماذا أخذت الزوجة الثمن؟ أخذت الثمن
لوجود الفرع الوارث، فأنا بودي أن الإخوة المشاهدين يكتبون ذلك، تحت كل مسألةٍ.
لماذا أخذت البنتان فرض الثلثين؟ لما ذكرنا، لوجود الشرطين، كونهن اثنتين فأكثر،
عدم وجود المعصِّب.
إذن، هنا بنت الابن كم تأخذ؟ نقول: لم تأخذ النصف؛ لوجود الفرع الوارث الأعلى منها،
لم تأخذ الثلثين، لماذا؟ لاكتمال فرض الثلثين للفرع الوارث الأعلى منها. هنا كان
يمكن أن تسقط، لكن لم تسقط في هذه المسألة، وإنما ورثت تعصيبًا، لوجود ابن الابن،
فإذن هنا استنقذها ابن الابن، فورثت معه الباقي تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين،
سواءٌ كان ابن الابن هنا هو أخوها، أو ابن عمها الذي في درجتها؛ لأن الميت بالنسبة
لهم جدٌّ، فقد يكون بنت ابنٍ، وابن ابن إخوةٍ، وقد يكون ابن ابنٍ، وابن لابنٍ آخر،
قد توفي قبل ذلك، وإلا كان وارثًا، فهنا نقول: إن بنت الابن مع ابن الابن يأخذون
التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين.
إذن هذه مسألةٌ من المسائل التي استنقذت فيها بنت الابن من السقوط؛ لوجود المعصِّب
لها؛ لأن الثلثين قد استكملا.
هنا أيضًا مثالٌ آخر: هلك رجلٌ عن: زوجةٍ، بنتين، خمس بنات ابنٍ، ابن ابن ابنٍ؟
هذا فيه معنى لطيفٌ، الزوجة هنا أخذت الثمن، لماذا أخذت الثمن؟ لوجود الفرع الوارث.
البنتان أخذن الثلثين، لماذا؟ لكونهن اثنتين فأكثر، وعدم وجود المعصِّب. خمس بنات
ابنٍ، وابن ابن ابنٍ، فهنا ابن ابن ابن، ليس في درجتها، وإنما هو أنزل منها، فكيف
عصَّبها؟ قالوا: إن هذا التعصيب لمصلحتها، لأن بنات الابن لو لم يوجد الآن ضعوا
أيديكم مثلًا على ابن ابن ابنٍ، وانظر إلى المسألة، لو لم يوجد لأسقطنا بنت الابن،
فنقول هنا: ابن ابن الابن عصَّب بنات الابن، وإن كنَّ أعلى منه؛ لأنه يعصِّب من في
درجتها، وهي بنت ابن ابنٍ، فلما كان يعصِّبها، فمن باب أولى أن يعصِّب من هي أعلى
منه.
لو افترضنا في المسألة: زوجةٌ، وبنتان، وخمس بنات ابن ابنٍ، وابن ابن ابنٍ؟
فهنا الزوجة الثمن، والبنتان يأخذن الثلثين. خمس بنات ابن ابنٍ، وابن ابن ابنٍ في
درجةٍ واحدةٍ فسيعصِّبها، أليس كذلك؟ فإذا كان يعصِّب بنات ابن الابن، فمن باب أولى
أن يعصِّب بنات الابن؛ لأنه لو لم يعصِّبهن لسقطن، فإذا كانت بنات ابن ابنٍ يرثن
معه، فمن باب أولى أن ترث من هي أعلى منه، فبناءً على ذلك قالوا: من أن بنات الابن
عُصِّبن هنا بابن ابن ابن وأن كان أنزل منهن؛ لتحصيل مصلحتهن؛ لأنه لو لم يكن لأفضى
ذلك إلى سقوطهن، فلما وجد فإنه يعصِّبهن، كما أنه يعصِّب من هنَّ أنزل منهنَّ
درجةً.
إذن هذه المسألة التي تُستنقذ بنت الابن من السقوط، وهو أن يوجد معصِّبٌ لها.
الحالة الثانية: هي الحالة التي قد تقدَّمت الإشارة قبل قليلٍ إليها، وهي أن ترث
فرض السدس تكملة الثلثين. وإليكم المثال الذي سيظهر إليكم في الشاشة الآن أيضًا،
وهو الذي عبَّر عنه المؤلف أيضًا بقوله: "وإن كانت واحدةً" يعني البنت "وبنات ابنٍ،
فللبنت النصف، ولبنات الابن واحدةً كانت أو أكثر من ذلك السدس، تكملة الثلثين".
إذن، بنت الابن يمكن أن تأخذ فرض السدس تكملة الثلثين، وكما قلنا: هذا مشروطٌ
بماذا؟ بأن توجد بنتٌ قد ورثت النصف، وأن تكون بنت الابن أو أكثر لم يوجد معهنَّ
مُعصِّبٌ، فهنا نعطي بنت الابن نصفها، ثم نكمِّل الثلثين لبنات الابن معها؛ لأنه
كما يقول أهل العلم: لا يمكن أن نشرِّك بينهم في الثلثين، فالبنت أولى منهن، وأقوى،
فلها الأكثر، ولا يمكن أن نسقطهن؛ لأن البنات إذا اجتمعن يأخذن الثلثين، فبنات
الابن بناتٌ، فهن في حكمهن، فيأخذن الثلثين، وينزلن درجةً عنها، فيأخذن ما يكمِّل
الثلثين، وهو السدس.
هذا المثال أمامكم الآن: هلك رجلٌ عن: أمٍّ، وبنتٍ، وبنتي ابن؟
الأم كم أخذت في المسألة التي أمامكم؟ أخذت السدس، لماذا؟ لوجود الفرع الوارث،
البنت هنا أخذت النصف؟ لماذا أخذت النصف؟ لوجود شرطيْ إرثها النصف، وهو: أن تكون
واحدةً، أو انفرادها، أو عدم وجود المشارك، كلها تعبيراتٌ صحيحةٌ، والثاني: عدم
وجود المعصِّب لها، فأخذت النصف، بنتا الابن هنا يأخذن فرض السدس، تكملة الثلثين؛
لأن بنت الابن داخلةٌ في ضمن البنات، في جملة البنات، فتأخذ السدس تكملة الثلثين؛
لأن البنات إذا اجتمعن يأخذن الثلثين.
هنا نؤكد على أن المراد بالمثالين: أنه سواءٌ كانت بنات الابن واحدةً، أو مائةً،
فهنَّ يشتركن في فرض السدس. هذا إذن ما يتعلق بهذه المسألة.
إذن، يتلخص لك مما مضى، أن بنات الابن يرثن النصف، إذا كانت واحدةً، وعدم وجود
الفرع الوارث الأعلى منها، وعدم وجود المعصِّب لها، وهو أخوها، أو ابن عمها الذي في
درجتها.
يأخذن فرض الثلثين، عند عدم وجود الفرع الوارث الأعلى منهن، أن يكنَّ اثنتين فأكثر،
عدم وجود المعصِّب لهن، وهو أخوهن أو ابن عمهن الذي في درجتهن.
الحالة الثالثة: أنهن يرثن فرض السدس، وذلك بشرط أن يوجد بنتٌ أعلى منهن، أو فرعٌ
وارثٌ أعلى منهن أخذ النصف، وعدم وجود المعصِّب لهن، وهو أخوهن، أو ابن عمهن الذي
في درجتهن.
لماذا نقول: عدم وجود المعصِّب لهن؟
لأنه لو وُجد المعصِّب، حتى ولو كانت بنتًا وأخذت النصف، فإنها ستنتقل إلى التعصيب.
انظر إلى هذا المثال، الذي ذكره المؤلف، أو الذي ذُكر هنا على قول المؤلف: "إلا أن
يكون معهن ذكرٌ، فيعصِّبهن في ما بقي"، فهنا زوجٌ، وبنتٌ. الزوج يأخذ الربع؛ لوجود
الفرع الوارث. البنت كم تأخذ هنا؟ النصف؛ لكونها واحدةً منفردةً، أو بعبارةٍ أخرى:
عدم وجود المشارك لها، الثاني: عدم وجود المعصِّب. دائمًا الفرضيون يعبِّرون
بالمشارك، وهي بنتٌ مثلها، سواءٌ كانت أختًا شقيقةً، أو أختًا لأبٍ، أو بنت ابنٍ،
أو بنتًا، يعبِّرون بالمشارك؛ لأنها تشاركها في نفس الإرث، أما المعصِّب؛ لأنه
ينقلها إلى التعصيب. فنقول: عدم وجود المشارك لها، وعدم وجود المعصِّب، أخذت البنت
المعصب.
هنا بنت الابن، لو لم يوجد ابن الابن، الذي أمامكم، لأخذت السدس تكملة الثلثين، لكن
لما وُجد ابن الابن، فإرث ابن الابن للتعصيب أقوى، وهو يجرها معه، فأخذت التعصيب.
فإذن، لو وُجد عندنا، زوجٌ، وبنتٌ، وبنت ابنٍ، فنقول: الزوج له الربع، البنت لها
النصف، بنت الابن لها السدس، تكملة الثلثين. لكن لما وُجد معها ابن الابن، لم تأخذ
السدس، وانتقلت مع ابن الابن لتكون معه تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وهذه هي الحال الرابعة من أحوال إرث بنت الابن، وهي أن ترث تعصيبًا، وذلك أن تكون
مع أخوها، أو ابن عمها الذي في درجتها، وقد يعصِّبها من هو أنزل منها، وهذا يُسمَّى
القريب المبارك؛ لأنه عصَّبها، ولولاه لسقطت، كما في المسألة التي تقدَّمت معنا.
إذن، هذا ما يتعلق بإرث بنات الابن.
قبل أن ننتقل إلى الأخوات من الأبوين، هنا مسألةٌ: وهو ويجب أن الإخوة المشاهدين
يتنبهوا لها: أن بنات الابن كالبنات مع منهن أنزل منهن درجةً، يعني لو هلك هالكٌ
عن: زوجةٍ، وبنت ابنٍ، وبنت ابن ابنٍ. فهنا نقول: الزوجة تأخذ الثمن، لماذا؟ لوجود
الفرع الوارث، وهو بنت الابن، وبنت ابن الابن، بنت الابن هنا تأخذ النصف، لماذا؟
لانفرادها، وعدم وجود الفرع الوارث الأعلى منها، وعدم وجود المعصِّب لها، اكتملت
الشروط أو لم تكتمل؟ اكتملت الشروط، فتأخذ النصف.
بنت ابن ابنٍ، هنا نقول: تأخذ فرض السدس، لماذا؟ تكملةً للثلثين؛ لأنها ليست في
منزلة بنت الابن، فتشاركها في الثلثين، ولا يمكن أن نقول: إنها لا ترث شيئًا، لأنها
في جملة البنات، وإذا وجدت بنتٌ فأكثر، ورثن الثلثين، فنجعل لهن الثلثين، ثم نقسمه،
فنجعل لهذه النصف كاملةً، ولهذه تكملته سدسًا.
مثال آخر: لو وُجدت زوجةٌ، أو أمٌّ مثلًا، وبنت ابن ابنٍ، وبنت ابن ابنٍ، وبنت ابن
ابن ابنٍ.
فهنا الأم كم تأخذ؟ السدس؛ لوجود الفرع الوارث. بنت ابن ابنٍ، والثانية بنت ابن
ابنٍ في درجتها، إذن كم يأخذن؟ يأخذن الثلثين، لأن الثلثين مأخوذٌ فهو مفعولٌ به،
لماذا؟ لكونهن اثنتين فأكثر، وعدم وجود الفرع الوارث الأعلى منهن، وعدم وجود
المعصِّب لهن، وهو أخوهن، أو ابن عمهن الذي في درجتهن.
بنت ابن ابن ابنٍ، نقول: هذه سقطتْ، لماذا سقطت؟ لأن بنات الابن الأعلى منها قد
استوفين فرض الثلثين، فبناءً على ذلك سقطت.
لو وجد في المسألة: ابن ابن ابنٍ، فإنه سيكون مُعصِّبًا لها في درجتها، فيعصِّبها،
فإن بقي شيءٌ أخذته.
فإذن، بنات الابن إذا وُجد معهن بنات ابنٍ أنزل منهن، فإنهن يأخذن حكم البنات مع
بنات الابن، فكل من كان أعلى يأخذ هذا الحكم، ومن تحته يأخذ الحكم الذي لبنات الابن
إذا كن أنزل من ذلك. واضح؟
إذا كان واضحًا، فيمكن أن يكون قد تمَّ معنا ما يتعلق بإرث بنات الابن، سواءٌ كانت
بنات ابنٍ، أو كن بنات ابن ابنٍ، أو كن بنات ابن ابن ابنٍ، إذا كن مع البنات، أو كن
منفرداتٍ، أو وجد معهن أنزل منهن، في كل هذه الأحوال يتبين لك كيف يرثن.
بعد أن ننتهي من هذه الفروض، -بإذن الله جلَّ وعلَا- سنجعل مجلسًا خاصًا لمراجعة ما
تقدَّم، من كل أصحاب الفروض، بحيث تتيقنون أنكم قد أجدتم إرث كل وارثٍ مع تحقق حفظ
الشروط التي يستحق بها ذلك الفرض من عدمه.
إذن ننتقل بعد ذلك إلى إرث الأخوات.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف -رحمه الله وإيانا-: فصلٌ في
أحوال الأخوات في الميراث.
والأخوات من الأبوين كالبنات في فرضهن، والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع
البنات سواء، ولا يُعصِّبهنَّ إلا أخوهن}.
إذن هذا ذكرٌ لإرث الأخوات، وبدأ هنا بالأخوات من الأبوين، يعني الأخوات الشقائق،
وهي التي اجتمعت مع أختها في أبيها وأمها، فأبوهما واحدٌ، وأمهما واحدةٌ، لم يختلفن
في شيءٍ من ذلك.
ما إرث الأخوات الشقائق؟
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "إنهن كالبنات"، إذن أول فرضٍ للأخت الشقيقة هو
النصف، أن ترث النصف.
ما شرط إرثها للنصف؟
نقول: أن تكون واحدةً، يعني انفرادها، عدم وجود المشارك لها.
الثاني: عدم وجود المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق فقط.
والثالث: عدم وجود الفرع الوارث.
والرابع: عدم وجود الأصل الوارث من الذكور، وإما أن نعبِّر بالأصل، إذا كنا على
مذهب أبي بكرٍ، ومذهب جمهور الصحابة، على أن الجد يُسقط الأخوات، وإلا نقول: عدم
وجود الأب؛ حتى لو وُجد الجد، فسينتقل من فرض النصف إلى غيره. فإذن، عدم وجود الأصل
من الذكور الوارث؛ لأنه إذا وجد أصلٌ من الذكور الوارث، إن كان الأب يسقطهن، وإن
كان الجد، فيأتي فيه ما تقدَّم من الكلام، هل يسقطهن أم لا.
فإذن، ترث الأخت الشقيقة فرض النصف بكم شرطٍ؟ بأربعة شروطٍ:
- انفرادها.
- عدم وجود المعصِّب، وهو الأخ الشقيق.
- عدم وجود الفرع الوارث.
- عدم وجود الأصل من الذكور الوارث.
من أين أخذنا هذه الشروط؟ أخذنا هذه الشروط من الآية، فقول الله -جلَّ وعلَا-:
﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن
لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ
مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء: 176]، فإذن دل على أنها لابد أن تكون واحدةً لتأخذ
النصف، وأنهن إذا كانت اثنتين، لا تأخذ النصف، وإنما تأخذ الثلثين، وأنه إذا وجد
المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق، ورثن تعصيبًا، فمن أين أخذتم شرط عدم الفرع الوارث؟
وعدم وجود الأصل من الذكور الوارث؟
نقول: في قوله: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾، فإن
معنى الكلالة عند أهل العلم: من لا والد له ولا ولد.
فإذن، شرط إرثها للنصف مرهونٌ بعدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل من الذكور
الوارث.
إذن، إذا تبين ذلك، فتعلم أول حالةٍ من أحوال إرث الأخت الشقيقة للنصف، وهو: عند
اجتماع الشروط الأربعة: عدم الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل من الذكور الوارث، وأن
تكون واحدةً، وعدم المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق.
فإذا اجتمعت هذه الشروط الأربعة، فتأخذ فرض النصف.
انظر إلى المثال الذي كُتب معكم على السبورة، هلكت امرأةٌ عن: زوجٍ، وأختٍ شقيقةٍ.
الزوج كم يأخذ؟ يأخذ النصف. لماذا؟ لعدم وجود الفرع الوارث، الأخت هل هي فرعٌ
وارثٌ؟ لا، الفرع ليس مما تفرَّع من الميت.
الأخت الشقيقة كم تأخذ هنا؟ تأخذ النصف، لماذا أخذت الأخت الشقيقة النصف هنا؟
اكتبوا على المسألة، حتى يكون أميز لكم إذا جئتم إلى المراجعة، أخذت الأخت الشقيقة
فرض النصف في هذه المسألة: لاكتمال الشروط الأربعة، وهو: انفرادها، أو عدم وجود
المشارك لها، وهي الأخت الشقيقة، عدم وجود المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق، عدم وجود
الفرع الوارث، عدم وجود الأصل من الذكور الوارث، فلما اكتملت هذه الشروط الأربعة،
استحقت الأخت الشقيقة فرض النصف.
مثال آخر: لو أنه وجد عندنا: أمٌّ، وأختٌ شقيقةٌ، وأخٌ شقيقٌ. فهل تأخذ الأخت
الشقيقة هنا النصف؟ لا تأخذ النصف، لماذا؟ لاختلال شرطٍ من شروط إرثها النصف، وهو:
وجود المعصِّب لها، وهو الأخ الشقيق.
لو وُجد عندنا: أمٌّ، وأختٌ شقيقةٌ، وأخٌ لأبٍ. فهنا الأم تأخذ السدس؛ لوجود الجمع
من الإخوة، اثنين فأكثر، الأخت الشقيقة كم تأخذ هنا؟ التعصيب؟، لا تأخذ التعصيب،
وإنما تأخذ النصف؛ لأن المعصِّب لها الأخ الشقيق، هذا أخٌ لأبٍ، فإذن تأخذ النصف؛
لانفرادها، ولعدم وجود المعصِّب، وعدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل من
الذكور الوارث. الأخ لأبٍ هنا يأخذ تعصيبًا، لم يعصِّبها؛ لأنه ليس شقيقًا، فإنما
يعصِّبها هو الأخ الشقيق.
لعلنا -بإذن الله جلَّ وعلَا- أن نشرح بقية أو الأمثلة للشروط في بداية المجلس
القادم، وأيضًا نبيِّن إرث الأخوات الشقائق، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد،
ونفعكم الله -جلَّ وعلَا- بعلم الفرائض، كما نفعكم بعلوم الفقه، وفي الدين في سائر
أنواعه وشتى مسائله، وفَّق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا وإياكم من عباده
المتقين الأصفياء، وأعقبنا الخير والهدى والبر والتقى، وصلى الله وسلم وبارك على
النبي المصطفى.