{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حيَّاكم الله أيُّها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم برنامج (جادة المتعلم)، والكتاب المقروء فيه هو كتاب (عمدة الأحكام) للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله.
يصحبنا فيه فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبد الكريم السلوم، باسمي وباسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حيَّاكم الله فضيلة الشيخ}.
حيَّاكُم الله، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات.
{كنا قد وقفنا أحسن الله إليكم عند حديث أم قيس رضي الله عنها، فهل أستكمل القراءة يا شيخ؟}
تفضل.
{الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى:
(عَنْ أُم قَيْسِ بِنْتَ مِحْصَنِ اْلأسـديَـة أنها أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ، إلى رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم فأجلَسَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِـمَاء فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ)}.
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد، فقد بوَّب المصنف عبد الغني المقدسي رحمه الله في هذا الباب (باب في المذي وغيره)، وذكر فيه جملة من الأحاديث المرتبطة بالأحداث، فذكر ما يتعلق منها بخروج الريح، وما يتعلق منها بالمذي، ثم ذكر فيها ها هنا حدثًا خفيفًا وهو حديث أم قيسٍ رضي الله عنها في قصة بول الغلام، وإنما ذكره المصنف رحمه الله ليشير إلى أنَّ الأحداث ليست على منزلة واحدة، بل الأحداث مختلفة فيما يتعلق بطرق الطهارة فيها بوجه عام، فإن أَشَدَّ النجاسات بوجه عام هي نجاسة الكلب، وقد جاء فيه التغليظ لَمَّا أَمَرَ النبي عليه الصلاة والسلام بغسله سبعًا إحداهُنَّ بالتراب.
ثُمَّ بَيَّنَ المصنف رحمه الله بعد ذلك بعضًا من النجاسات اليسيرة، مثل: نجاسة المذي، ومثل: نجاسة بول الصبي، فذكر فيه حديث أم قيسٍ رضي الله عنها، وهو أصل في هذا الباب، أعني: أصل في باب التخفيف في بول الصبي، والصبي ها هنا يُراد به الصبي الذي لم يأكل الطعام؛ لأنه قد جاء النصُّ عليه من قبل أم قيسٍ رضي الله عنها، (أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ)، وهذا قيد ينبغي أنَّ يُلحظ في الحكم الشرعي، فيقال: إنَّ هذا الصبي لا زال صبيًا رضيعًا لم يطعم، وأم قيسٍ رضي الله عنها كانت من فقيهات الصحابة، وقد تفردت برواية جملة من الأحكام لم يروها أحدٌ من الصحابة غيرها، فإنها هي من روت صفة غسل الميت، وروتها رواية حسنة، وهي من روت أحاديث الإحداد على المرأة، وروتها رواية لم يرويها غيرها، وقد روت أيضًا هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا الحديث قد شاركها فيه غيره، فإن الإمام رحمه الله قد روى أيضا حديث عائشة، قال: (عَنْ عائشـةَ أًم المؤمنـين: أنَّ رَسُـولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصبيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِـمَاء فَأتْبَعَهُ إِيَّاه.
ولمسلم: فَأتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ).
فإذًا أراد المصنف رحمه الله من إيراد هذا الحديث الاستدلال به على أنَّ بولَ الصَّبيَّ مما يخفف فيه، وأنَّ طهارته إنما تكون بالنطح، والنَّطح الأصل فيه الرش، ترشه حتى تغمره بالماء، فإذا كان ذلك دلَّ على أنَّ بول غير الصبي ليس كذلك، وأنه لا يُكتفى فيه بمجرد النضح، وإنَّما يُؤمر فيه بالغسل غسلا، بمعنى: أنَّ يُغمر بالماء وأن يُفرك حتى تزول عنه عين النجاسة، هذا هو الأصل في بول الصبي وبول غير الصبي، سواء كان غير الصبي جارية؛ لأنَّ الصبي إنَّما يُراد به الصبي الذكر؛ ولهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي السمح، وفي حديث أم سلمة، وفي حديث أم الفضل لبابة رضي الله عنها، وفي غير ما حديث من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: «يُغْسَلُ مِنْ بَولِ الْجَارِيَةِ وَيُنْضَحُ مِنْ بَولِ الْغُلَامِ»، فدلَّ على أنَّ الجارية حتى لو كانت رضيعة فإن البول يُغسل منها غسلاً.
وأمَّا الصبي فلا، إنَّما يُنضح نضحًا، هذا حكم شرعي مُتعلقٌ ببول الصبي.
فإن قيل: ما الحكمة؟ أو ما الفرق الذي فَرَّقَ فيه بين الصبي وبين الجارية؟
قيل والله أعلم: لحاجة الصبيان إلى الحمل، فإنَّ الصبي يكثر حمله، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما يحمل الحسن والحسين رضي الله عنهما، فيكثر حمل الصبي فيحصل بحمله مشقة، المشقة من جهة أنه يُحدث كثيرًا، ويتبول كثيرًا، فيشق غسله كل مرة، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بنضحه.
ومن لطائف ما يُذكر ها هنا: أنَّ لبابة أم الفضل رضي الله عنها، وهي زوج العباس رضي الله عنه وأرضاه، عمُّ النبي عليه الصلاة والسلام، كانت قد رأت أنَّ عضوًا من النبي عليه الصلاة والسلام قد وقع في حجرها، فارتاعت وفزعت، وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: خيرًا، تحمل فاطمة وتلد غلامًا وترضعينه، فأرضعته مع أحد أبنائها، يقال: إنه هو كُثامة بن العباس،
أرضعت من؟ أرضعت الحسين رضي الله عنه، فجاءت به يومًا وهي مرضعة له، يعني: أمه من الرضاعة جاءت به يومًا حتى وضعته في حجر النبي عليه الصلاة والسلام، فبال على ثوب النبي عليه الصلاة والسلام، فقامت إليه وجذبته بثوبه، أي: جذبت الغلام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: دعيه أوجعت ابني، فقالت: يا رسول الله أعطني ثوبك أغسله، فقال عليه الصلاة والسلام: لا، إنما يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام.
وأمُّ غيث رضي الله عنها قد جاء في بعض الروايات أنها أتت بابن لها صغير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه، والتحنيك هو أنَّ تمضغ التمرة ثم توضع في فم الصبي، فيكون أول ما يُطعم السُّكر أو التمر، ولهذا لَمَّا ولدت أم سليم رضي الله عنها عبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنه، قالت لأنس رضي الله عنه: يا أنس احفظ هذا الغلام حتى تأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح، فظلَّ الصبي يتضور جوعًا وهو حديث الولادة، ومع ذلك فقد منعته من الرضاعة حتى يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيحنكه، فلمَّا صلَّى النبي عليه الصلاة والسلام صلاة الفجر أتى به أنس رضي الله عنه، وفي بعض الروايات أنه قال: أتيت به وهو يهنأ إبلاً له من إبل الصدقة عليه الصلاة والسلام، يهنؤها يعني: يزيل ما بها من القُرى، قال: فحنكه عليه الصلاة والسلام بتمرة، فأقبل الصبي يتلمظها، ويتلمظها يعني: يبتلعها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «انظروا حُبُّ الأنصارِ التمرُ».
فإذًا أتت به النبي عليه الصلاة والسلام ليحنكه فبال في حجره.
ومما يقع خطأ من بعض الناس وينبغي التنبيه عليه ها هنا، أنَّ بعض الناس إذا وُلِدَ له صبيٌّ فأحبَّ أنَّ يُحنكه ذهب به إلى الجد، وقد كان هذا قديمًا في أهل نجد قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة كانوا يصنعونه، فإذا ولد الصبي أو المولود قالوا: نأتي به إلى الجد الصالح فيحنكه، فيحنكه ويُسميه ويؤذن في أذنه.
نقول: هذا الفعل، أعني التحنيك أو تلمس التحنيك عند غير رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا ينبغي؛ لأنه نوع من طلب البركة من غير النبي عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أنَّ هذا لا ينبغي ولا يجوز.
نعم التحنيك مسنون، لكن ليس من شرط ذلك أنَّ يُحنك عند صالح، وإنما يحنكه أبوه أو أمه أو وليه.
قال المؤلف: {(عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللَه عَنْهُ قال: جَاءَ أعْرَابيّ فَبَاَلَ في طَائِفَةِ المسْجدِ فَزَجَرَهُ الناس، فَنَهَاهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلَما قَضَى بَولَه، أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فأهْرِيقَ عَلَيْهِ)}.
هذا الحديث يعد من عيون أحاديث إزالة النجاسات، وهو أصل قد أجمع على روايته أصحاب السنن والمسانيد والصحاح، أعني حديث أنس رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي جاء فبال في طائفة المسجد، وهو يخرج أحيانًا في باب الأخلاق والآداب من جهة حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، فهو مما يذكر في شمائله عليه الصلاة والسلام، ويخرج عند الفقهاء بوجه عام في أبواب الطهارة، من جهة أنه يتكلم عن حكم نجاسة الإنسان الذي هو بوله أو غائطه.
والمصنف رحمه الله كان قد أسدل قبل قليل الكلام على بول الصبي، والكلام على المذي، والكلام على نجاسة الكلب في السابق، فقد جاء إلى أم النجاسات وهو البول والغائط من الإنسان العادي، هذا هو أصل النجاسات، فبين المصنف رحمه الله بِذِكْرِ هذا الحديث أنَّ أعرابيًا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد أبهمه ها هنا من دون أنَّ يُسميه، والأصل ألا يبحث عن المبهم، فإنه إنما أُبهم لغرض الستر عليه، فلمَ يُبحث عن رجل ستر الله عز وجل عليه، ولهذا من الأخطاء التي يقع فيها بعض الشراح، وهم من الشراح المتأخرين، أعني من بعد القرون الثلاثة المفضلة، أنهم يأتون فيبحثون، فيقولون: قال قائل: إنه فلان ابن فلان، وقال قائل: إنه فلان ابن فلان، نقول: إذا كان هذا قد أُبهم وبين يديكم الكتب التسعة بتمامها لا يكاد يُذكر فيها بحرف واحد، ولا يكاد يُسمى فيها بحرف واحد، فإنَّ الصحابة رضي الله عنهم إنما أبهموه؛ لأنَّ هذا هو هَدي النبي عليه الصلاة والسلام في الستر، فقد كان هديه عليه الصلاة والسلام ستر الناس، ثم إنَّه لا يتعلق بالإفصاح عنه، ولا عن اسمه بعينه حكم شرعي، الحكم الشرعي ليس مُرتبطًا بعينه، وليس مُرتبطًا حتى بوصفه، يعني إذا قال: جاء أعربي -سواء حضري أو أعرابي- ما يفرق شيء في الحكم، لكنهم لَمَّا يقولون: جاء أعرابي يريدون أنَّ يُبينوا أنَّ هذا الأمر لم يكن مُستنكرا منهم، من جهة أنه قد كان فيه نوع من الجفاء، وقد يكون جاهلاً بالحكم الشرعي، فما يعرف الحكم الشرعي في النهي عن البول في المسجد، وظن أنَّ المسجد شأنه شأن غيره من الأماكن التي يبول فيها أو يتغوط فيها.
ومما يحسن ها هنا أنَّ يُبهم في الحديث ما أبهمه الراوي من الصحابة رضي الله عنهم، وألا يُتقصى عنهم، قال: (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم)، وإنما نهاهم لَمَّا زجره الناس وهموا بأن يقعوا فيه، وإنما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأنَّ في ذلك دفعًا لهذه المفسدة بما هو أعظم منها، فإنه إذا كان قد نجس طائفة يسيرة من المسجد، فإنَّ طرده وملاحقته في المسجد ربما تفضي إليه يتنجس المسجد بتمامه، وربما أفضت إلى أنَّ ينفر عن دين الله عز وجل، وهذا من المعاني الحسنة، ألَّا يُقدِم الإنسان على فعل ولو كان هذا الفعل من الأفعال الحسنة إذا كان يقود إلى مفسدة أعظم منه.
إذًا هذا من الأصول العامة في مسائل كثيرة من أهمها: ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فإنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قد رضي بهذه المفسدة، وسكت عنها مُقابل دفع مفسدة أعظم منها، من تنفير هذا ونفرته عن دين الله عز وجل، وما يترتب على ذلك أيضًا من تنجس المسجد بتمامه.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «دَعُوهُ»، وفي بعض الروايات: «لَا تُزْرِمُوهُ»، ولا تزرموه يعني: لا تتكلموا عليه ولا تزرموه وترفعوا الصوت عليه، «فلمَّا قضى بوله أَمَرَ النبي عليه الصلاة والسلام بذنوب من ماء فأهريق عليه»، الذنوب هو الدلو من الماء، ولم يُبين في هذا الحديث قدره، وإنما قال: (بذنوب)، والأصل في الذنوب بوجه عام أنه دون القلتين، فاذا كان كذلك فكل ماء أزال النجاسة فإنه يقع به الإجزاء، وقد أَمَرَ النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنَّ يُراق عليه، (فأهريق عليه) يعني: أنَّ يُسكب على موضع البول، يغمر موضع البول بالماء حتى تذهب عين النجاسة، فمتى ما ذهبت عين النجاسة طهر المكان، ولا يلزم منه الحفر خلافًا لمن قال بوجوبه، كما هو قول الحنفية، فإنَّ الحنفية يقولون: لا؛ لأنهم رووا في بعض الروايات عن عبد الله بن معقل أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أمر به فحفر، والحفر لا يصح ولا يثبت، وهذا من المعاني التي قررناها سابقًا، وهي أنَّ الزيادة في الحديث إذا كان الحديث مُقررا في الصحيحين فإنه ينبغي أنَّ يمعن في النظر فيها؛ لأنها لو كانت زيادة صحيحة لَمَا تخلف عن ذكرها الشيخان، فلمَّا أهملوها دلَّ على أنها غير ثابتة، ولهذا الحديث جاء من حديث أنس رضي الله عنه، وجاء من حديث أبي هريرة، وجاء من حديث غير ما واحد من الصحابة، ليس في رواية أحد منهم أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر بالحفر له.
فإذًا نجاسة البول الأصل فيها أنَّ تُغمر بالماء، فإذا زالت عين النجاسة زالت النجاسة وطهر المكان، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بدلو من ماء فأهريق عليه، يعني: صُبَّ عليه، وهذا هو الأصل في طهارة الأنجاس أنها غسلة واحدة تُذهب بعين النجاسة.
الأصل في النجاسة بوجه عام أنها إنما تعرف بأحد ثلاثة أوصاف:
إمَّا بلونها، يعني: يكون اللون باقٍ، أو طعمها لو أنَّ إنسانًا ذاق الماء لوجد الطعم، أو بريحها، والوصف الرابع هو وصف معروف وهو وصف المشاهدة، أنه يشاهدها، فهذا أمر آخر لكنه ممكن يدخل مع اللون.
فيقال إذًا: هذه الأوصاف الثلاثة، متى ما عدمت وزالت من النجاسة دَلَّ على أنَّ المكان قد طهر. ولا يلزم أكثر من ذلك.
فاذًا الأصل في تطهير السجاد وغيره أنَّ يُسكب عليه الماء، فإذا سُكِبَ عليه الماء وذهبت عين النجاسة فقد طهر هذا السجاد، هل يدلك؟
نقول: نعم إذا كان نوع من السجاد أو نحوه فإنَّ الأصل فيه أنَّ يُدلك؛ لأنَّ الأعمَّ الأغلب أنَّ النجاسة لا تزول إلا بالدلك، وأمَّا الأرض فإنَّ الأصل في النجاسة إذا كانت بول أنَّ تزول بماذا؟ أنَّ تزول بمجرد إراقة الماء؛ لأنَّ الأرض تنشفها بخلاف السجاد.
وبناء عليه فإنه يُفهم من هذا معنى جليل لا يقل أهمية عن المعنى الذي قررناه قبل قليل، وهو أنَّ يُقال: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد اكتفى في غسل هذه النجاسة التي هي البول بسكب الماء حتى يذهب عين النجاسة، فالمؤدى الذي نفهمه نحن من فعل النبي عليه الصلاة أنَّ النَّجاسة كيف ما زالت طهر المكان، سواء كانت بالشمس أو بالريح أو بالجفاف أو بالمسح، فإنها تطهر، وبناء عليه يقول الجمهور بوجه عام: المالكية والشافعية والحنابلة: لا، الأصل في النجاسات أنها لا تزول إلا بالماء، فإن أزيلت بغير الماء فلا تطهر، وبناء عليه ما يُسمى بالغسيل الجاف عندهم للملابس إذا كانت مُتنجسة لا يجزئ، قالوا: لأنَّ الغسيل بالجاف ليس غسيلا بالماء، وإنما هو غسيل بنوع من بخار الماء.
والغسيل بالمنظفات من دون الماء، مثل بعض المنظفات الكيميائية وغيرها ما يزيل النجاسة عندهم، لكن قول النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا: يدل على أنه كيف ما زالت النجاسة فإنها تكون مجزئة، وهذا هو القول الصحيح.
الحنفية رحمهم الله وهذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي عليه أغلب المتأخرين الآن، فأغلب المتأخرين على هذا القول، وهو أنَّ النَّجاسة إذا زال عينها، فإنَّ المكان يكون قد طهر، وفي هذا من التوسعة ما لا يخفى، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام من أصابه قذر في نعله أنَّ ينظر فإن رأى فيه قذرًا فليمسحه.
أمر النبي عليه الصلاة والسلام بمسحه بماذا؟
بالتراب، ويقال لهم: أعظم النجاسات الذي هو الغائط قد أجمعتم على أنه يزول بماذا؟ بالاستجمار، والاستجمار ليس من الماء، وإنما هو استعمال الجمار، والجمار هي الحجارة، فدلَّ ذلك والله أعلم على ما قررناه في هذه المسألة، وهذا المعنى -كما سبق- هو المعنى الذي تدل عليه النصوص، وهو الذي يدل عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: كانت الكلاب تُقبل وتدبر وتبول في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك، ومن المعلوم أنَّ بول الكلاب في المسجد نجاسة، ولكن ما كانوا يرشون ذلك لماذا؟ لأنها تطهر بالجفاف، تأتيها الشمس تغيرها، فلا يُصبح للنجاسة أثر، وهذا هو المعنى -إن شاء الله عز وجل- الصحيح من هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{قال رحمه الله تعالى: (عَن أبيِ هُرَيرة رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الفطرة خمس: الْخِتَانُ، والاستِحْدَادُ، وَقَصُ الشَّارب، وَتَقلِيمُ الأظَافِرِ، وَنَتْف الإبْطِ»)}.
هذا الحديث وهو الحديث خصال الفطرة الذي أخرجه المصنف عن أبي هريرة رضي الله عنه، هذا الحديث هو أصَحُّ ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في بيان خصال الفطرة، والفطرة بوجه عام هي الخلقة التي خلق الله عز وجل عليها الناس، كما قال الله عز وجل: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَ﴾، والأصل بوجه أنَّ الله عز وجل قد فطر الخلق على مكارم الأخلاق، وعلى كمالات الأمور، حتى اجتالتهم الشياطين كما جاء في حديث عياض بن حمار عند الإمام مسلم، «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِيَ حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُم الشَّيَاطِينُ»، ولهذا لَمَّا تأذن إبليس ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ فإبليس مولع بالانحراف عن الفطرة بكل وجه من الوجوه، والفطرة بوجه عام قد تفسد بفساد الزمن، وتغير العادات والأعراف، فيصبح المعروف مُنكرًا والمنكر معروفًا، وهذا أمر مُتقرر، لكن لو خُلِّيَ بين الإنسان وبينها، بمعنى: أنه لا يتعرض لِمَا يُسمى عندهم بالعوامل الخارجية لكان عليها كما يكون على التوجه لله عز وجل، فهي معان مُستقرة في النفس كما أنَّ توحيد الله عز وجل مستقر في النفوس، ومع ذلك فإنه قد يتغير من نفوس كثير من الناس.
«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِه أَو يُنَصِّرَانِه أَو يُمَجِّسَانِهِ» ما معناها؟
معنى هذا: أنَّ المولود لو خلي بينه وبين دينه لَمَا توجه إلَّا لله، ما يعرف شرائع الإسلام، ولا يستطيع أن يعرف الصلاة ولا الطهارة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ما كان يعرفها قبل الإسلام، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ﴾ بمعنى: الشعائر، لكنه كان عليه الصلاة والسلام على الفطرة، بمعنى أنه كان موحداً بذاته، عابدًا لله عز وجل، مُتوجهًا إلى الله عز وجل، وهذا يا إخوان ويا أخوات مما يُبصرنا بعظيم نعمة الله عز وجل علينا؛ فالإنسان قد يعرف الله عز وجل لكنه لا يعرف كيف يصل إلى الله، وأعظم شيء أنَّ تحب حبيبًا وتفنى في حبه، وتعلم أنه هو الذي قد أولاك بكل خير، ودفع عنك كل شر، ومع ذلك تعجز عن أن تتقرب إليه، وأعظم حبيب هو رب العزة والجلال، هو الذي مَنَّ علينا بكل النِّعم، ودفع عنَّا كل النِّقَم، فلما يولد الإنسان حنيفًا فإنه قد وُلِدَ على الفطرة، وعلى محبة الله وعلى عبادته، فيبقى فيه الصراع المرير، كيف أتعبد لله عز وجل؟
ولهذا إذا تأملنا نجد أنَّ الله عز وجل يكرر كثيرًا مِنَّتَه علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ ضلال مبين قد لا يكون هو الانحراف عن توحيد الله، قد يكون موحدًا لله عز وجل، ألم يقل الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ﴾، الضلال هو عدم معرفة عبادة الله، وعدم معرفة الطريق إلى الله، أنا أعرف أنَّ مكة هي هدفي وهي غايتي، لكن ما أعرف كيف الطريق إليها، أحب مكة وأقصدها بقلبي، لكن ما أستطيع أن أصل إليها، فلمَّا جاء النبي عليه الصلاة والسلام بما نتعبد به إلى الله وما نتقرب به إلى الله بالطريق الموصل والمعرف على الله عز وجل، وجاء عليه الصلاة والسلام ليحيي في قلوب العرب ما اندثر من الفطرة، فإنَّ من الفطرة توحيد الله، ومن الفطرة غسل الجنابة كما سيأتي بعد قليل، ومن الفطرة هذه الخصال التي ذكرها المصنف رحمه الله، (عَن أبيِ هُرَيرة رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الفطرة خمس»)، وأول هذه الصفات أو الخصال هي الختان، وقد ذكرها المصنف رحمه الله بوجه عام ها هنا؛ لأنَّ الختان متعلق بالطهارة، والختان بوجه عام معروف، لكنه محل خلاف بين العلماء، هل هو واجب على الذكر والانثى؟ أم أنَّه واجب على الذكر دون الأنثى؟
والصحيح من أقوال أهل العلم أنه إنما يجب على الذكر فحسب، وأنه ليس شرطًا لصحة الصلاة، وهذا معنى أيضًا يجب أن يُقرر.
فبناء عليه لو أنَّ إنسانًا أسلم فما ينبغي أن يُخَوَّفُ بالختان، ما ينبغي أن يخوف بهذا الأمر؛ لأنه يُقال: إنَّ صلاته صحيحة وأنه لو ترك الختان فترك الختان أهون من ترك دين الاسلام.
فبناء عليه، الإمام مالك رحمه الله كان قد يرى أنَّ الختان ليس بواجب حتى على الذكور، ويرى أنه سُنَّة، وقول الإمام مالك في هذه المسألة في نظري قول حسن، من جهة ماذا؟
من جهة أنَّ مالكًا رحمه الله كان مَدنيًا، وأهل المدينة إنما ينقلون من عمل الصحابة والتابعين، فلو كان الإمام مالك يعلم أنَّ الختان محقق ومحتم على الناس كلهم، وأنه عند الصحابة رضي الله عنهم أمرٌ مقطوع به، لَمَا قال بسنيته، فهذا الأمر مما يُنظر فيه إلى مذهب مالك، ولهذا سمَّاه النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا فطرة، فقال: «الفطرة خمس: الْخِتَانُ» وما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من الأمر به كما في حديث ابن جريج عن عثيم عن أبيه عن جده أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال في رجل أسلم: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» فهو حديث لا يصح ولا يثبت، ولم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام الأمر بالختان، لكن ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام الإشارة إلى أنه من سنن الفطرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «الفطرة خمس: الْخِتَانُ».
والختان بوجه عام عند العلماء القائلين بوجوبه، يقولون: إنما يجب إذا ناهز الصبي الاحتلام؛ لأنه حينها يُؤمر بالطهارة.
قالوا: وجود الختان فيه وهم يسمونه الأقلف، والأقلف يعني: غير المختتن، قالوا: وجود القلفة هذه مما يمنع من كمال الطهارة، لكنهم ما يقولون إنها تحول دون الطهارة، ولهذا قالوا: لو أنَّ النصراني أسلم يُؤمر مُباشرة بالصلاة ولا يُؤمر قبل ذلك بالختان، فصلاته صحيحة بالإجماع عند العلماء، لكنه يُسن أو يُشرع أو يجب بوجه عام عند من قال بوجوبه قبل الاحتلام، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه كما في صحيح البخاري رحمه الله: «وكانوا يختنون إذا ناهزو» يعني: إذا ناهز الاحتلام، فإن ابن عباس مَا خُتِنَ إلا وَقَد ناهز الاحتلام، لكن حيثما حصل الختان أجزأ.
قالوا: يسن أنَّ يكون الأمر مُقدم في الصبي، يختنونه في أيامه الأولى أو في أشهره الأولى، وإنما كانوا والله أعلم يؤخرون الختان حتى يُناهز أو يقارب الاحتلام؛ لأجل خطورته لهم؛ فإنه قد كان يتسبب في ذلك الزمان بوفيات، وربما حصل نزيف وما إلى ذلك في الصبي الصغير الذي لا يصبر على ألم الختان.
والآن بحمد الله مع وجود البنج ونحو ذلك، فيقال: الأولى المبادرة في الختان حتى يكون الصبي على كمال طهارة، وأمَّا الختان للنساء فغاية ما يقال فيه: إنَّه سُنة، وقد قال بوجوبه الإمام أحمد رحمه الله في بعض الروايات، لكن أصَحُّ ما يُقال فيه: إنه سُنَّة وليس مأمورًا به على سبيل الوجوب للنساء.
قال: «وَالاستِحْدَادُ» هذه هي الخصلة أو الفطرة الثانية، والاستحداد بوجه عام هو استعمال الحديدة التي هي الموس لإزالة شعر العانة، وإنما سمَّاه النبي عليه الصلاة والسلام استحدادًا وسمَّاه في الإبط نتفًا، قالوا: لأنه يُشرع ها هنا استعمال الحديدة التي هي الموس، ولا يشرع فيه النتف.
ونقول: السنة فعل ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، من جهة أنَّ النتف يشق على الإنسان، ومن جهة أمور كثيرة ربما أنه يؤثر. فلهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا بالاستحداد الذي هو حلق شعر العانة، والأمر ها هنا عند العلماء على الاستحباب، لكن من العلماء من قال: إنه محمول على الوجوب، قالوا: وإنما يوقت فيه أربعون يومًا، وقد جاء في حديث أبي عمران الجوني عن أنس رضي الله عنه والحديث أخرجه الإمام مسلم، قال: «وُقِّتَ لَنَا فِي نَتْفِ الإِبِطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَتَقْليم الأظفار أَلَّا نَتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ»، فذهب طائفة من العلماء إلى أنه يحرم أنَّ يُؤخر مثل هذا أربعون يومًا، وأنَّ من أخره أكثر من أربعين يومًا؛ فإنه يكون قد وقع في الإثم، وما من شك أنَّ إزالة هذا الشعر المستكره من الفطرة التي فطر الله عز وجل عليه الناس.
قال: «وَقَصُّ الشَّارِبُ» قال ها هنا: قصُّ الشاربُ ولم يقل: حلقه، وفرق بين القصِّ وبين الحلق، قصُّ الشارب بمعنى أخذه حتى تبين الشَّفه، بحيث لا ينزل على الشَّفه؛ لأنه متى ما نزل على الشفة قَذَرَ الطعام والشراب، وأصبح مستقذرًا أكله أو مستقذرًا مخالطته، وربما ظهر عند مصافحته أو معانقته نوع من الرائحة، فلهذا أمر الشرع بقصه.
والصحيح إنما هو قص الشاربين وليس حلقه، فأمَّا حلق الشارب فإنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر بإنهاك الشوارب، وإنهاك الشوارب ها هنا محمول على معنيين:
المعنى الأول: إبداء الشفة، وهذا نوع من الإنهاك.
والمعنى الثاني: ما ذهب إليه بعض العلماء من أنه قال: حلقها، ولكن نقول: إنه ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه حلقة، وإنما ثبت ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
والأصح أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام إنما كان يحف شاربه حفًا، وهذا هو الهدي الأحسن والأكمل في هذا.
وكيف ما فعل الإنسان سواء أزال شاربه أو حفَّه بمعنى أخذ منه، فإنه يكون قد أتى بالواجب عليه.
قال: «وتقليم الأظفار» وهذي هي الخصلة الرابعة، أمر النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا بتقليم الأظفار؛ لأنَّ إطالة الأظفار خلاف الأولى لِمَا ينتج عنها من اجتماع الأذى والوسخ ونحو ذلك، وتقذِّر من أمامك من طعامك وشرابك، وما تستطيع مخالطة رجل أو مؤاكلة رجل طويل الأظفار؛ لأنها مجمع للأوساخ وهي فوق ذلك خلاف الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها، فإن إطالة الأظفار إنما هي من هذه الحيوانات، وهي التي لا تستطيع أنَّ تقلم أظفارها، وأمَّا البشر فلا، ولهذا كان الشرع بوجه عام يتعمد مخالفة البهائم، ومخالفة الشياطين؛ ليخرج المؤمن على أكمل الصور.
حينما أمر بالاستحداد، يعني: أخذ شعر العانة، فإنَّ البهائم ما تستطيع أن تصنع ذلك بنفسها، وحينما أمر بقص الشارب كذلك البهائم ما تستطيع أنَّ تأخذ شيئًا من شعر وجهها، وحينما أمر بتقليم الأظفار كذلك هي من الأمور المستنكرة، ولهذا مما ينبغي التنبه له في هذا المعنى أنه ما ينبغي استخدام هذه الأظفار الصناعية؛ لأننا نقول: إذا كان إطالة الأظفار الطبيعية خلاف الفطرة التي فطر الله عز وجل عليها الناس، ومنهي عنه ومتوعد عليه، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن إطالته فوق أربعين، فكيف الشأن باستخدام هذه الأظفار، وإنما هي نوع من تزيين الشياطين، الشيطان قال: ﴿وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾ وهذه نوع من الأماني الكاذبة والخداع والغرور والمظاهر؛ لأنَّ المظاهر كلها إذا لم تكن مَظاهر مبنية على حسن مخبر كانت أمانٍ سالبة، فإذًا وعد الشيطان قد تحقق في كثير من الخلق.
فمما ينبغي أن يعنى به مخالفة الشيطان في مثل هذه الخصال، فتقلم أظفار الأطفال، ويقال: لا ينبغي للمرأة أنَّ تستخدم هذه الأظفار الصناعية، ناهيك عن كونها تحجب الماء وتمنع من كمال الطهارة؛ إلا أنها فوق ذلك مخالفة لهدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي أمر بتقليم الأظفار.
ثم جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى الخصلة الخامسة فقال: «وَنَتْفُ الإِبِطِ» وهذي هي الخصلة الخامسة من خصال الفطرة، أمر النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا بنتف الإبط، وهو إزالة الشعر الذي يكون تحت الإبط، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا بنتفه ولم يأمر بحلقه، وهذا المعنى مما ينبغي أن يُلحظ؛ فإنَّ السنة إنما هو نتفه، لكن من عجز عن النتف أو من قال: أنا إذا كلفت بالنتف ضعفت عنه، يقال: إذًا أزِلهُ كيفما تشاء، وقد ثبت أنَّ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يُزيلونه بالنورة، والنورة نوع من المزيلات التي كانت تزيل الشعر، وقد قالوا: إنَّ أول من استخدمها أو أول من صنعها هو الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام، وهذا حقيقة ما يثبت من الصريح عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن بوجه عام النورة هذه كانت مستخدمة، فكان ابن عمر رضي الله عنه والحسن بن علي وجماعة من الصحابة يُزيلون الشعر بها،
وشعر الإنسان بوجه عام على نوعين:
شعر مأمورٌ بإعفائه، وهو: شعر اللحية وشعر الشارب بقدر ما، والشعر المتعلق بالحاجب، وإزالة بعضها محرم، وصغيرة مثل: حلق اللحية، وإزالة بعضها محرم وكبيرة، مثل: الحواجب، وإزالة بعضها قد يقال: إنه مكروه، وهو الشارب.
وما سواها من الشعور؛ فإنه على نوعين، شعور مأمور بإزالتها، وهو شعر الإبط وشعر العانة.
وشعور مرخص فيها، فلا ينبغي أن يُنكر فيها على الإنسان إلا من حيث واقع المشابهة للنساء، كشعر اليد وشعر الساعد وشعر العضد والصدر وشعر الظهر وشعر الفخذ وشعر الساقين، هذه كلها شعور لو أنَّ الإنسان أزالها ما ينكر عليه إلا من حيث أنه ظهر عليه في مخبره أو في مظهره نوع من التأنث أو ما إلى ذلك فينكر عليه في مثل هذا.
أمَّا لو أنَّ انسانًا قال: أنا أزيلها لأني أتأذى بها، فلا ينكر عليه؛ لأنه قد ثبت أنَّ بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يزيلها، لكن إذا قيل: ما هو بهدي النبي عليه الصلاة والسلام، قلنا: لم يكن عليه الصلاة والسلام يُزيل شيئًا من شعره إلا شعر إبطه، وشعر عانته، وما زاد من شعر شاربه عليه الصلاة والسلام، وأمَّا ما سوى ذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام كان قد كفَّ الشعر، حتى إنه كان كفَّ شعر الصدر عليه الصلاة والسلام، وكان كف شعر الساعد، وكف شعر الرجلين، وكان كف شعر الظهر أيضا عليه الصلاة والسلام، كان له شعر على ظهره عليه الصلاة والسلام.
لكن لو أنَّ الإنسان أزال شيئًا منها لم يكن عليه في ذلك بأس ولا حرج.
{أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله تعالى: (بَــاب الجنَـابة، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عَنْهُ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهُوَ جُنُبٌ، قالَ: فَاْنخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهبْتُ فاغتسلت، ثمً جِئت، فقال: «أيْنَ كُنْتَ يَا أبا هريرة؟» قال: كُنْتُ جُنُباً، فَكَرِهتُ أنْ أجالسك وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَاَرةٍ. فقَالَ: «سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ»)}.
قال المصنف رحمه الله ها هنا: (باب الجنابة) والجنابة بوجه عام من نحو: اجتنب، إذا قلت لك: اجتنب يعني: اترك، والجنابة في النهاية مصدرها واحد، الجيم والنون والباء مصدرها من البعد والانجواء، وإنما سمي الجنب جنبًا بوجه عام، وهذا هو أصحُّ ما قيل في معنى الجنابة إن شاء الله أنه إنما سُمي جنبًا؛ لأنه يجتنب الناس، أو يجتنب بعض الأمور، من حيث أنه إذا كان جنبًا فإنَّ العرب في بعض الأزمان كانوا يتكرهون من مخالطة الناس، ثم يرى أنَّ الجنابة لا تقع إلا وقت الخلوة، فهذا نوع من معاني الجنابة، ثم لَمَّا جاء الإسلام كان من وقع في الجنابة يجتنب بعض الأمور، فهو يجتنب الصلاة، ويجتنب قراءة القرآن، فلأجل ذلك سمي الجنب جنبًا.
والجنابة بوجه عام معنى معروف عند العرب ومقرر عندهم، كانوا يعرفون الجنابة ويغتسلون منها، فهي مما كان فيهم من بقايا دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والأصل فيهم أنهم كانوا إذا أجنبوا تطهروا واغتسلوا، فهي من معاني الفطرة، ولهذا ذكره المصنف رحمه الله عقب حديث الفطرة، وهذا أيضًا نوع من الترتيب الحسن.
وقد جاء في بعض الأحاديث من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يُبايع على الغسل من الجنابة، يُبايع على الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والغسل من الجنابة، وقد جاء هذا في حديث عمر رضي الله عنه، فإنَّ في بعض رواياته لَمَّا سأله ما الإسلام؟ قال: «أنَّ تشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة» وإن كانت هذه الزيادة زيادة فيها نظر لكن ما ذكرت إلا لأجل أنَّ هذا المعنى متقرر، وأنها من شرائع الإسلام العظيمة، حتى إنَّ بعض العلماء رحمهم الله قال في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً﴾ أنها هي الغسل، وهذا من التفسير بالمثال، حيث إنَّ من أنواع تفاسير الصحابة رضي الله عنهم التفسير بالمثال، ومن أمثلته هذا التفسير، وقد فسرها بنحو هذا في بعض الروايات أبو الدرداء رضي الله عنه، فجعل من الأمانة الغسل من الجنابة، لماذا سميت أمانة؟ لأنَّ الأمانة في الأعَمِّ الأغلبِ ما يستودع عندك في الخفاء، وتستأمن أنت عليه، فهو بينك وبين الله عز وجل، وكذلك شأن غسل الجنابة، فالصلاة تصليها أمام الناس، والحج تحج أمام الناس، والزكاة تخرجها إلى السلطان وتخرجها في الملأ، لكن غسل الجنابة لا، يكون فيما بينك وبين الله عز وجل، قد تصلي السنين الطويلة وأنت على جنابة، ما يعلم بك إلا الله عز وجل، فهذا نوع من الأمانة.
فاذًا من تفسيرات الأمانة في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ غسل الجنابة. هذا أمر.
الأمر الثاني: أنَّ غسل الجنابة بوجه عام إنما يكون من مُوجبات، أولها:
خروج المني دفقا بلذة بوجه عام، سواء كان بجماع أو باحتلام أو باستمناء، متى ما خرج دفقا بلذة؛ فإنه يوجب الغسل، ويسمى مجنبا.
الأمر الثاني: الحيض، فمتى ما حاضت المرأة، ولو خرج منها نقطة فإنها تكون مجنبة، أو وجب عليها الغسل.
الأمر الثالث: النفاس، متى ما حصل النفاس؛ فإنه يكون موجبًا من موجبات الغسل.
الأمر الرابع: الموت، فإذا مات الميت وجب غسله.
فهذه أربع أقسام من موجبات الغسل: خروج المني بوجه عام أو حتى الإيلاج يعد موجبًا من موجبات الغسل، حتى لو لم ينزل، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع» وسيذكره المصنف رحمه الله.
والثالث الحيض، والرابع النفاس، والخامس الموت.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب. قال فانخنست منه، هذا الحديث قد رواه أبو هريرة ورواه حذيفة رضي الله عنه بنفس المعنى، فإنَّ كلاهما قد لقيا النبي عليه الصلاة والسلام وهما مجنبان فتنحيا عنه عليه الصلاة والسلام، وتنحيهما عنه يدل على أنَّ هذا المعنى مُتقرر عندهما في السابق، وهو أنَّ الجنب يجتنب الناس، فلمَّا صنعا ذلك وقد ظنَّ كل منهما أنه إن كان محدثًا فإنه يكون بذلك نجسًا، فأخبرهما النبي عليه الصلاة والسلام أنَّ المؤمن لا ينجس، ولهذا إذا قيل: إنه طاهر أو غير طاهر لا يقصد به طهارة العين، لأنَّ من حيث طهارة العين فأنت طاهر من كل الأحوال، ومن حيث طهارة المخبر فأنت طاهرٌ بإذن الله ما دمت مؤمنًا، ولكن حينما يقال أنت طاهر أو غير طاهر يعني: هل أنت طاهر من الحدث أو لا؟
قد تكلم المصنف رحمه الله في السابق عن موجبات الطهارة وهو الحدث الأصغر، وتكلم ها هنا عن موجبات الغسل وهو في الحدث الأكبر، وسيتكلم رحمه الله عن كيفية الغسل.
وقبل أن يتكلم في مثل هذا الباب أراد أن يبين مسألة، وهي أنَّ الأصل في المؤمن أنه طاهر حيًا وميتًا، وأننا إذا قلنا بالغسل من الجنابة أو غسل المرأة من حيضها أو نفاسها أو غسل الميت؛ فإنَّ هذا لا يعني نجاسته، وإنَّما يراد به الطهارة الشرعية التي تُستباح بها الصلاة، يعني: هي طهارة ماذا؟
طهارة الحدث وليست طهارة العين، فإنَّ المؤمن طاهر من حيث العين، بل أكثر من ذلك، فالقول الصحيح الكافر طاهر العين، ولكنه خبيث الباطن، وأمَّا طهارة العين فهو طاهرها؛ ولهذا فقد أباح الله عز وجل نكاح نساء أهل الكتاب، مع أنه من المعلوم أنَّ الرجل إذا كان زوجته كتابية أنه يخالطها ويلامسها، فلم يأمره الشرع بأن يغسل يديه منها، ولم يَحل بينه وبينها، ومن المعلوم أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قد كان يخالط المشركين فيدخلون عليه، وربما صافحوه عليه الصلاة والسلام، وربما أخذ بعضهم بردائه، فما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: اغسلوها فقد نجسها هذا الكافر.
وقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ إنما هو نجاسة الباطن، مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام ها هنا أنَّ: «إنَّ المُؤمِنَ لا ينجُسُ» بمعنى: أنه لا ينجس ظاهرًا ولا ينجس باطنًا من حيث استقامته، ولكنه قد يحصل له الحدث، فقال ها هنا: «لا ينجُسُ» ولم يقل: لا يُحدث، وفرق بين الحدث وبين النَّجس، فالحدث وصف معنوي ما تحسه، ما هي الأحداث؟ الجنابة، يكون الرجل أمامك وأنت لا تدري هل هو على جنابة أو لا؟!
الرجل قد تبول، وأنت لا تدري هل هو قد تبول أو لا؟
الغائط وخروج الريح، هذه كلها تسمى عند العلماء أحداث، فهي أوصاف حسية، أمَّا عين البول وعين الغائط وعين الكلب وعين الخنزير؛ فإنها أعيان وهذه تسمى أنجاس، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في المؤمن: إنه لا ينجس، بمعنى أنه لا تحله النجاسة في بدنه لكن يحله الحدث، والحدث يحله بمعنيين:
إمَّا الحدث الذي يكون رفعه بالوضوء، أو الحدث الأكبر والذي يكون رفعه بالغسل بوجه عام.
قال: (فَكَرِهتُ أنْ أجالسك وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَاَرةٍ) فقال: «سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ» ما نهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن الطهارة، بل لم يقل له: لا أنت متطهر على كل الأحوال، والحق أنه وافقه في قوله: (فَكَرِهتُ أنْ أجالسك وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَاَرةٍ) أي وافقه النبي عليه الصلاة والسلام في كونه على غير طهارة، لكنه لم يوافقه في اجتنابه له، ولهذا من محاسن دين الله ودين الإسلام بوجه عام أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أمر بمخالطة المرأة الحائض، ولم يأمر باجتنابها بخلاف اليهود؛ فإنَّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة عندهم نبذوها، يخرجونها إلى خارج البيت؛ لأنهم يرون أنها نجاسة، وأمَّا النبي عليه الصلاة والسلام فما رأى أنها نجاسة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إنَّ حَيْضَتُكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» يعني: الحيضة ما تتعلق باليد، ولا تتعلق بالرجل، وإنما حيضتك في موضعها، وهذا شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
{أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله تعالى:(عَنْ عَائِشَةَ رَضي الله عَنْهَا قَالتْ: كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَل يَدَيْهِ، ثُمَ تَوَضَّأ وضُوءهُ للصلاةِ، ثم يُخَلِّلُ بيَدْيَهِ شَعْره حَتَّى إِذَا ظَنَّ أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلاثَ مَرَاتٍ، ثُم غَسل سَائِرَ جَسَدِهِ.
وقالت: كُنْت أغْتَسل أنَا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاء وَاحِدٍ، نَغْتَرِف مِنْهُ جَمِيع)}.
لَمَّا ذَكَرَ المصنف رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه بيان أنَّ المؤمن بوجه عام لا ينجس ولكنه مع ذلك يجب عليه رفع الحدث الذي قد تلبس به؛ ذَكَرَ حديث عائشة رضي الله عنها، وحديث عائشة رضي الله عنها مع حديث ميمونة الذي سيذكره المصنف رحمه الله هما الأصل في أحاديث الغسل من الجنابة.
إذن الأصل في أحاديث الغسل من الجنابة حديثين، هما: حديث عائشة وحديث ميمونة، وهذا يقرر المعنى السابق، انظر إلى أحاديث الوضوء من رواها، رواها الرجال، فرواها عثمان وعبد الله بن زيد وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، نعم قد روى أيضًا شيئا منها عائشة، لكن الذين رووها وحفظت عنهم بشيء من التفصيل هم هؤلاء، وأمَّا أحاديث الغسل؛ فإنها مما يستفسر به النساء من نساء النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من أعظم المعاني التي يعلم بها لِمَا شرع الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الزواج ورغبه فيه، فتزوج النبي عليه الصلاة والسلام واستكثر، وأباح الله له ما لم يبح لغيره؛ لأنَّ نساء النبي عليه الصلاة والسلام قد نَقَلنَ لنَا علمًا عظيمًا لم يكن ليخرج لولاهن رضي الله عنهن، ومن العلم الجليل علم غسل الجنابة؛ فإنَّ نساء النبي عليه الصلاة والسلام قد نقلنه لنا، وأحسن من نقله ها هنا كما ذكرنا هما: عائشة رضي الله عنها وميمونة رضي الله عنها.
تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَل يَدَيْهِ) الأصل أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام في غسله من الجنابة كان يغتسل الغسل الكامل، وغسل الجنابة بوجه عام عند العلماء على نوعين: غسل كامل، وغسل مجزئ.
أمَّا الغسل المجزئ فهو أنَّ يُريق الماء على جسده كله ويعممه بالماء، ويكون قد اكتفى، وقد أمر به النبي عليه الصلاة والسلام أسماء بنت السكن -أو ما تسمى، حيث جاء في صحيح مسلم أنها أسماء بنت شكل-.
والغسل المستحب والكامل هو هديه عليه الصلاة والسلام الأغلب؛ فإنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ليزيل ما علق بهما من الأذى.
ثم قال: (ثُمَ تَوَضَّأ وضُوءهُ للصلاةِ) في حديث ميمونة رضي الله عنها الذي سيأتي بعد قليل أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام (غسل فرجه، ثم مسح يده بالحائط، ثم توضأ وضوءه للصلاة، تمضمض واستنشق واستنثر، وخلل بيده شعره حتى إذا ظَنَّ أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده).
نتوقف هنا إن شاء الله، ونستكمل بإذن الله في المجلس القادم، وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والأعمال الصالحة.
{أحسن الله إليكم وبارك فيكم وشكر الله لكم فضيلة الشيخ، والشكر موصول لكم أيُّها الإخوة المشاهدون، نلقاكم بإذن الله مرة أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.