{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما عن النبي المجتبى، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله مشاهدينا الكرام في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) نصطحبكم في هذه الحلقات في شرح (العقيدة الواسطية) يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ سهل بن رفاع العتيبي. باسمي واسمكم جميعا نرحب بفضيلة الشيخ.
حياكم الله فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المشاهدين، وأسأل الله -عز وجل- للجميع التوفيق والعلم النافع والعمل الصالح.
{نستأذنكم شيخنا في البدء بقراءة المتن}.
نعم، استعن بالله تعالى.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الأُمَّةِ؛ كَمَا أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الأُمَمِ؛ فَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ أهْلِ التَّعْطِيلِ الْجَهْمِيَّةِ، وَأَهْلِ التَّمْثِيلِ الْمُشَبِّهَة؛ِ وَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ أَفْعَالِ اللهِ بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ.
وَفِي بَابِ وَعِيدِ اللهِ بَيْنَ الْمُرْجِئَةِ والْوَعِيدِيَّةِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَغِيْرِهِمْ.
وَفِي بَابِ أَسْمَاءِ الإِيمَانِ والدِّينِ بَيْنَ الْحَرُورِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ.
وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم عَلْمَ المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وعلى كل من صلى وسلم عليه. أما بعد، فهذا هو الدرس الثامن في التعليق على كتاب (العقيدة الواسطية) وبه ختم المؤلف -رحمة الله عليه- ما يتعلق بأحاديث الصفات، حيث قال في آخر أحاديث الصفات: (إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله ﷺ عن ربه بما يخبر به، فإن الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل)، وهذه هي الوسطية التي يشار إليها، بمعنى أنهم يجمعون بين النفي والإثبات، فلا يغلون في الإثبات إلى حد التمثيل، ولا يغلون في التنزيه إلى حد التعطيل، بل يُثبتون إثباتًا من غير تمثيل، وينزهون تنزيهًا من غير تعطيل.
ثم بين أن هذا هو الوسط، فقال: (بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الأُمَّةِ؛ كَمَا أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الأُمَمِ) كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة:143]، والوسط هم العدول الخيار، هذا هو مفهوم الوسطية، لا يُفهم مفهوم الوسطية بطريقة خاطئة، بل الوسطية هي: الامتثال لكلام الله، وكلام رسوله ﷺ، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو وتنطع في الدين، ولا تمييع للدين، فهذا هو الوسط، فهم عدولٌ خيار، وهو الذي دلَّ عليه قول الله تبارك وتعالى: ﴿اهدِنا الصِّراط المُستقيم﴾ الصِّراط المُستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه، ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ فأهل السنَّة هم وسطٌ في هذا الباب، وفي كل أبواب الدين.
ثمَّ أشار إلى وسطيتهم في هذه الأصول الخمسة: في أبواب الصِّفات، وفي أبواب أفعال الله، الذي هو القدر، وفي باب وعيد الله، الذي هو الوعد والوعيد، وفي باب أسماء الإيمان والدين، أي: الأسماء والأحكام، وفي أبواب الصحابة.
وقد أشار المؤلف -رحمه الله- في شرح العقيدة الأصفهانية إلى طريقة المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة، قال في شرح العقيد الأصفهانية: "من شأن المُصنِّفين في العقائد المُختصرة" مثل: هذا المُختصر، وأيضا كتب العقائد المُختصرة التي يُحذَف الإسناد فيها ويُكتفى بالمَتِن، "على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما يتميَّز به أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين".
قال: "فيذكرون إثبات الصفات، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يُرى في الآخرة، خلافا للجهمية من المعتزلة وغيرهم".
قال ثانيا: "ويذكرون أن الله خالق أفعال العباد، وأنه مُريد لجميع الكائنات، وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن، خلافا للقدرية من المعتزلة وغيرهم".
ثالثا: "ويذكرون مسائل الأسماء والأحكام، والوعد والوعيد، وأن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب، ولا يخلد في النار خلافاً للخوارج والمعتزلة".
رابعاً: "ويحققون القول في الإيمان، ويثبتون الوعيد لأهل الكبائر مجملاً، خلافاً للمرجئة".
خامساً: "ويذكرون إمامة الخلفاء الأربعة وفضائلهم خلافاً للشيعة من الرافضة وغيرهم".
هذا ذكره في شرح العقيد الأصفهانية، وهنا ذكر أيضًا وسطية أهل السنة والجماعة، فقال: (بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الأُمَّةِ) أي: الفرق المنتسبة للإسلام، بين الطرفين نقيب تجد الغلاة والجفاة في كل باب من أبواب الدين، في كل باب من أبواب الدين تجد الغالي والجافي، وهكذا ما أمر الله بأمر إلا والشيطان فيه نزغتان:
إما غلو، وإمَّا جفاء، وتجد كل فرقة من هذه الفرق تنظر إلى النصوص بعين عوراء، وإذا نظر بعين عوراء سينظر للشطر ويترك الشطر الآخر، في باب الصفات مثلا تجد المعطلة نظروا إلى نصوص التنزيه، فنفوا الصفات، وعكسهم المشبهة والممثلة والمجسمة نظروا إلى نصوص الإثبات وأهملوا نصوص الوعد، والله يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصْيِرُ﴾ [الشورى:11]، تجد الفِرق منهم من ينظر للشطر الأول من الآية فقط، ومنهم من ينظر للشطر الثاني فقط، بينما أهل السنة حسنة بين سيئتين، حسنة بين سيئة الإفراط والتفريط، فجمعوا بين النصوص، بل لاحظ في آية الحديد كيف جمع الله تبارك وتعالى بين الاستواء على العرش وبين المعية، ولا تعارض بينهما.
وهكذا في آية الشورى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصْيِرُ﴾، فجمع بين ما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، النفي الذي هو التنزيه، وإثبات الصفات أهل السنة لا يغلون في التنزيه إلى حد التعطيل، ولا يغلون في الإثبات إلى حد التمثيل، بل يجمعون بين النفي والإثبات، فهم وسط بين الغالي والجافي، وهكذا في كل باب من أبواب الدين، كما سيبين ذلك في الشواهد والأمثلة.
(كَمَا أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الأُمَمِ) فأمة الإسلام وسط بين الأمم الغالية والجافية، خذ على سبيل المثال: من الأمم التي غالت في الأنبياء: النصارى، غلوا في عيسى -عليه السلام، فمنهم من جعله هو الله، ومنهم من جعله ابن الله، ومنهم من جعله ثالث ثلاثة، والذين جفوا في عيسى من؟
هم اليهود، فاتهموه واتهموا أمه، ويزعمون إلى اليوم بأنهم قد قتلوه وصلبوه، ولذلك لا يؤمن اليهود إلى اليوم لا بعيسى ولا بالإنجيل، ولا يؤمنون بالديانة النصرانية، وذلك الدعوة بأنهم أصحاب ديانات، نقول: اليهود أنفسهم لا يؤمنون بالنصرانية أصلا، ولا يؤمنون أيها النصارى بكتبكم، ولا يؤمنون بنبيكم أصلا، اسأل أي يهودي سيقول: إنه لا يعترف بعيسى.
بينما تجد المسلم يؤمن بعيسى -عليه السلام- ويؤمن بالتوراة، ويؤمن بالإنجيل، ويؤمن كذلك بموسى، ويؤمن بكتابه، ويقول في عيسى -عليه السلام- كما تلاحظ في المسلمين الجدد يُنطقونهم الشهادة، وأنَّ عيسى عبد الله ورسوله.
لماذا يقال ذلك؟ لأنه عبد لا يعبد كما غلت النصارى.
ورسوله لا يُكذَّب كما فعلت اليهود، وهكذا يُقال في محمد ﷺ: إنه عبد الله ورسوله، فهو عبدٌ لا يُعبَد، وهذا ردٌ على أصحاب الغلو.
(ورسوله رسوله لا يُكذَّب) ردٌ على أصحاب الجفاء الذين يردون السنة ويعترضون عليها، ويزعمون بأنها لا تُقبل ولا تعقل، هؤلاء أهل جفاء وضدهم أهل غلو، وبينما أهل الحق وسط، ولهذا يعتقدون في محمد ﷺ -وفي سائر الأنبياء- بأنه عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، وهكذا في كل مسائل الدين، بين الرهبانية وبين الجفاء والحيل التي يفعلها اليهود في شرع علة، فهم وسط في أبواب العبادات، وسط في العقائد، وسط في أبواب المعاملات، فأمة الإسلام وسط بين الأمم.
وهكذا أهل السنة، هم وسط بين الفرق المنتسبة للإسلام، بين الغالي والجافي.
ثم بَيَّنَ وسطيتهم في ذلك فقال: (فَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بَيْنَ أهْلِ التَّعْطِيلِ الْجَهْمِيَّةِ، وَأَهْلِ التَّمْثِيلِ الْمُشَبِّهَة) وهذا هو الفصل الذي تقدم، يعني: الدروس السابقة كلها في بيان وسطية أهل السنة والجماعة، في هذا الأصل العظيم -في باب الأسماء والصفات- وأنهم يجمعون بين النفي والإثبات، يجمعون بين تنزيه الرب تبارك وتعالى، وبين إثبات الصفات للرب تبارك وتعالى.
ولم يقل الصفات؟ لأنَّ النزاع في الصفات أقوى، وما من اسم إلا وتضمن صفةً.
(وسط) بين من؟ وسط بين أهل التعطيل، والتعطيل -كما تقدم- أنواع، هناك تعطيل كلي، وهناك تعطيل جزئي، والجهمية الأوائل عطلوا تعطيلاً كلياً، فنفوا الأسماء كلها، ونفوا الصفات كلها.
ثم جاء وريثهم الأول: المعتزلة، فأثبتوا الأسماء، ولكن عندهم أسماء جامدة لا يشتق منها، ونفوا جميع الصفات.
ثم جاء وريثهم الثاني، الفِرق التي عطلت تعطيلا جزئيا، ومنهم: الكلابية، والأشاعرة، والماتريدية، فأثبتوا بعض الصفات، وسموها صفات عقلية، ونفوا بقية الصفات بزعمهم أنها صفات لا تُعقل، يعني: عرضوها على عقولهم القاصرة، قالوا: هذا معقول وهذا غير معقول!
نقول: معقول وغير معقول هذا عندك فقط، ولكن عند العقلاء كلها معقولة، وأما أن تميز هذه الصفة بأنها غير معقولة، وهذه معقولة، فنقول: أنت تحكم على النصوص بعقلك القاصر، ولكن اسأل العقلاء سيقولون: لا فرق بين صفة النزول وبين صفة المجيء، وبين صفة السمع والبصر، والقدرة، والحياة، كلها في باب واحد.
أما أن تميز هذا معقول وغير معقول، نقول: هذا من كيسك، وليس من دلالة النصوص، ولا عند العقلاء قاطبة، ولهذا هم وسط بين أهل التعطيل، والتعطيل أنواع:
التعطيل كله أو جزئي، قال الجهمية: لأنه أول من عطلهم الجهمية، والجهمية نسبت للمؤسس الثاني؛ لأنه هو الذي نشر هذا المذهب الفاسد، مذهب التعطيل، وهو الجهم بن صفوان، وإلا فالمؤسس الحقيقي لمذهب التعطيل هو الجعد بن درهم، وتلميذه الجهم.
لَمَّا قتل الجعد هرب الجهم إلى سمرقند، هناك أيضًا قُتل أيضًا، ثم جاءت الفرق بعد ذلك فورثت هذه البدعة -بدعة التعطيل-.
وضدهم من أهل التمثيل وهم: المشبهة والمجسمة، الذين شبهوا الله تبارك وتعالى بخلقه، فقالوا: إن لله يد كخلقه، أهل التعطيل يلمزون أهل السنة بأنهم مشبهة، نقول: لماذا تلمزونهم بأنهم مشبهة؟ قالوا: إنهم يثبتون الصفات.
نقول: إثبات الصفات ليس من التشبيه، فأهل السنة لَمَّا أثبتوا الصفات أثبتوها على الوجه اللائق بالرب تبارك وتعالى، فهم لَمَّا أثبتوا المجيء أو السمع أو البصر، قالوا: على الوجه اللائق به تبارك وتعالى؛ لأنه ليس كمثله شيء.
فإذن هم وسط بين الغلاة والجفاة في باب الصفات.
كذلك هم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وقوله: في باب أفعاله، يقصد أبواب القدر، وهذا سيأتي له فصل مستقل بإذن الله، وهناك سنبين مذهب الغلاة ومذهب الجفاة، الغلاة الجبرية الذين غلوا في إثبات مراتب القدر، ولكنهم نفوا مشيئة العباد.
جاء عكسهم القدرية، وهم طوائف ومراتب، منهم: القدرية الأوائل، والقدرية الثانية الذين هم المعتزلة.
قال: (بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ) يعني: ممن ضل في باب القدر فرق كثيرة، سيأتي الحديث عنها في فصل مستقل.
إذن باب الصفات هذا تقدم، باب القدر سيأتي.
قال: (وَفِي بَابِ وَعِيدِ اللهِ) يقصد الوعد والوعيد، نصوص الوعد والوعيد، نصوص الترغيب والترهيب، أيضًا ضلت فيه الفرق، فمن الفرق من أخذت نصوص الوعد، ومن الفرق من أخذت نصوص الوعيد، والذين أخذوا نصوص الوعد هم المرجئة، وقد أوصلهم الأشعري في كتابه "المقالات" إلى ثنتي عشرة فرقة، طوائف عديدة ومراتب، فهؤلاء غلوا في نصوص الوعد، وأهملوا نصوص الوعيد، نظروا للنصوص بعين عوراء.
وجاء ضدهم الوعيدية، والوعيدية قال: (مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَغِيْرِهِمْ) يقصد القدرية وهم هنا: المعتزلة وغيرهم، وسيأتي أيضًا لهذا فصل مستقل في باب الإيمان، نؤجل التفصيل فيه، والرد على هذه الفرق، ووجه ضلال هذه الفرق في فصل مستقل، سيأتي إن شاء الله.
قال: (وَفِي بَابِ أَسْمَاءِ الإِيمَانِ والدِّينِ) يعني: الأحكام، وهذا الأصل هو فرع عن الأصل الذي سبقه، يعني: مؤمن ومسلم وعاص هل الناس مراتب؟ هل أهل الإسلام فيهم مسلم وفيهم مؤمن وفيهم محسن أو لا؟
أيضًا ضلت الفرق في هذا الباب، وهذا التقسيم وهذا التفاضل وهذا الزيادة والنقصان ليس موجود عند جميع الفرق، فمنهم من غلا ومنهم من جفا، وممن غلا الوعيدية، والوعيديه يشمل الحرورية، طبعا سمام الحريق الذين هم الخوارج، والخوارج سموا بهذا الاسم لَمَّا خرجوا على الصحابة، انحازوا في منطقة قرب الكوفة، يقال لها: حروراء، فأصبح يطلق عليهم حرورية، ولهذا معاذة العدوية لَمَّا سألت عايشة -رضي الله عنها- استغربت عائشة السؤال، قالت: لماذا المرأة الحائض تُؤمر بقضاء الصوم ولا تُؤمر بقضاء الصلاة؟ فانظروا السؤال، وهو كحال أحيانا من يسألون لماذا كذا؟
عائشة -رضي الله عنها- فهمت من السؤال اعتراض، فقالت من باب الزجر والتأديب لها: «أحرورية أنت؟» لأنه غالب من يسأل على وجه الاعتراض يكون من أهل الأهواء، فلما سألت هذا السؤال لماذا تؤمر الحائض بقضاء الصوم ولا تُؤمر بقضاء الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قالت: لا. إنما أنا سائلة، فقالت: «كنا في عهد النبي ﷺ نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» فانظر إلى هذا الجواب السديد، بمعنى أن نصوص الشرع لا تعرض على عقول الناس، تقبل أو ما تقبل؟ يدركها أو ما يدركها؟ فأجابت بهذا الجواب السديد، بان هذا حكم شرعي، جاء عن النبي ﷺ.
فيسمى الخوالج بالحرورية لهذا السبب، قال: (بَيْنَ الْحَرُورِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ) وإن وافقوا الخوارج في الحكم الأخروي إلا أنهم يخالفونهم في حكم الدنيا، وسيأتي أيضًا في فصل مستقل.
عكس الوعيدية المرجئة، قال: (وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ) لماذا الجهمية؟ لاحظوا هذا يعني قاعدة مهمة، الجهمية أتباع الجهم، في باب الصفات معطلة، وفي باب القدر جبرية، وفي باب الإيمان مرجئة، فاجتمعت فيهم ثلاث جيمات، جيم الجهم، وجيم الجبر، وجيم الإرجاء، ولهذا أنت تنظر للجهمية بحسب الأصل في باب الصفات، فالجهمية معطلة، وفي باب القدر هم جبرية، وفي باب الإيمان هم مرجئة، ولهذا أيضًا تلاحظون التناقض ضد الفرق، خذوا على سبيل المثال: المعتزلة، إذا جئت في الصفات معطلة، وإذا جئت في الإيمان فهم وعدية، وهذا أيضًا سيأتي له تفصيل.
قال في الأصل الخامس: (وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ) وهذا سيأتي تفصيله في موقف الخوارج من الصحابة عموما، ومن الشيخين أبي بكر وعمر على وجه الخصوص، وفي موقفهم أيضًا من أمهات المؤمنين، وفي موقفهم من عائشة.
وعكس هؤلاء الخوارج، موقفهم من الصحابة، موقفهم من عثمان، وموقفهم من علي، وموقفهم ممن خالفهم من الصحابة، سيأتي أيضًا في فصل مستقل هذه الأصول الخمسة التي تميز أهل السنة والجماعة.
والمصنف -رحمه الله- ذكر هذه الأصول لشهرتها، وإلا فهم يتميزون في أشياء كثيرة، سيذكر في آخر الكتاب في تميزهم في الأخلاق، تميزهم في العادات، في تميزهم في السمع والطاعة لولاة الأمور، وأشياء كثيرة تميز بها عن أهل الأهواء، وإنما هو ذكر هذه الأصول التي تتفرع عنها مسائل كثيرة.
بعد هذا الأصل انتقل عادة مرة أخرى لصفات كثر فيها النزاع والخلاف ليزيل الإشكال والشبهات حول هذه الصفات، لكثرة من يُرِد هذه الأسماء والصفات على جهة الاعتراض، على مذهب أهل السنة والجماعة، وربما شبهات ترد على بعض الناس، ولهذا عقد لهذه الصفات فصلاً مستقلاً ليجيب عن الإشكال والشبهات في هذه الصفات.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (فَصْلٌ: وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ الإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَتَوَاتَرَ عَن رَّسُولِهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، عَلَى عَرْشِهِ، عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا، يَعْلَمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ؛ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ في َقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ ِبمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: 4].
وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: 4]. أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ؛ فَإِنَّ هَذَا لاَ تُوجِبُهُ، اللُّغَةُ، بَلِ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخ0ْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرُ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِهِ، مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ، مُطَّلِعٌ إليهم، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن مَّعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ. وَكُلُّ هَذَا الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ -مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ- وَأَنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لاَ يَحْتَاجُ إَلَى تَحْرِيفٍ، وَلَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ)}.
المصنف -رحمه الله- عاد مرة أخرى لصفات سبق أن ذكرها في آيات الصفات، وأشار لها في الأحاديث، ولكن السؤال لماذا عاد مرة أخرى لهذه الصفات؟
الإجابة: لكثرة النزاع والخلاف فيها، وأيضا لوجود من يورد هذه الآيات كشبهة لإبطال مذهب أهل السنة والجماعة.
وهنا قد يقول قائل: تقدم إثبات صفة العلو، وإثبات صفة الاستواء، وإثبات صفة المعية، وإثبات صفة القرب، كيف نجمع؟
هذا هو الإيراد، وهذه هي الشبهة التي وقعت للمعطلة، ما استطاعوا أن يجمعوا بين هذه الصفات.
قال المصنف -رحمه الله-: (وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ) يعني: أن الإيمان بهذه الصفات، وعدم توهم التعارض بينها، هو من الإيمان بالله، لماذا؟ لأن من الإيمان بالله، الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسول ﷺ، وكلام الله لا يتناقض، وكلام الرسول ﷺ لا يتناقض، ولذلك قال: (وقد دخل) أي: هذه المسألة هي فرع عن الإيمان بالأسماء والصفات، (الإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ) هذا هو الدليل الأول.
(وَتَوَاتَرَ عَن رَّسُولِهِ ﷺ) الدليل الثاني، (وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ)، أشار إلى مصادر تلقي العقيدة، ولاحظوا أيها الإخوة الكرام أنه سيكرر هذا في الكتاب في مواضع عديدة، أشار هنا وسيشير في آخر الكتاب إلى مصادر تلقي العقيدة، فانتبهوا لها: الكتاب، والسنة، والإجماع، وهذه الأدلة أيضًا تدل على إثبات هذه الصفات التي يَرُدَّها أهل الأهواء لأجل إبطال عقيدة أهل السنة والجماعة، ولأجل التعطيل والتحريف لأسماء الله وصفاته.
وهذا يدل أيضًا أن هذه الصفات قد دلت عليه هذه الأدلة: الكتاب، والسنة المتواترة، وإجماع الأمة.
ما الإشكال الذي ورد عليهم من أنه سبحانه فوق سبع سماوات، العلو والاستواء الذي تقدم، (عَلَى عَرْشِهِ، بائن عَلَى خَلْقِهِ) واستخدم كلمة بائن لأجل الرد على أهل الحلول والاتحاد، الذين يقولون بحلول لا يتعاون تحادي، ولهذا أهل السنة قد يستخدمون أحياناً مصطلحات تدعو الحاجة إليها، وإن لم ترد في النصوص، ولكن الحاجة دعت إليها في مقام الرد، لا في مقام التأصيل، فقد يستخدمون بعض المصطلحات لماذا؟ لأن المخالف استخدمها، فهم يستخدمونها لكشف الشبهة، ولأجل الرد على المخالفين.
قال: (منْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِ، عَلَى عَرْشِه) هل ثم تعارض بين العلو والاستواء والمعيه؟
(وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا)، يعلم لاحظ كيف يشير إلى معنى المعية، وأن المعية لا تعني الاختلاط والامتزاج، وإنما تعني العلم.
(يعلم) إذاً هو يفسر معنى المعية العامة، وتقدم ضابط التفريق بين المعية الخاصة والمعية العامة، والإشكال عندهم هنا هو في المعية العامة، ففهم المعطلة أن المعية تعني: امتزاج واختلاط، أو حلول واتحاد، فهنا يزيل هذه الشبهة.
ما الجمع بين العلو والاستواء على العرش، وبين المعية؟
الإجابة من وجوه:
قال في الوجه الأول: إن الله جمع بينهما في كتابه في آية الحديد التي مرت معنا، كما جمع بين ذلك، هذا هو الوجه الأول، لا تعارض بين الاستواء والعلو وبين المعية، لماذا؟
نقول: إن الله جمع بينهما في آية واحدة، كما جمع بين ذلك في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ إذن إثبات صفة ماذا؟ صفة الاستواء.
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾.
إذن لاحظوا الآيات تبين أن المعيّة هي علم واطلاع وإحاطة، هذا الوجه الأول في الجمع بينهم.
نقول فيمن يتوهم التعارض: إن الله قد جمع بينهما ودل على أنه لا تعارض بين المعيّة وبين العلو والاستواء.
ثانيا: (وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: 4]. أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ)، لماذا لا يُفهم من المعية الاختلاط؟
من وجهين: أولاً: (أنَّ هَذَا لاَ تُوجِبُهُ اللُّغَةُ) فالعربي الفصيح لا يفهم من المعية الاختلاط. لماذا؟ لأن العربي الفصيح يفهم أن المعيّة أوسع، يعني: لما يقول: سافرت والقمر معنا، القمر ما هو معنا في الرواحل، بل القمر في السماء أو لا؟
فالعربي الفصيح لا يفهم من المعيّة الامتزاج والاختلاط. لَمَّا يقول الأب لابنه وهو يشتكي إليه: "لا تخف أنا معك"، هل يقصد أنا معه مرافق له في المدرسة، وهو في الشارع ولا معه بالمتابعة؟ والابن لا يفهم من المعية الامتزاج كما فهم المعطلة، هذا وجه.
ثانياً: إن تفسير المعية بالاختلاط خلاف ما أجمع عليه السلف، فإن السلف أجمعوا على معنى الاستواء، وأجمعوا على معنى المعية، ففسروها بالعلم والاطلاع والإحاطة.
ثالثاً: تفسير المعية بالاختلاط خلاف ما فطر الله عليه الخلق؛ لأن الإنسان بفطرته إذا أراد أن يدعو أين يرفع يديه؟ حتى عند بعض الكفار، تلاحظون في الكوارث والزلازل والبراكين والكوارث كيف يفزعون ويرفعون أيديهم إلى السماء؟
فهي فطرة، فلم يفهم الصبي الصغير ولا الإنسان بفطرته أن الله معهم، فيدعو في كل مكان، وإنما تجده يرفع يديه إلى السماء، فدعاؤه ورفع يديه يدل على أنه قد فطر على الإيمان بعلو الله، ودعاؤه يدل على أن الله يسمع دعاءه، وأنه مطلع، وأنه يفرج الكروب، ويغفر الذنوب، ويهدى القلوب.
ثم ذكر مثالاً يوضح الجمع بين المعية والاستواء، ويزيل الإشكال، قال: (بَلِ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخلُوقَاتِهِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ) أي: في العلو، (وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرُ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ) فإذا قال: "سافرنا والقمر معنا"، فالناس يدركون أن القمر في السماء في علو، ومع ذلك لا يعتبرون هذا الكلام مُتناقضٌ بل إنهم يفهمون معنى ذلك.
قال: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ) ولفظ الفوقية يدل على العلو، وأيضا هو مستوٍ على العرش، (رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِهِ) وهذا هو معنى المعيّة، تعني ماذا؟ تعني: الاطلاع والعلم والرقابة على خلقه (مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِم إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن مَّعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ) التي هي معاني المعيّة، فالمعيّة لا تعني اختلاط وامتزاج، فهو أزال بهذا الإشكال الذي أورده المبتدعة في إبطال العلو وإبطال الاستواء.
وكذلك المبتدعة الآخرون الذين زعموا أن المعيّة تعني: الحلول والاتحاد.
وهذه الأدلة، أدلة العلو والاستواء، وأدلة المعيّة، كل هذا الكلام الذي ذكر الله من أنه فوق العرش، وأنه معنى سواء المعيّة العامة والخاصة بمقتضياتها حق على حقيقة لا يحتاج إلى تحريف، فلا تنافي بين علوه ومعيّته؛ لأن المعيّة العامة معناها: العلم والاطلاع والإحاطة، والمعية الخاصة معناها: التوفيق والتأييد والنصر، ولا تعني الامتزاج.
قال: لكن ذلك يصان عن الظنون الكاذبة، والظنون الكاذبة يعني: التوهمات والتخرصات والشبهات التي يريدها شياطين الإنس وشياطين الجن.
فنقول لكل من أورد عليه الشيطان الجني: ظنون كاذبة، أو أورد عليك الشيطان الإنسي وما أكثره من أهل الأهواء، فإذا وجدت الشيطان الجني يُرِد عليك الوساوس فاستعذ بالله من شره، وأما الشيطان الإنسي إذا أورد عليك إبطال الصفات، فإنك تعرف كيف تُرد على هذا الشيطان الإنسي الذي يُبطل الاستواء، ويبطل العلو، ويبطل صفات الرب تبارك تعالى.
قال: (وَلَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ؛ مِثْلِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: ﴿فِي السَّمَاء﴾. أَنَّ السَّمَاءَ تُظِلُّهُ أَوْ تُقِلُّهُ) وتقدم في السماء يعني: في العلو، أو على السماء.
وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان.
أهل العلم مثل: الصحابة وأمة الدين وأمة الفقه، وهم أيضًا أهل الإيمان الصحيح، وليس أهل التعطيل والتحريف.
ثم ذكر جملة من الآيات من الموجودة في النسخة عندك، وفي النسخة عندي فَإنَّ اللهَ قَدْ ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾، ﴿وَهُوَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ؛ إلاَّ بِإِذْنِهِ﴾، ﴿وَمَنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾
ذكر جملة من الآيات قد تكون موجودة في بعض النسخ وفي أيدي الإخوة ممن يتابعوننا.
هذا ما يتعلق بالمسألة الأولى التي يريدها أهل الأهواء، في توهّم التعارض بين العلو والاستواء وبين المعيّة، وأجاب المصنف -رحمه الله- عن هذا التوهّم، وأيضًا وساوس قد ترد على الإنسان فيعرف كيف يزيل هذه الشبهة؟ كيف يكشف هذه الشبهة؟
ثم انتقل إلى مسألة أخرى وهي قريبة منها.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَقَد دَّخَلَ فِي ذَلِكَ الإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ؛ كَمَا جَمَعَ بينَ ذَلِكَ فيقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ...﴾ [البقرة:186]. الآيَة، وَقَوْلِهِ ﷺ: «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُم مِّن عُنقِ رَاحِلَتِهِ».
وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتِابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لاَ يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّه، قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ)}.
هذه المسألة الثانية التي أراد المصنف -رحمه الله- أن يؤكد عليها؛ لكشف شبهة قد ترد على الإنسان، أو قد يردها أهل الأهواء لأجل التشويش على أهل الإيمان في هذا الباب.
وقد دخل في ذلك يعني: فيما ذكرناه من الإيمان بعلوه تبارك وتعالى واستوائه وبين معيته، كذلك ما يتعلق بالقرب، والكلام في القرب، كالكلام في المعية تماماً، ما يقال في القرب كما يقال في المعية، فيقال: لا تعارض بين علوه تبارك وتعالى -علو الذات- واستوائه على العرش، فالاستواء يليق به، بمعنى علا وارتفع وصعد واستقر، وبين قربه -عز وجل- من عباده.
والقرب عند أهل السنة والجماعة ورد في النصوص على وجه الخصوص في قوله تبارك وتعالى، كما ذكر المصنف في آية البقرة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186].
وكما جاء هذا في الحديث، وسبق الحديث «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُم مِّن عُنقِ رَاحِلَتِهِ» في حديث أبي موسى الأشعري المتفق عليه.
لكن هل ورد القرب عام؟ بمعنى هل نقسم القرب إلى عام وخاص كالمعية؟
من أهل العلم من قال نعم، القرب يقسم إلى عام وخاص، واستدلَّ على القرب العام بقوله تبارك وتعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، وممن رجح ذلك الشيخ ابن سعدي في تفسيره، فقسم القرب إلى عام وخاص.
وبعض أهل العلم يقولون: إن القرب في آية سورة "ق" هذا قرب الملائكة، ولهذا جعل القرب الذي جاء في النصوص هو كله قرب خاص، وقد مال إلى هذا ابن تيمية وابن القيم.
على كل حال لا إشكال في هذا، إذا قلنا: إن القرب العام هو بمعنى المعية العامة، فإنه لا إشكال في هذا، وإنما الإشكال هنا كيف الجمع بين العلو والاستواء وبين القرب؟
المصنف -رحمه الله- يقول: (وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب) هذا مقتضى القرب، فالقرب لا يعني الامتزاج والاختلاط، يعني ماذا؟ أنه يجيب، ولذا قال: ﴿فَإِنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ كما جمع الله بينهما في كتابه، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ فالذي أثبت القرب على هذا الوجه، هو نفسه الذي أثبت الاستواء وأثبت العلو، لا يمكن أن تأخذ ببعض النصوص وتترك بعض النصوص الأخرى، لا يمكن أن تأتي وتضرب النصوص بعضها ببعض، فالذي أثبت العلو وأثبت الاستواء، هو الذي أثبت القرب.
قال معقباً على ذلك: (وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتِابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ) لاحظ كيف ربط بين المسألة للتشابه، (لاَ يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ) لماذا؟
قال: (فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ) أي صفاته، (وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّه، قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ) هو علي: يعني قربه من عباده ومع معيته، هو عال في دنوه مع قربه من عباده والاطلاع وإحاطته ونصرته وتأييده وعلمه وهو مستو على العرش، ما فيه تعارض وقريب في علوه، يعني: مع أنه في العلو ومستو على العرش، فهو قريب من عباده، ولا تعارض أبدا.
وصاحب الفطرة السليمة، وصاحب الإيمان الصافي، لا يمكن أن ترد عليه مثل هذه الإشكالات، أو ضعفاء الإيمان، أو من توسوس لهم شياطين الإنس والجن.
وابن القيم له كلام جميل في الصواعق يزيل الإشكال ويريح أيضًا من ترد عليه الوساوس؛ لأنه التشبيه والتمثيل محرم حتى ولو تصورت العقول، فإذا وردت الشبهة على مسلم في هذا الباب، ووردها على شياطين الإنس أو شياطين الجن، فإنه يكشف هذه الشبهة بما ذكره ابن القيم في الصواعق، يقول: "وقد بينا بأنه سبحانه قريب من أهل الإحسان، ومن أهل السؤال وإجابته" يعني: هو بين معنى القرب، ووضح ذلك بأن الإحسان يقتضي قرب العبد من ربه، فيقرب منه الرب تبارك وتعالى، إلى أن قال: "فإنه من تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا تقرب منه باعًا، إلى أن قال: وهو مع ذلك -أي الرب تبارك وتعالى- يعني: مع قربه ومعيته وإحاطته واضطلاعه ونصرته، هو مع ذلك فوق سماواته على عرشه، كما أنه سبحانه يقرب من عباده في آخر الليل، وهو فوق عرشه، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة، وهو على عرشه، فإن علوه على سمواته من لوازم ذاته، علو الذات، فلا يكون قط إلا عالية، ولا يكون فوقه شيء البتة، كما قال أعلم الخلق: «أنت الظاهر فليس فوقك شيء» وهو سبحانه مع ذلك قريب في علوه، كما ذكر ابن تيمية، (عال في قربه) إلى أن قال: (وهذه قاعدة مهمة هي علاج وبلسم لهذه الشبهة التي قد ترد على الإنسان).
قال: والذي يسهل عليك فهم هذا معرفته عظمة الرب وإحاطته بخلقه، وأن السماوات السبع في يده كخردلة في يد العبد، وأنه سبحانه يقبض السماوات بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن، فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقرب من خلقه كيفما يشاء وهو على العرش؟
كلام نفيس هو أشبه ما يكون بالعلاج والبلسم لمن ترد عليه هذه الوساوس، وهذه الإشكالات، فيتوهم التعارض بين النزول، وبين العلو، وبين المجيء، وبين المعيّة والقرب وبين العلو، فنقول: شأنُ الرب أعظم، ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر:67] جل جلاله.
ثم انتقل إلى الفصل الأخير فيما يتعلق بالأسماء والصفات، وبه يختم هذا الفصل المهم.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ الإيمانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً، لاَ كَلامَ غَيْرِهِ. وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلاَمِ اللهِ، أَوْ عِبَارَةٌ؛ بَلْ إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي الْمَصَاحِفِ؛ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْكَلاَمَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا، لاَ إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا. وَهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُرُوفُهُ، ومَعَانِيهِ؛ لَيْسَ كَلامُ اللهِ الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي، وَلاَ الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ)}.
ذكر المصنف هنا هذه الصفة لكثرة النزاع والخلاف فيها، وهي ما يتعلق بالقرآن، والكلام عن القرآن هو فرع عن الكلام في صفة الكلام لله تبارك وتعالى؛ لأن القرآن من كلام الله، ولهذا يقال في القرآن ما يقال في صفة الكلام عموما.
ولهذا قال المصنف -رحمه الله-: (وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ) فـ "من" تبعيضية من الإيمان بالله؛ لأن الإيمان بالأسماء والصفات هو من الإيمان بالله، لماذا هو من الإيمان بالكتب؟ لأن الإيمان بالكتب يتضمن أن تؤمن بأنها منزلة من عند الله، وأن تؤمن بأن هذه الكتب هي من كلام الله، فالقرآن يؤمن المسلمون أهل الإيمان الحق، بأنه كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
إذن الإيمان بالقرآن وأنه صفة من صفات الله، هو من الإيمان بكتب الله تبارك وتعالى.
قال: (وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ الإيمانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ)، والأدلة على هذا كثيرة كما في سورة التوبة، ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾.
(منزل) كما قال تعالى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ﴾.
(غير مخلوق)؛ لأن الله قال: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ﴾ ففرق بين الخلق والأمر، والسؤال، هل القرآن من الخلق أم من الأمر؟
القرآن من الأمر، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ فإذن الدليل مركب من دليلين، ولهذا يجوز الاستعاذة بكلمات الله، فلو كانت كلمات الله مخلوقة ما جاز الاستعاذة بمخلوق.
(مِنْهُ بَدَأَ) فتكلم به ابتداءً، (وَإِلَيْهِ يَعُودُ) إما أن الكلام ينسب إلى من تكلم به ابتداءً، وقيل: (وَإِلَيْهِ يَعُودُ) أنه في آخر الزمان يرفع من الصدور والسطور، كما جاء في بعض الآثار.
قال: (وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً) نعم الله -عز وجل- تكلم به حقيقة، ولهذا ينسب الكلام إليه؛ لأنه تكلم به ابتداءً، وإن نقله جبريل، أو نقله محمد ﷺ، فإن القرآن ينسب إلى من تكلم به ابتداءً.
قال: (وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً، لاَ كَلامَ غَيْرِهِ) وأنَّ محمدًا ﷺ هو مبلغ عن ربه تبارك وتعالى، خلافاً لمن يقول: إنه كلام جبريل، أو كلام محمد، وإنما هو كلام الله، بلّغه جبريل إلى محمد، وبلّغه محمد ﷺ إلى أمته، وهكذا القال للقرآن إنما هو يبلّغ كلام الله.
قال: (وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلاَمِ اللهِ، أَوْ عِبَارَةٌ؛) يشير إلى مذهب المعطلة والذين قالوا: إنه حكاية هؤلاء هم الكلابية، والذين قالوا: إنه عبارة، هؤلاء هم الأشاعرة، فهو يشير إلى الرّد على هؤلاء وهؤلاء.
الفرق طبعاً بين القولين: أن الحكاية يعني مماثلة، يعني: يحكي كما يحكي الصدى كلام المتكلم، وعبارة بمعنى أن المتكلم عَبَّر عنه بكلام نفسي، وهذه عقيدة الأشاعرة في القرآن، أنه كلام نفسي، فينكرون أن يكون كلام الله بحرف وصوت، وإنما يقولون: هو معناه وعبر عنه.
قال: (لا يجوز إطلاق)، يعني: على جهة، ولكن لو قيد مثل لو قيل: إن القارع يعبر عن كلام الله التقييد يجوز، أو يقال: إنه يحكي كلام الله، ويجوز لكن الممنوع هو الإطلاق ولذلك قال المصنف: (وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلاَمِ اللهِ، أَوْ عِبَارَةٌ)، لكن إذا قلت إن القاري يحكي كلام الله في معنى قيده فإنه يجوز التقييد، ولا يجوز الإطلاق، وإنما الممنوع هو الإطلاق.
قال: (بَلْ إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي الْمَصَاحِفِ؛ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً)؛ لأن المكتوب الحبر أو الورق هذا من عمل الناس، والكلام ليس عن الحبر وألوان الحبر، وليس عن نوع الورق، إنما الكلام عن المكتوب، بل إذا قرأه الناس هكذا أنت إذا سمعت أصوات القراء تختلف، أنت ما تتحدث عن أصوات القراء، وإنما تتحدث عن الكلام المنطق، وهذا هو الإشكال الذي قد يدخل على بعض الناس الخلط واللبس، بين الحبر وبين الورق وبين الكلام المكتوب، أو الخلط بين أصوات القراء وبين الكلام المتلو.
قال: (بَلْ إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي الْمَصَاحِفِ؛ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْكَلاَمَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا، لاَ إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا) بلغه جبريل، بلغه محمد، بلغه القارب.
قال: (وَهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُرُوفُهُ، ومَعَانِيهِ) هذه عقيدة أهل السنة والجماعة؟ ليس كلام الله الحروف دون المعاني، وهذه عقيدة المعتزلة، ولا المعاني دون الحروف، وهذه عقيدة الأشاعرة، بل أهل السنة والجماعة يقولون: (وَهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُرُوفُهُ، ومَعَانِيهِ)، وليس كما يقول هؤلاء المعطلة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية.
هنا يرد سؤال، وهو يزيل الإشكال الذي يرد في هذا الباب، هل المسموع عن كلام الله مخلوق أو غير مخلوق؟ هل المسموع؟
والجواب فيه تفصيل، فنقول: إن أردت المسموع من الله فهو كلام الله غير مخلوق، سمعه جبريل من ربه تبارك وتعالى.
وإن أردت المسموع المبلغ هذه هي تفصيل، إن أريد به الصوت الذي روي به هذا الكلام فالصوت مخلوق، صوت القراء واللي هذا أنت تميز لما يقول لك القارئ من هذا، ميزت لأنك ميزت الصوت، لكن المتر واحد وإن أريد به الكلام المؤدّى الصوت فهو كلام الله غير مخلوق، وهذا يزيل الإشكال واللبس الذي قد يلبس به أهل الهواء في هذه المسألة، فهذا التفصيل يزيل الإشكالات.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يُعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علّمنا.
{جزاكم الله خيراً على ما قدمتم، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على حسن استماعكم، ونراكم -بإذن الله- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}