{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الاخوة والأخوات، مرحبًا بكم في حلقةٍ جديدةٍ نستكمل فيها شرح (العقيدة الواسطية) مع ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ.د. سهل بن رفاع العتيبي، أهلا وسهلا بكم فضيلة الشيخ}.
حيّاكم الله، وحيّا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات والمستمعين والمستمعات، وأسأل الله -عز وجل- للجميع العلم النافع والعمل الصالح، والتوفيق لِمَا يحب الله ويرضى.
{نستأذنكم فضيلة الشيخ في قراءة المتن}.
نعم، توكل على الله.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والمستمعين، قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة:1]، وَقَوْلُهُ: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء﴾ [آل عمران:181]، وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف:80]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: 46]، وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: 14]، وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء:217-219]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُل ِاعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105])}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من صلى وسلم عليه، أما بعد، فلا يزال الحديث موصولا في الآيات التي استدلَّ بها المؤلف -رحمه الله- في بيان معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
وإنني أدعو الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات إلى العناية بهذا العلم، كما أرحب بهم في هذه الحلقات، وفي الاستماع لهذا المتن والتعليق عليه، وقد قال نبينا ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، كما جاء في صحيح البخاري، وتعلم القرآن يشمل التفقه والتدبر في آياته، وخاصة فيما يتعلق بأسمائه وصفاته وتعظيمه -جل جلاله-.
وهذا التدبر والتفقه هو من علامة إرادة الله -عز وجل- بعبده الخير، كما جاء في الصيحين أن النبي ﷺ قال: «من يرد الله به خيرا يفقه في الدين».
فإذا رأيت المسلم يحرص على الفقه في دينه بأي وسيلة، ومن ذلك متابعة هذه الحلقات، والاستماع لها، والاستفادة منها، فأبشره بأن هذا علامة ودلالة خير على أن الله -عز وجل- قد أراد بهذا العبد خيرا: «من برد الله به خيرا يفقه في الدين».
والفقه -أيها الإخوة الكرام- في أسماء الله وصفاته هو الفقه الأكبر كما يسميه أهل العلم، وهذا العلم حاجتك إليه أشد من حاجتك إلى غيره من العلوم، لماذا؟ لأن هذا العلم تحتاجه حتى وأنت في قبرك، فالإنسان في قبره يُسأل عن الأصول الثلاثة، من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ بأي شيء عرفت ربك؟ بأي شيء عرفت نبيك محمدًا ﷺ؟
فأنت إذن أخي المسلم بحاجة إلى هذا العلم حتى وأنت في قبرك وفي آخرتك؛ لأن هذه المسائل تتعلق بأحوال الآخرة، تتعلق بتعظيم الرب -تبارك وتعالى-، تتعلق برؤيته -تبارك وتعالى- في جنات النعيم، نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم ممن يرى ربه في جنات عدن.
إذاً أنت تحتاج إلى هذا العلم في دنياك وفي آخرتك، فهو أجل العلوم.
ثم أيضا هذا العلم والتدبر فيه، وتعلمه وفقهه وتدبر الآيات التي جاءت في أسماء الله -تبارك وتعالى- هذا العلم يُورث الخشية، ويُورث تعظيم الرب، ويُورث الامتثال لأوامره، والانتهاء عن زواجره، ولهذا من لم يمتثل لأمر الرب -تبارك وتعالى- فهو من أجهل الناس، ولم يقدر الله -عز وجل- حق قدره، ولهذا ما عصى الله إلا جاهل، فالذي يعصي الله -تبارك وتعالى- هو ما عرف قدر هذا الرب، وعظمة هذا الرب، وشأن هذا الرب، فضلا عن أنه كيف يتعبد الله -عز وجل- بأسمائه وصفاته؟
والله -تبارك وتعالى- يقول: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]، وهذا هو التعلم والتدبر، كيف تدعوه دعاء عبادة، ودعاء ثناءٍ ودعاء مسألة.
ولهذا أنا أهنئ الإخوة المشاهدين والمشاهدات بتوفيق الله -عز وجل- لهم في متابعة هذه الحلقات، وفي الفقه في أسماء الله وصفاته، وفي تعلم القرآن وتدبره، وخاصة الآيات التي تعلّق بأسماء الرب -تبارك وتعالى-.
هذه مقدمة لا بد منها من باب التذكير بفضل هذا العلم والعناية به.
ذكر المؤلف -رحمه الله- هنا الآيات التي فيها إثبات صفة السمع، وصفة البصر، وصفة الرؤية للرب -تبارك وتعالى-، فقال في الآية الأولى: قال الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ هذه الآية الأولى من سورة المجادلة، يُقال: سورة المُجادَلَة أو سورة المُجادِلَة، التي جاءت تُجادل النبي ﷺ في زوجها.
لاحظ في هذه الآية الأولى، ذكر اسم الله ثلاث مرات، "سمع الله"، "تشتكي إلى الله"، "إن الله"، فتكرر هذا الاسم في هذه الآية ثلاث مرات.
"سمع" فعلٌ ماض، والفعل يدل على صفة السمع، وهكذا قوله: "يسمع"، فالفعل بمشتقاته "الماضي، والمضارع، والأمر" يدل على صفة السمع، ونُصَّ أيضًل على هذه الصفة وصفة البصر بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.
وكما يَذكر الإخوة المشاهدون أنَّ الصفات لها ثلاثة مصادر:
تؤخذ الصفة من الاسم، وتؤخذ من الفعل، أو يُنص على الصفة، وفي هذه الآية مصدرين من مصادر الصفات، "سمع، يسمع، سميع، بصير".
وتقدم معنى: السميع، وقلنا: إنَّ السميع له معنيان:
المعنى الأول: المجيب لمن دعاه، كما يقول المصلي في صلاته: سمع الله لمن حمده، يعني: أجابه.
والمعنى الثاني: السميع الذي يسمع الأصوات، وكذا البصير، ودل على صفة البصر، وعلى صفة البصيرة، التي هي بمعنى العلم، ولهذا أيضا قلنا: إن الصفات تتضمن أكثر من معنى، فالاسم يتضمن أكثر من صفة، والصفة قد تتضمن أكثر من معنى.
الآية الثانية، قَالَ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء﴾) لاحظ تكرر اسم الله في الآية مرتين، والشاهد قوله: "سمع"، و "سمع" فعل يدل على صفة "السمع" بمعناها الذي سبق فيما سبق.
قَالَ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾) أيضا الفعل "نسمعُ" دلّ على صفة السمع لله -تبارك وتعالى- على الوجه الذي يليق به.
في الآية الرابعة: (قوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾) كم صفة في هذه الآية؟ فيها ثلاث، المعيّة، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله. ﴿مَعَكُمَا﴾ ولاحظ هنا أنها مضافة إلى الشخص بعينه، مضافة إلى موسى وهرون، وسيأتي التفصيل في صفة المعيّة وأنواعها.
وقوله: ﴿أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ دل على صفتي السمع والرؤية، لاحظ هنا جاء التعبير (وأرى)، والآيات التي قبلها -يعني الآية الأولى- ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ فعندنا صفة البصر، وصفة الرؤية، فأرى بمعنى أبصر، ولهذا لاحظ أحيانا بعض الصفات تكون متقاربة لكنها لا تنطبق من كل وجه، فيكون بينها تفاوت في الدرجة.
الآية الخامسة: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ الفعل (يرى) يدل على صفة الرؤية التي هي بمعنى: البصر.
الآية السادسة: ﴿الَّذِي يَرَاكَ﴾ الفعل يدل على صفة الرؤية، وعلى الوجه الذي يليق به بمعنى: البصير، وآخر الآية: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ دل على اسمين من أسماء الله، "السميع" وسبق بيانه، وكذلك "العليم"، وهذان الاسماء "السميع، العليم" يدلان على صفتي: السمع، والعلم.
الآية السابعة: قوله تعالى: ﴿وَقُل ِاعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ الشاهد قوله: ﴿فَسَيَرَى﴾ حيث إن الفعل يدل على صفة الرؤية.
هذه الآيات السبع فيها دليل على إثبات صفات: السمع، والبصر، والرؤية، وفيها أيضا دليل على أنَّ الله -عز وجل- قد يخص بهذه الصفات من يشاء من عباده، فقد يخص بصفة السمع، وصفة الرؤية، وصفة النظر، وصفة البصر، من يشاء من عباده، كما دلت عليه هذه الآيات.
هذا ما يتعلق بوجه الاستدلال بهذه الآيات، والشاهد من هذه الآيات فيما ذكره المصنف -رحمه الله- دليلاً للقواعد السابقة، في بيان معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال﴾ [الرعد:13]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران:54]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل:50]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق:15- 16])}.
هذه الآيات الأربع دلت على نوع آخر من أنواع الصفات، وثمة قاعدة ينبغي التنبه لها فيما يتعلق بالصفات، فالقاعدة تقول: الصفات المشتقة من الأسماء الحسنى كلها صفات كمال، فيوصف الله -عز وجل- بها بكل حال.
الصفة التي تُشتق من الاسم، مثل: صفة السمع مشتقه من: السميع، صفة العلم مشتقه من: العليم، صفة البصر من: البصير، وهكذا، فكل صفة اشتقت من اسم فإن الله -تبارك وتعالى- يوصف بها بكل حال بإطلاق.
النوع الثاني: الصفات المشتقة من غير الأسماء -من الأفعال-، فهل يوصف الله -تبارك وتعالى- بها بإطلاق أم بقيد؟
الجواب: في ذلك تفصيل، فإن كانت الصفة تدل على الكمال المطلق، فيوصف الله -تبارك وتعالى- بها بإطلاق، وأمَّا إن كانت هذه الصفة تدل على الكمال بقيد، مثل هذه الصفات التي ذكرها المصنف -رحمه الله- هنا، مثل: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال﴾، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾، ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ فمثلاً صفة "المكر"، وصفة "الكيد"، وصفة "المحال"، ومثلها صفات أخرى مثل: صفة الخداع، وصفة الاستهزاء، هل يُوصف الله بها بإطلاق؟
الجواب: لا يوصف الله بها بإطلاق، وإنما يُوصف بها بقيدها، كما جاء في الآيات فيُوصف الله -عز وجل- بها بهذا القيد في مقابل من يستحق ذلك، فهو يستهزئ بالمستهزئين، ويَمكُر بالماكرين، ويُخادع المخادعين، فتكون صفات كمال فيمن يستحقها، فيُوصف الله -عز وجل- بها بقيدها، هذا هو النوع الثاني.
الصفات التي هي صفات نقص محض، فهذه لا يُوصف الله بها أصلا، ولهذا لم ترد في نصوص الشرع، لا في الآيات ولا في الأحاديث، مثال: الظلم فهو منفي، مثال: الكذب فهو منفي عن الرب -تبارك وتعالى-، ومثلها صفة الصمم، والعمى، ونحوها، ولهذا لم ترد هذه الصفات التي هي صفات ذم مطلق لا يوصف الرب -تبارك وتعالى- بها.
في هذه الآيات أيضا أن ثمة أسماء تقدم أن أشرنا إليها، وهي ما يسمى بالأسماء الإضافية، مثل: شديد المحال، خير الماكرين، أرحم الراحمين، ذو الجلال والإكرام، عالم الغيب والشهادة، فهذه يسميها أهل العلم بالأسماء الإضافية.
هنا في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال﴾ المعنى أن الله -تبارك وتعالى- شديد الأخذ بقوة، شديد العقوبة، فهو -عز وجل- يوصف بهذه الصفة بقيدها.
وقوله: ﴿وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ أيضًا فيمن يستحق ذلك، ومثلها بقية الصفات.
"المحال" يُفسر بالكيد ويُفسر بالمكر، وكما تقدم أن هذه الصفات هي متقاربة في المعاني، ولكنها لا تتطابق من كل وجه، فتختلف من حيث القوة في الدلالة على المعنى. ولذا فمثل هذه الصفات يوصف الرب -تبارك وتعالى- بها كما وصف نفسه بها بقيدها فيمن يستحق ذلك.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ: ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء:149]، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور:22]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:8]، وَقَوْلُهُ عَنْ إِبْلِيسَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:82])}.
هذه الآيات الأربع هي في إثبات صفة العفو، وصفة المغفرة، وصفة الرحمة، وصفة العزة، وصفة القدرة لله -تبارك وتعالى- على الوجه الذي يليق به، وسبق أن أشرنا إلى الفرق بين القدرة والقوة، وقلنا: إنَّ القدرة يُقابلها العجز، والقوة يُقابلها الضعف، والقدرة يُوصف بها ذي الشعور والإحساس فقط، وأمَّا القوة فإنه يُوصف بها ذي الشعور والإحساس ويوصف بها غيره، ولهذا يُقال: الريح قوية، ولا يُقال: الريح قادرة. هذا هو الفرق بينهما، فقد تكون متقاربة، ولكنها تختلف في المعنى، فصفة القدرة تختلف عن صفة القوة، وإن كان بينهما تقارب في بعض المعاني.
صفة العفو، العفو هو التجاوز عن السيئات، قال الله -تبارك وتعالى- في الآية الأولى: ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ فالآية فيها إثبات صفة العفو، وصفة القدرة.
العفو هو التجاوز عن الذنوب والسيئات، نسأل الله -عز وجل- أن يتجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا، وعن إخواننا المسلمين.
وأيضا صفة القدرة، فالله على كل شيء قدير، ولا يقال: الله على ما يشاء قدير، بل يقال: الله على كل شيء قدير.
الآية الثانية، قوله تعالى -وأرجو من الإخوة المشاهدين أن يكون المتن بين أيديهم، وأن يتدبروا هذه الآيات، وأن يتفقهوا معاني هذه الآيات، وكيف دلت على أسماء الله وصفاته، وكيف يعبد الله -عز وجل- بمقتضى هذه الأسماء والصفات امتثالاً لقوله: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]، وهذا هو التفقه والتدبر والتعلم للقرآن، الوقوف عند هذه الآيات والتدبر لمعانيها.
تأملوا معنا قوله تعالى في الآية الثانية: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يدل على أن المغفرة لها أسباب، ومن أسبابها: أنك تعفو وتصفح، ولهذا فالله -عز وجل- إنما يرحم من عباده الرحماء، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، الفعل "يغفر" دل على صفة "المغفرة"، ولاحظ أن اسم "الله" تكرر مرتين، ﴿أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، فدلت الآية على صفة "المغفرة" وعلى صفة "الرحمة".
الآية الثالثة: (وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾) والعزة من صفات الله -تبارك وتعالى-، وصفة العزة لله تنقسم إلى ثلاثة أقسام، تدبر هذه المعاني، فأنت إذا قلت: إن الله عزيز، أو ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ فما المعنى؟
المعنى أنَّ الله -عز وجل- موصوف بأنواع العزة الثلاثة:
النوع الأول: عزة القدر، بمعنى: أن الله ذو قدر عظيم لا نظير له، وهذه العزة -عزة القدر- تدل على كمال صفاته -عز وجل-.
النوع الثاني: عزة القهر، ومعناها: أن الله تعالى لا غالب له، فهو القاهر لكل شيء، وهذا يدل على كمال سلطانه وقهره سبحانه وتعالى.
النوع الثالث: عزة الامتناع عن كل سوء، يعني: التنزه، وهذا يدل على كمال تنزهه -عز وجل- عن كل نقص وعيب، وهذا الذي دلَّ عليه قول: سبحان الله، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، فالمعنى -كما تقدم- أنَّ المسلم ينزه الله -تبارك وتعالى- عن كل صفة نقص وعيب، وعن مماثلة المخلوقين، وعن النقص في صفات الكمال، وهذه عزة الامتناع عن كل سوء.
يقول ابن القيم في نونيته، وهو يبين هذه المعاني -معنى العزة والعزيز- يقول:
وَهُوَ الْعَزِيزُ فَلَنْ يُرَامَ جَنَابُهُ ... أَنَّى يُرَامُ جَنَابُ ذِي السُّلْطَانِ
هذا المعنى الأول
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْقَاهِرُ الْغَلَّاُب لَمْ ... يَغْلِبْهُ شَيْءٌ هَـــذِهِ صِفَـتَانِ
يعني من معاني العزة، ثم قال:
وَهُوَ الْعَزِيزُ بِقُوَّةٍ هِيَ وَصْفُهُ ... فَالْـعِزُّ حِينَئِذٍ ثَـلَاثُ مَعَـانِ
وهي التي كمُلت له سبحانه ... من كل وجهٍ عارٍ عن النقصان
إذن الآية دلَّت على صفة العزة لله بهذه المعاني التي ينبغي للمسلم أن يتدبَّرها وأن يتفقهها، وأن يتعبَّد الله -عز وجل- بمُقتضاها، فيعرف معنى: العزيز، وأنَّ المعنى: عزيز القدرة، عزيز القهر، عزيز الامتناع.
لاحظ في الآية الأخيرة قوله عَنْ إِبْلِيسَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، وهذه الآية فيها من الفوائد، أن إبليس وهو أكفر الكفرة يقرُّ بصفات الله -تبارك وتعالى-، بخلاف المعطلة من بني آدم الذين ينكرون هذه الصفات، فيكون الشيطان أعلم منهم في هذا الباب.
وهذا أيضا فيه فائدة، وهي أن المعرفة وحدها ما تكفي، لا كما يزعم الجهمية أن مجرد المعرفة كافية في الإيمان وكافية في التوحيد، بل نقول: المعرفة وحدة لا تكفي، فهذا إبليس يقر بهذه الصفة، ومع ذلك ما نفعته هذه المعرفة، بل هو يقر بتوحيد الربوبية، بل هو يقر بالبعث كما ذكر الله عنه، ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، قال: (رَبِّ) أي: يعترف أنَّ اللَّهَ ربٌ! وفي هذا رد على من يفسرون التوحيد بتوحيد الربوبية، نقول: كيف تفسرون التوحيد بتوحيد الربوبية، وإبليس يقر أصلا بتوحيد الربوبية ويقر بصفة العزة، فالمعرفة وحدها ما تكفي.
ولذا قال شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب في تفسير معنى: (لا إله إلا الله) وأنها تدل على أنه لَا مَعْبُودَ بِحَقٍ إِلَّا اللَّهِ، ثم رد على من يفسرونها بتوحيد الربوبية فقال: قبّح الله من كان مشرك الجاهلية أفقه منه بـ (لا إله إلا الله)؛ لأنَّ مشرك الجاهلية لَمَّا قال لهم النبي ﷺ قولوا: (لا إله إلا الله) أبوا، عرفوا المعنى وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص:5].
وهذا فيه من الفوائد، أن المعرفة المجردة ما تكفي بدون امتثال وخضوع، وتفسير الإيمان بالمعرفة هذا ليس تفسيرا صحيحًا، بل هو خلاف القرآن، وخلاف اللغة، ولهذا انظر كيف يقر بهذه الصفات، ولكن هذا الاقرار الذي ليس معه تعظيم الرب، وامتثال لأمر الرب -تبارك وتعالى- لا يكفي، كما أن معرفة الربوبية لا تكفي، والإيمان الذي هو مجرد معرفة في القلب لا يكفي دون خضوع وامتثال لأمر الله -تبارك وتعالى-.
هذا ما يتعلق بهذه الصفات، صفة العفو، صفة المغفرة، صفة الرحمة، وصفة القدرة، وصفة العزة لله -تبارك وتعالى-.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 78]، وَقَوْلُهُ: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:65]. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:4]. وَقَوْلُهُ: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22].
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:165])}.
هذه الآيات الخمس كلها في إثبات الاسم لله -تبارك وتعالى- ونفي المثيل والند والسمي والكفوء، فهي صفات منفية، وكما تقدم أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات منفية، وهي التي يسميها بعض أهل العلم: الصفات السلبية، والتي نفاها ربنا -تبارك وتعالى- عن نفسه، والنفي فيها ليس نفيًا محضًا، بل يتضمن ضد ذلك من صفات الكمال.
قال: (وَقَوْلُهُ: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾) في الآية إثبات الاسم و "الرب" صفة الروبية، وقلنا: إنَّ "الرب" المعرف جاء في السنة، «السِّواكُ مَطهَرةٌ للفمِ مَرضاةٌ للرَّبِّ»[1].
وكذلك صفة الجلال وصفة الإكرام، ولاحظوا هنا في آخر سورة الرحمن أنَّ الصفة موصوف بها الرب، بينما في الآية السابقة "ذو الجلال والإكرام" موصوف بها الوجه، وتقدم أن معنى "ذي الجلال" أي: العظمة والكبرياء، والإكرام معناه: المكرم لأنبيائه وأوليائه من عباده الصالحين، وهو كذلك الْمُكرَم، فهو مُكْرِمٌ وَمُكْرَم.
وقيل: الجلال معناه: المستحق لأن يُجل -جل جلاله- لأنه -عز وجل- يكرم عبادة فهو يستحق الإجلال.
﴿تَبَارَكَ﴾: المعنى أن البركة تحصل باسمه، كما تقدم في أول البسملة.
﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ فتحصل البركة، ولهذا اسم الله مبارك ما ذُكِرَ على شيء إلا تبارك.
قال أهل العلم: وثمة قاعدة ينبغي التنبه لها في تدبّر آيات القرآن، فـ ﴿تَبَارَكَ﴾ إن وصف بها الرب فالمعنى تعاظم وتعالى، وذلك كما في قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ فهنا موصوف بها الرب، فالمعنى تعالى وتعاظم.
وإن وصف بها الاسم كما في هذه الآية، ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ فالمعنى أنَّ البركة تكون باسمه، فانتبهوا أيها الإخوة الكرام لهذه القاعدة المهمة في تدبركم لآيات القرآن.
إن جاء "تبارك" موصوف بها الرب فالمعنى تعالى وتعاظم، وإن جاء "تبارك" موصوف بها الاسم، فالمعنى أن البركة تكون باسمه -عز وجل- فتحصل البركة، ولهذا المسلم يبدأ بـ "بسم الله" تبركًا واستعانة.
الآية التي بعدها: وَقَوْلُهُ: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ وهذا فيه صفة منفية، والسمي هو: النظير المسامي الذي يستحق مثل اسمه، فالله لا سميي له، وهذه من الصفات المنفية التي تتضمن صفة الكمال، وهي الوحدانية، فهي من الصفات المنفية، والنفي فيها -كما تقدم- ليس نفياً محضاً، بل يتضمن ضده من صفات الكمال.
فنفي السمي يتضمن الكمال المطلق الذي لا يُشاركه فيه أحد، وهكذا أيضا في الآية في سورة الإخلاص ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، وتقدم الكلام عليها في صفة الإخلاص، والكفوء هو المكافئ، فالله لا كفأ له، لا ند له، لا مثل له، لا سمي له، فهي من صفات النفي التي تتضمن ضدها من صفات الكمال.
قال: وَقَوْلُهُ: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الند هو المكافئ والمثيل، فنفي الند عن الله -تبارك وتعالى- يتضمن صفة الكمال.
الآية الأخيرة، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ فهنا أيضًا نفى عن الله الأنداد، وهذا النفي يتضمن صفة الكمال، يعني: ليس نفياً محضًا، بل يتضمن صفة الكمال، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَم ْيَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111]، وقوله: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل ِّشَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التغابن: 1]، وقَوْلُهُ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:1-2]، وَقَوْلُهُ: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون:91]، وَقَوْلُهُ: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون:92]، وَقَوْلُهُ: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:74]، وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَالَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام:33])}.
هذه الآيات هي في نفي الشريك عن الله -تبارك وتعالى-، وتضمنت أيضا جملة من الصفات الأخرى.
في الآية الأولى، في قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ هذه الصفة منفية، ونفي صفة الولد عن الله يتضمن كمال الوحدانية.
﴿وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ أيضا نفي الشريك، فلا شريك له لا في ملكه، ولا في تدبيره، ولا في خلقه، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في عبادته.
﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ﴾ أيضًا هذا فيه نفي الولي، لكن لاحظ أنَّ الآية فيها قيد ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ﴾ لكن هل له ولي من غير ذل؟
نعم المتقون هم أولياء الرحمن، فالمتقون هم أولياء الله، ينصرونه وينصرون دينه ويوالونه، ولكن هؤلاء الأولياء ليس هو بحاجة إليهم، وإنما هم أولياء لله -تبارك وتعالى- ينصرونه وينصرون دينه، وهو سبحانه وتعالى هو الغني.
ولهذا يقول بن كثير في تفسيره في هذه الآية من سورة الإسراء 111، هذه الآية تسمى بآية العز، ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ﴾ ثم قال: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ والتكبير هو تعظيم الرب تبارك وتعالى، ومن تعظيمه نفي صفات النقص عنه، ووصفه بصفات الكمال، ولهذا فالمسلم إذا قال: الله أكبر ما المعنى؟ المعنى أن الله -عز وجل- أكبر من كل شيء، ولهذا يستشعر ذلك في صلاته، يستشعر ذلك في الأذان بأن الله -تبارك وتعالى- هو الكبير، وهو أكبر من كل شيء.
في الآية التي بعدها في قوله: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ التسبيح كما تقدم هو تنزيه للرب -تبارك وتعالى-، ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ﴾ إذن هو إثبات صفة الملك، ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ وهذه الصفات تتضمن الكمال المطلق، ﴿وَهُوَ عَلَى كُل ِّشَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وهذه صفة ثبوتية، صفة القدرة على كل شيء.
الشاهد هنا ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ والتسبيح فيه تنزيه، فيدلُّ على صفات النفي التي تدلُّ على صفة الكمال؛ لأن يسبح فيه تنزيه للرب -تبارك وتعالى- عن كل نقص وعيب، وعن النقص في صفات الكمال، وعن مماثلة المخلوقين فهي صفة منفية من حيث المعنى، لأن فيها تنزيه للرب تبارك وتعالى.
قال في الآية التي بعدها: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ﴾، تقدمت القاعدة من قبل، هنا (تبارك) موصوف بها الرب، فتعني: تعالى وتعاظم، فهنا أيها الإخوة الكرام طبقوا القاعدة على هذه الآية، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ﴾، فتبارك هنا بمعنى: تعالى وتعاظم؛ لأن موصوف بها الرب تبارك وتعالى، فهي صفة ثبوتية.
﴿نَزَّلَ﴾ التنزيل يدل على ماذا؟ يدل على العلو، لأن التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل.
﴿عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وهذا فيه صفة الملكوت، ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ هذه صفة منفية، ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ أيضا من الصفات المنفية، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ أيضًا صفة القدرة، كما تقدم.
إذن الآية تضمنت صفات ثبوتية وصفات منفية، فهي دليل للقاعدة التي ذكرها المؤلف في أول الكتاب.
الآية التي بعدها، قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ﴾ هذه صفة ماذا منفية، والفعل يدل على صفة الاتخاذ.
﴿مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ أيضا هذه الصفة منفية، نفي الألوهية عما سوى والله -تبارك وتعالى- فيدل على وحدانيته.
﴿إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أيضا تنزيه، هذه من الصفات المنفية، وفيها لأنه تنزيه رب -تبارك وتعالى-.
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ عالم الغيب هذه من الأسماء الإضافية، وأيضا تدل على صفة العلم.
﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ اسم إضافي مركب بهذه الطريقة، ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى﴾ أيضا صفة العلو، وأيضا صفة التنزيه ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ نفي الشريك.
فتضمنت الآية صفات ثبوتية وصفات منفية، ولهذا لاحظوا كل آية من كتاب الله تدل على صفات الرب -تبارك وتعالى-.
الآية التي بعدها، (قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ﴾)، أي: لا تجعلوا لله تعالى مثلاً فتقولون مثلاً: مثل الله كذا وكذا، بل الله -تبارك وتعالى- ليس كمثله شيء، وقد أخبر -عز وجل- بأنه لا ند له، لا مثل له، لا سمي له، لا كفأ له، ليس كمثله شيء، فالله -تبارك وتعالى- يقول" ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ﴾ يعني: لا تجعل له صفات كصفات المخلوق، فتقول: له يد كيد المخلوق، أو وجه كوجه المخلوق، أو ينزل كنزول المخلوق، أو يجيء كما يجيء المخلوق، بل صفاته تليق به -تبارك وتعالى-، تثبت له على الوجه اللائق به.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فإذا كان هو يعلم فهو أعلم بنفسه، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا، فقد وصف نفسه بهذه الصفات، فنصفه بما وصف به نفسه، لماذا؟ لأن الله يعلم، وهذا المعطل لا يعلم.
نقول لمن يعطل الصفات: الله يعلم وأنت لا تعلم، الله هو الذي وصف نفسه بهذه الصفات فهو أعلم، ورسله كذلك أعلم، بخلافك أنت أيها المعطل المحرف لكلام الله، فأنت لا تعلم.
ثم الآية الأخيرة، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَالَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ قد يقول قائل: ما وجه إيراد هذه الآية هنا؟ وسبق لها نظائر في آيات يريدها المصنف -رحمه الله- لمقصد آخر، يقول سماحة شيخنا/ الشيخ تبن باز -رحمة الله عليه- في تعليقه على العقيدة الواسطية: وجه سياق هذه الآية ضمن آيات الصفات للدلالة على أن القول على الله بلا علم من أعظم المحرمات، بل إنه يأتي في مرتبة أعلى من مرتبة الشرك، حيث رتَّب المحرمات في هذه الآية من الأدنى إلى الأعلى، والقول على الله بلا علم يشمل: القول عليه في أحكامه وشرعه ودينه، كما يشمل القول عليه في أسمائه وصفاته، وهو أعظم من القول عليه في شرعه ودينه، فسياق الآية الكريمة هنا للتنبيه على هذا. والله أعلم.
وهذه فائدة نفيسة يتنبه لها، وهذا من الفقه، ومن الفتح الذي يفتح الله به على هؤلاء العلماء الربانيين، فهذا العالم الجليل -رحمه الله رحمة واسعة- وجزاه الله عنا وعن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء وأوفاه.
فلاحظوا كيف هذا التعليق النفيس في وجه الاستدلال بهذه الآية.
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ﴾ فِعْلِ أَوْلَى يدلُّ على صفة التحريم، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ﴾ فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُحَرِّم، فَدل عَلَى أَنَّهُ مِن كَمَالِه عَزَّ وَجَل أنه يُحَرِّمُ ما يشاء، فدلَّ على صفة التحريم.
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾ لاحظوا كما ذكر سماحة شيخنا، الفواحش من الأدنى إلى الأعلى.
﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ أي: ما يتعلق بالفواحش القلبية والظاهرة، ﴿وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَالَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾ الفعل "ينزل" يدل على صفة التنزيل، وكذلك صفة العلو، لاحظوا كيف أن الفعل الواحد يدل على أكثر من صفة، فهو دل على صفة التنزيل، وأيضا هو يدل على صفة العلو.
﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وهذا هو الشاهد: أن التعطيل في أسماء الله وصفاته، والتحريف كما يفعله هؤلاء المعطلة هو: قول على الله بلا علم، وجعله في منزلة أعظم من الشرك، لأنه رتب الفواحش والمحرمات من الأدنى إلى الأعلى، فجعل القول على الله بلا علم، ومن ذلك وصفه بما لم يصف به نفسه، أو تعطيل ما وصف به نفسه، أو تحريف ما وصف به نفسه، كل ذلك قول على الله بلا علم، مما يدل على شناعة الضلال في هذا الباب -باب الأسماء والصفات- وشناعة ما وقع فيه المعطلة تعطيلاً جزئياً أو تعطيلا كليًا من الجرأة على الله، والجرأة على كتاب الله، ووصفه -عز وجل- بما لا يليق به.
ولهذا لاحظ كيف تكررت في الآيتين، الآية التي قبلها ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي يا هؤلاء المعطلة. وفي الآية الثانية: ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
ولهذا نوجه نصيحة لكل هؤلاء المعطلة، من أشاعرة وماتريدية، انتبهوا ثم انتبهوا ثم احذروا، أن تقولوا على الله ما لا تعلمون، وأن تحرفوا كتاب الله، وأن تحرفوا معاني الأسماء والصفات على وجه لا يليق بالرب -تبارك وتعالى- فتقعوا في هذا المحظور، وتقولوا على الله ما لا تعلمون، هي نصيحة لهؤلاء ونصيحة لكل مسلم يعظم كتاب الله، ويعظم الرب -تبارك وتعالى-، ويعظم صفات الرب -تبارك وتعالى-.
وكلام سماحة شيخنا كلام نفيس في هذا الباب، وفي وجه الاستدلال بهذه الآية، وما فيه من توجيهات لكل من يقول على الله بغير علم، وخاصة في هذا الباب، باب الأسماء والصفات.
{أجسن الله إليكم.
قال المؤلف -رحمه الله-: (وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]، وقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف:54] في ستَّة مواضعَ)}.
هذه الآيات في إثبات صفة الاستواء على العرش، وهي من الصفات التي وقع فيها الخلاف.
قَالَ المؤلف -رحمه الله-: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فِي سَبْعَةِ مواضع، المصنف -رحمه الله- نظر هنا إلى المعنى، وأما اللفظ فلم يتكرر، الآية هنا في سورة طه ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، وأمَّا الآيات الأخرى في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سورة الفرقان، والسجدة، والحديد، كلها جاءت ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ﴾ وفي سورة طه بلفظ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، فقوله: (في سبعة مواضع) نظر فيها إلى جهة المعنى.
الاستواء على العرش فسره أهل السنة بالارتفاع والعلو والصعود والاستقرار، فيفسرون استوى على العرش بمعنى: علا وارتفع وصعد واستقر. يقول ابن القيم في نونيته:
فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ .... قَدْ حُصِّلَتْ لِلْفَارِسِ الطَّعَّانِ
وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلَا وَكَذَلِكَ .... ارْتَفَعَ الَّذِي مَا فِيهِ مِنْ نُكْرَانِ
وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هُوَ رابِعٌ .... وَأَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشَّيْبَانِي
يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ .... أَدْرَى مِنَ الجَهْمِيِّ بِالقُرْآنِ
والأشعري يقول تفسير استوى .... بحقيقة استولى من البهتان
العرش هو سقف المخلوقات المحيط بها، فهو أكبر المخلوقات التي نعرفها، وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الله -تبارك وتعالى- قد استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله، لا مثيل له، ولا يماثل استواء المخلوقين، ولهذا لَمَّا سئل الإمام مالك -إمام دار الهجرة- عن كيفية الاستواء قال قاعدة عظيمة يرد بها على كل معطل ومحرف لهذه الصفة، يقول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، إذا هو معروف المعنى، فالعرب تعرف معنى استوى، كما فسرها السلف بهذه المعاني: "علا، وارتفع، وصعد، واستقر" فهو معلوم، والكيف مجهول، لا نعلم الكيفية، والإيمان به واجب؛ لأن الله ذكر الاستواء في كتابه، والسؤال عنه، يعني: عن الكيفية".
ثمة قاعدة في كلمة "استوى"، فكلمة استوى في اللغة تأتي معداة بإلى أو بعلى أو مقرونة بالواو أو تكون مجردة، إن جاءت معداة بـ "على" فمعنى ذلك: استقر وعلا وصعد وارتفع، وإن كانت معداة بـ "إلى" مثل: "استوى إلى السماء"، فالمعنى: قصد. وإن كانت مقرونة بالواو مثل قولهم: "استوى الماء والخشبة"، فتكون بمعنى تساويا، وإن كانت مجردة فتكون بمعنى الكمال، كما قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ﴾ فإذن الاستواء هنا بمعنى: علا وارتفع وصعد واستقر.
أهل التعطيل حرفوا هذه الصفة، فمنهم من نفاها ثم حرّف الآيات، فقال: "استوى" بمعنى استولى على العرش، وهذا التحريف -طبعا هم يسمونه تأويلا أو تفسيرًا- والواقع أنه تحريف لكلام الله. لماذا؟
أولا: أنه خلاف ظاهر القرآن.
ثانيا: أنه خلاف ما أجمع عليه السلف.
ثالثا: أن تحريف الاستواء بالاستيلاء يلزم عليه لوازم باطلة، ما اللوازم الباطلة؟
إذا قالوا: استوى العرش بمعنى: استولى، معناه: أنه كان مغلوبا فغلب، ثم أيضًا هل استيلاء الله خاص بالعرش أو على كل المخلوقات؟ الجواب: على كل المخلوقات، فلا خصوصية للعرش حينئذ بهذا التحريف.
ثم هل يليق أن يقال: الرحمن على الأرض استوى، بمعنى: استولى؟ هذا خلاف الشواهد، فيكون تفسير الاستواء بالاستيلاء قولٌ على الله بلا علم، وجنايةٌ في التفسير، وجنايةٌ في فهم كلام الله، ولهذا يذكرون من الطرائف أنَّ أحد شيوخ المعطلة يفسر هذه الآية في المسجد ويقول للطلاب: استوى بمعنى استولى، فكان أحد الأطفال الصغار يلعب بجوار المسجد، فسمع هذا التحريف فاستغربه -وهو طفل بفطرته- ففتح النافذة وقال: يا أستاذ أنت تقول للطلاب استوى بمعنى استولى، فمن الذي كان مستوليا على العرش قبل الله؟! لأن استولى تفيد أنه كان مغلوبا فغلب، فتنبه الطلاب لسؤال هذا الطفل النبيه، وقالوا: إنه سؤال صحيح صريح مليح فأجبه، ولكنه ما استطاع هذا المعطل أن يجيبه، ولهذا تجد العامي من المسلمين يُفحم أهل البدع والأهواء بتفسيراتهم الباطلة.
أنت تشير إليَّ بأن الوقت قد انتهى، ولذلك نكتفي بهذا، وأسأل الله -عز وجل- لي ولك وللأخوة المشاهدين العلم النافع والعمل الصالح والفقه في كتابه، والفقه في أسمائه وصفاته، وأن يحفظنا بحفظه من شرور المعطلة والمحرفة لكلام الله وكلام رسوله ﷺ، وصلى الله على نبينا محمد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ لِمَا قدمتم وأفدتم، وجزاكم عنا خير الجزاء، والشكر موصول إليكم أيضاً أيها الأخوة والأخوات، نلقاكم في حلقة قادمة بمشيئة الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
---------------------------
[1] أخرجه النسائي (5 )، وأبو يعلى (4569 )، وابن خزيمة (135 )، وعلقه البخاري في ((باب سواك الرطب واليابس للصائم)).