الدرس التاسع عشر

معالي الشيخ أ.د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

4168 23
الدرس التاسع عشر

المحرر في الحديث (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقات البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشَّيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري. فأهلًا وسهلًا بكم معالي الشَّيخ}.
الله يحييك، أرحبُ بك، وأرحبُ بإخوتي المشاهدين الكرام، وأسأل الله -جلَّ وعلا- أن يجعل هذا اللقاء لقاءً نافعًا مباركًا.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من قول المؤلِّف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدَّين، وَلَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»)}.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاة والسَّلام عَلى أفضَلِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
أمَّا بعدُ؛ فهذا الخبرُ فيه فضيلة التَّفقُّه في الدِّين، والتَّفقُّهُ في الدِّينِ يشتملُ على ثلاثةِ أمورٍ:
الأمر الأوَّل: مَعرفة ما لله -جلَّ وعلا- وقيام الإنسان بحق ربِّ العزَّة والجلال فيما يتعلَّق بصلته بالله المباشرة خوفًا منه ورجاءً له -جلَّ وعلا.
الأمر الثَّاني: فهم كتاب الله وسنَّة نبيِّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الأمر الثَّالث: معرفة الأحكام الشَّرعيَّة المتعلِّقة بعمل الإنسان، ويسمو الإنسان في ذلك حتى يكون لديه الأهليَّة لاستخراجِ الأحكامِ من الأدلَّةِ، وهذا هو أعلَى درجاتِ رُتَبِ الفقه في الدِّين.
وقد جاءَ في الأحاديث بيان أنَّ الإنسان ربَّما يكون أفقه لِمَا يَرِد عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسماعه ولو لم يكن قد سمعه منه مباشرة، ولذا قال: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» ، وفي لفظة: «وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» .
ومن هنا فإن الفقه في الدين نعمة من ربِّ العزَّة والجلال، يُعطيها من يشاء من عباده، ويكون خيرًا له في دينه ودنياه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
وطرائق التَّفقُّه في الدِّين كثيرة، منها:
- الإكثار مِن قراءة النُّصوصِ كتابًا وسنَّةً.
- حفظ هذه النُّصوص والتدبُّر فيها.
- حضور مجالس العلم والخير والهُدَى، ومنها هذه المجالس التي تكون في هذه الأكاديمية.
- قراءة كتب الفقه في الدِّين.
وفي الحديث:
- دلالةٌ على أنَّ مَن لم يتفقَّه في الدِّين فإنَّ الله لم يُرد به خيرًا.
- حُجِّيَّة الإجماع، فإذا أجمع الفقهاء من هذه الأمَّة على شيءٍ فهو الحق وهو الصِّدق وهو حكم الله -جلَّ وعلا.
- أنَّ قولَ الحقِّ لابدَّ أن يكونَ ظاهرًا في الأمَّة منتشرًا فيها إلى يوم القيامة.
{قال المؤلِّف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا أَكَلَ أَحَدُكُم طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَو يُلْعِقَهَ»)}.
هذا الحديث فيه فضيلة لعقِ الأيدِي بعد الطَّعام.
قوله: «فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ»، سواءٌ كان هذا المسح بمناديل، أو بغسلها بالماء، أو نحو ذلك.
قوله: «حَتَّى يَلْعَقَهَ»، أي: يأخذ ما عليها من الطَّعام.
قال: «أَو يُلْعِقَهَ»، أي يُمكِّن مَن له مَيَانَةٌ عليه وعنده مَحَبَّةٌ له مِن أن يقومَ بِلَعقِ الأيدي.
وبعضُ أهلِ العلم استدلَّ بهذا الحديث على فضيلة الأكلِ من الطَّعام باليدِ، وآخرون قالوا إنَّه قد ثبت أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أكل بواسطة شيءٍ من الآلات ولم يستعمل يده، فرأوا أن ذلك عل سبيل الإباحَة، ولعل هذا أظهر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ»)}.
قوله: «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ»، أي: لا تقوموا بإغفالِ النَّارِ وعدمِ إطفائِهَا.
وهذا الحديث فيه:
- الأمر بإطفاء النَّار قبل النَّوم، وذلك من أجل ألَّا يكون إبقاء النَّار سببًا مِن أسباب انتشار الحرائق في البيوت.
- مشروعيَّة اتِّخاذ الأسباب المؤدِّيَة إلى حفظِ النُّفوس والأمول.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اخْـتِـنَاثِ الأَسْقِيَةِ: أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- : أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا, وَهُوَ قَائِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُمرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَينَ التَّمْرَتَينَ حَتَّى يسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ)
}.
هذه الأحديث متعلقةٌ بآداب الشُّربِ والأكلِ.
أولها: حديث أبي سعيد الخدري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: (نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اخْـتِـنَاثِ الأَسْقِيَةِ).
المراد بالنَّهي: طلب ترك الفعل على سبيل الجزمِ، وهو دالٌّ على المنع والتَّحريم.
واخْـتِـنَاثِ الأَسْقِيَةِ: كانوا في الزّمان الماضي يشربون من القِرَب، وكان فمُ القربة جزء من أجزائها يُصنع من الجلد ونحوه، ويضعون لها فمًا، وكان بعضهم يشربُ من القربةِ من فمها، فنهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يُشرَب من أفواه هذه القرَب، وذلك خشيةً من أن يكون هناك تأثيرٌ من لعاب الإنسان على لعاب هذه الأسقِيَة.
وقوله: (عَنِ اخْـتِـنَاثِ الأَسْقِيَةِ)، كان بعضهم إذا أراد أن يشرب من القربة قام بصفطِ رأس القربة وفمها بحيث يتمكَّن من الشرب من الجزء الدَّاخلي من فم القربة، فنهى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، واحتمال أن يكون النَّهي مِن أجلِ ما يلعقُ بفمِ الإنسان مِن أنواع الميكروباتِ والأمراضِ، وقد يكون المقصود بذلك أنَّ بعض النَّاس يستَنكِفُ أن يشربَ بعدَ غيرِهِ متى فعل ذلك، فخشيةً من أن يُترَك ذلك الماء نهى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن هذه الطَّريقة من طرائق الشُّرب.
ثم روى عن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما (أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَ).
زمزم: البئر التي في مكَّة حولَ الكعبة، وهو الذي فجَّره الله -جلَّ وعلا- لإسماعيل وأمه -رَضِيَ اللهُ عَنْهما.
قال ابن عباس: (أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَ)، كانوا يأخذون الماء مِن البئر فيضعونه في الدِّلى.
قوله: (وَهُوَ قَائِمٌ)، أي: كان شربه حالَ قيامه.
وقد ورد في صحيح مسلم أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الشُّربِ قائمًا، وقال: «لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ مَا فِي بَطْنِهِ لاَسْتَقَاءَ»، ولذا وقع التَّردُّد بين العلماء والاختلاف في جواز أن يشرب الإنسان قائمًا أو لا يجوز له ذلك؟
فمنع طائفةٌ وأجاز آخرون، لكن البحث في كيفيَّة الجمع بين هذين الدليلين:
- فهناك مَن رأى أنَّ حديث ابن عباس هذا خاص بزمزم، فاستحبُّوا أن يشربَ الإنسانُ ماء زمزم وهو قائم، لكنَّ مثل هذا يحتاج إلى نظرٍ، فإنَّ المعنى الذي مِن أجلهِ شُرِبَ مِن زمزم قائمًا لابدَّ أن يكون معنًى مُغايرًا، ولابدَّ من إثبات ذلك المعنى.
- وقال آخرون: إنَّ زمزم كانت مليئة من الطِّين، والنَّاس كثُر، والوارد عليه كثير، وبالتَّالي لو جلسَ ليشربَ لكانَ ذلك سببًا من أسباب ازدحام النَّاس، وجعْل النَّاس يطأ بعضهم بعضهم الآخر، ولذا شرب النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها وهو قائم، فمَن كان في مثل هذه الحالة فلا حرجَ عليه في أن يشربَ قائمًا، وأمَّا مَا عداه فإنَّه يُمنَع منه.
- وقال آخرون: إنَّ حديث الإباحة هذا يرفع التَّحريم، فتبقى معنا الكراهة، ولذا رأوا أن الشُّربَ قائمًا مكروهٌ وليسَ بمحرَّمٍ.
ولعلَّ القول الذي سبقَ هذا أرجح هذه الأقوال؛ لأنَّ الأصل أن تُحمَل أقوال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نسقٍ واحدٍ؛ ولأنَّه لا يُخالف بينها في المعنى إلَّا لدليل.
ثُمَّ ذكر حديث ابن عمر: (نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
النَّهي: هو الطلب الجازم لترك الفعل.
قال: (أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَينَ التَّمْرَتَينَ)، يعني يأكل تمرتين في وقتٍ واحدٍ.
قال: (حَتَّى يسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ)، والنَّهي قد يكون لأنَّ هذه الطَّريقة في الأكل مشعرة بشراهة صاحبها، ولهذا مُنع مِن مثلِ هذا الفِعلِ، وقد يكون المقصود أنَّ مَن قرَنَ بينَ التَّمرتين ضيَّعَ الثَّمرة المرتَّبة عليها.
وقال آخرون: إنَّ النَّهي عن قَرْنِ التَّمرتين مِن أجل حقوق الآخرين، لأنَّه إذا كان كلُّ شخصٍ على تمرةٍ تمرةٍ، وهو يأكل على تمرتين؛ فسيأكل أكثر منهم.
ولعلَّ هذا المعنى هو الذي يدلُّ عليه حديث الباب، لأنه قال: (حَتَّى يسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ)، لأنَّ لهم حقًّا، ولذلك اشترطَ الإذن مِن الأصحاب.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَ»)}.
قوله: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ»، أي: أكثروا مِن قراءته مِن أجلِ أن يَبقى في محفوظَاتِكم، ومِن أجلِ ألَّا تنسوه.
وفي هذا الحديث:
- فضيلة حفظ القرآن، أو حفظِ شيءٍ منه.
- فضيلة تعاهد القرآن وقراءته.
قوله: «هَذَا الْقُرْآنَ»، يعني: القرآن الكريم، والمراد أن يتعاهد الإنسان بالمراجعة والمتابعة وكثرة القراءة.
قال: «فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ»، فيه جواز القسَم بدون أن يُطلب من الإنسان.
قال: «لَهُوَ أَشَدُّ»، أي: أعظم وأكثر.
قال: «تَفَلُّتً»، أي: هروبًا من الذِّهن.
قال: «مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَ»، فإنَّ الإبل تشردُ من أصحابها، وتندر من عندهم، ولذا قال: «لَهُوَ»، يعني القرآن أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا.
وفي هذا الحديث: استحباب الأخذ بالأسباب، وأنَّه ممَّا يُؤجَر الإنسان عليه عند الله -جلَّ وعلا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُم وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُم، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم»)}.
المراد بقوله: «انْظُرُوا إِلَى»، أن يعرف الإنسان مقدار نعمة الله -جلَّ وعلا- عليه، فانظروا لتكون المقارنة بينكم وبين مَن يكون كذلك.
قوله: «مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُم»، أي: أقل مالًا وأقل في أمور الدنيا.
قال: «وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُم»، أي لا يكن شأنكم أن تتأمَّلوا فيمَن أعطاه الله من أمور الدُّنيا من مالٍ أو منصبٍ أو نحو ذلك؛ فإنَّه متى كانَ الإنسانُ كذلك فإنَّه سيعرف مقدار نعمَة الله عليه لأنَّه قارنَ بينَ نفسِه وبينَ مَن هو أقل منه، ولذا قال: «فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم».
وإذا نظرَ الإنسان إلى مَن هو أعلى منه فإنَّه قد يأتيه الشَّيطان فيجعله يستقل نِعَم الله -عز وجل- عليه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا قَاتَلَ أَحَدُكُم أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ, فإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِهِ»)}.
قوله: «إذا قَاتَلَ أَحَدُكُم أَخَاهُ»، أي: إذا كانت هناك خصومة وشجار تمدَّدَ لأن يكون قتالًا.
قال: «فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ»، أي: لا يقصد الوجه بنوعٍ من أنواعٍ الأذيَّة، وذلك لأنَّ الوجه مَجمَع المحاسن، والوجه يُلاقى به النَّاس، ولو أصيب الوجه بشيء من المصائب فسيؤثر على الإنسان في مكانته وسمعته.
قال: «فإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِهِ»، أي: على هيئته -سبحانه وتعالى.
وفي الحديث:
- إثبات أنَّ آدمَ مخلوقٌ.
- التَّرغيب في اجتناب الضَّربِ على الوجهِ والفَمِ.
- تكريم الله -عز وجل- لآدم -عليه السَّلام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسُبُّ أَحَدُكُم الدَّهْرَ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ»)}.
قوله: «لَا يَسُبُّ»، أي: لا يقدح ولا يستنقص ولا يُقلِّل.
قال: «لَا يَسُبُّ أَحَدُكُم الدَّهْرَ»، فينسب إلى الدَّهر شيئًا مِن المصائب الدُّنيويَّة، فيقول مثلًا: هذا الشَّهر جعلنا بالقحطِ، وهذا النَّجم هو محلُّ الخطأ العظيم، ونحو ذلك، فعندما ينسب الإنسان المقدَّرات للدَّهرِ فإنَّه يكونُ قد سبَّ خالقَه، لأنَّك إذا سببتَ آلةً ليس لذات الآلةِ فإنَّك حينئذٍ تكون بمثابةِ مَن سبَّ خالقَ الدَّهر -سبحانه وتعالى.
قوله: «فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»، يعني هو خالق الدَّهر، يقلبه كيف يشاء، وليس هذا من أسماء الله -سبحانه وتعالى- فقوله «فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»، يعني خالق الدهر، ومَن ظنَّ أنَّ الدَّهر من أسماء الله فإنَّه مُخطئ حينئذٍ.
قوله: «وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ»، العنب معروفٌ بهذا الاسم، وقد جاءت فيه آيات كثيرات من قوله: ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ [الأنعام: 99]، ونحو ذلك، ولا يُعرَف أنَّ العنب محلٌّ للقدحِ والسَّبِّ، ولكن كانوا في السَّابق قد يُطلِقُون عليه لفظة "الكَرْم" فنهى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إطلاق هذا اللفظ على الأعناب.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم: اسْقِ رَبَّكَ, أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُم: رَبِّي, وَلْيَقُلْ: سَيِّدي، مَوْلَايَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُم: عَبْدِي، أَمَتِي، وَلْيَقُل: فَتَايَ، فَتَاتِي، غُلامِي».
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلْيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي». مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِه الْأَحَادِيثِ وَاللَّفْظُ فِيهَا كُلُّهَا لمسْلمٍ، وَبَعْضُ أَلْفَاظِهِ أَتَمُّ مِنْ أَلْفَاظِ البُخَارِيِّ، فَإِنَّ فِيهَا زِياداتٍ لمْ يَذْكُرْهَا البُخَارِيُّ)
}.
هذه الأحاديث متعلِّقةٌ بتصحيحِ الألفاظِ التي يتكلَّم بها الإنسان، وذلك أنَّ الألفاظ ثلاثة أنواع:
- ألفاظ قبيحة مخالفة: فلا يجوز النُّطق بها.
- ألفاظٌ صحيحةٌ طيِّبةٌ: فلا بأسَ من النُّطق بها ما لم يكن مانعٌ آخر.
- ألفاظ متردِّدَةٌ بينَ معنيين -حقٍ وباطل- فمثل هذه الألفاظ يجب اجتنابها، قال تعالى: ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً﴾ [الأحزاب: 70]، يعني: أنَّهم لا يقولون القول غير السَّديد ولا المتردد، وهكذا جاء في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُو﴾ [البقرة: 104]؛ لأنَّ لفظة "راعنا" متردِّدةٌ بين معنيين، إمَّا من الرِّعاية أو الرُّعونة؛ ولذلك نُهي عن مثل هذا اللفظ.
وهكذا هذه الألفاظ التي ذكر المؤلِّف في هذه الأحاديث ينبغي اجتنابها لما يترتَّب عليها من آثارٍ في الدُّنيا وفي الآخرة، فنَهى عن سبِّ الدَّهر، وقال: «وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ»، وقال: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم: اسْقِ رَبَّكَ»، يعني إذا كان عنده سيد فيقول: "اسقِ ربَّك" يعني: سيدك الذي يقوم بك ويرعاك، مرَّات قد تُطلق هذه اللفظة على القَريب، فيقول بعضهم: "اسقِ ربَّك، أطعم ربَّك" والله -جلَّ وعلا- غنيٌّ لا يحتاج إلى طعامٍ ولا إلى شرابٍ.
وبعضهم يقول: "وضِّئ ربَّكَ"، يُريد به سيده الذي يملكه، وفي الحقيقة ينطبق على الرَّب الخالق -سبحانه وتعالى- وهو غنيٌّ عن جميعِ المخلوقات.
قال: «وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُم: رَبِّي»، يعني: لا يقول لسيِّدهِ ولمَن يعمَل عنده "ربِّي"، وإنَّما يقول له: "سيدي ومولاي".
وهكذا بالنِّسبة للسَّيد فيما يتكلَّم به عن الرَّجل التَّابع له أو المرأة التَّابعة له، قال: «وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُم: عَبْدِي، أَمَتِي»، ولو كان مملوكًا له، لأنَّه قد يُشعر بالعبوديَّة التي فيها صرفُ شيءٍ من العبادات لغير الله -جلَّ وعلا.
قال: «وَلْيَقُل: فَتَايَ، فَتَاتِي، غُلامِي»، فهذه الألفاظ ليس فيها شيء من المعنى المحظور الذي ذكرتُ قبل ذلك.
ثم أوردَ حديث عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلْيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي»، في هذا الحديث نهي عن أن يتكلَّم الإنسان بهذا اللفظ، فلا يقول: "خبُثت نفسي، هلكت نفسي، نفسي مخالفة لشرع الله ولدينه"، ولكن ليقل: "لَقِسَت نفسي"، فإنَّ هذا بتأثير قُدرة ربِّ العزَّة والجلال على النَّفس، والمعنى الإجمال بين اللفظين واحد، ولكن اللفظ الأوَّل قد يُحمَّل مَا لا يحتمله.
وهذه الأحاديث التي ذكرَ المؤلِّف في هذا الباب هي أحاديث صحيحة متَّفقٌ عليها بينَ أهل العلم، وهي أربعون حديثًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»)}.
أوردَ المؤلِّف الأحاديث التي رواها الإمام البخاري وحده، حديث عبد الله بن عمرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
ظاهر هذا الحديث: وجوب تبليغ الشَّريعة، ووجوب دعوة النَّاس إلى معرفة سنَّة النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: «وَلَوْ آيَةً»، أي: ولو علامةً ظاهرةً من الأحكام الشَّرعيَّة، ولا يلزم أن يكون الإنسان داعيًا في كل أوقاته، أو أن يُبلغ الكلام الكثير، فقد يأتي إنسان فيُبلغ كلمةً لحديث نبويٍّ شريف فيكون لها من الأثر في النُّفوس في استقامتها وصلاحها، وكونها على ما يُرضي الله -جلَّ وعلا- بخلاف ما لو أتى غيره فتكلَّم بالكلام الطَّويل الكثير ونقل الأحاديث العديدة.
وكما تقدَّم أنَّ كلمة «بلِّغو» الأصل فيها أنَّها أمر، والأوامر للوجوب، ولكن بعض أهل العلم حملها على النَّدب، ويدل عليه قوله: «وَحَدِّثُو»، فإنَّه وإن كانَ أمرًا إلَّا أنَّه ليس من الأمور الواجبات، وإنَّما من الأمور المستحبَّات.
وفي هذا مشروعيَّة نقل الأحاديث النَّبويَّة وإيصالها للمجتمعات البشريَّة.
قال: «وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ»، إسرائيل: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السَّلام- وقد جعل الله له اثني عشرَ ابنًا، وهم الأسباط، وهم بنو إسرائيل، ثم تسَلْسَلَت قبائل بني إسرائيل بعد ذلك.
قوله: «وَلَا حَرَجَ»، يعني: لا إثم عليكم، وهذه الكلمة تجعلنا نصرف الأمر في قوله «حَدِّثُو» من كونه للوجوب إلى كونه للإباحةِ، لأنَّ نفي الحرج يعني الإباحة.
قال: «وَمَنْ كَذَبَ»، يعني أي واحدٍ يكذب، فــ "مَن" اسم شرط.
قال: «مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدً»، أي: نسبَ إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا لم يقلْه وهو على جهة العمد لا على جهةِ النِّسيان.
قال: «فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، أي: فليخترْ، أو لِيجلس في مقعده من نار جهنم -أعاذنا الله جل وعلا وإياكم منها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»)}.
حديث ابن مسعود رواه البخاري، أنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»، هذا فيه دلالة على أنَّ الحكمَة تؤخذ -خصوصًا- من الأنبياء، وقد استدلَّ به بعضهم على حجيَّة شرائع الأنبياء السَّابقين.
قوله: «إِذا لَمْ تَسْتَحِ»، فيه مشروعيَّة الحياء وفضيلته، وإثبات الأجر لأصحابه.
اختلفت أوجه أهل التفسير في تفسير هذا للفظ:
الوجه الأول: إذا لم تكن من أهل الحياء؛ فإنَّك حينئذٍ لن تتورَّع عن أي فعل، وستفعل ما تريد من الأفعال.
الوجه الثَّاني: أيَّ فعلٍ إذا فعلته لم يكن عليكَ حياءٌ من الناس فيه فافعله، بمعنى أنَّ الفعل الذي تستحي من أن يراكَ الناس وأنت تفعله فلا تفعله.
الوجه الثَّالث: أنَّ هذا على جهةِ التَّهديد، فكونك لا تستحي فحينئذٍ أنا أهدِّدُكَ أن تصنَع ما شئت.
وقوله: «فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» فيه بيان أنَّه لا يُحمَد فعل الإنسان الذي يفعل كلَّ ما يشتهيه وما تحبه نفسه، وإنَّما يثمدَح مَن قصر نفسه على ما أحلَّه الله -جلَّ وعلا- ولم يتجاوزه إلى غيره.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تبَاركَ وَتَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَني لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِن اسْتَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤمنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»)}.
قوله: «إِنَّ اللهَ تبَاركَ وَتَعَالَى قَالَ»، فيه إثبات صفة القول لله، فالله يتكلم بما يشاء متى شاء -سبحانه وتعالى.
قوله: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّ»، فيه إثبات صفة الولاية وأنَّ هناك من النَّاس مَن هو وليٌّ لله -جلَّ وعلا- ولكن لا يكون الإنسان من أهل الولاية حتى يكونَ متَّصفًا بصفتين: الإيمان والتَّقوى؛ كما قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس 62، 63]، يعني أنَّهم مستمرون على التَّقوَى.
قوله: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»، فيه تحريم معاداة أولياء الله، وشدَّة عقوبة مَن آذى أولياء الله في الدُّنيا والآخرة، ولذا قال: «فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ»، فمَن يصبر على الحرب من الله!!
ثم قال: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»، يعني أنَّ أفضل القربات قربات الفرائض، وأحسن الأجور أجور الواجبات، وفي الحديث:
- أنَّ الواجبات مقدَّمةٌ على النَّوافل والمستحبَّات.
- و أنَّ الفرائض أمورٌ لازمةٌ وحتمٌ واجبٌ لا سبيل للعبدِ إلى تركه، ولكن لا يعني هذا أن نغفل النوافل، فالنوافل نكمل بها الفرائض، وتعيننا على أداء الفرائض، وأيضًا تُعلِّق قلوبنا بالربِّ -سبحانه وتعالى.
قال: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»، فيه إثباتُ صِفةِ المحبَّة لله -جلَّ وعلا.
قال: «فَإِذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ»، أي: أنَّ الله يحميه في سمعه.
قال: «وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ»، أي: أنَّ الله يحميه في بصره، فلا يستعمله إلَّا فيما ينفع، ولا يؤدِّي إلى عطبٍ عاجلٍ.
قال: «وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَ»، أي: أنَّ الله يتولَّى شأنه كلَّه.
قال: «وَلَئِنْ سَأَلَني لأُعْطِيَنَّهُ»، يعني متى طلب منِّي شيئًا من حوائج الدنيا والآخرة فإنَّني سأقومُ بإعطائه، وهذا من كرمِ ربِّ العزَّةِ والجلال، والله قد وعدَ النَّاس بإجابة دعائهم فقال: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم﴾ [غافر:60]، فكلُّ النَّاس يُستجاب لهم، ولكن بعضَ النَّاسِ يُستجابُ له بمثل دعوته، وبعضَ النَّاس يؤتى له من الخيرِ ما يُماثل دعوتَه، وبعضهم يُصرَف عنه من الشَّرِّ ما يُماثل دعوته، وبعضهم يؤخَّر جوابُ مسألته إلى يوم القيامة بخلاف مَن كان على مثل ما ذُكرَ في الحديث من فعل الفرائض والنَّوافل.
قال: «وَلَئِن اسْتَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ»، أي: إذا طلبَ منِّي أن أُبعِدَ عنه كلَّ ما يؤذيه فعلتُ ذلك.
قال: «وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤمنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»، أي أنَّ الله -عزَّ وجل- يُريد أن يقبض نفسه، وهو يُريدها أن تتأخَّر فلا يُقبَض عليها.
{أحسن الله إليكم..
هل يُوصف الله تعالى بالتَّردُّد؟}.
ليسَ المراد بالتَّردُّد هنا الذي على جهةِ الشَّكِّ والاحتمال، وإنَّما المراد به في تطبيق قواعد السُّنَن الكونيَّة في مثل تلك الأبواب.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقَطِيفَةِ وَالخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ»)}.
قوله: «تَعِسَ»، أي: قلَّ شأنه، وأصيب بالنَّكبات والمصائب.
قال: «عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ»، الدِّينار مِن الذَّهب، والدِّرهم مِن الفضَّة، يعني الذي لا يفعل شيئًا إلَّا من أجلهما، فأين المحبَّة في الله! أينَ القيام مع الإخوان!
قال: «وَالقَطِيفَةِ»، هي نوع من أنواع اللباس.
قال: «وَالخَمِيصَةِ»، نوعٌ من اللباس كذلك.
فهذا اللذي وصفه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ»، من صفته: «إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ»، أي: لم يقبل بما آتاه الله -جلَّ وعلا- له.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ للهِ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ -أَو صَاحِبُهُ- يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيصْلِحُ بَالَكُم»)}.
هذا فيه تعليمٌ لبعضِ السُّنن القوليَّة المتعلِّقة بالعُطَاسِ.
قال: «إِذا عَطَسَ أَحَدُكُم»، هذا يشمل الذكر والأنثى.
قال: «فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ للهِ»، يعني الذي يسَّرها وسهَّلها، والذي لا زالت نِعمه متتابعة على العبد.
قال: «وَلْيَقُلْ أَخُوهُ -أَو صَاحِبُهُ»، لأنَّ هؤلاء هم أولياء الشَّخص العَاطِس.
قال: «وَلْيَقُلْ أَخُوهُ -أَو صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللهُ»، يدعو له بالرَّحمةِ.
قال: «فَإِذا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيصْلِحُ بَالَكُم»، تقدَّم معنا أنَّ مَن عطَسَ فلم يحمد الله فإنَّه لا يُشرَع تشميته ولا الدُّعاء له بالرَّحمة.
وذهب كثيرٌ مِن أهلِ العلم إلى أنَّ وإجابة الحمد بعدَ العطاس إلى وجوبها على سبيل البدليَّةِ، فإذا أجابَ أحد النَّاس أجزأ حينئذٍ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ أَوْصِني، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ», فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: «لَا تَغْضَبْ»)}.
قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ أَوْصِني)، فيه مشروعيَّة طلب الوصيَّة من الرَّجل الصَّالح والعالم الفاضل.
قوله: «لَا تَغْضَبْ», الغضب: صفةٌ من الصِّفات التي تكون عندَ صاحبها سبب تأثُّره بما حوله.
وقوله هنا: «لَا تَغْضَبْ» فيه إشكال، وذلك أنَّ الغضب صفةٌ ذاتيَّةٌ وأفعالٌ تحدث بنفسها، فيكيف يُقال له "لا تغضب" فالإنسان لا يمسك نفسه بحيث يتمكَّن من إبعاد الغضب عنه؛ ولذلك فُسِّرَت بعددٍ من التفسيرات:
التَّفسير الأوَّل: لا تُعرِّض نفسَك للمواقف التي قد تغضب منها.
التَّفسير الثَّاني: أنَّ المراد بقوله: «لَا تَغْضَبْ»، أي: لا تستثير الأسباب التي تدعوك إلى الغَضب.
التَّفسير الثَّالث: أن قوله: «لَا تَغْضَبْ» أي: لا يُخرجك تأثُّرك وتغيُّركَ عن طورِكَ، وبالتَّالي تتصرَّف بأمورٍ غير مناسبة.
التَّفسير الرَّابع: أن قوله: «لَا تَغْضَبْ» معناه أنَّك إذا غضبتَ فلا تُنفِذ غَضبَك.
قوله: «فَرَدَّدَ مِرَارً»، أي كلمة «لَا تَغْضَبْ» وذلك لعظمِ فائدتها وكثرة ثمرتها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا، يُصِبْ مِنْهُ»)}.
قوله: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرً»، يعني: أي شخصٍ أراد الله به الخير فإنَّه يُقدِّر عليه مصائب من مصائب الدُّنيا مِن أجلِ أن يمحو الله -جلَّ وعلا- سيئاته.
قال: «يُصِبْ مِنْهُ»، أي تأتيه شيء مِن المصائب والأمراض التي تصيبه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ»)}.
هذا الحديث رواه البخاري.
قوله: «نِعْمَتَانِ»، أي فضيلتان تفضَّلَ الله بها على العبادِ.
قوله: «مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ»، أي أنَّ هذه النِّعمة مع عِظَمِهَا وكِبَرها إلَّا أنَّ بعض النَّاس لا يستفيد منها الاستفادة المناسبة المتعلِّقة بها.
النِّعمة الأولَى: قال: «الصِّحَّةُ»، الصِّحة: هي عدم طروء الأمراض على الأبدان.
النِّعمَة الثَّانية: قال: «وَالفَرَاغُ»، فإنَّ الفراغ يتمكَّن الإنسان به من قضاء حوائجه والتفكير فيها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَو عَابِرُ سَبِيلٍ». فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذا أَمْسَيْتَ فَلَا تنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لَمَوْتِكَ)}.
هذا الحديث من الأحاديث التي فيها موعظة وعبرة.
قال: (أَخَذَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْكِبِي)، وهو طرفُ العظامِ الذي يَقعُ بين الكَتِف والذِّراع، وفيه جوازُ إمساكِ هذا الجزء مِن البَدَن مِن وراء حائلٍ ولو مِن الرِّجال الأجانب.
فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن عمر: «كُنْ فِي الدُّنْيَ»، أي: ليكن شأنك وطريقتك.
قال: «كَأَنَّكَ غَرِيبٌ»، أي مسافرٍ جاء إلى بلدٍ مغايرٍ لبلده.
قال: «أَو عَابِرُ سَبِيلٍ»، أي أنَّه مجتازٌ لهذا الموطن.
قال: (فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذا أَمْسَيْتَ فَلَا تنْتَظِرِ الصَّبَاحَ)، يعني: إذا دَخَلَ عليك المساء فلا تدري هل يَصِل إليك وقت الصَّباح أو لا يصل إليك.
قال: (وَإِذا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ)، وما ذاك إلَّا لأنَّ الأمور والأقدار تقع ولا يُمكن لأحدٍ مِن النَّاس أن يردَّها.
قال: (وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرضِكَ)؛ لأنَّك إذا مرضت ستعجز عن كثيرٍ من العبادات، وبالتَّالي يُشرَع أن تأخذ من صحَّتكَ ما يقومُ بحالك.
قال: (وَمِنْ حَيَاتِكَ لَمَوْتِكَ)، أي: خُذْ مِن حياتِك ما تنتفعُ به يومَ موتك لربِّ العزَّةِ والجلال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّصُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»)}.
هذا الحديث يتعلَّق بالأموال العامَّة، سواء أموال غنائم أو أموال بيت مالٍ أو نحوها.
يقول: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّصُونَ فِي مَالِ اللهِ»، أي: لا يتورَّعونَ عن شيءٍ ممَّا فيهِ مالٌ لله -عزَّ وجل.
قال: «بِغَيْرِ حَقٍّ»، أي بغيرِ برهانٍ ولا بيِّنةٍ ولا دليلٍ على أنَّه من مالهم.
قال: «فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، لأنَّهم قد خاضوا ذلك الفعل الشَّنيع بأخذ شيءٍ من مال الله -جلَّ وعلا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّكُم لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُم مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الـمُوبِقَاتِ)}.
هذا الخبرُ يُفيد تقليل أثر السَّيئة على العبد هو مِن شَأنِ أهلِ النِّفاق، أمَّا أهلُ الإيمان فإنَّهم يرونَ الشَّيءَ اليسير مؤثرًا عليهم.
قال: (إِنَّكُم لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُم مِنَ الشَّعْرِ)، فيه مشروعيَّة تجنُّب الأعمال التي من المعاصي ولو كانت يسيرة.
قال: (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الـمُوبِقَاتِ)، أي من المهلكات.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ جَابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»)}.
قوله: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، أي: كل فعلٍ جميل يتعارف الناس على حسنه فإنَّه يعتبر بمثابةِ الصَّدقةِ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ يزِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: نهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النُّهْبَى والـمُثْلَةِ.
وَعَنِ الْمِقْدَامِ بنِ مَعْدِيَ كَرِبَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ». أَخْرَجَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ البُخَارِيُّ)
}.
قوله (نهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النُّهْبَى والـمُثْلَةِ).
النُّهبَى: أخذُ الشَّيء مِن غيرِ أن يَكونَ هناك تَرتيبٌ ولا تَنظيمٌ لأخذِهِ.
والـمُثْلَة: تَقطيع بعضِ أطرافِ الحيوان الميت، فكانوا يُقطِّعونَ آذانه ونحوها، من أجل أن يجعلوه بمثابة الكُرةِ.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِيلُوا طَعَامَكُمْ»، يعني: اعرفوا مقداره.
قال: «يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ»، أي: يكون له آثار النَّماء والزَّيادة.
ثمَّ بيَّن المؤلِّف أنَّ هذه الأحاديث جميعها قد رواها الإمام البخاري في صحيحه.
ولعلَّنا -إن شاء الله- أن نتدارَسَ في أيَّامنا المستقبلة الأحاديث التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه.
بارك الله فيكم، ووفَّقكُم الله للخيرِ، وجعلنا الله وإيَّاكم مِن الهداة المهتدي، هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي الختامِ نشكركم معالي الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك