{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم وباركَ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حيَّاكم الله أيُّها الإخوة المشاهدون الكرام، في برنامجكم برنامج (جادة المتعلم)، والكتاب المقروء في هذا الدرس هو كتاب (عمدة الأحكام) للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- ويصحبنا فيه فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبد الكريم السلوم، باسمي وباسمكم جميعا نرحب بفضيلة الشيخ فحياكم الله}.
حيَّاكم الله وحيَّا الله الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات.
{أحسن الله إليكم.
كنا قد وقفنا في الحلقة الماضية عند حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى -رَحِمَهُ اللهُ.
قال الحافظ عبد الغني المقدسي -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»)}.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد، فالمصنف -رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا فرغ من ذكر التشهد، وذكر فيه أصله وهو حديث ابن مسعود الله -رضي الله عنه- ما يَعقب التشهد عند الحنابلة -رحمهم الله- فإنَّ التشهد الأخير عندهم مُتعقَّبٌ بالصلاة على النبي ﷺ، فذكر فيه أصله، وأصل هذا هو حديث كعب بن عُجرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وفيه أنه قَالَ: (لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟) وقد كانت هدايا العلم عند السلف الصالح رضوان الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليهم أغلى من نفائس الأثمان التي يتهاداها الناس في هذا الزمان، فكانت هذه الهدية تعدل أمرًا عظيمًا، ومما يدل على جلالة هذه الهدية أنها إنما نقلت إلينا بأصح إسناد من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، فيكفي حقيقة دلالة على أنَّ هذه الهدية كانت هدية نفيسة، وأصبح مَن صلَّى على النبي ﷺ مُتعلمًا من حديث كعب بن عجرة، فإنما هو في ميزان عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي نقل إلينا هذا الأثر عن رسول الله ﷺ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
ولهذا لن تجد شيئًا أولى من العلم الشرعي، المال مهما كان ومهما عمل الإنسان من الخير، ومهما أوقفَ من الأوقاف العظيمة، سيأتي عليها زمان وتنقطع، وسيأتي زمن يفسد فيه الناس، ويُستولى فيه على هذه الأوقاف من ضعفة النفوس، فتذهب هذه الأوقاف، ولهذا لو أنَّ الأوقاف التي كانت في زمن الصحابة والتابعين وما إلى ذلك لا زالت إلى الآن موجودة، لربما ما بقي لنا شيء نوقفه، أو ما بقي لأهل هذا الزمان شيء يوقفونه، خاصة في الحرمين مكة والمدينة، ومع ذلك لا زال الناس يوقفون شيئا بشيء، بسبب أنه تأتي بعض الأزمنة فيتطاول بعض الناس على مثل هذه، ويستغلون غياب الرقابة ونحو ذلك، فيحوزونها إلى أموالهم، فتجري في أموالهم وفي ورثتهم حتى يبعث الله من ورثته رجلًا رشيدًا فيقفها، لكن العلم ما ينقطع، العلم كنز عظيم ما ينقطع، ولهذا لَمَّا نقل إلينا عبد الرحمن بن أبي ليلى هذا النص عن رسول الله ﷺ توارثه الناس جيلًا بعد جيل، فإذًا كانت هدية جليلة لعبد الرحمن بن أبي ليلى، ولعموم أمة محمد ﷺ، أهداها كعب بن عجرة.
وهذا يدل على قدر ومنزلة الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، وأنَّ الطاعن فيهم طاعنٌ في دين الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولهذا يقرُّ عقلاء الناس أنَّ أقرب طريق للطعن في العالم هو الطعن في تلاميذه، فإذا طعنت في التلاميذ سقط علم العالم، أو لم يقل الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ: "كان الليث أفقه من مالك، ولكن ضيعه تلاميذه"، ترى تضييع التلاميذ ليس من شرطه أن يكون التلاميذ ما ينقلون العلم، لا، بل قد يكون التلاميذ من نقلة العلم لكنهم من نقلة العلم الفاسدين، كما حدث مع علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فإن عليًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كان واسع العلم، ولكنه ابتُلِيَ بأناس كذبة، أو بأناس ضعاف، كانوا ينقلون لنا علم علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ألم يذكر ابن أبي مليكة أنه أُتي إلى ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بخريطة فيها قضاء علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وابن عباس أعلم الناس بعلي؛ لأنه حازَ فقه عمر وفقه علي، فحكَّها بيده إلا قدر شبر، وقال: "والله لأن كان علي قد قضى بذلك لقد ضل"، وحاشاه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من الضلال، لكن من الكذب والتزيُّد، شبر فجعلوها ذراع تزيُّدًا على علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حتى قال ابن سيرين -رَحِمَهُ اللهُ-: "قاتلهم الله، أي علم أضاعوه؟ وأي علم أفسدوه؟"؛ لأنَّ العلم لَمَّا يختلط علينا ما نستطيع أن نميز الصحيح من الكذب، وقد قال بعض السلف: "لم يكن يصدق على علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلا أصحاب ابن مسعود"، ولهذا نجد أنَّ أعلى حديث لعلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في الصحيحين من طريق أصحاب ابن مسعود، كعبيدة السلماني وغيره، -رحمهم الله ورَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، وزيد بن وهب وغيرهم، هؤلاء هم الذين ينقلون لنا علم علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أمَّا من كان يزعم الاختصاص بعلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فلا.
فإذًا مَن طعن في الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- فقد طعن في سنة النبي ﷺ، ما هناك وسيلة لنقل سنة النبي ﷺ إلا أصحابه، بل إنَّ من قَصَرَ نقل السنة على بعض الصحابة نقول هذا أيضًا طعن عظيم في السنة؛ لأنَّ هذا الصحابي ما استوعب نقل السنة، حتى وإن جلَّ قدره، أبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- على سعة علمه إلا أنه لم ينقل لنا كل سنة، وإنما نقل لنا جزءًا من السُّنَّة، ربما ثلث السنة أو ربعها، وبقي شيء كثير من سنة النبي ﷺ قد نقله غيره من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
فهذا المعنى مما ينبغي أن يقرر في فقه الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وفي معرفة منزلتهم وقدرهم، وأنهم كما أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد منَّ على هذه الأمة بمحمد ﷺ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]؛ فإنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- قد منَّ على هذه الأمة أيضًا بأصحاب محمد ﷺ، الذين نقلوا لنا سنة النبي ﷺ، وما أضاعوها كما أضاعتها اليهود والنصارى، ما هناك أحد من رجال التاريخ -وفتش ما شئت- نُقلت إلينا سيرتُه وتفاصيل حياته بالأسانيد الصحيحة كما نُقلت سيرة النبي ﷺ، بل لا يوجد البتة أصلًا رجل تنقل لنا سيرته بإسناد صحيح، بل حتى لو أشياء يسيرها منها،
عيسى بن مريم ﷺ وهو من أعظم أنبياء الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وموسى ﷺ ما يثبت شيء من النقل عنه إلا ما جاء من كتاب الله ومن سنة النبي ﷺ، وما سوى ذلك فغير ثابت، وهم مِن أولي العزم من الرسل، ومن ذوي الأتباع، بمئات الملايين أتباعهم، فضلًا عمَّن كان سواهم من الناس الذين أصلًا يُطعن في وجودهم، كـ "بوذا" و"كونفوشيوس" مثلا وغيرهم من هؤلاء الذين يُعبدون أو يُقدسون؛ ما ندري أصلا ما هي ماهيتهم؟! وهل كانوا موجودين أصلًا أو كانوا مجرد أوهام وأصنام وما إلى ذلك قد صنعها بعض الحكماء -كما يزعمون- أو بعض المدعين أو نحو ذلك؟!
إذًا من أعظم المنن التي منَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- بها علينا أن منَّ علينا بهؤلاء الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، الذين نقلوا لنا هذه السنة غضَّة طريَّة كما أُنزلت على محمد ﷺ، ولهذا كان بعض العلماء كابن المديني وغيره يقول: "مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ؛ كأنما ترى رسول الله ﷺ"، يعني: نقل صحيح وسند كالشمس، ليس فيه تزيُّد، وليس فيه كذب، وليس فيه خطأ، هذه نعمة عظيمة أنعم الله -عَزَّ وَجَلَّ- بها علينا.
إذًا من حق أصحاب النبي ﷺ أن نترحَّم عليهم، وأن نترضى عنهم، وأن نكفَّ عن مساوئهم فهم ليسوا بمعصومين، قد تقع منهم الذنوب، وتقع منهم الكبائر، لكن نحن لسنا في ميزان تقييمهم أصلًا، أنت تقيِّم إذا كنت أنتَ مقارب للرَّجل، لكن حينما يكون بينك وبينه منازل عظيمة فلستَ أهلًا لتقييمه، وإذا كان ليس لنا أن نقيِّم نحن علماء زماننا بأن يقول الإنسان: هذا عالم رباني، هذا عظيم القدر، أو هذا لا مغموص عليه؛ فكيف الحال بصحابة النبي ﷺ الذين قد جاوزوا القنطرة ومقام قاموه مع النبي ﷺ، وليس أحد منهم يخلو من مقام!
لأنَّ من شهد تبوك معه كانوا ثلاثين ألفًا، وشهود تبوك بأعمالنا كلها، أولم يقل الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ [التوبة: 117] وقد كانوا ثلاثين ألفًا اتبعوا النبي ﷺ في ساعة العسرة.
فإذًا كل ما يقع من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- أنت لست في محل التقييم لهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُو﴾ [الحشر: 10]، فإذًا ينبغي الدعاء لهم الترحُّم عليهم والذَّب عنهم والغيرة عليهم؛ كلهم منزلتهم جليلة، وهي منزلة الصحبة، كلهم يتمسك منها ولو بعِلْق، أسلم قبل الفتح أو أسلم بعد الفتح، ومَن طعن في من بعد الفتح سيتقافز إلى الطعن فيمن قاتل قبل الفتح.
مَن يطعن في معاوية فإنما يدخل إلى الباب الذي يلج منه إلى الطعن في الصحابة، حينما تطعن في معاوية ستطعن في أبي بكر وعمر وعثمان الذين ولَّوه وارتضوه، وسنين طويلة وهو يحكم بمشهدهم ومرآة منهم، وستطعن في علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذي كان يقاتلهم ويصلي على قتلاهم، ويقاتلهم -رضي الله عنه- ويقول: "إخواننا بغوا علينا"، وستطعن في الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضاه- الذي قال النبي ﷺ فيه: «إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»[1]، في المعارك التي جرت بين الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ومعاوية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا تنازلَ الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في الخلافة إلى معاوية، مع أنه كان لا يُنازِع فيه أحد من المسلمين بعد ذلك الجيل أن الحسن أولى بالخلافة قولًا واحدًا، ما ينازع أحد بعد ذلك الجيل أنَّ أولى الناس بالخلافة هو الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يعني: أنه أولى من معاوية، قد لا يكون هو أولى الناس في زمانه، وهذا مما يدل على تولية المفضول؛ لأنه قد كان في ذلك الزمن من هو أفضل من الحسن بالإجماع عند أهل السنة، فقد كان فيه سعد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وسعد أفضل من الحسن، وقد كان فيه سعيد بن زيد، وقد كان في جماعة من البدريين هم كلهم بالإجماع عند العلماء أفضل من الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ومع ذلك فإنَّ الحسن أفضل بالإجماع أيضًا من معاوية، وقد نزل بالخلافة إلى معاوية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فلو كان معاوية رجلًا ضالًا أو رجلًا مُنحرفا وحاشاه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَا نزل له الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ولكان الحسن قد غرَّ المسلمين، ولَما كان مدح النبي ﷺ للحسن متَّجهًا، كيف اتَّجه النبي ﷺ بمدح الحسن وصلحه وهو يعلم أنها ستؤول إلى رجل غير صالح -معاذ الله- ولو لم يكن من فضائل معاوية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلا هذا الحديث لكفاه.
إن قيل كيف؟ قلنا: قول النبي ﷺ: «إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»، بالإجماع عند أهل السنة أن هذه الواقعة قد وقعت في الخلاف الذي وقع بين علي والحسن وبين معاوية من جهة، وأنه هو عام الجماعة عند العلماء بالإجماع عند العلماء، دعك من الرافضة وغيرهم.
فإذًا إذا كان الأمر كذلك فإنَّ نزول الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلى معاوية دلالة على أنَّ النبي ﷺ قد أقره عليه، قال: «ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ»، والصلح هو نزوله عن الخلافة إلى معاوية، فهذا إقرارٌ من النبي ﷺ بصحة فعل الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضاه.
هذا المعنى كله ينبغي أن يُقرَّر وقد كان هذا خروجًا عن الموضوع، لكن أحيانًا قد يكون الخروج عن الموضوع أولى من الخوض في الموضوع نفسه؛ لأنَّ هذا من المسائل التي تتعلق بالعقيدة، فالطعن في الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- تقافز عليهم خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه إعجاب الناس بآرائهم، وأصبح الرجل ما يتحاشى أن ينتقد أحدًا من صحابة النبي ﷺ، بل رأينا من تسوَّر إلى الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- والفاروق وعثمان وعلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، وهذا كله من ضعف الإيمان ومن العُجب بالنفس، إذا كان التابعون -رضي الله عنهم- إذا قيل لهم: "قال أبو بكر وعمر" سكتوا، ويقول سعيد بن جبير: "كان ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إذا نزلت به المسألة؛ نظر فإن وجدها في كتاب الله قال بها ولم يتعده إلى غيره، وإن لم يجدها في كتاب الله نظر في سنة النبي ﷺ، فإن وجدها في سنة النبي ﷺ قال بها ولم يتعدها إلى غيره، فإن لم يجدها في سنة النبي ﷺ نظر في سنة أبي بكر وعمر، فإن وجدها قال بها ولم يتعدها إلى غيرهم، فإن لم يجدها اجتهد رأيه"؛ فهذا دلالة على تعظيم الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لقدر هؤلاء، لقدر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، فكيف الشأن لمن بعدهم؟!
وقد جاء عن السلف الصالح -رضوان الله عَزَّ وَجَلَّ عليهم- الشيء الكثير عن التابعين في تعظيم قدر الصحابة، وترك آرائهم لآراء الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- والنزول عند آراء الصحابة، وأن آراءهم خير لنا من آرائنا لأنفسنا، فإنهم قد عاصروا التأويل وشاهدوا التنزيل، وهم أعلم الناس بأحوال النبي ﷺ، وأكثر الناس ورعًا وديانةً مع كونهم أعلم الناس باللغة، يعني: اجتمع فيهم كل معالم التقديم والتفضيل. فإذًا هذا هو المسلك الرشيد مع الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم.
قال: «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، هذا مما استدل به الحنابلة والشافعية على وجوب الصلاة على النبي ﷺ، قالوا: لأنه قال: «قَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ»، والسلام ها هنا إنما هو التشهد، «السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته».
وقولهم: «فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟» دلَّ على أنهما مُقترنان، لكن نقول: هذه دلالة اقتران بعيدة ما يصح الاستدلال بها، بل قد يكون الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لَمَّا سمعوا قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ [الأحزاب: 56]، قرن الآن الصلاة والسلام، قالوا: «قَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟»، فعلمهم النبي ﷺ، ولهذا ما جاء أنَّ النبي ﷺ أمرهم بذلك في صلاتهم، وذكرنا أنَّ الرواية التي فيها «فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلَاتِنَ»[2]، من حديث أبي مسعود البدري إنما هي زيادة زادها ابن إسحاق وهي زيادة غير صحيحة، ولهذا نرى في هذا الحديث الذي في الصحيحين أنها غير مذكورة.
قال: «فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، الصلاة من الله -عَزَّ وَجَلَّ- هي الرحمة والثناء على الممدوح أو على المُصلَّى عليه، هذا هو معنى الصلاة عند العلماء -رحمهم الله.
قوله ها هنا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، آل محمد على الصحيح من أقوال أهل هم قرابته، ومن قال: إنَّ آل النبي ﷺ هم أتباعه ؛ فنقول: إن هذا بالمعنى الآخر، لكن المعنى الصحيح للآية: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23]، ما يُقصد بها أتباعه كلهم، وآل الرجل ما يُقصد به أتباعه وإنما يُقصد بهم أهله، أهله هم الذين هم أهل بيته، وهم بنو المطلب وبنو هاشم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن كان بعض العلماء قد قيَّدهم ببني هاشم، ولعل هذا هو القول القريب، قد يقال نعم بنو المطلب يشاركون بني هاشم؛ لأنَّ بنى المطلب ليسوا بني عبد المطلب، بني المطلب هم من بني عبد مناف، وعبد مناف أربعة أفخاذ: بنو أمية وبنو نوفل وبنو هاشم وبنو المطلب، وعبد المطلب إنما سمي عبدًا للمطلب لأنه كان يركب خلف عمه المطلب، فهو عبد المطلب بن هاشم.
فبنو أمية وبنو عبد شمس وبنو نوفل: كلهم ليسوا من آل النبي ﷺ عند العلماء حتى أنه حكي إجماعًا، صحيح أنكم من بني عبد مناف أنتم أقرب قريش إلى النبي ﷺ لكنكم لستم من آله.
ثم وقع الخلاف في بني المطلب، هل يكونون من آله أو لا؟
فمن قال بإدخالهم في آله: ذكر حديث جبير بن مطعم أنه لَمَّا ذهب مع عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وجبير من بني نوفل وعثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من بني عبد شمس، فلما ذهبوا إلى النبي ﷺ وقالوا يا رسول الله إنك أعطيتَ بني هشام وبني المطلب، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة منك، فقال النبي ﷺ: «إنَّا وبَنُو المطلبِ لا نَفترِقُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ»[3]، فدلَّ ذلك -والله أعلم- على أنَّ بني المطلب يُقْرَنون مع بني هاشم في العطية التي هي الخمس، هذا أمر خاص بهم، أمَّا أن يوسَّع هذا الحكم فيُجعلون من آل النبي ﷺ؛ فنقول: لا، آل النبي ﷺ إنما هم بنو هاشم.
وإذا قلنا: إنهم بنو هاشم، فيدخل فيهم بنو عبد المطلب وليسوا بني المطلب، بنو عبد المطلب من باب أولى، بنو أعمام النبي ﷺ وأولاهم بالدخول بنو أبي طالب، الذي هو عم النبي ﷺ الذي كان منهم علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وعقيل، ونحو ذلك، هؤلاء هم أولى الناس وأقرب الناس من النبي ﷺ، فهؤلاء هم آل النبي ﷺ.
قال: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وفي بعض الروايات: «كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ»[4]، هذه الرواية أيضًا في الصحيحين، وآل إبراهيم هم قرابة إبراهيم، وهم ذرية إبراهيم ﷺ، إسماعيل وإسحاق ومن مَن ولدهم هؤلاء.
قال: «وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، أيضًا جاء في صحيح البخاري زيادة «وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وهذه هي الصلاة التي تسمى عند العلماء -رحمهم الله- بالصلاة الإبراهيمية، وهي أتم الصلاة على النبي ﷺ، قالوا: تُشرَع في الصلاة بوجه عام، وتشرع أحيانًا إذا أراد الإنسان أن يصلي بمثل هذه الصلاة، ولو أنَّ الإنسان صلَّى بالصلاة التي أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- بها لم يكن عليه فيه بأس، بعض الناس يقول: لابد أن يقول الإنسان: "اللهم صلِّ على محمد وآله" نقول: لا، الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد قال في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ [الأحزاب: 56]، فقد أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأن يُصلَّى عليه، فيقول الإنسان: "ﷺ" ما في بأس، لكن لو أنَّ الإنسان قال: "صلى الله عليه وآله وسلم" كان أحسن بلا شك؛ لأنَّ هذا فيه دعاء لآل النبي ﷺ، وهذا مما يحبه النبي ﷺ.
أرجع فأعود إلى ذكر الأقسام الأربعة الذين ذكرناهم من آل النبي ﷺ من بني عبد مناف، ذكرنا أنهم: بنو عبد شمس وبنو نوفل هذا هو الذي سقط أو أبدلناه ببني عبد مناف خطأ، هم بنو نوفل بن عبد مناف، وهم الذين كان منهم جبير بن مطعم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فإذًا هؤلاء هم أربعة أقسام: بنو نوفل وبنو عبد شمس وبنو المطلب وبنو هاشم؛ آل النبي ﷺ من هؤلاء الأربع هم بنو هاشم، وهؤلاء هم أقرب الناس إلى النبي ﷺ.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ»)}.
قال ها هنا في حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ»).
قوله: «إذَا تَشَهَّدَ» هذا مما فهم منه بعض العلماء العموم، قال: يدل على أنه تشرع في التشهد الأول وفي التشهد الآخر، والحقيقة أن هذا المعنى معنى صحيح وسليم؛ لأنَّ قول النبي ﷺ: «إذا تَشَهَّدَ» يجوز، وقوله ﷺ في الحديث الآخر: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أعْجَبَهُ إلَيْهِ»[5]، نقول: هذا من أعجب الدعاء؛ لأنَّ النبي ﷺ أمر به، وقد كان بعض السلف يذهب إلى وجوبه، فقد جاء عن عبدالله بن طاووس الذي يروي هذا الحديث عند مسلم "أنه صلى صلاة فتشهَّد فيها ولم يدعُ، فلمَّا فرغ قال له طاووس: هل استعذت من الأربعة؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك، فإنَّ النبي ﷺ قد أمر بها"، لكن جماهير العلماء -رحمهم الله- على أنَّ هذا ليس بواجب، بل هو من السنن عن رسول الله ﷺ، وقد حكي في ذلك الإجماع، وهو من أولى الأدعية وآكدها أن يدعو الإنسان بعد التشهد بهذا الدعاء «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»، وهو من الدعوات الجوامع التي كان النبي ﷺ يستعيذ بها.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا. وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ. وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»)}.
هذا أيضًا من ضمن الأدعية التي تشرع بعد التشهد، والحقيقة أنَّ من الأمور التي ينبغي أن ينبه إليها الأئمة بوجه عام، وينبه أيضًا إليها المنفرد إذا صلى: أنه ينبغي أن يجعل من وقته شيئًا لدعائه بعد التشهد، ما يكون ما بعد تشهده مُقتصرًا على التعوُّذات الأربع ثم السلام، نقول: بل ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يُطيل التشهد الآخر حتى يكون قريبًا من قيامه ﷺ، ليكون مكانًا للدعوات، وقد قال النبي ﷺ: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أعْجَبَهُ إلَيْهِ»، فهو من أعظم المواطن التي يدعو بها الإنسان في صلاته مع السجود، هذان أعظم مواطن الدعاء في الصلاة: السجود والدعاء بعد الفراغ من التشهد، وإنما ذكرنا فضله -أعني فضل الدعاء بعد التشهد- لأنَّ الإنسان يكون قد فرغ من الثناء على الله -عَزَّ وَجَلَّ- وحمد الله بالفاتحة، وسلَّم على النبي ﷺ بتشهد، وأدى حق الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الصلاة؛ فهو الآن جاهز للدعاء فليدعُ وليستكثر، ولهذا لَمَّا أراد أبو بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- من النبي ﷺ دعاءً يعلمه يدعو به في صلاته والعلماء -رحمهم الله- يذكرون هذا الدعاء دائمًا في هذا الموطن -أعني موطن ما بعد التشهد- يقولون: لأنه دعاء طويل، «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، يرونه دعاء طويلًا، فيقولون: موطنه -والله أعلم- بعد التشهد، ولو أن الإنسان دعا به في سجوده لم يكن عليه في ذلك بأس، فيدعو به الإنسان إما في سجوده أو بعد تشهده، وينبغي له ألا يخلي صلاته من مثل هذا الدعاء، فإنه دعاء فيه نوع من الانخلاع لله -عَزَّ وَجَلَّ- والالتجاء لله -عَزَّ وَجَلَّ- والانكسار بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد ذكرنا أن من أعظم ما يوصل إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- انكسار العبد بين يدي ربه -عَزَّ وَجَلَّ-، ليس شيء أعظم عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- من الإدلال على الله، أن يدل الإنسان بعمله على الله -عَزَّ وَجَلَّ-، يستكثر عمله على الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويرى أنه رجل أحسن من كثير من خلق الله، لأني أصلي وأتقرب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- نقول: لا، مهما عملت من الخير، فكن خائفًا من الله -عَزَّ وَجَلَّ- وكن منكسرًا بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واعلم أن العمل القليل الذي تعمله ولكنك تحتقره في ذات الله -عَزَّ وَجَلَّ- أعظم من العمل الكثير الذي تعمله وتدل به على الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقول النبي ﷺ في وصيته للصديق الأعظم الذي ما طلعت الشمس ولا غربت بعد الأنبياء والمرسلين على رجل أفضل منه: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرً»، من أعظم ما يدل على الانكسار بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأنك مهما بلغت من الفضل فتراك ظالم في حق الله -عَزَّ وَجَلَّ- وظالم لنفسك بما يرتكبه الإنسان من المعاصي، وبما يفرط في حق الله -عَزَّ وَجَلَّ.
قال: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، فقدَّم بين يدي هذا الدعاء الاعتراف والانكسار بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ- والبراءة من الحول والقوة، وقطع باب الإدلال على الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالاعتراف بالظلم.
ثم ثنَّى بعدَ ذلك بذكر الثناء على الله -عَزَّ وَجَلَّ- وأنه هو المقصود في رفع هذا الذنب فقال: «وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ».
ثم ثلَّثَ بالدعاء فقال: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ»، أبهمَ "المغفرة" حتى تكون مغفرة واسعة.
قال: «وَارْحَمْنِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، أتى بالأسماء الحسنى الملائمة لهذا الدعاء، اسم "الغفور والرحيم" التي هي أشد ما تكون ملائمة لهذا الدعاء الذي تُطلب فيه الرحمة من الله-عَزَّ وَجَلَّ.
إذًا؛ هذا من مواطن الدعاء التي ينبغي للإنسان أن يدعو فيها بكل ما جاء في كتاب الله وبكل ما صحَّ من سنة النبي ﷺ، موطن عظم من مواطن الدعاء يدعو به الإنسان ويستكثر، يقول: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اصرف عنا عذاب جهنم"، إذا ما دعوتَ في هذا الموطن وفي السجود فمتى تدعو بهذه الأدعية؟! وإذا كنت تقرأ القرآن فتهذُّه هذًّا؛ فمتى تدعو بهذه الأدعية؟!
ما من شك أن هذه الأدعية ينبغي أن يستعملها الإنسان كما استعملها أنبياء الله -عَزَّ وَجَلَّ- وفي المواضع التي استعملها أنبياء الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وإذا أراد الإنسان أن يتوجَّه إلى وظيفة ما يدري هل فيها الخير أو الشر فيقول: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل"، إذا مسَّت الإنسان ضراء يقول: "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"، إذا وقع الإنسان في معصية يقول: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"، إذا نظر الإنسان إلى أهله وأولاده بين يديه يقول: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما"؛ هذه مواطن يستحسن للإنسان أن يستشعر الدعاء الملائم فيها فيدعو بها لله -عَزَّ وَجَلَّ.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إلَّا يَقُولُ فِيهَا: «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي». وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»)}.
هذا هو أصح ما ثبت عن النبي ﷺ في الذكر المشروع في السجود وفي الركوع، وهو من أعظم ما استدلَّ به الحنابلة -رَحِمَهُم اللهُ- على مذهبهم في وجوب التسبيح في الركوع والسجود، فإنهم استدلوا -كما سبق وذكرنا- بحديث عقبة بن عامر وفيه ضعف، واستدلوا بحديث عائشة -رضي الله عنها- فإنَّ هذا الحديث من آخر الأحاديث التي كان النبي ﷺ يقولها؛ لأنها كانت بعد نزول سورة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1]، وهذه السورة عند جماعة من العلماء إنما نزلت في السنة التاسعة أو التي بعدها، فقد كانت في آخر حياة النبي ﷺ، ولم ينزل بعدها شيء من الأحكام إلا شيئًا يسيرًا، كنحو: آيات تحريم الخمر، أو آيات الربا، ونحو ذلك، -تحريم الخمر نزل سابقا لكن آياته-، فلم ينزل على النبي ﷺ بعدها شيء من الأحكام يذكر، كل الأحكام كانت قد استقرت، ولهذا كانت الوفود تقدم إلى النبي ﷺ فيتعلَّمون الأحكام الشرعية كاملة، ونرى أن الوفود التي قدمت قبل ذلك كانوا يحملون الأحكام ناقصة الحج، يعلمهم النبي ﷺ أركان الإسلام فما نجد فيها الحج، فلما جاءت الوفود في السنة التاسعة كانت الشريعة قد استحكمت وتمت، ولهذا أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه ﷺ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً﴾ [المائدة: 3]، ولم يكمل دين من الأديان كما كمل دين محمد ﷺ.
فإذًا قول عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ إلَّا يَقُولُ فِيهَا: «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»)، فيه دلالة على أن هذا هو الآخر من فعل النبي ﷺ، وعلى أنه من السنن المؤكدة تأكيدًا شديدًا إن لم يقل بوجوبها، ألا يخلو الركوع والسجود من التسبيح لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]، فيقال: لا ينبغي أن يخلو ركنان من أركان الصلاة من ذكرٍ لله -عَزَّ وَجَلَّ-، كيف تخلي الركوع أو السجود من الذكر وتقول إن الصلاة تامة؟! فإذًا هذا مما ينبغي أن يُعلم.
وقد كان النبي ﷺ قد عَلِمَ مُراد ربه -عَزَّ وَجَلَّ- لَمَّا أنزل عليه ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ ، وقد سأل عمرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابً﴾ ما ترون فيها؟ قالوا: "أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- ﷺ إذا فتح الله عليه مكة أن يسبحه ويستغفره"، يعني: فسروها بالظاهر، وهذا تفسير صحيح، لكن قال ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إنما هو يا أمير المؤمنين أجل رسول الله ﷺ أعلمه إياه"، فقال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "والله أعلم منها إلا ما تعلم"، وقد علمها النبي ﷺ فكان يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»؛ لأنَّ الأصل بوجه عام في العبادة إذا خُتمت أن يُستغفر بعدها لِمَا وقع فيها من النقص، ولهذا إذا فرغ الإنسان من السلام في أجلِّ العبادات التي هي الصلاة، شرع النبي ﷺ أن يقول: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ»[6]، فكذلك أيضًا عمر الإنسان فهو كصلاته، ما دام أنك قد أمضيتَ عمرك فربما لم تكسب من عمرك إلا عُشره، تُسعه، رُبعه، نِصفه، وبقية عمرك ذهب هدر، تمامًا كصلاتك، كما أنك تصلي الصلاة فلا يكتب لك منها إلا نصفها إلا ربعها إلا عشرها، فكذلك العمر، قد تعمر الخمسين سنة والستين سنة والسبعين سنة فلا يكتب لك فيها من أعمال صالحة إذا حُسبت وجُمعت إلا عشر سنوات أو ثمان سنوات!
فإذا كان كذلك فتدارك ما وقع فيها من الخطأ بكثرة الاستغفار لله -عَزَّ وَجَلَّ- كما كان النبي ﷺ، وليس من شرط الاستغفار لله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يكون عن ذنوب؛ لأنَّ النبي ﷺ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: 2]، لكن قد يقع أحيانًا نقصٌ عن الوصول للكمال في عبادة من العبادات، فيستدركها الإنسان أيضًا بالاستغفار لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فسبح بحمد ربك واستغفره أنه كان توابا.
وهكذا كل من رأى أنه قد اكتملت له حياته الدنيا واستقر ووصل إلى الذروة، عنده طموح يطمح له فوصل إليه، فإنَّ من شكرك لنعمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليك، أن تكثر من الاستغفار، استغفر الله -عَزَّ وَجَلَّ-، أكمل الإنسانُ وظيفته وتقاعدَ فهذه نعمة أنعم بها الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليك، ألم يقل الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15]، هذه منازل، كلما ترقَّى الإنسان في منزلة من المنازل ورأى أنه قد اكتمل عما قبلها من المنازل فعليه يبادر باستغفار الله -عَزَّ وَجَلَّ- من التقصير في شكر هذه النعمة التي أولاك الله -عَزَّ وَجَلَّ- إياها، فكذلك كان النبي ﷺ يصنع.
قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»). التسبيح بوجه عام: هو التنزيه، وقد سأل عنه عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عليًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ما معنى "سبحان"؟ قال: نعرف "الحمد لله" لكن ما معنى "سبحان الله"؟
قال: هو لفظ ارتضاه الله -عَزَّ وَجَلَّ- لنفسه وأحبه وارتضاه لملائكته عليهم الصلاة والسلام، أو لم يقل الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: 20]، إذًا التسبيح بوجه عام: هو التنزيه، لما يقال: "سبح فلان" يعني نزهه، فإذًا حينما يقال: "سبحان الله" أي: تنزيها لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وهو من الألفاظ التي لا تقال لغير الله، ما تقال لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- وإنما يقال "سبحان الله"، ما يقال "سبحان غير الله عَزَّ وَجَلَّ" البتة، فهي من الألفاظ التي اختص الله -عَزَّ وَجَلَّ- بها، ولهذا قال علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "هو لفظ اختاره الله -عَزَّ وَجَلَّ- وارتضاه لنفسه"، يعني: لفظ "التسبيح" بخلاف "الحمد" فيجوز للإنسان أن يحمد غيره، ويجوز أن يُني على غيره، ونحو ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بَابُ الْوِتْرِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: «مَثْنَى، مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً. فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى». وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرً»)}.
قول المصنف -رَحِمَهُ اللهُ: (بَابُ الْوِتْرِ). الوتر بوجه عام: ضد الشفع، فالواحد والثلاثة ونحوها تُسمَّى وترًا.
وهو في الشرع: إنما يُراد به الصلاة التي تقع بعد صلاة العشاء وتُختَمُ بالوتر -يعني تُختَم بما يُقابل الشفع- فإذا صليتَ بعدَ صلاة العشاء صلاة شفعٍ فإنها لا تُعدُّ لك وترًا ولا تسمى وترًا حتى توترها بواحدة، ولهذا قال النبي ﷺ كما في حديث ابن عمر: «مَثْنَى، مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً. فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى»، فلا يُقال: إن الوتر هو الصلاة بالليل، بل يُقال: هو الصلاة بالليل إذا كانت وترًا.
والأصل في الوتر بوجه عام أنَّ وقته يبدأ بعد انقضاء صلاة العشاء، حتى لو كانت مجموعةً مُقدمة، يعني: لو أنَّ الإنسان صلى المغرب والعشاء جمع تقديم، فمن حين ما يفرغ من صلاة العشاء يبتدأ في حقه الوتر، يجوز له أن يفرغ من صلاة العشاء فيصلي بعدها وترًا، وقد كان بعض الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- في أسفاره ربما جمع بين المغرب والعشاء ثم قام فصلى ركعة واحدة يوترها، فهذا مما يدل على أنَّ وقت الوتر يبدأ بعد صلاة العشاء.
وقد جاء فيه حديث خارجة من حذافة: «إنَّ الله أمدّكُم بصلاةٍ هي خيرٌ لكُم من حُمُرِ النعَمِ الوِترُ جعلهُ الله لكم فيما بينَ صلاةِ العشاءِ إلى أن يطلعَ الفجرُ»[7]، وهذا حديث وإن كان في إسناده نظر إلا أن معناه متقرر عند العلماء -رحمهم الله- مما لا ينازع فيه عند جماهير العلماء -رحمهم الله.
أصل هذا الباب هو حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ؟»)، يعني: كيف صلاة الليل؟ فقال ﷺ: «مَثْنَى، مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً. فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى». وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرً»، دلَّ ذلك على معانٍ منها:
- أنه يشرع في صلاة الليل بوجه عام أن تكون ركعتان ثم تسليمة، وبناء عليه فسرد الصلاة بسبعٍ أو بتسعٍ خلاف العمل المستقر من النبي ﷺ، نعم يجوز وهو سنة أحيانًا، لكن ليست السنة المطردة، فقد جاء في حديث هشام بن عامر الذي يرويه عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وقد جاء أيضًا في حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أنه ﷺ كان «يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخره»[8]، وفي حديث هشام بن عامر: «كان النبي ﷺ يوتر بخمس وبسبع ولا يفصل بينهن بسلام ولا كلام»[9]، لكن هذه قد كان النبي ﷺ يفعلها أحيانًا، فأما فعله الغالب الذي نقله الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- فإنما كان يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين ثم يسلم، وقد نقلته عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- في أحاديث كثيرة، وابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وزيد بن خالد الجهني؛ كلهم نقلوا أن النبي ﷺ كان يصلي ركعتين ثم يسلم، هذا واحد.
الأمر الثاني: أن هذا مما يدل أيضًا على جواز مجاوزة الإحدى عشر؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: «مَثْنَى، مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً»، ولم يقل: "مثنى مثنى حتى يبلغ ثمانية، أو حتى يبلغ عشرا"، وإنما أطلق ذلك، وما قيَّد النبي ﷺ صلاة الليل بأنها إحدى عشرة البتة، وإنما جاء تقييدها من وصف الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، وصفوا صلاة النبي ﷺ أنه كان يصليها إحدى عشرة، وفي بعضها أنه كان يصليها ثلاثة عشرة، لكن هذه والظاهر والله أعلم أنها مع الركعتين الخفيفتين التي كان النبي ﷺ يبدأ بهما قبل الصلاة كما في حديث سعيد بن خالد الجهني وكما في حديث ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فيدلُّ ذلك بوجه عام على أنه يجوز للإنسان أن يجاوز الإحدى عشرة، يصلي ثلاثة عشرة أو خمسة عشر أو سبعة عشر؛ لكن ما هي السنة المطردة والغالبة من النبي ﷺ؟ نقول: هي الإحدى عشر، عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- هي أعلم الناس بوتر النبي ﷺ، كل الصحابة عيالٌ على عائشة في الوتر، ولهذا لما سأل سعد هشام بن عامر ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن وتر النبي ﷺ، قال له ابن عباس: "ألا أدلك على علم أهل الأرض بوتر النبي ﷺ؟ قال: بلى، قال: عائشة"؛ لأنَّ النبي ﷺ كان يصلي في بيتها، كل أربع ليالي أو خمس ليالي يصلي النبي ﷺ، نساء النبي ﷺ تسع، كان يقسم لثمان منهن، والتاسعة سودا قد نزلت بليلتها لعائشة، فكان النبي ﷺ يقسم لعائشة في كل اربع ليالي أو خمس ليالي ليلة، فكانت أعلم الناس بوتر النبي ﷺ مع ما كانت عليه -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- من سعة فقهها وحِدَّة ذهنها ومتابعتها لأفعال النبي ﷺ، تقول: «ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِه، على إحدَى عشرةَ ركعةً»، وهذا الظاهر -والله أعلم- منها أنها هي سنته ﷺ الغالبة، وإلا فقد ثبت أنه زاد لما صلَّى الركعتين الخفيفتين التي يفتح بهما صلاة الليل فهذه تضاف مع الإحدى عشر فتكون ثلاثة عشر.
تقول -رضي الله عنها: «ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِه، على إحدَى عشرةَ ركعةً، يُصلِّي أربعًا، فلا تسألُ عن حُسنِهنَّ وطولِهنَّ»[10]، حديث ابن عمر مقيد بحديث عائشة، بعض العلماء فهم من قولها «يصلِّي أربع» أنه يجوز جمع الأربع بسلامٍ واحدٍ، وهذا قول فيه وجاهة، لكن قد يقابله حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا قال: «مَثْنَى مَثْنَى»، والظاهر أنه كان يصلي ثنتين ثم يسلم ثم يصلي ثنتين ثم يسلم، ثم يستريح استراحة، فجعلتها عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أربعًا، ثم قالت: «ثم يُصلِّي أربعًا فلا تَسأَلْ عن حُسْنِهِنَّ، وطُولِهِنَّ، ثم يُصلِّي ثلاثً».
من الفوائد في هذا الحديث: مشروعية صلاة الليل -كما ذكرنا- مثنى مثنى، وأنها غير مقيدة على الصحيح من أقوال أهل العلم بعدد، لكن الأحسن في سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يجاوز الإنسان إحدى عشرة ركعة، وأنَّ الإنسان يجوز له أحيانًا أن يصليها جمعًا، يسردها فيصليها مثلا تسع ركعات بسلام واحد، أو يصليها سبع ركعات بسلام واحد، أو يصلي الخمسة الأخيرة بسلام واحد؛ هذه كلها قد جاءت بها السنة عن النبي ﷺ.
قال: «فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً. فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى»، هذا هو الختام وهو دلالة على أنه يُشرع أن يُؤخر الوتر حتى لا يعقبه صلاة، ومِن ثَمَّ فإذا صلَّى الإنسان الوتر ثم نام، وهو يظن أن هذا سيكون آخر عهده بالصلاة، ثم قام من الليل فأراد أن يصلي ما كتب الله -عَزَّ وَجَلَّ- له، هل يُمنع من الصلاة؟ نقول: لا، ما يمنع من الصلاة، بل يقال له: يحسن لك ويسن لك الصلاة، لكن كيف يصنع؟ نقول: الصحيح في مثل هذا أنه يصلي مثنى مثنى؛ لأنَّه قد أوتر سابقًا، ولا وتران في ليلة كما جاء في حديث النبي ﷺ فيما رواه طلق بن علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وأمَّا نقض الوتر وهو أن يقوم فإذا أراد أن يصلي صلَّى ركعة واحدة حتى يهدم بها الوتر السابق فتصبح ركعتين، ثم يكمل، ثم إذا فرغ أوتر؛ نقول: نقض الوتر هذا لم يثبت عن النبي ﷺ، وإن كان قد جاء عن بعض الصحابة إلا أنَّ بعضهم قد أنكره أيضًا، فقد كان ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقول: "ما أدري ما نقض الوتر!" وإنما مُراده بقوله هذا: كيف يُنقَض الوتر؟! صلاة مضت وحُسبت وكتبتها الملائكة وسلَّمت منها، كيف تجمعها إلى صلاة أخرى؟! هذا ما يأتي، بل إن حال من صنع ذلك حال مَن أوتر في ليلة ثلاث مرات!
فإذًا نقول: لا يُشرع نقض الوتر، بل يشرع للإنسان إذا استيقظ من آخر الليل أن يصلي مثنى مثنى حتى يطوى عليه الفجر ما دام أنه قد أوتر أولًا، لأنه لا وتران في ليلة.
قال: «وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرً»، فيه دلالة على مشروعية تأخير الوتر وأن حد تأخير الوتر إلى طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد انتهى الوتر.
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ»)}.
هذا الحديث بحمد الله من الأحاديث التي تبين أن بوجه عام ليس من شرطه أن يكون في آخر الليل، بل قيام الليل عند العلماء -رحمهم الله- يشمل كل صلاة تقع بعد صلاة العشاء، فإذا قام الإنسان فصلَّى ثم نام كان قائمًا لليل، وقد كان هذا هو هدي الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فإنه كان يوتر قبل أن ينام، وقال عنه النبي ﷺ: «أخذ هذا بالحزمِ»، وقال لعمرَ: «أخذ هذا بالقوَّةِ»[11].
وفي وصية النبي ﷺ لأبي هريرة: «وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ»[12]، فكان هذا هو وصية النبي ﷺ لأبي هريرة، فمن فعل ذلك كان قائمًا لليل؛ لأنَّ قيام الليل يقع بأدنى قدر من الصلاة التي تقع بعد صلاة العشاء، فهذا يسمى قيام ليل، بل إنَّ بعض العلماء -رحمهم الله- قد قال بأكثر من ذلك، كما جاء عن أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: 16]، أنها نزلت في الصلاة بين المغرب والعشاء؛ لأنَّه كله من ضمن الليل، فكانوا يرون أن الصلاة ها هنا أيضًا من ضمن صلاة الليل.
ويقال: لمن يعلم من نفسه أنه ما هناك شدة منه ولا قوة في أن يصلي بعد صلاة العشاء، يقال له: إذا ضعُفت عن ذلك فلا أقل من أن تصلي ما كتب الله لك بين المغرب والعشاء، هذه فترة أحيانًا نشاط، صلِّ ركعتين وأربعًا وستًّا كما كان النبي ﷺ يفعل وكما كان الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يفعلون، أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قد نقله عنه الحسن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وعن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، فإذا عجزتَ عن ذلك فصلِّ بعد صلاة العشاء ما تيسر لك قبل أن تنام فهذا يُعد من قيام الليل.
قالت عائشة: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ. وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ»، يعني: آخر ما كان النبي ﷺ يوتر السحر، وما كان يجاوز السحر؛ لأنه ﷺ قد ثبت عنه أنه كان ينام نومة خفيفة، ألم تقل عائشة: «مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِندِي إلَّا نَائِمً»[13].
{أحسن الله إليكم.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهَ»)}.
هذه من صفات أيضًا الوتر التي نقلها الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، فقد نقلت عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عن النبي ﷺ أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، قال بعض العلماء -رحمهم الله: أن هذه -والله أعلم- فيها الركعتان الخفيفتان التي كان النبي ﷺ يصليهما قبل بدء صلاة الليل، وكان النبي ﷺ إنما يصليهما حتى تنشرح نفسه للصلاة، وحتى يقبل على الصلاة الطويلة منشرحَ النفس -عليه الصلاة والسلام- أو لم يقل النبي ﷺ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ»[14]، متى تنحل هذه العقدة بتمامها؟
إذا فرغ من الصلاة، فكان النبي ﷺ يصلي هذه الصلاة يشرع بعدها ﷺ للصلاة الطويلة، فكان ﷺ يصلي صلاة طويلة كان من ضمنها أنه ﷺ ربما جمع آخر الخمسِ فصلَّاها بسلام واحد.
وهذا الحديث بوجه عام مما أخطأ الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- في إخراجه فإنه إنما هو من أفراد صحيح مسلم وليس مما أخرجه الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-، وقد جاء في حديث سعد بن هشام بن عامر الذي ذكرناه قبل قليل: «أنَّ النَّبي ﷺ كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمً»[15]، ولكنه يجلس في الثامنة فيتشهد ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يسلم، وكان يصلي سبع ركعات بسلامٍ واحدٍ وتشهد واحد؛ فهذه كلها من الصيغ أو الصور التي كان النبي ﷺ يصليها، وقد ذكر الإمام ابن حزم -رَحِمَهُ اللهُ- أكثر من سبعة عشر صورة من صور وتر النبي ﷺ.
ونكتفي بهذا القدر.
{أحسن الله إليكم.
أحسن الله وشكر الله لكم، والشكر موصول لكم أيُّها الإخوة المشاهدون الكرام، نلقاكم بإذن الله -عَزَّ وَجَلَّ- في حلقة أخرى من هذا البرنامج.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------------------
[1] صحيح البخاري (2704).
[2] رواه أحمد (17072)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (672).
[3] سنن أبي داود (2980).
[4] صحيح البخاري (3370).
[5] صحيح البخاري (402).
[6] صحيح مسلم (591).
[7] صحيح الترمذي (452).
[8] صحيح مسلم (737).
[9] رواه أحمد (6: 290) النسائي (1714)، وصححه الألباني في صحيح النسائي.
[10] صحيح الترمذي (439).
[11] صحيح أبي داود (1434).
[12] صحيح البخاري (1981).
[13] أخرجه البخاري (1133)، ومسلم (742).
[14] صحيح البخاري (1142).
[15] صحيح مسلم (746).