فأرحب بكم إخواني المشاهدين الكرام في لقاءٍ جديد، مِن لقاءاتنا في قِراءة كتاب
"المحرر" للحافظ ابن عبد الهادي المقدسي الحنبلي -رحمه الله تعالى- في لقاءنا
العشرين، ونتدارس فيه بعض الأمور المُستحبة والمكروهة في الصَّلاة، وذلك بعد أن
ذكرنا باب صفة الصَّلاة والأحاديث التي وردت فيها، وكان مِنْ أَواخر مَا ذَكرنا بعض
الأذكار الواردة بعد السَّلام من الصَّلاة.
وقد ذكرنا أنَّ فيها لفظة "دُبر الصَّلاة" وبينَّا أنَّ الجُمهور على أنَّ المُراد
بهذه اللفظة مَا كانَ بعد السَّلام، ولعلنا أن نُواصل بقراءة هذا الباب الجديد.
تفضل يا شيخ.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، وصلى الله وسلم على نبينا
محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم، اللهمَّ اغفر لنا ولشيخينا ولوالدينا وللمستمعين
والمشَّاهدين ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى: (بَابُ أُمُورٍ مُسْتَحبَّةٍ
وَأُمُورٍ مَكْرُوهَةٍ فِي الصَّلاة سُوَى مَا تَقَدَّمَ.
عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنا رِعَايَةُ الإِبِلِ
فَجَاءَتْ نوْبَتِي فَروَّحْتُها بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم قَائِماً يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ:
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلاً عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ
الجَنَّةُ» رَوَاهُ مُسلمٌ، وَقَصَّرَ مَنْ عَزَاهُ إِلَى أَبي دَاوُدَ
وَحْدَهُ.)}.
هذا الحديثُ حديث عقبة بن عامر قال: (كَانَتْ عَلَيْنا
رِعَايَةُ الإِبِلِ) حيث كان الناس في الزمان الأول يَقْتسمون رعاية الإبل
فيجعلون بَعضهم يَرعها في يوم ويجعلون بعضهم الآخر يَرعها في يوم آخر، وبالتالي فيه
دلالة على جواز التعاون في الأعمال وتقسيم العمل المُشترك، بحيث يقوم به البعض في
وقت ويقوم به الآخرون في وقت آخر.
قوله: (فَجَاءَتْ نوْبَتِي) أي: وقت عملي في رعاية
الإبل، الرعاية يعني: مِنَ الرعي، وقيل: مِن الاعتناء بها، قال:
(فَروَّحْتُه) الرواح هو الذهاب في آخر النَّهار.
وقوله: (بِعَشِيٍّ) العشي قد يطلق على مَا بَعد
العَصر، وقَد يُطلق على مَا بَعد الظُّهر، يعني: إمَّا أنَّه أَمْسَكَها أو جَعَلها
تَرعى في هذا الوقت.
قال: (فَأَدْرَكْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَائِماً
يُحَدِّثُ النَّاسَ)
فيه جواز أن يكون المُعلم قَائمًا مَع وجود طلابه الذين يجلسون أمامه أو يقفون.
قوله: (يُحَدِّثُ النَّاسَ) فيه مشروعية التذكير
بفضائل الأعمال، واشتغال النَّاس بتذاكر فضائل الأعمال خَير لهم مِن اشتغالهم بأمور
آنية مِنْ أَخْبار أو مِن أُمور قَد تُلحق بهم الضَّرر مِن غِيبة وحديثهم في فُلان
وفُلان، ولذا يحسن بالناس أن يشغلوا مجالسهم بمثل هذه الأحاديث.
قال: (فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ) فيه دلالة على
أنَّ الرَّاوي للحديث قد لا يُدرك الحديثَ كاملاً وَيَروي بعض ما قِيل دُون بعضه
الآخر، ومرة يكون فيها جملة كاملة كما في الحديث.
وعُقبة بن عامر لما سمع هذه المقالة مِنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أحسن
هذه، قال عمر بن الخطاب: التي قبلها أحسن منها، وذكر له اللفظ الآخر[109].
قوله: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ»،
(مُسْلِمٍ) نكرة في سياق النفي فتكون عامة، والأصل أنَّ الألفاظ التي تكون
مُذكرة تشمل الجنسين الذكر والأنثى.
قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ»
أي: يُكْمِلَه وَيُتَممه «ثمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلاً عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ» أي: لا يَشتغل بقلبه بذكر
أحاديث أو أشياء أخرى.
«بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ»
فيه مَشروعية َضبط الإنسان لقلبه بحيث لا يَجعل القلب يشتغل بأمر غير صلاته، وفيه
أيضًا أنَّ الإنسان يتوجه بقلبه إلى قبلته وصلاته ولا يلتفت في الصَّلاة.
«وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» أي: أنَّ الله -عَزَّ
وَجَلَّ- يجعل له الجنة، وهذا مِن إِيجاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نفسه بلسان نبيه
-صلى الله عليه وسلم.
وقد استُدِلَّ بهذا الحديث على مَشروعية صلاة الوضوء، وقد قيل: إنَّ هذا الحديث مِن
أدلة مَشروعية صلاة الوضوء في أوقات النَّهي، وذهب بعضهم إلى أنه في جميع أوقات
النهي، وذهب الأخرون إلى أنَّه في أوقات النهي الموسع دون المضيق، ولعلنا -إن شاء
الله- نتدارس أحكام أوقات النهي فيما يأتي.
{أحسن الله إليكم.
(وَعَنْ أَبي جُهَيْمٍ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَينَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا
عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَينَ
يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًاً
أَو شَهراً أَو سَنةً. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَفِي بعض رِوَايَات البُخَارِيِّ:
«مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ»)}.
قوله: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَينَ يَدَيِ الْمُصَلِّي
مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ» وفي لفظ
«مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ»
وفي هذا تحريم المرور بين يدي المصلي، وقد اختلف العلماء في هذا الأمر، هل هو من
الكبائر أو يُعَدُّ من الصغائر؟
والحديث لم يُفرق بين صلاة النافلة وصلاة الفريضة، ولا صلاة المنفرد ولا صلاة
الجماعة، ولم يُفرق بين مَوطنٍ وآخر سواء كان في المسجد أو في البيوت أو في البرية
أو في غيرها، وهكذا ظاهر حديث الباب أنَّه على العموم، فإنَّ كلمة
«المَارُّ بَينَ يَدَيِ الْمُصَلِّي» من الأسماء المُفردة المعرفة بـ "ال"
الاستغراقية فيفيد العموم، فظاهره أنه يشمل حتى الحرمين الشريفين.
وقد قال بعض العلماء: إنَّ مَسجد الكعبة يُستثنى من هذا، بدلالة أنَّ الطائفين
يمرون بين يدي المصلين مِن العُصور الأولى.
{(وَعَنِ ابْنِ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بالحَرْبَةِ
فَتُوضَعُ بَينَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ. مُتَّفقٌ
عَلَيْهِ)}.
قوله هنا: (وَعَنِ ابْنِ عمر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم كَانَ إِذا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ) فيه مشروعة أداء صلاة العيد
خارج البلد، وكانوا يُصلون في الزمان الأوَّل في المُصلى، يصلون صلاة العيد في
المُصلى خارج البلد، واستُدِلَّ بهذا على أنَّ الأفضل أداء صلاة العيد في المُصلى،
وأنَّ ذلك أفضل مِن أَدائها في المسجد النَّبوي؛ لأنَّه فِعْل النبي -صلى الله عليه
وسلم.
وقوله: (أَمَرَ بالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَينَ يَدَيْهِ)
الحربة نوع مِن أنواع السِّلاح والرِّماح يكون عليه حديدة من نوع ما، وفي هذا دلالة
على مشروعية اتخاذ السُترة بين يَدي المُصلي، وقد اختلف العُلماء في حُكم السُّترة،
هل هي واجبة أو مُستحبة؟
الجمهور على أنَّها لَيست واجبة بل مُستحبة، واستدلوا على ذلك بما وَرَدَ مِن حديث
الفضل بن عباس أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى إلى غَير سُترة، وقد وَرَدَ
ذلك في السنن[110].
وقوله: (أَمَرَ بالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَينَ يَدَيْهِ،
فَيُصَلِّي إِلَيْهَ) أي: يَستَتر بها.
(وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ) فيه دلالة على أنَّ سُترة
الإمام سُترة لمن خَلفه؛ لأنَّه لم يَجعل لمن خلفه سُترة تخصهم.
قال: (وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ) أي:
يتخذ حَربة تُوضع بين يديه ويُصلي المسلمون خلفه بدون أن يضعوا سُترة بين أيديهم،
وفي هذا مشروعية أداء صلاة الجماعة في الأسفار، وقيل: إن مَن استطاعها وَجَبَتْ
عَليه -كما سيأتي.
قول ابن عمر: (فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ)
فيه مشروعية الاقتداء بأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم، واتخاذ الحربة، والخروج
بها يُحتمل أن يكون عَلى جِهة التَّعبد، مِن أَجل أن يُصلي إِليها، ويُحتمل أن
يَكون مِن جِهة العَادات والجبلة، وَمِنْ ثَمَّ لا يكون الاقتداء بها مَشروعًا،
ومَن رَأى أنَّ هَذا الفِعل مِنَ العبادات، مِن أَجل أن يَتَمَكن مِن الصَّلاة
إليها واتخاذها سُترة، قال بمشروعية الاقتداء بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في
ذلك.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ سُتْرَةِ
الْمُصَلِّي، فَقَالَ:
«مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ». رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
قوله: (سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي
غَزْوَةِ تَبُوكَ) غزوة تبوك وقعت في السنة العاشرة، وتبوك في شَمال الجزيرة
العربية الشرقي.
وقوله: (عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي) يعني: سُئِلَ عَن
مِقدارها، مَا الذي يَستَتِرُ إليه؟ وفي هذا دليل على مشروعية اتخاذ السُترة بين
يدي المصلي.
قوله: «مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» الرَّحْلِ
خَشبات تُوضع عَلى البَعير ليكون الجالس على ظهر البعير مُرتاحًا؛ لأنَّها قَد
هُيئت لتكون مِقعَدًا، والرَّحل يوضع من خشبتين أو من عَارضتين في الأمام وعَارضتين
في الخلف، ثُمَّ بعد ذلك تُمسك البعير ويكون بينهما مقعدًا يَتَمكن المُسافر أو
المُتنقل على ظهر البَعير مِن أنْ يَجلس على ذلك المِقعد.
ومؤخرة الرَّحل في الغالب تكون قريبًا من "الذراع"، ولذلك فالمُستَحَب في سُترة
المُصلي أن تكون مِن الذراع فَمَا فَوق.
{أحسن الله إليك.
(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُم،
فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصَاً،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصَاً، فَلْيَخُطَّ خَطَّاً، ثمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا
مَرَّ أَمَامَهُ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْنُ
حِبَّانَ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ الْإِسْنَادِ، وَلِذَلِكَ ضَـعَّـفَـهُ
الشَّافِعِيُّ وَغَيرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْن الْمَدِينِيِّ وَغَيرُهُ. وَقَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ: "لم نجِدْ شَيْئاً نَشُدُّ بِهِ هَذَا الحَدِيث"، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: "لَا بَأْسَ بِهَذَا الحَدِيْثِ فِي هَذَا الـحُكْمِ")}.
حديث الباب كما أَشَارَ المؤلف إلى وجود الاختلاف في تصحيحه وتضعيفه، وجماهير
المحدثين على أنَّه ضَعيف الإسناد وهذا هو الأظهر، ومِن ثَمَّ لا يَصح أن نَأخَذ
منه حكمًا؛ لأنَّ الأحاديث الضعيفة لا يَصح أن نَبْني عَليها أحكام شرعية على جهة
الابتداء.
وقوله: «فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئً» أي:
سُترة بين عينيه.
«فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصً» أي: ليجعلها
واقفة.
«فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا، فَلْيَخُطَّ خَطَّ»
أي: في الأرض على التراب، وكما تقدم أنَّ هذا الخبر ضعيف الإسناد، وبالتالي لا
يُعَوَّل عَليه في أخذ الأحكام.
{(وَعَنْ سَهْلِ بنِ أَبي حَثْمَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُم إِلَى
سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ»
رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّان، وَهُوَ حَدِيثٌ
مُخْتَلفٌ فِي إِسْنَادِه، وَرُوِيَ مُرْسَل)}.
هذا الحديث قد اختلف الرواة فيه، فبعضهم يَذكر فيه الصَّحابي وبعضهم يُسقط
الصَّحابي، فيكون الحديث مُرسلاً، وأكثر المحدثين عَلى تَقوية الرواية المُرسلة.
وقوله هنا: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُم إِلَى سُتْرَةٍ
فَلْيَدْنُ مِنْهَ» اختلفَ العُلماء في المِقدار الذي يَثبت بِه حُكم
السُّترة، فمنهم مَن جَعَله إلى ذراع مِن رَأس المُصلي عِند سُجوده، وَمِنْهُم مَن
جَعَلَه إلى ثلاثةِ أذرع مِن مَوطن وُقوفِه، وَمِنْهُم مَن لَم يَحد في ذلك حَدًّا.
وقَد وَرَدَ أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- صَلى والكعبة بين يَديه وبينهما
مَمر الشَّاة، ومِن ثَمَّ وقع الاختلاف في الروايات الواردة في الباب في مقدار بُعد
الإنسان عَن السُترة التي تكون بين يديه في صلاته.
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نُهِيَ أَنْ
يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مـُخْتَصِراً. رَوَاهُ البُخَارِيُّ هَكَذَا، وَرَوَاهُ
مُسلمٌ: نهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم)}.
(نُهِيَ) هذه الصيغة من الصيغ التي تُنسب إلى النَّبي
-صلى الله عليه وسلم، والصيغ على أَنْواع، مِنها:
الصيغة الأولى: أن يَقول الرَّاوي: "سَمعتُ رَسُول الله"، و "رأيت رسول الله"، فهذا
عَلى أَعلى المراتب.
الصيغة الثانية: أن يَنسب القَولَ مَع احتمال الانقطاع، كما لو قال الصحابي: "إنَّ
رَسُولَ الله قال"، مع احتمال إرسال الصحابة، أو "أنَّ رسول الله فعل"، فَيُحتمل
أنَّ الصَّحابي لم يُشاهد الفِعل مِنَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة.
الصيغة الثالثة: مَا رواها بمعناها، كما لو قال: "رَخَّصَ رَسُول الله" و "نهى رسول
الله".
الصيغة الرابعة: مَا بُنيت على المجهول، كقوله هنا (نُهِيَ،
و رُخِّصَ، و أُمِرَ)
ومن هذه الصيغة ما لو قال: "من السنة".
والصواب: أنَّ هذه الطرق الأربعة كُلها يَثبت بها اتصال الخَبر بالنَّبي -صلى الله
عليه وسلم.
وقوله: (نُهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مـُخْتَصِرً)
أي: واضعًا يَديه عَلى خَاصرته، وقد جاء في الحديث الأمر بوضع الأيمان على الشمائل
في الصَّلاة، ولذلك فإنَّ هذه الطريقة مُخالفة لما أُمِرَ به شَرعًا، ومِن ثَمَّ
كانت صلاة الإنسان مختصرًا مِنَ المنهيات.
{أحسن الله إليك.
(وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا قُدِّمَ الْعَشَاءُ،
فَابْدَأُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا
عَنْ عَشَائِكُم» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
قوله: «إِذا قُدِّمَ الْعَشَاءُ» كانوا في الزمان
الأول يجعلون العَشاء بَعد العَصر، وقد يتأخرون به، ومِن ثَمَّ يُؤذن آذان المغرب
وهم لا زالوا يَتَعشون، أو قد وضع العَشاء بين أيديهم.
وفي الحديث دَلالة على أنَّ الإنسان في صلاته يَنبغي أن يُفرغ قَلبَه للإقبال على
صلاته، ليدعو ويَذكر بحضور قلب، ومِن هُنا أَمَرَ بتقديم العَشاء عَلى صَلاة
المَغرب مِن أَجل أن لا تكون نَفس المُصلي مُتعلقة بالطعام، فينشغل بذلك عن استحضار
الذهن في صلاته.
وقوله: «فَابْدَأُوا بِهِ» الأمر هُنا لَيس على
الإيجاب، وإنَّما هو على الاستحباب، لماذا صرفناه من الإيجاب إلى الاستحباب؟
لأنَّ الأمرَ هُنا جاء بعد توهم المَنع مِن ذلك، فكان الأمر هنا للاستحباب.
وقوله: «قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ»
فيه دلالة على أنَّ وقت صلاة المغرب فيه طُول، خلافًا للشافعية.
قال الشافعية: صلاة المَغرب وقتها بقدر مَا تُؤدىَ فيه سَبْع رَكَعَات، ولكن هذا
القول مُخالف لعدد مِنَ الأحاديث ومنها حديث الباب.
وقوله: «وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُم» فيه أنَّ
الإنسان إِذا جَلس على الطعام، فإنَّه لا يَقوم حَتى تَنقضي حاجته منه.
{(وَعنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«إِذا كَانَ أَحَدُكُم فِي الصَّلاة فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،
فَلَا يَبْزُقَنَّ بَينَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ
تَحْتَ قَدَمِه» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ أَيْضاً.
وَفِي لفظٍ للْبُخَارِيِّ: «عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ
قَدَمِهِ»)}.
قوله: «فَإِنَّهُ يُنَاجِي» المُناجاة هي: الحديث
الخاص الذي فيه سِرية بين اثنين، قال -تعالى: ﴿لَا خَيْرَ
فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ﴾ [النساء: 114]، وفي سورة المجادلة ذَكَرَ
النَّجْوَى ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ
لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئً﴾ [المجادلة:
10]، فالنجوى هي: الحديث الخاص السري، وفي هذا إثبات أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ-
يَسمع، وأنَّ مِن صِفاته أنَّه يَتكلم.
قال: «فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ» أي: يُحادث رَبَّ
العِزَّة والجَلال في صلاته بالدعاء والذكر.
قوله: «فَلَا يَبْزُقَنَّ بَينَ يَدَيْهِ» البُزاق هو
البُصاق والتِّفَال والريق الذي يُجمع فيخرج مِنَ الجَوف بواسطة الفَمِّ، وهُنا
نَهي عن أن يبزق عَن يَمينه وبين يديه.
قال: «وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ» إذا جاءه البزاق عن
شماله، قال: «تَحْتَ قَدَمِه»
فيجعله قريبًا مِنه لئلا يؤثر على غيره.
وفي بعض الألفاظ «عَنْ شِمَالِهِ أو تَحْتَ قَدَمِه»
وهما روايتان متعارضتان، والرواية المتفق عليها أولى، ولكن هذا الحديث فيما كان فيه
الناس في الزمان السَّابق مِن كَونهم يُصلون في مَنَاطق فيها تُراب وفِيها رِمال،
ولكن في مثل عصرنا الحاضر مع وجود هذه الفُرش وهذه المحلات المُهيئة للصَّلاة،
فإنَّه لا يَجوز البُزاق فيما يكون عن الشِّمال أو تَحت القَدم، فإنما يَبزق في
مَنَاديل أو في طرفِ ثَوبه إن لم يجد المَنَاديل، ولا يَبزق على الأرض وَلا عَلى
شَيء مِنَ المسجد.
وقد جاء في الحديث أنَّ البُزاق في المسجد خَطيئة[111] -كما سيأتي معنا- لكن لو
قُدِّرَ للإنسان أن يصلي خارج المسجد، في برية مثلاً، فإننا نقول: نستصحب هذا
الحديث الذي بين يدينا.
إذن عندنا حديثان متعارضان: أحدهم يُجيز البُزاق للمُصلي عَن شماله تحت قدمه،
والآخر يَمنع مِن البُزاق في المسجد، فنقول: البُزاق عَن الشِّمال تحت القدم هذا في
غير المساجد.
{(وَعَنْ مُعَيْقِيبٍ -وَهُوَ ابْن أَبي فَاطِمَة
الدَّوسِيِّ- قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَسْحَ فِي
الْمَسْجِدِ -يَعْنِي الْحَصَى- قَالَ: «إِنْ كُنْتَ لَا
بُدَّ فَاعِلاً، فَوَاحِدَةً». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«إِذا قَامَ أَحدُكُم فِي الصَّلاة، فَلَا يَمْسحِ الْحَصَى
فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تواجِهُهُ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لفظٍ لِأَحْمَدَ: سَأَلتُ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ شَيْءٍ،حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْحِ
الْحَصَى، فَقَالَ: «وَاحِدَةً أَوْ دَعْ»)}.
هذه الأحاديث فيها النَّهي عَن مَسح الحَصى، وكانوا في الزمان الأول تُفرش مساجدهم
بالحصباء، مِن أَجل أنَّها تُربة جَيدة لا تَتسخ الثياب بها، يأخذونها مِن بَطن
الوادي؛ لأنَّ المياه قد نظفتها وأزالت مَا فيها مِن الأغبرة، فيأخذونها ويفرشون
المساجد بها، ويكون فيها شيئًا مِن الحَصى، وقد يكون بعضها مرتفعًا وبعضها منخفضًا،
ولا يتمكن المُصلي مِن الطُمأنينة في صلاته، فَنُهِيَ عَن الاشتغال بمس الحصى ومسح
الحصى إلا إذا كان مضطرًا لذلك، فيمسح مرة واحدة لتسويته مِن أَجل أن يكون ذلك
أَدعى لحضور قلبه.
وقوله: «فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تواجِهُهُ» يعني: تكون
قبل وجهه، فإنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- يُنِيل المصلين مِنَ الأجر والخير مَا لا
يَنَاله غيرهم.
هنا فيه جواز مسح الحصى مرة واحدة، وعدم جوازه فيما عدا ذلك، ومثله أيضًا ترتيب
الفرش، قد يكون الفراش غير مرتب، فيرتبه بالمرة الواحدة، ومثل هذا أي حركة في
الصَّلاة تكون لمصلحتها، وأخذ بعض أهل العلم مِن هذا مَنْع المُصلي مِن تكرار
الحركات أثناء صلاته.
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ:
«أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُم إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ
الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ
صُورَةَ حِمَارٍ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
في هذا الحديث النَّهي عَن مُسابقة الإمام خصوصًا عِند رَفع الرَّأس، سواءً من
الركوع أو من السجود، وظاهر حديث الباب: أنَّ مَن فَعَلَ ذلك فقد أَقدَمَ عَلى
كَبيرة مِن كَبائر الذنوب.
وقال بعض أهل العلم: إنَّ هذا الحديث على سبيل التخويف فقط، وبعضهم يقول: بل قد
يتحول حقيقة، وبعضهم يقول: المراد به التحول المعنوي لا التحول الحقيقي، بأن يكون
فهمه وتصوره للمسائل قريبًا مِن تصور الحمار.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاة؟ فَقَالَ:
«هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ». رَوَاهُ
البُخَارِيُّ)}.
قوله هنا: (سَأَلْتُ) يعني: عائشة
(سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاة؟)
الالتفات في الصَّلاة على نوعين:
الأول: التفات يجعلك تستدبر القبلة، فهذا مُبطِل للصلاة.
والثاني: التفات إلى الجهتين بدون أن يستدبر القبلة، فهذا قال بتحريمه طائفة من أهل
العلم، وبعضهم قال: تبطل الصَّلاة به، والجمهور على أنَّه مِن المَكروهات، وَمَنْ
قَال بمنعه استدَلَّ بهذا الخبر حيث وصف الالتفات بأنه
«اخْتِلَاسٌ يَخْتلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ».
والآخرون قالوا: هذا الاختلاس ليس في قُدرة العبد، ولا في ذهنه، ولا في اختياره،
وما كان كذلك فإنَّه لا يَلحق به إثمٌ، وبالتالي كل مِنَ الطائفتين استدلت بهذا
الخبر.
وهذا الحديث فيه أنَّ الشيطان قد يَأخذ بعض أعمال بني آدم بطريق فِعل بعض الأعمال
التي تُؤثر عَلى عِبادة الإنسان.
{(وَعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم:
«إِيَّاكَ والالتِفَاتَ فِي الصَّلاة، فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ
فِي الصَّلاة هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي
الْفَرِيضَةِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ -وَصَحَّحَهُ-)}.
اختلف أهل العلم في إسناد هذا الخبر، وكثير مِنهم يَرى ضَعفه، وفيه حُكم الالتفات
في الصَّلاة، وظاهر قوله: «هَلَكَةٌ» المنع منه،
وقوله: «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ»
في الاستدلال على جواز الالتفات في صلاة التطوع، ولكن الحديث كما تقدم ضعيف
الإسناد.
{(وَعَنْ سَهْلِ بنِ الحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: ثُوِّبَ
بِالصَّلاة -يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ- فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يُصَلِّي وهو يـَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،
وَالْحَاكِمُ –وَصَحَّحهُ-)}.
قوله: (ثُوِّبَ) أي: أقيمت صلاة أو نُودي بالإقامة
لصلاة الفجر (فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
يُصَلِّي وهو يـَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ) حَذَرًا مِن أَعدائه أن
يَفْجَأوه من قبل الشِّعْب، فاستُدِلَّ بهذا على أنَّ الالتفات الذي لا تَستدبر به
القبلة لا يؤثر على صحة الصَّلاة، خصوصًا إذا وُجِدَ الداعي لذلك.
{(وَعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ قِرامٌ
لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا؛ فَإِنَّهُ لَا
تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي»
رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
القِرَام نوع مما تُسْتَرَ به البُيوت، وفي الغالب يوضع من القماش ونحوه.
قال: (كَانَ قِرامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ
بَيتِهَ) إِمَّا سَتَرت الباب أو سَتَرت الجدار مِن أَجل أن يكون مَنظر
الجدار أحسن، وفيه دلالة على جواز تغطية الجدران وسترها.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمِيطِي عَنَّا
قِرَامَكِ» لأنَّه صَلَّى والقِرام بين يديه، وهذا القِرام فيه تَصاوير،
فلمَّا فَرَغَ قال لعائشة: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ»
وفيه صحة الصَّلاة التي يكون فيها أمام المُصَلي زَخَارِف، ولو أثرت على حُضُور
ذِهنِ صاحبها.
قال: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا؛ فَإِنَّهُ لَا
تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي» أي: ما فيه مِن أَنواع الصور
والزخارف.
«أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ» واستُدِلَّ بهذا على
أنَّ الآلات المُشغِلَة أو الوسائل المُشْغِلَة عَن الطاعة والذكر ينبغي للإنسان أن
يُجنبها نفسه.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعتُ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ
بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثانِ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ)}.
عندما يدافعه الأخبثان، قوله: «لَا صَلَاةَ» صلاة
نكرة في سياق النفي، فحينئذٍ ظاهر الحديث عدم صحة الصَّلاة في هاتين الحالتين، عند
حضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان.
أمَّا مِن جِهة التَّحريم والمنع فلا إشكال في ذلك، لكن الكلام لو صلى كذلك، هل
تَبطُل صَلاتُه أو تصح؟
قال بعض أهل العلم: تبطل الصَّلاة؛ لأنَّ النَّفي يَدل على عَدم صِحة العَمَل.
وقال آخرون: إنَّه لا يَدل عَلى بُطلان الصَّلاة، بدلالة الأدلة الأخرى، ومِن ذَلك
مَا وَرَدَ أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه:
«إنه عرض لي في صلاتي الجنة والنار، فلم أرى مفظعا كاليوم قط»[112] أو نحو
ذلك، وذكر أنَّه رأى أعناب الجنة وكاد أن يَقطِف مِنها شيئًا، وذكر قصص عددًا من
الصحابة في هذا الباب.
المقصود أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- اشتغل في بعض صلاته ومع ذلك صحت صلاته،
حينئذٍ نقول: مَن اشتغل باستحضار الطعام أو بمدافعة الأخبثين، فإنَّ هذا لا يُؤثر
على صِحة الصَّلاة، إلا أن يصل به الحال إلى عدم الاطمئنان في صلاته أو لا يقول
أذكار صلاته.
{(وَرَوَى عَنْ جَابرِ بنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
أَبْصَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْماً رافِعِي أَبْصَارِهُم إِلَى
السَّمَاءِ، وَهُمْ فِي الصَّلاة، فَقَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ
أَقْوامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُم إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاة، أَوْ لَا
تَرْجِعُ إِلَيْهِم»)}.
قوله: (وَرَوَى) يعني: الإمام مسلم -رحمه الله- في
صحيحه (عَنْ جَابرِ بنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
أَبْصَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْم) أي: شاهدهم
(رافِعِي أَبْصَارِهُم إِلَى السَّمَاءِ) أي: لا يُشاهدون مَواطن السجود
(وَهُمْ فِي الصَّلاة، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم:
«لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُم إِلَى السَّمَاءِ فِي
الصَّلاة، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِم») فيه تحريم رفع الأبصار إلى
السماء في الصَّلاة، وذلك من أجل أن يُقبِلَ الإنسانُ عَلى صَلاتِه، وقد يُستَدَلُ
بهذا على مَشروعية وَضع البَصر في الصَّلاة على موطن السجود، على اختلاف بينهم في
ذلك.
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ:
«التَّثاؤُبُ فِي الصَّلاة مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذا
تَثَاءَبَ أَحَدُكُم فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
-وَصَحَّحَهُ- ,وَرَوَاهُ مُسلمٌ وَلم يَقُل: «فِي الصَّلاة»)}.
قوله: «التَّثاؤُبُ» التَّثاؤُبُ يحدث عَادة مِن قِلة
النَّوم وَيُفتَح فيه الفم وقَد يَخرج مِنه شيء مِن الهواء ونحوه.
«التَّثاؤُبُ فِي الصَّلاة مِنَ الشَّيْطَانِ» أي:
سببه مِن الشيطان.
قال: «فَإِذا تَثَاءَبَ أَحَدُكُم فَلْيَكْظِمْ مَا
اسْتَطَاعَ» أي: إذا تثاءب داخل الصَّلاة أو خارجها
«فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» أي: ليحاول أن لا يُمَكن لهذا التثاؤب،
فيحاول أن يُوقِفَه وأن لا يَجعَلَه ظاهرًا باديًا.
{(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ.
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِين، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ -قَالَ مُحَمَّدٌ:
وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْرُ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ
إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ
سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقُصِرَتِ الصَّلاة؟ وَرَجُلٌ يَدعُوهُ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم: ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيْتَ أَمْ قُصِرَتْ؟ فَقَالَ:
«لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَر». قَالَ: بلَى, قَدْ
نَسِيتَ, فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ
سُجُودِهِ، أَوْ أَطْولَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ
فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ
وَكَبَّرَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظُ البُخَارِيِّ، وَفِي لفظٍ لَهُ فِي
آخِرهِ: فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ
عِمْرَانَ بن حُصَيْن قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ، وَفِي بعض رِوَايَات مُسْلمٍ: صَلَاةَ
الْعَصْرِ -بِغَيْرِ شَكٍّ-. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه: فَأَقْبَلَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ:
«أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» فَأَوْمَأُوا: أَيْ نَعَمْ. قَالَ أَبُو
دَاوُد: "وَلم يَذْكُرْ: (فَأَوْمَأُو) إِلَّا
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ"، وَفِي رِوَايَةٍ لأَبي دَاوُدَ: كبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ
وَسَجَدَ، وَانْفَرَدَ بِهَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ أَيْضاً. وَفِي لفظٍ لَهُ: قَالَ:
وَلمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللهُ ذَلِكَ)}.
سجود السهو: هو سجود يكون في آخر الصَّلاة بسبب سهوٍ في الصَّلاة، قد يكون هذا
السهو بسبب: ترك بعض الواجبات، أو زيادة في الصَّلاة أو شك فيها.
والسهو قد وقع مِن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاته في مَواطن.
وقوله: (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ) يعني: الظهر
والعصر (وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْرُ-
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ).
صلاة العصر كم ركعة؟
أربع، هو هنا صلى ركعتين، وهو داخل المدينة، يعني: لا تَقُل إنه على سفر، ثُمَّ
سَلَّمَ بعد الركعتين (ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي
مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ) فيه جواز وضع الكراسي والأخشاب التي يُقعد عَليها في
المساجد، وفيه أنها تبعد عن مواطن الصَّلاة.
قال: (فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَ) يعني أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- وضع يده على هذه الخشبة التي في المسجد، وفي بعض الألفاظ أنه
شَبَّكَ بين أصابعه، فيه دلالة على جواز تشبيك الأصابع بعد الفراغ مِن الصَّلاة ولو
كان داخل المسجد.
قال: (وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) يعني: في
الناس (فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ)أي: فيسألاه لماذا
صليت بنا ركعتين فقط؟ (وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ)
أي: الذين يَستعجلون ويذهبون بعد سلام الإمام مُباشرة
(فَقَالُوا: قُصِرَتِ الصَّلاة؟) أكثر الرواة على أنَّها خبر؛ لأنهم لم
يُشاهدوا إلا ركعتين، هذا لسرعان الناس، وكان هناك في المسجد باقي
(يَدعُوهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيْتَ
أَمْ قُصِرَتْ؟) يعني: لماذا ركعتان فقط؟
وفيه جواز تسمية الإنسان ببعض أعضائه، وأنه لا حَرَجَ في مثل ذلك ما لم يكن على
جِهة القَدْح، ومن ذلك قوله: (ذَا الْيَدَيْنِ).
وقوله: (أَنَسِيْتَ أَمْ قُصِرَتْ؟) لأنه لم يصلي إلا
ركعتين فقط، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَمْ أَنْسَ»
باقية الركعتين «وَلَمْ تُقْصَر» فتوضع الرباعية
ركعتين، فقال ذو اليدين (بلَى) أي: أحدهما حاصل،
إمَّا أن تكون نَسيت وإمَّا أم تكون الصَّلاة قصرت، والظاهر أنك نسيت
(قَدْ نَسِيتَ) فلما تيقن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- من كلام ذي اليدين
قام (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ،
فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْولَ) أي: سجد سجدتين للسهو.
أين السهو؟ في النقصان، فهو صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ أثناء الصَّلاة.
هنا جعل النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو بعد التسليم، لماذا؟
قال طائفة: لأنه زاد زيادة، زاد التسليم، هذا قول المالكية، وقال طائفة: كون سجود
السهو بعد التسليم مِن أَجل أنَّه تسليم في أثناء الصَّلاة.
والقاعدة: أنه إذا تَرَدَدَ الحُكم الوارد في الخبر بين معنيين، فحينئذٍ نأخذ
بأخصهم في المعنى، لاشتراك القولين فيه، وبالتالي نقول: إنَّه إنما سجد بعد
السَّلام لكونه سَلَّمَ أثناء صلاته، وفيه أنَّ سُجود السَّهو يكون بسجدتين، وفيه
أنَّه يُماثل سُجود الصَّلاة أو يكون قريبًا منه، وفيه أن سجدتي السهو يتبدأهم
بتكبير وينهيهم بتكبير.
وفي هذا الحديث أيضًا: أنَّ مَن تَكَلَمَ نَاسيًا أو جاهلاً، فصلاته لا تبطل، فإنَّ
الصحابي ذا اليدين قال: (أَنَسِيْتَ أَمْ قُصِرَتْ؟)
فهذا كلامه في الصَّلاة ومع ذلك لم يُبطِل النَّبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته،
قال: فربما سألوه ثُمَّ سَلَّم، يعني: هل سلم مرة أخرى؟ الصَّواب أنَّه سَلَّمَ
مَرَة أُخرى، وقد وَرَدَ ذلك في بعض روايات الأخبار.
هل جلس للتشهد؟ بعض أهل العلم يقول: إذا كانت سجدتا السهو بعد السَّلام، فإنه يجلس
للتشهد، يُسلم ثم يجلس للتشهد، ثم يَسجد سجدتين السهو.
(فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بن حُصَيْن قَالَ:
ثُمَّ سَلَّمَ، وَفِي بعض رِوَايَات مُسْلمٍ: صَلَاةَ الْعَصْرِ -بِغَيْرِ شَكٍّ).
وفي رواية أبي داود أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
«أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟».
في باقي الروايات قالوا: نعم صدق ذو اليدين، في رواية أبي داود قالوا:
(فَأَوْمَأُو) معناها: أنهم لم يتكلموا، لكن هذه
الرواية على غَير المَشهور، وبالتالي فإنَّ كَلام الإنسان في صلاته يَظن أنَّه
خَرَجَ مِنها وأنه يجوز له الكلام لا تبطل الصَّلاة به، إنما تبطل بالكلام الذي ليس
لمصلحة الصَّلاة.
قوله: (كبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ) كأنَّه كَبَّرَ مرتين
قبل السجدة الأولى، ولكن هذه الرواية انفرد بها حماد بن زيد وخالفه جمهور الصحابة،
جمهور الرواة.
(وَفِي لفظٍ لَهُ) يعني: لأبي داود
(قَالَ: وَلمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللهُ ذَلِكَ)
أي: جعله الله يتيقن ما هو فيه.
فهذه أحاديث مِن أحاديث هذا الباب، الذي هو باب سجود السهو، ولعلنا -إن شاء الله-
أن نواصل الحديث في ذلك في لقاءنا الآتي.
غفر الله ذنوبكم ويسر الله أموركم، كما أسأله -جل وعلا- لإخواني الذين رتبوا هذا
اللقاء من فنيين ومخرج وإداريين، التوفيق لكل خير، وأن يجعلهم من أسباب الهُدى
والتُّقى، كما أسأله -جل وعلا- أن يُصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يَحقن
دماءهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، كما أسأله -جل وعلا- بمنه وكرمه أن يُوفق ولاة
أمور المسلمين لكل خير، وأن يجعلهم هداة مهتدين.
هذا -والله أعلم- وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
---------------------
[109] قال عقبة بن عامر: "روحتُ فتأخرت فيها وأتيتُ والرسول عليه الصلاة والسلام
يحدث الناس، وقد مضى في الحديث، قال: فسمعته يقول: من قال: رضيت بالله رباً،
وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً، كان حقاً على الله أن يرضيه. قلتُ -و عمر بجانبي:
ما أحسن هذا! قال عمر وقد التفت إليَّ: التي قبلها أحسن منها! قال: فلما انتهى صلى
الله عليه وسلم من الحديث التفت إلي عمر وقال: أما كنت معنا منذُ اليوم؟ قلتُ: لا.
أدركتكم في آخر الكلام، قال: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: من توضأ فأحسن
الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله،
فتحت له أبواب الجنة الثمانية" وهذا اللفظ عند البخاري.
[110] عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبَّاسٌ،
«فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا،
وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى ذَلِكَ» وقد ضعفه
الألباني في ضعيف سنن النسائي (30 / 753)
[111] البخاري (401) ومسلم
(862) عن أنس قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا
[112] لعل الشيخ يقصد حديث ابن عباس، يوم أن خسفت الشمس وفيه يقول صلى الله عليه
وسلم: "إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ
أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ
فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا
النِّسَاءَ" قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِكُفْرِهِنَّ. قِيلَ:
أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ
الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ
مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.