{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم أعزاءنا المشاهدين، في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم (جادة المتعلم)، نستكمل فيها شرح متن (العقيدة الواسطية) لمؤلفه/ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، مع ضيفنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سهل بن رفاع العتيبي، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات، ونسأل الله -عز وجل- للجميع العلم النافع، والعمل الصالح، والتوفيق لِمَا يُحبه ويرضاه.
{نستأذنك فضيلة الشيخ في قراءة المتن}.
نعم تفضل على بركة الله.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (فَلاَ يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلاَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ، وَلاَ يُكَيِّفُونَ وَلاَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ.
لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ: لاَ سَمِيَّ لَهُ، وَلاَ كُفْءَ لَهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ.
ولاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهَ وَتَعَالَى.
فَإنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَأَصْدَقُ قِيلاً، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ)}.
الحمد لله، وصلي الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا حي يا قيوم وبعد، فالمصنّف -رحمه الله- لَمَّا ذكر القواعد السابقة في طريقة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، قال: (وَمِنَ الإيمَانِ بِاللهِ: الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ) ثم ذكر الضوابط لهذا الإثبات، ثم ذكر الدليل لهذا، ثم انتقل بعد ذلك إلى قواعد فرعية عن هذه القاعد الرئيسة، وتأملوا هذه القواعد، وهي كالتالي:
القاعدة الأولى، قال: (فَلاَ يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ).
القاعدة الثانية، قال: (وَلاَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ).
القاعدة الثالثة، قالَ: (وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ).
القاعدة الرابعة، قال: (وَلاَ يُكَيِّفُونَ).
القاعدة الخامسة، قال: (وَلاَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ).
ثم ذكر التعليل والموجب الذي دعا إلى تقرير هذه القواعد.
قال في القاعدة الأولى: (فَلاَ يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ) وهذا فيه بيان لطريقة أهل السنة والجماعة، وأن طريقتهم في هذا الباب سالمة من نفي ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله ﷺ، كما سبق أنهم لا يُحرفون ولا يعطلون، فلا ينفون عن الله -كما يفعل المعطلة- ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ. هذه القاعدة الأولى.
قال: (وَلاَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) أيضًا فيه بيان لطريقة أهل السنة والجماعة، وأن طريقتهم سالمة من تحريف الكلم عن مواضعه، والتحريف أنواع، قد يكون التحريف للألفاظ، وقد يكون التحريف للمعاني، والغالب هو تحريف المعاني.
قال: (وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ) لاحظ كيف جعل الإلحاد في الأسماء والآيات؟ وفيه بيان أيضًا لطريقة أهل السنة والجماعة، وأنهم لا يلحِدون لا في الأسماء ولا في الصفات.
الإلحاد في الأسماء له صور كثيرة -كما ذكر ابن القيم رحمه الله-، ومن صور الإلحاد في أسماء الله:
· تسمية الأصنام بأسماء الله.
· تسميته تبارك وتعالى بما لا يليق به، كتسمية النصارى له بأسماء لا تليق به، وتسمية الصوفية، وتسمية المعطلة ونحو ذلك.
· وصفه -تبارك وتعالى- بما يَتنزه عنه.
· تعطيل أسمائه، فالذين نفوا أسماءه خاصة الجهمية الأوائل.
· تشبيه بصفات خلقه، هذه من صور الإلحاد في أسماء الله.
الإلحاد في الآيات كيف يكون؟
أولاً: ما المقصود بالآيات؟
الآيات نوعان: هناك آيات كونية، وهي مثل: الخلق، والكسوف والخسوف.
ومن الإلحاد في الآيات الكونية أن ينسبها لغير الله، كأن ينسب نزول المطر لغير الله، وينسب الكسوف والخسوف لغير الله، أو ينسب الحوادث والزلازل إلى غير الله، فهذا إلحاد في آيات الله الكونية، أو يعتقد أنَّ ثَمَّ مشارك مع الله في تصريف الكون، أو له مُعين، كل هذا من الإلحاد في الآيات الكونية.
النوع الثاني: الآيات الشرعية، سواء كانت آيات القرآن، أو الأحكام، والإلحاد فيها يكون بتكذيبها، أو بتحريفها، أو بمخالفة الأمر أو ارتكاب النهي، فكل ذلك يدخل في صور الإلحاد.
إذاً لاحظ كيف جاء المصنف بهذه العبارة، (وَلاَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ) وهو المقصود هنا، (وآياته).
قال: (وَلاَ يُكَيِّفُونَ) وتقدم معنى التكييف، وهو بيان الكيفية والكُنْه.
(وَلاَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ) لماذا؟ ذكر سببين، أو علتين، أو موجبين لهذه القواعد الخمس.
الأول: (لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ: لاَ سَمِيَّ لَهُ، وَلاَ كُفْءَ لَهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ، ولاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهَ وَتَعَالَى).
إذن طريقة أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه لهذا السبب، فهم يقفون مع النص، لا ينفون، ولا يحرفون، ولا يلحدون، ولا يكيفون، ولا يمثلون، وذلك للأدلة السابقة، ولهذا التعليل، ففيه بيان أنَّ طريقة أهل السنة والجماعة قد سَلِمَت من هذه الآفات، التي هي: التحريف، والإلحاد، والتكييف، والتمثيل، والتعطيل.
ثم ذكر التعليل، (فَإنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ) وإذا كان أعلم بنفسه فما وصف به نفسه فيجب أن يوصف به، فهو أعلم بنفسه.
قد يأتيك المعطل ويستدرك على رب العالمين وعلى كتاب رب العالمين! نقول: الله أعلم أم أنت؟ الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة:22-23] من الذي أثبت النظر؟ هو الرب تبارك وتعالى، فيأتي المعطل ويحرف، والله يقول في كتابه: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر:22]، من الذي قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ ؟ هو الرب سبحانه، فكيف يأتي المعطل ويستدرك على رب العالمين؟
نقول: هو سبحانه أعلم بنفسه، ففيه بيان السبب الذي جعل أهل السنة والجماعة يصفون الله بهذه الضوابط، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه:110].
(وَأَصْدَقُ قِيلاً) من غيره، من هؤلاء الحيارى والمحرفين والمبتدعين، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء:122].
(وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ) يعني: ممن يحرفون الأسماء والصفات، فهو أعلم بنفسه وكذلك أعلم بغيره، لقوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء:55].
إذن هذه طريقة أهل السنة والجماعة، أنهم يصفون الله -عز وجل- بهذه الضوابط وهذه القواعد الخمس، التي أشار إليها المصنف رحمه الله، وهي قواعد مهمة ينبغي أن يُعنى بها في هذا الباب، ونستحضرها فيما سيأتي إن شاء الله من توضيح للأدلة التي سيذكرها من الكتاب، والأدلة التي يذكرها من السنة، وإيراد بعض الإشكالات التي أوردها المعطلة على بعض الصفات. هذا هو السبب الأول.
لاحظ في قوله: (ولاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهَ وَتَعَالَى)، أي: لا يقاس قياس تمثيلي، أي: الذي يستوي فيه الفرع والأصل؛ لأن الله ليس كمثلية شيء، ولا يقاس قياس شمولي كما هو موجود عند المناطقة، ولكن يستخدم في حقه القياس الأولى، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ﴾ [النحل:60].
أما القياس التمثيلي فإن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء.
هذا ما يتعلق بهذه القواعد الخمس، وذكر التعليل الأول لها، ثم انتقل إلى التعليل الثاني الموجب لهذه القواعد. الخمس، ماذا قال؟
{قال المؤلف -رحمه الله-: (ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ مَصدقُون؛ بِخِلاَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات:180–182]، فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ، وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ لِسَلاَمَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ)}.
وهذا هو السبب الثاني الموجب لهذه القواعد الخمس، السبب الأول قال: (لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ)، وهذا تعليل، (لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ: لاَ سَمِيَّ لَهُ) ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَميًا﴾ ؟ (وَلاَ كُفْءَ) كما سيأتي لنا في سورة الإخلاص، (وَلاَ نِدَّ لهُ)، وستأتي الأدلة على ذلك، (ولاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهَ وَتَعَالَى)، فهو (أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ) فيما وصف به نفسه، وأعلم (بِغَيْرِهِ، وَأَصْدَقُ قِيلاً، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ)، ولهذا يُثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله ﷺ في سنته.
السبب الثاني قال: (ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ) أي: فيما يخبرون، فالصادق هو الذي يُخبر بالصدق، (وَمَصْدُقُون) يعني: المخبر بالصدق، وفي بعض النُّسخ: (مُصَدَّقُون) يعني: أيَّدهم الله تبارك وتعالى بالآيات ودلائل النبوة، التي تدلُّ على صدقهم، فيأتي هذا المعطل فيستدرِك على رب العالمين، ويستدرِك على رسول رب العالمين، فهو يبين الدليل الآخر الموجب لهذه القواعد، والموجب لهذا الاعتقاد، والذي لأجله بنى أهل السنة و الجماعة هذا الاعتقاد للسبب الأول، (ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ مَصَدقُون)، وإذا كان كذلك فهم مصدر لتلقي العقيدة، ولهذا الرسل معصومون فيما يبلغون به عن ربهم تبارك وتعالى، وأعظم ما بلغوا به هو التوحيد بأنواعه الثلاثة.
قال: (بِخِلاَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لاَ يَعْلَمُونَ) من يقصد بهؤلاء؟
يقصد المعطلة، ويدخل في ذلك: الجهمية الأوائل، ويدخل المعتزلة، ويدخل الكلابية، والكرامية، والأشاعرة، والماتريدية، ومن سلك طريقهم، هؤلاء يقولون على الله ما لا يعلمون، ولهذا تجد منهم من تاب في آخر حياته، كالجويني، والأشعري، والرازي في وصيته.
ومنهم من عاش في حيرة واضطراب، فهؤلاء يقولون عليه ما لا يعلمون، وهكذا في زمننا، ولذا تجد عند هؤلاء الحيرة والاضطراب والتناقض، منهم من يمن الله تبارك تعالى عليه بالتوبة، نسأل الله -عز وجل- أن يهدي ضال المسلمين.
فهذه العبارة فيها إشارة إلى أهل التحريف والتعطيل الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، فهؤلاء كاذبون مُكذبون، كاذبون لأنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، يكذبون على الله، ويكذبون على رسوله، فيحرفون الكلم عن مواضعه، ويردّون الأحاديث، بل يستدركون على صحابة الرسول ﷺ، ولهذا يدعون ويقولون: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فجعل هؤلاء الحيارى التائهين الضالين طريقتهم أعلم من طريقة الصحابة، وهذا قمة الضلال.
فهؤلاء المفترون كاذبون ومكذبون، كيف مكذبون؟ أدلة الشرع تكذبهم، وأقوال أئمة السنة وأهل الحديث تُكذب دعاويهم تُلك في التحريف، بخلاف الذين يقولون عليه، يقصد جميع المُعطلة، فإنهم يقولون على الله -خاصة في هذا الباب، في باب الأسماء والصفات- ما لا يعلمون.
ثم ذكر الدليل بعد أن ذكر هذين السببين الموجبين لهذه القواعد الخمس، قال: (وَلِهَذَا قَالَ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ) فاستدل بهذه الآية لتأكيد السببين السابقين الموجبين للقواعد الخمس.
﴿سُبْحَانَ﴾ فيها تنزيه، فإنَّ المسلم إذا قال في ركوعه وسجوده: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى" فالمعنى أنه ينزه الله -تبارك وتعالى- عن ثلاثة أشياء، ولينتبه لها المسبح لربه، فإذا قلت أيها المسلم: "سبحان الله" فالمعنى أنك تُنزه الله -تبارك وتعالى- عن مماثلة المخلوقين، وتنزهه -سبحانه وتعالى- عن النقص في صفات الكمال، وتنزهه عن كل صفة نقص وعيب، هذا معنى سبحان الله، وهو: تنزيه، ولهذا قال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي: يصفه هؤلاء المشركون، ومن قلدهم من المعطلة.
﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين﴾ فطريق الرسل هو الطريق الصحيح السالم من هذه الآفات ﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين﴾ ، ولاحظ: تسبيح فتنزيه وسلام على المرسلين "إثبات"، وفيه إشارة للقواعد السابقة، النفي والإثبات، التنزيه والإثبات.
(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فجمعت هذه الآية بين التنزيه وبين إثبات صفات الكمال، فهي دليل آخر أيضا للقواعد السابقة، كما دلّ عليه قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، كذلك هذه الآية: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فهي دليل لهذه القواعد وهذه الضوابط وهذه الاحترازات، التي ذكرها على السنة والجماعة.
ما وجه الاستدلال من هذه الآية؟ ماذا قال المصنف في بيان وجه الاستدلال؟
{قال المؤلف -رحمه الله-: (فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا ويصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ، وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ لِسَلاَمَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ)}.
وجه الاستدلال هو قوله: (فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا ويصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ) ويدخل في ذلك المعطلة، وقوله: (فَسَبَّحَ) يعني: نَزَّه نفسه عن التحريف، نَزَّه نفسه عن التعطيل، نَزَّه نفسه عن التكييف والتمثيل.
(وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) لماذا؟ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب.
طبعاً يقال: (فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا ويصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ) كذلك حَمِدَ نفسه؛ لكماله في صفاته، ولكمال إنعامه؛ لأن الله قال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات:180-182]، فقوله: (فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا ويصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ) فيه إشارة إلى المعطلة بدرجاتهم وطبقاتهم، سواء كان تعطيلاً كلياً أو تعطيلاً جزئياً؛ لأن هؤلاء خالفوا طريقة الرسل.
(وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ لِسَلاَمَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ)، التي هي الآفات التي ذكرها سابقاً، ويقال: وكذلك حمد نفسه، لماذا حمد نفسه؟ حمد نفسه لكمال ذاته ولكمال إنعامه.
ثم انتقل إلى قاعدة أخرى.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ، فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ)}.
هذه قاعدة أخرى، قال: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ) يشير إلى الضوابط السابقة، كما دلَّ عليها قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، والنفي نفي للتحريف، ونفي عن النقائص والعيب، وإثبات صفات الكمال لله تبارك وتعالى. فقد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات.
وهنا قد يرد إشكال، فقد يقول قائل: أمَّا النفي والإثبات في الصفات فظاهر، فإن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية، وصفات منفية، كما سيأتي في الشواهد في سورة الإخلاص، وفي آية الكرسي، وفي الشواهد التي سيذكرها.
إذن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية، وصفات منفية، والصفات المنفية التي يسميها بعض أهل العلم: الصفات السلبية، والنفي فيها ليس نفياً محضًا، بل يتضمن ضده من صفات الكمال، وكما تقدم الأصل في الإثبات التفصيل، والأصل في النفي الإجمال، إلا ما دعاة الحاجة برد شبهة، وقد بسط هذه القواعد في كتابه: "الرسالة التدمرية"، فالنفي والإثبات في الصفات ظاهر، ولكن أين النفي والإثبات في الأسماء، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمّى به نفسه بين النّفي والإثبات؟
هذا يحتمِل احتمالين:
الاحتمال الأول: أنّ المصنّف -رحمه الله- أراد بقوله: النّفي والإثبات من حيث العموم في الباب -في باب الأسماء والصّفات- فيكون النّفي والإثبات يشمل الصّفات، والإثبات للأسماء، فيكون قصد بالنّفي والإثبات لعموم باب الأسماء والصفات، وهذا وجه.
الوجه الثاني: أنه قصد النفي والإثبات في الأسماء، وكذلك النفي والاثبات في الصفات، ولكن قد يقول قائل: كيف يتوجه النفي والإثبات في الأسماء؟
يقال من حيث المعنى: إنَّ الأسماء من حيث المعنى فيها ثبوتية وفيها ما ينفي النقائص عن الرب، والأسماء الثبوتية تثبت الكمال كثيرًا، وأما الأسماء التي فيها نفي النقائص مثل: السلام، القدوس، فنظروا إلى حيث المعنى فربما المصنف رحمه الله قصد النفي في الأسماء من حيث المعنى وما في بعض الأسماء من تنزيه الرب تبارك وتعالى.
على كلٍ هذا يحتمل أنَّ المصنف -رحمه الله- أراد هذا وأراد هذا، ولذا تجد الشراح تنوعت عباراتهم في توجيه كلام المؤلف في مراده بالنفي والإثبات للأسماء، هل هو قصد النفي والإثبات للعموم؟ أو قصد النفي والإثبات في الصفات؟ والنفي والإثبات للأسماء من حيث المعاني؟ فَيُحْمَل كلام المصنف على هذا.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ)}.
العدول في قوله: (فلا عدول) هو الميل والانحراف، فبعد هذا التقرير لهذه القواعد، وذِكْر الأسباب لهذه القواعد، وذِكر الأدلة لهذه القواعد، ذَكَرَ أنه لا عدول لأهل السنة والجماعة، وهذا تأكيد للوصف السابق لهم.
فالعدول إذن هو الميل والانحراف، فلا عدول لهم عن هذا، فلا يميلون عن هذا المنهج، الذي هو طريقة القرآن، وطريقة الرسل، خلافاً لطريقة المعطلة، وطريقة أهل الأهواء.
(فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ). لماذا؟
قال: (فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم)، والمقصود بأنعم الله عليهم: أي: النعم الخاصة؛ لأن النعم أنواع، نِعَمٌ عامةٌ وَنِعَمٌ خاصة، والمقصود هنا بــ (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم)، أي: الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:69]، فهؤلاء هم الذين أنعم الله عليهم من النبيّين، مرتبة النبوة أعم فتشمل مرتبة الرسالة، وهم سادات الخلق، ثم يليهم الصديقون، ومرتبة الصديقية تأتي بعد مرتبة النبوة، ومنهم: أبو بكر الصديق، ومنهم: عائشة الصديقة، ومنهم: مريم.
كيف يصل الإنسان إلى مرتبة الصديقية؟
أن يصدق في أقواله وأفعاله واعتقاداته، جاء في الحديث أنَّ النبي ﷺ قال: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجلَ ليصدقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عندَ اللَّهِ صدِّيقًا»[1]، فنقول للمسلم: ممكن أن تصل إلى هذه المرتبة -مرتبة الصديقية- بالصدق في أقوالك، بالصدق في أفعالك.
ومرتبة الصديقية فوق مرتبة الشهادة ودون مرتبة النبوة.
(والشهداء): هذا يشمل الشهداء على الناس، كما قال النبي ﷺ: «أنتُم شهداءُ اللهِ في الأرضِ»[2]، والشهداء يشمل قتيل المعركة في سبيل الله، وكذلك الشهيد من المسلمين في شهادات الدنيا، كما جاء في المبطون، وفي الحريق ونحوهم، وكل هذا يدخل في مسمى الشهيد.
إذن الشهيد يشمل ثلاثة أصناف، ومرتبة الشهادة دون مرتبة الصديقية، ثم من عداهم من الصالحين.
(فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ) ولهذا فالمسلم في كل ركعة من صلاته يدعو الله -عز وجل- بهذا الدعاء العظيم.
وبهذا يكون المصنف -رحمه الله- قد انتهى من المقدمة، ومن تقرير هذه القواعد المهمة، وينبغي لطالب العلم أن يُعنى بضبطها، وفهمها، ومراجعتها، ومعرفة الضوابط والاحترازات التي ذكرها المصنف -رحمه الله- في فهم هذه القواعد، وهو يُشير بهذه القواعد للرد على المخالفين، ولهذا تلاحظون الإشارة إلى من خالف في هذا؛ لأنه سيبين ما تميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم من أهل التحريف والتعطيل.
بعد هذا انتقل إلى التطبيق، يعني: هذا أشبه ما يكون بتأصيل للقواعد، وبعد ذلك سينتقل إلى التطبيق على هذه القواعد، وهو الذي سنستخدمه -إن شاء الله- في تطبيق هذه الشواهد على هذه القواعد، وكيف دلت هذه الشواهد على هذه القواعد.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلاَصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيثُ يَقُولُ: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْيَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1-4)}.
هذا هو أوان الشروع في إيراد النصوص من الكتاب والسنة المتضمنة لِمَا يجب الإيمان به من الأسماء والصفات بهذه الضوابط التي ذكرها.
وقبل الدخول في التفاصيل أنا سأضع أسئلة لطلاب الجمعية والمتابعين، وأتركها للنشاط العملي، ويكون الجواب عليها بعد نهاية هذا الفصل، فقيدوا هذه الأسئلة عندكم.
السؤال الأول: كم عدد الآيات والسور التي استدلّ بها المؤلف لهذه القاعدة؟
السؤال الثاني: كم عدد الأسماء الحسنى التي ورّدت في هذه الشواهد؟
السؤال الثالث: كم عدد الصفات بنوعيها، الثبوتية والمنفية التي جاءت في هذه الشواهد؟
السؤال الرابع: كم عدد الصفات المشتقة من الأسماء.
السؤال الخامس: كم عدد الصفات المشتقة من الأفعال أو التي جاء النص عليها؟
أرجو من الأبناء المتابعين لهذه الدروس أن يُقيدوا هذه الأسئلة، ثم بعدما ننتهي -إن شاء الله- أي: بعد مجلسين أو ثلاثة مجالس، نعود مرة أخرى إلى الجواب عما تضمنته هذه الشواهد من الأسماء والصفات ووجه ذلك.
ابتدأ المصنف -رحمه الله- بسورة الإخلاص، قال: (وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ) اسم الإشارة يعود إلى أي شيء؟
هذا يحتمل احتمالين، إمَّا أنه قَصَدَ أقربَ مَذكور، وهو قوله: (وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ) فتكون سورة الإخلاص دليلا لهذه القاعدة، حيث جاء فيها صفات ثبوتية وصفات منفية، وجاء فيها أسماء تتضمن الإثبات، وأسماء تتضمن التنزيه، فتكون سورة الإخلاص دليلا لهذه القاعدة.
أو يقال: إنه قصد بالجملة ما قرره سابقًا من طريقة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، فيحتمل هذا وهذا، فلربما أراد العموم من القواعد التي ذكرها، أو أراد ما ذكره في القاعدة الأخيرة.
قال: (وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ) طبعا سيأتي لنا في صفة النفس سيأتي لها التفصيل.
(في سورة الإخلاص) ابتدأ بها لفضلها؛ لأنها تعدل ثلث القرآن، كما جاء في الأحاديث، وجاء أيضا في قصة الصحابي الذي كان أميرًا على سرية، وكان يُصلي بهم، ثم يقرأ بها في كل ركعة، فلما رجعوا الى النبي ﷺ أخبروه، فقال: سلوه لأي شيء يفعل ذلك؟ قال: إنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»[3].
كذلك إمام مسجد قباء كان يُصلي بقومه، فيقرأ في كل ركعة بسورة الإخلاص مع سورة أخرى، فقال له جماعة: إمَّا أن تكتفي بها، وإمَّا أن تكتفي بغيرها، فقال: إن شئتم أممتكم وصليت بها، لأني أحبها، وإن شئتم تركتكم، وكانوا يرونه من أقرأهم، فلما جاء النبي ﷺ، وكان يأتي قباء كل سبت أخبروه بالخبر، فسأله لماذا تصنع ذلك؟ قال: إني أحبها، قال: «حُبُّكَ إيَّاها أدْخَلَكَ الجَنَّةَ»[4]، فهي تعدل ثلث القرآن، وهي تعدله من حيث الجزاء لا من حيث الإجزاء، فلا نقول لمن من قرأها ثلاث قد ختم القرآن، وهذا مثل: العمرة في رمضان تعدل الحج من حيث الجزاء والأصل أيضا، وليس من حيث الإجزاء.
قال أهل العلم: إنها تعدل ثلث القرآن؛ لأنَّ القرآن صفات، وقصص، وأحكام، وهي صفة الرحمن، وسميت بالإخلاص لأنها خالصة في صفات الرب تبارك وتعالى، ولهذا فهي تُسمَّى بصفة الرحمن.
وأيضا الإخلاص؛ لأنَّ من قرأها مُعتقدًا لِمَا فيها فهي تُخلِّصه من الشرك، فهي خالصة ومخلِّصة لمن قرأها.
الشاهد فيها النَّفي والإثبات، ولهذا فالمصنف -رحمه الله- قال: (وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلاَصِ) فيكون المعنى الذي دلّت عليه سورة الإخلاص قد دخل فيما ذكره سابقاً من الإثبات والنفي، فتكون هذه السورة دليل للقاعدة السابقة.
﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ هذا إثبات. ﴿اللهُ الصَّمَد (2) لَمْ يَلِدْ﴾ هذا تنزيهٌ، ﴿وَلَمْ يُولَد وَلَمْيَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ففيها اسم الله، واسمه الأحد، واسمه الصَّمَد، وفيها الصِّفات التي دلَّت عليها الأسماء، وكذلك الصِّفات المنفية، مثل: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ فهي إذن دليلٌ للقواعد السابقة، وأنَّ الله قد جمع فيما وصف وسمَّى به نفسه بين النَّفي والإثبات في سورة الإخلاص، التي هي صفة الرحمن، والتي كان من سبب نزولها أنَّ المشركين طلبوا من النبي ﷺ أن يصف لهم ربه، فوصفه بما قال الله له: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ .
إذًا الله أعلم بنفسه، وأصدق قيلا، وأحسن حديثًا، وهكذا رسله، بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، من أهل التعطيل والتحريف، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿اللهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ علْمِهِ ِإلاَّ ِبمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255])}.
قال: (وَمَا وَصَفَ) هذا عطف لِمَا سبق، فهذه الآية أيضا تعد دليلا آخر للقواعد السابقة، ووجه الاستدلال فيها ظاهر، فإن الله -عز وجل- قد جمع في هذه الآية التي هي أعظم آية في القرآن. فسورة الفاتحة أعظم سورة، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن، فقال في أعظم آية -لاحظوا كيف يستدل هو بسورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن- كدليل لهذه القاعدة، وآية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله، فهي دليل أيضا لهذه القاعدة.
وهذا يدل على أنَّ أهل السنة والجماعة ما اخترعوا هذه القواعد من قبل أنفسهم، بل إن هذه القواعد جاءت بالنظر فيما دلت عليه أدلة القرآن، وخاصة هذه السور العظيمة.
لاحظ لَمَّا يقولك تعدل ثلث القرآن، ويقول: أعظم آية، وهذا يدل على أنَّ القرآن يتفاضل، فبعضه أفضل من بعض، وبعضه أعظم من بعض، وهذا التفاضل من جهة المتكلم فيه، وأما الْمُتَكَلَّم فهو واحد.
وهكذا يقال في الصفات، وهذه قاعدة تضاف إلى قواعد الصفات، وهي أن الصفات متفاضلة، فالقرآن كلام الله، فدل على أن هذه الصفة تتفاضل من حيث المتكلم به، فسورة الإخلاص ليست كصورة المسد، وآية الكرسي ليست كآية الدين، فهذه أعظم آية، وهكذا يقال في بقية الصفات، فالحب مثلا يتفاضل، والرضا يتفاضل، والغضب والسخط يتفاضل، هذا دليل على أنَّ الصفات تتفاضل.
وجه الاستدلال في آية الكرسي التي هي أعظم آية كما جاء في الحديث، أنَّ الله تبارك وتعالى قال فيها: ﴿اللهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ هذا كل إثبات.
وقوله: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ هذا نفي، أي: صفات منفية.
﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ أيضا فيها إثبات الصفات. ﴿إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ صفة الإذن، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ علْمِهِ ِإلاَّ ِبمَا شَاء﴾ وصفة المشيئة، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ لاحظ أن مصنف علق على ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ﴾ فقال: أي لا يثقله ولا يكرثه.
في آية الكرسي -كما يلاحظ المتابع الكريم- فيها ستة أسماء، وهي: "الله، الحي، القيوم، الإله عند بعض العلم، العلي، العظيم"، وفيها من الصفات الثبوتية: الألوهية، الحياة، القيومية، العلو، العظمة.
وفيها من الصفات المنفية: نفي السِّنة، ونفي النوم، وكذلك فيها إثبات الإذن، والعلم، والمشيئة، والعنديه.
ففيها صفات ثبوتية، وفيها صفات منفية.
وقد عقَّب المصنف -رحمه الله- على هذه الآية بشرح معنى ﴿لا يؤوده﴾ فقال: "أي لا يثقله ولا يكرثه".
ثم عقَّب على بيان عظمة هذه الآية، فقال:ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، كما جاء في حديث أبي هريرة، الذي رواه البخاري مُعلقاً بصيغة الجزم، لَمّا جعله النبي ﷺ حارساً لصدقة الفطر، ثم جاء الشيطان وتمتل في صورة رجل فقير، ثم أراد أن يأخذ منها، قال: لأرفعك إلى النبي ﷺ، قال: دعني فإني فقير وذو حاجة وذو عيال ولن أعود، فتركه. ثم لَمّا أصبح وغدا إلى النبي ﷺ قال: «ما فعل أسيرك البارحة؟» قال: يا رسول الله زعم أنه فقير، وأنه ذو حاجة، وأنه ذو عيال، وأنه لن يعود.
ثم عاد في الليلة الثانية، فقال له مثلما قال في الليلة الأولى، وقال له النبي ﷺ مثلما قال.
حتى جاء في المرة الثالثة، فقال أبو هريرة: فعلمت أنه سيعود لقول النبي ﷺ، فلما عاد في الثالثة قال: لأرفعنك إلى النبي ﷺ، فلما رأى جده قال: دعني وأخبرك بكلمات ينفعك الله بهن، والصحابة كانوا أحرص شيء على الخير، ثم قال: إذا أويت إلى مضجعك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك الشيطان حتى تصبح، فتركه لأنه استفاد منه هذه الفائدة العلمية.
فلما غدا الى النبي ﷺ قال: أتدري من تخاطب يا أبا هريرة منذ ثلاث؟ قال: الله ورسول أعلم. قال: ذاك الشيطان، ثم قال: صدقك وهو كذوب.
فآية الكرسي وما فيها من هذه المعاني العظيمة هي حرز للمسلم، ولهذا يستحب أن تقرأ في الصباح والمساء، وعند النوم، وفي أدبار الصلوات، لا يمنعه في الجنة إلا أن يموت، بل إن آية الكرسي إذا قُرأت عند الأحوال الشيطانية، فإنها تبطل أثر السحرة والمشعوذين، تبطل أثر السحر بإذن الله، ولهذا المصنف -رحمه الله- جاء بها في الدليل الثاني لهذه القاعدة.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: 58])}.
هذه الآية في سورة الفرقان جمع فيها بين النفي والإثبات، فقوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ﴾ هذا إثبات، والحي متضمن لصفة الحياة الكاملة، التي لم تُسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، فالحي تضمن إثبات اسم الحي، وكذلك تضمن إثبات صفة الحياة، ويعتبر اسم "الحي" من الأسماء اللازمة، الذي يتضمن شيئين، يتضمن إثبات الاسم، وإثبات الصفة.
وفي الآية أيضا صفة منفية، وهي قوله: ﴿الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ ، وكما تقدم النفي هنا ليس نفيًا محضًا، بل يتضمن كمال القيومية، وكمال الحياة.
هذه الآية فيها إثبات الاسم، وإثبات الصفة الثبوتية، وإثبات صفة منفية، وهي: نفي الموت، ونفي الموت يتضمن كمال الحياة، فدلت هذه الآية لِمَا تقدم من الجمع بين النفي والإثبات، وأصبحت هذه الآية هي دليل لأهل السنة والجماعة.
قال: (وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ [الحديد:3])}.
أيضًا هذه الآية من سورة الحديد فيها إثبات أربعة أسماء متقابلة، وهي: "الأول، والآخر، والظاهر، والباطن". فيها كم صفة؟ فيها خمس صفات، لأنَّ كل اسم تضمن صفة، مثل: الأولية، والآخرية، والظاهرية، والباطنية، بالإضافة لصفة العلم، فجاءت هذه الأسماء مُتقابلة في الزمان ومتقابلة في المكان.
ما معنى الأول والآخر والظاهر والباطن؟
فسرها النبي ﷺ بما يغني عن تفسير أي عالم من العلماء، فإذا أراد المسلم أن يُفسر معنى الأول والآخر والظاهر والباطن، فليرجع إلى تفسير النبي ﷺ، فقد فسر بأوضح تفسير، وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: كان النبي ﷺ يقول إذا أوى إلى فراشه: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ»[5].
ولاحظ في هذا الدعاء النبوي عند النوم فيه التوسل، توسل بأسماء الله وصفاته، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]، فَادْعُوهُ بها إمَّا دعاء عبادة أو دعاء مسألة، دعاء العبادة أنك تتعبد بآثار هذه الأسماء والصفات.
ودعاء المسألة أنك تقدم بين يدي مسألتك ما يُناسب الحال كما في هذا الحديث، وكما في دعاء الاستخارة، «اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ؛ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ»[6]، وهكذا في كثير من الأدعية النبوية تجد فيها التوسل بأسماء الله وصفاته، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
قوله: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ أي: هو عز وجل يعلم كل شيء، يعلم كل شيء أزلاً وأبداً، جملةً وتفصيلاً، ما يتعلق بفعله، وما يتعلق بأفعال عباده، كما يقول أهل العلم: يعلم ما كان، وما يكون، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
انظروا لهذه الضوابط الأربعة، فهوم يعلم ما كان في الما ضي، وما يكون في الحاضر، وما سيكون في المستقبل، وما لم يكن لو كان كيف يكون. يعلم المستحيل الذي لم يقع لو وقع كيف يقع؛ لكمال علمه تبارك وتعالى.
وليس كما يقول المعطلة: إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، أو كما يزعم القدرية بأنه لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وقوعها، وهذا سيأتي في باب القدر، في مناظرة القدرية، مقولة الشافعي: ناظروا القدرية بالعلم، أي بعلم الله، فإن أقروا به خُصِموا، وإن أنكروه كفروا. يعني: يقال للقدري: هل الله يعلم ما أنت فاعله غداً أو لا يعلم؟
إن قال: نعم، الله بكل شيء عليم. نقول: هذا هو القدر. خُصِم.
وإن قال: لا. لا يعلم إلا بعد الوقوع فقد كفر؛ لأنه قد أنكر صفة العلم، وكمال العلم للرب تبارك وتعالى، ولهذا خُتمت هذه الآية بقوله: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ ، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ ، ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:7].
{قال المؤلف -رحمه الله-: (وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [التحريم: 2])، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير﴾ [سبأ: 1]}.
لاحظ عندك في النسخة ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ وفي بعض النسخ: (وهو العليم الخبير) فتنوعت النسخ في هذا.
أيضا فيها إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: "العليم، والخبير"، وفيها إثبات صفة العلم وصفة الخبرة، والخبرة التي هي معرفة بواطن الأمور وظواهرها. إذن الخبرة أخص من العلم، فدل هذا الاسم على أن الله -عز وجل- قد أحاط بكل شيء، أحاط ببواطن الأمور، وأحاط بظواهرها.
أما في الآية الأخرى، فالحكيم بمعنى الحاكم بين خلقه في الدنيا والآخرة، وحكمه -عز وجل- يشمل الحكم الكوني القدري، ويشمل كذلك الحكم الشرعي، والحكيم كذلك بمعنى المُحكم، فيدل على الإحكام والحكمة، فهو -عز وجل- مُحكم للأشياء، متقن لها، لا يقع في خلقه تفاوت سبحانه وتعالى، سواء كان في قَدَره، أو كان في شرعه سبحانه وتعالى، في أمره ونهية.
إذن هذا الاسم "الحكيم" تضمن صفة الحكمة، وكذلك صفة الحكم، وهذا فيه لفتة مهمة، وهي أنه من الأسماء ما يتضمن معان عديدة، ومن الصفات أيضا ما يتضمن معان عديدة، وأهل السنة والجماعة يُثبتون كل هذه المعاني كما في هذا المثال.
{إذن عند هذا الحد نصل لختام هذا الحلقة، نشكركم فضيلة الشيخ جزيل الشكر على ما قدمتم وأفدتم}.
والشكر لك وللإخوة المسجلين والمنسقين، ولهذا أسأل الله -عز وجل- أن يكتب أجركم، وكذلك للمشاهدين، أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يُفقهنا في الدين، وأن يجعل وسيلتنا إليه التوحيد والإخلاص، إنه جوادٌ كريمٌ، وصل اللهم وسلم على تبينا محمد.
{والشكر موصول إليكم أيضًا أيها الإخوة والأخوات، ونلقاكم في حلقة قادمة بمشيئة الله تعالى، والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته}.
---------------------------
[1] أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607).
[2] أخرجه النسائي (1933).
[3] رواه مسلم (813).
[4] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (774).
[5] أخرجه مسلم (2713).
[6] أخرجه البخاري (1162).