الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أمَّا
بعد؛ فأرحب بكم إخواني وزملائي ممن ينتمي لهذه المدرسة العلميَّة وهي: الأكاديمية
الإسلامية، وأسأل الله -جلَّ وعلا- أن يُوفقنا وإيَّاكم لكل خير، وأن يَجعلنا
وإيَّاكم مِن الهداة المهتدين.
كما أسأله -جلَّ وعلا- أن يوفق -أيضًا- زملاءنا في جامعة المعرفة، الذين يستمرون في
دروسهم العلمية.
هذا هو اللقاء الرابع مِن لقاءاتنا في دراسة كتاب "المحرر" للحافظ ابن عبد الهادي
-رحمه الله تعالى.
ونتدارس فيه -إن شاء الله- باب السِّواك.
وكلمة "السِّواك" تطلق مرةً على الآلة التي يُستاك بها، يسمَّى المِسواك.
ومرة تطلق على الفعل الذي هو الاستياك أو الاستنان، فهذه الكلمة تطلق على المعنيين،
وكلاهما مراد هنا.
ومِن هذا ما ورد في الحديث: «السِّواك مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ
مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»[13]، والمراد به الفعل، وهذا هو الأظهر، وقيل: إنَّ
المراد به الآلة.
لعلنا نقرأ شيئًا مِن أَحاديث هذا الباب.
{بسم الله، والحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وبعد..
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا.
(باب السِّواك
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«السِّواك مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» رواه أحمد والبخاري
تعليقًا مجزومًا به، والنسائي وابن حبان، وأخرجه ابن خزيمة بطريق أخرى في صحيحه.
ورواه أحمد من حديث أبي بكر الصديق، وابن عمر رضي الله عنهم، ورواه ابن حبان من
حديث أبي هريرة.)}
أوردَ المؤلف هُنا حديث عائشة «السِّواك مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ
مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»
المراد هنا: الفعل الذي يكون بالآلة، فلو وُجِدت الآلة ولم يُوجد فعل؛ فإنه لا يكون
مَطهرة للفم.
وقوله: «مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» أي: يُبعد عنه أنواع
الأذى، ويُبعد عنه الروائح غير المرغوب فيها.
وقوله: «مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» أي: سبب مِن أَسباب
استجلاب مرضاة ربَّ العزة والجلال، وقد نسبه المؤلف إلى الإمام أحمد –أي: في
المسند- كما نسبه إلى البخاري تعليقًا مجزومًا به.
روايات الإمام البخاري في الصَّحيح منها ما هو متصل، ومنها ما هو مُعَلق.
المُعَلق: هو الذي حَذَفَ الإمام البخاري فيه شَيخه، أو شَيخه وشَيخ شَيخِه، أو
جميع طبقات الإسناد إلى الصحابي، هذا يقال له تعليقًا.
والمعلق نَوع مِن أَنواع المُرسل، فإذا كان الراوي يُرسِل عن الضعفاء ويُسقط
الضعفاء فلا يُقبل إرساله باتفاق، لكن إِذا عُلم مِن شَأن الراوي أنَّه لا يُسقط
إلا الثقات، فهل تُقبل روايته؟ قال الجمهور: نعم، خلافًا للإمام الشافعي.
وقوله: مجزومًا به؛ لأن المُعلقات في البخاري مرة يقول: روى فلان كذا. هذا مجزوم
به. وإذا أراد إبعاد الجزم فيرويه بصيغة البناء للمجهول "رُوي"، أو"قيل"، ونحو ذلك.
وما رواه البخاري بصيغة المجزوم به أقوى مما رواه معلَّقًا بصيغة التمريض، والتمريض
يعني التضعيف، وهي المقَابِلة لصيغة الجزم.
قال: والنسائي -أي: صاحب السنن- وابن حبان، وأخرجه ابن خزيمة بطريق أخرى في صحيحه.
هذه الطريق تُشعر بأنَّ الخبر ثابت، وتعدد الروايات للحديث الواحد عَن صحابيٍّ
واحدٍ يُقال له: "شَواهد"، أو "متابعات"، فإذا كانت الروايات المتعددة عن نفس
الصحابي نقول: "متابعات"، وإذا كانت من رواية غيره نقول: "شواهد".
وقد أوردَ المؤلف عَددًا مِن الشواهد، مثل: حديث أبي بكر، وحديث ابن عمر، وحديث أبي
هريرة رضي الله عنهم أجمعين.
الحديث الأول يُشعر بأنَّ السِّواك مُستحب في جميع الأوقات.
أمَّا "الاستحباب" المطلق فمحل اتفاق، وأمَّا كونه مستحبًا في جميع الأوقات فليس
بمحل اتفاق، فقد قال الإمام أحمد والشافعي: الأفضل للصَّائم ألا يَستاك بعد الزوال.
{(وعن المقداد بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها
«أنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ،
يَبْدَأُ بِالسِّواك»، رواه مسلم)}.
قال في حديث شريح عَن عائشة كان النَّبي صلى الله عليه وسلم
«إذا دَخَلَ بيته يبدأ بالسِّواك»، فيه استحباب البداءة بالسِّواك عند دخول
البيت.
وإذا كان هذا في بيت الإنسان نفسه، فحينئذ نقول مَا مَاثله ممَّا يُطلب فيه التطهير
يأخذ حُكمه، كالمسجد، وكزيارة الآخرين، ونحو ذلك.
{(وقال الإمام أحمد في المسند: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ)}
هو عبد الرحمن بن مهدي، لأن عبد الرحمن يجعل الآخرين يقرأون كتبه. مثلاً: يقول
الإمام أحمد: أنت يا عبد الرحمن كتبت الآتي "مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد
الرحمن". هذا إسناد عبد الرحمن، فبين الإمام أحمد ومالك عبد الرحمنُ.
{(عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَالَ:
«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواك عِنْدَ كُلِّ
وُضُوءٍ»
رواته كلهم أئمة أثبات، ورواه أحمد عن روح عن مالك مرفوعًا أيضًا ومن رواية روح
رواه ابن خزيمة في صحيحه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواك عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» متفق عليه.)}
تلاحظون الفرق بين الروايتين، فالرواية الأولى قال فيها:
«مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ»، وفي الرواية الثانية قال:
«عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ».
هل هما حديث واحد وبالتَّالي نحتاج إلى الترجيح، فتكون الرواية المتفق عليها في ذكر
الصَّلاة هي الأرجح؟ أو نقول: هما حديثان مستقلان لا نحتاج إلى الترجيح بينهما،
وَرَوى كل واحد منهما عدد من الأئمة، وبالتَّالي لا تعارض بين الحديثين؟
الأظهر تصحيح كل الروايات، وعدم اتِّهام أحد مِن الروايات بالغلط أو نحوه، ولذلك
الذي يظهر ثبوت الروايتين معًا، ومِن ثمَّ يُستحب السِّواك عند الوضوء، ويُستَحب
السِّواك عند الصَّلاة، ومِنَ المعلوم أنَّ السِّواك إنَّما يُستحب قبل البداءة
والشروع، قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام يَستاك، أليس كذلك؟
قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» فيه أنَّ
الشريعة الإسلامية شريعة رحمة ليس فيها آصار ولا أغلال وإنما هي للرحمة.
قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» يعني:
أمة الإجابة، «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواك» السِّواك
مندوب وليس بواجب، وهنا تُشعر هذه الصيغة بأنَّ السِّواك غَير مأمورٍ به، فدلَّ هذا
على أنَّ الأمر يُفيد الوجوب، ولما نفى الأمر هنا وكان السِّواك مندوبًا دلَّ على
أنَّ الأمر للوجوب، قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى
أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواك عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ»، وفي اللفظ
الآخر:
«عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» فيها استحباب السِّواك في هذه
المواطن.
طيب قوله: «وُضُوءٍ» يُشرع له استعمال السِّواك سواء
كان الوضوء تجديدًا أو كان ابتداءً لرفع الحدث، كلاهما يُشرع معه.
طيب هل نلحق بالوضوء الاغتسال؟
قالت طائفة: نعم.
طيب: هل نلحق بذلك التيمم؟
الجمهور يقولون لا، التيمم ليس فيه استعمال ماء، وبالتَّالي ليس مِن مواطن تأكُّد
استعمال السِّواك.
وفي قوله هنا: «عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» هل هي خاصة
بالفرائض أو تشمل النوافل أيضًا؟
ظاهر اللفظ العموم؛ لأنَّ لفظة «كُلِّ» مِن ألفاظ
العموم، فتشمل: الأداء والقضاء والإعادة، وتشمل كذلك: الصَّلاة آخر الوقت والصَّلاة
خارج الوقت، وتشمل أيضًا: صلاة الفرض وصلاة النَّفل، وتشمل: الصَّلاة في مكة وفي
غيرها.
{( وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّواك»
متفق عليه، و "يَشُوصُ فَاهُ" بمعنى يدلك، وقيل: يغسل، وقيل: ينقي)}
هذا حديث آخر وهو حديث حذيفة بن اليمان، «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ»،
يعني: استيقظ لصلاة الليل، «مِنْ اللَّيْلِ» هنا
ظرفية، و «قَامَ» المراد بها الاستيقاظ.
«يَشُوصُ» فسَّر المؤلف هذه اللفظة بثلاثة معانٍ:
الدَّلك والغسل والإنقاء. كلٌّ هذه الأقوال مُتقاربة.
«يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّواك» أي: يَستعمله في فاه، وفي
هذا دلالة على تأكيد مشروعية استعمال السِّواك عند القيام من النوم.
{(وللنسائي عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ:
«كُنَّا نُؤْمَرُ بِالسِّواك إِذَا قُمْنَا مِنَ اللَّيْلِ»)}.
هذا أيضًا فيه استحباب وتأكُّد السِّواك في الليل، وقوله: "كُنَّا نُؤْمَرُ" هذا لا
يُحمل على الوجوب؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نفى وجوبه -كما تقدَّم.
{(وعن أبي موسى رضي الله عنه قال:
«أَتَيْتُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ
بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ أُعْ أُعْ وَالسِّواك فِي فِيهِ كَأَنَّه يَتَهَوَّعُ»،
لفظ البخاري، ولفظ مسلم: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرَفُ السِّواك عَلَى لِسَانِهِ فحسب»)}.
قوله: «أَتَيْتُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ»، يدل على أنه لا بأس من استعمال السِّواك في مجامع
النَّاس، ولا حرج فيه.
قال: «بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ»، السِّواك هنا يراد به في
الأصل عود الأراك، لكن هل السِّواك مختص بهذا النوع أو كل ما نقَّى فإنه يسمَّى
سواكًا؟
يقول الجمهور: "لا" مختصٌّ بهذا النوع.
وبعضهم قال: البقيَّة تُلحَق بأعواد الأراك.
طبعًا بعضهم قال: كل ما نظَّف الفم وأَبعَدَ عنه الأذى؛ فإنه يسمَّى سواكًا.
قوله: «بِيَدِهِ»، معناه أنَّه استعمل يد واحدة في
السِّواك.
هل الأفضل أن يستعمل اليمين أو يستعمل الشمال؟
قال بعضهم: يَستعمل اليمين لما ورد في حديث عائشة: «كانت
يمين النَّبي صلى الله عليه وسلم لأكله وشربه وأخذه وعطاءه إلى أن قالت: وسواكه»[14].
فمعناه أنه يستعمل اليمين.
آخرون قالوا: قول السِّواك يعني: أنَّه يبتدئ بالشِّق الأيمن.
وعلى كلٍّ فقوله هنا «بيده»، ظاهره أنها يد واحدة،
والذي يظهر أنها اليد اليمنى.
يقول: «أُعْ أُعْ» فهي جواز ظهور الصوت من الإنسان
عند مجامع النَّاس، وخصوصًا فيما يشاهدونه يفعله.
قال: «وَالسِّواك فِي فِيهِ»، أي واقع في فَمِه.
قوله: «كَأَنَّه يَتَهَوَّعُ»، أي: من شدَّة استعماله
للسواك.
وفيه لفظ: «وَطَرَفُ السِّواك عَلَى لِسَانِهِ كأنه فحسب»،
يعني كفاه ذلك.
{(وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم
قال: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ
يوم القيامةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» رواه مسلم.)}
هذا الحديث استدلَّ به بعض الفقهاء على عدم استحباب السِّواك بعد الزَّوال في
أيَّام الصيام، وهم الحنابلة والشافعية، وقالوا: الخلوف وهو الرائحة التي تصدر مِن
فَمِّ الصائم، «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وبالتَّالي لا نستحسن إزالة هذا الخلوف.
ولكن الجمهور يقولون باستحباب استعمال السِّواك للصائم بعد الزوال، ويستدلون على
ذلك بعموم النصوص الواردة في فضيلة السِّواك، وقالوا: إنَّ الحديث ليس فيه دلالة
على عَدم استحباب السِّواك للصائم بعد الزوال؛ لأنَّ الخلوف لا يصدر من الفم،
وإنَّما الخلوف يصدر مِن المعدة لخوائها وكونها أصبحت خالية، حتى لو استاك يصدر منه
الخلوف.
في الحديث جواز استعمال المسك؛ لأنَّه جَعَلَه طيبًا، وَشَبَّه بعض المباحات به.
{(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ، قَصُّ الشَّارب،
وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّواك، وَاسْتِنْشَاقُ الماء، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ،
وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ
الْمَاءِ»، قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ
الْمَضْمَضَةَ.
قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء، رواه مسلم.
وذكر له النسائي والدارقطني علة مؤثرة، ومصعب هو ابن شيبة، تُكلم فيه.
قال النسائي: منكر الحديث)}
المراد بالفطرة: الأصل السليم الذي خُلق النَّاس عليه، تلك الفطرة التي فَطَرَ
اللهُ النَّاس عليها.
وقوله: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ» أي: متناسبة مع
الخِلْقَة والفطرة التي وُجدت في قلوب النَّاس.
وأوَّل ذلك: «قَصُّ الشَّارب»، والشَّارب هو الشعر
الذي يَنبت على الشَّفةِ العُليا، ويكون أسفل الأنف، والمشروع قصُّه، وفي هذا
استحباب قصِّ الشَّارب.
لا يقول قائل: إنَّ الحديث جَعَلَ قصَّ الشَّارب مِن الفطرة فيكون واجبًا؛ لأنَّه
لا يوجد صيغة وجوب هنا.
الحديث دلالة على أنَّ قصَّ الشَّارب أفضل مِن حلقه، لذلك قال به الجمهور خلافًا
لمالك، حيث إنَّ بعض المالكيَّة يمنع حلق الشَّارب.
قال: «وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ» أي: إبقاؤها وعدم أخذ
شئٍ منها، واللحية تَصدق على ما كان عند الذَّقن، فهي الشعر النابت على الذَّقن،
بالإضافة للشعر النابت على اللحيين، وهما العظمان اللذان يكونان على جانبي الوجه،
هذا أيضًا من اللحية.
وأمَّا مَا كان على الرقبة فإنَّه لا يُعدُّ لحيةً، ووقع اختلافٌ فيما كان على
الخدين، هل هو من اللحية أو لا؟
وقوله «وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ» قد ورد في النصوص
الأخرى: إيجاب إعفاء اللحية.
قال: « وَالسِّواك» هذه الخصلة الثالثة، وقد تقدم
البحث فيها.
قال: «وَالِاسْتِنْشَاقُ» يعني: في الوضوء، والمراد
باستنشاق الماء، أي: سحبه ليصل إلى أعلى، ثمَّ يحتاج بعد ذلك إلى نثرِه.
والخصلة الخامسة: «وَقَصُّ الْأَظْفَارِ» الظفر ما
يكون في طرف الأصابع، إذا ترُكت الأظفار مدة طالت، وقد جاء في الحديث توقيت ذلك
بأربعين يوم[15].
قال: « وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ»: أي عُقَدُ الأصابع
التي تكون في أعلاها، فيستحب غسلها وتعاهدها وتفقدها؛ لأنها قد يكون فيها شئ مِن
القذارة لا ينتبه الإنسان له.
«وَنَتْفُ الْإِبْطِ»: الإبط المراد به الشعر النابت
في موطن الإبط، ونتفه: سحبه باليد، لهذا يُشرع نتف الإبط ولا يُشرع حلقه ولا
إزالته؛ لأن هذا الشعر الذي في الإبط يخرج به شر من البدن.
قال: «وَحَلْقُ الْعَانَةِ» العانة: الشعر الخشن
النابت فوق القبل، ومن خصال الفطرة حلق ذلك الشعر، وبالتَّالي الأولى الحلق ويكون
بالموسى ومَا ماثله.
قال: «وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» يعني الاستنجاء
والاستجمار.
الاستجمار: هو غسل المقعدة بغير الماء مِن المطهرات لإزالة ما فيها من القذر.
بينما الاستنجاء يكون باستعمال الماء.
إذن الاستجمار يكون بغير الماء.
هذه خصال الفطرة، هل معنى هذا أنَّها ليست واجبة جميعًا؟ نقول: "لا"، الحديث ليس
دالًا على ذلك.
{(وعن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عَنْ أَنَسٍ
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «وَقَّتَ لَنَا فِي قَصِّ
الشَّارب وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ
لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». رواه مسلم، وقال ابن عبد
البر: لم يروه إلا جعفر بن سليمان، وليس حجة لسوء حفظه وكثرة غلطه.
وقد وثق جعفر ابن معين وغيره، وقال ابن علي: هو عندي ممن يجب أن يقبل حديثه.
وقد روى هذا الحديث أحمد وأبو داود والترمذي من رواية ابن موسى الدقيقي، وفيه ضعف،
عن أبي عمران وفيه: «وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»)}
هذا حديث أنس بن مالك. فقوله: «وَقَّتَ لَنَ»، أي:
جُعِلَ وقتٌ في قصِّ الشَّارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، بحيث لا
نَزيد عَن هذا الوقت، أي: لا تُترك أكثر من أربعين ليلة، وفيه جواز أن يُؤخذ مِن
هذه الأشياء قبل هذه المدة، لكن يُمنع مِن تركها بعد هذه المدة.
{(وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَا
أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ». متفق عليه،
وهذا لفظ البخاري}.
قوله: «اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ»، الختان: إزالة الغلفة
التي تكون في أعلى الذكر، والتي عادة ما تجتمع فيها القاذورات والنجاسات، والختان
عمل مشروع، قد كان النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يختنون صبيانهم.
وقوله: «اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ» النَّبي عليه
السَّلام خليل الرحمن، «بَعْدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ
ثَمَانُونَ سَنَةً»، لم يُشرع في حقه إلا بعد أن بَلَغَ هذا السن، فأُخذ مِن
هذا أنَّ الختان واجب، وإلا لما كَشَفَ عَن عَورته مِن أَجل ذلك.
قال: «وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُّومِ»، قيل: إنَّ
القدُّوم مكان، وقيل: إنَّه آلة، وعلى كلٍّ فهذا الحديث الذي وَرَدَ عَن إِبراهيم
-عليه السَّلام- فيه مشروعية الختان، بل وجوبه، وقد قال بالوجوب: أحمد، والشافعي،
واستدلوا بأحاديث منها هذا، وحديث إنما هو في الذكور.
{(وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى
النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَزَعِ». متفق عليه)}.
المراد بالقزع: حلق بعض شعر الرأس، وترك بعضه الآخر، فهذه الطريقة مُحَرَّمَةٌ، ولا
يجوز للنَّاس أن يفعلوها، لكن لو خفَّف بعض الشعر ولم يُخفف غيره، فهل يكون من
القزع المنهي عنه؟
الجمهور يقولون: "لا"، ليس منهيًّا عنه، وليس داخلًا في هذا الباب؛ لأنَّ القزع حلق
بعض الشعر، وترك بعضه، وهذا ليس فيه حلقٌ.
واستدل الإمام مالك بهذا الحديث على عدم جواز الحلق بلا سبب، يقول: لا تحلق إلا
لسبب. ويستدل على ذلك بعدد من الأحاديث، منها: ما جاء في وصف الخوارج في آخر
الزمان، وأنَّ سيماهم التحليق[16].
والجمهور يقولون باستحباب حلق الشعر، وعدم المنع منه، ويستدلون عليه بأحاديث، منها
حديث أبناء جعفر بن أبي طالب عندما جاء إليهم النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة
أبيهم بثلاث، فَحَلَقَ شعورهم[17].
{(وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد
الرزاق، قال: "أنبأنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن النَّبي صلى الله
عليه وسلم رأى صبيًّا قد حُلق بعض رأسه، وتُرك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال:
«احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ»، وهذا إسناد صحيح، ورواته
كلهم أئمة ثقات، والله أعلم)}.
قال: "رأى صبيًّا قد حُلق بعض شعره"، أي: شعر الرأس، وتُرك بعضه، فنهاهم النَّبي
صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ
اتْرُكُوهُ كُلَّهُ»، وفي هذا نهي عن القزع، وظاهره أنَّ القزع مُحَرَّم ولا
يجوز فعله؛ لأن الأصل في النهي أن يكون للتحريم.
وبهذا نكون قد انتهينا من باب السِّواك، عندكم أسئلة في هذا الباب أو تعليق؟
{أحسن الله إليكم شيخنا وبارك فيكم، في هذا الزمان بعض المراهم، أو المواد
الكيميائيَّة التي تُستعمل لإزالة شعر الإبط والعانة، فهل يدخل هذا في معنى
الاستحداد ونتف الإبط؟}.
عندنا فعلان مشروعان:
الأول: إزالة الشعر.
والثاني: في طريقة إزالة الشعر.
فمن استعمل النُّورة، أو ماكينة الحلق، فإنَّه قد وافق في جانب، وهو أنَّه أزال
الشعر عَن هذه المواطن، وإن لم يوافقه في الجانب الآخر في موضوع الآلة التي تُستعمل
في هذا الباب، وبالتَّالي هو له أجر فيما يتعلق بهذا النوع.
{جزاكم الله خيرًا، في باب السِّواك: مَن اكتفى باستعمال الفرشاة وما شابه ذلك، هل
يُحتسب مِن الذين يستنون بسنة النَّبي صلى الله عليه وسلم أو لا يُثاب عليه؟}.
هناك منهجان للفقهاء.
منهم مَن يقول: هذا خاصٌ بعود الآراك، وهو الذي يسمَّى سواكًا، وهو الذي استعمله
النَّبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من يقول: كلُّ منظِّفٌ للفم، فإنه يسمَّى سواكًا.
فهذان المنهجان -أظن أشرت إليهما في أول حديثي- منهجان قديمان، يترتب عليهما حكم
الفرشاة، هل هي من النوع الأول، أو من النوع الثاني؟
هنا فيه تردد، إذن على المذهب الأول، الذي يقول: كل تنظيف للفم فهو استياك، فإنه
يكون استياكًا، وإن كان مما يُخصُّ بأعوادٍ معينة، فحينئذ لا يُعدُّ كذلك.
{السؤال الثاني: مِن ناحية اللحية، هل الذي يَحلق لحيته، هل عليه إثم؟ وما حكمه؟}.
إذا قلنا إنَّ إعفاء اللحية واجب تعيَّن تركها، ولكن هل يكفر الإنسان بحلقها؟ نقول:
"لا يكفر"، هل يُفسَّق؟ نقول: يُرجع إلى أحوال النَّاس في هذا الباب، إذا كان هذا
شأنهم جميعًا، لم تُردَّ شهادته، لكن ظاهر النَّص أنَّه يأثم بهذا، لكن لا نعدُّها
كبيرةً لذاتها.
{أحسن الله إليكم شيخنا، بالنِّسبة للاختتان: هل له وقتٌ محدد؟}.
كانوا في الزمان الأوَّل، يختتنون على كِبر في السن، ولا يوجد هناك وقتٌ محدد
للختان، بعض العلماء يُفضِّل أن يكون المختون صبيًّا صغيرًا، لئلا يستشعر هذا
الفعل، ويُلاحظ أيضًا أنَّ صحَّة الإنسان تكون مؤثرة في هذا الجانب، يعني: عندك صبي
مريض بمرض "السكري"، يُؤخَّر حتى يتماسك دمه، وهكذا أيضًا في وقت حرارة أو وقت
برودة يُلاحظ هذا المعنى.
وهذا نبَّهني إلى شئ! وهو حكم الختان بالنسبة للإناث، وهذه المسألة للعلماء فيها
أقوال ثلاثة مشهورة:
· أحدهم قال بالوجوب.
· والثاني قال بالاستحباب.
· والثالث قال بالإباحة.
والأظهر هو القول بالإباحة، فهو ليس بواجب، وليس بمستحب، وإنما هو مباح.
أمَّا كونه مباحًا؛ لأنه فُعِلَ في زمن النُّبوة، ولم يُنكره النَّبي صلى الله عليه
وسلم.
وأمَّا كونه ليس بواجب ولا مُستحب، فلأن النَّبي صلى الله عليه وسلم تركه ولم
يفعله، وبالتَّالي يظهر أنَّ الختان بالنِّسبة للنساء مُباح، وليس بواجب ولا
مُستحب.
إذن، نعود إلى أحاديث هذا الباب، ونؤكد على ما فيه مِنَ المعاني.
ففي ذلك: مشروعية السِّواك، واستحبابه، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«السِّواك مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»، وشأن ذلك أنَّه يُتأكد
في عدد من المواطن، مِن تلك المواطن:
- إذا دخل في بيته، فإنه يُتأكد في حقه
استحباب السِّواك.
- ومن ذلك: استعمال السِّواك مع الوضوء.
- ومن ذلك: استعمال السِّواك مع الصَّلاة،
وأخذنا من الأحاديث الواردة في هذا: أن الأمر يفيد الوجوب، وأنَّ الشريعة لم تأتِ
بما يشقُّ على النَّاس.
- ومن مواطن تأكد الاستحباب: إذا قام الإنسان
مِن الليل، ويُقاس على هذا: المواطن التي يُعتقد فيها بوجود تغيُّر في الفم، فإنه
يُستحب استعمال السِّواك حينئذ.
وفي هذا الحديث أيضًا: التَّأكيد على استحبابِ التَّدقيقِ والتَّدليكِ بالسِّواك.
وفي هذا الباب مسألة: هل استحباب السِّواك في كل وقت؟ أو يستثنى من ذلك وقت ما بعد
الزوال؟
قلنا: هناك منهجان للعلماء:
- يقول الشافعي وأحمد: لا يُستحب للصائم أن
يستاك بعد الزوال، وبعضهم يكرهه.
- والجمهور على استحبابه.
قلنا منشأ الخلاف في هذا: هل السِّواك مما يغير رائحة فم الصائم أو لا.
وفي هذا الباب مِن الفوائد:
§ ذكر خصال الفطرة، ومنها: قص الشَّارب،
وإعفاء اللحية، والسِّواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط،
وحلق العانة، وانتقاص الماء. هذه تسع، والراوي نسي العاشرة.
§ وفي هذا الخبر أيضًا أنَّ قصَّ
الشَّارب وتقليم الأظفار لا ينبغي أن يُجاوَز به مدة الأربعين يومًا، ومثله نتف
الإبط، وحلق العانة.
§ وفي هذا الباب أيضًا مِن المسائل
والأحكام: مسألة الختان.
ويبقى عندنا مسألة وجوب الختان، هل هو واجب في حق الذكور؟ أو ليس بواجب؟
مَن قال بوجوبه استدل باختتان إبراهيم بعد كبر سِنِّه، وبأمر النَّبي صلى الله عليه
وسلم بذلك كما في قوله: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْارَ الْكُفْرِ
وَاخْتَتِنْ»[18].
ومما يتعلق بهذا الباب: النهي عن القزع، وهو حلق بعض الرأس وترك بقيته.
فهذه أحاديث هذا الباب. عندكم شئ فيها.
لعلنا -إن شاء الله- نقرأ الآن عددًا مِن أحاديث الكتاب القادم، باب صفة الوضوء،
ولا نشرحها، ونترك شرحها للدرس القادم. تفضل.
{(باب صفة الوضوء وفرائضه وسننه.
عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ
أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ
غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ
رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى
مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ
وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا
نَفْسَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ هَذَا الْوُضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ
أَحَدٌ لِلصَّلَاةِ. متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وقال البخاري: "ثم تمضمض واستنشق
واستنثر".
وعن فِتر عن أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ
ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رواه أبو داود عن زياد بن أيوب، عن
عبيد الله بن موسى عن فطر، ورواته صادقون مُخَرَّجٌ لهم في الصَّحيح، وأبو فروة
اسمه: مسلم بن سالم الجُهني.
عَنْ عَمْرٍو بن يحيى المازني عَنْ أَبِيهِ، قال: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي
حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ
النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ
التَّوْرِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ
فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ
فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى
الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا
وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فقال:
«هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَتَوَضَّ».
وفي رواية: فَمَضْمَضَ واستنثر ثلاثَ مراتٍ من غرفة واحدة.
وفي رواية: بدأ بمقدم رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ
منه، متفق عليه.
وعن حبان بن واسع، أن أباه حدَّثه أنه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم يَذكر أنَّ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ وفيه: « وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ
بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ، وغَسَل رِجْلَيهِ حَتَّى أَنقَاهُمَ»، رواه
مسلم.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ
الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ
وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ
فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ
بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ
أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ:
«هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ
وَظَلَمَ» أَوْ
«ظَلَمَ وَأَسَاءَ».
رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجة والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وإسناده
ثابت إلى عمرو، فمن احتج بنسخته عن أبيه عن جده، فهو عنده صحيح، وفي رواية أحمد
والنسائي: فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
«هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى
وَظَلَمَ»، وليس في رواية أحد منهم: «أو نقص»
غير أبي داود، وقد تكلم فيه مسلم وغيره، والله أعلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي
أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ».
وعَنْهُ أنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ
فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ »
متفق عليه.
وعنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا اسْتَيْقَظَ
أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى
يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رواه
مسلم، وعند البخاري: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ
نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ ، فَإِنَّ
أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ».
ورواه ابن ماجة والترمذي، وصححه: «إِذَا اسْتَيْقَظَ
أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ
عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثً».
وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ. قَالَ: «أَسْبِغِ
الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ صَائِمً»، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم وغيرهم، وزاد أبو داود في رواية:
«إذَا تَوَضَّأْت فَمَضْمِضْ»، ورواه الدولابي في ما جمعه من حديث الثوري،
ولفظه: «إذَا تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ
وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمً»، وصححه ابن قطان.
وعن ابن عباس قال: تَوَضَّأَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً
مَرَّةً، وعن عبد الله بن زيد: أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ
مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، رواهما البخاري.
وعن عامر بن شقيق بن جمرة، عن أبي وائل، عن عثمان -رضي الله عنه-، عن النَّبي -صلى
الله عليه وسلم- أنه كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، رواه ابن ماجة، والترمذي، وصححه
ابن خزيمة، وابن حبان)}.
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف في هذا الباب في أحاديث في صفة وضوء النَّبي صلى
الله عليه وسلم وإن شاء الله نقوم ببيان أحكامها، وشرح مفرداتها في لقائنا القادم،
نبتدئ بشرح هذه الأحاديث حيث سبقت قراءتها في هذا اللقاء.
بارك الله فيكم، وفقكم الله للخير، كما أسأله -جل وعلا- لإخواننا المشاهدين الكرام
التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعلهم موفَّقين، كما أسأله -جل وعلا- أن يصلح أحوال
المسلمين، وأن يجعلهم موفَّقين في كل أمورهم، متحابِّين، متعاونين، وأسأله -جل
وعلا- أن يصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم اكفِ المسلمين شر أعدائهم، اللهم واجعل
ولاة أمورهم سبب خير لهم. هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله
وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
-----------------------
[13] رواه أحمد والبخاري تعليقًا مجزومًا به، والنسائي وابن حبان، وأخرجه ابن خزيمة
بطريق أخرى في صحيحه
[14] سنن أبي داود(32)، وصححه الألباني في صحيح أبي
داود. ولفظ الحديث: عن حفصة رضي الله عنها"أنَّ النَّبي صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ كانَ يجعلُ يمينَهُ لطعامِهِ وشرابِهِ وثيابِهِ، ويجعلُ شمالَهُ لما سوى
ذلِكَ".
[15] سنن الترمذي (2758) وصححه الألباني في صحيح
الترمذي، ولفظه: "أنَّهُ وقَّتَ لَهُم في كلِّ أربعينَ ليلةً تَقليمَ الأظفارِ ،
وأخذَ الشَّاربِ ، وحلقَ العانةِ".
[16] صحيح البخاري (7562) ولفظه: "يخرج ناسٌ من
قِبَلِ المشرقِ ، ويقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ تراقيهم ، يمرُقون من الدِّينِ كما
يمرقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ ، ثم لا يعودُون فيه حتى يعودَ السهمُ إلى فوقِه )
. قيل : ما سِيماهم ؟ قال : سيِماهم التَّحليقُ".
[17] سنن أبي داود (4192) وصححه الأباني في صحيح أبي
داود، ولفظه: "لا تبكوا على أخي بعدَ اليومِ ،ثمَّ قالَ: ادعوا لي بَني أَخي فجيءَ
بنا كأنَّا أفرُخٌ، فقالَ: ادعوا لي الحلَّاق فأمرَهُ فحلقَ رؤوسَنا".
[18] سنن أبي داود (356) وحسنه الألباني في صحيح أبي
داود.