{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".
في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.
أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم جميعًا.
{وقفنا عند كلام المؤلف عن البدل، قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والبدلُ. وهو تابعٌ مقصودٌ بالحكم بلا واسطةٍ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد؛ فحيَّاكم الله في الدرس الحادي والعشرين من دروس شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لشيخنا ابن هشام -عليه رحمة الله-، ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس يُبثُّ في مدينة الرِّياض في الأكاديميَّة الإسلاميَّة المفتوحة.
توقفنا في أثناء الكلام على التوابع، وعرفنا أنَّ التوابع -كما ذكرها شيخنا ابن هشام- خمسة، فانتهينا من النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والبدل: وهو تابعٌ مقصودٌ بالحكم بلا واسطةٍ).
شرحنا المراد بالبدل في شرح المبتدئين من قبل، فلا نتوسَّع في ذلك، لكن قول ابن هشام: (بلا واسطة) هذا زيادة على ما ذكرناه في شرح المبتدئين، والمراد به: إخراج المعطوف عطف نسق، كقولنا: "جاءَ محمدٌ وخالدٌ" فـ "محمد" بإسناد المجيء إليه، و"خالد" المعطوف مُرادٌ بإسناد المجيء إليه، فكلاهما مرادٌ بالإسناد؛ فلهذا أخرجه ابن هشام بقوله: (بلا واسطة)، وهي واسطة حرف العطف.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وهو ستةٌ: بدلُ كلٍّ نحو ﴿مَفَازًا * حَدَائِقَ﴾، وبعضٍ نحو ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ﴾، واشتمالٍ نحو ﴿قِتَالٍ فِيهِ﴾، وإضرابٍ وغلطٍ نسيانٍ نحو "تَصَدَّقْتُ بدرهمٍ دينارٍ" بحسب قصد الأول والثاني، أو الثاني وسبق اللسان، أو الأول وتَبَـيُّنِ الخطإ)}.
أنواع البدل مما يستطيع به الطالب أن يضبط البدل.
والبدل -كما ذكرنا في شرح المبتدئين: أربعةُ أنواع:
- بدل كلٍّ.
- بدل بعضٍ.
- بدل اشتمال.
- بدل غلط.
إلا أن ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- قسَّم بدل الغلط إلى ثلاثة أقسام:
- بدل إضراب.
- بدل غلط.
- بدل نسيان.
أما بدل الكل: إذا كانت العلاقة بين البدل والمبدَل منه علاقة كليَّة، كقولنا: "جاء محمد أبو خالد" فـ "محمد" هو "أبو خالد"، أو كقولنا: "جاء محمدٌ أخوكَ"، وكقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 6]، فـ ﴿صِرَاطَ﴾ بدل من ﴿الصِّرَاطَ﴾.
وكقوله تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا﴾ [النبأ: 31، 32]، فقوله: ﴿حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا﴾ بدل من ﴿مَفَازًا﴾.
والدليل على أن ﴿حَدَائِقَ﴾ بدل: أن المبدل منه يُمكن أن يُحذف، فيُمكن أن نقول "إن للمتقين حدائق....".
ونوع البدل هنا: بدل كل، وأراد ابن هشام في هذا المثال أن يُبيِّن أنَّ من أنواع بدل الكل ما يُسمَّى ببدل التفصيل، فـ ﴿مفازًا﴾ المراد به ﴿حَدَائِقَ﴾ وما عُطف عليه، فكل ما عطف على ﴿حَدَائِقَ﴾ بدل من المفاز، وهو الفوز الذي أعدَّه الله -جَلَّ وَعَلَا- للمتقين.
النوع الثاني: بدل البعض، وهو إذا كانت العلاقة بين البدل والمبدل منه علاقة جزئيَّة بعضيَّة، كأن تقول: "أعجبني محمدٌ وجهُهُ" فالوجه جزءٌ وبعضٌ من محمد.
ومن ذلك أن تقول: "قرأتُ الكتابَ أوَّله، بنيت المسجد الدور الأول منه، أكلتُ التفاحة نصفها".
ومنه قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، فـ "من" هنا اسم موصول بمعنى "الذي"، والمعنى: الذي استطاع، وهو بدلٌ من ﴿النَّاسِ﴾.
والدليل على ذلك أنَّك تستطيع أن تحذف "الناس" وتضع "مَنْ" مكانها، فتقول: "ولله على مَن استطاع سبيلًا إلى البيت حجه"، وفي الآية أعاريب أخرى.
النوع الثالث: بدل اشتمال، وهو عندما تكون العلاقة بين البدل والمبدل منه لا كليَّة ولا بعضيَّة، ولكن بينهما علاقة، كأن تقول: "أعجبني محمدٌ علمه، أو: صوته، أو: فضله، أو: أخلاقه، أو: حياؤه"، فهذه الأشياء ليست جزءً من محمد، ولكن بينهم علاقة ليست كليَّة ولا بعضيَّة، فنقول: هذا بدل اشتمال.
وكأن تقول: "أعجبني هندٌ حياؤها، أعجبني هندٌ حجابها"، لأن الحجاب ليس جزءً من هند، بخلاف ما تقول "أعجبني هندٌ شعرها، أو: وجهها".
تقول "أعجبني محمدٌ خطه، أو: فصاحته، أو: خطابته"، فهذا كله بدل اشتمال.
ومثال ابن هشام قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: 217]، أي: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام، والعلاقة بين الشهر والقتال اشتمال، لأن القتال ليس هو الشهر، وليس بعضًا من الشهر.
أما النوع الرابع -بدل الغلط- فقسَّمه ابن هشام إلى ثلاثة أقسام بحسبِ المعنى والمقصود، لأن البدل الغلط يعني أن الأول غلط، والثاني هو الصحيح، كأن تريد أن تطلب منِّي الكتاب ولكنَّك أخطأ فقلتَ: "أعطني القلم"، ثم صحَّحتَ فقلتَ: "الكتاب"؛ فصار مُجمَل الكلام "أعطني القلمَ الكتابَ"؛ فالعلاقة بين الكتاب والقلم: أن "القلم" غلط، و"الكتاب" هو الصحيح.
ثم قال ابن هشام: (لكن)، وهذا من باب التفصيل في طلب التحقيق في معاني الكلام، وهذا أقرب إلى المعاني البلاغية منها إلى المعاني النَّحويَّة، ولهذا فإنَّ النحويين يكتفون بالأنواع الأربعة: بدل كل، وبدل بعض، وبدل اشتمال، وبدل غلط.
ومثَّل ابن هشام بقوله (تصدَّقتُ بدرهمٍ دينارٍ)، أنت أردتَّ أنك تصدقت بدينار، لكنَّك أخطأت فقلت "درهم"؛ وهذا له ثلاثة أنواع:
النوع الأول: إذا كنت قصدَّت الأول عندما تكلَّمت، فقلت "تصدقت بدرهم"، ثم بدا لك أن تُعرض وتقول "دينار"؛ فهذا بدل إضراب؛ لأنَّ الأول ليس بغلط، بل أنت قصدتَّ أن تقوله، لكن بعد أن قلته أعرضتَّ عنه وأضربتَ.
النوع الثاني: أما إذا أردتَّ أن تقول "تصدقتُ بدينارٍ" لكن لسانك أخطأ وسبقَ إلى كلمة درهم" ثم صحَّحتَ فقلتَ "تصدقتُ بدرهمٍ .. دينار"؛ فهذا يُسمَّى بدل غلط، وهو متعلق باللسان، كما قال (وسبق اللسان)
النوع الثالث: أنَّك عندما قلتَ "تصدقتُ بدرهمٍ" أردتَّ أن تقول "بدرهمٍ" لكن قلبك هو الذي غفل، وأخطأ ونسي؛ فبدل أن تقول "تصدقتُ بدينارٍ" قلتَ "تصدقتَ بدرهم"؛ فهذا بدل نسيان، وهو يتعلق بالقلب. فهذا من باب التفصيل المتعلق بالمعاني.
وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن التوابع، وبانتهاء الكلام على التوابع نكون قد انتهينا من الكلام على المكملات بعد أن انتهينا من الأركان:
- فأركان الجملة الاسمية: المبتدأ والخبر.
- وأركان الجملة الفعلية: الفعل والفاعل، أو الفعل ونائب الفاعل.
ثم تكلمنا بعد ذلك على المكملات، وهي المنصوبات: المفاعيل الخمسة، الحال، التمييز، المستثنى، والمنادى.
ثم تكلمنا على المكملات المجرورات، وهي: الاسم المجرور بالحرف، والاسم المجرور بالإضافة.
ثم تكلمنا على المكملات التوابع، وهي هذه الخمسة: النعت، المعطوف، عطف البيان، عطف النسق، البدل.
ثم إن ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- ذكر في آخر قطر الندى بعض الأساليب والأحكام النحوية المهمَّة التي يحتاج إليها الطالب المتوسِّط، كالكلام على الأعداد، وأحكامها النحويَّة، والتعجب وصيغتيه، والممنوع من الصرف، وبعض الأحكام الكتابيَّة الإملائيَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (باب: العدد من ثلاثةٍ إلى تسعةٍ يُؤَنَّث مع المذكر ويُذَكَّر مع المؤنث دائمًا، نحو ﴿سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ﴾. وكذلك العَشْرةُ إن لم تركبْ. وما دونَ الثلاثةِ وفاعلٌ كـ "ثالثٍ ورابعٍ" على القياس دائمًا)}.
هنا ذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- الأعداد، وشيئًا من أحكامها النحويَّة، كل اللغات فيها أعداد، والأعداد في اللغة العربية أنواع:
- فهناك الأعداد المفردة، وهي من واحد إلى عشرة.
- وهناك الأعداد المركبة: من أحد عشر إلى تسعة عشر.
- ثم ألفاظ العقود التي في نهاية العقد: عشرون، ثلاثون، أربعون...، إلى تسعين.
- ثم الأعداد المتعاطفة من واحد وعشرين غلى تسعةٍ وتسعين، سوى ألفاظ العقود.
- ثم المائة والألف، ومثنَّاها وجمعها.
وما فوق ذلك لا تعرفه العرب، وإنما دخل إلى اللغة العربية في الأزمنة المتأخرة للحاجة إليه، كـ "المليون، المليار"، وأشياء نسمع عنها ولا نعرفها.
وذكر هنا -رَحِمَهُ اللهُ- ما يتعلق بتمييز الأعداد واستعمالاتها، فنأخذها بحسب ما قلناه قبل قليل في أقسام الأعداد، فنبدأ من البداية:
- العدد واحد واثنان: يوافقان المعدود تذكيرًا وتأنيثًا دائمًا، يعني سواء كانا:
* مفردين كـ "جاء رجلٌ واحدٌ، وامرأةٌ واحدةٌ".
* أو في الأعداد المركبة كـ "جاءَ أحدَ عشرَ رجلًا، جاءت إحدى عشرة امرأة".
* وفي الأعداد المتعاطفة، كـ "جاء واحدٌ وعشرون رجل، جاءت واحدةٌ وعشرون امرأة".
- من ثلاثة إلى تسعة: ويسمى "البضع"، وتخالف المعدود تذكيرًا وتأنيثًا دائمًا، فتقول في المذكر: "جاءَ ثلاثةُ رجال"، سواء في:
* الأعداد المفردة: كـ "جاء ثلاثةُ رجال".
* الأعداد المركبة: كـ "جاء ثلاثةَ عشرَ رجلًا".
* الأعداد المتعاطفة: كـ "جاءَ ثلاثةٌ وعشرونَ رجلًا".
وأما مع المرأة فتقول:
* في الأعداد المفردة: "جاءت ثلاثُ نساء".
* وفي الأعداد المركبة: "جاءت ثلاثَ عشرة امرأة".
* وفي الأعداد المتعاطفة: "جاء ثلاثٌ وعشرون امرأةً".
- أما العشرة: فهي العدد الوحيد الذي له حالتان:
* يُخالف إذا كان مفردًا: يعني يكون كما قبله، فتقول مع الرجال: "جاء عشرةُ رجال" ومع النساء: "جاء عشرُ نساء".
* يُوافق إذا كان مركَّبًا: يعني يكون كما بعده، فتقول في الرجال: "جاءَ ثلاثةَ عشرَ رجلًا"، ومع النساء: "جاءت ثلاث عشرةَ امرأة".
ويدخل في ذلك الأعداد المركبة، والأعداد المتعاطفة؛ بقي ألفاظ العقود والمائة والألف؛ وهذه لا تتأثر بالمعدود لا تذكيرًا ولا تأنيثًا، فتلزم لفظًا واحدًا، تقول في المذكر: "جاءَ عشرونَ رجلًا" وفي المؤنث: "جاءت عشرون امرأة". وكذلك في المائة: "جاءَ مائةُ رجل، جاءت مائة امرأةٍ".
إذًا؛ الكلام فقط على الأعداد من واحد إلى عشرة، فإذا ضبطناها نضبط الأعداد، فالأعداد أمرها ليس بذاك الصعب.
لِيبقى الكلام لنا على اسم الفاعل من الأعداد، فالأعداد قد يُصاغ منها اسم فاعل، كأن نأخذ من "ثلاثة" اسم على وزن "فاعل" فنقول "الثَّالث"؛ فنأخذ من "اثنين إلى عشرة" صيغة "فاعل"؛ فنقول: "الثاني، الثالث، الرابع، الخامس...، العاشر".
حكمها: الموافقة مطلقًا، فتقول: "جاءَ الرجلُ الثالثُ، والمرأةُ الثالثةُ، وهذا البيتُ الخامسُ، والمدرسةُ الخامسةُ".
فهذا ما يتعلق بالأعداد وأحكامها تذكيرًا وتأنيثًا؛ ليتكلَّم ابن هشام بعد ذلك على مسألة خاصة تتعلق باسم الفاعل من العدد، فسيتكلم على استعمالاته؛ وله ثلاث استعمالات في اللغة سيُبيِّنها ابن هشام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويُفْرد فاعلٌ أو يُضاف لما اِشْـتُقَّ منه أو لما دونه أو يَنْصِبُ ما دونَه)}.
صيغة اسم الفاعل من العدد -كما قلنا- تؤخذ من "اثنين، إل: عشرة"، فيُقال: "الثاني، الثالث، الرابع...، إلى: العاشر".
أما "الواحد" فلا يُؤخذ منه صيغة "فاعل" لأن العرب وضعته من الأصل مرتجلًا على صيغة "فاعل" فقالوا: "واحد"؛ ولهذا لا يأخذون منه صيغة "فاعل"؛ فإذا أرادوا أن يستعملوه كـ "الثاني، والثالث، والرابع" استعملوا مكانه "الأوَّل"؛ فيقولون: "جاء الرجل الأول، والرجل الثاني، والرجل الثالث، وجاء المرأة الأولى والمرأة الثانية، والمرأة الثالثة".
وهذا له ثلاث استعمالات:
الاستعمال الأول: أن يكون مفردًا، يعني أنه ليس بمضاف إلى شيء، ومعناه حينئذٍ: الدلالة على الترتيب، يعني يُبيِّن ترتيب الموصوف، كقولك: "الرجل الخامس" فهذا ترتيبه، وكقولك: "البيت السابع" أي: ترتيبه السابع، وكقولك: "البيت الخامس والعشرون" فهذا ترتيبه، وكقولك: "البيت الخامس عشر"، أيضًا هذا ترتيبه.
الاستعمال الثاني: أن يُضاف اسم الفاعل من العدد إلى أصله، يعني إلى العدد الذي أُخِذَ منه، فـ "الثالث" مأخوذ من "ثلاثة" و"الخامس" مأخوذ من "خمسة"؛ فتضيف اسم الفاعل إلى أصله، فتقول "ثالثُ ثلاثة، وخامسُ خمسةٍ".
ومعناه حينئذٍ: أنَّه واحدٌ من هذا العدد دون تعيين لترتيبه، فتقول: "هذا خامسُ خمسةٍ" يعني: واحد من خمسة، ليس أنه الأول ولا الخامس، بل هو واحد منهم فقط دون بيان لترتيبه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ [التوبة: 40]، لا يُريد أن يُبيِّن أنه الثاني ولا الأول، ولكن هو أحدهما.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 73]، وهذا من شدَّة كفرهم، فهم لم يجعلوا الله الأول من الآلهة، وإنما جعلوه واحدًا من ثلاثة -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
والاستعمال الثاني إذا أضيف إلى أصله فليس فيه إلا الإضافة، فتقول "خامسُ خمسةٍ".
الاستعمال الثالث: أن يُضاف اسم الفاعل لِمَا دونَ أصله، يعني "الخامس" أصله "خمسة" فيُضاف إلى "أربعة"، فيُقال: "خامسُ أربعةٍ".
ومعناه حينئذٍ: التصيير والتعيين.
فالتصيير: يعني كانوا أربعة فصاروا خمسة.
والتعيين: يعني تعيين مرتبته أنه الخامس.
كقولنا: "خامس أربعةٍ، خامسُ اثنين".
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة: 7]، فقوله ﴿رَابِعُهُمْ﴾ فاسم الفاعل "رابعُ" والضمير يعود إلى ﴿ثَلَاثَةٍ﴾ والضمير يقوم مقام الظاهر، فعندما نضع الظاهر مكان الضمير نقول "رابعُ ثلاثةٍ".
وكذلك في قوله ﴿سَادِسُهُمْ﴾ يعني "سادسُ الخمسة".
والاستعمال الثالث وهو أن يُضاف إلى ما دون أصله كقولنا "خامس أربعة"؛ لك فيه وجهان:
* أن تضيف، فتقول "خامسُ أربعةٍ".
* أن تنوِّن وتنصب العدد، فتقول "خامسٌ أربعةً"، لأنَّه دالٌّ على التصيير، ففيه معنى الفعل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بابٌ: موانعُ صرف الاسم تسعةٌ، يجمعها:
وزنُ المركَّبِ عُجْمَةٌ تَعْرِيفُها ** عَدْلٌ وَوَصْفُ الجمعِ زِدْ تأنيثًا
كـ "أحمدَ، وأحمرَ، وبَعْلَبَكَّ، وإبراهيمَ، وعُمَرَ، وأُخَرَ، وأُحادَ، وَمْوحِدَ إلى الأربعةِ، ومساجدَ، ودنانيْرَ، وسلمانَ، وسَكْرانَ، وفاطمةَ، وطلحةَ، وزينبَ، وسَلْمَى، وصحراءَ".
فألفُ التأنيث والجمعُ الذي لا نظيرَ له في الآحادِ: كلٌ منها يَسْتَأْثِر بالمنع. والبواقي لا بدَّ من مجامعة كلِّ عِلة منهنَّ للصفة أو العلمية.
وتتعين العلميَّةُ مع التركيبِ والتأنيثِ والعُجمة.
وشرط العُجمة: عَلَمِيَّةٌ في العَجَمِيَّةِ وزيادةٌ على الثلاثةِ.
والصفةِ: أصالتُها وعدمُ قبولها التاءَ، فـ "عريانٌ وأرملٌ وصفوانٌ وأرنبٌ -بِمَعْنَى قاسٍ- وذليلٍ" منصرفةٌ. ويجوز في نحو "هندٍ" وجهانِ، بخلاف "زينبَ وسَقَرَ وبَلْخَ". وكـ "عُمَرَ" عند تميمٍ بابُ حذامِ إن لم يختم براءٍ كـ "سَفَارِ"، و"أمسِ" لِمُعَيَّنٍ إن كان مرفوعًا، وبعضهم لم يشترط فيهما، و"سَحَرَ" عند الجميع إن كان ظرفًا مُعَيَّنًا)}.
باب "الاسم الممنوع من الصرف"، ويُقال "باب ما لا ينصرف".
الأصل في الأسماء أنها مصروفةٌ، يعني: منوَّنة.
ويقولون: إنَّ زينة الأسماء التنوين، لأن الأسماء أشرف الكلمات، فخصَّتها العرب بتنوين، وهذا واضح، لأن التنوين هو نون ساكنة، والنون الساكنة تخرج من الأنف كغنَّة، ففيها جمالٌ، فلهذا يعتمد عليها المنشدون مع حروف المد لتزيين النُّطق.
إلَّا أنَّ هناكَ أسماءً معيَّنة، وهي أحد عشر اسمًا منعتها العرب من الصرف -يعني من التنوين- والسبب في ذلك: أنها أشبهت الأفعال بوجهٍ من الوجوه، والأفعال -كما نعرف- لا تُنوَّن، فأعطتها العرب عقوبةً لها شيئًا من أحكام الأفعال، وحرمتها من زينة الأسماء التنوين.
وهذه الأسماء -كما قلنا- أحد عشر اسمًا، سنأخذها اسمًا اسمًا ونشرحها، ونبدأ بذكرها إجمالًا:
- اسمان منها يُمنعان لعلَّة واحدة، يعني تكفي هذه العلة الواحدة لمنع الاسم من الصرف، ولا نبحث معها عن علَّة أخرى:
* الأول: الاسم المختوم بألف تأنيث.
* الثاني: الاسم الذي على وزن "مفاعِلْ" أو "مفاعيل".
- ستَّة أسماء تُمنَع لعلَّتين إحداهما العلميَّة، يعني هذه الأسماء لا تكفي فيها علَّة العلميَّة؛ بل لابد أن تُجامعها علَّة أخرى.
وهذه الأسماء الستَّة هي:
* العلم المؤنث:
- العلم الأعجمي.
- العلم المركب تركيب مزجٍ.
- العلم الذي على وزن الفعل.
- العلم المعدول.
- العلم المختوم بألف ونون زائدتين.
- ثلاثة أسماء تُمنع لعلَّتين إحداهما الوصفيَّة، فالوصفيَّة لا تستقل بالمنع؛ بل لابد أن تُجامعها علَّة أخرى.
وهذه الأسماء الثلاثة هي:
- الوصف الذي على وزن الفعل.
- الوصف المختوم بألف ونون زائدتين.
- الوصف المعدول.
فمجموع هذه الأسماء: أحد عشر اسمًا، نشرحها اسمًا اسمًا -غن شاء الله.
الاسم الأول: الاسم المختوم بألف تأنيث.
والاسم المختوم بألف تأنيث ممنوع من الصرف مطلقًا، يعني سواء:
* كانت ألف التأنيث مقصورة كـ "سلمى، بشرى، جرحى".
* أو كانت ألف التأنيث ممدودة كـ "صحراء، علماء، حسناء، حمراء".
* أو كان الاسم نكرة أو معرفة، مفردًا أو جمعًا.
والمهم هنا أن نعرف هنا ما المراد بألف التأنيث، فليس كل ألفٍ واقعةٍ في آخر الاسم تكون ألف تأنيث، فألف التأنيث هي الألف الزائدة، فإذا كانت الألف زائدةً فهي ألف التأنيث، أما الألف غير الزائدة، وهي: الألف المنقلبة عن واو أصلية أو ياء أصلية-؛ لأن الألف لا تكون أصلًا في كلمة تقبل التصريف، ولكنها تكون منقلبة عن حرف أصلي -واو أو ياء- فإذا كانت منقلبة عن حرف أصلي فلا تَمنَع من الصرف، فإن كانت زائدة فهي ألف التأنيث التي تمنع من الصرف.
ومعنى ذلك: أنَّك تنظر إلى هذه الألف في آخر الاسم هل يُقابلها في شيءٍ من تصريفات الكلمة -الماضي، المضارع، الجمع- واو أو ياء؛ فإن قابلها واو أو ياء؛ فهذه لا تَمنَع من الصرف، لأنها منقلبة عن أصل، أو نقول: أصليَّة تجوُّزًا.
أما إذا لم يُقابلها واو ولا ياء: فهي زائدة تمنع من الصرف.
فنحو "جرحى" فـ "جُرح أو: جَرَح" فهذه آخرها حاء؛ إذًا: الألف زائدة هنا، وتَمنع من الصرف.
وكذلك "علماء" من "عَلِمَ"؛ فالهمزة زائدة للتأنيث.
وكذلك "حسناء" من "حَسُنَ"، فهذه الألف تَمنَع من الصرف.
لكن لو قلنا: "هُدى" فهذه من "هَدَى - يهدي"، فلا تمنع من الصرف، ومنه قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: 185]، فنوَّنَ "هدًى".
وأما "مرمى" من "رَمَى - يَرمي" فألف ليست زائدة، ولذا نُنوِّن ونقول "هذا مرمًى".
وكذلك "مسعى" من "سَعَى - يسْعَى - سعيا" قابلتها الياء.
فلابد أن ننتبه إلى ألف التأنيث، فليست كل ألف في آخر الاسم تمنع من الصرف حتى تكون زائدة.
الاسم الثاني الممنوع من الصرف: الاسم الذي على صيغة منتهى الجموع "مفاعل" أو "مفاعيل".
ونريد بقولنا: صيغة منتهى الجموع "مفاعل" أو "مفاعيل"؛ أي: كل جمعٍ في وسطه ألف، هذه الألف يكون بعدها:
* حرفان أولهما مكسور، كـ "مساجِد، مصانِع".
* أو ثلاثة أحرف أوسطها ياء مديَّة، ك، "مناديل، قناديل".
ولهذا فإن صيغ منتهى الجموع تشمل صيغ كثيرة، قد تكون "مفاعل" و"مفاعيل"، أو "أفاعل" و "أفاعيل"، أو "فواعل" و"فواعيل"، و"فاعئل".
ولهذا يقولون: "مفاعل" وشبهه، والمراد به: الجمع الذي وسطه ألف، وبعده ما ذكرناه قبل قليل.
إذًا؛ كل اسمٍ على صيغةٍ من صيغ منتهى الجموع فهو ممنوع من الصرف.
والمراد بالمنع من الصرف -كما قلنا: أن الكلمة لا تُنوَّن، وتُعرب إعراب الممنوع من الصرف الذي درسناه من قبل في باب المعرب والمبني، يعني: يُجرُّ بالفتحة، إلا إذا كان بـ "أل" أو مضافًا.
فتقول "هذه مساجدُ كثيرةٌ" فـ "مساجدُ" بلا تنوين. وتقول: "رأيتُ مساجدَ كثيرةً، وصليتُ في مساجدَ كثيرةٍ".
فإذا كانت الكلمة بـ "أل" جُرَّت بالكسرة، تقول: "صليتُ في المساجدِ"، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187].
أو كانت الكلمة مضافًا وبعدها مضاف إليه، كأن تقول: "صليتُ في مساجدِ الرياضِ".
وهذا هو قول ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (فألفُ التأنيث والجمعُ الذي لا نظيرَ له في الآحادِ: كلٌ منها يَسْتَأْثِر بالمنع).
فقوله: ( والجمعُ الذي لا نظيرَ له في الآحادِ) يقصد به صيغ منتهى الجموع.
ويقول: إنَّ الاسم المختوم بألف التأنيث يُمنع لهذه العلَّة، ولا نحتاج إلى علَّةٍ أخرى، والاسم الذي على صيغة منتهى الجموع يُمنع لهذه العلة ولا تحتاج إلى علَّة أخرى.
الاسم الثالث من الأسماء الممنوعة من الصرف: وهو العلم المركب تركيبًا مزجيًّا غير المختوم بـ "ويه".
مثال ابن هشام هنا: "بعلبك".
والمركبات أربعة أنواع:
مركب تركيب إسناد: وهي الجملة الاسميَّة، كـ "محمدٌ جالسٌ"، والجملة الفعليَّة، كـ "جلسَ محمدٌ"؛ وهذه واضحة وتُدرَس في الجُمَل.
المركب الإضافي: وهو المضاف والمضاف إليه، كـ "عبدُ اللهِ، إمام المسجدِ".
المركب العددي: من أحد عشر إلى تسعة عشر.
المركب المزجي: وهو في حقيقته وأصله كان مركبًا إضافيًّا، إلا أن العرب خصَّت بعض هذه الأسماء المركبة تركيب إضافي ومزجوهما، بحيث يُعاملان معاملة الكلمة الواحدة، وذلك بأن تُبنى الكلمة الأولى على الفتح، ويُلقى الإعراب إلى الكلمة الثانية، مثل "بعلُ بك" فـ "بعل" بمعنى: زوج. والمعنى: زوجُ بكٍّ. فأخذوا هاتين الكلمتين ومزجوهما وجعلوهما في حكم الكلمة الواحدة، وبنوا الكلمة على الفتح "بعلَ" وألقوا الإعراب على الثانية، فتقول: "هذه بعلَبكُّ، ودخلتُ بعلَبكَّ، سكنتُ في بعلَبكَّ".
ونحو "خان يونس" وهي بلدة في فلسطين، فيركبونها تركيب مزجٍ، يقولون "هذه خانَيونسُ" ولو أنهم ركَّبوها تركيب إضافة لجازَ، فيُقال "خانُ يُونس".
ومن ذلك "حضرَ موت"، فبنوا الأولى على الفتح، وألقوا الإعراب على الثانية.
ما لم يكن آخر الكلمة الأولى ياءً؛ فحينئذٍ تُبنى على السكون لا على الفتح، كـ "معديكرب، قَالِيقَلَا".
والأشهر فيه أنه يُركَّب تركيبَ مزجٍ، ويُعامل معاملة التركيب المزجي، ويجوز في اللغة أن يُعامل معاملة التركيب الإضافي، وهذا قليل.
وهو أيضًا من الممنوعات من الصرف، فنقول: "هذه حضرَموتُ، ودخلتُ حضرَموتَ، وسكنتُ في حضرَموتَ".
الاسم الرابع من الأسماء الممنوعة من الصرف: العلم المؤنث، باستثناء الثلاثي الساكن الوسط العربي.
ذكرنا أن العلم هو: الاسم الخاص بمسمَّاه.
المؤنث: أي أنه علمٌ لشيء مؤنث، كـ "امرأة، مدينة"، سواء كان مؤنثًا حقيقيًّا أو مجازيًّا.
باستثناء الاسم الثلاثي الساكن الوسط العربي، فلهذا نقول: "فاطمة" ممنوع من الصرف، وكذلك "طلحة" ممنوع من الصرف وإن كان لمذكر، ولكن اللفظ مؤنث بتاء التأنيث، فهو أيضًا ممنوع من الصرف للعلميَّة والتأنيث، سواء كان التأنيث لفظيًّا ومعنويًّا كـ "فاطمة"، أو كان تأنيثًا لفظيًّا فقط، كـ "طلحة"، أو كان تأنيثًا معنويًّا فقط، كـ "زينب، سعاد".
قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (ويجوز في نحو "هندٍ" وجهانِ)، فذكر أن "هند" يجوز فيها وجهان لأنه اسمٌ ثلاثي ساكن الوسط عربي، فل فيه التنوين، وعدم التنوين هو الأكثر، فتقول: "جاءت هندُ مسرعةً، أو: جاءت هندٌ مسرعةً، سلمتُ على هندٍ، أو: على هندَ".
ومن ذلك قول الشاعر:
لَم تَتَلَفَّع بِفَضلِ مِئزَرِها ** دَعدٌ وَلَم تُسقَ دَعدُ في العُلَبِ
فصرَفَ في الأولى، ومنع في الثانية.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بخلاف "زينبَ")، لأنه ليس بثلاثي.
قال: (وسَقَرَ)، وهو من أسماء النار، فهو ثلاثي ولكنه مُحرَّك الوسط.
قال: (وبَلْخَ)، ساكن الوسط، ولكنه ليس بعربي؛ فيُمنع من الصرف.
الاسم الخامس من الأسماء الممنوعة من الصرف: العلَم الأعجمي، باستثناء الثلاثي مطلقًا.
العلَم عرفناه؛ أما الأعجمي: يعني أن الكلمة في الأصل ليست عربيَّة.
وهذا باستثناء الثلاثي مطلقًا، كأسماء الأنبياء، فإن أسماء الأنبياء كلها أعجمية، ما عدا "محمد، وصالح، وشعيب"، فـ "إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويوسف"؛ هذه كلها ممنوعة من الصرف للعلميَّة والعُجمَة.
وكذلك أسماء الدول والمدن الأعجمية، كـ "باريس، ولندن، وواشنطن"؛ فهذه كلها ممنوعة من الصرف للعلمية والعُجمة.
قال: (سوى الثلاثي مطلقًا)، يعني سواء كان ساكن الوسط، أو كان متحرك الوسط، كـ "لوط، ونوح"، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ [نوح: 1]، وكقولك: "صلاة الله وسلامه على نوحٍ"، فهو مصروف لأنه ثلاثي.
قال ابن هشام: (وشرط العُجمة: عَلَمِيَّةٌ في العَجَمِيَّةِ وزيادةٌ على الثلاثةِ).
إذًا؛ العلم الأعجمي يُمنع من الصرف بشرطين عند ابن هشام:
الشرط الأول: زيادة على الثلاثة. وهذا قلناه، فالثلاثي مصروف.
الشرط الثاني: علميَّته في العجميَّة، يريد أن يقول: إن الشرط في هذا العلم الأعجمي لكي يكون ممنوعًا من الصرف أن يكون علمًا في لغته العجمية قبل أن يدخل إلى اللغة العربية، مثل "باريس" فهذا اسم مدينة عند العجم، ودخلت اللغة العربية وهي علم؛ فتُمنع من الصرف، وكذلك "إبراهيم، وإسماعيل..."، إلى آخره.
وبهذا يُريد أن يُخرج الكلمات الأعجمية التي دخلت إلى اللغة العربية وهي ليست بأعلام، يعني أسماء نكرات أجناس مثل "إبريق، إستبرق، إسطبل"؛ فهذه معربة، ومنه قوله تعالى: ﴿مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: 54].
فلو أخذنا هذه الكلمات الأعجميَّة التي دخلت العربية ثم جعلناها علمًا، كأن نسمي إنسانًا بـ "إبريق"؛ فيبقى مصروفًا على هذا الشَّرط، وهناك من يقول من العلماء إنها تُمنَع من الصَّرف، لأن العلم الأعجمي ممنوع من الصرف مطلقًا.
ويدخل في هذا الخلاف كلمة "قالون" وهو من القرَّاء، فهذا لقبٌ أطلقه الإمام نافع عليه لأن قراءته كانت جميلة وحسنة، وكان كلما قرأ قال له: "قالون قالون" يعني: حسن بلغة الروم؛ فصارت هذه الكلمة بعد ذلك لقبًا على هذا القارئ؛ فهل نمنعها من الصَّرف؟
الجواب: فيه خلاف على قولين للنَّحوين.
الاسم السَّادس من الأسماء الممنوعة من الصَّرف: العلم المختوم بألف ونون زائدتين.
وهذا واضح، لأنه ليس فيه شروط ولا قيود، ولا أقسام ولا تفاصيل؛ فكلُّ علمٍ مختوم بألفٍ ونونٍ زائدتين فهو ممنوع من الصرف، كـ "سلمان" لأنه من "سَلِمَ"، فالألف والنون زائدتان، فيُمنع من الصرف.
وكـ "حمدان، عمران، غطفان، وعثمان، عفان" فهذه ممنوعة من الصرف.
و"إصبهان" فيها موانع كثيرة، فهي علم مؤنث، واسم مدينة، وعلم أعجمي، وأيضًا علم مختوم بألف ونون؛ فهي ممنوعة من الصرف.
وأما في "حسَّان" فننظر للأصل، هل هي من "الحس" بمعنى القتل، فتكون ممنوعة من الصرف، أو من "الحُسْن" فالنون أصلية، فتكون حينئذٍ مصروفة، والمستعمل عند العرب في "حسَّان" أنها ممنوعة من الصرف.
ونحو "ضمان، بيان" من "ضَمِنَ، وبَانَ"، فالنون أصلية، ولذلك فهي مصروفة، وهي ليست بأعلام أصلًا.
وكذلك "دوران، وجولان" من "دارَ دورانًا، وجالَ جولانًا"؛ فهي مصروفة لأنها ليست بعلم، بل هي مصادر.
الاسم الثامن من الأسماء الممنوعة من الصرف: العلم الذي على وزن الفعل.
الأفعال والأسماء لها أبنية خاصَّة بها في اللغة العربية، وهذا يُدرَس في الصرف، فالأفعال لها تسعة عشر بناءً، والأسماء لها أبنية كثيرة.
وهناك صيغٌ مشتركة بين الأسماء والأفعال، فهذه لا تمنع من الصرف، لأنها ليست خاصَّة بالأفعال، وليست الأفعال أولى بها، فلو جاءت كلمة على وزن "فَعَل"، فهذا البناء موجود في الأسماء، مثل "قمر، جبل"، وموجودة في الأفعال، مثل "ذَهبَ، جَلَسَ".
فلو سمَّينا مكانًا باسم "قمر"؛ فحينئذٍ لا يمنع من الصرف، لأنه على وزن مشترك.
لكن لو جاء اسمٌ من الأسماء على وزن خاص بالأفعال لا يأتي في الأسماء، أو على وزن يأتي في الأسماء والأفعال، ولكنه قليل -أو نادر- في الأسماء وهو كثيرٌ وأصلٌ في الأفعال؛ فحينئذٍ يؤثر ذلك في المنع من الصرف، كأن يأتي اسمٌ مثلًا على وزن "أفعل" أو على وزن "تفعل" أو "نفعل" أو "يُتفعل" أو "ننفعل" أو نحو ذلك من أوزان الأفعال؛ فإنها تمنع من الصرف.
والأصل في ذلك: أن تكون أسماء منقولة من الأفعال، فهي في الأصل أفعال، ثم نُقلَت وجُعلت علمًا على مسمًّى من الأسماء، كأن تسمي رجلًا بـ "أحمد" فهو في الأصل فعل، تقول "أنا أحمدُ اللهَ"؛ ثم جعلناه اسمًا لهذا الشخص، فصار ممنوعًا من الصرف، تقول "جاء أحمدُ، رأيتُ أحمدَ، وسلمتُ على أحمدَ".
أو تسميه "أسعد"، ففي الأصل هو فعل، تقول: "أنا أسعدُ بلقائك".
إذًا؛ كلُّ علمٍ على وزن "أفعل" فهو ممنوع من الصرف.
ومثل "يزيد" فهو فعل، تقول: "الإيمان يزيد وينقص"، ثم سمَّيتَ رجلًا بـ "يزيد" وهو علم مشهور عند العرب؛ فيُمنع من الصرف.
وكذلك قبيلة "تشكر"، وقبيلة "تغلب"، وقبيلة "شمَّر"، فـ "شمَّر" فعل، تقول "شمَّرَ عن ساعده"؛ ثم صارت اسمًا بالنقل، فهذه ممنوعة من الصرف، لأنها أسماءً جاءت على أوزان الأفعال، وهذا هو المراد بالوزن الذي يمنع من الصرف.
الاسم التاسع من الأسماء الممنوعة من الصرف: المعرفة المعدولة.
والمراد بها أربعة أشياء، ولكن قبل أن نعرف هذه الأشياء الأربعة الداخلة في المعرفة المعدولة نريد أن نعرف المراد بالعدل في النحو.
نقول: العدل في النحو وفي الصرف هو أن تعدل بالاسم من الصيغة التي كان يستحقها إلى صيغةٍ أخرى مع بقاء المعنى، كأن الأصل في هذا الاسم أن يأتي على صيغةٍ معيَّنة ووزنٍ معيَّنٍ قياسًا على نظائره، إلا أن هذه الكلمة بالذَّات لسبب من الأسباب عدلت العرب عن قياسها، وجعلتها على صيغةٍ أخرى، مع أنَّ المعنى واحد، فدخلها عدلوا بها عن قياسها إلى صيغةٍ أخرى.
والمراد بها -كما قلنا- أربعة أشياء:
الأول مما يدخل في المعرفة المعدولة: العلم المذكر الذي على وزن "فُعَل" كـ "عُمَر"؛ فالأصل فيه "عامر" وهو اسم معروف عند العرب وهو مصروف، تقول: "هذا عامرٌ، ورأيتُ عامرًا، ومررت بعامرٍ"؛ فلما عدلوه إلى "عُمَر" على وزن "فُعَلْ" منعوه من الصرف، والحقيقة أنَّ الأعلام التي على وزن فُعَل الأصل فيها والأكثر أنها مصروفة، إلا أعلامًا معيَّنة اختلفوا في عددها حتى أوصلوها إلى خمسة عشر اسمًا مسموعة عن العرب بالمنع من الصرف، وهناك أعلام أخرى على وزن "فُعَل" كـ "أُدد" وهو من أجداد العرب ومصروف.
و "عُمَر" جمع "عُمرَة" مثل "غُرفَة - غُرَف"؛ فلو سميت رجلًا "عُمَر" جمع "عُمرِة" لصرفته، وقلتَ: "جاءَ عمرٌ"؛ وهذا بخلاف "عُمر" المعدول عن "عامر".
فقال النحويون: إن هذه الأسماء التي على وزن فُعَل الذي منعها من الصرف أنها كانت في الأصل فاعل، ثم عدلوها إلى "فُعَل"؛ فهم حاولوا أن يُجدوا علَّةً لمنعها من الصرف، لأن هذه العلة ليست مطردة، مثل "عمر"، و "هُبَل" الصنم، ومثل "زفر"، ومثل "زُحَل" اسم الكوكب، ومثل "جحا، وجُمَح، ومُضَر، وجُشَم، وقُزَح، وذُلَف، وقُثَم، وثُعَل"؛ فهذه أعلام على وزن "فُعَل" جاءت ممنوعة من الصرف، فقال النحويون: مُنعت من الصرف للعلميَّة والعدل عن صيغة "فاعل".
الثاني مما يدخل في المعرفة المعدولة: العلم المؤنث الذي على وزن "فعالِ" بكسر اللام، وهذا عند بني تميم، كامرأة اسمها "حذام، سجاح، قطام، نوار"؛ فبنو تميم يمنعونها من الصرف.
أما الحجازيون فقد سبق في الكلام على الإعراب والبناء أنهم يبنون هذا العلم المؤنث على الكسر، كقول شاعرهم:
إذا قالت حذامِ فصدقوها ** فإن القول ما قالت حذامِ
وهذا شرحناه في المعرب والمبني.
ولكن عند بني تميم: العلم المؤنث الذي على وزن "فعالِ" يمنعونه من الصرف، فتقول: "جاءت حذامُ، ورأيتُ حذامَ، وسلمتُ على حذامَ".
وقال الجمهور: إنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل عن "فاعل" فـ "حذامِ" كان أصلها "حاذمة"، و "سجاحِ" كان أصلها "ساجحة".
وقال بعض النحويين: إنه ممنوع من الصرف لأنه علم مؤنث.
هذا قول ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (وكـ "عُمَرَ" عند تميمٍ بابُ حذامِ إن لم يختم براءٍ كـ "سَفَارِ")، لأن بني تميم اختلفوا في العلم الذي على وزن "فعالِ" المؤنث، فأكثرهم يمنعه من الصرف إلا إن كان مختومًا براء، كـ "سفارِ" اسم مكان، و"ظفارِ"؛ فيوافقون الحجازيين في بنائه على الكسر.
وقليل من بني تميم يمنعون هذا الباب كله من الصرف، سواء كان مختومًا بالراء أو غير مختومٍ بالراء، كقول الفرزدق:
نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِيّ لَمّا ** غَدَتْ مِنّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ
فأعرب "نوارُ" منعًا من الصرف.
الكلمة الثالثة مما يدخل في المعرفة المعدولة: كلمة "أمس".
ونستكمل ما بقي في الدرس القادم.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدَّمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم، والشكر موصولٌ لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، سائلين الله أن نلقاكم في حلقة أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي" إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.