الدرس الثاني عشر

معالي الشيخ أ.د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

8461 24
الدرس الثاني عشر

المحرر في الحديث (1)

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضلِ الأنبياءِ والمرسلين، أمَّا بعد:
فأرحبُ بكم في لقاءٍ جديدٍ من لقاءاتنا في شرح كتاب "المحرر" للحافظ ابن عبد الهادي المقدسي -رحمه الله تعالى.
وهذا هو اللقاء الثَّاني عشر، وقد ابتدأنا في اللقاء الماضي كتابَ الصَّلاة، وقرأنا أيضًا بابَ فرضِ الصَّلاة، وشيئًا من بابِ مواقيت الصَّلاة، وبيَّنا أوقات الصَّلوات في ما مضى، ثم بيَّنا أنَّ الأصلَ استحباب التَّبكيرِ بالصَّلوات إلا في موطنين قد وقع الخلاف فيهما:
الأوَّل: في صلاة الفجر، وقد ذكرنا الخلاف الفقهي الوارد في ذلك.
الثَّاني: في صلاة الظُّهر عند اشتداد الحرِّ، ولعلنا نقرأ حديثَ أبي هريرة في هذا الباب.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رَبِّ العَالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللمستمعين والمشاهدين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاة فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، واشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا! فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيف، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمهرير» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمس مُرْتَفعَةٌ حَيَّةٌ، فَيذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى العَوالي فَيَأْتِيهم وَالشَّمس مُرْتَفعَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى قُبَاءٍ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ: وَبَعضُ العَوالي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِه.
وَعَنْ رَافعِ بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ حتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي»، وَفِي رِوَايَة: «لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ» رَوَاهُ مُسلمٌ)
}.
هذه الأحاديث وردت في أوقات الصَّلوات. الحديث الأوَّل حديث أبي هريرة مختصٌّ بوقت الصَّيف في شدَّة الحرِّ، هل الأفضل أن يُبكَّر بصلاة الظُّهر؟ أو الأفضل أن تؤخَّر صلاة الظُّهر؟
جاء في الحديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سُئل عَن أفضل الأعمال فقال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَ»[62]، وجاء في رواية من روايات هذا الحديث أنَّه قال: «الصَّلاة في أول وقته»[63]، فمن ثَمَّ هل يُستحب تأخير صلاة الظُّهر في وقت شدَّة الحرِّ؟
قال الجمهور: نعم، واستدلوا بهذا الحديث: «إِذا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُو» أي: تأخَّروا بصلاة الظُّهر حتَّى يبرد الجو، «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، واشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَ» أي: إنَّها من حرارتها وممَّا فيها مِنَ النِّيران أصبحت يأكل بعضُها بعضًا، فأذن لها الله تعالى أن تتنفَّس مَرتين.
نَفَس في الشِّتاء، فهذا أشدُّ ما يجده النَّاس من الزَّمهرير في الشتاء، ونفس في الصيف فهذا أشدُّ ما يجده النَّاس من الحرِّ في الصَّيف.
هذا يدل على أنَّ جهنَّم موجودة اليوم. أليس كذلك؟
وهذا معناه أنَّ العبد يتذكَّر بشدَّةِ الحرِّ وشدَّةِ البردِ نارَ جهنَّم، فيكون هذا من أسباب عمله الأعمال الصَّالحة التي تؤهله لدخول الجنَّة.
ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك.
هناك اختلاف في أول وقت صلاة العصر:
فالجمهور يقولون: بدء صلاة العصر بصيرورةِ ظلِّ كلِّ شيءٍ مثله مرة واحدة.
وأبو حنيفة يقول: لا يبتدئ العصر إلا بصيرورةِ ظلِّ كلِّ شيءٍ مثليه.
والأرجح مذهب لجمهور؛ لعدد من الأحاديث، منها هذا الحديث الذي ذكره المؤلف، ومنها حديث جابر الذي تقدَّم معنا.
قال: (كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمس مُرْتَفعَةٌ حَيَّةٌ) أي: لم يَرِد إليها ضعفٌ ولا اصفرارٌ.
قوله: (فَيذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى العَوالي) يعني: يخرج من المدينة إلى العوالي.
قوله: (فَيَأْتِيهم وَالشَّمس مُرْتَفعَةٌ) يدلُّ على أنَّهم صلُّوا عند صيرورة ظلِّ كلِّ شيءٍ مثله. (وَفِي رِوَايَةٍ: فَيذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ).
قال: (وَفِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ: وَبَعضُ العَوالي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ) والميل قد يحتاج إلى خمسة عشر دقيقة، فأربعة أميال تحتاج إلى ساعة، وهذا إذا كان يمشي على قدميه، وهذا هو الظَّاهر من قوله: (فَيذْهَبُ الذَّاهِبُ).
ومن المعلوم أنَّ الوقت مَا بين العصر والمغرب في الصَّيف أطول بكثير من الوقت بينهما في الشِّتاء.
ثُمَّ ذَكَرَ المؤلف حديث رافع بن خديج، وحديث رافع يتعلَّق بوقت المغرب، وآخر وقت المغرب أيضًا فيه نزاع، كل الفقهاء اتَّفقوا على أنَّه يبتدئ من غروب الشَّمس، لكن ما هي نهايته؟
قال الشافعي: إنَّ ما بين الأذان ونهاية الوقت يكفي لسبع ركعات فقط، بما يجعله يتوضأ ويصلي، ثم يصلي الصَّلاة.
والجمهور يقولون: وقت المغرب يبتدئ من غروب الشَّمس وحتَّى مغيب الشَّفق الأحمر.
وبعض العلماء قال: حتَّى يغيب الشَّفق لأسود.
 قال: (كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) أي: المكان الذي يرمي فيه السَّهم، إذن هو يُؤخِّر أو يُقدِّم؟
يقدِّم، بدلالة أنَّ النُّورَ لازال باقيًا.
ذكرتُ في ما مضى خلافًا فقيهًا في آخر وقت صلاة العشاء، هل هو بمنتصف الليل؟ كما قال الجمهور. أو بثلث الليل؟ الأظهر أنَّه إلى منتصف الليل، لحديث جابر المتقدم.
وفيه إشكالية في بداية وقت صلاة العشاء:
 الجمهور قالوا: بغياب الشَّفق لأحمر.
وهناك مَن قال: حتَّى يغيب الشَّفق بجميع أنواعه.
جاء في حديث عائشة: (أَعْتَمَ) أي: تأخَّر حتَّى أصبح الوقت عتمة وظلمة. (ذَاتَ لَيْلَةٍ) أي: في إحدى لليالي، (حتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ) أي: كثير مِن أجزاء الليل، (وَحتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى) يدلُّ على جواز التأخير، وأنَّ الأفضل تأخير أداء صلاة العشاء، ما لم يشق على المأمومين.
واستدلَّ بعضهم بهذا الحديث على أنَّ النَّوم اليَسير لا يَنقض الوضوء، كما قال مالك: إنَّ النَّوم اليسير على أي صفة لا ينقض الوضوء.
قالت: (وَحتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَ») أي: وقتها المستحب، «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» رَوَاهُ مُسلمٌ.
{أحسن الله إليك.
(وَعَنْ سَيَّارِ بنِ سَلامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنا وَأَبي عَلَى أَبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبي: كَيفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأوَّلى حِين تَدْحَضُ الشَّمس، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمس حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَها الْعَتَمَةَ. وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا والْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ وَيَقْرَأُ بالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ.
وَعَنْ جَابر بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهر بالهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمس نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا؛ إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا عَجَّلَ، وَإِذا رَآهُمْ أَبْطَؤوا أَخَّرَ. وَالصُّبْحَ كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِمَ)
}.
هذه الأحاديث تتحدَّث عن أوقات الصَّلوات الخمس، الحديث الأوَّل حديث أبي برزة، لما سئل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة، (فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الهَجِيرَ)، يعني صلاة الظُّهر. (الَّتِي تَدْعُونَهَا الأوَّلى)، يسميها بعضهم الأوَّلى. (حِين تَدْحَضُ الشَّمس) أي: تزول الشَّمس وتنتقل مِن كبد السَّماء إلى جهة المغرب، يعني إذن يصلي في أول الوقت.
قال: (وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمس حَيَّةٌ) إذن أيضًا يصلي في أول الوقت.
قال: (وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ) وغيرُه من الرُّواةِ بيَّن أنَّه كان يصلي في أول الوقت.
قال: (وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ) إذن الأفضل في العشاء تأخيرها.
قال: (الَّتِي تَدْعُونَها الْعَتَمَةَ) لأنَّ السَّماء تُصبح مظلمة معتمة، فكان يستحب تأخير العشاء.
قال: (وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا والْحَدِيثَ بَعْدَهَ)، وهذا فيه دلالة على كراهة هذه الأمور.
قال: (وَكَانَ يَنْفَتِلُ) أي: ينصرف (مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) أي: صلاة الفجر، (حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ) أي: في أول وقت يبدأ فيه إسفار الشَّمس، (وَيَقْرَأُ بالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ) في أثناء الصَّلاة.
إذن كان يصلي بغلس ولا يوجد سَفَر أو نور، وهذا حديث متفق عليه.
ثم ذكر المؤلف حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: (كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهر بالهَاجِرَةِ) يعني: في أول الوقت حين تهجير الشَّمس.
قال: (وَالْعَصْرَ وَالشَّمس نَقِيَّةٌ) يعني: لازالت بيضاء صافية، مما يعني أنَّه يصليها في أول وقتها.
قال: (وَالْمَغْرِبَ إِذا وَجَبَتْ) يعني: أول دخول وقتها.
قال: (وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانً) مرات يُقدِّم، ومرات يُؤخِّر.
قال: (إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا عَجَّلَ، وَإِذا رَآهُمْ أَبْطَؤوا أَخَّرَ) وفي هذا مراعاة الإمام لأحوال المأمومين.
قال: (وَالصُّبْحَ كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ) يعني: صلاة الفجر، إذن هذا دليل لمذهب الجمهور على استحباب أداء صلاة الفجر في أول وقتها.
ولاحظوا في حديث أبي برزة الذي قبله قال: (يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَها الْعَتَمَةَ) ففي تسمية العشاء بالعتمة كأنَّه يُقر هذه التسمية، لكن في حديث آخر أنَّه نهى عن تسمية صلاة العشاء بالعتمة.
{(وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمر رَضي اللهُ عَنهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلا إِنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
هنا نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية صلاة العشاء باسم "العتمة"، وذكر أنَّ هذا خاصٌّ بالأعراب، وهم الذين في هذا الوقت يعتمون بالإبل، أي: يضربِون بها أو يجمعونها ويرتِّبونها.
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمس فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمس فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمس، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمس، فَقَدْ أَدْرَكَهَ». والسَّجدة إِنَّمَا هِيَ الرَّكعة. رَوَاهُ مُسلمٌ)
}.
إذن هذه أحاديث تُبيِّن متى يُعدُّ الإنسان مدركًا للوقت، ومصليًا في أثناء الوقت؟
إذا أدرك ركعةً تامَّةً فإنَّه يُعدُّ مُدركًا للوقتِ.
بعض العلماء قال: يُعدُّ مُدركًا للوقتِ بإدراكِ أيِّ جزءٍ من أجزاءِ الصَّلاة، ولو بتكبيرة الإحرام؛ لأنَّه قال: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً»، والسَّجدة يتحقَّق وقتها بأقلِّ وقتٍ، لكن هذا القول فيه ضعف؛ لأنَّ كلمة "السَّجدة" أُطلِقت على الرَّكعة لأنَّ السَّجدة في آخر الرَّكعة، فمن أدرك السَّجدة يكون حينئذٍ قد أدرك ركعةً كاملةً، ولذلك الأصل أنَّ نُعمل اللفظ على معناه اللغوي، فركعة يعني ركعة كاملة، أو معناها الشرعي، وبالتَّالي نقول: لا تُدرك إلا بإدراك ركعة.
قال: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً» أي: من صلاة الفجر «قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمس» فإنَّه حينئذٍ يُعدُّ قد أدرك الوقتَ، «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» هذا فيه إشارة إلى الوقت الاضطراري لصلاة العصر، وسبق أن قلنا: إنَّ هناك وقتًا اختياريًّا وهو: من صيرورةِ ظلِّ كلِّ شيءٍ مثله إلى اصفرار الشَّمس. والوقت الاضطراري من بعد الاصفرار إلى الغروب. فلو قُدِّرَ أنَّ امرأة لم تَطهُر إلا في هذا الوقت، نقول: يجب عليها أن تصلي.
{تصلي الظُّهر والعصر؟ أم العصر فقط؟}.
هناك خلاف فقهي، ولعلنا -إن شاء الله- نشير إليه، والصَّواب أنَّها لا تصلي إلا العصر فقط. والسبب في هذا: أنَّ الشَّارع إنَّما أوجب عليها صلاة الوقت، وهي مادامت حاضرة فصلاة الوقت في حقِّها العصر فقط. وهناك مَن العلماء قال: تصلي الصلاتين -الظُّهر والعصر- وهذا مرويٌّ عن بعض الصَّحابة كابن الزبير وغيره، قالوا: لأنَّها لو كانت مسافرة لوجبت عليها الصلاتان؛ لأنَّه يُجمع بينهما، قالوا: فمن باب أولى أن تجب عليها وهي حاضرة؛ لأنَّ المسافر يُخفَّف عنه ما لا يُخفَّف عن الحاضر.
جاء في حديث عائشة: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً» هذا دليل أحمد ومن وافقه على أنَّ الصَّلاة تُدرك بأقلِّ مسمى.
{(وَعَنْ عُقبَةَ بنِ عَامرٍ قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمس بازِغةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَزُولَ، وَحينَ تَضَيَّفُ: أَيْ تَمِيلُ الشَّمس لِلْغُروبِ، رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
حديث عقبة بن عامر فيه إشارة إلى أوقات النَّهي، وأوقات النَّهي على نوعين: وقت موسَّع، ووقت نهي مضيَّق.
فأوقات المضيَّق هذه لا يُفعل فيها أي شيء من الصَّلوات، سواءً كانت من ذوات الأسباب، أو من غيرها.
أمَّا أوقات نهي موسَّع، تُفعل فيها ذوات الأسباب.
إذن هذا الحديث في أوقات النَّهي المضيَّق.
قال: (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ) ليس المراد بالساعة التي في عُرفنا الحاضر، وإنَّما المراد: مقدار من الوقت.
قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ) أي: في هذه الساعات الثلاث، والنَّهي يفيد المنع والتَّحريم ويفيد الفساد.
قال: (وَأَنْ نَقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانا، الأوَّل: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمس بازِغةً حتَّى تَرْتَفِعَ) هذا وقت نهي مغلَّظ.
قال: (وَحينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَزُولَ) يعني: تتوسط الشَّمس في كبد السَّماء حتَّى تنتقل إلى جهة المغرب.
قال: (وَحينَ تَضَيَّفُ: أَيْ تَمِيلُ الشَّمس لِلْغُروبِ)، فهذا إذا دخل أولُّ قرصِ الشَّمس تحت الأفق، فإن هذا وقت نهي مضيَّق، وبالتَّالي لا تُفعل فيه أي نوع من أنواع الصَّلوات، حتَّى ذوات الأسباب.
هناك وقتان موسَّعان:
الوقت الأول: من طلوع الفجر إلى بدء طلوع الشَّمس، فبعضهم يقول: من صلاة الفجر. وبعضهم يقول: من طلوع الفجر، وهذا أظهر. فهذا وقت نهيٍّ موسَّع، تُفعل فيه ذوات الأسباب.
من ذوات الأسباب: سنَّة الفجر، تحية المسجد مثلًا، سنَّة الطواف، ولكن غير ذوات الأسباب لا تُفعل في هذا الوقت.
الوقت الثَّاني: من بعد صلاة العصر إلى اصفرار الشَّمس، هذا وقت نهي موسَّع، تُفعل فيه ذوات الأسباب، أما النفل المطلق فإنَّه لا يُصلى فيها.
{(وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمس، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حتَّى تَغِيبَ الشَّمس» مُتَّفقٌ عَلَيْه.
وَلمسلمٍ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمس، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمس».
وَعَنْ أَبي سَلَمَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاةً أَثــبَتَهَا. قَالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ: تَعْنِي دَاوَمَ عَلَيْهَا. رَوَاهُ مُسلمٌ)
}.
هذان الحديثان في أوقات النَّهي الموسَّع، حديث أبي سعيد الخدري قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ» "صلاة" نكرة في سياق النَّفي فتكون عامَّة، أي: جميع أنواع الصَّلوات، لكن وردتنا استثناءات في ذوات الأسباب.
قال: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ»، هنا للعلماء منهجان.
المنهج الأول: أي: بعد طلوع الفجر.
المنهج الثَّاني: أي: بعد صلاة الفجر.
والصواب هو القول الأوَّل؛ لما ورد في الحديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا صَلَاةَ بعدَ الفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَي الفَجْرَ»، سنَّة الفجر تُفعل متى؟ قبل الصَّلاة، فدلَّ هذا على أنَّ وقت النَّهي يبتدئ بطلوع الفجر لا بصلاة الفجر، وبالتَّالي فمن دخل المسجد فيصلي ركعتين فقط، لا يصلي أربعة -سنَّة الفجر وتحية المسجد- نقول: تحية المسجد تدخل في سنَّة الفجر، وبالتَّالي أنت ممنوع من أن تصلي فوق ركعتين بعد الفجر.
قال: «حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ» هنا وقت النَّهي المضيِّق أيضًا داخل في هذا الوقت.
قال: «وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ» هذا المراد به صلاة العصر، أما قبل العصر فإنَّه ليس من أوقات النَّهي، ولذلك ورد في الحديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحمَ اللهُ امرأً صلَّى قبلَ العصرِ أربعً»[64].
قال: «وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حتَّى تَغِيبَ الشَّمسُ» فهذا وقت نهي موسَّع، يُفعل فيه ذوات الأسباب.
في سَنةٍ من السَّنوات جاء وفد عبد القيس، فبعد صلاة الظُّهر كان النَّبي صلى الله عليه وسلم معهم واشتغل بهم ولم يصلِّ سنَّة الظُّهر، فلما صلى العصر تذكَّر سنَّة الظُّهر فقضاها صلى الله عليه وسلم، وفي هذا مشروعيَّة قضاءِ السُّنن الرَّواتب[65].
أما السُّنن غير الرَّواتب فالأصل أنَّها لا تُقضى إلا إذا ورد فيها دليل.
ومما يختص به صلى الله عليه وسلم أنَّه إذا فعل فعلًا ثبت في حقه على جهة الدوام.
قال أبو سلمة، وابن عبد الرحمن بن عوف: (أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ) وقد جاءت في بعض الروايات أنَّها كانت سنَّة الظُّهر البعدية.
قالت: (ثُمَّ أَثْبَتَهُمَ) يدلُّ على أنَّ من خصائص النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه إذا فعل فعلًا ثبت في حقه، ولذا قال: (وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاةً أَثــبَتَهَ) يعني داوم عليها.
{(وَعَنْ جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن حِبَّان وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ بَعْضُ الـمُصَنِّفِينَ الحُذَّاق: رَوَاهُ مُسلمٌ. وَهُوَ وَهْمٌ)}.
هذا الحديث يتعلَّق بمسجد الكعبة، هل فيه أوقات نهي؟ أو هو مخصوص بأن لا تكون فيه أوقات نهي من أجل أن يشتغل النَّاس بالطاعة في كل أوقاتهم؟
هذا البيت -مسجد الكعبة- فيه فضل عظيم، فالصَّلاة فيه بمائة ألف صلاة في ما عداه، ولذلك وسَّع الله -عزَّ وَجلَّ- على المكلفين، فلم يجعله مما يتعلَّق به وقت النَّهي، ومِن هُنا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ» هو جدُّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لَا تَمْنَعُوا أَحَدً» أحدًا نكرة، يدخل فيه: رجل، امرأة، محرم، غير محرم، كبير، صغير.
قال: «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» فمعناه أنَّه يجوز الطَّواف في ساعات الليل والنهار، وكذلك يجوز أداء الصَّلوات.
بعض العلماء قال: قوله «وَصَلَّى»، المراد به صلى سنَّة الطواف، ولكن قوله «وَصَلَّى» محذوف المفعول، وهو فعل ماضٍ مثبَت، فيكون حينئذٍ مطلقًا، يصدق على جميع الصَّلوات.
قال: «وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»، فهذا يدل على أنَّ مسجد الكعبة مخصوص، وأنَّه ليس فيه أوقات نهي.

 (بَابُ الْأَذَانِ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاس أَعْنَاقًا يَوْمَ القِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
.
الأذان: نداء للصلاة بصيغةٍ مخصوصةٍ، وقد علَّم النَّبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صيغ الأداء، وكان هناك منهجان: منهج أذان بلال، وأذان أبي مَحْذُورَةَ، وسيأتي -إن شاء الله- له تفصيل في ما يأتي.
قال: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاس أَعْنَاقً») فيه فضل الأذان، وارتفاع درجة من يَتولاه عند الله -عزَّ وَجلَّ.
{(وَعَنْ مَالكِ بنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)}.
مَالكِ بنِ الْحُوَيْرِثِ قدِم على النَّبي صلى الله عليه وسلم مع عددٍ مِن الشَّباب، وكانت أسنانهم متقاربة، فجلسوا يطلبون العلم مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قَال مالك: لما رَأى أنَّا قد اشتقنا لأهلنا، أمرنا أن نذهب لأهلنا، وقال: صلوا كذا لوقت كذا، الحديث.
من التَّوصيات النَّبويَّة لهم: أن قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاة» أي: إذا دخل وقت الصَّلاة، «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» فيه مشروعية الأذان، وأنَّه مأمور به، والعلماء على أنَّه من فروض الكفايات.
قال: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» لماذا قال: «أَكْبَرُكُمْ»؟ لأنَّهم في القراءة والعلم بالسُّنَّة سواء، ولذلك أمرهم أن يجعلوا التَّفاوت في السِّنِّ.
{(وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ رَبِّهِ، قَالَ: لـمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالنَّاقوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ للنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاة، طَافَ بِي وَأَنا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبدَ اللهِ! أَتَبِيعُ النَّاقوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقلتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاة، قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خيرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقلتُ: بلَى, فَقَالَ: تَقولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقولُ إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاة: اللهُ أَكْبرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاة، قَدْ قَامَتِ الصَّلاة، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّن بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ»، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمرُ بنُ الْخطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ فِي بَيتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُول: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللهِ! لقدْ رَأَيْتُ مِثلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَللَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد -وَهَذَا لَفظُهُ- وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ -وَصَحَّحَهُ-، وَزَادَ أَحْمدُ: فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذلكَ وَيَدْعُو رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلاة, قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ، فَقيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ، قَال: فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، قَالَ سَعيدُ بنُ الْمُسَيَّب: فَأُدْخِلَتْ هَذِه الْكَلِمَةُ فِي التأْذِينِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ البُخَارِيُّ: "لَا يُعْرَفُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ زيدٍ إِلَّا حَدِيثُ الْأَذَانِ".
وَعَنْ أَبي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الْأَذَانَ: اللهُ أَكْبرُ اللهُ أَكْبرُ، أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَرَّتَيْنِ، أَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاة مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ مَرَّتَيْنِ، زَادَ إِسْحَاقُ: اللهُ أَكْبرُ اللهُ أَكْبرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. كَذَا رَوَاهُ مُسلمٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكروا التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ أَرْبعًا، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمدَ في آخِرِهِ: وَالْإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى: لَا يُرَجِّعُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَة َكَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَالَ: الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّومِ. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحه"، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَعَنْ أَنسٍ قَالَ: لـمَّا كَثُرُ النَّاس ذَكَرُوا أَنْ يُعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلاة بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا، أَوْ يَضْرِبُوا ناقُوسًا، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، زَاد البُخَارِيُّ: إِلَّا الْإِقَامَةَ)
}.
هذه أحاديث في صِفة الأذان، أولها حديث عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ رَبِّهِ، يعني: هناك صحابي آخر أيضًا اسمه عبد الله بن زيد غير هذا الصَّحابي، قال: (لـمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالنَّاقوسِ يُعْمَلُ) الصَّحابة اختلفوا ماذا يفعلون؟ وكيف ينادون؟ فاقترح بعضهم أن يوضع ناقوس، فإذا دخل وقت الصَّلاة يُنَبَّه على النَّاس به، فيُعمل ليُضرب به للنَّاس لجمع الصَّلاة.
قال عبد الله بن زيد: (فرأيت رؤيا، طَافَ بِي وَأَنا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسً) أي: جرسًا كبيرًا (فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبدَ اللهِ! أَتَبِيعُ النَّاقوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟) في هذا دلالة على أنَّ الأصل في الألفاظ الشَّرعية أنَّها توقيفيَّة مِن عند الله -عزَّ وَجلَّ.
قال: (فَقلتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاة، قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خيرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقلتُ: بلَى، فَقَالَ: تَقولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ) أربع تكبيرات، هذا أذان. (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) مرتين. (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) مرتين. (حَيَّ عَلَى الصَّلاة) كذلك مرتين. (حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ) كذلك مرتين. (اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ).
عبد الله بن زيد لم يكن صوته من أحسن الأصوات بخلاف بلال، ولذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: إنَّ هذه الرُّؤيا رؤيا حق، وأنَّك قد أُريت الحُكم الشَّرعي.
لماذا صدَّقه النبي صلى الله عليه وسلم؟
لنزول الوحي على النَّبي صلى الله عليه وسلم بتصديق عبد الله بن زيد، وإلا فإنَّه لا يَصحُّ لنا أن نبني أحكامًا على الرؤى المناميَّة.
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: («فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ» أي: علِّمه صيغة الأذان، «فَلْيُؤَذِّن بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ»، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ)، أي: ألفاظ الأذان.
قوله: (وَيُؤَذّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمرُ بنُ الْخطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ فِي بَيتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُول)، قيل: إنَّ المراد بجرِّ الرِّداءِ أنَّه لم يُحكِم غلقَ الرِّداء، تلاحظون لم يقل "يجر إزاره"، وإنَّما قال: (يَجُرُّ رِدَاءَهُ) والرِّداء يكون في أعلى البدن.
ويقول: (وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللهِ! لقدْ رَأَيْتُ مِثلَ الَّذِي رَأَى) هذا من باب تواطؤ الرؤيا، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَللَّهِ الْحَمْدُ»). لماذا حمد الله -عزَّ وَجلَّ؟ لأنَّه رأى أنَّ الرؤيا قد صَدَّق بعضُها بعضًا.
قال: (وَزَادَ أَحْمدُ: فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذلكَ) استمرَّ في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم كله، قال: (وَيَدْعُو رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلاة)، فيه بيان وظيفة الأذان.
(قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ) يعني إلى صلاة الفجر، كما هي عادته صلى الله عليه وسلم، (فَقيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَائِمٌ) ليس هذا من العادة المعتادة، وإنَّما هذا نادر في حياته، (فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ). وقوله: (الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) فيه تقديم الصَّلاة على النوم.
(قَالَ سَعيدُ بنُ الْمُسَيَّب: فَأُدْخِلَتْ هَذِه الْكَلِمَةُ فِي التأْذِينِ) سَعيدُ بنُ الْمُسَيَّب تابعي، وهذا الحديث مُرسل، لكن ورد في ألفاظٍ وأحاديثٍ أُخر إدخال هذه الكلمة في الأذان. قال: (فَأُدْخِلَتْ هَذِه الْكَلِمَةُ) ما هي هذه الكلمة؟ (الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) يسمونها التَّثويب. (فِي التأْذِينِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ البُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ زيدٍ إِلَّا حَدِيثُ الْأَذَانِ).
(وَعَنْ أَبي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه) أبو مَحْذُورَةَ مؤذن النَّبي صلى الله عليه وسلم في مكَّة، بلال مؤذنه في المدينة، وذلك أنَّه لما فُتحت مكة، وُجِدَ صِبية يستهزئون بالأذان، فرأى النَّبي صلى الله عليه وسلم صوتًا جميلًا مِن أَبي مَحْذُورَةَ فدعاه وأعلمه بألفاظ الأذان.
قال: (عَلَّمَهُ الْأَذَانَ) فيه مشروعية تعليم الأذان.
قوله: (اللهُ أَكْبرُ اللهُ أَكْبرُ) هنا مُثنى، وبه قال مالك في الأذان، والجمهور على أنَّ التكبير أربع مرات.
قال: (أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) فيه تكرير شهادة التَّوحيد، وهكذا شهادة الرِّسالة، ثم بعد أن يقولها يعود مرة أخرى، فيتحدث بذلك بما يُسمعه ويُسمع من حوله، فيقول: (أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) هذا يسمونه التَّرجيع؛ لأنَّه ردَّد أو رجَّع الأذان، فيقول: (أَشْهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَرَّتَيْنِ، أَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَرَّتَيْنِ).
لماذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لأبي مَحْذُورَةَ أن يقول هذا اللفظ؟
لأنَّه كان جديدَ عهدٍ بالإسلام وكان يَسخر مِن الأذان، فشُرع أن يقول هذا اللفظ؛ ليستقرَّ التَّهليل في قلبه.
أيهما أولى: أن نسير على أذان بلال؟ أو على أذان أَبي مَحْذُورَة؟
قال أحمد وأبو حنيفة: الأفضل أن نسير على أذان بلال.
وقال مالك الشافعي: نسير على أذان أبي مَحْذُورَةَ.
قال أحمد: أذانُ بلال هو الأكثر عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم أذانَه أكثر، وبالتَّالي لو كان هناك فضيلة لشيءٍ آخر لأعلمه النَّبي صلى الله عليه وسلم بلالًا، ثم هذا التَّرجيع إنَّما قيل لسبب، ولا يصح أن يُجعل ما أتى لسببٍ قاعدة وأصلًا مضطردًا.
ثم قال: (حَيَّ عَلَى الصَّلاة مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ مَرَّتَيْنِ) ثم كبَّر مرتين، وهلَّل، هذا كله في الأذان، وذكرنا الاختلاف فيه والتَّرجيح.
أما الإقامة، فأبو حنيفة اختار إقامة أبي مَحْذُورَةَ، وفيها تكريرُ ألفاظِ الإقامة، وأحمد اختار إقامة بلال رضي الله عنه، وسيأتي وصفها.
قال: (وَالْإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى: لَا يُرَجِّعُ) إذن إقامة أبي مَحْذُورَةَ بالتَّثنية، بينما إقامة بلال بالإفراد، فبلال ما يقول: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) إلا مرةً واحدةً.
قال: (وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَة َكَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
أورد بعده من حديث محمد بن سِيرِينَ عن أَنسٍ، قال: (مِنَ السُّنَّةِ) أي: الطَّريقة المتَّبعة التي يسير عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (إِذا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَالَ: الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّومِ) فيه مشروعية هذا اللفظ "الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّومِ" وفي هذا دلالة على أنَّه لا تُضاف ألفاظ أخرى.
مَن جَاءنا وأضاف في الأذان ألفاظًا أخرى لا يُقبل منه، مثلًا: بعضهم يُصلي على النَّبي صلى الله عليه وسلم، نقول: لا يُقبل. بعضهم يقول: عليٌّ وليُّ الله. هذا لم يرد، وبالتَّالي يكون هذا من أنواع البدع.
وجاء في حديث أنس: لمَّا كثر النَّاس، ذكروا أن يُعلموا وقت الصَّلاة بشيء يعرفونه، فبعضهم اقترح نارًا، وبعضهم ناقوسًا، فأُمر بلالٌ أن يشفع الأذن، يعني أن تكون ألفاظه متكررة، وهذا باستثناء التَّهليل في آخره، ويوتر الإقامة، إلا التَّكبير في الأوَّل والأوسط، ولفظة الإقامة (قَدْ قَامَتِ الصَّلاة)، ولذلك زاد البخاري، فهذه الأفضل أن تُقال مرةً واحدةً.
ولعلنا نترك حديث أبي جُحيفة للقاءٍ آتٍ.
{ما هو الرَّد في: "الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ" للمستمع؟}.
إذا قال المؤذن: "الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"، فالأرجح أن يُقال مثل ما قال: "الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمِعْتُم المُؤذِّنَ فقولوا مِثْلَ ما يقولُ»[66]، ومنه هذه اللفظة.
بارك الله فيكم، ووفقكم الله للخير، وأصلح الله أحوال الأُمَّة، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------
[62] صحيح البخاري (527).
[63] سنن أبي داود (31139) وصححه الألباني.
[64] سنن أبي داود (1271)، وحسَّنه الألباني.
[65] أخرج البخاري (1233) ومسلم (834) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: (إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ) .
[66] صحيح مسلم (384).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك