{الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم تسليم، أمَّا بعد، فأهلاً وسهلاً بكم أعزاءنا المشاهدين والمستمعين في كل مكان، في مجلسٍ جديدٍ من مجالس شرح متن (أخصر المختصرات) يشرحه فضيلة الشيخ/ دكتور عبد الحكيم محمد العجلان، أهلاً وسهلاً بكم يا صاحب الفضيلة}.
أهلا وسهلا، حياكم الله وبارك فيكم ونفع بكم.
{نستأذنكم شيخنا في استكمال ما وقفنا عنده}
استعن بالله.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله- في كتاب الزَّكَاةَ: (بِشَرْطِ إِسْلَامٍ، وَحُرِّيَّةٍ، وَمِلْكِ نِصَابٍ، وَاسْتِقْرَارِهِ وَسَلَامَةٍ مِنْ دَيْنٍ يُنْقِصُ النِّصَابَ)}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أمَّا بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يُثبتنا على الحق والهدى، وأن يجنبنا مواطن الزلل، وأن يجنبنا البلاء والفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أيها الإخوة المشاهدون، لا يزال الحديث موصولاً في (كتاب الزَّكَاةَ)، وكنا قد استهللنا ما يتعلق بالكلام على وجوبها ومعناها، وشرعنا في شروط الزكاة، ومن هذه الشروط التي كان الحديث قد توقف عندها: (وَسَلَامَةٍ مِنْ دَيْنٍ يُنْقِصُ النِّصَابَ)، وقلنا: إنَّ النصاب معتبر، ولكل مالٍ من الأموال نصاب يخصه، فإذا وُجد دينٌ يُنقص النصاب؛ فإنَّ المقصود عند أهل العلم من الزكاة قد ذهب؛ لأنَّ المقصود من الزكاة هو أن تجب على الغني الذي وجد كفايته، حتى يعطي غيره، ويتصدق على معسر وفقير ومسكين، وأهل الزكاة الذين سيأتي بكم -بإذن الله جل وعلا- فإذا كان هو فقيرًا، وإذا كان مدينًا، وإذا كانت ذمته مشغولة؛ فليس أهلاً لأن يكون من أهل المساواة والبذل والعطاء، فلأجل ذلك قالوا: إن من شروطها: (وَسَلَامَةٍ مِنْ دَيْنٍ يُنْقِصُ النِّصَابَ)، وهذا من جهة المعنى، وأيضًا استدل أهل العلم بما جاء في الأثر، لَمَّا قال عثمان: "هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ؛ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ"[1]، فَدَلَّ ذلك على أنَّ الزكاة إنما تحسب بعد الفراغ من الديون وبذلها، وهنا لابد من أن يلحظ الطلاب والطالبات أنَّ مسائل الزكاة فيها من الصعوبة والوعورة، وفيها من الإشكالات الخفية، ومع تجدد بعض الأمور في تعاملات الناس وأعمالهم وأمورهم، جدت بعض المسائل المشكلة، ونحن ربما ننحو منح البسط في بعض المسائل بخصوصها لأهميتها، وربما أيضًا اقتصدنا في بعض المسائل لعدم مسيس الحاجة العامة إليها، بمعنى أنَّ الذين يحتاجونها هُم ثُلّة قليلةٌ بالمرة، ولذا سنكون أكثر تركيزًا على ما يُهم عموم الناس لا خصوصهم.
فمسألة الدين الذي يُنقص النصاب، هذه مسألة من المسائل المهمة، وهنا إذا قلنا: (دَيْنٍ يُنْقِصُ النِّصَابَ) فلابد أن تعلم أولاً أنَّ محل الموازنة إنما هي في الأموال الذكوية، بمعنى: أنَّ شخصًا يملك بيتًا يسكنه، تقدر قيمته بمليون ريال، على سبيل المثال، والسؤال هل بيت السكنى يُعَدُّ من الأموال الزكوية؟
نقول: لا، ليس من الأموال الزكوية؛ لأنَّ ما أُعِدَّ للقنية ليس زكاة، فلو أنَّ عنده وفر من المال قدره مائة وخمسون ألف ريال، لكنه عليه دين "مائتي ألف ريال"، فهذا الذي عليه دين مائة ألف ريال، لو قمنا بجمع جميع أمواله وننظر هل نقص النصاب أو لا؟
لا تنقص النصاب؛ لأنَّ مليون ومائة وخمسين ألف من مائتي ألف يبقى تسعمائة وخمسين، لكن إذا نظرنا أنَّ الموازنة إنما هي بين الأموال الزكوية، فَنُخْرِج البيت الذي بمليون ريال، حتى وإن كان هذا البيت زائدًا، يعني: حاجته في بيته تساوي خمسمائة ألف ريال، ولكنه توسع واشترى مثل هذه البيوتات.
فإذًا هذا لا يدخل في الاعتبار، حتى ولو كان زائدًا عن حاجته، أو عمَّا يَسكنه مِثْلُه أو نحو ذلك، فما دام أنَّ هذا ليس من الأموال الزكوية فليس عليه فيه زكاة، والنظر إنما هو في المال الزكوى، وفيما عليه من الدين، ويعبر عنها المعاصرون الآن بقولهم: الوعاء الزكوي والدين الذي عليه، فهذه هي المسألة الأولى.
ومثل ذلك؛ لأنَّ هذا يَشكل كثيرًا على كثيرٍ من الناس:
لو كان عنده بيوت مؤجرات، يعني: هو عنده هذا البيت، وعنده هذه الشقة، وعنده هذا الدكان، وعنده كذا وكذا، ويؤجرها، وعنده الآن مائة ألف ريال جاهزة تم عليها الحول، واستقرت في مِلكه، واكتملت فيها شروط الزكاة، لكن عليه دين، فلا ننظر إلى ما عنده من مجموع هذه الأموال؛ لأنَّ الأموال المؤجرة ليست من الأموال الزكوية، وسيأتينا هذا في باب عروض التجارة، وبناء على ذلك لا تدخل في الموازنة، وإنما النظر في هذا المال الذي سيُزكى، وهذا الدين الذي عليه.
فنقول: أدِّ الدين أولاً، ثم إن بَقِيَ شيء لتكتمل فيه شروط الزكاة أَدَّيتَ زكاته وإلا فلا.
يأتي علينا مسألة يمكن أننا أشرنا إليها في آخر الدرس الماضي، ولكن لأهميتها ومسيس الحاجة إليها لابد من إعادة الكلام فيها، وهي: من المعلوم أنَّ الدَّين إن كان حالا فهذا لا إشكال فيه، فهو يتضايق به ويرهقه ويفقره ويلحق به ما يلحق من التبعات الكثيرة، ومن الهم والغم، أليس كذلك؟
فبناء على ذلك هذا لا إشكال فيه، أنَّ محل الكلام هنا أنَّ الدين ينقص النصاب، وبناءً على ذلك إذا وازنَّا فوجدنا أنه لا يبقى له مالٌ تَستكمل فيه شروط الزكاة بعد خصم الدين الذي عليه، فنقول: لا زكاة عليه.
لكن لو كانت الديون مُؤجلة، ولعلكم تعرفون أنه فيما مضي من الأوقات، أنَّ الديون إنما تكون على الفقراء والمعوزين، ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة:280]، وأمَّا أهل الأموال والتجارات، فلا يحتاجون إلى ذلك، ولكن لَمَّا بدأت فكرة البنوك وتوليد الأموال، والاستفادة القصوى من المال بطرائق مُتعددة، وصارت الجهات المالية أو البنوك تستهدف التجار والأثرياء، فتعطيهم بناء على قوتهم الاقتصادية، وما يُسمى بالمراكز المالية ونحوها، فالآن صار التجار هم أكثر الناس عليهم دون، وهذه الديون ديون مُؤجلة، أو ديون مجدولة، أكثرها لا يحل، أو لا يحل إلا قِسْطٌ قليلٌ مِنها، فإذا نظرنا إلى إطلاق الفقهاء -رحمهم الله تعالى- فنقول: إنهم أطلقوا في المشهور من المذهب عند الحنابلة، وهذا القول قول لجماعة من أهل العلم، أنه دين، وأنه يُنقص النصاب، وبالتالي لا تجب فيه الزكاة.
لكن إذا نظرنا من وجه آخر، فإنَّ المعنى الذي وجبت له الزكاة موجود في هؤلاء، والكلام الذي يذكره الفقهاء في الدين الذي ينقص النصاب أيضًا محتمل للنظر، ويَسند ذلك قول عثمان: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ؛ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ"؛ فكأنه مربوط بالدين الذي يمكن قضاؤه الآن، وبناء على ذلك ما كان من الديون المؤجلة، لا يتعلق به حكم، فلأجل ذلك، إمَّا أن يقال: أيها التاجر إذا كنت ستؤدي الدين الآن أده، ولا زكاة عليك، وأمَّا إذا كان سيبقى عليك ديونٌ مجدولة، وأنت قادر على السداد، وتتوسع في أمورك وأعمالك كما لو كان عليك دين ليس كحال المدين الذي يقتصد ويقتصر؛ فبناء على ذلك لو قلنا بعدم وجوب الزكاة، لا أفضى ذلك إلى أن يكون مُعارضًا لأصل مشروعية الزكاة. وليس فيه ما يسنده لا من جهة النظر ولا من جهة الأثر.
وبناء على ذلك نقول: إمَّا أن تؤدِّ الديونَ التي عليك، أي: تقضها كاملة وتكون -إن شاء الله- السنة القادمة عليه زكاة، يفرح الفقهاء بما أفاض الله عليه، وبما أفاض من ماله هو، وإمَّا أنه ما دام هذه الديون ليست حالة، فنقول كما جاء في رواية عند الحنابلة وقول لجمع من أهل التحقيق، وهذا الذي يستوي معه المعنى والنظر: تجب عليه الزكاة، ولا تكون داء حائلة بينه وبين وجوب الزكاة عليه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَمُضِيِّ حَوْلٍ إِلَّا فِي مُعَشَّرٍ وَنِتَاجِ سَائِمَةٍ، وَرِبْحِ تِجَارَةٍ)}.
مضي الحول شرط؛ لأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وبهذا جاء الحديث عند أهل السنن، ويتفق على ذلك أهل العلم ولا يختلفون فيه، ولأنه من جهة المعنى قالوا: إن الأموال لها دورة ونتاج وربح، وهذ لا يكتمل في الغالب إلا بمضي وقت، وهو في السنة وما قاربها، فبناء على ذلك لئلا يُرهَق الغني أو التاجر، فتجب عليه الزكاة كل مرة، كلما باع أو كلما ربح، هذا قد يرهقه ويلحق به كلفة ومشقة.
وإن قيل بعدم وجوب الزكاة إلا مرة واحدة؛ كان في ذلك إذهاب لحظ أو لحق الفقراء في أموال هؤلاء الأغنياء، فلمَّا كان الأمر كذلك كان من حكمة الشرع -كما جاء به الأثر والحديث، وفيه كمال في النظر- أنه إذا مضى الحول وجبت الزكاة، والمال في يدك، وملكك عليه مستقر، والشروط الأخرى مكتملة.
قال: إلا في ثلاثة أشياء مستثناة، وهي: المعشرات، فلا زكاة لأن الله جل وعلا قال: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ فما فيه العشور، وهي: الحبوب والثمار وهذا الباب؛ فإنه يجب عند الحصاد، فبناء على ذلك لا يُشترط فيه مضي الحول لهذه الآية، وهذا محل اتفاق وإجماع بين أهل العلم.
(وَنِتَاجِ سَائِمَةٍ) حَولُهَا حَولُ أَصلها، فعلى سبيل المثال: لو أنَّ شخصًا عنده من البقر تسعة وثلاثين، ففيها "تبيع أو تبيعه" كما سيأتينا، ولكن قبل تمام الحول بشهر أو بيوم نُتِجَتْ واحدة -ونُتِجَتْ أصح في العربية من نَتَجَتْ- فإذا نُتِجَتْ واحدة فتمت أربعين، فمعنى ذلك أنه يجب فيها مُسن، فلو قال قائل: هذا النتاج لم يمض عليه الحول، هذا عمره يوم، وهذا القطيع مِلكه تم له عليه سنة، لكن هذا إنما هو يوم، فنقول: هذا (نِتَاجِ سَائِمَةٍ) ونتاج السائمة حولها حول أصلها.
ومثل ذلك أيضا (رِبْحِ تِجَارَةٍ) فلو أنَّ شخصًا مثلا عنده مليون ريال، أو مليون دولار، أو مليون يورو، أو مليون درهم، أو نحو ذلك، واشترى بضاعة، سيارات مثلا، ثم جلس يبيع فيها، وينتظر الربح، فهو يعرف أنَّ الناس إذا جاء وقت الشتاء أقبلوا على هذا النوع من السيارات، وإذا جاء الصيف أقبلوا على هذه الأنواع من السيارات، فاشترى جزءًا هكذا وجزءًا هكذا، فلم يزل يبع فيها، حتى إذا قبل نهاية السنة باعها، وكل سيارة ربح فيها ألفان، أو خمسة آلاف، أو عشرة آلاف، وبعضها قد مضى عليه أربعة أشهر، وبعضها قد مَرَّ عليه شهرين، وبعضها شهر، فهل نقول: إنَّه يُزَكِّي المليون؟ نقول: لا، ما عنده الذي هو مضى عليه الحول وربح التجارة؛ لأنَّ ربح التجارة حوله حول أصله.
هنا مسألة متعلقة بذلك، وهي شديدة الدقة والحاجة، وهي الكسب الذي يكسبه الإنسان وليس ربحًا للتجارة؛ ولأنَّ هذا من المسائل الشائعة الآن كثيرًا، والحاجة إليها ماسة، والناس لا يعرفون ما يتعلق بها، وهي نتاج أعمالهم، كالذي يكون عمله أنَّه يحمل على ظهره، وكل يوم يكسب، ففي يوم يكسب ألف ريال، وفي يوم كسب ألف ريال، هذا الألف ريال ليس له علاقة بالألف ريال الثانية، فكيف يؤدي الزكاة؟ وكيف يحسب النصاب؟
ومثل ذلك في الوظائف، لنفرض أنه في نهاية الشهر يستلم عشرين ألف درهم، ثم يصرف على نفسه ثمانية أو تسعة آلاف درهم، ويستبقي شهر عشرة آلاف درهم، وشهر آخر ثمانية آلاف درهم، وشهر ثالث لا يبقي معه شيء، كيف يحسبها؟
نقول: هذه العشرة آلاف درهم، وهذه الخمسة آلاف درهم، وغيرها ليس بيع، بعضها ربحا لبعض، وليس بعضها متعلقًا ببعض، فكل مال من هذه الأموال له حكمه، وبناء على ذلك إذا أراد أن يؤدي زكاته، يقوم بعمل جدول، وفي نهاية الشهر يقول: أنا استبقيت هنا في نهاية هذا الشهر ستة آلاف درهم، والشهر الثاني يكتب: خمس آلاف درهم، والشهر الثالث يكتب: اثنا عشر ألف درهم، فإذا بدـت السنة الجديدة، وجاء أول شهر وهو محرم، وكان مستبقيًا لستة آلاف درهم فعليه إخراج زكاته، ثم يأتي للشهر القادم.
ولكن المشكلة أن هذه لا تستقر على هذا النحو، المشكلة أنه ينفق باعتبار أنَّ الأوراق النقدية لا تتعين الآن، وأكثرها في البنوك، فهل صرف من الشهر الأول أو من الشهر الثاني؟ لنفرض أنه نوى أن النفقة من الشهر الأول، وكلما سحب مالا كتب ذلك، يكتب مثلا: ستة آلاف درهم، وقمت بصرف ألف درهم منها، ثم صرفت خمسة منها بعد ذلك، وهذا يؤدي إلى إشكال.
ثم أيضًا لنفرض أنه في الشهر السادس ما استبقى إلا خمسمائة درهم، وهي لا تبلغ نصاب الزكاة، فمعنى ذلك أنه سيحتاج إلى أن ينظر في الشهر الذي بعده كمْ وَفَّرَ؟ فينقل هذه مع تلك إلى أن تبلغ النصاب، ثم يجمعها مع نصاب الشهر الذي بعده، فيحتاج إلى عمل مُضن جدًا ولا يخلو من خطأ وخلل في طريقة حساب زكاتها.
الأصل هو ذلك، أن يجعل له جدولا، وأن يُبين كم استبقى في كل شهر، ثم يحسب في ذلك الشهر، هل تبلغ النصاب أو لا تبلغ النصاب، فإن كانت لا تبلغ النصاب؛ فإنه يضمها إلى الشهر الذي بعدها، أو الشهر الذي بعدها مع الذي بعدها، إذا كان الوفر في الأشهر الثلاثة قليلا، أي: لا تبلغ النصاب، وذلك حتى تبلغ النصاب ثم يدون النصاب من الشهر الثالث، إلى أن يأتي من السنة القادمة، فكل شهر يؤدي زكاة ما استبقى من ذلك الشهر، وكما قلنا: إن هذا فيه عمل مضن للغاية.
ولذلك درج كثير من علمائنا المعاصرين وأهل الفتيا على أنَّه في مثل هذه الأحوال يُعين شهرًا، ويُؤدي فيه زكاة ما ادَّخره في الأشهر كلها، فيكون الأمر بين زكاةٍ حَالَّة من أول الشهر الذي بدأ فيه بالادخار، وزكاة معجلة، وما كان غير مستكمل لوجوب الزكاة كما لو كان مثلا خمسمائة، وصرف منها ثلاثمائة وحسبها في المجمع من حساب الزكاة، فتكون صدقة مُستحبة، ويكون في ذلك سلامة ذمته، والخروج من الإشكالات أو المشقة التي تكون فيها الأمور من الصعوبة بمكان.
لكن لا يلزم الإنسان إلا أن يُدون ويؤدي الواجب عليه والله يعينه في حساب وضبط ما عنده.
لماذا الصعوبة هذه؟ ولماذا لم توجد في القرون الأولى؟
القرون الأولى ما كان فيها الأوراق النقدية بهذا الانتشار، ولم تكن الحسابات البنكية، فكان يكون عنده ذهب يحفظه، وعنده فضة يحفظها، وإذا أنفق منها عرف أنها نقصت سواء من هذه أو من هذه، وعرف أنَّ هذه بقيت عنده هده المدة، وهذه بقيت هذه المدة، فكانت الأمور يسيرة للغاية، ولكن لَمَّا اختلفت أحوال الناس؛ اختلفت الأمور.
وأيضًا سبل الاكتساب فيما مضى في الغالب أنها كانت مقتصرة على عروض التجارة أو على الزراعة، أما من شأنهم أن يكتسبوا باليوم في الغالب أنهم إنما يكتسبون الكفاف، فلا يأتي عليهم أنهم يكون عندهم مدخرات تستوجب عليهم هذه الإشكالات، أما لَمَّا تغيرت وجاءت الثورة الصناعية والتجارية وما تبعها من أن أكبر مصادر للرزق والتكسب هي الأعمال والوظائف، وما ينفقه الإنسان من وقت، وما يبذله من جهد؛ فاختلف الأمر وصارت ليست كالتجارات التي ربحها ويبنى عليها، فالربح الأول تبع للنصاب الأول، فلا يكون فيه أشكال.
وبناء على ذلك نقول: إن الحكم فيها على نحو ما ذكرناه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَإِنْ نَقَصَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا فِرَارًا انْقَطَعَ)}.
قوله: (وَإِنْ نَقَصَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ) مثل: واحد عنده نصاب زكاة الإبل مثلا خمس من الإبل أو ست واكتملت فيها الشروط -على ما سيأتي من شروطها بعد قليل- ثم باع اثنتين فصار معه أربع، والأربع ليس فيها زكاة، وبالتالي نقول: انقطع الحول، فيحتاج إلى أن يشتري خامسة، ثم يبدأ حولا جديدًا.
(بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ) وغيره هنا يعني: أهداها، فعبد الله طالب علم مكب على كتبه يحبه شيخه؛ فأهدى له واحدة من إبله، وبعد ذلك نقصت من النصاب، ثم استحى عبد الله وردها إلى شيخه ورد معها شيئًا، فهنا حتى ولو ذهبت ورجعت ستبدأ حولا جديدا بشرط أن لا يكون حيلة ولا فرارًا من الزكاة، أمَّا إذا كان فرارًا من الزكاة كما يفعل بعضهم، يقول مثلا: وهبته لك يا زوجتي، أو هبتها ابني، وابنه كان صغيرًا، ثم يتملكه من مال ابنه، فهذا على سبيل الفراق، وما كان على سبيل الفراق؛ فإنه لا يجد عليه عند الله شيئًا، وهو آثم في ذلك، والزكاة لازمة له، وما فعله هو تحايل على الشرع، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ .
فإذًا ما دام أنه غير تحايل ولا فرار؛ فإنَّ الحول ينقطع بهذه التصرفات.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِجِنْسِهِ فَلَ)}.
لو كان عنده عشر من الإبل، ومع قيام سوق الإبل، وتنامي الرغبة فيها، واختلاف الناس فيما بين المجاهيل من الوضح، فيصير بين الناس مثل هذه التبادلات، يقول: أعطني عشرًا بعشر مما عندك، فنقول: إذا أبدله فلا ينقطع الحول، ما دام أنها من جنسه، أمَّا إذا كانت من غير جنسه فينقطع الحول، ويبدأ حولا جديدًا، كما لو أخذ غنمًا بإبل أو كما لو أخذ إبلاً بسيارات للتجارة. وهنا انتهى حول بهيمة الأنعام ويتجدد له حول جديد بهذه السيارة التي أخذها بدل الإبل التي عنده؛ ليريد بها التجارة والأعمال والتكسب والارتزاق. واضح؟
فإذا عندنا مسألة لطيفة جدًا، يعني: لاحظ الآن أنا أملك عشرًا من الإبل، وبعت اثنتين، ثم بعد يومين أو ثلاثة أيام اشتريت واحدة، أو اشتريت اثنتين، يعني بما يكمل به النصاب، هذا باب نقص الحول وانتهى، أي لا توجد زكاة، وعليه أن يبدأ حولًا جديدًا، أمَّا إبدال جنس بجنس مما تجب فيه الزكاة، وتنطبق عليه الشروط؛ فهذا تجب عليه الزكاة، ويستمر عليه الحول ولا ينقطع.
{أحسن إليكم.
قال -رحمه الله: (وَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى)}.
إذا قبض الدين، أي: فيمن له دين، إذا كان للإنسان دين، فأنا أريد من أخي مثلاً مائة ألف ريال، هذا المال مالي، وهو من الأموال الزكوية، فبناء على ذلك، إما أن نقول: إذا مضت السنة تؤدي زكاته، ويلزمك البذل.
وأمَّا إذا لم يكن عندي ما أبذل به الزكاة؛ فلأجل ذلك راعى الفقهاء الأمر من الجهتين، من جهة أنَّ هذه أموال زكوية وفيها حق للفقراء، ومن جهة أنه قد لا يكون لك القدرة على البذل، فلا تلزم حتى تقبضها، فإذا قبضتها وكان قد بقي عند أخيك خمس سنوات، نقول: أدِّ زكاة خمس سنوات، السنة الأولى مائة ألف، فإذا أخرجت السنة الأولى ألفين ونص، تخرج السنة الثانية زكاة سبعة وتسعين ألف وخمسمائة، وهكذا حتى السنة الخامسة.
فعند ذلك لاحظنا وجوب الزكاة في المال، ولاحظنا حق المزكي بألا نرهقه وألا نحمله على ما لا يطيق.
فإذا قال شخص: والله أنا لا يمكن أن أتحمل إذا استلمت المال أن أزكي، نقول: إذا أمكنك وإذا أردت أن تزكيه من عندك وعندك أموال أخرى؛ فَزَكِّه عن هذا، وهذا أفضل وأتم وأيسر عليك؛ لئلا تتراكم عليك الزكاة وتثقل، ولكن لا نلزمك بذلك، نعم هو مال وجبت به الزكاة، لكن تخفيفا عنك؛ ولأنَّ المال ليس حاضرًا بيدك، فلا تجب عليك الزكاة حتى تقبضه، لكن لو تبرعت بزكاته وابتدأت بالبذل عن المال الذي لك في ذمة فلان أو فلان فهذا منك، ولك أجر ما بذلت، وما أسرعت إليه، وما قمت به. وهذا من المسائل المهمة.
طبعا بعض الفقهاء، وهذا عند الحنابلة، وعند جمع من أئمة المذاهب، وكلام دقيق ويبعد عنه الأشكال ونحو ذلك.
بعضهم ذهب مذهبًا آخر، وقال: هل المال في حكم المعدوم أو في حكم الموجود؟ فإذا كان في حكم المعدوم؛ كأن يكون على مماطل أو شخص مُعسر أو نحو ذلك؛ فلا تجب فيه الزكاة، وإذا قبضت كأنه مال تجدد لك.
أما إذا كان عند مليء باذل؛ فبناء على ذلك تُحسب زكاة المال فيه، ونحن نقول: إنَّ ما ذكره الفقهاء هنا أسلم وأبعد، الذمة ثابتة به، والملك حاصل لك، والتخفيف معتبر بأنك لا تزكي حتى تقبض، فلا يكون في ذلك إشكال ولا حاجة إلى هذه التفرقات، وإن كانت عليها فتية بعض مشايخنا، وإن كان هو قول ابن تيمية، وقول جمع من أهل التحقيق. واضح؟
هذا فيما يتعلق بالدين، وهذا في الحقيقة محتاج إليه خاصة أنَّ كثيرًا من الأعمال التجارية الآن تنحو هذا المنحى، فما يسمى الآن بالتدفق المالي أو ما يسمى باللغة الإنجليزية (financial flow) أو كذا صار عند الناس قليل، فصارت أكثر سريان التجارات التقسيط، نعم فيأتي هذا عند هذه البضائع مائة سلعة، وكل سلعة تساوي عشرة آلاف، فباع هذه السلعة على فلان باثنتي عشرة ألف مؤجلة، وباع هذه السلعة بستة عشر ألف مؤجلة إلى أكثر من سنتين، وهكذا، المهم. فإذا جئت تنظر إلى ما عنده، فوجد في حوزته سيارتين وعشرين ألف، وعنده في السوق ديون بمليون وخمسمائة ألف، فلو قلنا لا تجب الزكاة في الديون فعند ذلك سيذهب الكثير من معنى الزكاة الحقيقي.
ولذا نقول: يؤدي زكاة العروض التي موجودة عنده، والمال الذي عنده، ثم يحسب ما عنده من دين ويقيد زكاته، إن شاء بذلها، وإن شاء أيضًا إذا قيدها كلما قبض منها شيئًا؛ بذل زكاته. المهم أنه لا يأتي ويقول: هذه ديون، ويرى في ذلك سبيل من الزكاة باعتبار أنها ليست في يده. فنقول: ما دامت في ملكك فالزكاة واجبة، والشرع يُرخص لك أن تؤخر بذل الزكاة فيها حتى تقبضها، وما قبضت منها من قليل أو كثير تُؤدي زكاته شيئًا فشيئًا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَشُرِطَ لَهَا فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ سَوْمٌ أَيْضً)}.
بهيمة الأنعام، هذا هو أول الأموال الزكوية، وذكرنا أنها سميت أنعامًا لعظم النعمة بها، فليست النعمة بها كسائر ما ينتفع به، سواء كان ذلك من دواجن أو كان ذلك من خيل أو غيرها، ذلك الذين يعملون ويرتزقون بالغنم أو بالبقر أو بالإبل، كثير من الناس سواء كان ذلك بالرعي والسوم أو كان ذلك بالبيع والشراء، إلى غير ذلك؛ فسميت نعمًا لكثرة النعمة بها، فلأجل ذلك أيضا تعلق بها حكم الزكاة دون ما سواها، ولا تجب الزكاة في غيرها إلا أن تكون عقود تجارة، أما من جهة أعيانها؛ فإنها لا تبلغ من النعمة ما تبلغ النعمة بوجود هذه الأشياء، الناس ينتفعون بها وبدرها وبصوفها وببيعها ونتاجها، إلى غير ذلك.
لكن مع الشروط المتقدمة، ذكر أهل العلم أنه يجب في زكاة بهيمة الأنعام شروط ثلاثة.
أولها: أن تكون سائمة بمعنى أن تكون راعية الحول أو أكثره، فإذا كانت تُعلف؛ فالعلف مهلك لصاحبه، ولأجل ذلك خفف الشارع عن مثل ذلك وجوب الزكاة عليه، إلا أن تكون عروض تجارة، فإذا كانت عروض تجارة فلا ينظر إلى أنها تعلف أو لا تعلف، ولكن الكلام إذا كانت بهيمة أنعام تتخذ للدر والنسل.
والثانية أن تكون متخذة للدر والنسل، أمَّا لو كانت متخذة لغير ذلك؛ فلا.
ما معنى متخذة لغير ذلك؟
أحيانا تتخذ للعمل، كما في الحرث أو نحو ذلك، فالنبي ﷺ يقول: «ليس في البَقَرِ العوامِلِ صدقةٌ» أي: التي تتخذ للعمل.
والثالث هو ملك النصاب وتمام الحول، وهذا ما في الشروط المتقدمة.
فإذًا هذه شروط زائدة على الشروط المتقدمة في وجوب الزكاة في الجملة، أن تكون متخذة للدر والنسل، وأن تكون سائمة راعية للحول أو أكثره.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَأَقَلُّ نِصَابِ إِبِلٍ: خَمْسٌ، وَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ: بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ، وَفِي سِتٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاثٌ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَرْبَعٌ)}.
قوله: (وَأَقَلُّ نِصَابِ إِبِلٍ: خَمْسٌ) إذًا النصاب في الإبل خمس، كما جاء بها الحديث عن النبي ﷺ: «ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإبِلِ صَدَقَةٌ»[2]، ومعنى ذلك أنَّ من ملك أربعًا لا زكاة عليه، والنظر إنما هو إلى العدد مجردًا، فلو كانت هذا الأربع طيبات تساوي قيمة عشرين، فلا زكاة فيها، ولو كانت واحدة منها تساوي خمسين من غيرها؛ فلا اعتبار، إلا أن تكون عروض تجارة، فإذا كانت عروض تجارة، فتنتقل من كونها بهيمة أنعام إلى عروض تجارة، وعروض التجارة يدخل فيها كل ما يتخذ للبيع والشراء.
أمَّا إذا بلغت خمسًا فوجبت فيها الزكاة، للحديث السابق، وهذا محل اتفاق، ولهذا كان الواجب على من ملك خمسًا أو من ملك سبعًا أو من ملك تسعًا شاة واحدة، ولذلك يقول أهل العلم: ما بين الفريضتين يسمى وقصًا لا زكاة فيه، فاذا بلغت عشرًا ففيها شاتان، ثم ثلاثة عشر وأربعة عشر كلها شاتان، وإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث شياه، وفي عشرين أربع، وإذا وصلت خمسًا وعشرين؛ فإنه يخرج منها بنت مخاض وهي أنثى الإبل التي تَمَّ لها سنة.
إذًا في خمس وعشرين، وست وعشرين، وسبع وعشرين، وثمان وعشرين، إلى خمس وثلاثين، بنت مخاض.
إذًا تأمل أنَّ الذي عنده خمس وعشرين يخرج بنت مخاض، والذي عنده خمس وثلاثون، يعني: معه عشرة أكثر عن الأول، وبالرغم من ذلك فالواجب عليهما متساوٍ.
لقائل أن يقول: كيف ذلك؟
نقول: هذا حكم الله -جل وعلا- والله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَ﴾ [النور:51]. فالحكم حكم الله، واتباع لسنة رسول الله ﷺ، ولا اعتراض ولا امتناع، وإنما هو انقياد وقبول وعمل، ولا إعمال للنظر، ولا حكم للعقل على الشرع، فالعقل محكوم والشرع حاكم، والشرع متبوع والعقل تابع، وغاية ما يكون من عقل الإنسان هو بيان للحكمة أو استنباط للسبب، وأمَّا الحكم والقطع والحد والأمر فإنما هو لله -جل وعلا- ولسنة رسوله ﷺ، أي: اتباع واهتداء؛ لأنَّ عقل ابن آدم أصغر من أن يكون عارفًا بحقائق الأمور، والله -جل وعلا- له الحكمة البالغة، وهو الذي ابتلى العباد بهذه الملة، وهو الذي شرَّع لهم الشرائع، وأرسل لهم الرسول، فكان عليهم الاتباع والاقتداء، ولذلك قال عليٌّ القولة المشهورة: "لو كانَ الدِّينُ بالرَّأيِ لَكانَ أسفَلُ الخفِّ أولى بالمسحِ مِن أعلاهُ"[3]؛ لأنه هو الذي يتعرض للقذر والوسخ ونحوه، لكنه اتباع واقتداء، ولذلك إنما المسح على الخف أولى من أعلاه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَفِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاثٌ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَرْبَعٌ)}.
إذًا بنت ستة وثلاثين هي بنت لبون، وسميت بذلك لأنَّ أمها نتجت نتجت مرة أخرى فصارت ذات لبن، يعني: أمها لبون.
وفي ست وأربعين حقة، وهي التي استحقت الفحل، فما بين خمس وأربعين وست وثلاثين الحكم فيها كلها واحد، وهي: بنت لبون.
وفي إحدى وستين -الآن لاحظ- من ستة وأربعين إلى إحدى وستين، يعني: فيها خمسة عشر من الإبل لا شيء فيها، ولا يجوز أن يأتي من يقول هذا الخمسة عشر نوجب فيها ثلاث شياه.
نقول: لا، الحكم انتهى، وبناء على ذلك نقول: من عنده ستون فيجب عليه حقة، كما أنَّ من يملك ستًا وأربعين وجب عليه حقة سواء بسواء.
إحدى وستين تجب فيها جذعة، وهي التي تم لها أربع سنين.
{أحسن الله إليكم.
وقال -رحمه الله: (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ حِقَّتَانِ)}.
نعم في ست وسبعين بنتا لبون، يعني الآن صار الفرق في خمسة عشر، إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون.
ومن يملك خمسًا وسبعين كمن يملك إحدى وستين في أنَّ الواجب فيهما جذعة.
{أحسن الله إليك.
وقال -رحمه الله: (وَفِي إِحْدَى وَتسِعينَ حِقَّتَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ)}.
في إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين، يعني صار الفرق ثلاثين، فمن يملك إحدى وتسعين أو مائة وعشرين فالواجب فيهما: حقتان.
أمَّا إذا بلغت مائة وواحدا وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون. فيها ثلاث بنات لبون.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ)}.
هذا الذي يسميه الفقهاء استقرار الواجب، فمن عنده أكثر من مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وبناء على من ذلك، من عنده مائة وثلاثون فالواجب عليه بنت لبون وحقة، هذا أحسن شيء، ومن عنده مائة وأربعون؛ فالواجب عليه حقتان وبنت لبون، ومن عنده مائة وخمسون؛ فالواجب عليه ثلاث حقات، ومن عنده مائة وستون؛ فالواجب عليه أربع بنات لبون، ومن عنده مائة وسبعون؛ فالواجب عليه ثلاث بنات لبون وحقة، ومن عنده مئة وثمانون؛ فالواجب عليه بنتا لبون وحقتان، ومن عنده مائة وتسعون؛ فالواجب عليه ثلاث حقات وبنت لبون، ومن عنده مئتان؛ فالواجب عليه إمَّا أربع حقات أو خمس بنات لبون، وهكذا.
{أحسن الله إليكم.
قال: -رحمه الله: (وَأَقَلُّ نِصَابِ الْبَقَرِ: ثَلَاثُونَ، وَفِيهَا تَبِيعٌ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَةٌ، أَوْ تَبِيعَةٌ)}.
إذًا المؤلف -رحمه الله- تعالى انتهى مما يجب في الإبل، ودخل فيما يجب في البقر، طبعًا في تفاصيل في حال لم يجد أو وجد أكبر منها أو كذا، لكن على ما جاء في أنَّ هذا (أخصر المختصرات) فأعرض المؤلف عن مثل هذه التفصيلات، وأيضا بالنسبة لعموم الناس الآن فهذه الأشياء قليلة أن تكون في أعمالهم أو كسبهم في مثل بهيمة الأنعام، على هذا النحو.
قال: (وَأَقَلُّ نِصَابِ الْبَقَرِ) سميت البقرة بقرة؛ لأنها تبقر الأرض وتحفره، ولذلك كثيرًا ما تتخذ للحرث.
ومن عنده أقل من ثلاثين بقرة فلا زكاة عليه، أي أنَّ من عنده تسعًا وعشرين فلا زكاة عليه، فاذا وجد عنده ثلاثين بالشرط المتقدم، أن تكون سائمة الحول أو أكثره، وأن تكون متخذة للدر والنسل، وأن يكتمل الحول ويتم النصاب والإسلام ونحوه من الشروط العامة، فعند ذلك تجب الزكاة في البقر، يجب فيها تبيع أو تبيعة، وسميت التبيع تبيعا؛ لأنَّه يتبع أمه، وهو الذي له سنة، ولو تلاحظ أن أكثر الواجب إنما هو إناث، وإنما ذكروا في التبيع وابن لبون بدلًا من بنت مخاض، وهذا من الأشياء التي أعرض عنها المؤلف، فلا ندخل فيها، ولكن النفع بالأنثى أكثر من الذكر، فلذلك هو الأغلب ما جاء في الفريضة.
{أحسن الله إليكم..
قال -رحمه الله: (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي سِتِّينَ تَبِيعَانِ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ)}.
إذًا من ثلاثين إلى تسعة وثلاثين الواجب واحد، تبيع أو تبيعه، وفي أربعين إلى ستين تجب مُسنة، والمسنة من بلغت السنتين، يعني: الذي عنده تسعة وخمسون والذي عنده أربعون الواجب عليهما مسنة.
ومن كان عنده ستون ففيها تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. يعني: الذي يملك ثمانين يخرج مسنتين، وتسعون فيها ثلاث تبيعات. ومائة فيها تبيعان ومسنة، ومائة وعشر مسنتان وتبيع، ومائة وعشرون يصير فيها هكذا وهكذا، إمَّا أربعة وإمَّا ثلاث مُسنات، وهكذا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَأَقَلُّ نِصَابِ الْغَنَمِ: أَرْبَعُونَ، وَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ)}.
لاحظ هنا أنه بدأ بالغنم.
وهنا أريد أن أنبه إلى مسألة، تقدمت في البقر وفي الإبل، ومثل ذلك الغنم، فالغنم اسم لكل ما شمل ذلك الاسم، فيدخل في ذلك المعز والضأن، والبقر يدخل فيه البقر والجواميس ونحوها، الإبل يدخل في هذا مثلا العربي أو البَخَاتيّ أو الحجازي أو السواحلي بأنواعها، كلها داخلة في اسم واحد، فهي جنس يتعلق به الحكم، ويتم به العدد على ما تقدم.
قال المؤلف -رحمه الله: (وَأَقَلُّ نِصَابِ الْغَنَمِ: أَرْبَعُونَ) وهذا كله أتي في حديث أبي بكر عند البخاري في الصحيح، فالذي عنده تسع وثلاثون من الغنم لا زكاة عليه، والذي عنده أربعون؛ عليه شاة واحدة. ثم ماذا؟
انظر، من عنده أربعون ومن عنده مائة وعشرون، هذا حكم الله، والواجب عليهم واحد، يعني الذي عنده ثمانين أو تسعين أو خمسة وتسعين أو مائة وثلاثة عشر أو مئة وتسعة عشر، فالواجب واحد.
واذا بلغ عنده مئة وواحد وعشرون فعليه شاتان إلى مئتين، (وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ) فإذًا الذي عنده ثلاث مائة عنده ثلاث شياه نفس الشيء، حتى ثلاثمائة وتسعة وتسعين عليه ثلاث، ومن عنده أربعمائة تجب عليها أربع، وخمسمائة خمس، وهكذا.
{أحسن الله إليك.
قال -رحمه الله: (وَالشَّاةُ بِنْتُ سَنَةٍ مِنَ الْمَعْزِ، وَنِصْفُهَا مِنَ الضَّأْنِ)}.
فإذا كانت بنت سنة فهي شاة ونصفها من الضأن وهو الذي له تم ستة أشهر؛ فيسمى جذعً، يجزئ فيما يبذل في الزكاة
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَالْخِلْطَةُ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ بِشَرْطِهَا تُصَيِّرُ الْمَالَيْنِ كَالْوَاحِدِ)}.
الخلطة هي أعم من الشركة، لَمَّا كان أحوال الناس فيما مضى أنهم يجمعون ما عندهم من الغنم، ويجعلون لها راعيًا واحدًا، أسهل عليهم وأقل في الكلفة، ولأنه لا يَتثنى لكل أحد أن يسرح مع غنمه، وأن يقوم عليها ونحو ذلك، ولابد لهم من غنم يتمنحون منها ويرتزقون.
فبناء على ذلك، ألقى الشارع الحكم على ظاهر الأمر؛ لأنه لَمَّا قد يكون لبعض ضعاف النفوس ماذا؟ أن هذا ليس كله ماله، وإن فيه خمسًا منها ليست من عنده حتى ينقص من اثنتين إلى واحدة إلى أن لا يجب عليه شيء، واحد عنده خمسة وأربعون من الغنم، قال: الذي لي ثمانية وثلاثين، فتفتح لضعاف النفوس من التحايل على الزكاة ونحوها، والشارع جاء وقال: المال المختلط كالمال الواحد، والخلطة تصير المالين كالمال الواحد، «وما كانَ مِن خَلِيطَيْنِ، فإنَّهُما يَتَرَاجَعَانِ بيْنَهُما بالسَّوِيَّةِ»[4]، وهذا قول النبي ﷺ، فكونهما يتفقان في ستة أشياء: في مراحلها وفي كذا، فحكمها كذلك، حكم الفقهاء بناء على ما جاء في الحديث بالخلطة، وكما قلنا: الخلطة أن الأعيان معروفة، لكنها مجتمعة في بعض الصفات، في رعيها، وفي مراعيها، وفيما تسرح فيه، وفي فحلها.
وبناء على ذلك قالوا: إنها تكون كالمال الواحد منعًا للمتحايلين في الزكاة، ومن أراد أن يتهرب من وجوبها، ويتحايل على سقوطها.
لعل فيما ذكرناه فائدة، أسأل الله -جل وعلا- أن ينفعنا وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح، وأن يزيدنا من العلم والهدى، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، إنَّ ربنا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
{جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم الإسلام والمسلمين نستكمل ما بقي في مجالس قادمة -إن شاء الله تعالى- حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
----------------------------------
[1] رواه مالك في الموطأ وصححه الألباني في الإرواء.
[2] رواه البخاري (1405).
[3] أخرجه أبو داود (162) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (119)، وأحمد (737) بنحوه.
[4] رواه البخاري (1451).