الحمد لله رَبِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أمَّا
بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم عِلمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، وأن
يجعل أعمالنا وإياكم خالصةً لوجهه الكريم، وبعد.
فهذا لقاءٌ آخر نتدارس فيه شيئًا مِن أحكام الطَّهارات، وقد مضى معنا في آخر لقاء
أحكام الغسل، وصفة الغسل، والأحكام المتعلِّقة به، وفي هذا اليوم -بإذن الله عزَّ
وجلَّ- نتدارس "باب الحيض".
وباب الحيض يتعلق بمسائل خاصة بالنِّساء.
الحيض: هو دم جِبلَّة، يخرج من المرأة، ولكن إذا لم تحض بقي عندها دم زائد، يخرج من
فرجها، وأمَّا إذا حملت المرأة فإنَّها لا تحيض.
وهناك فرق بين دم "الحيض"، ودم "الاستحاضة"، فالاستحاضة: هو جُرح يُصيب المرأة، ليس
له وقت منتظم.
وكون المرأة تحيض، ليس فيه نقصان لحالها، وقد قال النَّبي صلى الله عليه وسلم
لعائشة لما حاضت وحزنت، قال: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ الله
عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»[44]، فهذا الشيء مقرر، و"كَتَبَهُ" أي: قضاه وقدَّره
على بنات آدم.
والحيض علامة مِن علامات البلوغ، فإذا حاضت المرأة، دَلَّ هذا على بلوغها.
ما هو السن الذي تحيض فيه المرأة؟
وُجد مِن النِّساء مَن تحيض على تسع سنوات، وعلى عشر، وعلى إحدى عشرة، وعلى أربعة
عشر، وخمسة عشر.
وهكذا في آخر سنِّ المرأة يتوقف دم الحيض، كما قال تعالى:
﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ﴾ [الطلاق: 4]، أي:
توقف الحيض عندهن، فغالب النِّساء قد يتوقف عند خمسين، وقد يزيد إلى ستين، وقد يكون
بعد ذلك في بعض النِّساء.
ودم الحيض أقله يوم وليلة، ولا يذكرون حدًّا في كثرته، وإن كان الغالب أن يكون ستة
إلى سبعة أيام، والطُّهر الذي يكون بين الحيضتين أقله ثلاثة عشر يومًا.
والصَّواب أنَّ أكثر الحيض نصف الشَّهر -خمسة عشر يومًا- ومَا زَادَ على ذلك
فإنَّنا نعتبره استحاضة، وبالنِّسبة لأقل الطُّهر بين الحيضتين فهو ثلاثة عشر
يومًا.
وهناك أحكام متعلقة بالحيض، منها:
- لا يجوز لزوجها أن يَقربها في وقت الحيض،
وذلك لقوله تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى
فَاعْتَزِلُوا النِّساء فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾
[البقرة: 222] أي: اغتسلن.
- ومن الأحكام أيضًا: أنَّ الحائض لا تطوف
بالبيت؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:
«افْعَلِي مَا يَفْعَلُ اَلْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»[45].
- ومن الأحكام أيضًا: أنَّ الحائض لا تُصلي
ولا يجب عليها القضاء، كما قالت عائشة: كنَّا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فنُؤمر بقضاء الصَّوم، ولا نُؤمر بقضاء الصَّلاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ»[46].
- ومن الأحكام: أنَّ الحائض لا تصوم، وإذا
مرَّ عليها أيام وجوب، فإنِّها تقضي ذلك الواجب.
ودم الحيضِ دمٌ نجسٌ، يجب غسل الثِّياب إذا وقع على شيء منها، والجمهور أيضًا
يُلحقون بدم الحيض غيرَه من أنواع الدِّماء.
وأمَّا بالنِّسبة للدم الآخر الذي يَلحق النِّساء: فهو دم النِّفاس، ويكون بعد
الولادة، وقد يتقدَّم الولادة بيومٍ أو يومين، ودم النِّفاس ليس لأقلِّه حد،
وإنَّما أكثره أربعون يومًا على الصحيح، لما ورد: «عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمً»[47]، وقد
تطهر قبل ذلك، فإذا طهرت قبل ذلك وجب عليها أن تغتسل وتصلي، إذا لم تطهر واستمرَّ
الدَّم معها، فإذا مضى أربعون يومًا وجب عليها أن تغتسل، وبعد ذلك يجب عليها أن
تصلي.
هذا جملة من أحكام الحيض والنِّفاس، ولعلنا -إن شاء الله- نأخذ بعض الأحاديث
الواردة في ذلك.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسول
الله وبعد.
قال المصنف -رحمه الله-: (بَابُ الحَيْضِ
رَوَى ابْنُ أَبي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو، عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبي
حُبَيْشٍ كَانَت تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ دَمَ الحَيْضِ دَمٌ أَسودُ يُعْرَفُ، فَإِذا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ
الصَّلاة، فَإِذا كَانَ الآخَرُ، فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّان، وَالدَّارَقُطْنِيُّ -وَقَالَ: رُوَاتُه
كُلُّهم ثِقَاتٌ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرطِ مُسْلِم، وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: قد رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غيرُ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ
مِنْهُم مَا ذكرَ ابْنُ أَبي عَدِيٍّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لم يُتَابَعْ
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرو عَلَى هَذِه الرِّوَايَة، وَهُوَ مُنكرٌ)}.
نعم، هنا إشكاليَّة كبيرة في باب الحيض، وفيها اختلاف كبير، وهي مسألة المُستحاضة،
فالدَّم الذي يخرج من المستحاضة ينقُض الوضوء، وهو حدث دائم، يلزم المرأة الوضوء
أَوَّل الوقت، ويكفي إلى بداية وقت الصَّلاة التي تليها، ولكن إذا كان الدَّم
مستمرًا ولا ينقطع، فكيف أُفرِّق بين وقت دم الحيض الذي تُمنع المرأة من الصَّلاة
فيه ويجب عليها الغسل عند انتهائه، ووقت الاستحاضة الذي يجب على المرأة أن تصلي
فيه؟
هناك ثلاث علامات، أو ثلاثة مناهج في التفريق:
المنهج الأول: باعتبار العادة، فإذا كان للمرأة عادة سابقة في الحيض، كما لو كانت
تحيض مِن أول الشَّهر، أو مِن وسط الشَّهر، لمدة سبعة أيام؛ فحينئذ تسير على عادتها
السَّابقة، وتجعل ما يقابل عادتها السَّابقة هو الحيض، وما عداه هو الطُّهر، أو
الاستحاضة، وذلك لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة:
«دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ»[48]، أيام الحيض السَّابقة اتركي
فيها الآن الصَّلاة.
المنهج الثاني: التفريق بحسب الأوصاف، فدم الحيض له صفات مُغايرة لدم الاستحاضة،
وهذه الصفات تظهر في ثلاثة أشياء:
- الشيء الأول: في اللون، فدم الحيض أسود، ودم
الاستحاضة أحمر، دم جرح.
- والثاني: في الثَّخانة، فدم الحيض ثخين، ودم
الاستحاضة خفيف.
- والثالث: في الرائحة، فدم الحيض فيه رائحة
منتنة، بخلاف دم الاستحاضة. فهذه علامات نفرِّق بواسطتها بين دم الحيض، ودم
الاستحاضة.
المنهج الثالث: التَّفريق بينهما بحسب الغالب، فغالب النِّساء يكون حيضهن ستة أيام
إلى سبعة أيام، فحينئذٍ تنظر إلى غالب نسائها كيف يحضن، وتجعل نفسها مثلهنَّ.
طيب متى وقته؟
إذا كان لها معرفة سابقة، فإنَّها تسير على معرفتها السَّابقة في بداية وقت الحيض،
وإذا لم يكن لها معرفة سابقة، جعلته مِن أول الشَّهر.
هناك اختلاف فقهي في أي المناهج السابقة يُقدم، ولذا فبعضهم يُقدِّم التَّمييز
بواسطة الأوصاف على التَّمييز بواسطة العادة السَّابقة، ولكن الأظهر والأرجح هو
القول بتقديم التَّمييز بحسب العادة السَّابقة على التَّمييز بواسطة الأوصاف. هذا
خلاصة هذا الباب.
{(وَعَنْ أَسمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ أَبي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا
وَكَذَا فَلَم تُصَلِّ)}.
هنا أسماء تسأل عن مسألة أختها، وفيه جواز أنَّ يسأل الإنسان عن سؤال غيره إذا
حدَّثه، وقوله: (فَلَم تُصَلِّ) هي جاهلة، فتركت
الصَّلاة لجهلها؛ لأنَّ الواجب عليها أن تترك الصَّلاة أيَّام الحيض، أمَّا أيام
الاستحاضة فلا تترك الصَّلاة، ولكنها ظنَّت أنَّ الاستحاضة تماثل الحيض في ترك
الصَّلاة.
{(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«سُبْحَانَ الله، هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ»)}.
أي أنَّ هذا الوهم الذي جعلها تترك الصَّلاة من الشيطان.
{(«لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذا
رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ المَاءِ، فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا
وَاحِدًا، َوَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وتَغْتَسِلْ
لِلْفَجْرِ غُسْلًا، وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرطِ مُسْلمٍ، وَقدْ
أَعَلَّهُ بَعْضُهُم)}.
هنا في قوله: «فَإِذا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ المَاءِ»،
هناك علامة للطُّهر، تكون عند بعض النِّساء، وهي مادة تخالف في طبيعتها ولونها
طبيعة الماء.
ماذا تفعل المستحاضة؟
المستحاضة مُخيَّرة بين أن تغتسل فتجمع بين الصَّلاتين، وبين أن تتوضأ لوقت كل
صلاة، وبالتَّالي لا تجمع بين الصَّلاتين، قال:
«فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، َوَتَغْتَسِلْ
لِلْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا،
وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ»
يعني: إذا احتاجت إلى فعل ما يُشترط له الطَّهارة.
{(وَعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ
أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم
أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ فَوَجَدتُهُ فِي بَيتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بنتِ جَحْشٍ،
فَقلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا
تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْني الصِّيامَ وَالصَّلاة، قَالَ:
«أَنعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ»، قَالَتْ: هُوَ
أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَتَلَجَّمِي»، قَالَتْ:
هُوَ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَاتَخِذِي ثَوْبً»،
قَالَتْ: هُوَ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًًّا. فَقَالَ النَّبي صلى
الله عليه وسلم: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيِّهِمَا
صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ»،
فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ،
فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللهِ، ثُمَّ
اغْتَسِلِي، فَإِذا رَأَيْتِ أَنَّكَ قَدْ طَهُرْتِ واسْتَنْقَأْتِ فَصلِّي
أَرْبعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وأَيَّامَهَا،
وَصُومِي وَصلِّي فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ
النِّساء وكما يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ
عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وتُعَجِّلي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ حِين
تَطْهُرِينَ وتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرينَ
الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وتَجْمَعِينَ بَينَ
الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وتُصَلِّينَ،
وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَهُوَ أَعْجَبُ
الْأَمْريْنِ إِلَيَّ»
رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا لَفظُهُ
وَصَحَّحَهُ، وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ أَحْمدُ بنُ حَنْبَل، وَحَسَّنَهُ البُخَارِيُّ،
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّدَ بِهِ ابْنُ عَقيلٍ، وَلَيْسَ بِقَويٍّ،
وَوَهَّنَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفرَّدَ بِهِ عبدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّد بنِ عَقيلٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الاحْتِجَاج به)}.
ذكر المؤلف هنا حديث حَمنة بنت جحش، وهي أخت زينب بنت جحش أمُّ المؤمنين،
ابنة عمة النَّبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (كُنْتُ
أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً)، أي: ينزل مِنها دم شديد كثير،
ويبدو أنَّها لم تكن تُميِّز بين حال الحيض، وحال الاستحاضة، وليس عندها عادة
سابقة، ولذلك أرشدها النَّبي صلى الله عليه وسلم أن تعمل بالغالب.
فقالت حمنة: (فَأَتَيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم
أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ فَوَجَدتُهُ فِي بَيتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بنتِ جَحْشٍ،
فَقلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا
تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْني الصِّيامَ وَالصَّلاة) لأنَّها كانت
تظن أنَّ الاستحاضة تمنع مِنَ الصوم والصَّلاة وهذا فهم خاطئ. فقال النَّبي صلى
الله عليه وسلم: «أَنعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ» الكرسف:
القطن
قال: («فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ»،
قَالَتْ: هُوَ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:
«فَتَلَجَّمِي») أي: خذي لجام يُمسك الدَّم
النازل، (قَالَتْ: هُوَ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:
«فَاتَخِذِي ثَوْبً») أي: قماشاُ يُمسك هذا الدَّم الخارج.
(قَالَتْ: هُوَ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ
ثَجًّا. فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم) في بيان الحكم الشرعي ماذا
تفعل («سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ
أَيِّهِمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ
أَعْلَمُ»، فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ
الشَّيْطَانِ») يحتمل أنَّ الاستحاضة هي ركضة من الشيطان، ويحتمل
أنَّ المراد تركها للصلاة من الشيطان.
قال: «فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ
فِي عِلْمِ اللهِ»
لماذا؟ لأنَّها ليس لديها عادة، ولا عندها قدرة على التَّمييز، ولذلك أرشدها إلى أن
تعمل بالغالب. قال: «فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ
سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذا رَأَيْتِ أَنَّكَ
قَدْ طَهُرْتِ واسْتَنْقَأْتِ فَصلِّي أَرْبعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا
وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وأَيَّامَهَ» يعني تعتبر هذه مدة الطُّهر، وبالتَّالي
يلزمها أن تصلي هذه الأيام.
قال: «وَصُومِي وَصلِّي» في هذه الأيام الثلاثة
والعشرين أو الأربعة والعشرين
«فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ».
قال: «وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ النِّساء وكما
يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وطُهْرِهِنَّ»، أي: مثل ما تفعل النِّساء
الحائضات فافعلي.
«فَإِنْ قَوِيتِ» أي كان لديك قوَّة ونشاط
«عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ»
فتصليه في آخر وقته «وتُعَجِّلي الْعَصْرَ» فتصليه في
أول وقته «فَتَغْتَسِلِينَ»
مع الجمع بين الصلاتين، فهذا جائز «فَتَغْتَسِلِينَ حِين
تَطْهُرِينَ وتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعً»، لكن من كانت تتوضأ
وتصلي كل صلاة في وقتها فلا يجوز لها الجمع، إنما يجوز الجمع إذا كانت تغتسل.
قال: «ثُمَّ تُؤَخِّرينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ
الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وتَجْمَعِينَ بَينَ الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي»
هذه طريقة
«وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وتُصَلِّينَ، وَكَذَلِكَ
فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ».
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْريْنِ إِلَيَّ») أي الاغتسال، فهو أفضل من
الوضوء.
(رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ،
وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا لَفظُهُ) وعبد الله بن عقيل من الرواة الذين اختلف
فيهم، والصَّواب أنَّه ضعيف الرواية.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ أُمَّ
حَبِيبَةَ بنتِ جَحْشٍ)}.
هنا موطن، هل أم حبيبة هذه هي حَمنة المذكورة قبل قليل؟ أو أنَّها امرأة أخرى؟
وكلاهما قد أصيبت بالاستحاضة.
{(الَّتِي كَانَتْ تَحتَ عبد ِالرَّحمنِ بنِ عَوْفٍ: شَكَتْ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا:
«امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي»،
فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
إذن أم حبيبة زوجة عبد الرحمن بن عوف، وزينب أختها زوجة النَّبي صلى الله عليه
وسلم، وحمنة أظنها زوجة الفضل بن عباس.
قال: (شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
الدَّمَ) لأنَّها مستحاضة ينزل معها الدَّم في كل وقت،
(فَقَالَ لَهَا: «امْكُثِي») أي: اتركي
الصَّلاة والصوم «قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ»،
أعادها إلى العادة.
إذن، عندنا ثلاثة أحاديث:
- حديث يقول: تعود على التمييز بالصفات.
- وحديث يقول: ترجع إلى عادتها السَّابقة.
- وحديث يقول: تعمل بغالب النِّساء.
والظاهر أنَّ عملها بالعادة السَّابقة هو المقدَّم، فمن كانت لها عادة سابقة عملت
به.
قال: «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ
ثُمَّ اغْتَسِلِي»، قال لها النَّبي صلى الله عليه وسلم:
«اغْتَسِلِي»، ففهمت منه أنَّها تغتسل لوقت كل صلاة، ولكن قوله هنا:
«اغْتَسِلِي» الظَّاهر أنَّه عند انتهاء وقت الحيض وابتداء وقت الاستحاضة.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:
اعْتَكَفْتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزوَاجِهِ،
وَهِي مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّم والصُّفْرَةَ، والطَّسْتُ تَحْتهَا
وَهِي تُصَلِّي. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد)}.
يُستفاد من الحديث أنَّ المستحاضة تعتكف، ويُستفاد أيضًا أنَّ المُستحاضة تُصلي،
وأنَّها قد ترى الدَّم والصُّفرة، وبالتَّالي لا يؤثر هذا على شيء من عباداتها.
وفي هذا الخبر -أيضًا- جواز اعتكاف النِّساء، وفيه كذلك أنَّ الصُّفرة خارج وقت
الحيض لا تُعد حيضًا.
{(وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعُدُّ
الكُدْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهر شَيْئًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَأَبُو
دَاوُد، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة البُخَارِيِّ: "بَعدَ الطُّهر". وَرَوَاهُ
الْحَاكِمُ مثلَ رِوَايَة أبي دَاوُد، وَقَالَ: عَلَى شَرطِهِمَ)}.
في حديث أم عطية تكلم عن الكُدْرَةَ والصُّفْرَةَ، ودم الحيض -كما تقدم- مائلٌ إلى
السواد.
لو كانت الصفرة والكدرة التي تخرج في غير زمن الحيض فإنَّها لا تُعد حيضًا، وإن
كانت في زمن الحيض فإنَّها تأخذ أحكام الحيض، ولذا قال:
(كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهر شَيْئً)
لأنَّها طهرت، لكن لو كانت متصلة بحيضتها، فإن لها أحكام الحيض.
{(وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه: أَنَّ الْيَهُودَ
كَانُوا إِذا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِم لم يُؤاكِلُوها وَلم يُجَامِعُوهُنَّ فِي
الْبيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبي صلى الله عليه وسلم النَّبي صلى الله عليه
وسلم، فَأنْزلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوا النِّساء فِي الْمَحِيضِ﴾[البقرة:222]
إِلَى آخر الْآيَة. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
في هذا الحديث قال: (الْيَهُودَ كَانُوا إِذا حَاضَتِ
الْمَرْأَةُ فِيهِم لم يُؤاكِلُوها وَلم يُجَامِعُوهُنَّ) أي: لم يجلسوا
معها في مجلس جامع في البيوت، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
النَّبيَّ عن ذلك.
فخص التَّحريم بالنِّسبة للحيض في أمر الجماع، وبالتَّالي يجوز مؤكلاتهن ومخاطبتهن
ومجالستهن، إلى غير ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ
أَذَىً﴾ أي أنَّ الحيض أذى يُلحق الضرر، وفي هذا دلالة على أنَّ الأحكام
الشرعيَّة جعلها الله محقِّقة لمصالح العباد.
ما المراد باعتزال النساء هنا في قوله سبحانه:
﴿فَاعْتَزِلُوا النِّساء فِي الْمَحِيضِ﴾؟
النَّبي صلى الله عليه وسلم فسَّره بالجماع، فقال:
«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» أو الجماع.
وقوله «النِّكَاحَ» فيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم استمتاع الزوج من زوجته وهي حائض بما هو أعلى من الصرة وأخفض
من الركبة، وهذا جائز بالاتِّفاق.
المسألة الثانية: الاستمتاع بالمرأة الحائض في فرجها، وهذا حرام بالإجماع والآية
صريحة فيه.
المسألة الثالثة: الاستمتاع بالمرأة فيما بين الصّرة والركبة في غير الفرج إذا كانت
المرأة حائضًا، فهل يجوز أو لا يجوز؟
قال الجمهور: لا يجوز، لما ورد في حديث عائشة: «كَانَ
رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي
وَأَنَا حَائِضٌ»[49] ثم أخبَرَت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم يأتيها
بعد ذلك.
والحنابلة يقولون: حديث «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا
النِّكَاحَ» أجاز كل شيء إلا الوطء، وقالوا: إنَّ حديث عائشة فعل نبوي، فلا
يدلُّ على المنع ممَّا عداه. ولعل قول الحنابلة في هذه المسألة أظهر.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ
أَغْتَسِلُ أَنا وَالنَّبي صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كِلَانَا
جُنُبٌ، وَكَانَ يَأْمُرُني فَأَتَّزِرُ، فَيُباشِرُنِي وَأَنا حَائِضٌ، وَكَانَ
يُخْرِجُ رَأْسَهُ إليَّ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنا حَائِضٌ. مُتَّفقٌ
عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ للْبُخَارِيِّ)}.
قولها: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَالنَّبي صلى الله عليه
وسلم) فيه جواز اغتسال الرجل مع أهل بيته، ولم يكونوا في الزمان الأول
يتجردون عند الاغتسال تجرُّدًا كاملًا، وكان من شأنهم في الاغتسال أن يصبوا الماء
على رؤوسهم، وبالتَّالي لا يطيلون وقت الاغتسال، ولا يسرفون في المياه.
قالت: (وَكَانَ يَأْمُرُني فَأَتَّزِرُ، فَيُباشِرُنِي
وَأَنا حَائِضٌ) هذا استدل به الجمهور على أنَّ الحائض لا يُباشر منها إلا
ما فوق الصُّرة وما تحت الركُّبة، وقول أحمد أنَّه يجوز للحديث السَّابق.
قالت: (وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إليَّ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ)
فيه أنَّ المعتكف يجوز له أن يخرج بعض أعضاء بدنه من المسجد، وأن هذا لا يفسد
الاعتكاف.
قالت: (فَأَغْسِلُهُ وَأَنا حَائِضٌ) فيه جواز لمس
الحائض للمصلي وللمعتكف ولغيرهما، قالت: (فَأَغْسِلُهُ
وَأَنا حَائِضٌ) يعني: تغسل رأس النَّبي صلى الله عليه وسلم.
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ
النَّبي صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ:
«يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
-وَصَحَّحَهُ-، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: "وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ،
قَالَ: «دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ» وَرُبَّمَا
لم يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ"، وَقَالَ ابْنُ السَّكَن: "هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلفٌ فِي
إِسْنَادِهِ وَلَفظِهِ، وَلَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا"، وَخَالفَهُ ابْنُ الْقَطَّان
وَصحَّحَ الحَدِيثَ، وَقَدْ وَهِمَ مَنْ حَكَى الاتِّفَاقَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَقَالَ
ابْنُ مَهْدِيٍّ: "قِيْلَ لِشُعْبةَ: إِنَّكَ كُنتَ تَرْفَعُهُ؟ قَالَ: إِنِّي
كُنْتُ مَجْنُونًا فَصَحَحْتُ")}.يعني صححت من الجنون.
هذا الحديث في مسألة وطء الحائض، هل فيه كفَّارة أو ليس فيه كفَّارة؟
الجمهور قالوا: ليس في وطء الحائض كفَّارة، إنَّما فيه التوبة؛ لأن الآية لم يذكر
فيها كفَّارة.
وذهب الإمام أحمد إلى أنَّ واطئ الحائض عليه كفَّارة واستدل بحديث ابن عباس، أنَّ
النَّبي صلى الله عليه وسلم قال فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ:
«يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ»[50]
هذا دليل على وجوب الكفَّارة، والصَّواب أنَّ الحديث صحيح الإسناد، جيد الإسناد.
وقوله هنا: «أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» قال بعضهم هو
بالخيار.
وقال بعضهم: نصف الدينار هذا في آخر وقت الحيض، أمَّا بداية وقت الحيض فإنَّه
يتصدَّق بدينار تام.
وبما أنَّ الحديث صحيح الإسناد، فالأصل أنَّنا نأخذ به ونعمل به ونبني الحكم عليه.
وقد أشار المؤلف إلى أن شُعبة في مرات يذكره من قول ابن عباس، وأكثر الرواة الذين
رووا الخبر يرونه متصلًا مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم. هذا آخر ما يتعلق بشرح
هذا الحديث معنا.
{(بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَذِكْرُ بَعضِ الْأَعْيَانِ
النَّجِسَة
عَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَنِ
الْخَمْرِ تُـــتَّخَذُ خَلَّاً؟ فَقَالَ: «لَ»
رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
النجاسة على نوعين:
- نجاسة عينيَّة لا يمكن تطهيرها كالخنزير
والكلب.
- نجاسة حكميَّة كما لو وقع على الثَّوبِ
نجاسة، فيُعد الثوبُ نجسًا، فهذه نجاسة حكمية وليست عينية، وبالتَّالي يمكن غسله
وتطهيره.
قال أنس: (سُئِلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ
تُـــتَّخَذُ خَلًّا؟)
الخمر حرام شربها، قال -تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ
مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[المائدة: 90] فنهي النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يدل على تحريمها ويدل على
نجاستها، فحينئذ نقول: إنَّ الخمرَ نجسةٌ.
وقوله: (تُـــتَّخَذُ خَلًّ) الخل حلال جائز، فبعض
النَّاس يقلب الخمر لتكون خلًّا، فنقول: إن تحولت بنفسها جاز استعمال هذا الخل، وإن
لم تتحول بنفسها وكان ذلك بفعل فاعل، فإنِّه لا يحلُّ حينئذٍ.
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنَجِّسُوا
مَوْتَاكُم؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِنَجَسٍ حَيًّا وَلَا مَيِّتً»
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: "صَحِيحٌ عَلَى شَرطِهمَا وَلم
يُخرِّجَاهُ"، وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الـمُسْلِمُ لَا
يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتً)}.
الآن الكلام في الميتات، ما الذي ينجس من الكائنات الحيَّة بموته؟ وما الذي لا
ينجس؟ ابتدأها بالآدمي، فالآدمي طاهر وليس بنجس.
{(وَعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبي صلى الله عليه
وسلم لمّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ
شَعْرِهِ. هَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ مُسلمٌ وَلَفْظُهُ: أَنَّ
النَّبي صلى الله عليه وسلم ناولَ الحالقَ شِقَّهُ الْأَيْمنَ، فَحَلَقَهُ، ثُمَّ
دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ وأعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ
الْأَيْسَرَ، فَقَالَ: «احْلِق» فَحَلَقَهُ وأعْطَاهُ
أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَينَ النَّاس»)}.
يُستدلُّ بهذا الخبر على أنَّ شعرَ الرَّأسِ طاهرٌ وليس بنجسٍ، وبالنِّسبة لتوزيع
شعر النَّبي صلى الله عليه وسلم فهذا لبركته، وأمَّا في زماننا الحاضر فبعض مَن
ينقل أنَّ هناك شعرات للنَّبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يُدرى صحَّة دعواه، وهذا
يحتاج إلى إسناد متَّصل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن ظاهر الخبر يدلُّ على أنَّ شعرَ الآدميِّ طاهرٌ وليس بنجسٍ.
{(وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَالَ: لـمَّا كَانَ
يَوْمُ خَيْبَرَ جاءَ جَاءٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُكِلَتِ الْحُمُرُ، ثُمَّ
جاءَ جاءٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُفنِيَتِ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَى: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
يَنْهَيَانِكُم عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ -أَوْ نَجَسٌ- قَالَ
فأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. وَلَفظُهُ لمسلمٍ، وَفِي
الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ: أَنَّهم أَخْبرُوهُ أَنَّهُم يُوقِدُونَ عَلَى
لَحْمِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«أَهْرِيقُوهَا واكْسِرُوهَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَ
نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُها؟ قَالَ: «أَوْ ذَاك»)}.
في هذا الحديث كلام عن لحوم الحُمُر. الحمار على نوعين:
- النوع الأول: الحمار الوحشي الذي في البراري
وهو المخطط، فهذا جائزٌ أكله وهو طاهر، ونوع من أنواع الصيد، قد جعل فيه النَّبي
صلى الله عليه وسلم الجزاء لمن صاده وهو مُحرِم.
- النوع الثاني: الحمار الإنسي الذي يعيش بين
النَّاس ويستخدمونه في الركوب، وهذا لا يجوز أكله، وكان مباحًا في أول الإسلام ثم
نزل تحريمه.
وقوله: (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُكِلَتِ الْحُمُرُ،
فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَى) أبو
طلحة زوج أم سليم، وهي أم أنس بن مالك، وأنس ربيب أبي طلحة.
قال: (فَنَادَى أَبَا طَلْحَةَ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
يَنْهَيَانِكُم عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ) يعني الأهليَّة
(فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ) وكان الصَّحابة قد أخذوها وذبحوها وبدءوا
يطبخونها، فلمَّا جاء الأمر سمعوا وأطاعوا وامتثلوا، وهكذا شأن أهل الإيمان.
قال: (فأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَ) أي عجفت
حتى سقط ما فيها من طبخ، وهذا لفظ مسلم.
قال: (وفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ: أَنَّهم أَخْبرُوهُ أَنَّهُم
يُوقِدُونَ عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم: «أَهْرِيقُوهَا واكْسِرُوهَ») أي:
أَهْرِيقُوا هذا الطبخ واكسروا هذه الأواني.
قال: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَ نُهْرِيقُهَا
وَنَغْسِلُها؟) نغسل الأواني قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَوْ
ذَاك».
{(- وَعَنْ أَنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَالَ: لـمَّا
كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ جاءَ جَاءٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُكِلَتِ الْحُمُرُ،
ثُمَّ جاءَ جاءٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُفنِيَتِ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَى: إِنَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُم عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ -أَوْ
نَجَسٌ- قَالَ فأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. وَلَفظُهُ
لمسلمٍ، وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ: أَنَّهم أَخْبرُوهُ أَنَّهُم
يُوقِدُونَ عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم: «أَهْرِيقُوهَا واكْسِرُوهَ»، فَقَالَ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُها؟ قَالَ:
«أَوْ ذَاك». وَعَنْ عَمْرِو بنِ خَارِجَةَ قَالَ: خَطَبنَا رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم بِـمِنًى، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهِيَ تَقْصَعُ
بِـجَـرَّتِها، ولُعَابُها يَسِيلُ بَينَ كَتِفيَّ..الحَدِيث. رَوَاهُ أَحْمدُ
وَابْنُ مَاجَه وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)}.
قوله هنا: (خَطَبنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
بِـمِنًى) في مشروعية الخطبة بمِنى، قال: (وَهُوَ
عَلَى رَاحِلَتِهِ) فيه جواز إلقاء الخُطب في المجامع العامَّة على الدابة،
قال: (وَهِيَ تَقْصَعُ بِـجَـرَّتِها، ولُعَابُها يَسِيلُ)
أي: أنَّها قد أكلت أكلاً فهي تجترُّ ذلك الأكل، فكان لُعابها يسيلُ بين كتفي
النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يتحرج مِن ذلك ممَّا يدلُّ على أنَّ لُعابها
طاهر.
{(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ:
مَرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَينِ فَقَالَ: «إنَّهُمَا
لَيُعَذَّبانِ، وَمَا يُعَذَّبانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا
يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»،
ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ
وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ:
«لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَس» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ،
وَلَفظُهُ للْبُخَارِيِّ،وَقدْ رُوِيَ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ:
«يَسْتَتِرُ»، وَ«يسْتَنْزِهُ»، وَ«يَسْتَبْرِئُ»،
فالأوَّلانِ: مُتَّفقٌ عَلَيْهِمَا، والأخير: انْفَردَ بِهِ البُخَارِيُّ)}.
هذان القبران كانا منفردين عن القبور، وبالتَّالي لا يَلزم أن يكون القَبرُ في
المقبرة، وإن كان القبر في المقبرة أولى وأحسن لتكون القبور مجتمعة. فقال النَّبي
صلى الله عليه وسلم عن صاحبي القبرين: «إنَّهُمَا
لَيُعَذَّبانِ» أي: الموتى في هذين القبرين يعذبان.
قال: «وَمَا يُعَذَّبانِ فِي كَبِيرٍ» يعني: الفعل
الذي فعلوه ليس من الكبائر، وفي لفظ «بلى من كبير».
قال: «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ
الْبَوْلِ» يدل على وجوب الاستتار عند قضاء الحاجة.
قال: «وَأَمَّا الآخرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»
النَّميمة: هي نقل للحديث على جهة الإفساد. فلان يقول فيك كذا، فلان فعل كذا،
وبالتَّالي تحدث العداوة، هذا فيه دليل على تحريم النَّميمة.
قال: (ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً) أي: جريدة
النَّخل من السَّعف، وكانت رطبة فلم تيبس.
قال: (فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ
وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ:
«لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَس») وهذا من خصائص
النَّبي صلى الله عليه وسلم، فمن جاءنا الآن وقال: سأضع جريدة على قبرٍ، قلنا:
أخطأت؛ لأنَّك لا تعلم هل هُما يُعذبان أو لا يُعذبان، ثم إنَّ صحابة رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- لم يفعلوه، ولم يُؤثر عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه
فعله إلا هذه المرة، ولم يُؤثر عن الصَّحابة كالخلفاء الراشدين ومَن بعدهم أنَّهم
فعلوه، وبالتَّالي لا يشرع مثل هذا الفعل.
قال:(وَقدْ رُوِيَ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ:
«أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ») والثاني:
«أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَتنزهُ»، وأما الثالث: قال:
«أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ»)
في هذا دلالة على نجاسة بول الآدمي، ووجوب تطهير الإنسان نفسَه من آثاره.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْسِلُ المَنيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى
الصَّلاة فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ.
مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لمسلمٍ)}.
حديث عائشة هذا فيه إشارة إلى حكم المني، هل هو طاهر أو نجس؟
والعلماء لهم منهجان، بعضهم يقول: طاهر، وبعضهم يقول: نجس، وكلاهما يستدل بهذا
الخبر.
فمن قال بنجاسته، قال: بما أنَّه يغسل فهذا دليل على أنَّه نجس، ومن قال بطهارته،
قالوا: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الصَّلاة وفي ثوبه أثرٌ منه،
لو كان نجسًا لَما قَبِل بذلك.
قال: (كَانَ يَغْسِلُ المَنيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى
الصَّلاة فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيه).
{(وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ عَائِشَةَ: لقدْ رَأَيْتُنِي
أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي
فِيهِ)} أي: المني.
لم تغسله وإنَّما فركته، دقَّت بعضه ببعض من أجل أن يتساقط ما تجمد منه، وهذا
استُدلَّ به على عدم نجاسة المني، وفي لفظ (لَقَدْ
رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
يَابِسًا بِظُفُرِي).
أسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإيَّاكم لخيري الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا وإياكم
من الهداة المهتدين.
هذا -والله أعلم- وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
-----------------------
[44] صحيح البخاري (8887)
[45] صحيح البخاري (8887).
[46] سنن البيهقي (3/151). وصححه أحمد شاكر في عمدة
التفسير
[47] حسنه الألباني في إرواء الغليل عن أم سلمة هند بنت أبي أمية.
[48] أبو داود والنسائي فاطمة بنت أبي حبيش، وأشار أحمد شاكر في مقدمة عمدة التفسير
إلى صحته.
[49] صحيح البخاري (300)
[50] سنن أبي داود عن ابن عباس، وصححه الألباني