الدرس الثامن

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

57353 18
الدرس الثامن

أخصر المختصرات

{الحمدُ لله ربِّ العالمين، ثم الصَّلاة والسَّلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبيِّنا محمد عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم تسليم.
ثم أمَّا بعد؛ فأهلًا وسهلًا بكم أعزاءنا المشاهدين المستمعين في كلِّ مكانٍ في مجلس جديد من مجالس شرح متن (أخصر المختصرات) يشرحه فضيلة الشيخ/ الدكتور عبد الحكيم بن محمد العجلان.
أهلًا وسهلًا بكم صاحب الفضيلة}.
 أهلًا وسهلًا بك، أهلًا وسهلًا أحبتي وإخواني الذين يتابعوننا، أسأل الله لنا ولكم التوفيق، تفضل.
{أحسن الله إليكم ورضي عنكم ونفع بكم.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتَغْيِيبُ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ أَوْ مَيِّتٍ بِلَا حَائِلٍ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فأسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم الذين يرتقون في منازله، ويُوفقون لتحصيله ويستقيمون على العمل به، وأن يجعل ذلك خالصًا لوجهه وأن يبلِّغنا فيه رفعةً وتوفيقًا، وأن يجعله عملًا خالصًا، وأن يجعله أجرًا باقيًا سائرًا، وأن يغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا وأحبابنا والمسلمين.
لا يزال الحديث موصولًا طلبة العلم في بابٍ من الأبوابِ المهمَّة وفصلٍ من الفصولِ العظيمة التي لا يتأتَّى للمسلم كمالُ طهارةٍ وأداء عبادةٍ إلا بالعلم به والوقوف عليه؛ لأنه كلٌّ يتعرَّض ذلك ويحتاج إليه، وهي مسائل تتعلَّق بالطهارة الكبرى التي هي الاغتسال من الأحداث الكبرى، وقد ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أولها وبيَّنَّا ذلك في المجلس الماضي: خروج المني دفقًا بلذة، وتكلمنا على ما يتعلَّق بحقيقة حصول الخروج أو الانتقال بدون خروج.
وقبل أن ننتقل إلى المسألة الثانية؛ فإنَّ الحنابلة الذين قالوا: إنَّ الانتقال موجبٌ للطهارة الكبرى ولو لم يخرج، قالوا: لو خرج بعد ذلك، يعني بعد ما فتأَ وكسل خرج ماؤه وبعد اغتساله؛ فيقولون: إنه لا يحتاج إلى إعادة الغسل، بل يكفي الغسل الأول؛ لأنه حدث واحد، لكن يجب أن يتوضأ لخروج الخارج من السبيلين.
بعد هذا قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتَغْيِيبُ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ)، الحشفة ما هي؟
هذا تعبير من الفقهاء -رحمهم الله تعالى- يعنون به رأس الذَّكر لقرب هيئته من هيئة التَّمرة إذا نشفت ويبست، وهذا من الكنايات اللَّطيفة التي جَرى الشَّرع بها في مواطن كثيرة، فالله -جَلَّ وَعَلَا- قال في كتابه: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187]، فكنَّى عن الجماع وما يحصل بين الزَّوج والزَّوجة بأتم عبارة وأرفع لفظ.
قوله: (وَتَغْيِيبُ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ)، إذا غيبها في فرج أو دبر؛ فإنه يجب بذلك الغسل والطهارة الكبرى؛ لماذا؟ لأنَّ النَّبي عليه وسلم قال: «ومَسَّ الخِتانُ الخِتانَ» يعني: مسَّ ختان الرجل ختان المرأة «فقَدْ وجَبَ الغُسْلُ»[1]، وفي بعض الروايات: «إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَها فقَدْ وجَبَ الغَسْلُ»[2]، وفي زيادة: «وإنْ لَمْ يُنْزِلْ»[3].
ما صورة مس الختان للختان. لأن هذه مسألة مهمة؟
يبين صورته الرواية الثانية، لأنه يمكن أن يكون في صورة لا يجب فيها غسلًا، فختان الرجل الذي هو بعد الحشفة ومقطوع من هذه الجهة، وختان المرأة هو قطع ما في أعلى مجرى البول من الجلدة التي كعرف الديك، فقد تلتقيان بأن يُعرَض الذَّكر على بظر المرأة الذي هو عُرفها؛ فهذا لا يعتبر موجبًا للغسل، فلو اعترض على هذا النحو، ونحن نقول هنا لأهمية هذه المسائل، ولأنها تُلبِس على الناس ولأنَّ الشيطان أكثر ما يدخل وسوسة في باب الطَّهارات، هذا لا يُوجب غسلًا.
وإنما المقصود: إذا حصلت المماسة حال دخول، فإذا أدخل الرجل ذكره في فرج المرأة حتى وصلَ إلى محلِّ الختان، فالتقى الختان بالختان، ففي مثل هذه الحال يجب الغسل.
ثم قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (أَوْ دُبُرٍ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ)، وهذا يتكرَّر عند الفقهاء كثيرًا، كيف يقوله وهو محرم؟
الفقهاء هنا يذكرون حدود المسألة كيفما كانت، وأمَّا حصول المحرم أو عدمه فإنهم لا يقصدون بذلك التيسير فيه أو التحليل؛ لأنهم يعتبرون أنَّ هذا طالب علم سيأخذ الكتاب كاملًا، وهم ذكروا في آخره حرمة ذلك والجرم فيه، وما يترتب على فاعله، ومسائل كثيرة عظيمة في فعل ذلك وحكمه، إن كان إتيان ذلك لزوجته أو كان إتيان ذلك لأجنبي فهو في حكم اللواط، وما فيه من الحد أو التعزير أو القتل، الى غير ذلك، فإذًا لا يأتي إلى ذهن المتلقِّي أنَّ هذا على وجه جائز، لا، هو الآن يُبين صورة المسألة التي يجب فيها الغسل بتغييب الحشفة، فلمَّا كان الدبر بمثابة الفرج في أنهما شيء وحد وإن كان هذا يجوز الإيلاج فيه وهذا لا يجوز الإيلاج فيه أراد أن يبين أنه لو تعدَّى فأولج فيه لوجب الغسل، وأما كونه آثما أو تترتب عليه عقوبة فهذا شيء آخر سيذكر في موضعه.
ومثل ذلك قال: (وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ)، يعني حتى ولو بهيمة كما يفعل بعض الفسَّاق وقليلي المروءة والعقل؛ فإنَّ ذلك موجب الغسل مع ما في ذلك من الحرمة، وهذا سيأتي في كتاب الحدود وللفقهاء فيه كلام شديد ظاهر فيما يترتب عليه.
قال: (أَوْ مَيِّتٍ)، نسأل الله السلامة والعافية، لو تعدَّى شخص على ميت.
قوله: (بِلَا حَائِلٍ)، أمَّا لو كان ثَمَّ حائل فلم تكن المماسة فلا يجب الغسل.
هل نقول الآن: هذه الحوائل التي تجعل على الذَّكر منعًا للولد أو منعًا للحمل هل تكون مانعة من وجوب الغسل؟
نقول: إذا لم يُنزل فنعم، وإن كانت الحقيقة فيها رقة كثيرة ويصعب على القلب مثل ذلك، لكن حقيقة ما ذكره الفقهاء واضح.
وأيضا ما جاء في النص: «إِذَا مَسَّ» والمماسة هي المماسة مباشرة بدون حائل، لكن كون الإنسان يغتسل هذا أولى وأحوط، أمَّا كون ذلك لازمًا فلا، أمَّا إذا أنزل فيجب عليه الغسل حتى لو لم تكن المماسة؛ لأنه وجب عليه الغسل بالإنزال لا بالإيلاج بحائل.
وهنا إشارة إلى أنه لو كان التَّغييب في غيرِ فرج كما هذه المصنوعات ونحوها فهذه لا تعتبر موجِبة للغسل من ذلك، لكن لو حصل له إنزال فيجب، وهذا يكون كالاعتداء بالإتيان بغير ما أمر الله به من إتيان الزوجة أو الإماء، فيكون اعتداء ويكون آثمًا، لكنه يخفف فيه إذا خاف على نفسه الزنا، فحصوله أخف العقوبتين أولى من حصول أعلاهما.
هل يسلم من العقوبة أو لا؟
كلام لأهل العلم، لكن لا شك أنه إذا كان قد استدعى ذلك بالتَّعرض للفتن أو رؤية الأشياء عبر الشاشات أو التَّنقل عبر هذه الجوالات إلى ما يحرِّك غريزته ويدعو نفسه إلى الشَّر؛ فلا شك أنه آثم في ذلك لا محالة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِسْلَامُ كَافِرٍ)}.
إسلام الكافر عند الحنابلة -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- موجبٌ من موجبات الغسل على الإطلاق لأمر النَّبي ﷺ- ثمامة بأن يخرج فيغتسل، وأيضًا جاء ذلك في حديث قيس بن عاصم، فأخذ منه الحنابلة لزوم ذلك وجوبه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَوْتٌ)}.
مثل ما تقدم، إذا مات الشخص وجب تغسيله، ووجوب تغسيله على سبيل التَّعبُّد إكراما لهذا الميت وتعظيمًا لقدومه على ربه في أتم حال وأكملها، ولأجل ذلك ينبغي أن يكون التغسيل على أتم حال، وأيضا تهيئة الأمور من كفنٍ جميلٍ كما يَلبس في دنياه من أحسن الثياب وأرفعها فكذلك ينبغي، ومثل ذلك أيضًا ما يكمِّل ذلك من الطِّيب وسواه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَحَيْضٌ، وَنِفَاسٌ)}.
كذلك إذا حاضت المرأة -وسيأتي بيانه وبيان النفاس- فإنَّ ذلك موجبٌ للغسل، لكن كما يقول أهل العلم: إن انقطاعه شرط لصحة الغسل؛ لأنَّ الحيض ليس كسائر هذه الأحداث شيء يسير وينتهي؛ لا، الحيض يستمر، يوم يستمر ثلاثة أيام، يستمر سبعة أيام، وعند بعض النساء قد يستمر عشرة أو اثنى عشر يومًا، حتى ومن كانت عادتها سبعة أيام إذا استخدمت بعض الموانع مثل: الموانع البلاستيكية ونحوها كاللولب وغيره؛ فإنها قد تطول عادتها، فتعتبر عادتها الطويلة إذا وصلت إلى عشرة أيام أو إحدى عشر، فبناء على ذلك نقول: بحصول الحيض تعلق بها حكم الغسل، وبانقطاع الدم لزمها وصحَّ منها، فلو اغتسلت بعدَ خروج الدم وقبل انقطاعه فلا أثر لهذا التطهير، ولا تصح منها هذه الطهارة؛ لأنَّ انقطاع الدم شرطٌ لصحَّةِ الطهارة الكبرى -أو الغسل.
ومثل ذلك النفاس، وهو الدم الذي يكون على أثر الولادة، وسيأتي تفصيله أكثر، ودخول الدم الذي قبل الولادة بيومٍ أو يومين إذا كانت معه آلام المخاض، فهو داخل في اسم النفاس، فكذلك هو موجبٌ للطهارة الكبرى -أو للغسل- لكن النفساء لا تغتسل حتى ينقطع دمها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَسُنَّ لِجُمُعَةٍ، وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ)}.
لَمَّا انتهى المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- من موجبات الغسل التي يجبُ الغسل عند حصولها، فلا تتأتَّى للإنسان الطَّهارة إذا وقعَ منه السَّبعة المتقدِّمة إلا إذا اغتسل، أراد أن يبيِّن بعد ذلك ما يكون من متعلقات الطهارة الكبرى مما يكون مُستحبًا لأجل ذلك، فليس بلازم، إن فعله الإنسان فقد أحسن واستكمل واستتم الأجر وطلب التمام، وإن لم يفعل ذلك فلا غضاضة عليه ولا تجريم.
قال: (وَسُنَّ لِجُمُعَةٍ)، الجمعة مُستحب لها الغسل في قول عامة أهل العلم وعند جمهور الفقهاء لمن يأتيها، أمَّا المرأة التي لا تأتي الجمعة، أو مَن لا تجب عليه الجمعة لسفرٍ أو غيره ولا يريد الذَّهاب إليها؛ فلا يتعلق به حكم الاستحباب، لكن «إِذَا جَاءَ أحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ»[4] كما جاء بذلك النص.
ويتبين من ذلك أنَّ محل الغسل هو يوم الجمعة، وأنه قبل الصلاة؛ لأنَّ المقصود بها إتيان الصلاة، ولذلك يقولون: ويستحب أن يكون عند الخروج والسَّعي إليها.
ويقولون: ويستحب أن يكون بعد جماع؛ لأنَّ النَّبي ﷺ قال: «من غسَّلَ واغتسلَ وبكَّرَ وابتكرَ»[5]، فقالوا: «غسَّل» يعني: غسل الجمعة، و«اغتسل» أي: من الجنابة، فيكون ذلك تحصيلًا للأجر الذي جاء وفي هذا الحديث على وجهٍ لم يأتِ في النصوص أعظم من ذلك الأجر الذي جاء في هذا الحديث، ولهم فيه كلام لعلَّنا أن نؤخره عند الكلام على أحكام الجمعة -بإذن الله جل وعلا.
ولا يقال بوجوب غسل الجمعة؛ لأنَّ النَّبي ﷺ قال: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ، ويَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ، ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ»[6]، قال أهل العلم: ومس الطيب بإجماع مستحب فكذلك غسله.
وجاء في الحديث «مَنْ توضأَ فَبِهَا ونعمَتْ ومَنِ اغتسلَ فهُوَ أفضلُ»[7]، وجاء عثمان ولم يغتسل، فيها ذلك دلالات كثيرة، فلا إشكال في أنَّ هذا مستحبٌّ وليس بواجب.
قال: (وَعِيدٌ)؛ لأنَّ العيد كالجمعة في اجتماع الناس وما يُطلب للجمعة يُطلب للعيد من لُبس أحسن الثياب وأكملها؛ ولأنها حالٌ يرجى فيها حصول الخير وإجابة الدَّعوة ونحو ذلك من الأشياء، فألحقَ الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- ذلك بالجمعة، وجاء ذلك عن أصحاب النَّبي ﷺ، لكن أتم ما جاء في مستحبَّات الغسل هو غسل الجمعة وهو أعظمها وآكدها.
قال: (وَكُسُوفٌ)، كذلك قالوا: إنها يجتمع لها الناس مثل ما يستمعون للجمعة والعيد، والاستسقاء كذلك فيه مشابهتها للعيد وما اشتملت عليه من خطبة ونحو ذلك فاستحبوه كذلك سواء بسواء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَجُنُونٍ، وَإِغْمَاءٍ لَا احْتِلَامَ فِيهِمَ)}.
يعني لو على الإنسان جنون أو إغماء فإنه إذا أفاقَ يُستحب له أن يغتسل؛ لأنَّ النَّبي ﷺ لَمَّا أُغمي عليه في مرض موته ثُمَّ أفاق ذهبَ ليغتسل، فكان ذلك مُستحبًا.
قال: (لَا احْتِلَامَ فِيهِمَ)، أمَّا إذا وجد في حال الجنون أو حال الإغماء ما يوجب الغسل فإنَّ الغسل لا يكون مُستحبًّا بل يكون واجبًا، فأرادَ المؤلف أن يبيِّن أنَّ هذا من حيث الأصل في الجنون والإغماء أنه يستحب، لكن لو حصلَ في أثنائهما ما يوجب الغسل فإنه يجب، فلو أنَّ امرأة مثلًا عندها جنون غير مطبِق -يعني ليس مستمرًا- فنزل بها هذا الجنون عشرة أيام وجاءها في ذلك وقت الحيض ثم طهرت، ثم بعد ذلك أفاقت، نقول: لَمَّا أفاقت يجب عليها غسل الحيض، وفيها ما يستدعي وجوبه.
بالمناسبة وهذه مسألة مهمة، والناس كثيرًا لا يتنبهون لها: الناس يعرفون الجنون إذا كان شخصًا مجنونًا، ولد مجنونًا وبقي مجنونًا إلى آخر حياته، لكن الجنون المتقطع لو سألتك الآن ولو سألنا كثيرًا من الذين يشاهدوننا الآن هل تعرف واحدًا عنده جنون متقطع؟ يعني ممكن تتردد أو تتوقف والكثير قد يجيب بلا، لكن لما أثرت أنا السؤال بدأ الإنسان عنده الشكوك ويراجع نفسه شوي!
الحقيقة أن كثيرًا من الذين عندهم جنون غير مطبق -يعني متقطع- أن أهل الطب يصفونه بوصف آخر، فلأجل ذلك ما يأتي على الذِّهن أنَّ هذا هو الجنون الذي ذكره الفقهاء وتعلق به الأحكام، فيسميه في عرف الأطباء "انفصام شخصيَّة"، الذي له شخصيتان: شخصيَّة مجنونة وشخصيَّة غير مجنونة، هذا جنون غير مطبق، لكن انفصام الشَّخصية درجات، فلا ينبغي أن يقال: إن انفصام الشخصية ليس بجنون، ولا ينبغي أن يقال: هو جنون على كل حالٍ، بل عند أهل له درجات، منه درجة تساوي الجنون غير المطبق سواء بسواء، فما ذكره الفقهاء من أحكام الجنون المتقطِّع يدخل فيها ولا شك. ما نأتي نقول: وانفصام الشخصية مثل جنون!
وهذه راجعة إلى مسألة مهمة للغاية، وهو أنَّ ما ذكره الفقهاء من مصطلحات متحرِّرة في الأحكام المتعلقة بها، وما يتعارف الناس عليه إما في القوانين أو في الأعراف الطبيَّة والاقتصاديَّة فهي محتملةٌ، فلا يجوز أن نأتي ونقول مثلًا: القاصر غير البالغ، لا، القاصر في عرف القانون يصل إلى ثمانية عشر، فإذا ما نأتي ونقول: القاصر لا تجب عليه الصلاة أو كذا، فلا تنزِّل أحكام على مصطلحات غير محرَّرة عند الفقهاء مطلقًا، بل تأتي تقول: ما المقصود بالقاصر؟ إن كان كذا فهو كذا وإن كان كذا فهو كذا، بحسب ما جاء من أحكام شرعية تتعلق به.
ومثل ذلك مسألة انفصام الشخصية، ولأهميتها هنا ذكرناها على شيء من التوضيح.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَاسْتِحَاضَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ)}.
المستحاضة هي التي مع معها سيلان الدم مُطلقًا، فلا تتوقف في أكثر الشهر، أو من أكثر الحيض وهو خمسة عشر يومًا فتسمَّى مستحاضة، ويسميه الآن النساء وأهل الطب "نزيف" يقال: فلانة عندها نزيف أو نحوه، فإذا استحيضت المرأة تعتبر هذه ممن لها حكم خاص، وتسمَّى ممن حدثه دائم، فيجب عليها الوضوء لكل صلاة لكن لو اغتسلت لكل صلاة فذلك أتم لما جاء في حديث أم حبيبة، فحكم في فيه الفقهاء بأن هذا على سبيل الاستحباب والتمام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِحْرَامٍ، وَدُخُولِ مَكَّةَ، وَحَرَمِهَ)}.
يستحب الاغتسال عند الإحرام حتى ولو كانت المرأة حائضًا أو نفساء، فيستحب لها الاغتسال عند الإحرام كما حصل لأسماء بنت عميس؛ ولأن النَّبي ﷺ كان يغتسل لإحرامه قبلَ أن يحرم، ولطوافه بالبيت قبل أن يطوف.
وكذلك لدخول مكة لأن النَّبي ﷺ اغتسل لها.
وكثير من الناس تفوت عليهم هذه المسألة، في أن يغتسل لدخول مكة، وهنا أوضح ذلك بحالين:
الحال الأول: إن كان حال إحرام المرء ودخول مكة بينهما وقت قصير بالسيارات فينبغي حين اغتساله للإحرام أن ينوي أنَّ هذا الغسل للإحرام ولدخول مكة.
الحال الثانية: إذا كان بينهما وقت طويل إمَّا لأن الآلة التي تقلِّهم تأخذ وقتًا طويلًا، أو لكون المسافة بعيدة، كالذي يحرم مثلًا من ذي الحليفة فيأخذ أوقات طويلة أحيانًا ربما يطول به حتى يكون نهارًا بحسب طبعًا الآلات فيما مضى؛ فينبغي له إذا قرُب من مكة أن يقفَ وأن يغتسل وأن يدخلها على غسل تام، فإنَّ هذا من المستحبات التي قد تكون مهجورة.
قال: (وَحَرَمِهَ)، هنا مسألة يحصل فيها شيء من التضارب، فيما مضى كانت مكة صغيرة والحرم أكبر، فالأحكام التي تتعلق بالحرم تتعلق بمكة كلها، وليس كل الأحكام فيما مضى التي تتعلق بمكة تتعلق بالحرم، من جهة انقطاع السفر وغيره وكذا، لكن الآن صارت مكة أكبر من الحرم، فبناءً على ذلك ينبغي التفريق، فالأحكام التي تتعلق بالحرم تبقى متعلقة بالحرم، ففي الأول كانت الأحكام المتعلقة بالحرم متعلقة بمكة لأن مكة كلها في الحرم، لكن الآن لا، فبناء على ذلك يجب التفريق بحسبه.
ومثل ذلك: في الأول كان الفقهاء يقولون -وجاء هذا عن الصحابة: من مكة إلى جدة سفر قصر، صحيح؛ لأنَّ مكة كانت صغيرة وجدة صغيرة، لكن لَمَّا كبرت -بل نقول انفجرت- جدة ومكة -يعني كبرت كثيرًا- فصارت المسافة التي بينهما أقل من المسافة التي يجوز فيها القصر في السفر، فبناء على ذلك تغيَّرت هذه الأحكام.
فإذًا من المسائل التي يذكرها الفقهاء ما لها متعلَّق قد يختلف المناط فيه، لكن بالنسبة لما ذكره الفقهاء متسق من حيث الأصل، لكن من حيث الحال أو ما احتفَّ احتاج إلى أن ينتقل إلى حكم آخر، فينبغي أن يتبين ذلك بحسب ما نزل به واحتف.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَوُقُوفٍ بِعَرَفَةَ)}.
الوقوف بعرفة كذلك يعني مما يستحب له الغسل، لأنه أيضًا من الأنساك وفيه اجتماع، ويكون فيه ما يكون في الإتيان للجمعة وأعظم، ويرجى فيه من إجابة الدعاء، التَّجمل للعبادة والوقوف بين يدي الله -جَلَّ وَعَلَا- في ذلك الموقف، وجاء هذا أيضًا عن بعض السلف فعله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَطَوَافِ زِيَارَةٍ، وَوَدَاعٍ)}.
طواف الزيارة كما فعل النَّبي ﷺ ولحلِّه قبل أن يطوفَ بالبيت، وهذا أيضًا من الأشياء التي تقلّ عند الناس لأنهم في الغالب مع الزحام يريدون الخلاص، لكن مَن أراد تمام حجه فليغتسل، فأنت ما جئت إلا للحج، حتى لو استغرق ذلك وقتك كله، والآن الحج متيسر ما هي إلا ثلاثة أيام أو خمسة أيام، من أول كان الناس يذهبون أشهرًا ويبقون في حالٍ فيها من المعاناة ما فيها، لم تتيسر لهم الأشياء، ولم تجلب لهم المياه، ولم يسهل لهم طهي الطعام تقريبه، والآن تيسرت للناس إلى هذه الأشياء كلها، فلم يبقَ للإنسان إلا أن يتفرَّغ للعبادة، فإذا أرادَ أن يطوف طواف الإفاضة فيغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، هذا إذا كان قد تحلَّل التَّحلل الأوَّل ثم يطوف.
قوله: (وَوَدَاعٍ)، قاسوه على طواف الزيارة في أنه طواف ونسكٌ من الأنساك، وأيضًا فيه اجتماع وفيه تعرُّض للخير، فيكون المرء على حال أتم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ، ورَمْيِ جمارٍ)}.
ذكروا هذا يعني على سبيل المماثلة في كونها أنساكًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتَنْقُضُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ، لَا جَنَابَةٍ إِذَا رَوَتْ أُصُولَهُ)}.
يعني: المرأة إذا أرادت أن تغتسل فتنقض شعرها، وهنا فرقوا بين الحيض والنفاس وبين الجنابة: فإنَّ الحيض من جهة المعنى لا يتكرر إلا كل شهر، فليس على المرأة كلفة في أن تنقض شعرها، أماَّ الجنابة فقد تكرَّر في كل يوم أو أكثر أو أقل كل شخص بحسبه.
فبناءً على ذلك قالوا: لو كانت كل ما أرادت الغسل للجنابة نقضت شعرها فإنَّ في هذا عليها كُلفة شديدة، وجاء عن أم سلمة: قالت: (قلت يا رَسولَ اللهِ، إنِّي امْرَأَةٌ أشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أفأنْقُضُهُ لِغُسْلِ الجَنَابَةِ؟ قالَ: «لَا. إنَّما يَكْفِيكِ أنْ تَحْثِي علَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ». وفي رواية: أفأنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ والْجَنَابَةِ، فَقالَ: «لَ». وفي رواية: قالت: أفَأَحُلُّهُ فأغْسِلُهُ مِنَ الجَنَابَةِ ولَمْ يَذْكُرِ الحَيْضَةَ)[8] في حديث أم سلمة، فأخذ منه الفقهاء ذلك.
على كل حال؛ أخذ الحنابلة على ظاهر الحديث ففرقوا بينهما، لكن بشرط أنه إذا لم يُنقض في الجنابة أن يعلم وصول الماء إلى أصول الشعر، فلا يندُّ الماء عن شيء من أجزاء بدنها، لكن لو أنها كانت تُوصِل الماء إلى جميع أجزاء بدنها في غسل الحيض بدون أن تنقضه؛ هل نقول تنقضه أو لا تنقضه؟
الظاهر من كلامهم: لابد أن تنقضه، فهذا هو مشهور المذهب، وإن كان فيه لبعضهم كلام، لكن المؤلف ظاهر كلامه موافَقته لظاهر الحديث في التَّفريق بينها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَسُنَّ تَوَضُّؤٌ بِمُدٍّ، وَاغْتِسَالٌ بِصَاعٍ)}.
لَمَّا ذكر المؤلف قوله: (وَتَنْقُضُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا لِحَيْضٍ) لعلكم أن تلحظوا أنه أشار إلى مسائل في الغسل، ولم يذكر المؤلف صِفة الغُسل مع أنَّها من الأمور المهمَّة، وهذا أيضًا جرى مثله في الوضوء؛ لأنَّ الحديث حديثٌ فيه اختصار، لكن الغسل فيه ما يستدعي ذكره، فإنَّ الغسل عند الفقهاء غسلان:
- إما غسل كامل.
- أو غسل مجزئ.
والغسل الكامل جاء في حديث عائشة وفي حديث ميمونة وهما اللتان روتا صفة غسل النَّبي ﷺ، فأمَّا الكامل: أن ينوي المغتسل ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثًا، ثم بعد ذلك يغسل فرجه وما علق به من نجاسة من مذي أو غيره أو نحوه، ثم ينفض يديه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يصب الماء على رأسه ثلاث حثوات، ثم يفيض الماء على جسده، قال بعضهم: ثلاثًا. وبعضهم يقول: واحدة، وهذا جمعًا بين الروايتين، فقالوا: إنها ثلاث، ويبدأ بميامنه ثم الجزء الأيسر منه في تلك الغسلات كلها.
وجاء فيه فرق بسيط بين أحاديث ميمونة أنه «ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ»[9]، وتفقد المواضع التي ينبو عنها الماء، مثل: غضاريف أذنيه، ومثل ما بين إليتيه أحيانًا، وما تحت ركبتيه وما تحت إبطيه؛ إذا كان سمينًا بطنه فيه عُكَنٌ تتصفَّط وتتكسَّى فيغسل ما بينها، ويتأكد من وصول الماء إلى جميع جسده.
فإذًا في حديث ميمونة أنَّ الغسل مثل ذلك لكن يتوضأ غير أنه لا يغسل رجليه، ثم إذا أفاضَ على شعره وعلى سائر بدنه ثلاثًا انتقل من مكانه ثم غسل رجليه فهذا أتم في طهارتها.
فعلى كل حال؛ سواء فعل هذا أو ذاك فهما صحيحتان ويسمان الغسل الكامل.
الغسل المجزئ: أن ينوي فيسمي ويزيل النجاسة ويفيض الماء على بدنه بما في ذلك المضمضة والاستنشاق، بدون ما وضوء وبدون ما تعميم ثلاث مرات، المهم أن يتأكد من وصول الماء إلى جسده.
والفرق بين الغسل والوضوء:
أنَّ الوضوء لا بد فيه من ترتيب، أمَّا الغسل فلا يلزم فيه الترتيب، وإنما البداءة بالوضوء ثم ما ذكرناه على سبيل الاستحباب، وكذلك قالوا: إن الغسل لا موالاة فيه، فلو غسل بعض جسده ثم أحسَّ ببرودة فجلسَ أو سكنَ أو انتظر حتى يدفأ الماء أو حتى يأتي بمدفأة أو سواها ثم غسل سائر جسده، فيقولون بأن ذلك صحيح وليس عليه فيه نقص ولا إشكال.
قال: (وَسُنَّ تَوَضُّؤٌ بِمُدٍّ، وَاغْتِسَالٌ بِصَاعٍ)، هذا فعل النَّبي ﷺ.
والمد: هو ملء الكفين المعتدلتين.
والصاع أربعة أمداد.
كيف يوزن الآن؟
مثل ما ذكرنا سابقًا أنَّ الصَّاع هو من قياس الأشياء بحجمها، فما يمكن نقول كم كيلو وكم وزنه؛ لأنَّ الوزن هو قياس الأشياء بثقلها، ولأن ما تضعه في هذا الصَّاع قد يكون ثقيلًا وقد يكون خفيفًا، بعضهم يقول: إن الماء الذي يوضع في الصَّاع يكون يعني كيلوين وشيء، يعني لترين وشيء، لكن مثل ما ذكرنا أنه يصعب أن يقال بأنها توازي كذا مطلقًا، بل يتوقَّى الإنسان ويحتاط.
وبناءً على ذلك؛ لو توضأ الإنسان بالمد الذي هو نصف كيلو أو أكثر قليلًا فحسن، وعلى كل حال فهذا فعل النبي ﷺ.
ولما قال أحد الصحابة: "لا يكفيني". قال جابر بن عبد الله: "لقد كان يكفي مَن أوفر منك شعرًا وأفضل منك"، فينبغي للناس ألا يسرفوا، ولذلك يقول الفقهاء: ويكره الإسراف. والناس الآن جُبِلوا على الإهدار للمياه، وقد يكون شيء من حجب السُّقيا من السَّماء وتأخُّر نزول القطر بسبب ما أكثر الناس من الإسراف في المياه، وعدم المبالاة بها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكُرِهَ إِسْرَافٌ)}.
مثل ما ذكرنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟» قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ»[10]، وقوله: «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعدَّى وَظَلَمَ»[11]، عن الغسلات الثلاث فكذلك هنا وهكذا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإنْ نَوَى بالغُسْلِ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ أَوْ الْحَدَثِ ِوَأَطْلَقَ ارْتَفَعَ)}.
يعني الحدث الأصغر والحدث الأكبر، إنسان عليه بول أو غائط وأيضًا عليه جنابة، فاغتسل سواء الغسل المجزئ أو الغسل الكامل، فإن نوى رفع الحدثين ارتفعا؛ لأنَّ الطهارة من الحدث الأصغر وإن كان يجب فيها الترتيب لكن لَمَّا دخلت مع الحدث الأكبر صار الحكم متعلِّق بالحدث الأكبر بشرط أن تنوي رفع الحدثين، أو أن تنوي رفع الحدث مُطلقًا، فإن الحدث يشملهما، فبناء على ذلك لو نويت رفع الحدث يصحُّ منك ذلك ويجوز.
الحالة الثالثة: أن ينوي ما لا تصح الطهارة إلا به، كما لو نوى الصلاة، فإذا نوى الصلاة فإنه ترتفع أحداثه في تلك الحال، لكن لو نوى شيئًا يرتفع معه الحدث الأكبر دون الأصغر فلا يجزئه ذلك في الصلاة، مثل لو نوى بالغسل أنه يقرأ القرآن من ظهر قلب -لأن الجنب لا يقرأ القرآن- فبناء عليه لا يجوز له أن يصلي بذلك، فهو ارتفع حدثه الأكبر فيحتاج إلى وضوء ليرتفع حدثه الأصغر، فيُتنبَّه لذلك؛ لأنها من المسائل الدقيقة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَسُنَّ لِجُنُبٍ غَسْلُ فَرْجِهِ، وَالْوُضُوءُ لَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ، وَمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ، وَالْغُسْلُ لَهَا أَفْضَلُ)}.
قوله: (وَسُنَّ لِجُنُبٍ غَسْلُ فَرْجِهِ)، يعني: تنظيفه لئلَّا يعلق به القذر، ولئلَّا يتسبب عليه بشيء، ولأن النَّبي ﷺ كان يغسل فرجه ويتوضَّأ، يعني لو أراد أن يؤخِّر الغسل فلا أقل من أن يستعجل بتغسيل فرجه تخليصًا له من القذر والنجاسة التي قد تكون عليه.
قال: (وَالْوُضُوءُ لَأَكْلٍ وَشُرْبٍ)، كذلك إذا أراد الجنب أن يأكل أو يشرب ولم يغتسل، فلا أقل من أن يتوضأ؛ «كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ جُنُبًا، فأرَادَ أنْ يَأْكُلَ، أوْ يَنَامَ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ»[12].
ومثل ذلك النوم، فقد سئل النَّبي ﷺ: أيرقد الجنب على جنابته؟ قال: «إذَا تَوَضَّأَ أحَدُكُمْ، فَلْيَرْقُدْ وهو جُنُبٌ»[13]، فكل هذه دالَّة على أنها مما يُستحب إذا أراد تأخير اغتساله، إما لكسل وإما لعدم حضور ماء أو لشدة برد، أو لغير ذلك كأن ينتظر تغير وقت، أو حصول شيء يسهِّل عليه فعل ذلك.
قال: (وَمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ)، إذا جامع الرجلُ امرأته أو أمته ثم أراد أن يعود فيستحب له أن يتوضَّأ، فإنَّ ذلك مما جاء عند أهل السنن، أن النبي ﷺ قال: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءً»[14]. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وزَادَ الْحَاكِمُ «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ»[15]، يعني لأن الإنسان يكسل، فإذا توضأ كان أنشط له، وضبطها بعضهم وقال: «فإنه أنشط للعُودِ»، يعني: أنشط لذكره.
قوله: (وَالْغُسْلُ لَهَا أَفْضَلُ)؛ لأنَّ حال المغتسل أكمل فيما تقدَّم من في ذلك كله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكُرِهَ نَومُ جُنُبٍ بِلَا وُضُوءٍ)}.
كأنَّ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يقول: لو أكل أو شرب بدون ما وضوء فليس شيء في ذلك، هو فوَّت السنة لكن لم يقع في المكروه، أمَّا لو أنه نام بدون أن يتوضأ فإنه يكون فاعلًا للمكروه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ لَهُ غُبَارٌ إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ لِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خِيفَ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَوْ طَلَبِهِ ضَرَرٌ بِبَدَنٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِمَ)}.
هذا الفصل الذي عقده المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هو متعلِّق ببدل الطهارتين، هو بيَّن الطهارة، فأول شيء الوضوء، ثم ما يكمِّلها وهو المسألة الخفين، ثم ما ينقضها وهي نواقض الوضوء، ثم بيَّن الطَّهارة الكبرى، وبيَّن الأحداث التي فيها، وأشار إلى صفة الغسل إشارة، ثم بعد هذا بيَّن بدل الطهارتين -الطهارة الكبرى والطهارة الصغرى- وهو التيمم.
والتيمم من خصائص هذه الأمَّة كما جاء ذلك في حديث جابر: «وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورً»[16].
وسبب مشروعيته: ما جاء في قصة عائشة لَمَّا فقدت عقدها وقاموا يبحثون عنه، فكأنَّ الصحابة وجدوا في أنفسهم لَمَّا أرادوا أن يتوضؤوا فلم يجدوا ماءً، فأنزل الله آية التيمم، فقال: "ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر"، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وعن آله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فإذا هذا الباب فيما يتعلق بالبدل عن الطهارتين الكبرى والصغرى وهي طهارة التيمم.
وقبل أن نأتي إلى تفاصيل المسائل التي ذكرها المؤلف، نقول: التيمم هو القصد، وهو قصد الصَّعيد للطَّهارة عند تعذُّر استعمال الماء.
والتيمم عند الفقهاء عزيمة وليس رخصة، يعني حتَّى العاصي بسفره يجوز له أن يتيمم؛ لأنَّ النَّبي ﷺ قال: «الصَّعيدُ الطَّيِّبُ وَضوءُ المسلمِ وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سِنينَ»[17].
بعد ذلك قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ)، ما يتأتى به التيمم هو التراب، ويشترط أن يكون التراب طهورًا، فلو كان طاهرًا -عند من يقسمون الماء إلى طاهر وطهور- تناثرت ذرات تراب فجمعها ثم أراد أن يتيمَّم بها فيقولون: هذا لا يكون.
قوله: (مُبَاحٍ)، فأمَّا لو كان مغصوبًا أو نحوه فلا يجوز.
ويقولون: غير محترق، وأمَّا المحترق فلا؛ لأنه خرج عن خلقته التي خلق عليها.
قال: (لَهُ غُبَارٌ)، لقوله: «وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورً»[18]، وفي الآية: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6]، فقالوا: "من" للتبعيض، دلَّ على وجود الذرَّات، وبناء على ذلك قالوا: والرمل والطين ونحوه لا تتأتَّى به طهارةُ التَّيمم.
ولذلك كان السلف -رضي الله تعالى عنهم- وذكر ذلك فقهاء الحنابلة: أنه متى تأتى للإنسان الغبار حصل المقصود، فلو كنت تحتاج إلى التيمم وأنت في غرفتك ثوب أو عمامة بقيت وقتًا طويلًا فلَحِق بها غبارٌ فضربتَ عليها فثارَ منها الغبار؛ فيقولون: إن ذلك كافٍ.
ولذلك جاء عن بعض السلف كما ذكر ابن المنذر وغيره أنهم كانوا يضربون على الحِلس الذي يكون على البعير أو الدابة؛ لأنَّ فيه غبار ويكون قديمًا وتعرَّضَ لمثل هذه الأشياء، ولذلك قال: يتحيَّل له تحيُّلًا، يعني كيفما وصل إلى هذا الغبار حصلَ بذلك المقصود.
هل يحمل التراب أو لا؟
الناس كثيرا يحتاجون إلى ذلك، يذكر الفقهاء أنَّ أحمد أعجبه ذلك -يعني حمل التراب- وبناء على هذا؛ فإن ما يكون مِن حمل التراب عند المرضى في المستشفيات أو غيره هو داخل في هذا ولا إشكال فيه، وإن كان بعض الفقهاء كأنهم أنكروا ذلك، لكن لعل الذي أُنكر إنما هو في السَّفر، لأنه الغالب أنه لن يحتاج إلى هذا، ولا يحتاج إلى الحمل في تلك الحال.
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أرادَ أن يبيِّن متى يجب التيمم، فيقول: (إِذَا عُدِمَ) لقوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبً﴾ [النساء: 43]، وعدم الوجدان إمَّا أن يكون حقيقةً مثل أن ينقطع الماء فلم يجد الناس ماءً، أو خيفَ باستعماله، وهو عدم الوجود الحكمي، فالماء موجود، لكن حقيقة أنه لا يستطيع استعماله، فيكون كما لم يكن موجودًا حقيقةً، ولذلك قال: (إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ لِحَبْسٍ)، فهو محبوس في مكان لا يوجد فيه ماء، فهذا إشارة إلى الأمر الحقيقي.
قوله: (أَوْ غَيْرِهِ)، كأن يكون في سفرٍ ونحوه.
قوله: (أَوْ خِيفَ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَوْ طَلَبِهِ ضَرَرٌ بِبَدَنٍ)، هذا إشارة إلى الحال الثاني، وهي عدم الوجود الحكمي بالخوف من استعماله لضرر في البدن، لشدَّة برد كما في حديث عمرو بن العاص لَمَّا كان في برد شديد وأصابته جنابة، فلم يغتسل خوفًا على نفسه، وذكر ذلك للنبي ﷺ فأذن له.
قال: (أَوْ طَلَبِهِ ضَرَرٌ بِبَدَنٍ أَوْ مَالٍ)، يعني حتى ولو كان الخوف على ماله، فهو إن ذهب يطلب الماء خاف أن يُسرَق ماله أو أن يعتدي لصٌّ على بيته، فلا يلزمه.
قوله: (أَوْ غَيْرِهِمَ)، خاف على ولده أو خاف على صاحبه في سفره.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَيُفْعَلُ عَنْ كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَاءِ سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ)}.
قوله: (وَيُفْعَلُ عَنْ كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَاءِ)، التيمم يقوم مقام الماء.
ويقولون: إلَّا لو كانت نجاسة على غير البدن، كما لو كانت على الأرض لا يفعل بها التيمم عن الماء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ، إِذَا دَخَلَ وَقْتُ فَرْضٍ َوَأُبِيحَ غَيْرُهُ)}.
إذا وُجدت نجاسة على غير بدن فلا يُتيمم لها، معنى هذا أن الحنابلة -رَحِمَهُم اللهُ- يرون أنَّ التيمم عندنا للحدث الأصغر وللحدث الأكبر وللنجاسة التي على البدن، فلو كان على يد الإنسان بول ولا يوجد ماء يزيله فبناء على ذلك يتيمم لمثل هذه النجاسة، أما لو كانت النجاسة على ثوب فلا يُتيمَّم لها، أو كانت على غير إنسانٍ كأن تكون على شيء منفصل.
قوله: (إِذَا دَخَلَ وَقْتُ فَرْضٍ َوَأُبِيحَ غَيْرُهُ)، هذه الحقيقة مسألة مهمة ومشكلة جدًّا، وهي: هل التيمم رافع للحدث أو مبيح للصلاة ونحوها؟ وما الفرق بينهما؟ ما الفرق بين أن نقول إن التيمم رافع للحدث أو مبيح؟
إذا قلنا من أنه رافع للحدث بمعنى أنَّ هذا الشخص يوصف من أنه متطهر، وكما أنه لو استعمل الماء لحكمنا بطهارته قطعًا فكذلك هذا المتيمم، وهذا يذهب إليه جمع من أهل العلم لحديث أبي ذر: «الصَّعيدُ الطَّيِّبُ وَضوءُ المسلمِ وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سِنينَ»[19]، وقوله: «وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورً»، فحَكم بالطهارة، والمشهور من المذهبِ وغيره أنهم يقولون: ليست طهارة، وإنما تُباح له الصلاة، يعني أنَّ هذا بإجماع أهل العلم أنه لا يجوز لمن به حدثٌ أن يقوم ويصلي، أو أن يقوم ويطوف، لكن إذا تعذر واستعمل هذا الاستعمال فمع وجود النَّجاسة يبيح له هذا التيمم تعاطي هذه العبادة ونحوها، فنحن إذًا نصفه بأنه محدِث لكن صحَّت له هذه العبادة لوجود التيمم معها، وهذا الفرق بين قولهم بأنه مبيح أو رافع للحدث.
لماذا قال الحنابلة بأنه مبيح؟
قالوا: لأنها طهارة بدلية ولأنها عند التَّعذُّر والاضطرار، فهي فقط تبيح للإنسان فعل ما يجب له الطهارة.
ما الذي يترتب ذلك؟
يترتب عليه أشياء كثيرة، وكثير من هذه الفروع التي ذكروها هنا هي مبنية على قولهم بأنه مبيحٌ لا رافع، أما إذا قلنا بأنه رافع فهو متطهِّر تمامًا، فلا تنتهي طهارته بانتهاء الوقت، وإذا تيمم لقراءة القرآن له أن يصلِّي بذلك، وإذا تيمم لطهارة نافلة جاز أن يصلي بها فرض، وإذا انتهى وقت وجاء وقت آخر وهو لا يزال متيممًا فإنه لا يحتاج إلى تكراره.
أما إذا قلنا من أنه مبيح فثَمَّ قيودٌ كثيرة جدًّا، فعندهم أن الإنسان لا يتمم إلا إذا دخل الوقت، وإذا تيمم لنافلة لم يصلي بها فريضة، وإذا تيمم وخرج الوقت وجب عليه أن يعيد التيمم، وإذا تيمم للطواف لم يصلي بها؛ لأنَّ الطواف أقل من صلاته، وهكذا عندهم مسائل كثيرة، ولذلك قال: (إِذَا دَخَلَ وَقْتُ فَرْضٍ َوَأُبِيحَ غَيْرُهُ)، عند ذلك أيضًا يتيمم للنجاسة أو للطهارة من الحدث ونحوه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِي طَهَارَتَهُ اسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ)}.
هذه مسألة عند الفقهاء مشكلة: هل الذي وجد ماء قليل هل نقول له توضأ به؟ أو نقول له يتيمم؟
بعضهم يقول: يتيمم لأن هذا إفساد للماء ولا تكون طهارتان في آنٍ واحد.
بعضهم يقول: لا، الله -جَلَّ وَعَلَا- قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، ونحن حتى نبيح لها التيمم ويصدق عليه أنه عادم للماء لابد أن يستعمله، فإذا استعمله وانتهى فيتيم، وهذه أحوط لا شك، ولأجل ذلك جرى عليها الحنابلة، والحنابلة يذهبون في مسائل كثيرة إلى مسائل الاحتياط والأحوط الذي يخرج من خلافهم، وقيل: "ولو ضعيفا فاستبن"، يعني استمسك به لأنه أتم لك وأسلم من الإشكال.
وبعضهم يقول: لا حاجة إلى إفساد الماء، وقد يُحتاج إليه في شربه، وقد يحتاج إليه في بعض أموره، ويصدق عليه أنه لا يجد الماء الذي يتأتَّى الطهارة الشرعيَّة، فبناء على ذلك ينتقل إلى التيمم، وهذا قولٌ له وجهٌ واعتبار.
{نستأذنكم في استكمال الباقي في مجلسٍ قادمٍ}.
على كل حالٍ أد الزملاء بأن نكون أكثر سرعةً حتى نأتي على المنهج المقرَّر من المنظمين لهذه المجالس (جادة المتعلم)، أسأل الله أن يتم علينا وعليكم النِّعم، وأسأل الله أن يبارك لنا ولكم في الوقت، وأن يبارك لنا ولكم في العلم، وأن يلهمنا الصواب، وأن يرشدنا للحق، وأن يتم علينا السنة والتوفيق، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا.
{بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين، نستأذنكم في استكمال ما بقي في مجالس قادة، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله}.
---------------------
[1] صحيح مسلم (349).
[2] البخاري (291).
[3] صحيح مسلم (348).
[4] صحيح البخاري (877).
[5] أخرجه الترمذي (496)، والنسائي (1381)، وابن ماجه (1087)، وأحمد (16173).
[6] صحيح البخاري (883).
[7] أخرجه أبو داود (354)، والترمذي (497)، والنسائي (1380)، وأحمد (20089).
[8] صحيح مسلم (330).
[9] البخاري (265) ومسلم (317).
[10] أخرجه ابن ماجه (425) واللفظ له، وأحمد (7065).
[11] أخرجه النسائي (140)، وابن ماجه (422)، وأحمد (6684).
[12] صحيح مسلم (305).
[13] صحيح البخاري (287).
[14] صحيح مسلم (308).
[15] المستدرك للحاكم (550).
[16] صحيح البخاري (335).
[17] أخرجه أبو داود (332)، والترمذي (124)، والنسائي (322)، صححه الألباني.
[18] صحيح مسلم (522).
[19] أخرجه أبو داود (332)، والترمذي (124)، والنسائي (322)، صححه الألباني.
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك