{الحمد لله، الحمد لله الملك العلام، القدوس السَّلام، وصلى الله وسلم على خير مَن صلَّى وصام، وتعبد وقام، محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم سلام.
أمَّا بعد، فأهلًا وسهلًا بكم أعزاءنا المشاهدين والمستمعين في كل مكان، في مجلس جديد من مجالس شرح متن (أخصر المختصرات)، يشرحه فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان، أهلا وسهلًا بكم صاحب الفضيلة}.
أهلًا وسهلًا، حيَّاك الله وحيَّا الله الإخوة المشاهدين.
أنا عندي ملحوظة ودي أقولها من أول ما بدأنا هذا: ليس شرحًا، غاية ما فيه أنه تقريب للمعنى، وإعانة على الوقوف على ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- وأرجو أن يدلنا الله على الصَّواب وألَّا يكلنا إلى أنفسنا، تفضل.
{اللهم بارك فيكم ونفع بكم، نستأذنكم في استكمال ما توقفنا عنده أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتُسَنُّ صَلَاةُ كُسُوفٍ رَكْعَتَيْنِ، كُلُّ رَكْعَةٍ بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْ)}.
بسم الله، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعد؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا من عباده الذين إذا أعطوا شكروا، وإذا أذنبوا استغفروا، وإذا نسوا تذكروا، وأن يجعلنا من عباده المتقين وأوليائه الصالحين، وأصفيائه المخلَصين المخلِصين يا رب العالمين، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين، وأن يحفظ العباد والبلاد، وأن يحفظ علينا ولايتنا وجماعتنا وجنودنا وحدودنا ومقدساتنا ومقدراتنا يا رب العالمين.
أيها الإخوة؛ كنا في المجلس الماضي أتينا على ما بقي مما ذكره المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في مسائل صلاة العيدين وكما قلنا: إنَّما هي نتفٌ وتذكرةٌ ببعض الكلام، يفوت علينا بعض وندرك بعضا، وأظن أننا كنَّا نعرِّج على أيام التشريق، لأنَّ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ذكر أنها هي الأيام التي تكون محلًّا للتَّكبير المقيَّد عقيب الصَّلاة.
وأيام التشريق: هي يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فآخرها اليوم الثالث عشر من ذي الحجة في صلاة العصر فإنه هو آخر هذه الأوقات، فإذا غربت الشمس وصلوا صلاة المغرب يكون قد انتهى وقت التَّكبير المقيد وفات.
والتشريق: أخذت من تشريق اللحم وتقطيعه، وسيأتي ذلك بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا- في موضعه في الكلام على كتاب الحج بإعانة الله وتوفيقه.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَصْل)، هذا الفصل ذكره تِباعًا في المسائل المهمة في أحكام الصلوات، ولما كانت صلاة الكسوف مما أمر الله -جَلَّ وَعَلَا- بها وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث «فَإِذَا رَأَيْتُمْ شيئًا مِن ذلكَ فَصَلُّو»[1]، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم، وتعتبر لها الجماعة، وهي من فروض الكفاية؛ جعلها المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عقيب صلاة العيد.
قال: (فصل: وَتُسَنُّ صَلَاةُ كُسُوفٍ)، صلاة الكسوف هي الصَّلاة التي تُصلى إذا ذهب نور الشمس أو بعضه، أو نور القمر أو بعضه، وهذا يحصل بلا شك ولا ريب في نهاية الشهر بالنسبة للشَّمس وحصول ذهاب ضوئها وانخساف قرصها، ويحصل للقمر في الإبدار وهو في اليوم الخامس عشر الذي هو اكتمال القمر وتمامه.
وهل يحصلان في سائر الأيام؟
عند علماء الفلك وقال به كثير من أهل التحقيق كما انتصر لذلك ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- وجماعة من أهل العلم، فإن ذلك لا يحصل ولا يتأتى.
وبعضهم يقول: إنه يمكن حصول ذلك.
وربما أكثر ما يكون في ذلك لمن قال: إنه يمكن حصوله في غير الاستسرار والإبدار بالنسبة للقمر؛ فذكروا أن موت إبراهيم كان في اليوم العاشر، وأنه انكسفت فيه الشمس، هو صحيح أن في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم انكسفت فيه الشمس، لكن لم يكن اليوم العاشر، والحديث المروي في ذلك إنَّما هو عند أهل السير بلفظ ضعيف جدا، فلا يكون ذلك مشكلًا على قول من قال إنَّما يكون الخسوف في وقت محدد.
والكسوف يقال فيه: "كسوف" ويقال "خسوف"، وهما مما يقوم بعضهما محل بعض، فيمكن أن يقال: كسوف الشمس وكسوف القمر، ويُقال: خسوف لهما أيضًا جميعًا.
لكن هل بينهما فرق؟
بعضهم يقول: الكسوف للشمس والخسوف للقمر من حيث الأصل.
بعضهم يقول: الكسوف هو ذهاب بعض الضوء، والخسوف هو ذهاب جميعه. ولهم في هذا أقاويل متقاربة جدًّا.
وصلاة الكسوف هي مما جاءت بها السنة وأجمع عليها أهل العلم على مشروعيتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حصل الخسوف في عهده قال: «فإذا رَأَيْتُمُوهُما، فافْزَعُوا إلى الصَّلاةِ»[2]، وقام النبي صلى الله عليه وسلم ونادى لها "الصَّلاة جامعة" وصلى بالناس وصلى معه أصحابه -صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عن الصحابة أجمعين- فالأمر مستقر في ذلك.
وهي كما ذكر أهل العلم أنها فرض كفاية للأمر بها ولا تبلغ فرضَ العين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ. فَقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ»[3]، فدلَّ على أن غيرها لا يمكن أن يكون فرض عين مثلها، فإنما هي فرض كفاية وهذا قول أكثر أهل العلم.
منهم مَن قال: إنها فرض عين وتلك إنَّما هو في الصَّلاة التي تتكرَّر في كل يوم، وهذا له مأخذ آخر، والأمر بها دال على أنها واجبة لازمة على الأعيان، لكن هذا القول وإن كان له وجه إلا أنه بعيد، فإذًا هي فرض كفاية.
وينبغي لمن وقع في وقته كسوف أن يسرع إلى ذلك طلبًا لتحصيل فرض الكفاية، ولئلا يعرض نفسه إلى الإثم، ولئلا يفوت على الناس القيام بهذه الشعيرة.
قال: (وَتُسَنُّ صَلَاةُ كُسُوفٍ)، المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- على أنها مسنونة مستحبة.
قال: (رَكْعَتَيْنِ)، وهذا قال به بعض الفقهاء.
قوله: (كُلُّ رَكْعَةٍ بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ)، وهذا شروع من المؤلف في صفة صلاة الكسوف، وصفة صلاة الكسوف صفة مخصوصة، ليس على غرارها شيء من الصلوات البتة، وذلك أن الأصل في الصلوات أنها ركعة بركوع وسجدتين، إلا صلاة الكسوف فإن كل ركعة بركوعين وسجدتين.
فيقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (كُلُّ رَكْعَةٍ بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ)، وهذا جاء في الحديث الذي في الصحيح، فيقوم الإمام أو المصلي في الكسوف سواء كانت فرادى أو كانوا جماعة -كلُّ ذلك صحيح ويحصل به المقصود- فيكبر ويصلي، يقرأ الفاتحة ثم يقرأ سورة، ويستحب فيها الطول، ثم يركع، ثم إذا رفع من الركوع، وذكر الذكر بعد الرفع من الركوع شرع في قراءة الفاتحة وقرأ أيضًا سورة بعدها، ثم ركع ركوعًا ثانيًا، ثم إذا قام قال ما يشرع بعد القيام من الركوع، ثم سجد، فهذه ركعة بركوعين وسجودين، وكذلك الركعة الثانية على حد سواء، لكن ينبغي أن يُعلم أنه لو صلاها بركعتين في كل واحدة منهما ركوع واحد لصحَّت.
والركوع الذي يحصل به إدراك الركعة إنَّما هو الأول، لأن الثاني ليس بلازمٍ ولا واجب، فمن فاته الركوع الأول جاء والإمام يقرأ لكنه بعد الركوع الأول فإن عليه أن يعيد الركعة كاملة بركوعيها وسجدتيها، فهذا مما ينبغي أن يعلم في هذه الصَّلاة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتَطْوِيلُ سُورَةٍ وَتَسْبِيحٍ، وَكَوْنُ أَوَّلِ كُلٍّ أَطْوَلَ)}.
ذكرنا صورتها وهيئتها على سبيل الاختصار، فالمؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قال: (وَتَطْوِيلُ سُورَةٍ وَتَسْبِيحٍ)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها وأطال وهذا جاء في الحديث الذي في الصحيح، فينبغي الإطالة فيها، قال: (وَتَطْوِيلُ سُورَةٍ وَتَسْبِيحٍ)، يعني في الركوع وفي السجود فكل ذلك مما يحصل فيه الإطالة، ولأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء قريبًا من السواء يعني ركوعها وسجودها، فإذا أطال في القيام أطال في الركوع، وإذا أطال في القيام أطال في الركوع؛ كل بحسبه، يعني بالنسبة والتناسب.
قال: (وَكَوْنُ أَوَّلِ كُلٍّ أَطْوَلَ)، يعني القراءة الأولى في الركعة الأولى أطولها، ثم الثانية في الركعة الأولى أقل من ذلك بقليل، ثم القراءة الأولى في الركعة الثانية أقل من سابقتها، والقراءة الرابعة في الركعة الثانية أقل من التي قبلها، ومما يعلم أيضًا أنه يمكن أن تصلى صلاة الكسوف كل ركعة بثلاث ركوعات، وجاء بأربع، لكن الأولى أن يُقتصر على ركوعين فإن هذا هو الأشهر والأكثر ثبوتًا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو معنى قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَوْنُ أَوَّلِ كُلٍّ أَطْوَلَ).
{أحسن الله إليكم قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَاسْتِسْقَاءٍ إِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ وَقُحِطَ الْمَطَرُ. وَصِفَتُهَا وَأَحْكَامُهَا كَعِيدٍ)}.
قال: (وَاسْتِسْقَاءٍ)، هذا انتقال من الكسوف، ولعلكم تلحظون أن المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- اختصر في أحكامها كثيرًا، ولعلنا نكتفي بما اقتصر عليه، لكن نذكر بعض الأشياء التي تكمل ذلك:
فمما ينبغي أن يعلم:
- أنَّه ينادَى لها بـ "الصَّلاة جامعة" أو "الصَّلاة".
- وأنَّ مَن أدركها فصلاها مع الناس أو صلى وحده.
- وأنَّ المصلين إذا صلوا ففرغوا من الصَّلاة والكسوف باقٍ فإن الأولى في حقهم أن يُكثروا من التسبيح الصَّدقة والبذل وأعمال البر، وجاء في بعض الأحاديث «والعتق»، كأنه جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّهُما آيَتانِ مِن آياتِ اللَّهِ لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ»[4]، لأن هذا يعني رد على أهل الجاهلية الذين كانوا يعتقدون أنها تنكسف لموت العظماء نحوه.
قوله: «آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بهِما عِبادَهُ»[5]، فلما كانت محلًّا للتخويف فإن على العبد أن يكون حصول ذلك محلًّا للرجوع والتوبة والقرب من الله -جَلَّ وَعَلَا- والتقرب بالطاعة واستدراك ما فات، والاستغفار من الذنوب والمعاصي والآثام.
أيضًا الكسوف والخسوف قد يعلم من جهة الحساب، لكن العلم به من جهة علم أهل الفلك والحساب لا يعني بالضرورة فعل الصَّلاة بالبناء على هذا العلم، فإنه لا تصلى حتى يرى ذلك، فإن متعلَّق ذلك الرؤية والحصول في الحقيقة، فلو أنهم قالوا: إنها تنكسف أو تنخسف في اليوم الفلاني، وأجمع على ذلك علماء الفلك، ثم جاء هذا اليوم فيه ضباب أو غمة أو سحاب كثيف فلم يُرَ فلا تصلَّى حتى ولو كان قولهم مما يوثق به، فإذًا مبنى ذلك على الرؤية.
أيضًا أن كونه لا يعرفان من جهة الحساب والفلك لا يعني ذلك انتفاء المقصود من حصولهما وهو الحكمة العظيمة في التخويف للعباد والإنذار لهم، لأن الله -جَلَّ وَعَلَا- بنى هذا الكون على سنن كونية، وجعلها للعباد تقريبًا مما قد يدركونها، لتصلح بذلك معاملاتهم وأمورهم، فيعرفون الشتاء وأوقات نزول المطر في الجملة، لكن أيُّنا يمكن أن يقطع بأن المطر حاصل وأنه باق في الأرض، وأنه نافع للعباد؟! لا؛ كل ذلك بيد الله -جَلَّ وَعَلَا-، فما يحصل من العلم لا يمنع ما فيها من الحكمة، والله -جَلَّ وَعَلَا- قدَّر لكلِّ ذلك أقدارًا، وجعل له أسبابًا علمها مَن علمها من العباد وجهلها من جهلها.
ثم هل تشرع لها خطبة؟
الحنابلة يقولون: لا خطبة لها، وأنَّ ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم حينما خطب الناس بعدها إنَّما هو للتَّنبيه على ما كانوا يجهلون أو يبطل ما كانوا يعتقدون.
لكن بعض أهل العلم قال: إن لها خطبة وتعتبر بعدها، فيذكر الناس ويحمل على الخير ويدعو إلى البر والاستغفار والتوبة من الذنوب والمعاصي، وفي ذلك محل للبحث والنظر.
وكما قلنا: الأصل أن يدعى لها وتصلى جماعة، من تأتَّى له ذلك فحسن، ومن لم يتأتَّ له أو فاتته فإنه يصليها بمفرده ويؤديها لوحده، ويحصل بذلك فضل وأجر وتحصيل سنتها وحصول أجرها بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَاسْتِسْقَاءٍ إِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ وَقُحِطَ الْمَطَرُ. وَصِفَتُهَا وَأَحْكَامُهَا كَعِيدٍ)}.
الاستسقاء: هو طلب نزول السقيا والمطر، السين والتاء أصل في الطلب، لكنها ليست بلازمة فيه، فليس كل ما جاء فيه سين وتاء يدل على الطلب، بل ربما هو غالب في ذلك استعطاء، مثلًا: "استغفار" طلب للمغفرة، وهكذا؛ لكن قد يكون غير ذلك مثل "استعظم الأمر" واستعظامه ليس هو طلب التعظيم وإنَّما هو حصولٌ ووجدان، وكذلك "استكبار فلان" هو وجدان لهذا، فيأتي بمعنى الحصول والوقوع، فينبغي أن يتنبه لهذا لأنه قد يحصل في ذلك خلط في المعنى، لأن معنى الطلب معروف عند عموم الناس، لكن ينبغي للطالب أن يتنبه إلى أنها قد يكون من حصول السين والتاء في بعضها إنَّما هو الحصول والوقوع.
فالاستسقاء: هو طلب نزول المطر وسببه إذا أجدبت الأرض وقحط المطر، وأمسكت السماء، وغارت الآبار، والناس بدٌّ لهم من الماء، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، والعباد أفقر ما يكون إلى الله -جَلَّ وَعَلَا-، وأسهل ما يكون حصول فوات نعمهم وانقطاع بركتهم؛ لولا فضل الله -جَلَّ وَعَلَا- وإنعامه، فكان التذلل لله، وطلب نزول المطر، والتبرؤ من الحول والقوة، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُور﴾ [الملك: 21]، فإنما هو رزق الله -جَلَّ وَعَلَا- وفضله، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]، وهذا معلوم مقطوع به، فلما كان الأمر كذلك كانت الشريعة التي جاءت بحفظ مصالح العباد في دينهم ودنياهم أن شرعت لهم صلاة الاستسقاء، يتقربون إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- ويُظهِرون الفاقة، ويطلبون ما يحصل به قضاء الحاجة، ونزول المطر، وذهاب البلاء، وحصول الخير، وسقيا الناس بالماء، وما يتبع ذلك من الخير والبركة الكثيرة، وهذه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحوال متعددة، فقد تكون صلاة الاستسقاء عقيب الجمعة، كما جاء ذلك في قصة الأعرابي الذي دخل على النبي صلى وهو يخطب قال: هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادعو الله أن يغيثنا «فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَ»[6] في بعضها: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَ»[7].
ويكون أيضًا بعد الصَّلاة اجتماع الناس يرفعون أيديهم الله -جَلَّ وَعَلَا-، وذكر ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أيضًا مواضع أخرى، وأخصها هو أن يخرج الناس لها فيصلون ويخطبون ويدعون الله -جَلَّ وَعَلَا- ويتضرَّعون، وهذا هو محل البحث هنا وذكر التفاصيل والأحكام.
قال: (وَصِفَتُهَا وَأَحْكَامُهَا كَعِيدٍ)، يعني في أنها تُصلى ركعتان، وأن فيها تكبيرات في الأولى وفي الثانية، جاء ذلك عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليست كل أحكامها كالعيد، إنَّما هي خطبة واحدة، وفي الجمعة وفي العيد خطبتان، وهي كالعيد أيضًا في أن الصَّلاة سابقة للخطبة -كما تقدم- معنا في صلاة العيد.
{أحسن الله إليكم، قال رحمه الله: (وَهِيَ وَالَّتِي قَبْلَهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ)}.
يعني تحصيلها جماعة -أو حصولها جماعة- أفضل، متى ما كانت بالجماعة فهي أفضل، وإن خرج الإنسان وحده واحتاج إلى ذلك فدعا الله -جَلَّ وَعَلَا- يوشك أن يكون سببًا لإجابة دعائه، سواء كان ذلك الخروج لحاجة الإنسان في نفسه وأهل القرية في قريتهم، أو كان ذلك طلب السقيا لغيرهم، وهذا ينبغي أن يعلم؛ فإن كثيرًا من الناس يظن أنه إذا استغنى بما وجد عنده أنه لا حاجة فيه أن يدعو لغيره، ولو استشعر الإنسان أنه لو خرج لصلاة الاستسقاء فسقوا وأجيبوا وكانت إجابتهم بدعائه إذ دعا وتذلـله لله -جَلَّ وَعَلَا- إذ انكسر ورجا، فأي شيء أعظم من ذلك وأفضل أن يكون سببًا للمنة والنعمة والخير وانكشاف الغمة عن العباد والبلاد؟! وكم سيحصل تبعًا لذلك من الخيرات والرحمات التي لا يحصيها إلا الله -جَلَّ وَعَلَا- ولا يكتبها لذلك العبد إلا هو سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية؟!
ثم إن بعض الناس أيضًا يركنون إلى ما قرب إليهم من النعمة وما وجدوا من الرحمة، مع أنهم قد يكونوا في بلاء شديد، فعلى سبيل المثال: في بلداننا التي تقل فيها المياه، ويظهر فيها التصحر، والناس إنَّما سهلت لهم هذه المياه بما يجلب لهم من مياه البحار ويحلَّى لهم من مالحيها ويسهل لهم من جلبها من أماكن بعيدة، لكن ما ظنك لو توقفت؟ وما الظن لو حصل فيها ما حصل؟ فأحوج ما يكون العباد إلى مثل هذا، وينبغي أن يستشعروا ذلك، وأن تكون ثقتهم بالله -جَلَّ وَعَلَا- كبيرة، كما كان السابقون الأولون، ويذكر آباؤنا -لا أجدادنا- وإنَّما آباؤنا الأقربين أنهم لم يكونوا ليخرجوا يوما إلى الاستسقاء إلا سقوا، ولذلك كانوا قبل أن يخرجوا إلى الاستسقاء فإنهم يصلحون مجاري السيل، ويتهيأون لحصوله، فهذا مما ينبغي أن تعلم عظيم الحاجة إليه.
وإن من المسائل المهمة هنا وهي من الأهمية بمكان: ما انتشر في هذه الأزمان مما يسمى بالاستمطار، يعني إذا مرت السحب أو تفرقت بأن يجعل من يرش فيها ما يجمعها أو يضاف إليها ما يكون سببًا لنزول خيرها، فما حكم ذلك؟
فنقول: الاستمطار مثل الاستحفار، أن الإنسان يحفر البئر طلبًا للماء فله أن يفعل من الأسباب ما فعل والأمر بيد الله -جَلَّ وَعَلَا-، فكل ذلك فعل لسبب، وفعل السبب ممدوح، وطلب حصوله مرغوب، فإذا فعل شيء من ذلك فإنما هو سعي للعباد في بالخير، وتيسير للعباد فيما يرجون ولا يكون تبعًا لذلك إلا إنفاق خير وعمل بر وإحسان وهو من السعي في مصالح العباد والبلاد.
إذًا صفتها وأحكامها كالعيد وهي والتي قبلها جماعة أفضل.
{أحسن الله إليكم قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ)}.
ينبغي أن يعلم أن ما يصيب العباد من إمساك للقطر فإنما هو بسبب ما أحدثوه، فإذا كان للإمام أن يخرج فإن من تهيؤهم واستعدادهم أن يتخلصوا من ذنوبهم وآثامهم، وأن يرجعوا إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- ربهم، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]، وما حصلت عقوبة ألا بذنب وما رفعت ألا بتوبة، كما قال الله -جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]، وقال: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقً﴾ [الجن: 16]، إلى غير ذلك من آيات في كتاب الله -جَلَّ وَعَلَا- كثيرة، فينبغي أن يحمل الناس على التَّخلص من المعاصي والقرب إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- فربما كان إنسان سبب الشؤم والبلاء على العباد والبلاد بما أحدث من ذنب، وبما أظهر من معصية، وبما تفاخر به من الكبيرة، وبما وقع فيه من الموبقات من معاملات محرمة أو إظهار للفحش أو لغير ذلك، فوعظ الناس وحثهم من الأمور العظيمة، ولذلك جرت على هذا البلاد، ويتتابع على ذلك أهل الخير، ولم يزل المفتون يدعون إلى ذلك وينبهونهم، وولاة هذه البلاد أيضًا يرشدون إلى الأنحاء بدعوة الناس إلى الاستسقاء، ويضمنون ذلك من القرب إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- والثقة بما عنده، والتخلص من الذنوب والمعاصي والمظالم وغيرها، ولذلك قال: (وَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ)، فيتوب الإنسان لأن لا يكون باب شر ولا بلاء على الإسلام وأهله وعلى الناس في أرزاقهم وفي معاشهم وفيما يحتاجون إليه في سائر أيامهم، والخروج من المظالم فإن المظالم من أعظم ما تغلق بها الرحمات، وتذهب بها البركات، ولذلك جاء في الحديث لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ليخبر الناس بليلة القدر، قال: «فَتَلَاحَى فُلَانٌ وفُلَانٌ، وإنَّهَا رُفِعَتْ»[8]، فكان رفع الأخبار بليلة القدر التي فيها من الأجر ما فيها بسبب تلاحي واختلاف هذين المختلف، فيعلم أنه ما يكون من بلاء أكثر فإنه سبب أعظم، فكيف إذا كان هذا الاختلاف بين قريبين أو جارين أو أخوين؟! وكيف إذا كان هذا الاختلاف سائغًا في الناس وسائغًا في المجتمعات؟!
فينبغي أن يتعاهد الناس في الخروج من المظالم والتَّخلص من التَّشاحن، وخاصَّة فيما يكون بين الإخوة والأقارب والجيران والأحباب والشركاء والأصحاب، فإن ذلك من أعظم ما تطلب به الرحمة، وتدفع به النقمة، ويرجى به حصول الخير ويدفع به الشر، ولم يزل الناس عبر مرور الأيام والأعوام، يطلبون الرحمة من الله -جَلَّ وَعَلَا-، بمثل ذلك وزيادة في التقرب إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- بالصالحات، ولذلك قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ)، فذكر التَّخلص من المعاصي والآثام، ثم أعقب ذلك بالتَّكثُّر من الصالحات، والتَّقرب إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- بالطَّاعات وإن لم تكن من الواجبات، فبعضهم يقول: إنهم يصومون ثلاثة أيام، أو يصومون اليوم الذي يخرجون فيه ويخرجون يوم الاثنين والخميس؛ وليس ذلك بلازم، فأي يوم خرجوا كان، وأي يوم فعلوه حصل.
وليس للاستسقاء وقت، فإن فعلوها في أول النهار كعيد فحسن، وإن فعلوها بعد الظهر فكذلك هو صحيح، ولذلك إذا كان الناس يتأخرون عن فعلها في أول النهار فليس ثم مانع من أن ينظر في ذلك أهل الفتيا وأهل العلم، ويرفع في ذلك عبر ما يعتبرونه من اعتبارات للقنوات النظامية في أن يجعل الوقت فيما يستطيع حضور هذه الصَّلاة فئام الناس على اختلاف طبقاتهم وتنوع أشغالهم بأن يكون وقت فهذه من الشغل وخلاصهم من النوم وإمكان حصوله؛ فإن ذلك أدعى للإجابة، غير أن أهل العلم لا يختلفون أنها لا تفعل في وقت نهي، لكن لو احتاج الناس واضطروا إليه فهل يكون ذلك سببا إذا قلنا بأن الصَّلاة تصلى في وقت النهي لسبب؟ أو أن ذلك لا يترقي إلى أن يكون سببًا لإمكان الدعاء بغير صلاة والتقرب إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- بالذكر والاستغفار؟ محل بحث ونظر.
قال: (وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ)، ليكون ذلك خروجًا يحصل به المقصود، ويتهيأ فيه للمراد بتحصيل هذه الأمور فعلا للصالحات، وتخلصًا من الآثام والموبقات.
{أحسن الله إليكم قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا مُتَنَظِّفًا لَا مُطَيَّبً)}.
قال: (وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعً)، يعني في هيئته فلا يكون فيها ما يظهر فيه كبر ولا استعلاء ولا عدم حاجة، فإن ذلك ليس حال السائل المنكسر الطالب للرحمة، المتعرض للفضل والمنة الذي يشتاق إلى رحمة الله -جَلَّ وَعَلَا- وفضله وعطائه وغيثه؛ فإن هذا ينبغي أن يكون متواضعًا متخشعًا في جوارحه، لا يظهر منه ما يدل على عدم الاهتمام، فيكون خروجه كما لو خرج لسوقه أو لسمره مع إخوانه وأصحابه؛ فإن ذلك لا يليق بتلك الحال، فإنما يتوسل به العبد أن يكون على أشد حال من الفقر والفاقة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر: 15]، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه خرج أعظم ما يكون تواضعًا وتذلُّلًا.
قال: (متذلِّل) يعني في لباسه في هيئته، فليس بلازم أن يلبس أحسن ثيابه، وأن يلبس ما يكون به جمال، فليس هذا موضع من هذه المواضع.
قوله: (مُتَضرِّعً) يعني بلسانه وذكر ما يستدر به حصول المطر، ويطلب به نزول الغيث، من تعظيم الله -جَلَّ وَعَلَا- بما يليق به، والتوسل له بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وذكر الفاقة والحاجة، وما وصل إليه العباد من الفقر والحاجة، وينبغي أن يذكر الناس ما حصل، يعني بحصول الغبار وانقطاع الثمار وغلاء الأسعار، إلى غير ذلك من الأشياء التي هي فيها تضرر.
قال: (مُتَنَظِّفً)، يعني بأن لا يكون فيه رائحة قد قطع رائحة كريهة لأنه موضع اجتماع، ولئلَّا يحصل به إيذاء للغير، فكأن المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أراد أن ينبه أن التَّواضع والتَّذلل والخشوع لا يعني أن يكون فيه من الرائحة الكريهة أو عدم نظافة ثيابه ما قد يكون سببًا لإيذائه لمن حضر من إخوانه وأهل الصَّلاة والاستسقاء.
قال: (لَا مُطَيَّبً) لأنها ليست بحال تعظيم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج كما جاء ذكر أهل السنن أنه كان متخشِّعًا متواضعًا متذلِّلًا لله -جَلَّ وَعَلَا-، وخطبَ خطبة ليست كخطبتكم إنَّما هي الاستغفار والتذلل لله سبحانه وتعالى.
{أحسن الله إليكم قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخُ، وَمُمَيَّزُ الصِّبْيَانِ)}.
معه أهل الدين والصلاح لما يرجى من صلاحهم وبركة تأمينه، وحتى لو قُدم بعض عرف بديانته وصلاحه وإخلاصه لله -جَلَّ وَعَلَا- فإنه قد جاء في الحديث الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ؟!»[9]، أي: بصلاحهم وبإخلاصهم وبدعائهم، فهذا موطن من أعظم المواطن، وكما جاء عن عمر أنه قال: "أنا كنا نستسقي بنبينا صلى الله عليه وسلم فنسقى، وأن اليوم نستسقي بعم نبينا، قم يا العباس فادعُ الله أن يغيثنا"، فإذا قام من قام من أهل الصَّلاح الذي عرف بورعه وديانة وقربه من ربه وإقباله عليه؛ فإن ذلك أرجى لحصول المراد، وينبغي أن يتصدى لذلك أهل الدين في حضور هذه الصَّلاة، وطلب حصول الخير، والتَّعرض لرحمة الله -جَلَّ وَعَلَا- والفضل.
قال: (وَالشُّيُوخُ)، أي: كبار السن، فإنهم أيضًا حالهم حال رحمة وحال نظر وشفقة؛ فأدعى أن ينزل الله -جَلَّ وَعَلَا- رحمته، وأن يجري خيره وبركته.
قال: (وَمُمَيَّزُالصبيان)، قال أهل العلم بأنهم لا آثام عليهم، فيرجى أن تكون ثَم إجابة لدعائهم، وأمَّا من لم مميزا فيقولون حتى الصغار فيباح خروجهم، لذلك ذكر بعض أهل العلم حتى أنها تخرج البهائم، وفيه من إظهار الفاقة، والتعرض لرحمة الله -جَلَّ وَعَلَا-، وهو أمر عظيم، فما ينزل بالعباد من حاجة إلى السقيا أمر ليس باليسير، فينبغي أن يقدَّر قدره وأن يعظم أمره، وأن يتصدَّى له من أراد الخير لنفسه ولبلاده وللمسلمين.
وقد ذكر أهل العلم أنهم إذا خرجوا فدعوا فلم يسقوا فإنهم يخرجوا ثانية ويخرجوا ثالثة ويخرجوا رابعة حتى يسقوا، ثقة بالله وتوكلًا على الله، فإن فضل الله قريب، وأنه يجيب من دعاه، ويعطي من سأله ورجاه، وإنَّما الحال حال العباد في عدم الثقة بالله أو التوكل عليه، أو أنهم يخرجون وهم مستغنيين، أو أنهم يأتون وهم غير متضرعين، فيفوت على ذلك من أسباب الإجابة ما يفوت، وأمَّا من استجمع ذلك فيوشك أن لا يحضر هذا المكان، وأن لا يطلب هذه الطلبة التي هي أسهل تكون على الله وأيسر ما تكون عليه، فإنه يقول للشيء كن فيكون، وهو القائل عن نفسه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وهو الله -جَلَّ وَعَلَا- القائل: «لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ»[10]، فيُعلم بذلك عظيم فضل الله وإنَّما هو التَّصدي لذلك على وجه ترجى به حصول هذه الرحمة، ونزول الغيث وانقطاع هذا البلاء، وذهاب هذه العقوبة والحرمان.
{أحسن الله إليكم قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَيُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ عِيدٍ، وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ، وَقِرَاءَةِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ)}.
قال: (فَيُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ وَاحِدَةً)، إذًا هو ابتداء بالصَّلاة ثم خطبة واحدة، وهذه الخطبة أيضًا لا كما يعهد كثير من الناس في الاسترسال في الأحاديث وإنشاء الجمل وغيرها، إنَّما هي خطبة مختصرة مقتضبة، وإنَّما أعظم ما فيها هو الاستغفار، ووعظ الناس وتذكيرهم، وربما كانت ثلاث جمل أو أربع، فيها من تذكير الناس بحاجتهم وفاقتهم وعظيم فضل الله -جَلَّ وَعَلَا-، ووعظهم بالاستغفار والإنابة إليه والتَّخلص من التشاحن، ومما يكون سببًا لمنع القطر من السماء، كمنع الزكاة وحصول الشر والفحش والفساد، وحسبك ذلك كافيًا، فلو كانت في ثلاث دقائق أو خمس مجتمع فيها الحمد والثناء وتعظيم الله -جَلَّ وَعَلَا- والتَّوسل له بالأسماء الحسنى، وذكر ما فيه العباد من الحال والفاقة والتأكيد عليهم بما يلزمهم من والاستغفار والتوبة ووعظهم بما تلين به قلوبهم، ثم تلاوة بعض هذه الآيات في التي فيها الاستغفار، قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً﴾ [نوح 10 - 12]، ثم يقبل على دعائه فيدعو.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَخْطُبُ وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ عِيدٍ).
{أحسن الله إليكم، قال -رَحِمَهُ اللهُ: (يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ عِيدٍ، وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ، وَقِرَاءَةِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ)}.
هم جعلوها في الأعداء على مثل صلاة العيد، كما أن صلاتها فيها سبع تكبيرات في الأولى وخمس في الثانية على ما ذكرنا.
{أحسن الله إليكم، قال -رَحِمَهُ اللهُ: (يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمِنْهُ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا" إِلَى آخِرِهِ)}.
قال: (وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ)، كما ذكرنا طلب المغرفة يكون بالتخلص من الآثام، فلعلهم إنَّما منعوا به ذنب فعلوه وبمعصية وقعوها، فإذا استغفروا غفر لهم فانفتحت لهم أبواب الرحمات، وصبت عليهم السماء من البركات، فذهب بلاؤهم وحصل خيرهم، وقراءة الآيات التي فيها الأمر بذلك، والقلوب وحاضرة والنفوس مستحضرة، وفيه من الخشوع والإقبال على الله -جَلَّ وَعَلَا- ما يرجى حصول الخير به، ومع هذا كله ومع ما حصل في مثل هذه الأوقات من قلة الحاضرين لهذه الصَّلاة والإتيان لها، فإنه ينبغي ألا ينقطع رجاء العباد، فلعل واحدا خير من جمع كثير، ولعل دعوة تسبق دعوات كثيرة فيكون لها من الإجابة ويكون لها من رفع البلاء والفاقة ما يكون بدعاء الجمع من الناس، فما دام أن الناس يخرجون وأنهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يفعلون؛ فإنهم مؤملون لفضل الله، والله ذو الفضل العظيم، فإنه يسمع دعاء الداعي إذا دعاه ولو كان واحدًا، ولو كان لا يعرف أو لا يعبأ به، فإن فضل الله -جَلَّ وَعَلَا- أوسع من ألا يجيب إلا لعموم الناس أو لجملتهم، وإن كان خروج عموم الناس أولى، واستحضارهم لحاجتهم أوجب، وتعرضهم لرحمة الله -جَلَّ وَعَلَا- أولى، فينبغي أن يتواصى الناس على ذلك ويتعاونوا فيه.
قال: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ)، يعني المبالغة في الرفع، والأكثر فيه ما ذكره شراح في هذا لا أنه يقلب يديه حتى تكون بطونها هكذا، وإنَّما المقصود بذلك المبالغة في الرفع حتى يكون ظهورهما نحو السماء من شدة رفعه، فإن هذا فيه أيضًا المبالغة في الفاقة وإظهار الحاجة، وفيه من التذلل ما فيه؛ فكان نوعًا من أنواع ما خصت به صلاة الاستسقاء من تذلل وخضوع وتخشِّع وانكسار لله -جَلَّ وَعَلَا-، فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في ذلك مجموعة من الأحاديث منها ما ذكرنا: «اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَ»، و«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَ»، وجاء في ذلك أحاديث متنوعة جمعها بعض الفقهاء، «اللهمَّ اسقِنا غيثًا مُغيثًا مَريئًا مَريعًا نافعًا غير ضارٍّ عاجلًا غير آجلٍ»[11] اللهم بلغ العباد من الجاه ما لا يكشفه إلا أنت، إلى آخر ما جاء في هذا من الدعاء فيه ألفاظ محفوظة وأدعية متنوعة جاءت عند أهل السنن، فيجمعها ويدعو بها أو ببعضها، ويرجى بذلك حصول الخير، ويكون من الانكسار بين يدي الله -جَلَّ وَعَلَا.
وعند أهل العلم أنه إذا دعا هذا الدعاء فإنه يستقبل القبلة، ويحول رداءه، وتحويل الرداء سنة يراد بها الفأل، في أن الله -جَلَّ وَعَلَا- يقلب الحال من حال بلاء إلى شدة ومن حال قحط وجدب إلى حصول خير ورحمة، فإذا قلب رداءه فإنه يقلبه إلى أن ينزع لأي حاجة من الحوائج، وهذا إذا كان رداء أو كانت عباءة فهذا ظاهر، أما لو كانت عمامة فهل تدخل في هذا أو لا تدخل؟
الزاهر أن العمامة ليست مما يدخل في ذلك، وإن قُلبَت ففيه مَن قال بحصول المقصود بذلك ودخوله في المراد.
{أحسن الله إليكم، قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ كَثُرَ الْمَطَرُ حَتَّى خِيفَ سُنَّ قَوْلُ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالْآكَامِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ" ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ (1) الْآيَةَ)}.
يعني إذا زاد المطر وخاف المطر أن يتضرروا في بيوتهم أن تقع، أو في أشجارهم مزارعهم أن تغرق، أو لبعض مصالحهم ومنافعهم؛ فإنهم يدعون بهذا الدعاء، فإن ذلك الرجل لما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسأله أن يسأل الله الغيث، فدعا الله -جَلَّ وَعَلَا- فأُغيثَ العباد، قال: "فوالله ما رأينا الشمس سبتًا"، حتى غذا كان منا لجمعة الآتية جاء الرجل -نفسه أو غيره كما في الروايات- فقال: "يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يمسك عنا"، فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن حوَّل الدعاء إلى ما هو أتم، فيبقى الخير والبركة، ويذهب عن الناس البلاء والنقمة، فكان من دعاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ»، أي: الروابي الصغير، قال: «وَالْآكَامِ»، التي هي الجبال الصغيرة، قال: «وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»، فلا يصل إلى الناس في أماكن سكناهم ولا أماكن زرعهم، ولا يحصل لهم أذية من صناعة او عمل أو نحو ذلك، مما يحفظون من مستودع أو عيش أو مخزن أو سواه، وذكروا قول "رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ" وفي بعض الألفاظ "رَبَّنَا لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ" هل هي قراءة للآية؟ أو هي ابتداء دعاء فلا يحتاج فيه إلى العطف؟ هذا يعني فيه كلام بعض مَن حقق ونظر في هذا اللفظ، والأمر فيه يسير وقريب.
{أحسن الله إليكم، قال -رَحِمَهُ اللهُ: (كِتَابُ الْجَنَائِزِ: تَرْكُ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ وسُنُّ اسْتِعْدَادٌ لِلْمَوْتِ، وَإِكْثَارٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَعِيَادَةُ مُسْلِمٍ غَيْرِ مُبْتَدِعٍ وَتَذْكِيرُهُ التَّوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ)}.
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- انتهى من الاستسقاء، ولما كانت الجنائز مشتملة على الصَّلاة ومشتملة على غيرها؛ فجعلها المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- من جهة اشتمالها على الصَّلاة تابعة لأحكام الصلوات وما ذكر فيها، ولما كان فيها غيرها أخرها حتى كانت آخر ما ذكر في هذا الموضع، وجمع إلى الجنائز كل ما يذكر فيها.
والجَنائز بالفتح وبالكسر "جِنازة وجَنازة" تطلق على ما يجعل فيها، وعلى النعش الذي يحمل به الميت، وهنا ذكر فيه أحكام الموت والتَّطبب، وما يحصل من تجهيز الميت وتكفينه والصَّلاة عليه، وما يتبع ذلك من قبره، والأحكام المتعلقة بذلك كلها، فلأجل ذلك ابتدأ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فقال: (تَرْكُ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ)، التداوي من المسائل المهمة هل هي لازمة أو ليست بلازمة؟
لأهل العلم في ذلك كلام كثير:
- منهم يعني جعل ترك التداوي أفضل لحديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم «هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»[12]، فهل هم لا يسترقون يعني لا يطلبون العلاج؟ أو هو خصوص الرقية؟
وما جاء أيضًا من ترك بعض الصحابة للتداوي، فكل ذلك مما جعل لأهل العلم كلام، فبعضهم قال: تركها أولى، لأنها من تمام التوكل عمومات هذه الأحاديث.
- ومنهم من قال: لا، وهو وإن كان خلافًا لما ذكره المؤلف هنا، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال «فتَداوَوا، ولا تَداوَوا بحَرامٍ»[13]، وذكر أن الدواء في ثلاث «الشِّفاءُ في ثَلاثَةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ كَيَّةٍ بنارٍ، وأنا أنْهَى أُمَّتي عَنِ الكَيِّ»[14] لما فيه من الإيذاء..
فقالوا: من جهة التَّطبب فإن الطب مأمور به، وإنَّما ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الرقية لما يحصل في قلب المسترقِ أحيانًا من الميل إلى الراقي أكثر من الثقة بالله والتوكل على الله -جَلَّ وَعَلَا-، فلما كانت مدعاة لأن يكون فيها ميل عن صفاء التوحيد وكماله جعل ذلك مما لا يطلب -لا أنه لا يفعل أو لا يقبل- يعني لا تطلبه أنت لئلا يتعلق قلبك بهذا الراقي، لكن أنه رُقيت أو رَقيت نفسك فإن هذا باق على أصله ومشروع، فهذا هو الأولى.
يتفرع على ذلك مسألة هي غاية في الأهمية، والكلام فيها قد يكون محلًّا للإشكال من عندي، لكنني أنا سأطرحها على أنها محل للبحث والنظر متفرغة على هذه المسألة التي ذكرها الفقهاء: وهي الذين يموتون موتًا دماغيًّا، في هذا إذا رفعت عنه هذه الأجهزة لمات، ولو بقيت الأجهزة أحيانًا يبقون سنوات كثيرة، ويتحرَّج كثير من الناس في رفع هذه الأجهزة عنهم، وربما يؤثِّمون من رفعها، والحقيقة أننا إذا قلنا إن التداوي بواجب ولا لازم فإن رفع هذه الأجهزة ليس هو إماتة له، وإنَّما هو ترك شيء من الأسباب، ولما كان ترك هذه الأسباب مباحًا فضلًا أن نقول إنه أفضل، فلا غضاضة في ذلك ولا حرج، وإذا كان أيضًا أن هذا يعلم في الغالب أنه لا تكون معه حياة أو عود، فإن هذا ظاهر في عمل الشرع بالأغلب والظن في مسائل كثيرة، وإذا انضمَّ إلى ذلك حاجة إلى مثل هذه المواطن لمن هو أحوج ولمن ينتفع بالعلاج؛ فلا شك أن ذلك مما يتأكَّد فيه هذه المسألة، وهي محل بحث ودعوة لأهل الاختصاص لأن يعيدوا النظر في هذه الحالة لمسيس الحاجة إليها، ولما يتعلق بها من الأهمية بمكان وهي راجعة إلى هذه المسألة التي ذكرها الفقهاء -رحمهم الله تعالى.
ولعل فيما ذكره كفاية، أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونكمل بإذن الله -جَلَّ وَعَلَا- في مجلس من المجالس القادمة، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير والهدى، وصلى الله وسلم على النبي المصطفى.
{اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وبارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين، نستكمل ما بقي في مجالس قادمة إن شاء الله، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
--------------------------------
[1] صحيح مسلم (904).
[2] صحيح البخاري (3202).
[3] صحيح البخاري (46).
[4] صحيح البخاري (3202).
[5] صحيح مسلم (911).
[6] صحيح البخاري (1014).
[7] صحيح البخاري (1013).
[8] صحيح البخاري (6049).
[9] صحيح البخاري (2896).
[10] صحيح مسلم (2577).
[11] أخرجه أبو داود (1169)
[12] صحيح البخاري (6472).
[13] سنن أبي داود (3874).
[14] صحيح البخاري (5681).