{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحب بمعالي الشَّيخ الدكتور:سعد بن ناصر الشثري. فأهلًا وسهلًا بكم معالي
الشيخ}.
الله يبارك فيك، أحييك، وأحيِّي إخواني المشاهدين، وأسأل الله -جلَّ وعَلا- لهم
التوفيق لكل خيرٍ.
{نستأنف في هذه الحلقة -بإذن الله- ما انتهينا منه في الحلقة الماضي.
قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالى: (وَعَنْ عبدِ اللهِ القُرَشِيِّ، عَنْ عَامرِ
بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَـيْـرِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمدُ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالحَاكِمُ -وَقَالَ: صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ.
وَعَنْ أَبي مُوسَى قالَ: قَالَ رَسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا
نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيرُهُ.
وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ، حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا
تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ, وَكَيْفَ
إِذْنها؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ ابْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا منْ وَليِّهَا،
وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وإِذْنُهَا سُكُوتُهَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لفظٍ:
«لَيْسَ للْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ، وَاليَتِيْمَةُ تُسْتَأْمَرُ،
وَصْمْتُهَا إِقْرَارُهَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ
البُسْتِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَعَنْهُ: أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمدُ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَهُ عِلَّةٌ بَيَّنَهَا أَبُو
دَاوُد وَأَبُو حَاتِمٍ وغَيرُهُما وَهِي: الْإِرْسَالُ.
وَعَنِ الْـحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ
مِنْهُمَا, وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ, فَهُوَ لِلأَوَلِ
مِنْهُمَ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَدْ رُويَ عَنِ الْحسَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سَمُرَةَ.
وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقيلٍ، عَنْ جَابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَيُّمَا عَبْدٍ
تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيْهِ أَو أَهْلِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ». رَوَاهُ
الإِمَامُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ -وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وابْنُ عَقِيْلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ)}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أمَّا
بعد:
فقد أوردَ المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ- في هذا الموطن عددًا من الأحاديث التي تتعلَّق
بأركان النِّكاح وشروطه، فإنَّ لعقدِ النِّكاح أركانًا وشروطًا، فمن أركانه:
الزَّوجان الخاليانِ من الموانعِ.
الإيجاب والقبول، وهو آخر ما تكلَّمنا عنه فيما مضى.
ويبقى عندنا البحث في شُروط عقد النِّكاح، فهناك شروط متفق عليها، وهناك شروط مختلف
فيها.
فمن الشُّروط المختلف فيها: شرط إعلان النِّكاح.
فعند فقهاء المالكيَّة أنَّه يُشترط لصحَّة عقد النِّكاح إعلانه، ولا يلزم إعلانه
في كل مجال وعند كلِّ أحدٍ، وإنما يلزم إعلامه وإعلانه في دائرة الزَّوجة وما
حولها.
هذا الإعلان أمر به النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في هذا الخبر
«أَعْلِنُوا النِّكَاحَ»، والأصل في الأوامر أن تكون للوجوب، ولذلك رأى المالكية
أنَّ إعلان النَّكاح واجب، وأنَّه لا يصح عقد النَّكاح عند التَّواصي على كتمانه
وعدمِ إظهاره، واستدلُّوا بأدلَّةٍ منها هذا الخبر.
وهذا الخبر خبرٌ جيد، قد صحَّحه طائفةٌ من أهل العلم، ولذلك لا مَطعن فيه، فالأصل
وجوب الالتزام بما ورد فيه، ولذلك فإنَّ مذهب المالكيَّة بوجوب إعلان النِّكاح
مذهبٌ قويٌّ.
والجمهور يشترطون بدلَ الإعلانِ أن يكونَ هناك شاهدان لعقد النَّكاح، ويستدلون عليه
بالنُّصوص العامَّة الواردة في إيجاب أن يكون هناك شاهدين كقوله تعالى:
﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ [الطلاق: 2].
فالمقصود: أنَّ الجمهور يَرون أنَّ الشَّاهد في عقد النَّكاح شَرط لصحَّتهِ.
والمالكيَّة يقولون: يكفينا الإعلان.
ولكن الإعلان قد يكون متأخرًا، بخلاف الشَّاهد فيلزم أن يكون حاضرًا في مجلس العقد.
ثُمَّ عرَّج المؤلف على ذِكْرِ مسألة اشتهر الخلاف فيها بينَ الأمَّة؛ ألا وهي:
تزويج المرأة لنفسها، فهل يجوز للمرأة أن تُزَوِّجَ نفسها؟ أو تُوكل امرأة أخرى في
تزويجها أولا ؟
الجمهور يقولون: الولي شَرطٌ في عقد النَّكاح، ولا يصح عقد النَّكاح إلا به،
واستدلُّوا على ذلك بعددٍ من الأحاديث، منها:
قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»، فالأصل في
النَّفي في قوله «لَا نِكَاحَ» أنه نهيٌ مشدَّد.
وقوله «إِلَّا بِوَلِيٍّ»، أي: لا يَصِحُّ عقد النِّكاح إلا بأن يكون هناك وليٌّ.
واستدلوا على ذلك أيضًا بحديث أبي هريرة الذي ذكره المؤلف هنا، حيث قال: («لَا
تُنْكَحُ الأَيِّمُ، حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى
تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنها؟ قَالَ: «أَنْ
تَسْكُتَ»)، وكونها يصحُّ استئذانها دليلٌ على أنه لابدَّ من ولي في عقد النِّكاح.
ويدلُّ على ذلك أيضًا ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا
تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 232]، فخاطب الأولياء بألا يمنعوا
مولياتهم بالزَّواج من مُطلقيهم، وما هذا إلا أنَّ للولي تصرفًا، وإلا لَمَا
مَنَعَه من التَّزويج.
وفي هذا الحديث: مسألة استئذان المرأة في عقد الزواج، والمرأة إن كانت ثيِّبًا
فالجماهير على أنَّه لابد مِن أَخْذِ إِذنِها، وأمَّا إذا كانت بكرًا فالجماهير على
أنَّه لا يُؤخذ إذنها.
وقد وقع اختلاف فيمن يجوز إجبارها على عقد النِّكاح:
فقال طائفة: إنَّ هذا إنما يكون للصَّغيرة، وهذا مذهب أبي حنيفة. ولعلَّ هذا القول
هو الأظهر؛ لأنه لا تُجبر إلا الصَّغيرة، لهذه الأحاديث.
وقال طائفة: إنَّ هذا إنَّما يكون للبكرِ حتى ولو كانت بالغة.
أمَّا قوله: «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ»، وفي لفظٍ «حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» هذا دليلٌ
على أنَّه لابدَّ مِن رضاها، ولا يجوز لها أن تُزَوِّج نفسها بدون أن يكون لها ولي.
قال: ( ابْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا منْ وَليِّهَ»)، فلا
يزوجها الولي إلا برضاها.
قال: «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ»، أي: يُعاد إليها الأمر، ويُطلب أمرها.
قال: «وإِذْنُهَا سُكُوتُهَ»، ففي هذا دلالة على أنَّ سكوت المرأة دليلٌ على رضاها
عن الرَّجل.
وفي لفظٍ قال: «لَيْسَ للْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ»، لابدَّ من رضاها
وموافقتها.
قال: «وَاليَتِيْمَةُ تُسْتَأْمَرُ»، أي: يُردُّ لها الأمر ويُطلب منها ما تأمر
فيه.
قال: «وَصْمْتُهَ»، يعني: لو قُدِّرَ أن المرأة صمتت؛ فإن إقرارها كافٍ في
التَّزويج.
ثُمَّ أوردَ المؤلف من حديث ابن عباس (أَنَّ جَارِيَةً بِكْرً)، الجارية: الفتاة
الصَّغيرة. والبكر: أي لم تبلغ البلوغ، أو أنها لم تتزوَّج قبل ذلك.
قال: (أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ أَنَّ
أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، أي: خيَّرها النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينَ
المضي والبقاء معه وبين مفارقته.
وقوله: (أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ)، هذا فيه دليل على أنَّه لابدَّ من إذن البكر، ولابدَّ من رضاها في عقد
الزَّواج، فهذه ذكرت أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهة، وفي بعض الأحاديث أنَّه
زوَّجها، أي: هذه الفتاة من ابن أخيه، قال: (فتزوجها ابن عمه)، وعلَّلت ذلك بأنه
إنما أراد أن يرفع خسيسته، فخيَّرها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين
البقاء معه وبين إلغاء عقد النِّكاح.
ثُمَّ أوردَ المؤلِّف الحديث عَنِ الْـحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، والحسن سمع من سمرة
عددًا قليلًا من الأحاديث، وبقية الرِّوايات عنه لم يسمعها، وبالتالي شكَّكوا في
كثير من رويات الحسن عن سمرة إِلَّا إذا صرَّح بالسَّماع.
قال: (عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَيُّمَا
امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ»)، أي: كل واحد من الوليين زوَّج الموليَّة في نفس
الوقت، فحينئذٍ يكون الحكم:
إن كان متفاوتين في الزَّمان: فنحكم بها للأوَّل؛ لأنَّه هو الذي عَقَدَ عليها
أولًا، ولكن إذا لم يكن هُناك بينة فماذا نفعل؟
كثير من أهل العلم قالوا: نتركهم حتى يتبين حالهم مَن هو الأولى بالولاية.
ومنهم مَن يقول: يُمضَى تزوُّج من زوَّجها برضاها وباختيارها.
ثُمَّ أورد المؤلِّف من حديث عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقيلٍ، عَنْ جَابرٍ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ»، أي: كل عبدٍ، والمراد بالعبد هنا: المملوك.
قال: «تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيْهِ أَو أَهْلِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ»، فإذا
كانَ هذا يُقال في حق هذه المسألة؛ فإنَّ هذا يصدق أيضًا على مَن عقدَ عقدَ نكاحٍ
ثم زوَّج نفسه.
وهذا الحديث ضعيف الإسناد؛ لأنَّه من رواية عبد الله بن عقيل وهو ضعيف الرِّواية،
وذلك لوقوع شيء من الاضطراب في روايته.
إذن هذه الأحاديث كلها فيما يتعلَّق بشروط النِّكاح، فعندنا في عقد النِّكاح أربعة
شروط على مذهب الجمهور:
أولها: رضا الزَّوجة.
ثانيها: رضا الزَّوج.
ثالثها: وجود الولي.
رابعها: وجود الشاهدين.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وعَمَّتِهَا، وَلَا
بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَ». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ قَالَ: نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ
الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ للرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ
وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، وزَوِّجْنِي أُخْتَكَ، وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ)
وعَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ " متفق عليه.
عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ.
قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ) رواه مسلم}.
هذه الأحاديث تتكلَّم عن موانع عقد النكاح:
أول موانع عقد النِّكاح: الجمع بين المرأة وبينَ ما لها به قرابة.
وباب موانع النِّكاح فيه تفاصيل كثيرة، قد ذُكرت في قوله -جلَّ وعَلا: ﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 23]، فهنا ذكر عددٍ من المحرمات،
نعدُّها بالتفصيل:
المحرمات اثنان وعشرون صنفًا، منهنَّ محرمات بالقرابة وتشمل سبعة أنواع:
الأول: الأمهات وإن علونَ، فلا تتزوج جدتك، ولا جدة جدتك.
الثاني: البنات وإن نزلن، بنتك، وبنت بنتك، وبنت ابنك، إلى آخره.
الثالث: الأخوات، سواء كانت شقيقات أو أخوات لأب، أو أخوات لأم.
الرابع: العمَّات، أيًّا كانت منزلتها، وفي أيِّ جدٍّ كان يلتقي معها.
الخامس: الخالات، وهنَّ أخوات الأم، سواء كنَّ خالات شقيقات، أو خالات لأمٍّ.
السادس: بنات الأخ.
السابع: بنات الأخت.
قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾،
فهذه من المحرمات في هذا الباب بسبب القرابة.
وعندنا أربعة أنواع محرمات بسبب المصاهرة، وهنَّ:
الأول: أمُّ الزَّوجة، فلا يجوز أن تتزوَّج أم زوجتك، ولو كانت الزَّوجة الأولى
مُطلقة قبل عشر سنين.
الثاني: بنت الزَّوجة.
الثالث: زوجة الأب.
الرابع: زوجة الابن، كما نُصَّ على ذلك في هذه الآيات.
ومن المحرمات: المحرمات بالرضاع: فكل مَن تحرم عليك، أو يحرم وليُّها؛ فحينئذٍ لا
يجوز أن يُجمَع بينهما، فلا تجمع بين امرأة وزوجة أبيها.
قال: (نهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الشِّغَارِ).
المراد بالشغار: زواج البدل، وهو (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ للرَّجُلِ: زَوِّجْنِي
ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، وزَوِّجْنِي أُخْتَكَ، وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي)،
على سبيل المقابلة، فهذا مما نهي عنه في الشرع.
يبقى عندنا مسألة نكاح المُحرِم، فلا يجوز للمحرم أن يعقد عقد النكاح.
هل يجوز للمرأة المحرمة أن يُعقَد عليها، أو نقول: إنَّ النِّساء في هذا الأمر على
أنواع؟
إذن البحث في موانع النَّكاح، فعندنا موانع متعلِّقة بالقرابة، وعندنا موانع
متعلِّقة بوقت الإحرام.
عند الحنفيَّة: يجوز للمرأة أن تزوِّج نفسها وهي مُحرِمَة، ويُزوجها وليُّها وهي
محرمة، ويكون الزَّوج مُحرمًا، ويكون الولي مُحرمًا.
ولكن الجمهور يمنعون، لورود حديث في النَّهي، فقد جاء في حديث عثمان -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لا تنكح المحرمة ولا
تُنكَح» ، والمراد هنا عقد النِّكاح.
فالمقصود أنَّ الإحرام مانع من موانع النِّكاح، ولو عقد على امرأة وهي محرمة
فحينئذٍ يكون عقدها عقدًا فاسدًا لابدَّ من تصحيحه؛ لأنه وقع في مخالفة للشرع.
وهذا هو قول الجمهور، أمَّا الحنفيَّة يقولون بجواز عقد النِّكاح للمحرم سواء كان
وليًّا أو زوجًا أو شاهدًا، أو مأذونًا، ويستدلُّون عليه بحدث تزوُّج النبي -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بميمونة، فقد ورد في حديث ابن عباس أنه تزوجها وهي
محرمة.
قال: (عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ
الْحَارِثِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا
وَهُوَ حَلَالٌ)، وميمونة هي خالة ابن عباس.
إذن ابن عباس يقول: إنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوَّجها وهو
محرم، وبريدة يقول: إنه تزوجها وهو حلال. فمن نقبل قوله ونصدقه في ذلك؟
نقبل قول يزيد بن الأصم؛ لأنه كان المباشر للقصَّة، وبالتَّالي يترجَّح لدينا مذهب
الجمهور في أنَّه لابد أن يكون العاقد غير محرم، سواء كان قريبًا أم بعيدًا.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ الشَّروطِ
أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،
وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ)}.
هذا الحديث يتكلَّم عن شُروط عقد النِّكاح، وهناك فرق بين شروط النِّكاح والشُّروط
في النكاح. ما هي هذه الفروق؟
• شروط النِّكاح: من قبل الشَّارع، بينما الشُّروط في النِّكاح: من قبل المكلَّفين.
• شروط النِّكاح لابد أن تكون في جميع العقود، وأمَّا الشَّرط في النِّكاح هذا
مختصٌّ بما اشترط فيه الشرط، فيجوز أن يكون هناك شرطٌ في عقد النِّكاح، ويصح
بالشروط الآتية:
ألا يكون محرمًا.
وألا يكون وسيلةً لمناقضة مَقصد الشَّارع.
وبالتَّالي نقول: إنَّ الأصل في الشُّروط هو أنها لازمة، وأنَّه يجب الوفاء بها،
ويدل على ذلك هذا الحديث عن عقبة بن عامر، قال: «إِنَّ أَحَقَّ الشَّروطِ أَنْ
يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»؛ لأنَّ عقد النِّكاح يُستحلّ به
الفرج.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ أَوْطَاسٍ
فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثمَّ نَهَى عَنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ -وَصَحَّحَهُ)}.
هذه الأحاديث تذكر أشياءً من ممنوعات عقد النِّكاح، وتقدَّم معنا النَّهي عن نكاح
الشِّغار، والمراد به: ربط نكاح امرأة بنكاح امرأة أخرى، فيقول: زَوَّجْتُك أُختي،
وزوجني أختك؛ ويدخل في هذا ما لو لم يُسمِّ المهر، فيكون تبادل بدون أن يذكر فيه
المهر. ونكاح الشِّغار باطل، وبالتَّالي لابدَّ من تصحيح هذا العقد.
وكذلك من الأمور التي لها تأثير في النِّكاح: ما يتعلَّق بالإحرام -كما تقدَّم-
فإنَّ المحرم لا يجوز له أن يتولَّى عقد النِّكاح سواء لنفسه أو لغيره، ولا يكون
وليًّا في عقد النِّكاح.
كذلك من المنهيَّات: نكاح المتعة.
والمراد به: النِّكاح المؤقَّت، فإنَّ الأصل في مشروعيَّة الزَّواج هو أن يكون هناك
أُلفة بين النَّاس ومحبَّة وتوادّ، فإذا أَدخلوا هذا المعنى فيما بينهم؛ فحينئذٍ
تنتفي تلك المعاني فيه، ولذلك نُهِىَ عن نكاح المتعة؛ لأنَّ مَقصده أن يكون
النِّكاح رغبة، وهو على خلاف مَقصد الشَّرع.
فالمراد بنكاح المتعة: أن يكون النَّكاح مُؤقتًا.
الجمهور يقولون: النِّكاح بلا ولي نكاح باطل، ولا يجوز الاعتماد عليه، ويجب تجديد
العقد لما حصل منه، لهذه الأخبار.
قوله: (رَخَّصَ)، فيه دليل على أنَّ الأصل هو المنع.
قال: (عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ)، المراد به: النَّكاح المؤقت بوقتٍ محدَّد.
قال: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)؛ لأنَّ النَّاس كانوا محتاجين، وكان عندهم حاجة لإتيان
أهلهم، ولذا كان الأمر على النَّهي، ثم بعد ذلك رُخِّصَ لهم في نكاحِ المتعة ثلاثة
أيام، ثم بعد مضي هذه الأيام الثلاثة نهي عنه نهيًا باتًّا.
ثم أورد المؤلِّف حديث ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحِلَّ)، يعني: العاقد وهو الزوج الجديد
الذي يُريد أن يحلل المرأة لزوجها.
قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحِلَّ
وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)، يعني متى علم بذلك وكان مواطئًا عليه. وهو حديث صحيح.
وفي الحديث: تشديد تحريم التَّحليل، وذلك أنَّ الشَّرع يُريد أن يكون النِّكاح نكاح
رغبةٍ وليس نكاح إجبارٍ وتصول بين الزَّوجين. وفي هذا تحريم نكاح التَّحليل.
ونكاح التَّحليل مخالف للشَّرع، فهل يدل على بطلانه مطلقًا؟ أو يُمكن تصحيحه؟
وجه التَّصحيح له: أن يُلغى ما يكون بينهم من اتفاقات في هذا.
والصَّواب: أنَّ النَّهي عن التَّحليل نهيٌّ عامٌّ لكلِّ محلل.
والمقصود هنا: أنَّ نكاح التَّحليل نكاح محرم، وأنَّه نكاح لا يُجيزها
لِمُطَلِّقِها، معاملةً له بنقيض مَقصوده.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعيدٍ الـمَقْبُري، عَنْ
أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَنْكِحُ الزَّانِي المَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ». رَوَاهُ
أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرٍو وَهُوَ ثِقَةٌ
مُحْتَجٌّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ
ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا،
فَأَرَادَ زَوجُهَا الأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا، حَتَّى يَذُوقَ الآخِرُ
مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الأَوَّلُ». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ
لِمُسْلِمٍ)}.
أورد المؤلِّف حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعيدٍ الـمَقْبُري، عَنْ أَبي
هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-وهذا إسناد جيد.
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَنْكِحُ الزَّانِي
المَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ»، هذا فيه النَّهي عن نكاح الزَّاني.
والحنابلة يقولون: لا يجوز نكاح الزاني رجلًا أو امرأة، ويستدلُّون عليه بهذا
الحديث، ويستدلُّون عليه أيضًا بقوله تعالى: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً
أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ
ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 3].
وقال الجمهور بحلِّه مع كراهته.
ولكن المذهب الأوَّل أقوى لوجود الدَّليل الواضح معه.
وقوله: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي المَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ»، يعني: ما ماثله في
صفاته.
ثم أورد المؤلف حديثًا متفقًا عليه من طريق عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالت:
(طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثً)، بعض الفقهاء قال: هذا دليل على أنَّ
الطَّلاق الثَّلاث يقع على أي طريقةٍ.
وبعضهم قال: الحديث ليس فيه استفصال، ويُمكن أنَّ مُراده بقوله (طَلَّقَ رَجُلٌ
امْرَأَتَهُ ثَلَاثً)، يعني أن الزوج طلقها الثالثة، وقد مضى معه طلقتان طلقتان
سابقتان، وبالتَّالي يكون لفظ الخبر فيه شيء من إمكانيَّة التَّفسير بتفسيرٍ
مخالفٍ.
قالت: (فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ)، والظَّاهر من هذا أنَّه نكاح رغبة، وليس نكاح
تحليل.
قالت: (ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَ)، أي أنَّ الرَّجل الثَّاني
طلَّق المرأة قبل أن يدخل بها.
فهل تُحل للأول؟
لا تحل، فقد جاءنا في الحديث أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل
معيار الحل للزَّوج الأول هو وطء الزَّوجة من الزَّوج الثَّاني، فلابد أن يكون هناك
رغبةٍ لا نكاح تحليل فقط.
قالت: (طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثً)، فيه دلالة على مضي الطَّلقات
الثَّلاث بلفظٍ واحد، وبذلك قال الجماهير، خلافًا لبعض فقهاء الحنابلة والظَّاهرية.
قالت: (فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا،
فَأَرَادَ زَوجُهَا الأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَ)، أي يعود إليها.
قالت: (فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ،
فَقَالَ: «لَ»)، يعني لا تحل له.
قال: «حَتَّى يَذُوقَ الآخِرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الأَوَّلُ»، فيه دلالة
على أنَّه لا يحصل تحليل للزَّوج الأول بطلاقٍ لم يحصل فيه وطء.
فهذا شيءٌ من أحكام الأحاديث التي تتعلَّق بهذا الباب، وبالتَّالي نعلم أنَّ
الشَّارع قد نظَّم هذا البابَ تنظيمًا قويًّا، وأنَّ تنظيمَ الشَّارع حاصرٌ، وأنه
تحصل به مصلحة النَّاس، فالأصل في عقود الأنكحة هو الحل والجواز، إلا أن يأتي دليلٌ
خاصٌّ في جزئيَّةٍ من جزئيَّاته.
فالمقصود: أنَّ هذه الأبواب جمعت عددًا من الأمور التي تكون سببًا من أسباب بطلان
العقد، منها:
الكلام في إعلان النِّكاح، وعدم إسراره، وفي هذا يدخل ما يسمونه سابقًا
بالنَّهاريَّات اللاتي لم يُشهَرأمر زواجهن.
الكلام على مسألة الزَّواج بلا ولي، فهل تُزوِّج المرأة نفسها أو لا.
والكلام على العقد على المرأة بدون رضاها، وما هيولاية الإجبار في هذا.
والكلام على مسألة ما لو زوَّجَ وليَّان؛ فحينئذٍ يكون زواج المرأة للأول منهما.
والكلام على ما يتعلَّق بالجمع بين المرأة وقرابتها.
والكلام على ما يتعلق بنكاح الشِّغار، وفصَّلنا في حكم نكاح المرأة من المحرِم،
هل يصح عقدها أو لا يصح هذا النكاح الذي وقع في زمن الإحرام.
والبحث في مسألة الشُّروط في عقد النِّكاح، شروط العاقدين.
والبحث في مسألة نكاح المتعةِ، ونكاح التَّحليل، ونكاح المجلودين من الزُّناة.
وبحث مسألة ما يتعلِّق باشتراط ذوق العسيلة للمحللين، أو مَن يُظن أنهم يُريدون
التَّحليل.
أسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يُوفقنا وإيَّاكم لكل خير، وأن يجعلنا وإيَّاكم من
الهُداة المهتدين، كما نسأله -سبحانه- أن يصلح أحوال الأمَّة، وأن يردهم إلى دينه
ردًّا حميدًا، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي الختام نشكركم معالي الشَّيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
هذه تحيَّة عطرة من فريق البرنامج، ومني أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى
ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمة الله
وبركاته}.