الدرس الثامن عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

57296 18
الدرس الثامن عشر

أخصر المختصرات

الحمدُ لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم التسليم.
ثم أمَّا بعد؛ فأهلًا وسهلًا بكم أعزاءنا المشاهدين والمستمعين في كل مكان، في مجلس جديد من مجالس شرح متن (أخصر المختصرات)، يشرحها فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان، أهلًا وسهلًا بكم صاحب الفضيلة}.
حيَّاك الله، وحيَّا الله المشاهدين والمشاهدات.
{أحسن الله إليك، وبارك فيكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ- بعد كلامه عن الوتر: (وَوَقْتُهُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلى الْفَجْرِ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ: مَثْنًى مَثْنًى، وَيُوتِرُ بِواحدةٍ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ بِسَلَامَيْن)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، صلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين وأوليائه الصالحين، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يجنبنا الفتن يا رب العالمين، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
أيُّها الإخوة والمشاهدون طلاب العلم وطالباته، هذا الفصل الذي عقده المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في صلاة التطوع، وقد ذكرنا مُقدمة في نهاية المجلس الماضي في أفضل ما يتطوع به، ثم أفضل ما يتطوع به من الصَّلاة، فلما ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- أنَّ أفضلها الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر؛ شرع بعد ذلك في تفاصيل أحكام هذه الصلوات.
قال: (وَوَقْتُهُ)، أي: صلاة الوتر، أمَّا التراويح فسيأتي الكلام عليها، والكسوف والاستسقاء قد جعل المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لها أبوابًا خاصة لمزيد الحاجة إلى تفصيل أحكامها وبيان مسائلها.
قال: (وَوَقْتُهُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلى الْفَجْرِ)، هذا جاء في الحديث أن النبي ﷺ لَمَّا ذكر الصَّلاة وأنها خير لكم من حمر النعم من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا هو وقتها، يؤديها الإنسان بعد العشاء مباشرة، قالوا: والأفضل بعد سنتها فإن أخرها لآخر الليل فذلك أتم وأكمل، وإن فعلها قبل أن ينام فذلك هو التمام والكمال، وأخذ بالحيطة والاهتمام.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَوَقْتُهُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلى الْفَجْرِ)، هذا وقت صلاة الوتر، وسيأتي الكلام على الفرق بين وقت صلاة الوتر ووقت صلاة الليل، فلابد أن تفرِّق في ذلك، صلاة الليل تبدأ من الليل، فإذا غربت الشمس دخلَ الليل، وإذا دخلَ الليل مَن صلى من ذلك الوقت إلى الفجر فقد صلى في الليل فهي كلها صلاة ليل، لكن بالنسبة للوتر فإنه لا يتأتى للإنسان أن يوتر إلا بعد أن يُصلي العشاء، سواء صلاها في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب لو كان له الجمع صحيحًا، كما لو كان مسافرًا أو مريضًا، فبناء على ذلك لو أنَّ شخصًا صلى من الليل بين المغرب والعشاء ثم أراد أن يوتر نقول له: لا، أمَّا صلاة الليل ففعلك حسن، وأما الوتر فإنما يكون بعد العشاء.
ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هذه الصَّلاة وعددها، قال: (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ) كما جاء ذلك عن بعض أصحاب النبي ﷺ، وإن ذُكر عن بعضهم كراهية ذلك أنهم يسمونها البتيراء أو نحوها، لكن لَمَّا جاءت عن بعض أصحاب النبي ﷺ كان ذلك دليلًا على مشروعية الاقتصار عليها، وأنه لا غضاضة على من اقتصر على ركعة، وإن كان الكمال في الثلاث فما زاد.
فإذا لَمَّا قال المؤلف: (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ)، يعني أنه لا يكره ذلك ولا غضاضة على من اقتصر عليه.
ثم قال: (وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ)، وهذا جاء في السنة أن النبي ﷺ كان يوتر بإحدى عشرة ركعة وفي حديث عائشة: «ما كانَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» .
ثم يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (مَثْنًى مَثْنًى)، يعني اثنتين اثنتين وذكره لـ"مثنى مثنى" لما جاء في الحديث «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» ، فالنبي ﷺ كان غالب صلاته أن يصليها اثنتين اثنتين، فهذا أتم وأكمل ما في صلاة الليل، لكن لو صلاها على غير هذه الصيغة أو الصفة فإن ذلك مشروع، فبناء على ذلك لو صلى إحدى عشرة ركعة بسلام واحد فإن ذلك صحيح، ولو صلى سبعًا بسلام واحد أو خمسًا بسلام واحد أو ثلاثًا بسلام واحد فصحيح، وإذا صلى ثلاثًا؛ فإنه يصليها بتشهد واحد وبتسليم واحد، فإن صلاها كهيئة المغرب فبعضهم كره ذلك، وقال: جاء في الحديث: «وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» ، وإن كان ذلك يعني لا أيضًا يمنع صحتها، وإن صلَّى خمسًا بتسليمة واحدة يجلس في آخرها ذلك.
والمشهور عند الحنابلة: أنه يصليها بسبع يجلس في آخرها، لكن جاء في بعض روايات الأحاديث وقال به جماعة من أهل العلم: إنه إذا صلى سبعًا بتسليمةٍ واحدةٍ فيستحب له أن يجلس في السادسة، فيتشهد ثم يقوم إلى السابعة فيأتي بها.
ومثل ذلك إذا صلى بتسع، فإنه يجلس في الثامنة ثم يقوم إلى التاسعة، فإن ترك ذلك فيقولون من أنه مستحب ومسنون، ولا يمنع صحة الصَّلاة، يعني إن لم يجلس إلا في آخرها، لكن المشروع في الثلاث والخمس أن الأتم والأكمل أن لا يجلس إلا في آخرها تشهدًا واحدًا، وفي التسع يجلس في الثامنة ويسلم في التاسعة، والسبع عند الحنابلة مثل الخمس، وفي ظاهر الحديث وهو قول لبعض الفقهاء: أنه يجلس في السادسة ثم أيضًا يتشهد في السابعة ويسلم. وهذه صفاتهُ أفضلية.
متى يصلي على هذه الصفة أو تلك؟
لا شك أنَّ الصلاة مثنى مثنى هي الأتم والأكمل مثل ما ذكرنا، لكن في بعض الأحوال يضيق بالإنسان الوقت وهو قد اعتاد أن يصلي خمسًا أو اعتاد أن يصلي سبعًا، فلو فصلها لطال عليه الوقت، أو خشي أنه إن سلَّم أن تضعف نفسه من التَّمام فينكفئ إلى راحته فأراد أن يصلي في ذلك خمسًا بتسليمةٍ واحدةٍ فلا بأس في ذلك ولا غضاضة، وهو أمر مشروع جاءت به السنة الصحيحة.
ثم قال: (وَيُوتِرُ بِواحدةٍ)، مثل ما ذكرنا أن الوتر بواحدة، وهنا لَمَّا أعاد وقال: (مَثْنًى مَثْنًى، وَيُوتِرُ بِواحدةٍ)، يعني حتى ولو صلَّى أكثر من إحدى عشرة ركعة، يعني صلى أربعة عشر فيوتر بواحدة، صلى عشرين ركعة فكذلك، لأن الليل محل للصلاة وليس وقتا للنهي والنبي ﷺ قال: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحدةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى» ، وبهذا قال عامة أهل العلم إلا قولًا لبعض المعاصرين بأن الزيادة لا تجوز، فهذا ليس خلاف ما استقر عليه قول أهل العلم وربما تم في ذلكم الإجماع وصَلُح.
فبناء على ذلك؛ للإنسان أن يصلي ما شاء، وهذا معهود عن السلف، وليس الغضاضة على الإنسان أن يزيد، لكن الغضاضة على الإنسان ألا يصلي من الليل، وألا يكون له شيء يناجي به ربه في خلوته وفي ظلمته وأفضل الصَّلاة بعد المكتوبة صلاة الليل، وفيها من المناجاة، وفيها من الخلوة بالله -جَلَّ وَعَلَا- والإقبال عليه ما يرجى معه إجابة الدعاء والمقصود وصلاح النفوس، وهي أقرب إلى الإخلاص وأرجى لرضا الله -جَلَّ وَعَلَا-، ولذلك كانت وصية النبي ﷺ لأبي هريرة ولغيره: «وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ» ، وأن يحرص الإنسان على ذلك تمام الحرص وأن يكون له ورد من الليل قليلًا، فإذا كان الإنسان يستطيع أن يصلي بجزء فليفعل، وإن قدر على أكثر من ذلك فعل، وإن لم يقدر إلا على آيات قليلة كعشر آيات فما زاد فليفعل، قال -ﷺ: «مَن قامَ بعَشرِ آياتٍ لم يُكتَبْ مِنَ الغافِلينَ» ، فالمهم أن الإنسان يكون له نصيب من صلاة الليل، فإن ذلك مما يُرتجى حصول ثوابه وأجره عند الله -جَلَّ وَعَلَا.
ثم قال المؤلف: (وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ بِسَلَامَيْنِ) مثل ما قلنا الأصل أن يصليها ركعتين ثم يصلي الوتر ركعة واحدة بسلام، فإن جمعهما فذلك مشروع وجائز.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبًا، فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ)}.
القنوت بعد الركوع في صلاة الوتر مشروع ومستحب، وثابت عن أصحاب النبي ﷺ، وروي في ذلكم حديث عن النبي ﷺ وهو حديث الحسن، وإن كان فيه مقال، فإنه لَمَّا ذكر أنه قال: "علمني النبي ﷺ القنوت" جاء في بعض الروايات "في الوتر"، فهل تثبت هذه الزيادة في الوتر أو لا؟ لأهل الحديث في ذلك الكلام، لكن أهل العلم مستقرون على أن القنوت في الوتر مشروع، وإن تُكلِّمَ لم في هذا الحديث من جهة أسانيده إلا أن ذلك ثابت عن أصحاب النبي ﷺ، فكأنه كالإجماع منهم أو الاتفاق على مشروعية ذلك، ثم إنه ذكر في الصَّلاة ودعاء في محله، فيكون مشروعًا لا غضاضة فيه، فإنه يشرع القنوت في الصحيحين عند الحاجة، فكان جنسه مشروعًا في الصَّلاة.
قال: (وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبً)، وهذا ظاهر أنه يعني طوال العام، وهذا هو مشهور المذاهب عند الحنابلة، خلافًا لبعض الفقهاء الذين يقولون مثلًا: إنه في رمضان، وبعضهم يقول: إنه في رمضان كما هو مشهور عند الشافعية، فيفعل أحيانًا ويترك أحيانًا وإن فعله كل يوم كما يذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فذلك صحيح.
قال: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»، هذا أثبت ما ورد في دعاء القنوت، فلا ينبغي للمصلي أن يفوته أو يستبدله بغيره، وعند الحنابلة -رَحِمَهُم اللهُ- أنه يبدأ بما جاء في بعض آياتٍ نُسِخَت "اللهم إنا نستعين بك ونستغفرك..."، إلى آخر ما جاء، لكن المؤلف هنا اقتصر هنا على ما جاء في حديث الحسن، ثم هي دعوات عظيمة، وفيها معانٍ كبيرة، لو حصل للإنسان خيرها لحصل له الخير أجمع، فالهداية تمام الأمر في الدنيا والآخرة، والهداية تشمل هداية لأمور الدنيا وما يأتيه الإنسان من حوائجها، وأمور الآخرة وما يكون به صلاحه فيها وفلاحه.
والمعافاة كذلك، وتولي الله لعبده، فإن مَن تولَّاه الله -جَلَّ وَعَلَا- وقاه وحفظه، مَن تولاه الله -جَلَّ وَعَلَا- توالت له الخيرات واجتمعت له الرحمات، وابتعدَ عنه كل سوءٍ ومكروه.
قال: «وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ»، فليس شيء أعظم من البركة، فإن أناسًا أعطوا كثيرًا فلم يبارك فلا فائدة فيما أعطوا، وإن أناسًا أعطوا برأ شيئًا قليلًا فبورك لهم فيه فحصل لهم به الخير العظيم، وهذا في كل شيء، البركة في الزوجة، فإن تكون خيرا من أكثر منها، وبركة في الولد فقد يكون في ولد واحد أو اثنين خير من أولاد كثير، والبركة في الرزق، والبركة حتى في العلم، بعض الناس عنده من العلوم شيئًا كثيرًا لا يجدي عليه شيئًا ولا ينفعه ولا يتزود به عند الله -جَلَّ وَعَلَا-! وبعضهم علم ما تصح به عبادته فأتقنه فأقبل عليه فأفلح بذلك ونجح، فالبركة إذًا من أعظم ما يفتح الله على العبد، فإذا دعا بها العبد فليتأمَّل عظيم ما يترتَّب عليها.
قال: «وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ»، هذه الدنيا وأقضيتها فكل ذلك بقضاء الله وقدره وتدبيره وتيسيره، فيطلب العبد السلامة من الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يقع به السوء أو أن يواقعه المكروه، أو أن تداخله البلايا والمحن.
قال: «إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ»، فالأمر لله، والحكم حكم الله، ألا له الخلق والأمر، يقضي ويدبر، يمضي ويحكم، إذا أراد شيئا قال للشيء: كن فيكون، سبحانه من رب حكيم.
قال: «إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ»، على الإطلاق لا يذل من واليت، فمن والاه الله -جَلَّ وَعَلَا- فهو في عزٍّ أبدًا، وإن تكالبت عليه أمم الأرض، وإن اجتمعت لهم القوة وإن اجتمعت لهم العدة، وإن فات عليه كثرة العُدَدِ أو العدة، وإن فات عليه شيء من أسباب هذه الدنيا وقدراتها، فما دام الله معه فإنه يغنيه عن كل كثير، ويغنيه عن كل قوي، ويغنيه عن كل ما يكون في هذه الدنيا، هذا موسى -عليه السلام- كان البحر أمامه والعدو خلفه وليس شيء ينفعه إلا الله -جَلَّ وَعَلَا- ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 61، 62] فما إن ضرب بعصاه عصا يسيرة وصغيرة غلبت جندًا عرمرم وجيشًا مجتمعًا له من القوة وله من السلاح ما له، حتى أنجى الله نبيه ومن معه، وأهلك فرعون وجنده، فلا يذل من والاه الله -جَلَّ وَعَلَا-، ولا يعز من عاداه الله -سبحانه وتعالى- وإن جمع من أسبابها ما جمع.
قال: «تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ»، له هذا الاسم المختص به سبحانه، فالبركة منه -جَلَّ وَعَلَا- ليست من أحد سواه، والعلو المطلق له، فتعالى في ذاته، وتعالى في صفاته، وتعالى في قدرته وقوته وقهره -سبحانه وتعالى-، له العلو المطلق كما ينبغي له -سبحانه وتعالى.
قال: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»، هذا أيضًا جاء في الصَّحيح، وكان من آخر ما يقوله النبي ﷺ في قنوته -أو في وتره- فجعلها أهل العلم في آخر القنوت، فإن دعا بها فيه أو كان ذلك في سجوده فحسَنٌ، لكن هذا هو المشهور عند الحنابلة -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنه يكون من دعاء القنوت في الوتر.
{أحسن الله إليك.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ، وَيَجْمَعُ إِمَامٌ الضَّمِيرَ وَيَمْسَحُ الدَّاعِي وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ مُطْلَقً)}.
الصَّلاة على النبي ﷺ من أسباب إجابة الدعاء كما جاء ذلك في حديث فضالة، وكما جاء ذلك أيضًا عن الصحابة في قنوت الوتر.
نعم قال: (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ)، المأموم يؤمن على دعاء الإمام، وقنوته له قنوت، كما كان هارون مع موسى يؤمِّن على دعائه فكانا داعيين جميعًا كما في الآية.
قال: (وَيَجْمَعُ إِمَامٌ الضَّمِيرَ)، لأنه يدعو له وللناس، ولا يخص نفسه بدعوة، ولا يحل له ذلك، ولذلك جاء في الأثر أنه إذا دعا بدعوة له من دون الناس فقد خانهم، فتعتبر خيانة، ولا يدعو إلا لعموم الناس أو لمن لهم فيه مصلحة كإمام المسلمين، ومن له حق عليهم جميعًا كالوالدين وغيرهم، فيدعا لهم على سبيل العموم.
ولأجل ذلك ما ينتشر أحيانا من تخصيص آحاد الناس بدعاء لعمل صالح أو لبناء مسجد أو لغيره، فيمكن أن لا يكون ذلك محله، لأن تخصيص لشخص بغير وجه، فالدعاء للمصلين، أو لمن لهم مصلحة فيه كالدعاء للإمام المسلمين، ولعموم المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات.
طبعا هذا إذا سمع المأموم فإنه يؤمِّن، أما إذا لم يسمع؛ فيقولون: إنه يدعو بنفسه.
قال: (وَيَمْسَحُ الدَّاعِي وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ مُطْلَقً)، المسح بعد الانتهاء من الدعاء جاء في حديث ابن ماجه واختلف فيه، فمن يعني اعتضد به واعتبره استحب ذلك، وهذا منقول عن بعض الحنابلة، وفي الرواية الثانية عند الحنابلة وهو قول لجمع من أهل التحقيق على القول بتضعيف الحديث، فإن ذلك لا يكون مشروعًا، ومالَ إلى ذلك ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وعليه الفتيا عند مشايخنا، والأمر فيه سعة ما دام قولًا معتبرًا وما دام فيه حديث يصلح للاعتضاد أو يحسِّنه جمع من أهل الحديث.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِرَمَضَانَ تُسَنُّ، وَالْوِتْرُ مَعَهَا جَمَاعَةً، وَوَقْتُهَا بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ)}.
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- شرع في ذكر التراويح، والتراويح مأخوذة من الاستراحة، فإنهم كانوا يستريحون فيها لطولها، والنبي ﷺ صلَّى بالناس حتى كادوا أن يعجزوا عنها، حتى خافوا على أنفسهم أن يفوت عليهم الفلاح، فيقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً) هذا هو المستقر المروي عن أصحاب رسول الله ﷺ، والتي أقامها عمر كما في أثر يزيد بن رومان فإنه جعل لهم أُبي بن كعب، وجاء ذلك أيضًا في حديث السائب، فكان يصلي بهم عشرين ركعة فاستقر على ذلك فعل الصحابة وتتابعوا عليه، ولم يعرف فيهم مخالف، وإن في بعض هذه الآثار ضعف لكن الضعف في الآثار لا يكون كالضعف في الأحاديث؛ لأن النفوس لا تنبعث على الكذب على غير رسول الله ﷺ كما تنبعث في الكذب على النبي ﷺ، فلأجل ذلك كان منهاج أهل العلم أنهم في الآثار يقبلون ما فيه ضعف وما قد لا يقبلوه فيما لو كان فيه ضعف من الأحاديث المروية عن النبي ﷺ.
فبناء على ذلك؛ فإنَّ التراويح عشرون ركعة، وهذا ثابت -كما قلنا- عن عمر -رضي الله تعالى عنه- وجعل للناس إماما يؤمهم ويصلي بهم عشرين، ثم يوتروا بثلاث فتكون ثلاثًا وعشرين، وكانوا في مكة بعد كلِّ أربع ركعات يطوفون، فكان أهل المدينة لا يقدرون على ذلك؛ لأن الطواف إنما هو بمكة، فزادوا على صلاتهم بدل كل طواف ركعتين تنافسًا في الخير ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].
على كل حال؛ التراويح عشرون ركعة وهي مختصة برمضان، ووقتها: بعد العشاء وسنتها أيضًا، وهي مخصوصة بذلك؛ لأنه قد جاء عن النبي ﷺ أنها بعد العشاء، وكان يفعل ذلك، وهذا هو الذي جاء عن عمر حينما أقام مَن يصلِّي بالناس، ولذلك: (تُسَنُّ، وَالْوِتْرُ مَعَهَا جَمَاعَةً)، لاستحباب الجماعة فيها؛ لأنَّ النبي ﷺ صلى بالناس، وما منعه أن يتمَّ ذلك إلا خشية أن تُفرض عليهم، فلما انقطع الوحي وأمِنَ الناس من الفرضية جمع أن عمرُ الناسَ جماعة ما كان في عهد النبي ﷺ، فكان ذلك هو التمام والكمال.
والنبي ﷺ قال: «مَن قامَ معَ الإمامِ حتَّى ينصَرِفَ كتبَ لَهُ قيامُ ليلةٍ» ، وحسب الإنسان فضلا في ذلك وأثرًا، لكن لَمَّا فسد أمر الناس كثيرا في الاستعجال في مثل هذه الصلوات وإرادة التَّخلص منها حتى كان بعضهم لا يؤدي ركوعها وسجودها، فهل الأولى بالإنسان أن يصلي لنفسه أو أن يصلي مع الناس؟
طبعا من الفقهاء كما هو عند المالكية من يقول: إنه إذا كان قارئا يقرأ فيصلي لنفسه.
لكن نقول: ما دام أن الصَّلاة تُقام على وجه تصح به فيصلي الإنسان مع الناس فيأخذ أجر الصَّلاة مع الإمام حتى ينصرف، وأيضًا ما يكون فيه من بركة دعاء مجموع المسلمين، فلعل بعضهم أن يكون أرجى في إجابة الدعاء فيؤمِّن على دعاء لهم جميعًا؛ فيكون ذلك إجابة لهم فيحصل لهم الخير، ثم ما كان من صلاة يعتادها سواء كان ذلك في آخر الليل أو حزب يريد إتمامه كمن يصلي بجزئين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك أو أربعة فيصلي بعد ذلك لنفسه ما شاء، وتمام ذلك أن يصلي مع الناس ثم يصلي لنفسه إن شاء.
فإذا أراد أن يصلي لنفسه وكان قد أوتر مع الناس؛ فإنه يصلي ركعتين ركعتين، وإن كان الأولى أنه إذا أوتر بركعة، فيقوم فيأتي بركعة ليكون سببًا لأن يوتر في آخر الليل، وأن يكون وتره آخر صلاته، ويكون في ذلك أتم وأكمل، لكن لو أوتر معهم فإنه لا يعود في آخر الليل ويصلي ركعة ينقض بها الوتر، فإن هذا خلاف الأولى، بل يصلي ركعتين ركعتين ما شاء الله -جَلَّ وَعَلَا-.
ولو كان أناس يحبون أن يتزودوا فصلوها جماعة بعد فراغ صلاة الإمام فلا بأس، وهذه تسمى "التعقيب" وأباحها الفقهاء، وجاء عن بعض السلف فعل ذلك، لكن المكروه هو إذا كان الإمام قد استراح فقام شخص ليصلي بين استراحة الإمام، فإنَّ ذلك لا يكون مستحبًّا.
قال: (وَوَقْتُهَا بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ)، مثل ما قلنا إنها تبتدأ من العشاء إلى أن ينتهي بالفجر ويوتر في آخر الليل.
{أحسن الله إليكم قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثُمَّ الرَّاتِبَةُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُمَا آكَدُهَ)}.
الراتبة هي التي تعلقت بالفريضة، وهي تمامها وكمالها، قد جاء ذلك في السنن والأحاديث، وصلاة النَّفل كلها مكمِّلة لصلاة الفرد لكن آكد ما يكون في ذلك، هي صلاة الراتبة، فالراتبة الحنابلة عشرٌ على ما جاء في حديث ابن عمر: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر -يعني قبل صلاة الفجر- هذه عشر ركعات.
وجاء عند بعضهم -وهو قول عند الحنابلة- ثنتي عشرة ركعة كما في حديث أم حبيبة «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» ، جاء في بعض الروايات وهي: «أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» ، وجاء عن أم حبيبة أنها ما تركتها، وقال عنبسة بن أبي سفيان: "فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ" وهكذا تتابع الرواة على الثبات عليها والاستقامة عليها، فهذه السنن الرواتب وهي من آكد ما يُفعل من الصَّلاة، وآكدها سنة الفجر، فإنَّ سنة الفجر كان النبي ﷺ يواظب عليها حضرًا وسفرًا، حتى في السفر كان يترك السنن الرواتب كلها إلا سنة الفجر، وجاء في الحديث أنه قال: «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَ» ، وجاء في الحديث: «لا تَدَعُوا رَكْعَتَيِ الفجرِ، ولو طَرَدَتْكُم الخيلُ» ، فكل ذلك يدل على عظيم فضل ركعتي الفجر والمحافظة عليها.
فإذا فاتت الإنسان بعد الفجر؛ فالمشهور من المذهب أنه يصليها بعد طلوع الشمس وارتفاعها وانتهاء وقت النهي، لكن جاء في بعض الأحاديث أنه لو صلاها بعد الصَّلاة أجزأه، وعلى ذلك الفتيا عند جمع من أهل العلم، لما جاء في ذلك الحديث لَمَّا رأى النبي ﷺ رجلًا يصلي بعد الفجر فمنعه لأنه وقت نهي، قال: إن الركعتين اللتين قبل الفجر فاتتني فصليتهما الآن؛ فأقره النبي ﷺ على ذلك فجاز، لكن لا شك أنه لو أمِنَ على نفسه أنه يصليها من الضحى فذلك أتم لأن هذا ليس بوقت نهي، ولأنه هو الذي أمر النبي ﷺ بقضائها فيه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِتَأَكُّدٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ)}.
صلاة الليل آكد من صلاة النهار، فإن غالب صلاة النبي ﷺ في الليل، وهي أفضل الصَّلاة بعد الصَّلاة المكتوبة.
والصَّلاة في جوف الليل فيها من إجابة الدعاء فيها من الخلوة بالله -جَلَّ وَعَلَا- وفيها من الإخلاص ما ذكرنا، ولذلك هي أفضل من النهار، لكن ينبغي للإنسان أن يكون له صلاة من الليل كما ينبغي أن تكون له صلاة من النهار، يتنفَّل ويتزوَّد من الطاعات، ويطيل ما شاء الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يطيل، ويطلب في ذلك الأجر والثواب من الله -جَلَّ وَعَلَا-، وكم يقضي الناس من الأوقات ما لا فائدة لهم فيه، حتى إذا قام في ركعتين أراد أن يستعجلهما، لكن من درَّب نفسه على أن يطيل الصَّلاة وعلى أن يخلو بالله وعلى أن يناجي الله -جَلَّ وَعَلَا-،؛ فإن ذلك يكون سِلوَة قلبه وصلاح نفسه، ولقد رأينا أقواما نعجب كيف يفعلون، وكيف يصلون؟! إذا قام الواحد منهم في صلاته لا يكاد ينصرف منها، وإذا دخلَ فيها لا يكاد يخرج منها، يصلي الساعة والساعتين، ولقد أدركنا أناسًا يصلون الليل أو أكثره ويطلبون في ذلك رضا الله -جَلَّ وَعَلَا- وإذا صلوا من النهار صلوا الساعة والساعتين، وهذا لا يكاد يجَد في هذا الزمان أن يصلي الإنسان من النهار، يصلي الإنسان في وقت الضحى أو ما بين الظهر والعصر، ففيه نفلٌ مطلق، فينبغي للإنسان أن يعوِّد نفسه أن تكون له صلاة يختلي فيها مع الله -جَلَّ وَعَلَا- ويُظهر حاجته وفاقته، ويتزوَّد منها لآخرته، ويطلب بها الفوز والفلاح، فيا هنيئ من سجد، ويا هنيئ من طلب رضا الله -جَلَّ وَعَلَا-، جاء من حديث كعب بن ربيعة قال: «كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ ﷺ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ»، والمراد هنا بالسُّجود: الصَّلاة، فإن أعظم ما في الصَّلاة سجودها كما جاء ذلك في الحديث «وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» .
يقال هذا الكلام وقد وُجِد منَّا جميعًا -إلا من رحم الله -جَلَّ وَعَلَا- إقبالا على الشَّهوات والرَّغبات والاجتماعات، يجتمع الإنسان إلى ساعة وساعتين لا يمل، بل لربما أتمها إلى أربع أو خمس ساعات، حتى إذا أراد أن يقوم نصف ساعة طالت عليه واشتدت! حتى إذا أراد أن يوتر كأنما على رأسه جبل! حتى إذا أراد أن يخلو بالله -جَلَّ وَعَلَا- وهو أحوج ما يكون إلى ربه وأفقر ما يكون إلى مولاه؛ ومع ذلك يثقل عليه مثل ذلك! فلولا أنه لم يربي نفسه ولولا أنه أعطى نفسه هواها لَمَا ثقلت عليه مثل تلك الصلوات، ونحن نقرأ ونسمع ما عرف به السلف القريب كما السلف البعيد في طول صلاتهم وإقبالهم على الله -جَلَّ وَعَلَا- ورغبتهم فيما عنده، حتى يكون ذلك أعظم ما يكون من أوقاتهم، ولذلك قال إبراهيم بن أدهم: "أهل الليل في ليلهم أسعد من أهل لهو في لهوهم"، فما أعظم مَن خلا بالله -جَلَّ وَعَلَا- وأقبل عليه! ويوشك الإنسان أن يجاهد نفسه قليلًا حتى تكون أعظم ما يكون في حياته، وأتم ما يكون في نفسه، وما بين الإنسان إلا أن يجاهد ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69] فهنيئا لمن عوَّد نفسه ذلك، ولمن سمع فعمل ولمن سمع فصلَّى، ولمن سمع فاستكثر من الطاعة؛ فإنه سيأتي يوم كما قال الله -جَلَّ وَعَلَا: ﴿يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم: 42، 43]، وأعظم ما في هذا قول الله -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ [الحج: 18]، فإذا كان الجبل والشجر والدواب أهدى من ابن آدم في السُّجود لله -جَلَّ وَعَلَا- والإقبال عليه، فما أعظم هذا القلب الذي تجمَّد وقسا والذي أعرض غوى، حتى صعبت عليه الطاعة واستعصت عليه القربى!
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِتَأَكُّدٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ)، النبي ﷺ كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فيقال له فيقول: «أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورً» .
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ لِقَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفعَ وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ)}.
الفقهاء الحنابلة -رحمهم الله تعالى- يجرون سجود التلاوة مجرى الصَّلاة فلأجل ذلك ذكروه فيها، وسجود التلاوة عند الحنابلة في أربعة عشر موضعًا، في الحج منها سجدتان، لكنهم لا يرون السجدة في سورة ص من عزائم السُّجود، فلأجل ذلك لو سجد بها الإنسان في صلاته لبطلت، ويشددون في ذلك خلافًا قول ابن تيمية وفقهاء الشافعية وبعض أهل العلم.
وسجود التلاوة للقارئ والمستمع، فمَن قرأ فإنه يسجد، وكذلك المستمع، والمستمع المقصود به الذي تقصَّد السَّماع، لا الذي سمع عرضًا؛ فإنه لا يسجد ولا يتعلق به حكم، وإذا قلنا: إن سجود التلاوة صلاة فينبغي أن يكون في القارئ ما في الإمام، فلا يسجد مستمع رجل بقراءة أنثى، باعتبار أن الأنثى لا تكون إمامًا فيه، ولا يسجد المستمع وهو متقدِّم على القارئ بل لا بد أن يرجع وهكذا؛ لأنهم أجروا أحكام سجود التلاوة على أحكام صلاة التطوع، فطردوا الأحكام المتعلقة بذلك سواء بسواء، فيشترط لها استقبال القبلة والطهارة وغيرها مما يتعلق بصلاة التطوع.
وسجود التلاوة عند الحنابلة مستحب، فإذا فعله الإنسان فقد أحسن، وإن تركه فقد ترك مسنونًا.
قال: (وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ) طبعًا إذا كان خارج الصَّلاة، فإن المستحب له أن يهوي من قيام، ولذلك ابن تيمية يقول: لو سجد من جلوس فهو كصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم؛ ولأن تمام السُّجود هو في الهوي، والإذعان لله -جَلَّ وَعَلَا- بأن يكون على هذه الحال بعد أن كان قائمًا واقفًا، فهو موضع ذل لله -جَلَّ وَعَلَا- فتمام ذلك أن يكون من حال القائم، وإذا كان في الصَّلاة فإنه يكبر؛ لأنَّ النبي ﷺ أيضًا كان يكبر في كل رفع وفي كل خفض.
قال: (وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ)؛ لأنَّ تحليلها التسليم كالصَّلاة سواء بسواء، وهذا قول لبعض الفقهاء.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكُرِهَ لِإِمَامٍ قِرَاءَتُهَا فِي سِرِّيَّةٍ وَسُجُودُهُ لَهَا وَعَلَى مَأْمُومٍ مُتَابَعَتُهُ فِي غَيْرِهَ)}.
قال: (وَكُرِهَ لِإِمَامٍ قِرَاءَتُهَا فِي سِرِّيَّةٍ)؛ لأنَّ ذلك يفضي إلى أن يترك السُّجود مع استحبابه، فيفوِّت على نفسه الاستحباب، وإن سجد فإنَّ ذلك يفضي إلى أن يُوهِم المصلين، فلا يدري المصلون هل سها الإمام فسجد وحقه أن يركع؟ أم أن هذا سجود تلاوة؟ فلو أنهم سجدوا معه فكان ذلك ساهيًا فإن ذلك مما يفضي في حصول لغطٍ في الصَّلاة وإشكال، فلأجل ذلك: (وَكُرِهَ لِإِمَامٍ قِرَاءَتُهَا فِي سِرِّيَّةٍ)، حتى لا تعوزه إلى أن يترك المستحب، أو أن يحمل الناس على ما يكون فيه لغط، ولذلك قال: (وَسُجُودُهُ لَهَ)، يعني لو قرأ في الصَّلاة السرية ناسيًا أو قصد فالمستحب له أن لا يسجد، لأن ما يترتب على السُّجود من اللغط على المأمومين والإشكال أكثر مما يتحصَّل له من فعل المستحب.
قال: (وَعَلَى مَأْمُومٍ مُتَابَعَتُهُ فِي غَيْرِهَ)، يعني: في غير الصَّلاة السرية، فلا يستحب للمأموم أن يتابعه في الصلاة السرية لأنه لم يسمع السجدة فقالوا من أنه لا يسجد في مثل تلك الحال، وهنا قوله (وعلى) يعني أنه يجب على المأموم أن يتابعه في الصلاة الجهرية.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَسُجُودُ شُكْرٍ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعَمٍ، وَانْدِفَاعِ نِقَمٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ، وَهُوَ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ)}.
كذلك سجود الشكر كسجود التلاوة من جهة الأحكام، فيقول فقهاء الحنابلة: كما أن سجود التلاوة صلاة فسجود الشكر صلاة، فبناء على ذلك يُشترط له مما يشترط للصلاة من وضوء وطهارة واستقبال قبلة ونحوها.
متى يستحب سجود الشكر؟
المشهور من المذهب عند الحنابلة: عند تجدد نعم واندفاع نقم، وقالوا: (ظاهرة) يعني: أن تكون هذه النعم ظاهرة وليست النعم المعتادة، وإلا لوجب أن يسجد الإنسان في كل وقت، لكن إذا كانت ظاهرة من الأشياء التي على خلاف المعتاد، سواء كانت لعموم المسلمين أو للشخص في نفسه، فلو أن شخصًا بشر بمولود بعد أن بقي عشر سنين ينتظره فإنه يسجد شكرًا لله -جَلَّ وَعَلَا-، ولو نجا من حادثٍ يوشك أن يكون فيه هلكة فسجد لله شكرًا وهكذا، إذًا اندفاع نقم أو حصول نعم خاصة أو لعموم المسلمين كما لو اندحر عدو، أو حصل نصر للمسلمين ونحو ذلك، فكل ذلك مما يكون به تجدُّد النعم، فيسجد الإنسان عند ذلك على سبيل الاستحباب، ولا يشرع السُّجود في غير ذلك، يعني ما يتعبَّد الإنسان بسجدة، هذا هو الأشهر في قول أكثر أهل العلم خلافًا لوجه عند بعض الشافعية، فلا يُشرع سجود غير التلاوة وسجود الشكر مستقلًا، إنما يشرع في صلاة تامة على ما تقدم من صلوات التطوع والصَّلاة المفروضة.
ثم قال: (وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ)، يعني لو أن الإنسان يصلي فبُشِّر أنه وُلد له أو أن فلانة التي يحبها وافقت على نكاحه، فخرَّ ساجدًا شكرًا لله -جَلَّ وَعَلَا-، نقول: تبطل صلاته التي هو فيها، إلا أن يكون جاهلًا أو ناسيًا فيعود ثم يتم صلاته لأنها من جنس الصَّلاة وهو جاهل ناسٍ فيعذر بذلك ويجبره بسجود سهوٍ.
قال: (وَهُوَ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ)، أي: من جهة أحكامه ومن جهة أنه صلاة على تقدم بيانه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلى الْغُرُوبِ، وَعِنْدَ طُلُوعِهَا إلى ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ)}.
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لما ذكر التَّطوع المقيد الذي هو الوتر والسنن الرواتب ومثل ذلك الضحى لكنه اختصر هنا فلم يذكرها، ثم أردف ذلك بالنَّفل المطلق، قال (وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِتَأَكُّدٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ)، يعني مستحبة لكنها أفضل، فأطلق؛ ثم أراد أن يبين أنَّ ثَم أوقات لا يشرع للإنسان أن يتعبد بصلاة فيها، ولا أن يتنفَّل بالصَّلاة فيها، فقال: (وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ)، لما جاء في حديث أبي سعيد وغيره: «لا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ» ، هذا هو مشهور المذهب أنه من طلوع الفجر، ويستثنى من ذلك ركعتي الفجر السنة، وبعضهم يقول: من صلاة الفجر، يعني إذا صلى الفجر، فلا يحتاج إلى استثناء ركعتي الفجر بناء على هذا القول، لكن المشهور من المذهب على ظاهر الحديث «إذا طَلعَ الفَجرُ فَلا صَلاةَ إلَّا ركعَتيِ الفَجرِ» ، وما جاء في نحو ذلك من روايات.
قال: (إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ)، فهذا هو أول أوقات النهي.
قال: (وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلى الْغُرُوبِ)، هذا أيضًا الوقت الطويل مثل وقت الفجر، جاء في الحديث: «فَإِذَا صلَّيْتَ العصرَ فأقصِرْ عنِ الصَّلاةِ حتَّى تغيبَ الشَّمسُ» ، وما جاء في نحو ذلك من أحاديث، فبناء على ذلك قالوا: إن هذا وقت نهي لا يصلي الإنسان فيها نفلًا ولا يفعل فيها من صلوات التطوع شيئًا.
ثم قال: (وَعِنْدَ طُلُوعِهَا إلى ارْتِفَاعِهَ)، هذا متعلق بالأول وهو أيضًا ملاصق له ومتصل به، فإذا طلعت الشمس فهذا وقت نهي إلى ارتفاعها قيد رمح، كثير من الناس إذا طلعت الشمس صلَّى وظنها صلاة الشروق، لا، لم تزل وقتًا للنهي حتى ترتفع، بل هو في النهي أشد، لأنه وقت طلوع الشمس يسجد الكفار للشمس، فنُهي عن مشابهتهم في ذلك، فينتظر الإنسان حتى ترتفع قيد رمح، والرمح معروف وهو الذي في نهايته قطعة حديد محددة فهذا الرمح وقته يختلف باختلاف البلدان، وحتى صيفا وشتاء، بعضهم يقول خمسة عشر ستة عشر دقيقة، وينبغي للإنسان أن يتوقى قدر استطاعته، وإذا طالَ النهار فيكون طول ذلك أكثر، فيتيقن ارتفاعها وانتهاء وقت النهي، وهذا جاء في حديث عقبة بن عامر وفي غيره.
{أحسن الله إليك.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى يَتِمَّ)}.
قيام الشمس يكون في قائم الظهيرة إذا تعامدت في قلب السماء قبل الزوال، فهذا وقت قصير لكنه منهي عن الصَّلاة فيه في حديث عقبة وفي غيره؟
كم يبلغ؟ بعض أهل العلم يحتاط ويقول: عشر دقائق أو سبع دقائق، هو أقل من هذا، لكن ينبغي للإنسان أن إذا كانت سبع دقائق قصر عن الصلاة.
قال: (وَعِنْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى يَتِمَّ)، هذا أيضًا تابع للوقت الثاني من صلاة العصر إلى الغروب، لكنه وقت أشد نهيا، لأنه أيضًا وقت يسجد الكفار فيه للشمس، فنهي عن مشابهتهم.
إذًا؛ هي خمسة أوقات في التفصيل وثلاثة أوقات في الإجمال:
فإما أن نقول:
- من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس.
- ومن قيامها إلى الزوال وهذا وقت قصير.
- ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس.
وإذا فصلنا نقول:
- من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
- ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها.
- وإذا قام قائم من الظهيرة حتى تزول.
- ومن صلاة العصر حتى تتضيَّف للغروب.
- ومن شروعها في الغروب حتى يتم غروبها.
هذا إذا فصلناها فتكون خمسة وإذا أجملناها تكون ثلاثة أوقات.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَفْلٍ فِيهَا مُطْلَقًا لَا قَضَاءُ فَرْضٍ، وَفِعْلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ، وَسُنَّةُ فَجْرٍ أَدَاءً قَبْلَهَا، وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ)}.
قال: (فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَفْلٍ فِيهَا مُطْلَقً)، ابتداء النفل فيها مطلقًا محرم؛ لأنها أوقات نهي، ويستثنى من ذلك قضاء الفرض، لو أراد الإنسان أن يقضي فرضًا أو أن يفعل منذورة، فلا بأس بذلك؛ لأن المنذور كالفرض فيكون حكمه حكمه.
قال: (وَفِعْلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ)، لِمَا جاء في الحديث: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا اَلْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» .
قال: (وَسُنَّةُ فَجْرٍ أَدَاءً قَبْلَهَ)، يعني قبل الفجر فهي مستثناة كما مر معنا.
قال: (وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ)، للحاجة إلى الإسراع بها، ولئلا يعوز ذلك إلى حبسها، والأمر جاء بالإسراع بها، فلأجل ذلك قالوا إنها تصلَّى.
ويُفهم من هذا أن ذوات الأسباب لا تصلى في وقت النهي، وهذا هو مشهور المذهب عند الحنابلة، وفي هذا خلاف طويل كثير عريض للفقهاء.
القول الثاني وهو الرواية عند الحنابلة واختاره بعض المحققين: أن ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء ونحوها تُصلَّى في أوقات النهي، لكن ينبغي أن يُتقى الأوقات التي تشتد في النهي كعند الغروب وعند شروق الشمس وارتفاعها.
هذا على شيء من الاستعجال، أتينا على جملة من المسائل وهي كالتنبيه لكم أيُّها الطلاب، وكالتَّحرير لكم والتقريب، وإلا فالشَّرح هو أكثر من ذلك وأكبر، وليس مثلنا مثل مَن يشرح وإنما هو من يوضح ويقرب، أسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يتم علينا وعليكم التَّوفيق والسَّداد، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يبلغنا الخير والعلم، ونرجو الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يمد في أعمارنا حتى نلقاكم في مواسم كثيرة متتالية في مثل هذه المجالس الطيبة، نستكمل ما توقفنا عنده، ونطلب من الله -جَلَّ وَعَلَا- الخير والتَّوفيق والسَّداد، وأن يبلغنا في ذلك صلاح أعمالنا وإخلاصنا في ما نأتي وما نذر، وأن يحفظنا من سوء ومكروه، وأن يبلغنا الخير أجمع، وأن يجزي عنا كل من ساهم في مثل هذه المجالس وهذا المنتدى العظيم الذي يحصل به الخير ويُدعى فيه إلى الهدى وتعلَّم فيه السنة، والله أسأل لي ولكم التَّوفيق والسَّداد في الدَّارين والدينا وأحبابنا والمسلمين.
{أحسن الله إليك، وبارك فيكم، انتهينا إخوتنا من المستوى الأول بحمد الله مع شيخنا الشيخ/ عبد الحكيم.
وفي هذا المقام يسعنا أن نشكر الإخوة القائمين في هذه الجمعية المباركة، جمعية (هداة) لتعليم العلوم الشرعية، وأن يجزي شيخنا خير الجزاء، فقد قدم كثيًرا، وأسعفنا بكثير من وقته وجهده وعلمه، بارك الله فيه، ونفعنا به وبعلمه، نسأل الله -عز وجل- أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا ينفعنا، وصلى الله وسلم على محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك