{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله مشاهدينا الكرام في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج (جادة المتعلم) ، نصطحبكم في هذه الحلقات في شرح كتاب (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ سهل بن رفاع العتيبي، باسمي واسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ.
حياكم الله فضيلة الشيخ}.
حيّاكم الله، وحيّا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله -عز وجل- للجميع العلم النافع والعمل الصالح، والتوفيق لِما يحب ربنا ويرضى.
{نستأذنكم في البدء فضيلة الشيخ}.
نعم، استعن بالله.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، قَوْل الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ) }.
هذا هو الموضوع الرابع في كتاب (العقيدة الواسطية) فنقول بعد حمد لله، ونصلي ونسلم على رسول الله ﷺ: ابن تيمية -رحمه الله- قسم العقيدة الواسطية الى موضوعات، فابتدأ بعد المقدمة الذي ذكر فيها مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة، ذكر الموضوع الأول وهو موضوع الأسماء والصفات، وبيّن مُعتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب المهم، وضوابط هذا الاعتقاد، وأشار إلى قواعد مُهمة في هذا الباب، ولَمَّح بهذه القواعد إلى الرد على المخالفين في هذا الباب، ثم أطال في ذكر الأدلة من كتاب الله -كما يذكر الإخوة المشاهدون- ثم ذكر الأدلة من السنة في صحة هذا المعتقد، ثم أشار إلى وسطية أهل السنة والجماعة في أبواب الدين عموماً، وذكر خمسة أصول تُبين وسطيتهم في جميع أبواب الدين، ثم عاد مرة أخرى وأكد على صفات كثر فيها اللغط والغلط، وأيضا كثر فيها الخلاف بين أهل السنة وبين مخالفيهم. هذا هو الموضوع الأول الذي يستغرق ما يقارب ثُلث العقيدة الوسطية.
ثم ذكر الموضوع الثاني وهو ما يتعلق بمعتقد أهل السنة والجماعة في اليوم الآخر، وأحوال البرزخ، وما يتعلق بالوعد والوعيد.
ثم الموضوع الثالث وهو موضوع القدر، وهذا هو الموضوع الرابع، قال: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) ، وهو موضوع الإيمان، وموضوع الإيمان الموضوعات الكبرى التي يذكرها أهل السنة والجماعة في كتب العقائد المختصرة؛ لأنَّ هذا الموضوع يُميز أهل السنة والجماعة عن الفرق المنتسبة للإسلام، والفِرق المنتسبة للإسلام في هذا الموضوع بين طرفين نقيض، طوائف الوعيدية من جهة، وطوائف المرجئة من جهة أخرى، فهذا غلو وهذا غلو، وهذا إفراط وهذا تفريط، وأهل الحق وسط في هذا الباب كما هم وسط في جميع أبواب الدين.
وموضوع الإيمان من الموضوعات المهمة، ولهذا يُفرد موضوع الإيمان في كتب خاصة، في كتب الإيمان، ويُفرَد أحيانًا في المصنفات الحديثية بأبواب أو كتب، كما صنع البخاري في صحيحه في أول الصحيح في كتاب الإيمان، وفي آخر الصحيح في كتاب التوحيد.
كتاب الإيمان يُعنى بأركان الإيمان، وشُعب الإيمان، ودخول الأعمال في مسمى الإيمان، والرد على المرجئة، والرد على الوعيدية في هذا الباب.
وأمَّا التوحيد؛ فإنه يُعنى بالتوحيد بأنواعه الثلاثة، أو بتوحيد العبادة، ولهذا ينبغي للمشاهدين أن يُفرقوا بين موضوعات كتب الإيمان وموضوعات كتب التوحيد، فكتب التوحيد تُعنى بأنواع التوحيد الثلاثة، أو بتوحيد العبادة كما صنع شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه: "التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، فهو يُعنى بتوحيد العبادة.
وأمَّا كتب الإيمان فتعنى بالإيمان بالمعنى العام أو بالمعنى الخاص، وتُبين دخول الأعمال تحت مسمى الإيمان وشعب الإيمان، والرد على المرجئة، ولهذا قد يسأل سائل من طلاب العلم فيقول: ما الفرق بين هذا الفصل وبين ما قرره المصنف -رحمه الله- في أول الكتاب؟ فهنا قال: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) بينما تلاحظون في أول الكتاب -ممن تابع معنا في الحلقات الأولى- أنَّ المصنف -رحمه الله- قال في أول الكتاب: (وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ) بعد أن ذكر أصول الإيمان الستة، وهو الإيمان بالله، وملاكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره شره.
قال: (وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ) ، وهنا قال: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) ، فما الفرق بين الإيمان هنا، وبين الإيمان الذي ذكره في أول الكتاب؟
الجواب: أنَّ الإيمان المتقدم في أركان الإيمان هو إيمان بالمعنى الخاص إذا اقترن بالإسلام، وأما الإيمان هنا فهو بالمعنى العام إذا جاء مُفردًا، ولهذا الخطيب يوم الجمعة إذا قال: يا أيها المسلمون، أو قال: يا أيها المؤمنون، فهل ثمة فرق؟ الجواب: لا فرق. فإذا جاء الإيمان مُطلقًا فإنه يشمل الدين كله، كما عبر المصنف هنا، فهنا يكون الإيمان بالمعنى العام، وهذا الذي وقع فيه النزاع ووقع فيه الخلاف بين الفرق.
وهل تدخل الأعمال في مسمى الإيمان أو لا تدخل؟ وهل إذا أخلَّ بشيء من أعمال الإيمان يختل الإيمان أو لا يختل؟ هل يذهب الإيمان بالكلية أو لا يذهب؟ هل ينقص الإيمان أو لا ينقص؟ هذا هو موضع النزاع والخلاف، وترتب عليه مسائل الأحكام والأسماء، ولهذا يسمى هذا الفصل بفصل الأسماء والأحكام، ويدخل في مسمى الإيمان، وهي من الأصول الكبرى التي تميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم.
ثمة أسئلة سيجيب عنها المصنف -رحمه الله- من خلال تقرير هذا الفصل.
السؤال الأول: ما تعريف الإيمان بالمعنى العام؟ وما الدليل على هذا؟ ما الدليل على دخول أعمال الجوارح في مسمى الإيمان؟ ما الدليل على دخول العبادات القولية في مسمى الإيمان؟ وما الأدلة التي يُرَدُّ بها على من أخرجوا أعمال الجوارح عن مسمى الإيمان؟ والأدلة يُرد بها على من أخرجوا أقوال اللسان عن مسمى الإيمان من طوائف المرجئة؟
ما الدليل على أن الإيمان يزيد وينقص؟ وهذه الأدلة يُرَدُّ بها على من يزعمون بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، سواء طوائف المرجئة أو طوائف الوعيدية.
ماذا يسمى مرتكب الكبيرة؟ هل هو مؤمن أو ليس بمؤمن؟ كيف يُتعامل معه في أحكام الدنيا وفي أحكام الموتى؟ ما حكمه في الآخرة؟
كل هذه المسائل تتفرع عن هذا الأصل الكبير، وهو موضوع الإيمان.
ولهذا قال المصنف -رحمه الله-: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) مِنْ -كما تقدم- تبعيضية، يعني: هذا الأصل مِنَ الأصول التي تميزوا بها.
وقد ذكر المصنف -رحمه الله- في آخر الأحاديث الأصول التي تميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم في أبواب الإيمان، وأبواب الصفات، وأبواب القدر، وأبواب الصحابة، وأبواب الوعد والوعيد، وأشار إلى هذا أيضًا في شرح (العقيدة الأصفهانية) أنَّ من طرائق المصنفين في كتب العقائد المختصرة على طريقة أهل السنة والجماعة، أنهم لا يذكرون في كتب العقائد المختصرة إلا ما يُميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم، فذكر هذه الأصول، ولهذا يعتبر هذا الأصل، وهو موضوع الإيمان، من الأصول التي تميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم.
ولهذا قال: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) معنى ذلك أنه ثمة أصول تُميز أهل السنة والجماعة عن الفرق المدعية للسنة، توجد فِرَق أحيانا تدعي السنة، فهل هم فعلا على السنة الصحيحة على ما كان عليه الرسول ﷺ، وما كان عليه الصحابة، وما كان عليه التابعون، وما كان عليه أئمة الفقه، وأئمة الحديث؟
في الواقع تجد أن الادعاء كثير، ولا عبرة بالادِّعاء، فالبينة على المدعي، فكل من ادعى الانتساب للسنة، فإنه يُطالب بالدليل، أنت إذا ادَّعيت بأنك من أهل السنة، فهل تستدل بالسنة في العقائد؟ هل طريقتك في الاستدلال وفي الاعتقاد على طريقة أهل السنة أم لا؟ ولا يكون مجرد ادِّعاء كما تدعيه فرق كثيرة -تدعي الانتساب للسنة- ثم تجد المخالفة بالرد أو التحريف أو التأويل أو التفويض.
ولهذا قال: (وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) وهذا أشهر لقب، والمصنف -رحمه الله- استخدم في الكتاب الألقاب، مثل: الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية، إلى غير ذلك، وهذا من أشهر ألقابهم، أنهم لا ينتسبون إلى الأشخاص، وإنما ينتسبون إلى السنة والجماعة، أي ما كان عليه الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- والتابعون لهم بإحسان.
من أصولهم التي تميزوا بها أنَّ الدين والإيمان قول وعمل، لاحظ الدين هنا يشمل جميع أعمال الدين وشعار الدين، فالدين الذي هو العبادة، وهو الملة، وهو ما يدين الإنسان به لربه، يعني: ما يتعبد به، يعني: يسمى الدين، يسمى العبادة، وله إطلاق عام وإطلاق خاص، يطلق على المتعبد به، ويطلق على ذات التعبد، فالدين والعبادة تطلق على الأنواع المتعبد بها، وتطلق على التذلل والخضوع لله تبارك وتعالى، يسمى: "دينًا"، يسمى: "عبادة"، يسمى: "ملة"، إلى غير ذلك من الأسماء.
فالدين الذي هو التذلل والخضوع لله، بم يكون؟ ثم أيضا ما أنواع العبادات التي يَتعبد بها الإنسان لربه تبارك وتعالى؟ هل هي عبادات قلبية فقط؟ أو هي عبادات قلبية وقولية فقط؟ أو هي عبادات قلبية وقولية وعملية؟
الواقع -وهذا يفهمه كل مسلم- أنَّ الدين عبارة عن: عبادات قلبية، وعبادات قولية، وعبادات عملية، فمن يحصر الدين في القلب فقط فهذا ما فهم الدين، أو يقول: الدين والايمان إنما هو في القلب واللسان فقط، وأخرج العبادات الظاهرة عن مسمى الدين، ما فهم الدين فهم صحيحًا! ولهذا أشار المصنف -رحمه الله- إلى هذه المراتب وهذه الشعب.
(أَنَّ الدِّينَ) ويُراد فوق ذلك الإيمان، ولاحظ كما أنَّ الدين مراتب أيضًا -كما جاء في حديث جبريل المشهور الذي يسمى بأم السنة- فجعل الدين كم مرتبة؟!
ثلاث مراتب، وهي: إسلام، إيمان، إحسان، وهكذا الإيمان أيضًا مراتب، المرتبة الأصل، ومرتبة الكمال الواجب، ومرتبة الكمال المُستحب.
وهكذا التوحيد مراتب ودرجات، المرتبة الأصل، ومرتبة الكمال الواجب، ومرتبة الكمال المستحب، وكما يكون هذا في الدين، ويكون في الإيمان، ويكون في التوحيد، كذلك يكون في كل عبادة، ولهذا كل مُصلٍّ يدرك أنَّ الصلاة مكونة من: أركان، وواجبات، ومستحبات، هل هذه الأنواع الثلاثة كلها صلاة أم ليست بصلاة؟ كلها صلاة، ولكن ثَمة ركن تبطل الصلاة بتركه، وهذا يُقابل الأصل، وثمّة واجبات تُجبر بسجود السهو إذا تُركت نسيانًا، وثمة مستحبات قولية أو فعلية يُثاب فاعلها امتثالا، ولا يعاقب التارك لها.
هذا المثال في الصلاة، وهو كذلك مثال في الدين، فالدين فيه أصل، وفيه كمال واجب، وكمال مستحب، ولهذا يُرَدُّ على المرجئة وعلى الخوارج الذين يجعلون الدين شيئاً واحداً، يرد عليهم بمثال عملي -مثال الصلاة- يقال لهم: الصلاة فيها أركان وفيها واجبات وفيها مستحبات.
وكذلك الحج -ونهنئ الإخوة الذين أدّوا فريضة الحج هذا العام- نقول: لَمَّا أديتم هذا الحج وجدتم أنَّ فيه أركانا لا بد منها، إذا لم يقف بعرفة ما تم حجه، فعرفة ركن، وفيه واجبات تجبر، وفيه مستحبات.
إذًا هذا هو مثال جزئي وتطبيقي يبين أنَّ الدين فيه أركان، وفيه واجباتٌ، وفيه مستحبات.
إذًا الدين والإيمان وكل العبادات فيها هذا التنوع، ولهذا قال المصنف: (أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) .
إذًا العبادات منها عبادات قولية، ومنها عبادات عملية، ثم وضح ذلك فجعل القول شيئين، وجعل العمل ثلاثة أشياء، (قَوْل الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ) ، فأصبحت خمس شعب، وهذه مهمة جدًا في بيان مراتب الدين، وأنواع الدين، وشُعب الإيمان.
قال: (أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) وهذا هو أشهر التعريفات للإيمان بالمعنى العام، وقد جاء في بعض الآثار ولكن في إسنادها في رفعها ضعف، أشهر التعريفات المشهورة عن السلف هذا التعريف: (أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) ، ولهم عبارات أخرى، فقد يقولون: "قول، وعمل، ونيه"، وقد يقولون: "اعتقاد، وقول، وعمل"، وكل هذه الأنواع التي وردت عن السلف في تعريف الإيمان، الاختلاف بينها إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فبعضهم يؤكد عبارة ويضيف عبارة، وإلا فكلها ترجع إلى معنى واحد.
ونقول: جميع العبارات التي وردت عن السلف في تعريف الإيمان، كلها ترجع إلى معنى واحد، وهذا المعنى هو أشهرها، وهو الذي رواه البخاري -كما يقول-: عن أكثر من ألف شيخ من شيوخه، كلهم يقولون: "إن الإيمان قول وعمل"، بل حكاه كثير من العلماء كالشافعي، وابن عبد البر وغيرهم، إجماعًا عن السلف، أي: كلهم يجمعون على أن الإيمان قول وعمل.
وقد يضيف بعضهم عبارات مثل: "اعتقاد، سنة"، وقد يعبرون فيقولون: الإيمان هو اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بالعصيان.
انظروا هذه "النونات الخمس": اعتقاد بالجنان، والجنان هو القلب، سمي القلب بالجنان لأنه مستتر.
وقول باللسان، وعمل بالأركان التي هي الجوارح، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بالعصيان.
هذه من عبارات السلف في تعريف الإيمان، وأشهر التعريفات هو ما ذكره المصنف -رحمه الله-: (أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) .
نعود ونؤكد ونقول: التعريف هنا هو تعريف للإيمان بالمعنى العام، كما جاء في حديث وفد عبد قيس، وكما جاء في كثير من الأدلة، وكما جاء أيضا في حديث الشُّعب، فهو تعريف للإيمان بالمعنى العام.
أما تعريف للإيمان بالمعنى الخاص فهو كما جاء في حديث جبريل إذا اقترن بالإسلام، ولهذا يقول أهل العلم في الفرق بين الإسلام والإيمان: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فالتعريف هنا ليتنبه الإخوة أنه تعريف للإيمان بمعناه العام، فيشمل الدين كله، هذا هو مراد المصنف -رحمه الله- بهذا الفصل، تعريف الدين وتعريف الإيمان بالمعنى العام الذي يشمل الدين كله، يشمل الاعتقادات، والعبادات القولية، والعبادات العملية.
قال: (قَوْل الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ) ما الفرق بينها؟
أمَّا (قول القلب) فهو المعرفة، وبعض أهل العلم يعبرون بالاعتقاد، ويقصدون بذلك المعرفة المجردة، وهذه المعرفة المجردة تكون حتى عند الكفار؛ لأنها وحدها لا تكفي، وذلك كما هو موجود عند بعض المشركين، حتى عند إبليس، ويعرف بأن الله هو الخالق، وكما ذكر الله عنه في كتابه: ((قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ) ، فهذه المعرفة المجردة لا تكفي في الإيمان، فهذا هو قول القلب الذي هو المعرفة بأن الله هو الخالق والرازق إلى غير ذلك من الأمور.
(وعمل القلب) الذي هو يقينه وتصديقه وخوفه ورجاؤه، وهي الأعمال القلبية الكثيرة.
ابن تيمية في كتابه: "التحفة العراقية" لَمَّا ذكر أعمال القلوب عرَّفها بالأمثلة؛ لأنَّ هذه الصورة التي بها تتصور أعمال القلب، فعرف عمل القلب بالأمثلة، مثل: المحبة، الإخلاص، الرغبة، الرهبة، التوكل، الإنابة. هذه الأعمال القلبية، وهي ركن كذلك في الإيمان.
(قول اللسان وعمل اللسان) هل ثمة فرق بينهما؟
من أهل العلم من يقول: هما بمعنى واحد، ولهذا يجعل الشعب أربع.
ومنهم من يفرق بين قول اللسان وعمل اللسان، هل ثمة فرق بينهما؟
من أهل العلم من يقول: قول اللسان وعمل اللسان هما شيء واحد، ومن أهل العلم من يفرق بينهما -وهو الصحيح- فيجعل قول اللسان هو: النطق المسموع، وعمله هو: الحركة، هل يُتصور أن يتحرك اللسان دون نطق؟ نقول: نعم ممكن، كحركة الأخرس، يتحرك اللسان دون أن يسمع صوت، ولهذا اشترط الفقهاء في قراءة الفاتحة النطق وليس مجرد الحركة؛ لأنه قد يأتي مصلٍ فيكبر، فتجده يحرك الشفتين بالقراءة بدون نطق، بدون صوت، فكثير من الفقهاء يعتبر أن هذه القراءة غير صحيحة، لا بد أن يُسْمِع نفسه، فيشترطون النطق، وعليه فإن النطق -قول اللسان- أعم من العمل، لأنه قد يكون عمل بلا نطق، وأمَّا النطق فلا بد أن يكون فيه عمل، فالصحيح هو التفريق بين قول اللسان وعمل اللسان، وهو الذي أشار إليه المصنف -رحمه الله-.
ولهذا المصنف -لاحظوا هنا- فَرَّقَ بين قول اللسان وعمل اللسان، والفرق بينهما -كما تقدم- أنَّ القول هو صوت، بخلاف العمل فهو حركة اللسان، فكلاهما عبادة، ولهذا الإنسان مثلا في العبادات القولية -خاصة في الأذكار- قد يتحرك اللسان دون نطق، وهذه عبادة عملية، وقد ينطق بالأذكار، وهذه عبادة كذلك بالنطق، فهذه عبادة وهذه عبادة.
ولهذا المصنف -رحمه الله- فرَّق بينهما، وإن كانا يجتمعان عند النطق، فيدخل العمل في القول.
(وأعمال الجوارح) جعلها شعبة واحدة، وهي الأعمال التي تُؤدى بالجوارح، كالصلاة في ركوعها وسجودها.
إذن الإيمان شمل لهذه الشعب الخمسة: "قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمله، وأعمال الجوارح"، دلَّ على هذه الشعب حديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين: «الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ شُعْبَةً، أعلاها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ» ، وهذا الحديث -حديث أبي هريرة المتفق عليه- أخرجه مسلم بروايتين، برواية الإيمان «بضع وستون»، وخرجه برواية الشك من الراوي: «بضع وستون أو قال: بضع وسبعون» وخرجه البخاري برواية: «بضع وستون» ولا تعارض بينها؛ لأن العدد لا مفهوم له.
وهذا يدل على أن الإيمان شعب، وهذه الشعب متنوعة، منها ما يتعلق بأعمال القلوب، ومنها ما يتعلق بأعمال الجوارح، ومنها ما يتعلق بأقوال اللسان.
وهكذا العبادات، فالعبادات منها عبادات قلبية اعتقادية، ومنها عبادات قولية، ومنها عبادات عملية.
وهذا الحديث -حديث الشعب- يعتبر من جوامع الكلم، حيث مَثَّلَ النبي ﷺ بهذا المثال لعبادة اعتقادية، وعبادة قولية، وعبادة عملية، وأيضا مَثَّل لأصل كمال واجب وكمال مستحب، ولهذا يعتبر من جوامع كلمه ﷺ. كيف ذلك؟
قال ﷺ: «الإيمان»، والإيمان هنا بالمعنى العام وليس بالمعنى الخاص، لماذا؟ لأنه لم يقترن بالإسلام، فالإيمان هنا بالمعنى العام الذي يشمل الدين كله.
«الإيمان بضع وسبعون» وهذا من باب التكثير، فهو شعب كثيرة، ولهذا فالعلماء الذين كتبوا في شُعب الإيمان لم يستطيعوا حصرها، وإنما ذكروا أمثلة لهذه الشعب.
«بضع وسبعون شعبة، أعلاها» هذا يدل على ماذا؟ على أنَّ الإيمان مراتب، فيه أعلى وفيه أدنى، وهو كذلك مثل مراتب الدين، فيها أعلى وفيها أدنى، فقوله: «أعلاها» يدل على أن الإيمان مراتب ودرجات.
«أعلاها قول» فَمَثَّلَ بعباد قولية، «وأدناها» معناه أنه أيضًا فيه درجات أدنى، «وإماطة الأذى عن الطريق» وهذا عمل، «والحياء شعبة» وهذا اعتقاد، وهذا التنوع في الأمثلة أيضا شمل الأصل، وكمال واجب، وكمال مستحب، فالأصل هو: "قول لا إله إلا الله"، لماذا؟
لأنه الركن الأول من أركان الإسلام، فهو أصل لا بد منه.
وإماطة الأذى عن الطريق كمال مستحب، والحياء كمال واجب، فشمل هذا الحديث عبادة قولية، وعبادة اعتقادية، وعبادة عملية، وشمل: "أصل، وكمال واجب، وكمال مستحب"، وهكذا هو الدين، وهكذا هو الإيمان.
وفي هذا التنوع وهذه الشعب المتنوعة بين القلب، واللسان، والجوارح، والأصول، والواجبات، والمستحبات، يُرَدُّ بهذا التنوع على جميع الفرق التي خالفت، سواء فرق المرجئة التي لا ترى هذا التنوع، ولا هذه الدرجات، وكذلك فرق الوعيدية التي لا ترى هذا التنوع وهذه الدرجات، فهذا دليل يرد به على جميع الفرق التي ضلت في باب الإيمان.
ثم قال المصنف -رحمه الله- (وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ) وهذا الأصل وهو أصل الزيادة والنقصان مما تميز به أهل السنة والجماعة عن جميع الفرق التي ضلت في هذا الباب، جميع الفرق سواء فرق المرجئة من جهة، أو فرق الوعيدية من جهة، كلها لا تقول بالزيادة والنقصان كما يقول بها أهل السنة والجماعة، نعم قد يقول بعضهم بالزيادة والنقصان -زيادة تكاليف أو نقصان تكاليف- وأمَّا أن الإيمان في نفسه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن المؤمنين درجات ويتفاضلون، فجميع الفرق لا يقولون بهذا، وقد أشرنا -فيما سبق- والإخوة يذكرون هذا لَمَّا ذكرنا أحوال الناس في الآخرة، وأحوال الناس في العبور على الصراط، وأحوال الناس في الجنان، ذكرنا بأن هذا التنوع في العبور على الصراط، وهذا التنوع في أحوال الناس في البرزخ، وهذا التنوع في دخول الجنان، يدل على أنهم يتفاضلون في الإيمان.
ولهذا في حال الاحتضار ليسوا سواء، وفي القبر ليسوا سواء، وفي المحشر ليسوا سواء، وفي العبور على الصراط ليسوا سواء، وفي دخول الجنان ليسوا سواء، ما سبب هذا التنوع؟
السبب اختلافهم في درجات الإيمان، وهذا الأصل الكبير مما يُرَدُّ به على جميع الفرق التي ضلت في هذا الباب، وهو تنوع أهل الإيمان في حال الاحتضار، وفي البرزخ، وفي المحشر، وفي العبور على الصراط، وفي الجنان، بسبب تنوعهم في درجات الإيمان.
ولهذا قال المصنف -رحمه الله-: (وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ) .
أمَّا أدلة الزيادة فهي في كتاب الله كثيرة، أكثر من ثنتي عشر آية صريحة في زيادة الإيمان، ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا﴾ ، وجميع أدلة الزيادة هي كذلك أدلة على النقصان. كيف؟ كيف تكون أدلة زيادة الإيمان هي دليل على النقصان؟ الجواب: بمفهوم المخالفة، فإذا كان الإيمان يزيد بالطاعة فهو ينقص بتركها، ولهذا قال: (وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ) ، فكل طاعة هي تزيد في الإيمان، وكل معصية هي تنقص في الإيمان.
وثمة أسباب عديدة ذكرها أهل العلم -رحمة الله عليهم- في الأسباب التي يزيد بها الإيمان، والأسباب التي ينقص بها الإيمان، بل ألفوا في ذلك مؤلفات خاصة في زيادة الإيمان وفي نقصانه، من ذلك: كلما ازداد الإنسان معرفة بالله وأسمائه وصفاته؛ زاد إيمانه، ولهذا نقول في باب الأسماء والصفات: "كلما ازددت أيها المؤمن عِلما ومعرفة بأسماء الله وصفاته؛ زاد إيمانك، وكلما قلَّ علمه وكثر جهله بأسماء الله وصفاته دلَّ على النقصان في إيمانه.
كذلك من الأسباب: التأمل في آيات الله الكونية وآيات الله الشرعية، يزداد بها الإيمان، وهذا أمر محسوس، والإنسان يجد هذا في نفسه، كلما تأمل وتدبر في آيات الله الشرعية، في القرآن، في أحكامه، في الحكم فيها، وتدبر في آيات الله الكونية في الآفاق وفي الأنفس؛ زاد إيمانه، ولذلك الإنسان يستغل هذه المناسبات، السياحة، والنزهة، في التأمل في مخلوقات الله تبارك وتعالى، في الليل والنهار، والبحر والنهر، فبذلك يزداد إيمانه، والله -تبارك وتعالى- يقول في سورة الغاشة -التي يسمعها المسلمون في كل جمعة-: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ فهذا تأمل في مخلوقات الله تبارك وتعالى، وهكذا في الأنفس.
من الأسباب أيضا: كثرة الطاعات وإحسانها، فكلما زادت الطاعات، وزاد إحسانه فيها؛ زاد إيمانه، وهكذا كلما قَلَّتْ الطاعات، قَلَّتْ النوافل، أو أَخَلَّ بالفرائض؛ ضعف الإيمان ونقص الإيمان، وهذا أيضا أمر محسوس يجده الإنسان من نفسه، عندما يؤدي الصيام يذوق طعم الإيمان، يجد حلاوة الإيمان بعد أداء العبادات، إذا أدى الصلاة وأتقنها وأدى الصيام يفرح بأدائه، وإذا أدى الحج وأدى جميع الطاعات يجد حلاوة الإيمان، يذوق طعم الإيمان، فهذا أمر محسوس يجده الإنسان من نفسه.
زيادة الإيمان عندما يؤدي العبادات وتكثر العبادات، بل عندما يتقن العبادات، واسأل من جَرَّبَ ذلك في صيامه، في صلاته، في قيامه، في بِرِّه، يجد طعم الإيمان، ويذوق حلاوة الإيمان، «ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضيَ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ ﷺ نبيا»، «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ».
إذن الإيمان له حلاوة وله طعم، ويكون ذلك بالعبادات وإتقانها، وكذلك ترك المعاصي تقربا لله، والأدلة على هذا أيضا كثيرة منها: حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ما الذي جعله يخاف؟ الإيمان. ما الثواب؟ كان من السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهذا الحديث يحفظه بحمد الله المسلمون جميعا، الصغار والكبار.
أيضًا في قصة النفر الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، وظنوا أنه لا ملجأ لهم من الله إلا إليه، فكل منهم دعا بما يتذكر من صالح أعماله، فالأول ببره لوالديه، وهذا عمل صالح، والثاني بقصته مع الأجير، والثالث بقصته مع ابنة عمه؛ ففرج الله عنهم الكربة.
فالشاهد من هذه الحديثين أنَّ في ترك المعصية لله -يتركها لله- تكون سببًا في زيادة إيمانه، وأهل العلم ذكروا أشياء كثيرة، بل ألفوا المصنفات الكثيرة في الأسباب التي يزيد بها الإيمان، والأسباب التي ينقص بها الإيمان، ولهذا فمجالس الذكر وحلق الذكر من الأسباب التي يزداد بها إيمان المؤمن.
هل المؤمن بحاجة إلى زيادة الإيمان؟
الجواب: نعم، الله -تبارك وتعالى- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾ كما أنَّ المسلم بحاجة إلى زيادة الهداية، فهو في كل ركعة يقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي: دُلَّنا وأرشدنا وثبتنا، فالمهتدي بزيادة إلى هداية، والمؤمن كذلك يزداد إيمانه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾ ، فليس للإنسان أن يظن أنه قد بلغ مرتبة الإيمان فهو ليس بحاجة إلى زيادة، بل نقول: أنت بحاجة إلى زيادة، فالإيمان مراتب وأنت بحاجة إلى استقامة على الإيمان، «قُلْ: آمَنْت بِاَللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ».
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لا يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِمُطْلَقِ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ ؛ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارَجُ ؛ بَلِ الأُخُوَّةُ الإِيمَانِيَّةُ ثَابِتَةٌ مَعَ الْمَعَاصِي ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 178]، وَقَالَ: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9]. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 10].
وَلاَ يَسْلُبُونَ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ اسْمِ الإيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلاَ يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّار؛ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ. بَلِ الْفَاسِقُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإيمَان؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92]، وَقَدْ لاَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإِيمَانِ الْمُطْلَقِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال:2]، وَقَوْلُهُ: ﷺ: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نَهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». وَيَقُولُونَ: هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الإِيمَانِ، أَوْ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ، فَلاَ يُعْطَى الاسْمَ الْمُطْلَقَ، وَلاَ يُسْلَبُ مُطْلَقَ الاسْمِ) }.
المصنف -رحمه الله- بعد أن ذكر أصول مُعتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان، وأنهم يعتقدون أنَّ الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ انتقل بعد ذلك إلى التفريع على هذا الأصل ومن خالف في ذلك، فقال: (وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ) اسم الإشارة يعود إلى أي شيء؟ إلى اعتقادهم بأن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ومع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج.
لماذا ذكر التكفير؟ لأن التكفير ضد الإيمان، ولهذا مسائل التكفير هي مسائل ضد مسائل الإيمان، مع اعتقاد بذلك كيف يتعاملون مع مرتكب الكبيرة؟ كيف يتعاملون مع من أتى بالأصل وأخلَّ بالواجبات؟ كيف يتعاملون مع من أتى بالأصل والواجبات وترك المستحبات؟ بل أنت قل لهذا مثلا في تعامل الناس مع المصلين، فمن المصلين من يأتي بأركان الصلاة ولكنه يخل بالواجبات، فماذا تقول؟ هل تقول: صلاته باطلة؟ هل تقول هذا صلى ولا ما صلى؟
فمن المصلين من أتى بالأركان والواجبات ولكنه ما أتى بالسنن، لم يأت بسنن الصلاة في ذاتها، ولا بالسنن التي هي خارج الصلاة مثل النوافل، ماذا تقول في هذا المصلي الذي صلّى ولكنه ما أتى بالسنن القولية أو الفعلية؟!
ومصلٍّ آخر أتى بالأركان ولكنه قصّر في الواجبات، ومصلٍّ ثالث أخلَّ بالأركان، كلهم يصلّى أو لا؟ ولكن انظر الخلل بين هؤلاء، هذا مثال كما تتعامل مع الإيمان، هو مثال عملي تطبيقي، ولذلك لاحظ تعاملت الفِرَق مع المؤمن كما تعامل الناس مع هذا المصلي، هل هذا الذي ترك السنن ستبطل صلاته؟ هل هذا الذي نسي واجبا ستقول له: صلاتك باطلة، وستحكم ببطلان صلاته؟ أم تقول: لا، هذا ممكن أن تجبره.
ترك التشهد الأول نسيانا، فهو أحيانا قد يتركه لأنه يتابع الإمام مثلا، هو نفس المثال، يقول هم مع هذا الاعتقاد كيف يتعاملون مع مرتكب الكبيرة؟! قال: (لا يكفرون أهل القبلة) يعني بذلك المسلمين ممن أتوا بالتوحيد، ويصلون للقبلة، فهو يقصد بهؤلاء أهل التوحيد، يعني أهل القبلة، يقصد بهم الموحدين، يقصد بهم المسلمين، وكما تقدم أنَّ أهل الإسلام وأهل الإيمان دائرة أوسع، فيهم الظالم لنفسه، وفيهم المقتصد، وفيهم السابق بالخيرات، كلهم داخل دائرة الإسلام، كما قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ كيف يتعاملون مع أهل القبلة بهذا التنوع وهذه الدرجات؟
قال: (لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر) فالمصنف كما يشاهد الإخوة استخدم مصطلحات الأصوليين، مطلق الشي والشي المطلق، فمطلق الشي يعني: أصله أو الحد الأدنى منه، كالدِّين: الحد الأدنى منه هو الإسلام، والشيء المطلق يعني: الشيء الكامل، وهكذا الإيمان، فالإيمان فيه أصله، وفيه كماله المستحب، أصله يسمى مطلق الإيمان، وكماله يسمى الإيمان المطلق، فهل العاصي عندهم معه الإيمان المطلق، ولا معه مطلق الإيمان؟
معه مطلق الإيمان، ولكن ليس معه الإيمان المطلق، ولذلك قال: (لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر) لماذا؟ لأن المعاصي والكبائر تُنقص الإيمان ولكنها لا تزيل الإيمان بالكلية، فلا يكفرونهم بمجرد المعاصي والكبيرة؛ لأنه المعصية والكبيرة مؤثرة في الإيمان، ولكنها ما تزيل الإيمان بالكلية، يعني: كما ذكرنا في الصلاة، في بعض الأعمال تُنقص الصلاة ولكن لا يعني ذلك أن تُبطل الصلاة، أن تكون صلاتك باطلة. هذا ممكن إذا ترك واجبًا يجبر.
من الذين يبطلون الإيمان بالكلية بمطلق المعاصي والكبائر؟
قال: (كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارَجُ) الذين خرجوا على الصحابة، ويكفرون مرتكب الكبيرة، ولهذا -كما ذكر شيخ الإسلام- أول خِلاف اختلفت فيه الفرق، كان في حكم مرتكب الكبيرة.
قال: (بَلِ الأُخُوَّةُ الإِيمَانِيَّةُ) لاحظ ثمرة الخلاف، وثمرة الخلوف ثابتة مع المعاصي، يعني: هل العصاة لهم حقوق الإسلام، يعاملون معاملة المسلمين في أحكام الدنيا، وفي أحكام الموت، وفي أحكام الآخرة؟
الجواب: نعم بالأدلة الشرعية خلافا للخوارج.
(بَلِ الأُخُوَّةُ الإِيمَانِيَّةُ ثَابِتَةٌ مَعَ الْمَعَاصِي) ما الدليل؟ نقرأ دليلين، الدليل الأول في سورة البقرة -آية القصاص-، والدليل الثاني في سورة الحجرات -آية القتال-، أمَّا في سورة البقرة كما قال سبحانه في آية القصاص: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ الشاهد: ﴿أخيه﴾ فجعل القاتل أخٌ للمقتول. هل القتل صغيرة أم كبيرة؟! القتل كبيرة ومن الموبقات، ومع ذلك لم تخرجه عن دائرة الإيمان.
والآية الثانية في سورة الحجرات: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ القتال كبيرة، وهو كفر أصغر، ومع ذلك سمى الله -عز وجل- الطائفتين ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، فقال: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا﴾ فالقتال يكون للبغاة، وليس قتال كفر، ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ، وقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ فسمى الله الطائفتين، ودلَّ على أن القتل وهو كبيرة من كبائر الذنوب لا يخرج من الملة، ولا تنتفي به الأخوة الإيمانية.
نعم قد تطبق عليه أحكام الدنيا، وتطبق عليه الحدود، ويزجر ويهجر، ولكنه يعامل معاملة المسلمين، ولهذا علي -رضي الله عنه- مع خلاف عند أهل العلم في حكم الخوارج، لكن من يرى أنهم لم يخرجوا من الإسلام، بل هم عصاة، عاملهم في أحكام الموتى معاملة الكفار أم معاملة المسلمين؟ عاملهم معاملة موتى المسلمين مع أنهم ارتكبوا كبيرة من كبائر الذنوب.
ثم قال: (وَلاَ يَسْلُبُونَ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ) الفاسق الملي المنتسب للملة؛ لأن الفسق نوعان: فسق مخرج عن الملة وهذا كفر، وفسق لا يخرج عن الملة، وهو الذي يكون مع مرتكب الكبيرة، وهكذا يقال في جميع أجناس الذنوب.
قاعدة: جميع أجناس الذنوب تنقسم إلى أكبر وأصغر، فالكفر أكبر وأصغر، والشرك أكبر وأصغر، والنفاق أكبر -وهو الاعتقادي- وأصغر وهو -العملي-، وهكذا الظلم، وهكذا كما ذكر ابن القيم في "مدارج السالكين" جميع أجناس الذنوب تنقسم إلى أكبر وأصغر، الظلم، وهكذا الفسق، ولهذا قال: (الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ) يقصد به مرتكب الكبيرة.
(وَلاَ يَسْلُبُونَ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ اسْمِ الإيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ) يعني: لأنه ما يخرج من الإسلام بالكلية.
(وَلاَ يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّار) يعني: في حكم الآخرة، بل يقولون عن الفاسق والظالم وإن أقيمت عليه الحدود، أمره إلى الله، إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه في النار، ولكنه لا يخلد في النار ما دام معه أصل التوحيد.
أما الذين يخلدونه في النار فهم الخوارج والمعتزلة، أما في الدنيا فإن الخوارج يكفرونهم ويعاملونهم معامل الكفار.
والمعتزلة جاءوا ببدعة المنزلة بين المنزلتين، واضطربوا في حكمه في الدنيا، فعاملوه في أحكام الموتى معاملة المسلمين، ولكنهم يخلدونه في النار كما يقول الخوارج، كما تقول المعتزل نعم المعتزلة وافقوا الخوارج في حكمه الأخروي، وخالفوهم في حكم الدنيا، ويدل ذلك على الاضطراب، والإشكال أنَّ المعتزلة يسمون أنفسهم بأصحاب العقل، وهذا أمر ما يقبله العقل، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق، يعني: عند الإطلاق، فإذا قال الخطيب مثلا: يا أيها المؤمنون، هل يدخل في ذلك العصاة أو لا يدخلون؟
الجواب: يدخلون، بل الله تعالى خاطب أهل المعاصي في كثير من الآيات بالإيمان، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ فهم يدخلون، (بَلِ الْفَاسِقُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإيمَان المطلق) يعني عند الإطلاق، كما في قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ .
هل المقصود هنا من قوله: ﴿مُّؤْمِنَةٍ﴾ أصل الإيمان ولا مؤمنة كاملة الإيمان؟ الأصل، فهل يدخل العصاة؟ نقول: نعم يدخلون في ذلك.
قال: (وَقَدْ لاَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإِيمَانِ الْمُطْلَقِ) يعني: الإيمان الكامل كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ ، وكما تقدم فالمصنف -رحمه الله- استخدم المصطلح الأصولي، مطلق الشيء والشيء المطلق، فمطلق الشيء يعني: أصله، والإيمان المطلق يعني: كماله، إلا أنه هنا استخدم الإيمان المطلق يعني: عند الإطلاق وعند التقييد.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ المقصود هنا الخلص، والعصاة لا يدخلون في هذا؛ لأن العاصي أحيانا يستثقل الصلاة، يستثقل الذكر، فهو لا يدخل في هذا.
(وَقَوْلُهُ ﷺ: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ») ما المقصود هنا بالمؤمن؟ هل هو أصله ولا كماله؟ إذا قلت: أصله فمعناه انتفى عنه، ولذا فهنا كماله الواجب، فالعاصي لا يدخل في هذا.
(«وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ») هل يدخل العاصي في هذا؟ الجواب: ما يدخل؛ لأن المقصود هو الإيمان الكامل، ولهذا قال: (وقد لا يدخل في الإيمان الكامل) .
ماذا نسمي الفاسق الملي مرتكب الكبيرة في الدنيا؟ عرفنا حكمه في الآخرة، وأنه في الآخرة أمره إلى الله، إن شاء الله غفر له ودخل الجنة، وإن شاء عذبه، ولكنه لا يخلد ما دام معه التوحيد.
لاحظ أنَّ هذا الحكم هو حكم من حيث الأوصاف لا من حيث الأعيان، نتكلم من حيث الحكم الوصفي لا من حيث الأعيان.
في الدنيا ذكرنا أنه يُعامل معاملة المسلمين، في الإرث، وتُقام عليه الحدود، وفي أحكام الموتى يُعامل معاملة المسلمين، ولكن ماذا يُسمى هذا المرتكب للكبيرة؟
قال: (هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الإِيمَانِ) يعني: يسمى مؤمنًا بقيد، أو هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو يقال: مسلم ليس بمؤمن، كما في آية الحجرات.
قال: (فَلاَ يُعْطَى الاسْمَ الْمُطْلَقَ) يعني: الكامل؛ لأن الله نفى عنهم الإيمان، كما في حديث («لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ») .
(وَلاَ يُسْلَبُ مُطْلَقَ الاسْمِ) يعني: لا يُسلب الأصل، كما في آية القصاص وآية الحجرات.
وهذا في بيان معتقد أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة، في حكمه في الدنيا، وفي حكمه في الآخرة، وماذا يسمى في الدنيا خلافاً للوعيدية، الذين أطلقوا عليه حكم الكفر في الدنيا، وحكموا عليه بالخلود في النار في الآخرة.
وبهذا ينتهي هذا الفصل، وهو فصل مهم، وقد اختصرنا القول فيه بحسب المقام وحسب الوقت المتاح، نسأل الله -تبارك وتعالى- للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وأن يزيدنا إيمانًا ويقينًا، إنه جواد كريم، وصلِّ اللهم وسلم عن نبينا محمد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما قدمتم، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، ونراكم -بإذن الله- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.