الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أفضل الأنبياء والمرسلين،
أمَّا بعد:
فأرحِّبُ بكم أيُّها المشاهدون الكرام، وأيُّها الحاضرون، وأسأل الله -جلَّ وعلا-
لكم التَّوفيق لخيري الدنيا والآخرة، أمَّا بعد.
فكنَّا قد ابتدأنا بابَ شروطِ الصَّلاة، وذكرنا عددًا مِن شروط الصَّلاة، ولعلَّنا
اليوم أن نتحدَّث عن شيءٍ مِن المنهيَّات في الصَّلاة، فنبتدئ بقراءة كتاب المحرر
في باب المنهيَّات في الصَّلاة.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ،
وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللمستمعين وللمشاهدين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ زَيدٍ بنِ أَرْقَم رضي
الله عنه قَالَ: إِنَّا كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاة عَلَى ِعَهْدِ النَّبي
صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلوات وَالصَّلاة الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾
[البقرة: 238]، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، ونُهِينا عَنِ الْكَلَامِ. مُتَّفقٌ
عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيِّ: ونُهِينا عَنِ الْكَلَامِ)}.
الحمد لله رب العالمين، وبعد.
قوله هنا: (وَعَنْ زَيدٍ بنِ أَرْقَم رضي الله عنه قَالَ:
إِنَّا كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاة)، أي: كان هذا الأمر في أوائل
الإسلام، يُكلِّمُ الإنسان غيره أثناء صلاته، ولا يؤثِّر هذا على الصَّلاة،
قال: (يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى
نَزَلَتْ: ﴿حَافِظُو﴾) المحافظة قد تكون بأداء
هذه الصَّلوات في أوقاتها، وقد تكون بالمحافظة على شروطها وأركانها، وقد يكون هذا
شاملًا لأداءِ سُننها ومستحبَّاتها.
وقوله: ﴿عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ يحتمل أن يُراد به
الصَّلوات الخمس، وتكون "ال" هنا عهديَّة، ويحتمل أن يكون المراد: جميع الصَّلوات،
وبالتَّالي تشمل ما كان منها نفلًا.
وقوله: ﴿وَالصَّلاة الْوُسْطَى﴾ هذا مِن عطف الخاصِّ
على العام، فإنَّ الصَّلاة الوسطى إحدى أنواع الصَّلوات.
وقد اختلف العلماء في تحديد المراد بالصَّلاة الوسطى على أقوال متعدِّدة، وقد جاء
كلُّ قولٍ من هذه الأقوال بوصفِ إحدى الصَّلوات اليوميَّة بأنَّها الصَّلاة الوسطى،
وأظهر الأقوال في هذا: أنَّ المراد صلاة العصر؛ لأنَّ أوَّل الوقت في أول اليوم
صلاة الفجر والظهر، وبالتَّالي هناك خمس صلوات فثالثة الصَّلوات هي الصَّلاة
الوسطى؛ ولأنَّ ذلك قد وَرَدَ عن جماعاتٍ مِن الصَّحابةِ مرفوعًا وموقوفًا.
وقوله: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ فيه دلالة على
أنَّ القيام ركنٌ مِن أركانِ الصَّلاة، لا تصحُّ الصَّلاة إلا به.
وقوله: ﴿لِلَّهِ﴾ فيه إيجاب إخلاص النِّيَّة لله -عز
وجل- في الصَّلوات، فلا يجوز لإنسان أن ينوي بصلواته غير وجه الله.
وقوله: ﴿قَانِتِينَ﴾ أي: خاضعين ذليلين، ويستفاد من
هذا: النَّهي عن الكلام أثناء الصَّلاة.
قال: (فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ) هذا تفسير للآية،
أين السكوت؟ يعني: أثناء الصَّلاة، فلا يجوز لإنسانٍ أن يُحادِث غيره أثناء
الصَّلاة، كما أُخذ مِن هذا أن الكلام مُؤثِّرٌ على صحَّة الصَّلاة.
وقوله: (ونُهِينا عَنِ الْكَلَامِ) هذا لفظٌ عام،
يشمل جميع أنواع الكلام.
وقال: (مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي البُخَارِيِّ:
ونُهِينا عَنِ الْكَلَامِ).
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم:
«التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ والتَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ فِي
الصَّلاة»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَقدْ رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ يُسَبِّحُونَ وَيُشِيرُونَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَلمْ يَقُلِ
البُخَارِيُّ: «فِي الصَّلاة» وَلَا ذَكَرَ قَولَ
ابْنِ شِهَابٍ)}.
قوله: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم:
«التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ») هذا الحديث له
سبب، وهو: أنَّ الصَّحابة -رضوان الله عليهم- نابهم شيءٌ في صلواتهم، فتكلَّموا
أثناء الصَّلاة، فبيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم المشروع في هذه الحال، فقال:
«التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ»، فهذا فيه دلالة على أنَّ التَّنبيه إمَّا أن
يكون بلفظ التَّسبيح، وهو: "سبحان الله"، وهذا في غير القراءة، فإنَّ الإمام لو
أخطأ في القراءة، فَتَحَ عليه المأموم بغير لفظ التَّسبيح.
وقوله: «لِلرِّجَالِ» فيه إشارة لاختصاص
التَّسبيح أثناء الصَّلاة بالرِّجال، ممَّا يعني أنَّ النِّساء لا يدخلن في هذا
الحكم.
قال: «والتَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ»، التَّصفيق: المراد
به ضربُ إحدى اليدين بالأخرى. وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث:
«والتَّصْفِيحُ» بالحاء، وقالت طائفة مِن أهل العلم: المراد بذلك أن يضرب
بأصابع يده اليُمنى على ظهر كفِّه اليُسرى. والمعنى في التَّفريق بين الرِّجال
والنَّساء: أنَّ أصوات الرِّجال لا يمكن أن يتأثَّر بها أحدٌ من المصلين، بخلاف
أصوات النِّساء.
قوله: «والتَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ فِي الصَّلاة» هذه
الجملة فيها اختلاف، فبعض الرواة أثبتها، وبعض الرواة لم يثبتها، وإثباتها واردٌ
بطرقٍ صحيحة.
(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) هو: محمد بن عبد الله بن مسلم
بن شهاب الزهري، وهو إمام من أئمة الحديث، قال: (وَقدْ
رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسَبِّحُونَ وَيُشِيرُونَ)، قوله
(يُسَبِّحُونَ): يحتمل أن يُراد به لفظة التَّسبيح، ويحتمل أن يُراد به صلاة
النَّافلة، فإنَّها يُقال لها هذا الاسم.
قال: (وَيُشِيرُونَ) أي: أثناء الصَّلاة، وقد وقع
اختلاف بين العلماء في الإشارة، هل هي مؤثرة أم لا.
{(وَعَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ
أَبِيه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَفِي
صَدْرِهِ أَزِيزٌ كأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكاءِ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ -فِي "الشَّمَائِل" وَابْنُ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ
وَعِنْدهُ: وَقَالَ: يَعْنِي: يَبْكِي. وَقَدْ وَهِمَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مَنْ
قَالَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَاللهُ أعْلَم)}.
قوله: (وَعَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ،
عَنْ أَبِيه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي)
فيه مشروعيَّة الاقتداءِ بالنَّبي صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة، وأنَّ الصَّحابة
حرصوا على نقل أحواله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة.
قال: (يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كأَزِيزِ الْمِرْجَلِ
مِنَ الْبُكاءِ)، الْمِرْجَلِ: القِدر أو الإناء يوضع على النَّار، فإذا غلى
بدأ يخرج منه صوت، وفي هذا دلالة على أنَّ الكلام اليسير المرُكَّب مِن أحرف يسيرة،
كحرفين ونحوه، أنَّه لا يؤثِّر على الصَّلاة، ولا تبطل الصَّلاة به.
{(بَابُ صِفَةِ الصَّلاة
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ
الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبي صلى
الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ:
«ارْجِعْ فَصَلِّ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ
عَلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ
فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» -ثَلَاثًا-، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثَكَ بِالْحَقِّ
نَبيًّا مَا أُحسِنُ غَيرَهُ فَعَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذا
قُمْتَ إِلَى الصَّلاة فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ
فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن، ثُمَّ ارْكَعْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ
اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا،
ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ،
وَهَذَا لفظُ البُخَارِيِّ)}.
قال المؤلف: (بَابُ صِفَةِ الصَّلاة)، أي: الطَّريقة
التي يمكن للعبد أن يؤدَّيها في الصَّلاة بحيث تبرأ ذمته بذلك الأداء.
وذكر المؤلف عددًا من الأحاديث في صفة الصَّلاة، أوَّلُها: حديث أبي هريرة -رضي
الله عنه: (أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ
الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى) أي أنَّ هذا الرَّجل دخل بعد دخول
النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فَصَلَّى) يحتمل أن تكون تحيَّة المسجد،
ويحتمل أن تكون فريضة فائتة عليه، والأوَّل أرجح.
قال: (فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ) يعني:
إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
(فَسَلَّمَ عَلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم) فيه
مشروعيَّة السَّلام.
(فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام) فيه مشروعيَّة الرَّد.
(فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم
«ارْجِعْ فَصَلِّ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»)
فهنا نفى عنه أن يكون له صلاة، فكأنَّه يقول: صلواتك الماضية لا قيمة لها.
قوله: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فيه
نفي الصَّلاة عن هؤلاء.
قال: (فَصَلَّى) ذلك الرَّجل، يعني الصَّلاة التي
فاتته إعادةً، (ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبي صلى
الله عليه وسلم فَقَالَ: «ارْجِعْ») أي: عُد
إلى مكان المُصلَّى الذي صلَّيت فيه قبل قليل، «فَإنَّكَ
لَمْ تُصَلِّ» ثلاث مرات، هذا حديث أبي هريرة.
فقال: (وَالَّذِي بَعثَكَ بِالْحَقِّ نَبيًّ) هذا
قَسَمٌ (مَا أُحسِنُ غَيرَهُ فَعَلِّمْنِي) أي: لا
أُحسن غير الطريقة، فعلمني كيف أصلي.
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إِذا قُمْتَ إِلَى
الصَّلاة» فيه وجوب القيام في الصَّلاة في أوَّلها.
قال: «إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاة فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ»
فيه مشروعيَّة إسباغ الوضوء بإمرار الماء يقينًا على كلِّ عضوٍ مِن أعضاءِ الوضوء.
قال: «ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ» فيه اشتراط
استقبال القبلة، وقد تقدَّم الكلام فيه.
قال: «فَكَبِّرْ» هذه التَّكبيرة تكبيرة الإحرام في
أوَّل صلاته، وفيه دلالة على أنَّ تكبيرة الإحرام ركنٌ مِن أركان الصَّلاة.
قال: «ثُمَّ اقْرَ» فيه تَعيُّن القراءة في أثناء
الصَّلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث تقييدها بالفاتحة.
قال: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن»
أي: علِّمها كيف تقرأ هذه السور من القرآن.
حديث أبي هريرة هذا يسمى حديث المسيء في صلاته، ووردنا أنَّه أخبره بعددٍ مِن أركان
الصَّلاة، فطائفة قالت: إنَّ هذا هو الواجب وفقط، وما عداه ليس بواجبٍ.
وطائفة قالت: لا يمنع أن نقيِّد هذه الألفاظ بما ورد في الأدلَّة الأخرى، التي
تدلُّ على واجباتٍ أخرى في السُّجود.
قال: «ثُمَّ ارْكَعْ»، فيه أنَّ الرُّكوع مِن أجزاء
الصَّلاة وأركانها.
قال: «حَتَّى تَطْمَئِنَّ» فيه إيجاب الطُّمأنينة في
الصَّلاة[76] وهو مذهب الجمهور، خلافًا للإمام أبي حنيفة -رحمه الله- فهو لا يرى
وجوب الطُّمأنينة.
إذن عندنا طمأنينة وعندنا خشوع، الطُّمأنينة واجبة، والخشوع مستحب.
ما ضابط الطُّمأنينة؟
أن يستقرَّ كلُّ عضوٍ مِن الأعضاء على هيئة الركن قيامًا وقعودًا وركوعًا وسجودًا.
قال: «حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى
تَعْتَدِلَ قَائِمً»
فيه: أنَّ الرَّفع والاعتدال قائمًا مِن واجبات الصَّلاة، وقد اختلف العلماء في مثل
ذلك على أقوال ثلاثة كما ذكرنا قبل قليل.
قال: «ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدً» فيه
أنَّ السُّجود مِن أركان الصَّلاة، وأنَّ الطُّمأنينة من الأمور المتعيِّنة فيها.
قال: «ثُمَّ ارْفَعْ» أي: ارفع من السجود،
«حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ
ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَ»،
فهذه أركانٌ مِن أركانِ الصَّلاة، وفيه دلالة على أنَّ الطُّمأنينة مِن أركانها.
وقد تقدَّم معنا أنَّ بعضهم يرى أنَّ حديثَ ذي اليدين أكمل الواجبات، فلا يجب شيء
من خارجه، وبعضهم قال: إنَّ حديث ذي اليدين يُقيَّد بأحاديثٍ أخرى ونصوصٍ أخرى.
{أحسن الله إليكم. ذكرتم في هذا الحديث أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم
الصَّحابة الواجبات والأركان في الصَّلاة}.
هذا أحد الأقوال.
{وقال له: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ
الْقُرْآن»}.
قال: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن»،
فحملناه على ما ورد في النُّصوص الأخرى من إيجاب الفاتحة.
هذا الحديث هناك مَن يرى أنَّه هو الواجب وفقط، وما عداه فليس بواجب، وهناك مَن يرى
أنَّ هذا الخبر يُعتبر بمثابة أساس، ولكن هناك واجبات ومتمِّمات في غيره.
{أحسن الله إليكم. (وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو بنِ عَطاءٍ:
أَنَّه كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم
فَذَكرْنَا صَلَاةَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو حُمَيدٍ
السَّاعِدِيُّ: أَنا كُنتُ أَحْفَظَكُم لصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
رَأَيْتُهُ إِذا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذا رَكَعَ
أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذا رَفَعَ
رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يعودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذا سَجَدَ وَضَعَ
يَدَيْهِ غَيرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، واسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ
رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ
الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ
رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. رَوَاهُ
البُخَارِيُّ)}.
هذا الحديث فيه صفة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[77]،
واستدلَّ بعضهم على أنَّه لا يجب إلا المذكور في ذلك، والصَّواب: ما دلَّ عليه
الدليل قلنا بوجوبه من أفعال الصَّلاة.
وفي الحديث: استحباب الجلوس مع أهل العلم للتَّعلم منهم، وأخذ الفوائد والأحاديث.
قوله: (كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبي
صلى الله عليه وسلم فَذَكرْنَا صَلَاةَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو
حُمَيدٍ السَّاعِدِيُّ) وهو أحد الصَّحابة -رضوان الله عليهم-
(أَنا كُنتُ أَحْفَظَكُم لصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) فيه
دلالة على أنَّ رواية الأحاديث ينبغي أن تكون بالحفظ والإتقان، مَن لم يكن حافظًا
فإنَّه لا يروِ، وفيه أنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، فمثلًا:
الصَّلاة واجبة ولا تتمَّ إلا بالوضوء، وبالتَّالي يكون الوضوء واجبًا، ومثله في ما
يتعلَّق بالحفظ، العلم لا يبقى إلا بحفظه، فيكون حفظه واجبًا؛ لأنَّ إبقاء
الشَّريعة مِن الواجبات.
قال: (رَأَيْتُهُ) يعني في الصَّلاة
(إِذا كَبَّرَ) يعني تكبيرة الإحرام، (جَعَلَ
يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) يعني يجعل اليدان حذو المنكبين، والمَنكِب:
هو المفصل الذي بين الكتف وبين العضد.
وقد اختلف العلماء في هذا الرَّفع، فالتَّكبيرات فيها خلاف في عهد الصحابة، ثم
استقر القول بوجوبها.
قوله: (جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) أي أنَّ
اليدين تصبح بإزاء -أو على مستوى واحد- مع المنكبين.
والعلماء لهم أقوال في ذلك:
- فمنهم مَن يرى أنَّ هذا التَّكبير يكون مع
محاذاة اليدين للمنكبين.
- وهناك مَن جعل مع التَّكبير قال:
(رَأَيْتُهُ إِذا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ).
متى يجعل اليدين حذو المنكبين؟
إمَّا أثناء الانتقال، وهو الأرجح، وإمَّا أن يكون قبله بقليل.
قال: (إِذا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ،
وَإِذا رَكَعَ) في هذا استحباب وضع اليدين حذو المنكبين، في الركوع، وفي
الرفع منه.
قال: (وَإِذا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ)،
أي: جعل اليدين على الركبتين وفسَّحهما.
(ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ) أي: ضغطه ليكون مستويًا.
(فَإِذا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى) أي: إذا رفع رأسه
من الركوع.
(اسْتَوَى): أي بقي واقفًا مستويًا.
(حَتَّى يعودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ) المراد
بالفِقَار: عظام الظَّهر، ولذلك يقولون: العمود الفقري، وبالتَّالي قوله:
(حَتَّى يعودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ)
أي: كل عظم وكل مفصل يعود إلى مكانه.
هل المراد مكانه في أصل الخلقة؟ أو مكانه قبل الركوع؟
مثال ذلك: في مسألة وضع اليد اليُمنى على اليد اليُسرى أثناء الصَّلاة بعد
التَّكبير، هذا ما قال الجمهور به، أمَّا بعد الرُّكوع، فنقول: هذا مبنيٌّ على هذه
اللفظة (حَتَّى يعودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ) هنا
فِقَار عظام الظهر، أي: فقرات الظهر، فهل المراد (مَكَانَهُ)،
يعني في أصله خلقته، وبالتَّالي لا يُشرع لنا رفع اليدين، أو يكون المراد بذلك هو
ما كان عليه قبل التَّكبير، فهذا أوجب الخلاف بين أهل العلم، وللعلماء في هذه
المسألة ثلاثة أقوال:
- منهم من يقول: يُستحب وضع اليد اليمنى على
اليد اليسرى بعد الركوع، وهذا مذهب الشافعي.
- ومنهم من يقول: إنَّه لا يستحب، بل قد يقول
قائلهم: لا يُشرع.
- ومنهم من يقول: إنَّه مُخَيَّرٌ في هذه
الحال.
{أحسن الله إليك. (وَعَنْ عَليِّ بنِ أَبي طَالبٍ رضي الله
عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ إِذا قَامَ إِلَى
الصَّلاة قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للَّذِي فَطَرَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنا مِنَ الْمُشْرِكين، إِنَّ صَلَاتِي
ونُسُكِي وَمَحْيايَّ ومَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالمينَ لَا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا مِنَ الْمُسْلِمينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنا عَبدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، واهْدِنِي لأَحْسنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي
لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، واصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَها لَا يَصْرِفُ عَنِّي
سَيِّئَها إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ
وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنا بِكَ وَإِلَيْكَ, تَبَارَكتَ وَتَعَالَيْتَ,
أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»، وَإِذا رَكَعَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي
وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي»، وَإِذا رَفَعَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ
الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ»، وَإِذا
سَجَدَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ،
سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ,
تبَاركَ اللهُ أَحسنُ الْخَالِقِينَ»، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ
بَينَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللَّهُمَّ اغْفِر لي
مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا
أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ
الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
حديث علي رضي الله عنه هذا فيه استحباب قول هذا الذِّكر في دعاء الاستفتاح،
«وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ»، وفي هذا الحديث: مشروعيَّة القيام للصَّلاة.
وقوله هنا: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للَّذِي فَطَرَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» أي: قصدت في مقصدي أن يكون أمري لله -سبحانه
وتعالى.
قوله: «حَنِيفً» أي: مائلًا عن الشِّرك إلى
التَّوحيد.
قال: «وَمَا أَنا مِنَ الْمُشْرِكين، إِنَّ صَلَاتِي»
أي: ما أدَّيت من الصَّلوات.
قوله: «ونُسُكِي» أي: ما ذبحته مِن الهدي.
قوله: «وَمَحْيايَّ ومَمَاتِي» أي: ما فعلته مِن
أنواع الطَّاعات والمعاصي كله
«للهِ رَبِّ الْعَالمينَ لَا شَرِيكَ لَهُ»، هو
المتَفرِّد بتصريف أمورنا، كما قال:
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات:
96]، قال: «وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا مِنَ الْمُسْلِمينَ».
ثم قال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ» فيه سؤال بصفات الله وبربوبيته، «أَنْتَ
رَبِّي وَأَنا عَبدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي
ذُنُوبِي جَمِيعً» فيه استحباب هذا الذِّكر في دعاء الاستفتاح، وبه قال
الإمام الشَّافعي.
وأحمد ومالك قالوا: دعاء الاستفتاح أن يقول: «سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وتَباركَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ
غَيْرُكَ»[78].
وقال بعضهم بألفاظٍ أخرى وردت في أحاديث أخرى، وقد أشرنا إلى ذلك في ما مضى في ما
يقال في دعاء الاستفتاح.
وقد عيب على الإمام الشَّافعي أخذه بهذا الحديث من جهات:
الجهة الأولى: أنَّ الرِّوايات الأخرى أرجح منه.
الجهة الثَّانية: الإمام الشَّافعي لم يقل بمشروعيَّة جميع هذا الذِّكر، وإنَّما
اختار أوله، وبالتَّالي لم يُعوَّل على اختياره في هذا.
وقوله: «أَنْتَ رَبِّي وَأَنا عَبدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعً» اعترفت أي: أقررت
بأنِّي قد أقدمت على معصيتك.
وقوله: «إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»
فيه الإقرار بذلك قربة لله -عز وجل.
ثم ذكر ما يتعلَّق بهذه الألفاظ الواردة في هذا الدُّعاء.
قال: (وَإِذا رَكَعَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي
وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي») فيه مشروعيَّة قول هذا في
الرُّكوع، وقد تقدَّم معنا خلاف العلماء في الأخذ بهذا الخبر.
قال: (وَإِذا رَفَعَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ») وورد في بعضها:
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمدُ» بالواو، وورد
في بعضها: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمدُ»، واختلفوا في
لفظة: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ»، بدون شيءٍ من
هذه المقدِّمات.
قال: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ»، ما المراد
بالحمد؟ الوصف بالجميل الاختياري، فكلُّ فعلٍ جميلٍ يكتسبه الإنسان اختيارًا يقال
له حمد.
إذن الحمد ما هو؟ الوصف بالجميل بالفعل الطيب الحسن الذي يقع اختيارًا، فنحن نُقرُّ
بأنَّ الحمد الكامل الذي لا يعتريه نقص يكون لله -سبحانه وتعالى.
وقوله: «مِلْءَ السَّمَاوَاتِ» يعني أنَّ هذا الحمد
سيكون ملء هذا المكان.
قال: (وَإِذا سَجَدَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي
لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ, تبَاركَ اللهُ أَحسنُ
الْخَالِقِينَ»)، فهذا ذكرٌ مشروعٌ، وقد أشرنا إلى الاختلاف في
مشروعيَّة ما ورد في هذا الخبر بناءً على ما ورد في النُّصوصِ في هذا الباب.
قال: (ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَينَ
التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ)
فيه مشروعيَّة الدُّعاء بين التَّشهد والتَّسليم، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة
كحديث ابن مسعود لما ذكر التَّشهد، قال: «ثم ليدع بما شاء»[79].
قال: «اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قَدَّمْتُ» أي: ما
فعلته سابقًا.
«وَمَا أَخَّرْتُ» أي: ما سأفعله في المستقبل.
«وَمَا أَسْرَفْتُ» أي: ما تجاوزت به حدَّ المأذون في
الشَّرع.
«وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ
وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ»
تُقدِّم مَن شئت، وتؤخِّره ما شئت، قال: «لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ».
بدأنا الآن في أحاديث الاستفتاح، والاستفتاح الأول الذي ورد في هذا الخبر اختاره
الإمام الشَّافعي، لكن لوحظ أنَّه لا يقول بمشروعيَّة جميع الدعاء في الاستفتاح،
وذهب مالك وأحمد إلى أنَّه يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ وتَباركَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».
{أحسن الله إليك. (وَعَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله
عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلاة
بِاللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وتَباركَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ
غَيْرُكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «اللهُ أَكبرُ كَبِيرً»،
ثُمَّ يَقُولُ: «أَعوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» رَوَاهُ
أَحْمدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ ماجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
-وَهَذَا لَفظُهُ- منْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَقدِ احْتجَّ بِهِ
مُسلمٌ عَنْ عَليِّ بنِ عَليِّ الرِّفَاعِي، وَقد وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِين، وَأَبُو
زرْعَةَ عَنْ أبي المـتَوَكلِ عَنْ أَبي سَعيدٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقدْ
تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، كَانَ يَحْيَى بنُ سَعيدٍ يتَكَلَّمُ فِي عَليِّ بنِ
عَليٍّ. وَقَالَ أَحْمدُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الحَدِيثُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد:
هَذَا الحَدِيثُ يَقُولُونَ هُوَ عَنْ عَليِّ بن عَليٍّ، عَنِ الْحسنِ -رَحِمَهُ
اللَّهُ- والْوَهْمُ منْ جَعْفَرٍ)}.
ذكر المؤلف هنا حديثَ أبي سعيد في دعاء الاستفتاح، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم
(كَانَ)، وهذه تفيد الاستمرار،
(إِذا قَامَ إِلَى الصَّلاة بِاللَّيْلِ كَبَّرَ)
ظاهر هذا أنَّه لم يكن يقول لفظ النِّيَّة، وبالتَّالي قلنا إنه لا يُشرع للإنسان
أن يتلفَّظ بالنية، إذ لو كان هذا مشروعًا مستحبًا لفعله رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
قال: (كَبَّرَ) يعني: تكبيرة الإحرام، وفيه أن تكبيرة
الإحرام ركن في الصَّلاة.
(ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ») أي: أُثبت الطَّهارة لك يا الله.
«وَبِحَمْدِكَ» أي: بجميل صفاتك.
«وتَباركَ اسْمُكَ» أي: تكاثر وعظمت البركة فيه.
«وَتَعَالَى جَدُّكَ» أي: ارتفعت منزلتك ومكانتك.
«وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ». قال جماعة: إنَّه مستحب في
دعاء الاستفتاح، وقد نوزع بأنَّ هذا إنما ورد في صلاة الليل.
قال: (ثُمَّ يَقُولُ: «اللهُ أَكبرُ
كَبِيرً»، ثُمَّ يَقُولُ: «أَعوذُ بِاللَّهِ
السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ
وَنَفْثِهِ») واختلف العلماء في الاستعاذة، هل تُقال قبل قراءة
الفاتحة أو لا:
قال الإمام مالك: لا تُقرأ، مالك يقول: دعاء الاستفتاح، والبسملة، والاستعاذة؛ كل
هذه من البدع، ولا يجوز أن تقال في الصَّلاة، ويبتدئ بقراءة الفاتحة مباشرة.
والجمهور يقولون: هذه الأمور مستحبَّة؛ لثبوت فعلها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم
في أحاديث منها هذه الأحاديث.
قوله: «أَعوذُ» أي ألتجئ.
«بِاللَّهِ السَّمِيعِ» السَّميع: هو الذي يُدرك المسموعات، والذي يجيب
الدعاء، والذي يحمي أولياءه. قال: «الْعَلِيمِ» مِن
صفة العلم، فالله متَّصفٌ بهذه الصِّفات، فأنا ألتجئ وأعوذ بالله -عز وجل-
«مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» من عدونا الشَّيطان الرجيم
«مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ»، فإنَّه لا يزال بالعبد في الوسوسة
حتى يُخرجه عن حاله.
{أحسن الله إليك. (وَعَنْ عَبْدةَ: أَنَّ عُمَرَ بنَ
الْخطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يَجْهرُ بِهؤلاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تبَاركَ اسْمكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ.
ذَكرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحهِ، لِأَنَّهُ سَمِعَهُ من غَيرهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى
شَرْطِهِ، فَإِنَّ عَبْدَة َبنَ أَبي لُبَابَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، بَلْ وَلَمْ
يَسْمَعْ مِنِ ابْنِهِ إِنَّمَا رَآهُ رُؤْيَةً. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأسْوَدِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ
الْكَلِمَاتِ. وَقَالَ الْمَرُّوذيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبدِ اللهِ عَنِ استفتاحِ
الصَّلاة فَقَالَ: نَذْهَبُ فِيهِ إِلَى حَدِيثِ عُمرَ. وَقدْ رُوِي فِيهِ مِنْ
وُجُوهٍ لَيستْ بِذَاكَ)}.
هذا الحديث فيه نوعٌ ثانٍ من أنواع دعاء الاستفتاح، وقد قال به الإمام أحمد،
والإمام أبو حنيفة، وهو أن يقول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ تبَاركَ اسْمكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)
وشرحنا لفظه في الحديث السَّابق له، وقد أشار المؤلفُ إلى شيءٍ ممَّا يتعلَّق
برواية هذا الخبر، وهناك مَن قال هذا الخبر إنَّما ورد في صلاة الليل.
وقوله: (كَانَ يَجْهرُ بِهؤلاءِ الْكَلِمَاتِ) فيه
جواز رفع الصَّوت بدعاء الاستفتاح، ولكن هذا الحديث موقوف على عمر، ليس مرفوعًا
للنبي صلى الله عليه وسلم.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضي اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلاة بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بـ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾، وَكَانَ إِذا رَكَعَ لم يُشْخِصْ
رَأْسَهُ وَلمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَينَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنَ الرُّكُوعِ لمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ
يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ
الْيُسْرَى وَينصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ
الشَّيْطَانِ، وَينْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِراشَ
السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاة بِالتَّسْلِيمِ. رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
قوله: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ
الصَّلاة بِالتَّكْبِيرِ) هذا فيه دلالة على أنَّ أوَّلَ الصَّلاة هو تكبيرة
الإحرام، وأنَّ تكبيرة الإحرام جزء مِن الصَّلاة.
ويستفتح القراءة بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾،
المراد الجهر بها، وقد استدلَّ مالك بهذا الخبر على عدم استحباب البسملة ولا
الاستعاذة ولا دعاء الاستفتاح. والجمهور يقولون: المراد بالقراءة هنا ما يُجهر به،
ولم يذكر هنا دعاء الاستفتاح، ولا الاستعاذة ولا البسملة.
قال: (وَكَانَ إِذا رَكَعَ لم يُشْخِصْ رَأْسَهُ) أي:
لم يجعله شاخصًا، (وَلمْ يُصَوِّبْهُ) يعني يجعله
عاليًا، وإنَّما (بَينَ ذَلِكَ)، أي: يجعله مستويًا،
(وَلَكِنْ بَينَ ذَلِكَ).
قال: (وَكَانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لمْ
يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمً)، وبذلك قال الجمهور خلافًا للإمام أبي
حنيفة.
قال: (وَكَانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لمْ
يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسً) فيه مشروعيَّة الطُّمأنينة في الجلوس،
كما قال الجمهور خلافًا لبعض الحنفية.
قال: (وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ)
هذا المراد به التَّشهد، فيذكره بعد الرَّكعتين، والمراد بالتَّشهد قولك:
«التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»[80]، فهذا يقال له
التَّشهد الأول، ويقال بين كل ركعتين.
قال: (وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) يفرش
رجله اليسرى، أي يجعلها مفروشة على الأرض، (وَينصِبُ
رِجْلَهُ الْيُمْنَى) أي يجعلها واقفة، ويجلس على رجله اليسرى.
وقد اختلف العلماء في جلسات الصَّلاة كيف هي، هناك كيفيتان:
- جلسة الافتراش: أن يفرش رجله اليسرى، كما
ورد في الخبر.
- جلسة التَّورُّك: أن ينصب رجله اليمنى،
ويدخل رجله اليسرى من تحت رجله اليمنى، بحيث يكون تحت الورك جزء يسير من الرجل،
فهذا يقال له تورُّك.
أيَّهما أولى؟
قال الإمام أبو حنيفة: الأولى الافتراش في جميع جلسات الصَّلاة.
وقال الإمام مالك: الأولى التَّورُّك مطلقًا.
وقال الإمام الشَّافعي: الأفضل الافتراش، إلا في جلسة التَّشهد الذي يعقبه سلام.
وقال الإمام أحمد: يفترش إلا في جلسة تشهدٍ ثانية.
إذن الخلاف بين أحمد والشافعي في مثل صلاة الفجر، فبعد الركعتان جلسة تحية بعدها
سلام. والفرق بين الافتراش والتَّورُّك تقرر عندكم، وعندنا قول أبي حنيفة واضحٌ.
يبقى عندنا قول أحمد وقول الشَّافعي:
فأحمد يقول: لا يتورك إلا في التَّشهد الثاَّني، مثل: الثَّالثة من المغرب،
والرَّابعة من العشاء.
طيب التَّشهد في سنَّة المغرب؟
أحمد يقول: يفترش.
الإمام الشافعي يقول: التَّورك يكون في جلسة تشهد يعقبها سلام، وبالتَّالي
الثنائية عند الإمام الشافعي يتورك فيها، خلافًا لأحمد.
قال: (وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ)
التَّشبه بالشَّياطين منهيٌّ عنه، وخصوصًا في الصَّلاة.
قال: (وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ)،
وهي أن يضع مؤخرته على عقبه.
قال: (وَينْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ
افْتِراشَ السَّبُعِ) يعني عند السُّجود بعض النَّاس يجعل ذراعيه على الأرض،
فهذا يُقال له افتراش، وهذا الافتراش منهي عنه، الواجب أن يضع الكفين فقط بدون
ذراعيه.
قال: (وَينْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ
افْتِراشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاة بِالتَّسْلِيمِ) فيه
دلالة على مشروعيَّة التَّسليم في الصَّلاة، وأخذ الجمهور مِن هذا الخبر: أنَّ
التَّسليم ركنٌ مِن أركان الصَّلاة.
وقال الإمام أبو حنيفة: التَّسليم ليس مِن أركان الصَّلاة، وإنَّما أُتي بالتَّسليم
للدَّلالة على الانتهاءِ والخروجِ من الصَّلاة. وعندهم يقولون: إذا خرج من الصَّلاة
بفعله صحَّت صلاته، والجمهور يقولون: لابدَّ مِن التَّسليم؛ لأنَّ التَّسليم ركنٌ،
وقول الجمهور أقوى.
{أحسن الله إليك. (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ:
«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ, فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذا
رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، فَقُولُوا:
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ, وَإِذا صَلَّى قَائِمًا فصَلُّوا قِيَامًا,
وَإِذا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ،
وَاللفْظُ لمسلمٍ)}.
هذا الحديث، قال: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ
بِهِ»، أي يُقتَدى به في أفعال الصَّلاة، ففيه دلالة على أنَّ المأموم لا
يجوز له أن يتقدَّم الإمام، ولا أن يجاريه في أفعاله.
قوله: «فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُو»، فيه أنَّ من
أركان الصَّلاة التَّكبير، وفيه أنَّ تكبير المأموم لابدَّ أن يَعقُب تكبيرَ
الإمام.
قوله: «وَإِذا رَكَعَ فَارْكَعُو»، كذلك لا يجوز
التَّقدم على الإمام في الرُّكوع.
«وَإِذا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، فَقُولُوا:
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ»،فيه دلالة على أنَّ الإمام يقول:
«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه»، قال بعض العلماء: وفيه دلالة على أن الإمام
لا يقول: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ»، ولكن الصَّواب
أنَّه يقولها، وقد ورد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قالها.
وقوله: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ»،
استدلَّ به أحمد وجماعة على وجوب هذا اللَّفظ في الصَّلاة، وأنَّه واجب.
قال: «وَإِذا صَلَّى قَائِمًا فصَلُّوا قِيَامً» فيه
وجوبُ القيامِ متابعةً للإمام.
قال: «وَإِذا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا
أَجْمَعُونَ» فيه أنَّ الإمام إذا صلى جالسًا مِن أوَّلِ صلاته صلَّى
المأموم كذلك، وبهذا قال أحمد. وخالفه الجمهور، وقالوا: إنَّ الإمام إذا صلى جالسًا
فإنَّ المأموم يُصلي قائمًا.
واستدلُّوا عليه بآخر حال النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى أبو بكر بصلاته، مع
أنَّه جالس، ولعلَّ قول أحمد أقوى في هذه المسألة، لأنَّه هو الذي تجتمع به
النُّصوص الواردة في هذا الباب.
أسأل الله -جلَّ وعلا- أن يوفقنا وإيَّاكم لكلِّ خيرٍ، وأن يجعلنا وإيَّاكم مِن
الهداة المهتدين، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه
أجمعين.
-------------------------
[76] أي: ركن من أركان الصلاة.
[77] البخاري ومسلم عَنِ أَبِي قِلابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ
مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ
الصَّلاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ.
[78] صحيح مسلم (611).
[79] جاء من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التَّشهد، ثم
قال في آخره : «ثم يَتَخَيَّرُ مِن المسألةِ ما شاءَ».
صحيح مسلم (402).
[80] صحيح البخاري (1133).