الدرس الثامن

فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن عبدالكريم السلوم

إحصائية السلسلة

15406 18
الدرس الثامن

عمدة الأحكام 2

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكم أعزاءنا المشاهدين، في حلقة جديدة من برنامجكم (جادة المتعلم) الذي تقدمه جمعية هداة الخيرية لتعليم العلوم الشرعية، نستكمل في هذه الحلقة شرح كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي -رَحِمَهُ اللهُ- يشرحه فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبد الكريم السلوم، باسمي وباسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ}
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات،
{نكمل يا شيخنا إن شاء الله.
قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (كتابُ الزكاةِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ: «إنَّك سَتَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فإذا جِئْتَهُمْ: فَادْعُهُمْ إلى أن يَشْهَدُوا أن لا إلَهَ إلا اللَّهُ، وأن مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، فإن هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ: أن اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فإن هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ: أن اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإن هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإيَّاك وَكَرَائِمَ أموالهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فإنه لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد، فقد شرع المصنف -رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا فرغ من (كتاب الصلاة) في سرد أحاديث الأحكام المتعلقة بكتاب الزكاة، وإنَّما جرى المؤلف في ذلك على هدي النبي ؛ فإن النبي كان يُرتبها هذا الترتيب، فكان يُقَدِّمُ الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، وذلك في أغلب الأحاديث الواردة عنه ، والسبب في ذلك -والله أعلم- أن الشَّارع إنَّما يقدم الأهمَّ فَالأهمِّ، فلمَّا كان الأهم الشهادتان؛ قدمها في أركان الإسلام، ثم ثَنَّى بعد ذلك بالصلاة التي تتكرر كل يوم خمس مرات، ثُم ثَلَّثَ بالزكاة التي تُؤدى كل عام، ثم رَبَّعَ بالصيام الذي يُفعل كل عام، ثم خَمَّسَ بالحج، والذي لا يفعل في العمر إلا مرة واحدة، فراعى الشرع -بوجه عام- ترتيبها من حيث الأهمية والأوَّلوية، وذلك دأب العلماء -بوجه عام- سواء علماء الحديث أو علماء الفقه، فيما يتعلق بالتراتيب.
قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (كِتَابُ الْزَّكَاةِ) والزكاة من زكا، أي: زاد ونما، ويقال: زكا الزرع إذا زاد ونما، والله -تبارك وتعالى- ذكر لفظ الزكاة في عدة معانٍ حسنة، منها قوله سبحانه وبحمده: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران:164]، فدل ذلك على أن الزكاة من أعظم ما يقصد إليه بوجه عام، فأعظم ما يقصده العبد أو المرء المسلم هو أن يُزكيه الله -تبارك وتعالى.
فإذًا الزكاء أو الزكاة هي نماء روحه، ونماء ماله أيضًا، نماء لروحه بأن يتجرد من الشُّحَّ والأثر وأدواء النفس الخبيثة التي تحطها من المستوى العلوي حتى تُصيرها كالبهائم، من تعلق الإنسان بالمادة وإغراقه فيها، ولهثه وراءها دون أن يلتفت إلى الجوانب الروحية والشرعية فيها، وهذا لا يريده الله -عَزَّ وَجَلَّ- من العبد، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يريد من العبد أن يكون عبدًا لاهثًا في دنياه، مُعرضًا عن أمر آخرته، فهو معرض عمَّا يتعلق بخدمة دينه، ومعرض عمَّا يتعلق بخدمة إخوانه المسلمين، والوقوف معهم ومواساتهم، وهذه كلها معان لا تفهمها المادية الحديثة ولا تعرفها.
ولَمَّا سَنَّ الله -تبارك وتعالى- الزكاة أراد أن تكون سمة لعباده المؤمنين، ولهذا كان أعظم الناس زكاء وزكاة أكثرهم جودًا بماله، والجود بالمال -بوجه عام- سواء كان لله أو لغير الله، هو مما تظهر ثمرته عاجلاً وآجلاً.
فأمَّا عاجلاً: فإن ثمرته تظهر بالذكر الحسن، والمحبة بين الناس، فإن الناس قد جبلت نفوسهم على حب من يسخو عليهم بماله، والأصل -بوجه عام- أن من يسخو على الناس بماله سيسخو عليهم غالبًا بخلقه؛ لأنَّ من أعظم الأخلاق خلق الكرم، وهو خلق يجمع مكارم الأخلاق، وخلق الكرم نابع أيضًا عن خلق آخر، وهو الخلق الأساسي في الأخلاق، الذي هو خلق الحياء؛ لأنَّ الإنسان يستحي أن يبخل، وأن يوسَم بالبخل، فقد أصبح فيه صفة من هذا الخلق العظيم، الذي هو مجمع الأخلاق، وهو خلق الحياء، فإذا كان فيه كذلك سخى على الناس، وإذا سخى على الناس بماله سخى عليهم غالبًا بأخلاقه، ولذا ترى أن كريم النفس غالبًا ما يكون أيضًا كريمَ الطبع وكريم الخلق، وهذه قاعدة أغلبية أن لم نقل: إنَّها قاعدة مطردة بوجه عام، فإذا كان كذلك أحبه الخلق، ولهذا لَمَّا سأل عدي بن حاتم النبي عن والده، حاتم الطائي، أفي الجنة أم في النار؟ فقال: بل في النار، إنَّ أباك كان يطلب شيئًا فناله، كان يطلب الذكر الحسن، فصارت سيرته هكذا حتى هذا الزمان، وأصبح هو مضرب المثل، وأمَّا ثوابه في الآخرة؛ فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد قرن بذل المال ببذل النفس، وذلك لعزته، وظن النفس به، وتمسكها به، ولهذا كثيرًا ما يذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- الجهاد بالنفس وبالمال، فلا يذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- الجهاد بالنفس إلا ويقرنه بالجهاد بالمال، وربما قَدَّمَ أحيانًا الجهاد بالمال في بعض المواضع على الجهاد بالنفس، فدلَّ ذلك على عزة المال، ومن أعظم ما يكون بذل المال، أي يبذل في الصدقات الواجبة، والصدقات الواجبة يراد بها الزكاة، ﴿خُذْ مِنْ أموالهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَ﴾ [التوبة:103]، هذه هي الزكاة عند جماهير العلماء، فالزكاة تسمى في العرف الشرعي: الصدقة، وتسمى أيضًا: زكاة،
وإذا كان كذلك؛ فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد قرن الزكاة بالصلاة، وقد أقام الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الحرب على المرتدين وسماهم المرتدين لمنعهم الزكاة، لأنَّ الصحيح أن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- قاتلوا مانعي الزكاة كمقاتلتهم لمدعي النبوة، ما فرقوا بين أحد منهم، ولا يعرف التفريق عن أحد من الصحابة، ولَمَّا قال له عمر: أتقاتل الناس وقد قال رسول الله : «أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أن لا إلَهَ إلا اللَّهُ، وأن مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فإذا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأموالهُمْ إلا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ» قال: "واللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بيْنَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا"
وهذا يدل أيضًا على قدر الزكاة، وعلى أنَّ الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا قاتل مانعي الزكاة قد أغلق وسد باب هدم شرائع الإسلام؛ ولهذا قال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فوالله رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال، يعني: على ما يعرفه من لين خلقه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وسماحته، فعلمت أنه الحق، لولا أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- حمى الأمة بالصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فأغلق هذا الباب لذهبت عُرى الإسلام ونقضت عروة عروة، إذا كان لم ينقض ولم يجف تراب قبر النبي ، وقد قفزوا على شعيرة من شعائر الدين العظمى بإبطالها فسيتقافزون على بقية الشعائر، وسيأتي ناس يقولون: ليس هناك حج، ويأتي أناس ويقولون: ليس هناك صوم، ويأتي أناس فيقولون: ليس هناك خمس صلوات، وإنَّما هي ثلاث صلوات أو صلاتان وهكذا، فمنع الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذا الباب الخطير بالصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فإذا كان كذلك، فليعلم أن بذل المال مما تضنُّ به النفوس، ولكنه يسير على من يسره الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليه، ومن ثم فإن من أحسن ما يدرب الإنسان به نفسه في البذل: الزكاة الشرعية؛ لأنها زكاء بحمد الله وقدرته ورحمته، ما أجحفت بالمال.
وإذا أتينا -إن شاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلى شرح الأموال الزكوية، سنرى أنَّها جزء يسير، هي في الأعم الأغلب جزء من أربعين جزء، ولذا فهي شيء يسير، يعني: اثنين ونصف في المائة، وهذا مبلغ وشيء لا يكلف الإنسان جهده، ولا يشق عليه، فإذا بخل به فأعلم أنه لِمَا سواه أبخل، وإذا ضاقت نفسه عليه فاعلم أنه عمَّا سواه أشد، وربما استنكر الإنسان بخل بعض الناس بالزكاة، وقال: كيف يبخل الإنسان بالزكاة وهي مبلغ يسير؟ فيقال: هي مبلغ يسير ما دام أن مالك شيء يسير، لكن إذا تنامى المال، مثال: رجل يملك مليار ريال، فتكون زكاته "خمسة وعشرين مليون" فربما ثقلت على من لا يريد الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولا ينظر إلى ثواب الآخرة، ولا يفهم المعنى الحقيقي للزكاة، وأنها ما خالطت مالاً إلا أفسدته وأذهبت بركته، وما خالطت المال بمعنى أنها حبست حتى مَرَّ وقتها، ترى كل وقت يمر عليك وأنت قد حبست زكاتك، فهو وبال عليك وعلى مالك، وربما تؤكل أولادك وذريتك ومن حواليك من المال الحرام؛ لأنها قد خالطت الزكاة، والزكاة جزء مُشاع في المال، فأفسدت عليك وأذهبت عنك بركة مالك.
فإذًا، إنَّما يبدأ الإنسان في تدريب نفسه على الجود والسخاء بأن يبذل القدر الواجب الذي أوجبه الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليه، وهو الزكاة، فإذا بذلها فإنه تنحل عنه -إن شاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- كثير من العرى، وكثير من الأمور التي قد قيدته على النفقة والبذل، ومن أجل ذلك حتى نعلم أن الأمر ليس أمرًا هينًا، بل نعلم أن كثيرًا من المرتدين الذين ارتدوا عن الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إنَّما كان سبب ردتهم الظن بأموالهم، فليعلم بقية المسلمين أنه ربما مرق الإنسان من دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- بحبسه لهذه الزكاة، خاصة حينما يبرر لنفسه، ويقول: أنا عندي مصاريف، أنا عندي رسوم، أنا عندي كذا وكذا، هذه كلها من التحايل على دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- وقد يكون صاحبها داخلا قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة:75-77].
هذه الحقيقة تتحقق في كثير من الناس، ولهذا إنَّما يعرف نفاق كثير من الناس بهذا المعنى، أي بالتخلف عن الزكوات، أولم يقل الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة:79] كانوا بخلاء لا يخرجون شيئًا من أموالهم لله -عَزَّ وَجَلَّ- ويلمزون أهل الخير، وأهل النفقة الصالحة.
فإذًا -بوجه عام: الزكاة هي زكاة ونماء، وإنَّما قدمت هذه المقدمة حتى يعلم كثير من الناس؛ لأنَّ كثيرًا من الناس بدأت تتنامى أموالهم، وكلما تنامى المال كلما ثقل إخراجه على النفس، فأصبحت تضنُّ نفوسهم عن المال، وربما تلمسوا الحيل، وربما حرص الإنسان على أن يفتح على نفسه ألف باب، حتى يخرج عن أداء الزكاة الشرعية، وهو لا يعلم أنها ستكون وبالاً عليه في الدنيا قبل أن تكون وبالاً عليه في الآخرة.
إذًا الزكاة إنَّما هي زكاء ونماء للإنسان، وفيها تجريد للروح من أعباء المادة، كما أن الإنسان إذا أغرق في دنياه وفي لهوه ثم ثاب منها إلى الصلاة، كان محبوبًا لله -عَزَّ وَجَلَّ-، الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد قال في كتابه: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور:37]، ما قال: إنهم لا يقومون بالتجارة، لا، إنهم يتاجرون، كان السلف -رَحِمَهُمُ اللهُ- يتبايعون ويشترون، فإذا كان ذكر الله لم يقدموا عليه شيئًا، وإلا يبتاعون، فإذا كان الإنسان كذلك ثم ثاب إلى الصلاة أحبه الله -عَزَّ وَجَلَّ- وكان قريبًا من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وعاش التوازن الذي يريده الله -عَزَّ وَجَلَّ- توازن أهل الإسلام، الذي ليس هو ميل وشطط الرهبان من النصارى، إغراق في الروحانيات وفي العبادة، وتعطيل لمصالح الدنيا، ولا إغراق اليهود فيما يقابله من الإقبال المطلق على المادة وتعطيل أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولكن المؤمن متوسط، ولهذا كان منهج الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- في هذا الباب هو أحسن المناهج، أولم يقل أبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "إخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ، وأن إخْوَانَنَا مِنَ الأنْصَارِ كانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ" ، ولكن من نقل إلينا هذا الدين؟ من نقل القرآن إلينا؟ من هم رواة الحديث؟ من فتح البلاد وأدخل العباد في دين الله -عَزَّ وَجَلَّ-؟ من نشر دين الله -عز وجل؟
الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- هم من فعلوا هذا، هؤلاء الذين يبتاعون ويشترون ويعملون في أموالهم؛ لأنهم عاشوا التوازن، والله -عَزَّ وَجَلَّ- يحب من العبد المؤمن أن يكون متوازنًا.
نقدم بهذه المقدمة حتى يتبين المرء بوجه عام، وكأنه يقال له: اعمل في مالك، نمِّهْ، واستثمر وتاجر، فهذا كله من عمل الأبطال، لكن إذا جاء حق الله فلا تبخل به، فإن جُدت بما زاد عن ذلك، فذلك خير لك، «وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» ، والصدقة في هذا الحديث أيضًا يراد بها في المقام الأوَّل الزكاة، «وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» هذا تعهد وإذن من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، إذا كان العبد مؤمن بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وبلقائه، ويعلم أن وعد الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعد الحق، فليعلم أنَّ إِذْنَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- متحقق، لا تنقص الصدقة المال بل تزيده، لكن أحيانًا الإنسان قد يعمى ولا يفهم من الزيادة إلا الزيادة الحسية، وهذا قد لا يكون متحققًا أحيانًا في المال، لكن تكون الزيادة زيادة البركة، التي إنَّما أصبح كثير من الناس الآن يُعانون بسببها، واعلم أنه ليس هناك نقص في الأرزاق؛ لأن الأرزاق موسعة ومقسمة، ولا يكاد أحد يموت من الجوع، ولا يموت من البرد في أغلب بقاع الدنيا، لكن إنَّما يعاني الناس من نقص البركات، تجد أنَّ الإنسان كان يكفيه ذاك الوقت المرتب اليسير، والذي كان ينفق عليه وعلى زوجه وعلى أولاده، وربما أنفق حتى على والديه وعلى قرابته، ثم يزداد مرتبه أضعافًا ولكنه لا يجد فيه البركة، فيظن أنَّ الأمر إنَّما هو من غلاء الأسعار وارتفاع المعيشة، وهذه إنَّما هي أسباب قد كانت موجودة في الزمان الأوَّل، وستظل موجودة في كل زمان، وهي سنة الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال : «فإنَّه لا يَأْتي علَيْكُم زَمَانٌ إلَّا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ منه، حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» ، لكن كيف تعالجها؟ عالجها بالبركة.
العلاج -يا معاشر الإخوان والأخوات- ليس بزيادة المدخولات، هذا ما نهي عنه، زد مدخولك، وليس بتخفيض المصروفات، النبي عليه الصلاة والسلام قال لأسماء: «لا تُوكِي فيُوكَى عليكِ»، «وَلا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيكِ، وَلا تُوعِي فيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» ، تخرج دفترًا صغيرًا معك، وتقول لزوجتك وأولادك: كلما طلبتم شيئا أسجله، هذا من الإحصاء، وإذا أحصيت أحصى الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليك، فإذا أحصيت عطيتك لأولادك يحصى الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليك ويعاملك بالمثل، فإذا الموضوع ليس موضوع زيادة أرزاق، ولا هو الموضوع موضوع تخفيض مصروفات، ولكن الحق ومدار الأمر على البحث عن البركة، وإنَّما يُبحث عن البركة بالبذل في وجوه الخير، أن تأخذ المال من حلال، وأن تنفقه في حلال، أنفق منه في وجوه الخير، ثم احتسب النية؛ لأنَّ كثيرًا من الناس عنده سخاء -جزاه الله خيرا- على قرابته، وعلى أهله وإخوانه، وعلى زوجه وعلى أولاده -جزاه الله خيرا- وهذا أمر حسن للغاية، لكنه ربما حُرِمَ الأجر في هذا؛ لأنه أجراها مجرى العادة، فإذا أجريتها مجرى العادة لم تُثب عليها، ولأصبحت نفقتك على أولادك مثل نفقة غير المسلم على أولاده، ليس هناك فرق، لكن احتسب أنها من الصدقة التي تتصدق بها عليهم، يعني: الصدقة الواجبة عليك، هذا حق لازم عليك، فإذا احتسبها الإنسان بورك له، وأصبح -والله يا إخوان- يتلذذ بالبذل.
كثير من الزوجات وكثير من البنات والأوَّلاد يشكون أحيانًا من التقتير الذي يحصل لهم مثلا من عائلهم، فيقال: لو أنَّ العائل -القائم عليهم أو ولي أمرهم- ربما كان أحيانا يبذل في وجوه الخير، لكنه يكون عنده فهم ناقص، لا يعلم أن بذله لهؤلاء أولى من بذله في الوجوه الأخرى، وقد قدم النبي النفقة على الزوجة وعلى الأوَّلاد على غيرها من النفقة.
إذًا الزكاة بوجه عام هي نماء وزكاة للمال، وهي بوجه عام: مالٌ مخصوص يؤخذ على صفة مخصوصة، الأموال الزكوية هي الأموال النامية أو القابلة للنماء، وهذا أيضًا من رحمة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ما كلفنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأن نخرج الزكاة في الأموال التي لا تنمو، أو ليست قابلة للنماء مثل بيتك، فبيتك لا تجب عليك فيه زكاة، ولو وجبت علينا الزكاة في بيوتنا لشقَّ علينا مشقة عظيمة، سيارتك لا تجب عليك فيها زكاة، ولو كان عندك مزرعة تتنزه فيها، لا تجب عليك فيها زكاة، وإنَّما تجب عليك الزكاة فيما يخرج منها من ثمر، إذا كانت تثمر؛ لأنَّ هذه كلها ليست معدة للنماء، لكن ما كان معدًا للنماء؛ فإنه يجب فيه الزكاة، والمعد للنماء بوجه عام أربعة أنواع:
أولها: النقدان وهما أصل الأموال المعدة للنماء، وهما: الذهب والفضة، أو ما يقوم مقامهما من النقود، وهذه أصل الزكاة فيها أنها ربع العشر.
الثاني: الخارج من الأرض من الزروع والثمار، والأصل فيها أنها العشر، هذا إذا كانت تسقى من السماء، فإذا كانت تسقى بالنضح مثل ما هو الآن غالب عمل الناس، النضح أي من الآبار وغيرها والأجهزة التي توضع عليها، وما إلى ذلك، مثل الرشاشات المحورية وغيرها، هذه كلها نضح فيكون فيها نصف العشر، يعني: خمسة في المائة.
الثالث: بهيمة الأنعام، مثل: البقر والغنم والإبل، هذه أيضًا فيها زكاة، ولكل شيء منها نصاب.
الرابع: زكاة عروض التجارة، وعروض التجارة مرتبطة حقيقة بالأصل الأوَّل الذي هو النقدين، ولهذا تُقَوَّم عروض التجارة بالنقدين، وزكاتها كزكاة النقدين أيضًا، ربع العشر فيها.
فهذه هي الأموال الأربعة التي تزكى، وكلها يلحظ فيها أنها نامية أو معدة للنماء، إذا كنت قد خزنت مالك وضعته في مصرف ولم تستثمر هذا المال، فالحقيقة العيب واللوم عليك، فهذا المال مال جاهز للنماء، وعليك أن تضارب فيه أو تتاجر فيه؛ هذه كلها لو فعلت لنما، لكنك حينما وضعتها في البنك لم يستفد منها إلا البنك، إذًا قد لا يكون المال ناميًا فعليًّا ولكنه معد أو قابل للنماء.
نأتي إلى شرح حديث ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وقد قدم المصنف -رَحِمَهُ اللهُ- ووضع هذا الحديث، والحقيقة أن حديث ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هو الأصل في هذه الفريضة، ولهذا كان الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- يقدمه؛ لأنَّ النبي بعث معاذًا ورتب له شرائع الإسلام ترتيبًا دقيقًا، فقال لَمَّا بعث معاذًا إلى اليمن: ((إِنَّكَ ستأتي قَوْمًا أهلَ كتابٍ) ) ، أي: إمَّا من اليهود أو النصارى، والطائفتان كانتا في نجران، واليمن تشمل نجران وغيرها، كان معاذ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قد بُعث إلى نجران ونحوها، وفيهم النصارى وفيهم اليهود، أمَّا النصارى فقد قدموا على النبي ، والنصارى الآن غير موجودين في نجران، تقريبا انقرض النصارى كلهم ودخلوا في الإسلام، وهذا مما يحقق قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 83]، فأسلم كثير من نصارى نجران، ولكن لا زال يهود اليمن إلى الآن.
قال: «إِنَّكَ ستأتي قَوْمًا أهلَ كتابٍ، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى أنْ يشهدُوا أنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولَ اللهِ»، هذا هو أصل الدين، والأصل أنه لا تقبل الأعمال بغير الشهادتين، ولهذا من بذل ما بذل من المال فإن ماله غير مقبول منه يوم القيامة، إلا إذا أسلم، فإن أسلم كتب الله -عَزَّ وَجَلَّ- له ما أنفق، كما قال النبي لحكيم: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» ، وفي المقابل قال النبي في عبد الله بن جدعان، وقد كان أعظم بذلًا من حكيم، لَمَّا قالت له عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- وعائشة تيمية -من بني تيم- وابن جدعان تيمي، وتيم من قريش قالت له: «يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ» ، فثبت أن هذا المال لا ينفعه.
بعض العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ- قال: قد يكون هذا سببًا كي يفتح له في الدنيا، ويوسع له في الدنيا، ينشر له الذكر الجميل بين الناس، كما نشر لابن جدعان، فحتى الآن نذكره بالكرم والجود وما إلى ذلك، ولا يذكر بالشر، فهذا ثواب عمله الذي عمله في الدنيا، أمَّا يوم القيامة؛ فإنَّ ذلك لا ينفعه.
قال: «فإِنْ هم أطاعوا لَكَ بذلِكَ، فأخبرْهم أنَّ اللهَ قَدِ فرَضَ عليْهِمْ خمسَ صلَوَاتٍ في كُلِّ يومٍ وليلَةٍ» وباب الصلاة بحمد الله ختمناه وشرحناه.
قال: «فإِنْ هم أطاعوا لَكَ بذلِكَ، فأخبرْهم أنَّ اللهَ قدْ فَرَضَ عليهم صَدَقَةً» فسمى الزكاة صدقة، «تُؤْخَذُ منْ أغنيائِهم، فتردُّ على فقرائِهم»، فدل ذلك على أنَّ الزكاة قرينة الصلاة، وقرينة الشهادتين، وأنَّها أصل في دين الله -عز وجل- فلا يُتلاعب ولا يتساهل فيها.
فإذا كان الأمر كذلك، فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد فرض هذه الزكاة وأمر بها أن تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، قال ها هنا: «صدقة تُؤْخَذُ منْ أغنيائِهم، فتردُّ على فقرائِهم»، قال العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ- فيها إشارة إلى معنى المواساة؛ لأنه قال: «تُؤْخَذُ منْ أغنيائِهم، فتردُّ على فقرائِهم»، ولهذا قال العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ: إنه لا يشرع نقل الزكاة وإخراجها من البلد إلا إذا عُدِمَ المحتاج، أو كان غيرُهُم أحوج إليهم، وإلا فالأصل أن تخرج في نفس البلد لتحصل المواساة، وليعلم الفقير أنَّ الغني إذا فتح الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليه؛ فإنه سيصيبه من غناه، فتطيب نفسه؛ لأنَّ كثيرًا من الناس الآن في الدول الأوروبية تجد أن هناك نوعًا من الحقد العظيم بين الطبقات، طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء، ذلك أنَّ يرى طبقة الأغنياء تستأثر بكل شيء، فيثقل ذلك عليه ويشق عليه، لكن حينما يعلم أنَّ هذا الغني غناه ليس قاصرًا على نفسه، وإنَّما هو أيضًا مبذول في وجوه الخير، فإن ذلك يكون مما يخفف من الحقد والحسد، ومما يقلل أيضًا من الجرائم، ترى هذه معانٍ جليلة يراعيها الشارع، وتقل السرقات؛ لأنه يقول: كيف أسرق من الرجل الذي يُحسن إلي؟ وكيف أسيء إلى رجل يحسن إلي؟ وربما أحاط هو بنفسه المال؛ لأنه يعلم أنَّ هذا المال سيعود عليه، فهذه كلها معانٍ جليلة من قول النبي : «تُؤْخَذُ منْ أغنيائِهم، فتردُّ على فقرائِهم».
قال: «فإِنْ هم أطاعوا لَكَ بِذَلِكَ، فإيَّاكَ وكرائِمَ أموالِهم، واتَّقِ دعوَةَ المظلومِ، فإِنَّه ليسَ بينها وَبينَ اللهِ حجابٌ»، الأصل في الزكاة -بوجه عام- أن تكون من الوسط، فلا يتيمم الخبيث ينفق منه، ولا يعمد الْمُصَدِّق الذي هو يقبض الزكاة إلى أَنْفَسِ الأموال فيقبضها، ولهذا لَمَّا جاء رجل إلى النبي بناقة فارهة، قال : «إنَّا لَا نَقدرها»، حتى قال المتصدق: يا رسول الله إني قد طيبت بها؛ لأنَّ مثل هذا الفعل فيه إجحاف، وربما نَفَّرَ المتصدق عن هذا الأمر، يقول: كيف تعمد إلى أنفس مالي فتأخذه؟ هل تقبل مني أردأ مالي؟ قال: لا، قال إذا عاملني بالمثل، فيكون الوسط حتى تطيب بذلك نفس المتصدق، إلا إذا قال المتصدق له: أنا لا أحب إلا أن أؤدي أفضل أموالي لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فيقال له: جزاك الله خيرا، لكننا لا نكرهك عليه، وإنَّما الأصل في ذلك الوسط، حتى إن العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ- قالوا: إنَّ المصدق الذي هو قابض الزكاة، إذا ذهب إلى أصحاب بهيمة عام، فإنه يقسم بهيمة الأنعام إلى ثلاثة أقسام، قسم الخيار وقسم الردئ وقسم الوسط، ويجعل زكاته من الوسط، حتى لا يظلمه، لهذا قال النبي : «فإِنْ هم أطاعوا لَكَ بِذَلِكَ ، فإيَّاكَ وكرائِمَ أموالِهم»، ما يأتي إلى مثلا النياق أو الفحول الجيدة الغالية جدًّا فيقبضها، يقال: لا، هذا كله مخالف للشرع، إلا إذا كان ماله كله نفيسًا، وما كان عنده شيء وسط، وكان ماله ليس من عروض التجارة، أنا أعني ما يتعلق الآن بالإبل وما إلى ذلك، الإبل هي على نوعين، إمَّا إبل سائمة وإمَّا إبل لا ما يقصد بها السوم وإنَّما يقصد بها عروض التجارة، يباع فيها ويشترى، فالإبل التي هي من عروض التجارة، تزكى زكاة عروض تجارة، تُقَيَّم ويؤخذ منها ربع العشر، والإبل السائمة التي ترعى في البراري ونحو ذلك، لا هذه إنَّما هي من بهيمة الأنعام، فإذا فرضنا أنَّ رجلًا ما كان عنده من المال إلا الخيار كله، أو الرذل، فإنه يؤخذ منها؛ لأنها من نوع المواساة، وقد سبق أن ذكرنا أنَّ الأصل في الزكاة هي المواساة، وهذا هو معنى المواساة الذي قاله النبي .
ثم قال: «واتَّقِ دعوَةَ المظلومِ، فإِنَّه ليسَ بينها وَبينَ اللهِ حجابٌ» في هذا معنى حسن، وهو أنَّ أكثر ما يغضب الإنسان ويشق عليه هو الاعتداء على ماله، وهذا يسبب كثيرًا من المظالم التي تقع بين الناس، والناس بوجه عام لا يتسلطون على بعض في الأعراض؛ لأن ما الحاجة في أن تطعن في عرض غيرك، وأعني بها تناول الناس بالقذف ونحو ذلك، ما أعني الغيبة، لأنَّ الغيبة بلا شك طعن في الأعراض، لكنها دون الوقيعة في اتهامهم بالقذف وما إلى ذلك، هذا ما يقع فيه إلا أراذل الناس، ولا حاجة للإنسان أن يقع فيها؛ لأنك لا تستفيد منها شيء، لكن تقع المظالم كثيرا بين الناس في الأموال، ولهذا قال النبي لَمَّا ذكر ذلك: «واتَّقِ دعوَةَ المظلومِ»؛ لأنها مصاحبة دائمًا للمال، وهذا المعنى -يا إخوان- معنى جليل، والحقيقة أنه ينبغي الوقوف عليه وعنده، وهو أن يقال: كل من كان بينك وبينه معاملة مالية، سواء كان هذا شريكا لك أو مبايعًا لك -تبيع منه وتشتري- أو لوكان موظفًا عندك ستكون بينك وبينه معاملة مالية، فاحذر كل الحذر من التعدي عليه في الأموال، يحذر الإنسان هذا الباب على نفسه من كل وجه، وليعلم أنه إن يتنازل عن شيء مشكوك فيه، أهون وأيسر له عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- من أن يأتي يوم القيامة ويطالب به، ولهذا النبي أمر بالاستعفاء من الناس؛ لأنه يأتي يوم القيامة ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، وإنَّما هي الحسنات والسيئات، قال: «مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ» ، وإنَّما هي الحسنات والسيئات، وأكثر من ذلك وأعظم خطرًا وهو أن يحصل من الإنسان نوع من الظلم، فيدعو عليك بالليل، ويدعو عليك بساعة الاستجابة، فتسري هذه الدعوة وتصادف من الله -عَزَّ وَجَلَّ- ساعة استجابة، وقد فتح الله -عَزَّ وَجَلَّ- بابه لدعوة المظلوم وإن كان كافرا، فيستجيب الله -عَزَّ وَجَلَّ- منه، ولهذا نجد أنَّ كثيرًا من محق الشركات ومحق الأموال إنَّما يأتي بهذا السبب، للأسف يبحثون دائمًا عن الأمور المادية، وهذه نوع من النظرة المادية الغربية على أذهان كثير من الناس، ولكن -وهذا رأيناه حقيقة الرأي العين- تجد أنه يغفل غفلة كاملة عن التفتيش في المظالم، تعال فتش في مظالمك، ربما أن عندك أناس يعملون عندك قد ظلمتهم، ربما عندك شركات تتعامل معها قد ظلمتها في أموالها، هذه حقوق للخلق، قد تكون سببًا في محق بركتك، فإذًا لَمَّا كان الأمر متعلقًا بالمال حذر النبي من دعوة المظلوم.
{قال المؤلف -رحمه الله: (وعن أبي سعيد الخدري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله : «ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقَةٌ، وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ») }.
هذا الحديث -وهو حديث أبي سعد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قد جمع أصنافًا ثلاثة من أصناف المال، وهي الأصناف المجمع على وجوب الزكاة فيها، وهناك صنف وهو: عروض التجارة قد وقع الخلاف فيه بين العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ-، ولهذا ليس هناك نص صريح على الزكاة فيه في البخاري في مسلم، لكن هذه الأصناف الثلاثة هي من الأصناف المتقررة عند العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ:
الصنف الأوَّل: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقَةٌ»، يتناول صنف النقدان الذهب والفضة؛ لأن الأواقي من الفضة، وقول النبي : «ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقَةٌ» هذا يسمى عند العلماء بالنصاب، الحد الذي إذا بلغته وجبت فيه الزكاة، وما دونه فليس فيه.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقَةٌ» الأوقية عند العلماء أربعين درهمًا، فخمسة في أربعين يساوي مئتين، وقد جاء في حديث علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عند أصحاب السنن: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ»، فوافق حديث البخاري ومسلم، والدرهم وزنه اثنين فاصلة تسعمائة وخمس وأربعين جرامًا (2,945 غم)، يعني: قريبًا من ثلاث جرامات، ثلاث جرامات إلا شيئًا يسيرًا، فإذا ضربنا هذا المعيار في مائتي درهم أصبح نصاب الفضة خمسمائة وخمس وتسعين جرام (595 غم)، هذا هو نصاب الفضة، ونصاب الذهب قد بين النبي أنه عشرين دينار، إذا ضربناها يصبح أيضًا نصاب الذهب خمسة وثمانين جرامًا (85غم)، فإذا كان عند الإنسان من الأموال النقدية، من الذهب والفضة ما يوازي هذا، وجب فيه الزكاة، وإذا كان عنده من الأموال والنقود ما يوازي هذا وجبت فيه الزكاة أيضًا.
لكن الفضة الآن أصبحت منخفضة جدًا، حتى أصبحت غير معتبرة، ولا ينظر لها، ولا يُستفاد منها، ولم تعد الآن -بوجه عام- عند الناس مما يخزن، أو مما يتعامل فيه؛ لأن الخمسمائة وخمسة وتسعين جرام الآن تقريبا بالفضة يمكن تصل إلى ألفين ريال، أو قريب من هذا القدر، ومن المتقرر أن الألفي ريال لا تصير الإنسان غنيًا، لو أن رجلا لا يملك من الدنيا إلا ألفي ريال، ما يكون غنيا غالبا، ولذا فالظاهر -والله أعلم- أنَّ المعيار الآن إنَّما هو الذهب؛ لأنه هو الذي تقوم به الكثير من الأشياء، وخمسة وثمانين ( 85) جرام من الذهب، تبلغ ثمنًا جيدًا؛ لأنَّ الآن قيمة الجرام من الذهب يصل إلى مئتين وعشرين ريال، وربما زاد على ذلك، فقد يصل المبلغ إلى خمسة عشر أو سبعة عشر ألف ريال، الذي هو نصاب الذهب.
فالظاهر -والله أعلم- أن نصابها هنا إنَّما هو مرتبط بالذهب، فإذا بلغ هذا القدر وجبت عليه الزكاة، وإذا كان الإنسان يريد أن يعرف الآن هل وجبت عليه الزكاة أو لا؟
يأخذ خمسة وثمانين جرامًا من الذهب، ثم ينظر كم سعر الجرام الآن "العيار النقي عيار أربعة وعشرين" إذا رأى أنه مئتين وعشرين ريال يضربها في الخمسة وثمانين، وينظر المبلغ الذي خرج له، إذا كان يملك مثل هذا المبلغ فقد وجبت عليه فيه الزكاة، فهذا قول النبي : «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»، وإذا ملك ما دونها فليس عليه به زكاة.
ومن المعلوم أيضًا أنه إذا خرج له المبلغ الآن ورأى أن المبلغ عشرين ألف ريال، أو تسعة عشر ألفًا ورأى أن في حسابه ثلاثين ألف، نقول له: انظر هل عليك من دين قد وجب عليك أداؤه؟ إن قال: نعم نقول: اخصمه، قال خصمت الدين، أنا عندي ثلاثين ألف، وكان علي الدين خمسة عشر ألفًا، فأصبح المبلغ خمسة عشر ألف ريال، نقول: لا يجب عليك شيء، الآن سقط عنك النصاب.
وإن قال: أنا علي دين، وهذا يفعله كثير من أصحاب الحيل، وهذا الذي ذكرته حينما قدمت المقدمة، قال عندي البنك العقاري، وعندي أنا قرض أخذته للبيت، بيتي بمليون وثلاث مائة ألف، وعندي مبلغ لسيارتي بأربع مائة ألف أو ثلاث مائة ألف، فهذه مليون وسبع مائة ألف، نقول: لا، انظر إلى ما يجب عليك في عامك، ما يجب عليك في العام، إلى السنة القادمة، كم يجب عليك؟
يجب عليك من الأقساط أربعين ألف أو ثلاثين ألف ريال، هذه هي التي تخصم، وما سواها يزكى؛ لأنَّ هذا ليس دينًا حالا، وإنَّما هو دين إلى إنظار وميسرة، فهو دين موسع.
فإذًا ما لا يتعلق به الإنسان ولا يتشبث به، قال النبي : «وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ»، الذود بوجه عام هي قطيع الإبل، يقولون: من الثلاث إلى العشر، وقال بعضهم: إنَّ الذود لا يطلق إلا على الخمس فما فوق، ولهذا قال بعضهم: إنَّ هذا النص إنَّما يقرأ: "ليس فيما دون خمسٍ ذودٍ"، فيكون ذود بدل عن خمس، وبوجه عام في كتاب الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذي كتبه لأنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وهو الأصل والأساس في زكاة الإبل والغنم، فيه أنَّ الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "وليس في الإبل شيء حتى تبلغ خمسا"، فإذا الخمسة فيها شاة، ثم تتصاعد شاة في العشر، وهكذا بنصاب الإبل المعروف.
وقوله: ليس فيما دون خمس ذود يدل على زكاة بهيمة الأنعام، وهذا هو القسم الثاني من أصناف الزكاة، ذكرنا الصنف الأوَّل.
الصنف الثاني: بهيمة الأنعام -الإبل والغنم والبقر- فأمَّا الإبل والغنم؛ فإنها قد جاءت في البخاري ومسلم وثبوتها ثبوت قطعي، وأمَّا البقر، فإنَّما عليه جماهير العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ- بحديث معاذ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذي أخرجه أصحاب السلف.
قال: «وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ» هذا هو الصنف الثالث: من أصناف الزكاة، وهو زكاة الحبوب والثمار، وهو المذكور في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، وقوله: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾، هذه كلها تدل على زكاة الحبوب والثمار.
قال: «وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، هذا هو النصاب، يعني: إنَّما يجب عليك الزكاة فيما يخرج من الأرض مما يكال ويدخر إذا كان خمسة أوسق فما فوق.
بقي أن نعرف ما هو الوسق؟
قالوا: الوسق ستون صاعًا، وخمسة أوسق في ستين تساوي ثلاثمائة صاع.
بقي أن نعرف ما هو الصاع؟
الصاع يوازي -بالكيلو الآن- اثنان كيلو فاصل أربعين جرام، يعني: 2.40 من الجرامات، وبناء عليه، إذا ضربنا هذا القدر في الأوسق التي حررناها قبل قليل، فسيخرج النصاب تقريبًا ستمائة وعشر كيلوات ونحو هذا المعنى.
فإذا كانت مزرعتك تخرج ستمائة كيلو وجب عليها فيها الزكاة، فإن أخرجت ما دون ذلك، فليس عليها فيها زكاة.
ثم ما هي الزكاة فيها؟
أمَّا في النقدين، فقد ذكرنا أن الزكاة فيها ربع العشر، وأمَّا الزكاة في بهيمة الأنعام فقد ذكرنا البيان فيها في حديث الصديق -رضي الله عنه- وهي مقسمة في كل خمس من الإبل شاة، حتى تبلغ خمسة وعشرين، فإذا بلغت خمسة وعشرين ففيها بنت مخاض، حتى تبلغ ستة وثلاثين وهكذا، ذكرها النبي إلى نهاية الأعداد.
والغنم ذكر النبي في الأربعين شاة، حتى تبلغ مائة وعشرين ففيها شاتان، حتى تبلغ مئتين ففيها ثلاث شياه، ثم في كل مائة شاة.
قال: «وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ» هذا لزكاة الحبوب والثمار، والأصل فيها حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، والعثري هو ما نسميه اللي الآن المباعل، الذي يزرع على ماء المطر، والعشر يعني: عشرة في المئة منه، وفيما سقي بالنضح والسواني نصف العشر.
الآن عرفنا النصاب، لكن ما هو القدر الواجب فيها؟
نقول: القدر الواجب فيها ينبني على كيف نتجت أو بما أنتجتها؟
قال: أنتجتها أنا بالآبار عندي، مثل ما هو الغالب، نقول: إن فيها نصف العشر، قال: الحمد لله أنتجتها بماء السماء، يقال فيها: العشر، قال: لا، هي اختلطت، نقول: إذا اختلطت فالظاهر -والله أعلم- أن يخرج من ها هنا نصفًا ومن ها هنا نصفًا، فيكون المخرج خمسة وسبعين، يعني: سبعة ونصف في المئة، هذا هو الظاهر من قول جماعة من العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ، هذا هو معنى حديث أبي سعيد الخدري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذي تناول هذه الأصناف الثلاثة من أصناف الزكاة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ». وَفِي لَفْظٍ: «إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ») }.
حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هو حديث يقرر المعنى السابق الذي تكلمنا عنه، وهو أنَّ الأصل في الزكاة إنَّما هي في الأموال النامية أو المعدة للنماء، فما لم يكن كذلك فليس فيه زكاة، وهذا من رحمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالعباد، وإلا فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لو سألهم الزكاة في أموالهم الغير معدة للنماء لعنّتهم، وشق عليهم، وأصبحت تتراكم على الإنسان، ربما لا يستطيع الإنسان أن يخرجها هذه السنة، فيتراكم عليه أموال كثيرة، ربما تذهب بأصله كله، فإذًا الأصل في هذه الأموال غير المعدة إنَّما، وإنَّما هي المعدة للاستعمال أنه لا يجب فيها زكاة، حتى قال العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ: إن البقر العوامل التي ليست سائمة، وإنَّما البقرة التي يريد صاحبها أن يجعلها للزرع، تعمل في الحرث وما إلى ذلك، ليس فيها زكاة؛ قالوا: لأنها قائمة مقام البيت، ومقام الدكان، تعلم أنَّ أصل الدكان لا يجب فيه زكاة، أنت عندك مثلا معرض -ما شاء الله- تكلفة المعرض ثلاثين مليون، ومؤسس بأثاث فاخر جدًّا، ما يجب عليك فيه شيء، إنَّما يجب عليك في قيمة البضاعة، وهذا من رحمة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وإلا لو أمرت بأن تزكي هذه الأصول لشق ذلك عليك مشقة عظيمة، وأصبح الإنسان في كل عام يزكي أموالاً عظيمة، فإذًا الأصل أنَّ هذه الأموال غير المعدة للنماء ليس فيها زكاة.
من أين أخذنا ذلك؟
من قول النبي في حديث أبي هريرة: «ليسَ علَى المُسْلِمِ في عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ، في الزمن الأوَّل كان هناك رق، والرق أمر شرعي وثابت بكتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- وبسنة نبيه ، إذا تحقق بوجهه الشرعي، فكان عندهم الرق، وكان الرجل منهم قد يملك أحيانا العشرة والخمسة عشر والعشرين والأكثر من ذلك والأقل، رقيقًا ما بين عبيد وإماء، فهل يجب عليه فيهم الزكاة؟ كيف يجب عليهم الزكاة؟
قال: قيِّم قيمة العبد، يعني: هذا العبد يباع ويشترى، فإذا قيمه يقال له: أخرج ربع عُشره، قال النبي : ليس فيه صدقة، هذا إذا كان عبدًا معدا للخدمة، أو سُرِّية يعني: أمة، جارية للخدمة أو جارية يستمتع بها، هذه ليس فيها زكاة، لكن إذا كان نخاسًا، والنخاس هو الذي يملك عبيدًا وإماءً ويقوم ببيعهم، نقول: لا، فإذا قلنا: هل هؤلاء معدون للتجارة؟ قال: نعم، قلنا: إذا كانوا معدين للتجارة؛ فإنه يجب فيهم الزكاة، لأنهم أصبحوا من عروض التجارة، ويقاس على هذا -عند جماعة من العلماء- الأراضي المملوكة الآن، رجل عنده أراض كثيرة، قال: هذه الأراضي أنا اشتريتها أحفظ فيها مالي، هل تجب فيها الزكاة؟
قال العلماء -رَحِمَهُمُ اللهُ: لا تجب فيها الزكاة إلا إذا أُعدت للبيع، يعني: عرضها للبيع، ولكن إن شراها وتركها، فهذه ليس فيها زكاة.
قال النبي : «ليسَ علَى المُسْلِمِ في عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»، الصدقة في الفرس الذي هو المركب، في الزمان الأوَّل كان مركبهم غالبًا على الأفراس والحمير والبغال أكرمكم الله، هل فيها صدقة؟
ليس فيها صدقة.
كذلك أيضًا حال الإنسان الآن مع السيارات ونحوها، عندك سيارات، ثنتين وثلاث، وعشر ما في بأس، ما دام أنها لم تعد للبيع وعروض التجارة؛ فإنه ليس فيها زكاة.
حتى أكثر من ذلك، محلات تأجير السيارات، معارض السيارات تجب عليهم الزكاة، يجب كل سنة أن يُقَيِّمَ السيارات التي عنده ويُزكيها؛ لأنها عروض تجارة هو يبيعها، لكن محلات تأجير السيارات، لا، لو قيل له: زكِّ كل عام هذه السيارات لأثقل ذلك عليه، ولكن يقال: تُزَكِّي رَيْعَهَا، انظر الرَّيع الذي يأتيك من هذه الأجرة فزكِّه، وإمَّا زكاتها كأصل فلا تزكى، وهذا كله من رحمة الله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لأنَّ هذه ليست في ذاتها معدة للتجارة، وإنَّما المعد للتجارة هو الذي يبتغى به النماء هو الريع والناتج.
قوله ها هنا: (وفي لفظ «إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ») ، أمَّا زكاة الفطر الرقيق فقد أمر بها النبي كما سيأتي -إن شاء الله عَزَّ وَجَلَّ- في زكاة الفطر، وأمر بها النبي على كل عبد حرٍّ، والأصل أنه يلزم السيد نفقة العبد، وكل من تلزمك نفقته؛ فإنه يلزمك أيضًا أن تخرج زكاة الفطر عنه.
نكتفي بذلك.
{أحسن الله إليكم، في ختام هذه الحلقة نشكركم أيها المشاهدون على طيب المتابعة، ونلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك