الحمد لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين،
أمَّا بعد. فهذا لقاء جديد، نتدارس فيه شيئًا مِن أحاديث كتاب "المحرر في أحاديث
الأحكام" للعلامة الحافظ ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- وقد توقفنا عند الحديث
الحادي والعشرين بعد المائة، تفضل بقراءته مشكورًا.
{بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على
نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللمستمعين والمشاهدين،
ولجميع المسلمين.
قال المُصنف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ،
أَنَّ عُمرَ بنِ الْخَطَّاب رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذا
تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ»
مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
قوله: (أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟) فيه
أنَّ الصَّحابة كانوا يَسألون عَن أَعمالهم قبل أن يُقدموا عليها؛ ليعرفوا حكم الله
-عَزَّ وَجَلَّ- فيها.
قوله: «نَعَمْ»، أي: يجوز لأحدكم أن يرقد وهو جنب.
وقوله: «إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ»، قيل: إنَّ
الجملتين منفصلتان، وبالتَّالي يكون الوضوء مُستحبًا، كأنه قال: نعم يرقد، ثم قال:
«إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ» يعني: على جهة الاستحباب، بينما
آخرون فهموا أنَّها جملة واحدة
«نَعَمْ، إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ»،
وبالتَّالي يكون الوضوء واجبًا لمن أراد أن يرقد وهو جنب.
ولكن الأول هو ظاهر حديث الباب، وقد وَرَدَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نام
وهو جنب، وجاء ذلك في حديث عَائشة في السنن، ولكن تَكلم في إسناده كثير من أهل
العلم.
وعلى كلٍّ، ظاهر هذه الجملة: أنَّ كلمة «نَعَمْ» جملة
مستقلة، والقاعدة: أن السؤال مُعادٌ في الجواب.
وقوله: «إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ»،
"يرقد" هنا فعل مضارع مَسبوق بلام الأمر، صُرِفَ عن ظاهره مِنَ الوجوب؛ لكونه جاء
جوابًا عن سؤال في حُكم هذا الفعل، مما يُعلم منه أنه قد تُوُّهِّم عدم جواز ذلك.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ
النَّبي صلى الله عليه وسلم إِذا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ
فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَلمسلمٍ: كَانَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ ينَامَ
تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ)}.
في هذا الخبر استحباب الوضوء للجُنب، إِذا أَرادَ شيئًا مِن هذه الأفعال، وهي:
النوم، أو الأكل، ومثله الشرب.
وفي هذا دليل على أنَّ الوضوء يُخفِّف حَدَثَ الجُنب، وقد فهم منه الحنابلة وطائفة
أنَّ الجُنب إذا توضأ جاز له اللُّبث في المسجد، وقد نُقل اتِّفاق الصَّحابة -رضوان
الله عليهم- على ذلك[39].
وفي هذا دليل على أنَّ الوضوء لا يلزم أن يُستباح به فعل الصَّلاة، فالجنب إذا توضأ
خَفَّ حدثه، ومع ذلك لا يجوز له فعل الصَّلاة.
وقد استدل بهذا الخبر طائفة على أنَّ الحائض إذا توضأت نَفعها وُضوؤها، ولكن
الجمهور على خلاف ذلك، وحجتهم -في ذلك- أنَّ الحائض حدثها مستمر، وسبب إيجاب الغسل
في حقها لازال باقيًا، وبالتَّالي لا تَدخل في مثل هذا الخبر.
{(وَعَنْ أَبي إِسْحَاقَ السَّبيعِيِّ، عَنِ الْأسودِ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً. رَوَاهُ أَحْمدُ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
"يرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبي إِسْحَاق"، وَقَالَ يزِيدُ بنُ هَارُون:
"هَذَا الحَدِيثُ وَهْمٌ"، وَقَالَ أَحْمدُ: "لَيْسَ صَحِيحًا"، وَصَحَّحهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيرُه، وَقَالَ بَعضُ الحُذَّاق مِنَ الْمُتَأَخِّرين: أَجْمَعَ
مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَمَنْ تَأَخَّرَ مِنْهُم أَنَّ هَذَا
الحَدِيثَ خَطَأٌ مُنْذُ زمَانِ أَبي إِسْحَاق إِلَى الْيَوْم، وَعَلَى ذَلِك
تَلَقَّوْهُ مِنْهُ، وَحَمَلُوهُ عَنهُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ أَوْ ثَانٍ مِمَّا
ذَكَرَهُ مُسلمٌ فِي كِتابِ "التَّمْيِيز" لَهُ، مِمَّا حُملَ منَ الحَدِيثِ عَلَى
الْخَطَأ. وَرَوَى أَحْمدُ مِنْ حَدِيثِ شَرِيْكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ
الرَّحْمَنِ، عَن ْكُرَيْبٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبي صلى الله عليه
وسلم يُجْنِبُ ثُمَّ ينَامُ، ثُمَّ يَنْتَبِه، ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً.
وَإِسْنَادُهُ غَيرُ قَويٍّ)}.
هذه الأحاديث تتكلم عن مسألة حُكم النَّوم للجنب قبل الاغتسال، فأولها في فعل
النَّبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر قوله: (مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَمَسَّ مَاءً) أنَّه لا يغتسل، وقد يُراد بها -أيضًا- أنَّه لا يتوضأ.
وقد أشار المؤلف إلى البحث في إسناد هذا الخبر، وهل هو مِن أَوهام أبي إسحاق
السبيعي، أو ليس كذلك.
{(بَابُ صِفَةِ الْغُسْلِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم إِذا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ
يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يتَوَضَّأُ
وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثمَّ يَأْخُذُ الماءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ
الشَّعْرِ، حَتَّى إِذا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ، حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ
ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ
رِجْلَيْهِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفظُ مُسلمٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: أَنَّ
النَّبي صلى الله عليه وسلم اغْتَسلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ
كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَفِي لَفظٍ لَهُما: ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعْرَهُ، وَفِي
لَفْظٍ للْبُخَارِيِّ: حَتَّى إِذا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ
عَلَيْهِ الماءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَعَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَدْنَيْتُ
لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرغَ
عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشمَالِهِ الأَرْضَ،
فَدَلَكَها دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ
أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّيهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ
جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مقَامِهِ ذَلِك، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ
أَتَيْتُهُ بِالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ، وَفِي رِوَايَة: وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ
هَكَذَا يَنْفُضُهُ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفظُ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ
للْبُخَارِيِّ: وَجَعَلَ يَنْفُضُ الماءَ بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ للْبُخَارِيّ
أَيْضًا: ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضَ، فَمَسَحَها
بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ
وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وأَفاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ
قَدَمَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: ثُمَّ أَفَاضَ الماءَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ
تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانَهُ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ)}.
هذان الحديثان -حديث عائشة وميمونة- هما في صفة الاغتسال، ونحن مأمورون باتباع هدي
النَّبي صلى الله عليه وسلم في الاغتسال، والواجب مِن الاغتسال هو تَعميم ظاهر
البدن بالماء، وكل مَا كان مِن ظاهر البدن يجب إيصال الماء إليه، هذا هو الواجب،
وهناك أفعال مستحبة، أُخذت من فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم لها.
وفي حديث عائشة، ذكر أنَّه (يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ)،
والمراد بذلك الكفَّين، قبل أن يشرع في الاغتسال.
قال: (ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ)،
أي: يأخذ ماءً باليمين، فيجعله على يده الشِّمال.
قال: (فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ) يعني: يَأخذ مِن الإناء
مَاءً، ثُمَّ يضعه في يده اليسرى، ثُمَّ يَغسل الفرج، لغسل ما تلوَّث.
قال: (ثُمَّ يتَوَضَّ) وضوءًا كاملًا، كوضوئه للصلاة،
ثُمَّ بعد ذلك يغسل شعره، فيأخذ ماءً فيُدخل أصابعه في أصول الشعر، وكما تقدَّم
أنَّ الصَّواب في هذا أنَّه عَلى سَبيل الاستحباب.
وقد وَرَدَ أنَّ بعض الفقهاء قال بوجوب التَّأكد مِنَ وُصول الماء إلى أصول الشعر،
واستدل على ذلك بحديث: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ»[40]،
لكن هذا الحديث لم يَثبت عَن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (حَتَّى إِذا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَ) أي:
أوصل الماء إلى جميع أجزاء رأسه.
قال: (حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ) هذه
الحفنات الثَّلاث، ليس المقصود بها ذات الرأس، وإنَّما أَرادَ أن يَغسل جَميع
بَدنه، ويبدأ بالصَّبِّ على رأسه؛ لأنَّه أَعلى البدن.
قالت: (ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ) يُفسر
هذا حديث ميمونة الآتي.
(ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) يعني: بَعد أن فَرَغَ مِن
الاغتسال غَسَل رِجليه.
ظاهر هذا الخبر أنَّه لم يُفرِّق هل بقي في مكانه أو انتقل، ولكن جاء في حديث
ميمونة أنَّه انتقل إلى مكانٍ آخرٍ عِند غسل الرجلين، والظَّاهر مِن هَذا أنَّه لم
يُرد أن يلوثُه بقايا غسله مع التُّراب الذي كان ينزل عليه.
(وَفِي لَفْظٍ لَهُ: أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم
اغْتَسلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَفِي لَفظٍ
لَهُما: ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعْرَهُ، وَفِي لَفْظٍ للْبُخَارِيِّ: حَتَّى
إِذا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ).
وفي حديث ميمونة، قالت: (أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم غُسْلَهُ)
يعني الماء الذي يغتسل منه (مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ
كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثً) وهذا -كما تَقدَّم- على سبيل
الاستحباب.
قالت: (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرغَ
عَلَى فَرْجِهِ) وقد وضَّحت رواية عائشة أنَّه صلى الله عليه وسلم أخذ الماء
بيمينه فوضعه في شماله، ثُمَّ أفرغ على فرجه، وذلك كما في قوله:
(وَغَسَلَهُ بِشمَالِهِ).
قالت: (ثُمَّ ضَرَبَ بِشمَالِهِ الأَرْضَ) لماذا يضرب
الأرض؟
ليطَّهرها وينظفها، فإنَّه قَد غَسل فرجه، وقد يكون فيه شيء مِن البقايا،
(فَدَلَكَها دَلْكًا شَدِيدً) وهنا الضَّرب بالشِّمال
على الأرض لأنهم كانوا يتنظفون بالتراب، يضعون التراب مع الماء، فَيُزيل ما في
اليدين ونحوهما مِن أنواع الأذى.
قالت: (ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) ظاهره
أنَّه بجميع الأعضاء، حتى غسل القدمين، ولكن بعض الفقهاء يقول: مَادام أنَّه يغسل
الرجلين بعد فراغه مِن الغسل، فهذا معناه أنَّ الوضوء الأول وضوء بدون غسل الرجلين،
والظَّاهر أنَّ قَوله: (ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ
لِلصَّلَاةِ) ظاهره أنَّه شمل جميع أعضائه.
قالت: (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ
مِلْءَ كَفِّيهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مقَامِهِ
ذَلِك) أي: اعتزل وذهب إلى مكانٍ آخر.
قالت: (فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ) يعني في مكانٍ آخر، لم
يخالط ترابه الماء.
قالت: (ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ)
كأنَّه نَفَضَ يَديه، واستدلَّ بعضهم بهذا على أنَّه يُكره استعمال المنديل، ولكن
ثَبَتَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد استخدمه، والمنديل أو "التمندل" ليس مِن
الأمور العبادية، فكون النَّبي صلى الله عليه وسلم تركه، لا يعني كراهته أو عدم
جوازه؛ لأنَّه لا يُستدل بالتَّرك إلا في أمور العبادات.
قال: (وَفِي رِوَايَة: وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا
يَنْفُضُهُ) مِن أَجل أَلَّا يَبقى شيء مِن أجزاء الماء على بدنه.
وفي رواية البخاري: (ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ
بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضَ، فَمَسَحَها بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ
تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ) المضمضة والاستنشاق أمران مَشروعان في الغسل، لكن
هل هما من الواجبات بحيث لا يتم الاغتسال إلا بهما؟
قال أحمد: نعم، والأكثر على أنَّهما ليس مِن الواجبات، ومِن أدلتهم: فعل النَّبي
صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ومنها قياسه على الوضوء، ولأن هذا الوضوء الذي
في أول الاغتسال هو وضوء، والوضوء يجب فيه المضمضة والاستنشاق عندهم.
قالت: (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ) هذا وضوء،
ولم يَذكر هنا الرِّجلين، فكأنه لما تَنَحى للمقام الآخر غسل الرجلين، وهذا معناه
أنَّه لم يَغسل القدمين في المكان الأول.
قالت: (وأَفاضَ عَلَى رَأْسِهِ) أي: صبَّ الماء على
رأسه، (ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) يعني:
في مكان آخر غير مكان اغتساله.
قال: (وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: ثُمَّ أَفَاضَ الماءَ عَلَى
جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانَهُ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ).
{(عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُول الله, إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي
أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «لَا،
إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَياتٍ، ثُمَّ
تُفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُريْنَ».
وَفِي رِوَايَةٍ: أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالجَنَابَةِ؟ فَقَالَ:
«ل»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ)}.
قول أم سلمة: (يَا رَسُول الله) هذا فيه استفتاء
المرأة في حَوائجها الخاصَّة؛ لتعرف حُكْم الله فيما يمرُّ بها من الحوادث.
قالت: (إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي) فيه
جواز تَضفير المرأة لشعر رَأسها، وأنَّه لا حَرَجَ فيه، وفيه أنَّ الوضوء إنَّما
يجب فيه مَسح الظَّاهر مِن الشَّعر، وأمَّا الباطن فلا يُمسح.
قالت: (أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟) يعني:
هَل يَلزمني أن أَفكَّ ضَفر الرَّأس أو لا يلزمني ذلك عند إرادة غسل الجنابة؟
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ
أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَياتٍ» فلا يلزمها أن تَفكَّ
الضُّفر، لو كانت الضُّفر لم توجد إلا بعد الجنابة وقبل الاغتسال؟ نقول: الحكم
واحد، فحينئذ يكفيها غسل الظَّاهر، قال: «لَا،
إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَياتٍ»، فيه
وجوب صَبِّ الماء على الرأس ثلاثًا.
« ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ» أي: ترسلين
الماء على بقية بدنك
«فَتَطْهُريْنَ».
استَدَلَّ الحنفيَّة بهذا على أنَّ الغُسل لا يُشترط له النية؛ لأنَّه حُكم
بالطهارة بمجرد الفعل، ولم يذكر نية، والجمهور على أنَّ النَّية مِن شُروط الوضوء،
ومِن شُروط الغُسل؛ لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[41].
هذا بالنسبة للغسل.
وما بالنسبة للحيضة؟
الحيضة مَا تكون إلا مرة واحدة في الشهر، فهل نقول: إنَّها تماثل الجماع والجنابة،
وبالتَّالي لا يجب نقض ضفر الرأس فيها؟ أو نقول: إنَّها لا تماثل الجنابة
وبالتَّالي يَلزم النقض؟
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لَ»، أي: لا
يَلزمكِ أن تَنقضي ضَفر رأسك مِن أَجل الاغتسال للحيضة، أو النِّفاس، أو الجنابة.
{(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ أَسمَاءَ
-وَهِي بِنْتُ شَكَلٍ- سَأَلتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ المحِيضِ،
فَقَالَ: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا
فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ
دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا
المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَ»، فَقَالَتْ
أَسمَاءُ: وَكَيفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ:
«سُبْحَانَ الله! تَطَهَّرِينَ بِهَ» فَقَالَتْ
عَائِشَةُ: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ
عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: «تَأْخُذُ مَاءً
فَتَطَهَّرَ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ -أَوْ تُبْلِغُ الطَّهُورَ- ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى
رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَفِيضُ
عَلَيْهَا المَاءَ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ
الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي
الدَّينِ. رَوَاهُ مُسلمٌ، وَذَكَرَ البُخَارِيُّ مِنْهُ ذِكْرَ الفِرْصَةِ
والتَّطَهُّرِ بِهَ)}.
هذا الخبر مِن حَديث عَائشة، أنَّ أَسماء سَألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عَن
غسل الحيض، أي: ماذا تفعل؟، وما هي الأحكام المتعلقة به؟
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ
مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَ»
السدر: نوع من أنواع ورق الأشجار، ويسمى بـ "السدر" أو "النبق"، وبعض البلدان
يُسمونه "العبري"، ولها ثمر، ولكن الكلام مُتعلق بَورقها، حيث إنَّ ورقها له خاصية
التنظيف.
قال: «فَتَطَهَّرُ» يعني: تغتسل،
«فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَ» فيه مشروعية صَبَّ
الماء على الرأس في الغُسل، «فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا،
حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَ»، وظاهر هذا وجوبه، لكن الجماهير على عَدم
وُجوب هَذا الفعل؛ لعدم قيام الدليل عليه؛ ولأنَّ مَن نَقَل صفة غُسل النَّبي صلى
الله عليه وسلم لم يَذكر هذا معه.
قال: « حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ
عَلَيْهَا المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَ»
هو نَوع مِن أَنواع المطهرات الذي فيه رائحة حسنة.
(فَقَالَتْ أَسمَاءُ -بِنْتُ شَكَلٍ: وَكَيفَ تَطَهَّرُ
بِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله! تَطَهَّرِينَ بِهَ»)
أي: تنظفين نفسكِ بها.
(فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ)
أي: لم تُظهره حتى يسمعه الرجال، ويسمعه النَّبي صلى الله عليه وسلم وإنَّما أَرادت
أن تُسمع المرأة، فقالت:
(تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ) فتزيلين أثر الدم.
قال: (وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ:
«تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرَ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ -أَوْ تُبْلِغُ الطَّهُورَ-
ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَ») يعني من الماء
«فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَ» أي: فروعه
«ثُمَّ تَفِيضُ عَلَيْهَا المَاءَ»، أي: على سائر البدن.
(فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ
الْأَنْصَارِ) تمدحهنَّ وتثني عليهنَّ، حيث سَألن عَن أَحكام دينهن،
(لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدَّينِ) وفي
هذا فضيلة التَّفقُّهِ في الدين.
{(بَابُ التَّيمُّم
عَنْ جَابرِ بنِ عبد اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبي صلى الله عليه
وسلم قَالَ: «أُعْطيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ
قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيْرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ
مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاة
فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي،
وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبي يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً،
وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»، مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى الإِمَامُ
أَحْمدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ:
«وَجُعِلَ التُّرَابُ لِيْ طَهُورً»)}.
قال المؤلف: (بَابُ التَّيمُّم) يراد بالتَّيمُّم:
قصدُ مَا على الأرض لضربه، ثُمَّ مَسح الوجه واليدين به، والتَّيمُّم جاء في قوله
تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا
طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا
غَفُورً﴾ [النساء: 43]، وفي الآية الثانية:
﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ
عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6].
وقد ثبت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم تَيَمَّم، وَتَيَمَّم أصحابه معه، ولم
يكونوا في أسفارهم ينقلون المياه مِن أَجل الوضوء بها، ويكتفون بالتَّيمُّم.
قوله: «أُعْطيتُ خَمْسً» هل هذه العَطية له خاصة، أم
لأمته كذلك؟
هذا موطن خلاف بين العلماء.
«لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي» هذه مميزات
«نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيْرَةَ شَهْرٍ» أي: إِذا سَمع بي أعدائي وأنا على
بُعد مسيرة شهر، وصل إلى أعدائي ذِكري، فَأُلقي في قلوبهم الوهن والرعب والخوف.
هل هذا خاصٌ بالنَّبي صلى الله عليه وسلم أو عامٌّ لكل من تبع سنته؟
فيه قولان كما تقدَّم، ظاهره العموم، بدلالة أنَّه ذَكَرَ عددًا مِن الأمور التي
تَعم الأمة، وبدلالة قوله: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي
أَدْرَكَتْهُ الصَّلاة» مَا يَدلُّ على عُموم هذا لجميع أفراد الأمَّة.
ومسيرة الشهر بحسب سَيرهم في الزمان الأوَّل، وكانوا في اليوم يَسيرون أربعين كيلو
تقريبًا، وهذا يعني أنَّ مسيرة الشهر عبارة عن ألف ومائتين كيلو تقريبًا.
قال: «وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورً»
المسجد: يعني يجوز له أن يُصلي في أي موطن، وطهورًا: يعني يجوز أن يُتَيَّمَّم بها.
وقد استدل المالكيَّة بهذا الحديث على أنَّه يجوز التَّيمُّم بكل مَا كَان مِن جِنس
الأرض، والحنابلة والشَّافعيَّة يَرون أنَّه لا يَجوز التَّيمُّم إلا بالتراب
خاصَّة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ﴾
[المائدة: 6]، قالوا: ﴿مِّنْهُ﴾ هذه للتبعيض،
وبالتَّالي لابد أن يكون الضَّرب على شيءٍ مِن جِنس الأرض، وهناك مَن قال: كل ما
علا الأرض فإنَّه يجوز التَّيمُّم به.
مَن الذي يجيز التَّيمُّم بالتراب؟
{الشَّافعيَّة والحنابلة}.
لا، الجميع.
مَن الذي يجيز التَّيمُّم بالرَّمل؟
{الجميع}.
لا، المالكيَّة والحنفيَّة؛ لأنَّ هَذا مِن جنس الأرض.
مَن الذي يُجيز التَّيمُّم على الصَّخر؟
المالكيَّة والحنفيَّة.
مَن الذي يُجيز التَّيمُّم على الطاولة؟
الحنفيَّة، يقولون كل ما علا الأرض، والمالكيَّة يقولون ما علا الأرض من جنسها،
والحنابلة والشَّافعيَّة يقولون التراب خاصة.
ظاهر هذا الحديث «وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا
وَطَهُورً» أنَّه يَدلُّ على قول المالكيَّة، الأرض كلمة عامَّة.
قال: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ
الصَّلاة فَلْيُصَلِّ»، عنده مسجده.
«وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ»، الغنائم: هي مَا
يُؤخذ مِن العدو في القتال،
«وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»،
وهو أنَّه يَشفع لهم عِند الله -عَزَّ وَجَلَّ- لإطلاقهم، ومحاسبتهم.
قال: «وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبي يُبْعَثُ
إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً».
وفي حديث علي عند أحمد: «وَجُعِلَ التُّرَابُ لِيْ طَهُورً»،
فهذا دليل لمذهب الشافعي والحنابلة في اختصاص التَّيمُّم بالتراب فقط.
والأولون يقولون: هذا استدلال بمفهوم اللقب؛ لأن كلمة "التراب" هذه اسم ذات، فهي
لقب، وإذا عُلِّقَ الحكم على اسم الذَّات، فإنه لا يُقيَّد الحكم به.
{(وَعَنْ عمَّارَ بنِ يَاسرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي
النَّبي صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ،
فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبي
صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:
«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَ»، ثُمَّ ضَرَبَ
بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمينِ،
وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ, مُتَّفقٌ عَلَيْهِ,وَاللَّفْظُ لمسلمٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ للْبُخَارِيِّ: وَضَرَبَ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ،
وَنَفَخَ فِيْهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
وَعَنْ هِشَام بنِ حَسَّان، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوْءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَم يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ
سِنِينَ، فَإِذا وَجَدَ المَاءَ؛ فَلْيَتَقِ اللهَ، وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ؛
فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ»
رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ ابْنُ الْقطَّان: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأرَى
الدَّارَقُطْنِيَّ قَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّان
فِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: ضَعِيفٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ منْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ،
وَلَهُ عِلَّةٌ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْبَاب حَدِيثُ أَبِي ذَرٍ الَّذِي صَحَّحهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيرُهُ.
وَعَنْ عَطاءِ بنِ يسَارٍ، عَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ
فِي سَفَرٍ، فَحَضَرتِ الصَّلاة، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّما صَعِيدًا
طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الماءَ فِي الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا
الصَّلاة وَالْوُضُوءَ، وَلم يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ للَّذي لم يُعِدْ:
«أَصَبْتَ السُّنَّةَ وأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ»، وَقَالَ للَّذي تَوَضَّأَ
وَأَعَادَ: «لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ». رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ -وَتَكلَّمَ عَلَيْهِ-
وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَفِي قَوْله تَسَاهُلٌ، وَقَالَ أَبُو
دَاوُدَ: وَذِكْرُ أَبي سَعيدٍ في هَذَا الحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ.
وَعَنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِذا أَمرتُكُم بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
هذه أحاديث في ذكر أَحكام التَّيمُّم، قال عمار بن ياسر:
(بَعَثَنِي النَّبي صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ) النَّبي صلى الله عليه
وسلم قائد الأمة.
قال: (فَأَجْنَبْتُ) يعني: عندما ذهبت لقضاء هذه
الحاجة، وظاهره أنَّه خارج المدينة، قال: (فَلَمْ أَجِدِ
المَاءَ)؛ لأغتسل (فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ)،
في التَّيمُّم يُضرب على الأرض فيُمسح على أعضاء الوضوء، فاستنبط منه بواسطة القياس
أنَّ فاقدَ الماء إذا كان جُنُبًا فإنَّه يقوم بإيصال التَّيمُّم إلى جميع بدنه،
بدلًا عن الاغتسال.
قال: (فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ
الدَّابَّةُ) وفيه استعمال القياس (ثُمَّ أَتَيْتُ
النَّبي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:
«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ») أي: يجزئك («أَنْ
تَقولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَ»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً
وَاحِدَةً) هذه الضربة الواحدة في التَّيمُّم، هل نقول: يكتفى بالضربة
الواحدة؟
هناك ثلاثة مناهج:
- منهم مَن يَقول: لابد مِن ضربتين في كل
التَّيمُّم.
- ومنهم من يقول: يكفي ضربة واحدة لهذا الخبر.
- ومنهم من يقول: إذا تيمم عن الحدث الأصغر
ضرب ضربتين، وإذا تيمم عن الحدث الأكبر ضرب ضربة واحدة. واستدل بهذا الخبر، قال:
(ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً).
والظَّاهر أنَّ الضربة الواحدة تجزئ في الجميع.
قال: (ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمينِ) بحيث
الآن أصبحت باطن الكفين قد مسح بعضهما ببعض، (وَظَاهِرَ
كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ).
الآن هل قدَّم الوجه؟ أو قدَّم اليدين؟ الآية ﴿فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ [المائدة: 6] فقُدِّم ذكر الوجه، فنقول:
الترتيب هنا واجب.
قال: (وَفِي رِوَايَةٍ للْبُخَارِيِّ: وَضَرَبَ صلى الله
عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ) فيه جواز التَّيمُّم بالأرض، وأن يُضرب على
الأرض بالكفين.
قال: (وَنَفَخَ فِيْهِمَ) فيه جواز النَّفخ في الأيدي
بعد أن عَلق بها تراب قبل المسح للتيمم. قال: (ثُمَّ مَسَحَ
بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ).
ثم أورد مِن حديث أبي هريرة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
«الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ» الصعيد: مَا صَعَدَ عَلى الأرض وعلا عليها، وبهذا
أخذ الحنفيَّة في أنَّ مَا صَعَدَ على الأرض يَجوز الوُضوء به، والآخرون قالوا:
إنَّه لا يُجزئ إلا أن يَكون ضربًا على الأرض.
قال: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوْءُ الْمُسْلِمِ»،
هنا مسألة وهي: هل التَّيمُّم رافع للحدث رفعًا مؤقتًا؟ أو أنَّه مُبيح للصلاة؟
إذا قلنا: إنَّه مُبيح مثلًا، لَزِمه أن يتوضأ لأول وقت كل صلاة.
وإذا قلنا: إنَّه رافع -حتى وإن قلنا: رافع مؤقت- فإنَّه حينئذ لا يحتاج إلى تجديد
التَّيمُّم عند دخول الوقت الآخر.
قال: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوْءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ
لَم يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ» فيه أنَّ التَّيمُّم لا يكون إلا بعد
فَقد الماء.
قوله هنا: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ»، يُؤخذ مِنه:
أنَّه لا يُضرب إِلا عَلى مَوطن طاهر، فلو وجدت مكانًا نجسًا في الأرض فلا يجوز أن
تضرب عليه للتيمم.
قال: «وَإِنْ لَم يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ»
مَادام أنَّه لم يجد الماء،
«فَإِذا وَجَدَ المَاءَ؛ فَلْيَتَقِ اللهَ، وَلْيُمِسَّهُ
بَشَرَتَهُ» فيه أنَّه لا يجوز الانتقال إلى التَّيمُّم مَع القُدرة على
الماء، إِلَّا إِذا كان هناك سبب آخر.
قال: «وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ»
"فَإِنَّ ذَلِكَ" يحتمل أمرين:
الوضوء، فإنَّ الوضوء خير له.
ويُحتمل أنَّ المراد به الاستمرار على التَّيمُّم.
ونقل المؤلف هنا عددًا مِن الأقوال في تصحيح الخبر وتضعيفه.
ثُمَّ ذَكَرَ حديث أبي سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- قال:
(خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ) فيه جواز سفر الاثنين،
وأنَّه لا حرج فيه.
قال: (فَحَضَرتِ الصَّلاة، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ،
فَتَيَمَّما صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَ) يعني: بالتَّيمُّم،
(ثُمَّ وَجَدَا الماءَ فِي الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلاة وَالْوُضُوءَ،
وَلم يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا
ذَلِكَ لَهُ) واحد منهما أَعَادَ الوضوء والصلاة بعد أن وَجَدَ الماء، وواحد
مَا أعاد، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يُعِدْ:
«أَصَبْتَ السُّنَّةَ وأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ»، معناه: أنَّه أفضل مِن حال
الآخر؛ لأنه أَصاب السُّنَّة، وكفته الصَّلاة، (وَقَالَ
للَّذي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: «لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ»)؛
لأنَّه توضأ مرتين، وصلى مرتين، (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ -وَتَكلَّمَ عَلَيْهِ- وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ:
عَلَى شَرْطِهِمَا-، وَفِي قَوْله تَسَاهُلٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَذِكْرُ أَبي
سَعيدٍ في هَذَا الحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ) كأنَّه إنَّما رواه عطاء عن
أبي هريرة، لا عن أبي سعيد.
يَبقى هُنا مسألة، وهي: مَن عَجَزَ عَن غَسل جميع الأعضاء في الوضوء، أي: قدر على
البعض دون البعض، فماذا يفعل؟ هل نقول له توضأ للجزء الذي تستطيع غسله، وتيمم
للباقي؟ أو ماذا يفعل؟
نعم اقرأ.
{(وَعَنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا أَمرتُكُم بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
هناك أفعال في الشريعة تُعتبر بمثابة الوحدة الواحدة، إِذا عَجَزَ الإنسان عَن
بعضها، سقط كلها، مثال ذلك: الصيام، صيام اليوم الواحد وحدة واحدة، لو جاءنا إنسان،
وقال: أنا أقدر أن أصوم مِن الفَجر إلى الظهر، فهل يُجزئه هذا؟
نقول: لا يكفي، لماذا؟ لأن هذا الفعل بمثابة وحدة واحدة، وبالتَّالي لا يمكن
تجزئته، بينما هناك أفعال يَصح تجزئتها، وإِذا عَجَزَ الإنسان عَن البعض أَدى
الباقي، ومِن أمثلته الصَّلاة، فمَن عَجَزَ عَن السجود قلنا: صلِّ، وافعل جميع
الأركان في أوقاتها، وأومئ بالسجود، لماذا؟
لأن الصَّلاة أجزاء متعددة، ومن هنا قالوا: المَيسور لا يَسقط بالمعسور، بخلاف
المسألة الأولى فإنَّهم قالوا: مَا لا يَتَبَعض فاختيار بعضه كاختيار كله.
إذن، إذا سقط بَعض الصَّلاة لا يَعني ذلك سُقوط البقية، يقول النَّبي صلى الله عليه
وسلم: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا،
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»[42]، وأمَّا الصيام فإنَّه وحدة
واحدة، وبالتَّالي إذا سَقَطَ بَعضه سَقَطَ جميعه، أليس كذلك؟
بأتي بالأمثلة: صَدقة الفطر، هل هي وحدة واحدة؟ وبالتَّالي إذا سَقط جزء سقط جميعه؟
أو هو وحدات متعددة، وبالتَّالي إذا سقط البعض لم يسقط الباقي؟
لعلَّ القول الثاني أصوب.
بالنسبة للوضوء والغُسل، هل نقول: إنَّ الوضوء وحدة واحدة؟ أو أنَّ الغُسل وحدة
واحدة؟ وبالتَّالي إذا سقط البعض سقط الجميع؛ فيلزمه التَّيمُّم ابتداءً؟ أو نقول:
هو وحدات متعددة وبالتَّالي يَغسل مِن بَدنه مَا يَستطيعه، ويتيمم للباقي، أيهما
تختارون؟ هل هو وحدة واحدة؟ أو وحدات متعددة؟
{أحسن الله إليك. وحدات متعددة}.
وبالتَّالي يَغسل، هذه مِن مَواطن الخلاف بناءً على الاختلاف في هذا الضابط،
وبالتَّالي مَن وَجد مَاءً قليلًا هل يَلزمه أن يغسل مَا يَستطيعه مِن الأعضاء
والباقي يتيمم له؟
هناك قولان مشهوران في هذه المسألة.
الأرجح: أنَّه ليس وحدةً واحدةً، وأنَّ كل عضو مُستقل مِنه، ومثله في الاغتسال،
فإنَّه يُعتبر بمثابة وحدات متعددة.
{أحسن الله إليك، هل يمكن الاستدلال بحديث جابر بن عبد الله:
«قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ»؟[43] يكفي أنَّ الوضوء أركانه تتعدد وأنَّه
يَتَجزأ كما في هذا الحديث}.
على كلٍّ ذكرنا الخلاف، الاستدلال بهذا الحديث له استدلالات عديدة لكلٍ من الفريقين
لا يمكن استيعابها هنا، ونحن لسنا في صدد ذكر الأقوال الخلافية والاستدلال لكل
واحدٍ منها، وبيان الراجح مِن المرجوح، وإنَّما الأهم أن يكون لدينا مَلَكة نستطيع
بها فَهم الأحاديث الواردة عَن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا، بارك الله فيكم أيُّها المشاهدون الكرام، نسأل
-جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة
المهتدين.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------------------
[39] أجاز الحنابلة للجنب إذا توضأ أن يلبث في المسجد، لما روى سعيد بن منصور
والأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة. وإسناده صحيح.وما روى زيد بن
أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء،
وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ، ثم يدخل، فيتحدث.
[40] أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، قال الحافظ في التلخيص: مداره على الحارث
بن وجيه وهو ضعيف جدا، قال أبو داود: الحارث حديثه منكر وهو ضعيف، وقال الشافعي:
الحديث ليس بثابت، وقال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث، مثل: البخاري وأبو داود
وغيرهما. انتهى كلام الحافظ .
[41] البخاري ومسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[42] الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ.
[43] عن جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ
فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ
تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً
وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ
قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ
الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ
يَعْصِبَ شَكَّ مُوسَى عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا
وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.